تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٠

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٠

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

ونا أحمد بن ... (١) ، نا محمّد بن أحمد نا (٢) سليمان بن أحمد ، نا محمّد زكريا الغلّابي ، نا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية ، حدّثني أبي عن جده أبي (٣) سوية بن خليفة ، وكان خليفة مسلما ، قال :

سألت محمّد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد : كيف سمّاك أبوك محمّدا ، فضحك ثمّ قال : أخبرني أبي عدي بن ربيعة قال :

خرجت أنا وسفيان بن مجاشع بن دارم ، ويزيد بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن ، وأسامة بن مالك بن العنبر نريد ابن جفنة ، فلما قربنا منه نزلنا إلى شجرات وغدير ، فقلنا : لو اغتسلنا وادّهنا ولبسنا ثيابا هاهنا من قشف السفر (٤) ، فجلسنا نتحدث ، فأشرف علينا ديراني من قائم له فقال : إنّي أسمع بلغة قوم ليس بلغة أهل هذه البلاد ، فقلنا : نحن قوم من مضر ، فقال : من أي المضريين من قريش أو من خندف؟ قلنا : من خندف ، قال : إنه سيبعث وشيكا (٥) نبي منكم فخذوا نصيبكم منه تسعدوا ، قلنا : ما اسمه؟ قال : محمّد ، قال : فأتينا ابن جفنة فقضينا حاجتنا من عنده ثمّ انصرفنا ، فولد لكلّ رجل منا ابن ، فسمّاه محمّدا ، يدور على ذلك الاسم.

ورواه غيره عن العلاء بن الفضل ، فقال : عدي بن سواه.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ رشأ بن نظيف ، أنا الحسين بن إسماعيل ، نا أحمد بن مروان ، نا عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، أنبأ يزيد بن عمرو ، نا العلاء بن الفضل ، ثنا أبي ، عن أبيه عبد الملك بن أبي سويّة ، عن أبي سوية ، عن أبيه خليفة بن (٦) عبدة المنقري ، قال :

سألت محمّد بن عدي بن سواءة بن جشم بن سعد : كيف سمّاك أبوك محمّدا؟ فقال : أما إنّي قد سألت كما سألتني عنه ، فقال : خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم ، وسفيان بن مجاشع بن دارم ، ويزيد بن عمرو بن ربيعة ، وأسامة بن مالك بن جندب بن العنبر نريد ابن جفنة الغساني ، فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجيرات ، قائما لديراني

__________________

(١) كلمة غير واضحة ورسمها : نيدان.

(٢) الأصل وم : بن.

(٣) الأصل : بن ، والمثبت عن م ودلائل أبي نعيم.

(٤) قشف السفر : وسخه.

(٥) الأصل : وشيك ، والمثبت عن م ودلائل أبي نعيم.

(٦) الأصل : عن ، تصحيف والصواب عن م.

١٠١

فأشرف علينا وقال : إنّ هذه اللغة ما هي لأهل هذا البلد ، قال : قلنا : نعم ، نحن قوم من مضر ، فقال : من أي المضريين أنتم؟ قلنا : من خندف ، فقال : أما إنه سيبعث وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، وإنّه خاتم النبيين ، واسمه محمّد ، فلما انصرفنا من عند ابن جفنة وصرنا إلى أهلنا ولد لكلّ رجل منا غلام ، فسميناه محمّدا تأميلا أن يكون ابنه ذلك النبي المبعوث.

خالفهم القلوسي فوهم في الإسناد وفي تسمية عدي بن ربيعة.

أخبرنا أبو الفرج غيث بن علي ، وأبو الحسن علي بن المسلّم ، وأبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، قالوا : أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي أبو بكر ، أنا أبو بكر الخرائطي ، نا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القلوسي ، نا العلاء بن الفضل بن أبي سوية ، أخبرني أبي عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية ، عن جده أبي سوية ، عن أبيه خليفة قال :

سألت محمّد بن عثمان (١) بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد ، قلت : كيف سمّاك أبوك محمّدا؟ فقال : سألت أبي عما سألتني عنه فقال : خرجت رابع أربعة من بني تميم ، أنا منهم ، وسفيان بن مجاشع بن دارم ، وأسامة بن مالك بن جندب بن العنبر ، ويزيد بن ربيعة بن كنانة بن حرقوص بن مازن ونحن نريد ابن جفنة ملك غسان ، فلما شارفنا للشام نزلنا إلى غدير عليه شجرات ، وتحدّثنا ، فسمع كلامنا راهب ، فأشرف علينا فقال : إن هذه لغة ما هي بلغة أهل هذه البلاد ، قلنا : نعم ، نحن قوم من مضر ، فقال : من أي المضريين؟ قلنا : من خندف ، قال : أما إنّه يبعث فيكم وشيكا نبي ، خاتم النبيين ، فسارعوا إليه ، وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، فقلنا له : ما اسمه؟ قال : اسمه محمّد ، قال : فرجعنا من عند ابن جفنة ، فولد لكلّ واحد منا ابن فسمّاه محمّدا.

كذا قال عثمان بن سعد ، وهو وهم.

أخبرنا أبو الفتح الماهاني ، أنا إسحاق المصقلي ، أنا أبو عبد الله العبدي ، قال في تسمية الصحابة : عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد ، ذكرناه فيمن اسمه محمّد ، وفي هذا نظر.

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وسينبه المصنف في آخر الخبر إلى أنه وهم ، وهو عدي بن ربيعة.

١٠٢

٤٦٦١ ـ عدي بن الرّعلاء الغسّاني (١)

من بني كوث بن تفلذ ثمّ من بني عمرو بن مازن بن الأزد.

شاعر مجد كان يكون ببادية دمشق ، والرعلاء أمه.

أخبرنا أبو الحسين محمّد بن كامل قال : كتب إليّ أبو جعفر بن المسلمة يخبرني عن أبي عبيد الله محمّد (٢) بن عمران بن موسى المرزباني ، قال (٣) : عدي بن الرّعلاء الغسّاني ، والرّعلاء أمه ، وهو القائل :

كم تركنا بالعين عين أباغ (٤)

من ملوك وسوقة ألقاء (٥)

فرقت بينهم وبين نعيم

ضربة من صفيحة نجلاء

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش ذليلا

كاسفا باله قليل الرخاء

فأناس يمصصون ثمادا

وأناس حلوقهم في الماء

ربما ضربة بسيف صقيل

بين بصرى وطعنة نجلاء (٦)

وغموس (٧) تضلّ فيها يد الآ

سي ويعيا طبيبها بالدواء

رفعوا راية الضراب وآلوا

ليذودون سائر البطحاء

فرفعنا العقاب للطعن حتى

جرت الخيل بينهم بالدماء

وله :

إني ليحمدني الخليل إذا اجتدى

ما لي ويكرهني ذوو الأضغان

وأعيش بالنيل القليل وقد أرى

أن الرّموس (٨) [مصارع الفتيان](٩)

__________________

(١) معجم الشعراء للمرزباني ص ٢٥٢ ، الأصمعيات ص ١٧٠ وخزانة الأدب ٤ / ١٨٧.

(٢) الأصل : «يخبرني عن عبيد الله محمّد بن محمّد» صوبنا الاسم والكنية عن م.

(٣) الخبر والشعر في معجم الشعراء للمرزباني ص ٢٥٢.

(٤) عين أباغ : بضم الهمزة ، وبعدها باء موحدة وآخره غين معجمة ، ليست بعين ماء ، وإنما هو واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام.

(٥) ألقاء : جمع لقى ، وهو الشيء الملقى.

(٦) النجلاء : الواسعة ، جرّها الشاعر بالكسرة لضرورة الوزن.

(٧) الغموس : النافذة.

(٨) الرموس جمع رمس ، وهو القبر المستوي مع وجه الأرض (اللسان).

(٩) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، ومكانه بياض في م ، والزيادة عن معجم الشعراء ص ٢٥٢.

١٠٣

وتظل تخلجني (١) الهموم كما ترى

دلو السقاة تمد بالأشطان (٢)

وقد رويت هذه الأبيات للحارث بن رعلاء الغساني ، والله أعلم.

٤٦٦٢ ـ عدي بن زيد بن حمّاد (٣) بن زيد بن أيوب بن مجدوق (٤)

ابن عامر بن عصيّة (٥) بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم

 ابن مرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر

 ابن نزار التميمي (٦)

شاعر من شعراء الجاهلية ، كان نصرانيا وكان يسكن الحيرة ، وأرسله صاحب الحيرة إلى ملك الروم بهدية.

ودخل دمشق وذكرها في شعره ، وهو المعروف بالعبادي والعباد هم نصارى الحيرة.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو محمّد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب ، أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمّد بن سلم ، أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب (٧) ، نا أبو عبد الله محمّد بن سلّام الجمحي (٨) في كتاب طبقات الشعراء الجاهليين (٩) في الطبقة الرابعة منهم : وهم أربعة رهط فحول شعراء موضعهم مع الأوائل وإنما أخلّ بهم قلّة شعرهم بأيدي الرواة فذكر طرفة ، وعبيد بن الأبرص ، وعلقمة بن عبدة ، وعدي بن زيد بن حمّاد (١٠) بن زيد بن أيوب بن

__________________

(١) الأصل : «؟؟؟؟» والمثبت عن م ومعجم الشعراء ، وتخلجني : تجتذبني. (اللسان : خلج).

(٢) الأشطان : جمع شطن ، وهو حبل الدلو (اللسان : شطن).

(٣) كذا بالأصل ، وفي معجم الشعراء ص ٢٤٩ حمار ، وفي سير أعلام النبلاء ٥ / ١١٠ الحمار ، وفي الأغاني ٢ / ٩٦ حماد ، ونقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الأغاني : خمار بالخاء المعجمة. وجاء هذا الاسم في الشعر والشعراء : مرة : حماد ، ومرة : وفي شعراء النصرانية : حمار بالراء ، وكتب في التعليق عليه : ويروى خمار وحماد وحماز.

(٤) كذا بالأصل ، وفي م : مجروف ، وفي الأغاني : محروف ، وفي المختصر : محروب. وفي معجم الشعراء : مجروف.

(٥) رسمها بالأصل : «عصه» واللفظة غير ظاهرة في م لسوء التصوير ، والمثبت عن الأغاني ومعجم الشعراء.

(٦) انظر أخباره في معجم الشعراء ص ٢٤٩ الأغاني ٢ / ٩٧ طبقات ابن سلام ١ / ١٣٧ جمهرة ابن حزم ص ٢١٤ ومعجم الشعراء ص ٢٤٩ الشعر والشعراء ١ / ٢٢٥ بلوغ الأرب ٢ / ٢٦٢ اللباب ١ / ١١١ خزانة الأدب ١ / ١٨٣ سير أعلام النبلاء ٥ / ١١٠ شعراء النصرانية ص ٤٣٩ (قبل الإسلام).

(٧) في م : «الجبار؟؟؟» وفوقها ضبة.

(٨) الأصل : الحميمي ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، وهو صاحب كتاب : طبقات الشعراء.

(٩) طبقات الشعراء ص ٥٨.

(١٠) كذا بالأصل وطبقات الشعراء ، وفي م : جمار.

١٠٤

محروب [بن](١) عامر بن عصيّة (٢) بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم.

وكذا ذكر أبو الفرج الأصبهاني اسمه إلّا أنه قال : حمار بدل حماد (٣) ، وقال ابن محروف بدل ابن محروب (٤).

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٥) :

أما حمار بكسر الحاء المهملة وفتح الميم وتخفيفها وآخره راء : عدي بن زيد بن حمار (٦) بن زيد بن أيوب بن محروف (٧) بن عامر بن عصبة بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم.

ذكره محمّد بن سلام ، وابن الكلبي ، وقال عمر بن شبّة : هو عدي بن زيد بن حمار (٨) بن زيد [بن أيوب](٩) بن عامر بن عبيد بن امرئ القيس بن زيد مناة ، وهو العبادي الشاعر الذي قتله النعمان ، وله أخ يقال له عمر (١٠) بن زيد ، وله ابنان : زيد بن عدي ، وهو شاعر ، وعمرو.

وقال في موضع آخر (١١) : أما العبادي بكسر العين : عدي بن زيد العبادي ، شاعر مشهور.

أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي ، نا محمّد بن علي بن محمّد.

ح وأخبرنا أبو الحسين [بن](١٢) الفرّاء ، أنا أبي أبو يعلى.

قالا : أنا عبيد الله (١٣) بن أحمد بن علي ، أنا محمّد بن مخلد قال :

قرأت على علي بن عمرو حدثكم الهيثم بن عدي ، نا ابن عباس قال في تسمية الحول : عدي بن زيد الشاعر.

أخبرنا أبو سعد بن البغدادي ، أنا أبو نصر محمّد بن أحمد بن عمر بن ... (١٤) ، أنبأ

__________________

(١) زيادة عن م.

(٢) الأصل وم : «عصه».

(٣) كذا بالأصل : «حمار بدل حماد» وفي م : «خمار بدل جمار» وفي المختصر عن الأغاني : «خمار بدل حمار» والذي في الأغاني المطبوع ط. دار الكتب ٢ / ٩٧ حمّاد. وبهامشها عن إحدى النسخ : حمار.

(٤) الذي في الأغاني ٢ / ٩٧ محروف.

(٥) الاكمال ٢ / ٥٤٧ و ٥٤٩.

(٦) الأصل : حماد ، والمثبت عن م والاكمال.

(٧) كذا بالأصل وم ، وفي الاكمال : مجروف.

(٨) الأصل : حماد ، والمثبت عن م والاكمال.

(٩) «بن أيوب» عن م والاكمال.

(١٠) الأصل وم ، وفي الاكمال : عمير.

(١١) الاكمال لابن ماكولا ٦ / ٣٤٣ و ٣٤٤.

(١٢) زيادة عن م.

(١٣) عن م وبالأصل : عبد الله.

(١٤) بدون إعجام بالأصل وم ورسمها : «سسو».

١٠٥

سعيد محمّد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن أحمد الصفار ، نا [ابن] أبي الدنيا ، نا محمّد بن عباد بن موسى ، نا هشام بن محمّد ، عن عدي بن أيوب البجلي ، قال : سمعت جدي أبا زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبيه قال : تدرون أيّ يوم تنصّر فيه النعمان بن المنذر؟ فقلنا : لا ، فقال : فإنه خرج متنزها متصيدا ، وكان النعمان يعبد الأوثان ، فمرّ بمقابر بظاهر الحيرة ، فوقف قريبا منها ، فقال له عدي بن زيد : أبيت اللعن! تدري ما تقول هذه المقابر؟ قال : لا ، قال : فإنها تقول (١) :

أيها الركب المحثون (٢)

على الأرض مجدّون

كما (٣) أنتم كنا

وكما نحن تكونون

قال : أعد علي ، فأعاد عليه ، فرجع النعمان وهو رقيق ، ثم خرج خرجة فوقف على مقابر ، فقال له عدي : أبيت اللعن ، تدري ما تقول هذه؟ قال : ما تقول؟ قال : تقول (٤) :

ربّ ركب قد أناخوا حولنا (٥)

يشربون الخمر بالماء الزّلال

ثم بادوا عصف الدهر بهم (٦)

وكذاك الدهر حالا بعد حال

قال : أعد فأعاد ، فرجع متنصرا فمات نصرانيا.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد العزيز ، نا أبي ، عن هشام بن حسان ، عن إسحاق بن زياد بن بني سامة بن لؤي شبيب بن شيبة ، عن خالد بن صفوان بن الأهتم ، قال (٧) :

أوفدني (٨) يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق ، فقدمت

__________________

(١) البيتان في الأغاني ٢ / ٩٦ و ١٣٤.

(٢) الأغاني المخبّون.

(٣) الأغاني : «فكما» وفيها ص ١٣٤ كالأصل ، وعلى هذه الرواية فهو غير موزون.

(٤) البيتان في الأغاني ٢ / ٩٦ وفيها أنهما وقفا على شجرة ، فسأله عدي ما ذا تقول. وبرواية الأصل فيها ٢ / ١٣٤.

(٥) الأغاني : عندنا.

(٦) صدره في الأغاني :

عصف الدهر بهم فانقرضوا

وروايته فيها ٢ / ١٣٥ :

ثم أضحوا عصف الدهر بهم

وكذاك الدهر يودي بالرجال

الخبر والشعر في الأغاني ٢ / ١٣٤ ـ ١٣٥ وشعراء النصرانية (قبل الإسلام) ص ٤٤١ ـ ٤٤٢.

(٧) الخبر في الأغاني ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٨) الأصل : «وفدلى» وفي م : «وقد لي» وفوقها ضبة ، والمثبت عن الأغاني.

١٠٦

عليه ، وقد خرج متبديا بقرابته (١) وحشمه وأهله وحاشيته (٢) وجلسائه ، وقد نزل في أرض صحصح (٣) في عام قد كثر وسميه (٤) ، وأخرجت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها ، وقد ضرب له سرادق من حبرة (٥) ملونة وفرشت له ألوان الفرش ، وزينت بأحسن الزينة ، وقد أخذ الناس مجالسهم ، فأخرجت رأسي من ناحية الفسطاط ، فنظر إليّ شبه المستنطق لي. فقلت : أتمّ الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسبوغها بشكره ، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا ، وعاقبة ما يؤول إليه حمدا ، وخلّصه لك بالبقاء ، وكثره لك بالنماء ، ولا كدّر عليك منه صافيا ، ولا خلط بسروره الردى ، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا إليك يفزعون وإليك يصدرون (٦) ، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك ، فإن أذن لي أمير المؤمنين [أخبرته به ، فاستوى جالسا وكان متكئا ، فقال : هات يا ابن الأهتم قال : قلت : يا أمير المؤمنين](٧) أن ملكا من الملوك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير (٨) في عام قد بكر وسميه ، وتتابع وليه ، وأخذت الأرض منه زخرفها وزينتها ، وكان قد أعطى بسطة في الملك مع الكثرة والغلبة والقهر ، فنظر فأنفذ (٩) النظر ، فقال لجلسائه : لمن هذا؟ قالوا : للملك ، قال : فهل رأيتم أحدا أعطي مثل ما أعطيت؟ قال : وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة ولم تخل الأرض من قائم لله بحجته في عباده ، فقال : أيها الملك إنّك قد سألت عن أمر ، فتأذن لي بالجواب عنه؟ قال : نعم ، قال : رأيت ما أنت فيه ، أشيء لم تزل فيه؟ أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك؟ وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال : كذلك هو ، قال : فلا أراك إنما عجبت بشيء يسير لا تكون فينا إلّا قليلا وتنقل عنه طويلا ، فيكون غدا عليك حسابا ، قال : ويحك ، وأين المهرب؟ وأين المطلب؟ وأخذته الأقشعريرة (١٠) ، وقال : إمّا أن تقيم في ملكك ، فتعمل فيه بطاعته على ما ساءك وسرك ، وأمضك (١١)

__________________

(١) كلمة غير مقروءة بالأصل ، وبدون إعجام في م والمثبت عن الأغاني.

(٢) عن م ، واللفظة مطموسة بالأصل وفي الأغاني : وغاشيته.

(٣) الصحصح : الأرض الجرداء المستوية ذات حصى صغار.

(٤) الوسمي : مطر الربيع الأول.

(٥) حبرة : ضرب من منسوج اليمن منمر أو مخطط.

(٦) الأغاني : إليك يقصدون في مظالمهم ، ويفزعون في أمورهم.

(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م والأغاني.

(٨) الخورنق والسدير : الخورنق : قصر كان للنعمان الأكبر ، والسدير : قصر في الحيرة من منازل آل المنذر ، وقيل إنه قريب من الخورنق (انظر ما جاء فيهما في معجم البلدان).

(٩) الأغاني : فأبعد.

(١٠) كذا بالأصل وم ، وهي القشعريرة.

(١١) أي أحرقك وشق عليك.

١٠٧

وأرمضك (١) ، وإمّا أن تخلع (٢) عن ملكك ، وتضع تاجك ، وتلقي عليك أطمارك ، واعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك ، فقال : إني مفكر الليلة وآتيك في السحر وأخبرك أحد (٣) المنزلتين ، فلما كان في السحر قرع عليه بابه فقال : إنّي اخترت هذا الجبل وفلوات الأرض ، وقفر البلاد ، وقد لبست عليّ أمساحي (٤) ، ووضعت تاجي ، فإن كنت رفيقا لا تخالف. فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما جميعا.

وهو الذي يقول فيه أخو تميم عدي بن زيد العبادي (٥) :

أيها الشامت المعير بالده

ر أأنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأي

ام بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلّدن أم من

ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنوشر

وان أم أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك الر

وم لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ

دجلة تجبي إليه والخابور (٦)

شاده مرمرا وجلله (٧) كلسا

فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فباد الم

لك عنه فبابه مهجور

وتذكر رب الخورنق إذ أش

رف يوما وللهدى تفكير

سره ماله (٨) وكثرة ما يم

لك والبحر معرض (٩) والسدير

فارعوى (١٠) قلبه وقال فما غب

طة حيّ إلى الممات يسير

قال : فبكى هشام حتى اخضلّت لحيته ، وخمّل (١١) عمامته ، وأمر بأبنيته وبقلاع فرشه وحشمه ولزم قصره،فأقبلت الموالي والحشم على خالدبن صفوان بن الأهتم فقالوا:ما ذا

__________________

(١) أرمضك : أوجعك.

(٢) في م : تنحلع.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الأغاني : إحدى المنزلتين ، عنى هنا : أحد الرأيين ، كما ورد في الأغاني أيضا.

(٤) الأمساح : جمع مسح ، وهو كساء من شعر (اللسان).

(٥) الأبيات في الأغاني ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩ وبعضها في معجم الشعراء ص ٢٤٩ وطبقات الشعراء للجمحي ص ٥٩ وشعراء النصرانية (قبل الإسلام) ص ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

(٦) اسم نهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة (انظر معجم البلدان).

(٧) كذا بالأصل والأغاني ، وفي م : وخلله.

(٨) في الشعر والشعراء : سرّ حاله.

(٩) أي متسع.

(١٠) استدرك البيت على هامش الأصل.

(١١) الأغاني : بلّ.

١٠٨

أردت (١) إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذّته ونغّصت عليه مأدبته فقال : إليكم عني ، فإنّي عاهدت الله ألا أخلو بملك إلّا ذكّرته الله عزوجل ، فبعث إلى كلّ واحد من الوفد بجائزة ، كانوا عشرة ، وبعث إلى خالد مثل جميع ما وجه إلى جميع الوفد.

رواه جعفر بن محمّد الفريابي ، وأحمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشاء ، عن إسحاق بن البهلول الأنباري ، عن أبيه بهذا الإسناد نحوه.

وقال : وهو حيث يقول عدي بن زيد أخو بني تميم.

ورواه يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلولي عن جده عن أبيه بإسناده نحوه وقال : وهو حيث يقول أخو بني تميم عدي بن سالم .... (٢) العدوي ، وزاد في الشعر في آخر الأبيات :

ثم بعد الفلاح والملك والإمة (٣)

وارتهم هناك للقبور

ثم صاروا كأنهم ورق جفّ

فألوت (٤) به الصبا والدبور

وقد ذكرت ذلك في ترجمة خالد بن صفوان (٥).

أخبرنا والدي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال :

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي ، أنا أبو الحسن (٦) رشأ بن نظيف المقرئ ، أنا أبو محمّد الحسين بن إسماعيل المصري ، أنا أبو بكر أحمد بن ....... (٧) ، نا أحمد بن يوسف ، نا محمّد بن سلّام الجمحي ، عن الأصمعي.

أن النعمان بن امرئ القيس الأكبر وهو الذي بنى الخورنق ركب يوما وأشرف على الخورنق ، فنظر إلى ما حوله ، فقال لمن حضره : هل علمتم أحدا أوتي مثل ما أوتيت؟ فقالوا : لا ، إلّا رجلا منهم ساكت لا يتكلم ، وكان من حكمائهم فقالوا له : ما لك لا تتكلم ، فقال : أيها الملك إن أذنت لي تكلّمت ، فقال : نعم ، قال : أرأيت ما جمعت أشيء هو لك لم يزل ولا تزول؟ أم هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك؟ وكذلك يزول عنك؟ فقال : لا ،

__________________

(١) الأصل : أدركت ، والمثبت عن م والأغاني.

(٢) غير واضحة بالأصل وم.

(٣) إلامة : النعمة ، وفي شعراء النصرانية : والنعمة بدل والإمة.

(٤) ألوت به : أي ذهبت به.

(٥) بعدها في م : آخر الجزء الرابع والثلاثين بعد الثلاثمائة.

(٦) الأصل : الحسين ، تصحيف.

(٧) اللفظتان غير واضحتين بالأصل ، ورسمهما : «بعدوى المللى» ولسوء التصوير في م غير واضحتين.

١٠٩

بل كان لمن قبلي فزال عنه وصار إليّ ، وكذلك يزول عني ، قال : فسررت بشيء يذهب عنك لذّته غدا وتبقى تبعته عليك تكون فيه قليلا وترتهن عليه كثيرا طويلا ، قال : فبكى ، وقال له : فأين المهرب ، قال : إلى أحد أمرين : إمّا أن تقيم فتعمل بطاعة ربّك ، وإمّا أن تلقي عليك أمساحا ثمّ تلحق بجبل وتفرّ من الناس ، وتقيم وحدك ، تعبد ربك حتى يأتيك أجلك ، قال : فإذا فعلت ذلك فما لي؟ فقال : حياة لا تموت وشباب لا يهرم ، وصحة لا تسقم ، وملك جديد لا يبلى ، فقال له : أيها الحكيم فعلما أن لي فناء وزوال؟ قال : نعم ، قال : فإني خيرت فيما يفنى ، والله لأطلبنّ عيشا لا يزول أبدا ، فانخلع من ملكه ولبس الأمساح وسار في الأرض وتبعه الحكيم ، فعبدا الله جميعا حتى ماتا.

وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد الشاعر :

وتبين رب الخورنق إذ أشرف

يوما للهدى تفكير

سرّه ماله وكثرة ما يملك

والبحر معرض والسدير

فارعوى قلبه وقال فما غبطة

حيّ إلى الممات يصير

وفيهم يقول الأسود بن يعفر (١) :

ما ذا اؤمل بعد آل محرّق

تركوا منازلهم وبعد إياد

أرض (٢) الخورنق والسدير وبارق

والقصر ذي الشرفات من سنداد

نزلوا (٣) بأنقرة يسيل عليهم

ماء الفرات يجيء من أطواد (٤)

أرض تخيرها ، لطيب مقيلها (٥)

كعب بن مامة وابن أم دؤاد (٦)

جرت الرياح على محل ديارهم

فكأنما كانوا على ميعاد

فإذا النعيم وكل ما نلهى به

يوما يصير إلى بلى ونفاد

قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الأموي (٧) ، قال ابن الأعرابي :

__________________

(١) الأبيات في معجم البلدان : «سنداد» و «أنقرة».

(٢) البيت في معجم البلدان : «الخورنق» و «السدير» و «سنداد» برواية أهل الخورنق.

(٣) معجم البلدان : «حلوا بأنقرة». وفي معجم البلدان : انقرة» : نزلوا.

(٤) الأصل : الجواد ، والمثبت عن معجم البلدان «سنداد» و «انقرة».

(٥) الأصل وم : مغبطها ، والمثبت عن معجم البلدان «سنداد».

(٦) أراد كعب بن مامة بن عمرو بن ثعلبة بن سلولة بن شبابة الإيادي الذي يضرب المثل بجوده.

وابن أم دواد ، أراد أبا دؤاد الإيادي الشاعر المشهور.

(٧) الخبر في الأغاني ٢ / ٩٧ وما بعدها.

١١٠

فيمن أخبرني به علي بن سليمان الأخفش ، عن السكري ، عن محمّد بن حبيب عنه ، وعن هشام بن الكلبي (١) قال :

كان سبب نزول عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرئ القيس بن زيد مناة ، فأصاب دما في قومه ، فهرب ، فلحق بأوس بن قلّام ، أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة ، وكان بين أيوب وبين أوس بن قلّام هذا نسب من قبل النساء فلما قدم عليه أيوب أكرمه وأنزله في داره ، فمكث معه ما شاء أن يمكث ، ثم إن أوسا قال له : يا ابن خال ، أتريد المقام عندي وفي داري؟ فقال له أيوب : نعم ، فقد علمت أنّي إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دما لم أسلم ، وما لي دار إلّا دارك آخر الدهر ، قال : قال : قد كبرت وأنا خائف أن أموت ولا يعرف ولدي لك من الحقّ مثل ما أعرف ، وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم ، فانظر أحبّ مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه ، أو أبتاعه لك ، قال : وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة وكان منزل أوس في الجانب الغربي فقال له : قد أحببت أن (٢) يكون المنزل الذي تسكنّيه عند منزل عصام بن ععدة (٣) أحد بني الحارث بن كعب ، فابتاع له موضع داره بثلاثمائة أوقية من ذهب ، وأنفق عليها مائتي أوقية من ذهب ، وأعطاه مائتين من الإبل برعاتها وفرسا وقينة فمكث في منزل أول حتى هلك ، ثم تحوّل إلى داره التي في شرقي الحيرة ، فهلك بها ، وقد كان اتصل قبل مهلكه للملوك الذين كانوا بالحيرة ، وعرفوا حقّه وحق ابنه زيد بن أيوب ، فلم يكن منهم ملك يملك إلّا ولولد (٤) أيوب منه جوائز وحملان (٥) ، ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلّام فولدت له حمارا (٦) ، فخرج زيد بن أيوب في يوم من الأيام يريد الصيد في ناس من أهل الحيرة متبدون (٧) بحفير (٨) المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره ، فانفرد في الصيد فتباعد من أصحابه ، فلقيه رجل من امرئ القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه ، فقال له وقد عرف فيه شبه أيوب : ممن الرجل؟ قال : من بني تميم ، قال : من أيهم؟ قال : من مرئي ، قال له

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، والذي في الأغاني : عن هشام بن الكلبي عن أبيه قال.

(٢) الأصل : ما ، والمثبت عن م والأغاني.

(٣) الأصل وم ، وفي الأغاني : عبدة.

(٤) الأصل : ولد ، والتصويب عن م والأغاني.

(٥) الحملان : ما يحمل عليه من الدواب ، خاصة في الهبة.

(٦) الأصل وم ، وفي الأغاني : حمادا.

(٧) كذا بالأصل وم ، والصواب : «متبدين» ، أي المقيمين بالبادية ، وفي الأغاني : وهم متندّون.

(٨) الأصل : بحفيرة ، والمثبت عن م والأغاني ، والحفير موضع بالحيرة ذكره البكري في معجم ما استعجم.

١١١

الأعرابي : وأين منزلك؟ قال : الحيرة ، قال : من بني أيوب؟ قال : نعم ، ومن أين تعرف بني أيوب ، واستوحش من الأعرابي ، وذكر الدار الذي هرب منه أبوه ، فقال له : سمعت بهم ، ولم يعلمه أنه قد عرفه ، فقال له [زيد](١) بن أيوب : فمن أي العرب أنت؟ قال : أنا امرؤ من طيء ، فأمنه زيد وسكت عنه ، ثم إن الأعرابي اغتفل ابن أيوب فرماه بسهم بين كتفيه ففلق قلبه ، فلم يرم حافر دابته حتى مات فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه ، وقد افتقدوا وظنوا أنه قد أمعن في طلب الصيد ، فباتوا يطلبونه حتى آيسوا منه ، ثم غذوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقعوا عليه ورأوا معه أثر راكب آخر يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلا ، فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله ، فاتبعوه فاغذوا السير فأدركوه مسي (٢) الليلة الثانية فصاحوا به ، وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلا منهم في مرجع كتفه بسهم فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي ، فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلا (٣) آخر من بني الحارث بن كعب فمكث حمار (٤) في أخواله حتى أيفع (٥) ولحق الوصفاء (٦) ، فخرج يوما من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان ، فلطم اللحياني عين حمار فشجّه حمار ، فخرج أبو اللحياني فضرب حمارا فأتى حمار أمه يبكي ، فقالت له (٧) : ما شأنك؟ فقال : ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته ، فجزعت من ذلك أمه وحوّلته إلى دار زيد بن أيوب وعلّمته الكتابة في دار أبيه ، فكان حمار أول من كنت من بني أيوب فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب النعمان الأكبر فلبث كاتبا له [حتى ولد له](٨) ابن من امرأة تزوجها من طيء فسماه زيدا باسم أبيه وكان [لحمار](٩) صديق من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان ، وكان محسنا إلى حمار ، فلما حضرت حمارا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان ، وكان من المرازبة ، فأخذه الدهقان إليه ، فكان عنده مع ولده ، وكان زيد قد حذق الكتابة العربية قبل أن يأخذه الدهقان ، فعلّمه لما أخذه الفارسية فلقنها وكان لبيبا فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه ، ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلّا بأولاد المرازبة ، فمكث يتولّى ذلك لكسرى زمانا ثمّ إن النعمان النصري اللخمي هلك ، فاختلف أهل الحيرة فيمن يملّكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل ينصبه ، فأشار عليهم المرزبان يزيد بن حمار

__________________

(١) زيادة عن الأغاني.

(٢) المسي من المساء ، وفي الأغاني : مساء.

(٣) الأصل : ورجل ، والمثبت عن م والأغاني.

(٤) الأصل وم ، وفي الأغاني : حماد.

(٥) أيفع الغلام فهو يافع إذا شارف الاحتلام.

(٦) الوصفاء جمع وصيف وهو الغلام دون المراهق.

(٧) الأصل : فقال ، والمثبت عن م والأغاني.

(٨) ما بين معكوفتين زيادة عن م والأغاني.

(٩) الزيادة عن م ، وفي الأغاني : لحماد.

١١٢

على الحيرة إلى أن ملّك كسرى عليهم المنذر بن ماء السماء ونكح زيد بن حماد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عدي ، وملك المنذر ، فكان لا يعصيه في شيء ، وولد للمرزبان ابن فسماه : شاهان مرد ، فلما تحرّك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتّاب ، حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع أبيه شاهان مرد إلى كتّاب الفارسية فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بهما وأفصحهم بالعربية ، وقال الشعر ، وتعلّم الرمي بالنشاب ، فخرج من الأساورة (١) الرماة وتعلّم لعب العجم على الخيل بالصوالجة (٢) وغيرها.

ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه شاهان مرد فبينا هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السور فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى ، فجعل كلّ واحد منهما منقاره في منقار الآخر ، فغضب كسرى من ذلك ولحقته غيرة ، فقال للمرزبان وابنه : ليرم كلّ واحد منكما واحد من هذين الطائرين ، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال ، وملأت أفواهكما بالجوهر ، ومن أخطأ منكما عاقبته ، فأخذ كل واحد منهما طائرا منهما ، ورميا فقتلاهما جميعا ، فبعث بهما إلى بيت المال ، فملئت أفواههما جوهرا ، وأثبت شاهان مرد وسائر أولاد المرزبان في صحابته ، فقال فرّوخ ماهان عند ذلك للملك : إنّ عندي غلاما من العرب مات أبوه وخلّفه في حجري فربّيته وهو أفصح الناس ، وأكتبهم بالعربية والفارسية ، والملك محتاج إلى مثله ، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل قال : ادعه ، فأرسل إلى عدي بن زيد ، وكان جميل الوجه فائق الحسن ، وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه ، فلما كلّمه وجده أطرف الناس وأحضرهم جوابا فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى ، [فرغب أهل الحيرة في عدي ورهبوه ، فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى](٣) يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه ، وأبوه زيد بن حمار يومئذ حيّ إلّا أن ذكر عدي قد ارتفع وخمل ذكر أبيه ، فكان عدي إذا دخل إلى المنذر (٤) قام جميع من عنده حتى يقعد عدي فعلا له بذلك صوت (٥) عظيم فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه وأهله ، استأذن كسرى وأقام فيهم الشهر والشهرين ، وأكثر وأقل.

__________________

(١) الأساورة جمع اسوار بالضم أو بالكسر : وهو الجيد الرمي بالسهام وقائد الفرس.

(٢) الصوالجة جمع صولجان وهو عصا يعطف طرفها ، يضرب بها الكرة على الدواب ، فارسي معرب.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وأضيف عن م والأغاني.

(٤) مضطربة بالأصل ، والمثبت عن م والأغاني.

(٥) في الأغاني : «صيت» وكلاهما بمعنى.

١١٣

ثم إنّ كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده ، فلما أتى عدي بها أكرمه وحمله على البريد إلى أعماله (١) ليريه سعة أرضه وعظم ملكه ، وكذلك كانوا يصنعون ، فمن ثمّ وقع عدي بدمشق ، وقال فيها الشعر فكان مما قاله بالشام وهو أول شعر قاله فيما ذكر (٢) :

ربّ دار بأسفل الجزع من دو

مة (٣) أشهى إليّ من جيرون (٤)

وندامى لا يفرحون بما نا

لوا ولا يرهبون (٥) صرف المنون

وسقيت الشمول في دار بشر

قهوة مرة بماء سخين

ثم كان أول ما قاله بعدها قوله (٦) :

لمن الدار تعفت بخيم (٧)

أصبحت غيرها طول القدم

صالحا قد لفها فاستوسقت

لفّ بازي حماما في سلّم

قال : وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق ، حتى أصلح أبوه بينهم ، وذلك لأن [أهل](٨) الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم ، وكان يأخذ من أموالهم [ما](٩) يعجبه فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حمار بن زيد بن أيوب ، وكان قبله على الحيرة فقال له : يا زيد أنت خليفة أبي ، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة ، فلا حاجة لي في ملككم ، دونكموه فملّكوه من شئتم ، فقال له زيد : إنّ الأمر ليس إليّ ولكني أسبر (١٠) لك هذا الأمر (١١) ولا آلوك نصحا ، فلما أصبح غدا إليه الناس فحيّوه تحية الملك ، وقالوا له : ألا تبعث إلى الظالم عبدك ـ يعنون المنذر ـ فتريح منه رعيتك؟ قال لهم : أولا خير من ذلك؟ قالوا له : أشر علينا ، قال : تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك ، وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلا يكون أمر الحيرة إليه إلّا أن يكون غزو وقتال ، فلك اسم الملك وليس إليك شيء سوى ذلك من الأمور ، قالوا : رأيك أفضل ، فأتى

__________________

(١) الأغاني : عماله.

(٢) الأبيات في الأغاني ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٣) انظر ما ذكره في دومة «معجم البلدان» و «معجم ما استعجم للبكري».

(٤) جيرون : بناء عند باب دمشق ، (وانظر معجم البلدان).

(٥) بدون إعجام في الأصل : ورسمها «يبعون؟؟؟» وفي م : يتقون ، والمثبت عن الأغاني.

(٦) الأبيات في الأغاني ٢ / ١٠٣.

(٧) خيم : موضع.

(٨) الزيادة للإيضاح عن الأغاني.

(٩) الزيادة للإيضاح عن الأغاني.

(١٠) الأصل وم والمختصر : أشير ، والمثبت عن الأغاني.

(١١) الأصل : الأمير ، والمثبت عن م والأغاني.

١١٤

المنذر ، فأخبره ما قالوا ، فقبل ذلك وفرح وقال : إنّ لك يا زيد عليّ نعمة لا أكفرها ما عرفت حقّ سبد ـ وسبد صنم كان لأهل الحيرة ـ فولّى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك ، فإنهم أقروه للمنذر وفي ذلك يقول عدي :

نحن كنا قد علمتم قبلكم

عمد البيت وأوتاد الإصار (١)

قال : ثم هلك زيد وابنه عدي يومئذ بالشام ، وكانت لزيد ألف ناقة للحمالات (٢) كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولّوه ما ولوه ، فلما هلك أرادوا أخذها فبلغ ذلك المنذر فقال : لا واللات والعزّى ، لا يؤخذ مما كان في يد زيد ، ثفروق (٣) وأنا أسمع للصوت ففي ذلك يقول عدي بن زيد لابنه النعمان بن المنذر :

وأبوك المرء لم يشنأ (٤) به

يوم سيم الخسف منا ذو الخسار

قال : ثم إن عديا قدم المدائن على كسرى بهدية قيصر ، فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعا ، فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة فأذن له ، فتوجه إليها ، وبلغ المنذر خبره ، فخرج فتلقاه في الناس ، باستبنا (٥) ، ورجع معه.

وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم ، ولو أراد أن يملكوه لملكوه ، ولكنه كان يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك. فمكث سنين يبدو في فصلي السنة ، فيقيم بالبر ويشتو بالحيرة ، ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى ، فمكث كذلك سنين ، وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع شيئا من مبادي العرب ، ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم ، وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر ، وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد ، وكذلك كان أبوه يفعل ، لا يجاوز (٦) هذين الحيين بإبله ، ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر وهي يومئذ جارية حين (٧) بلغت أو كادت.

قال ابن حبيب : وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد الراوية وأبي

__________________

(١) الإصار : وتد الطنب أو الخباء.

(٢) الحمالات جمع حمالة ، وهي الدية والغرامة يحملها قوم عن قوم.

(٣) الثفروق : علامة ما بين النواة والقمع من التمرة. وقيل : ما التزق بأسفل العنب والتمر ونحوهما (راجع اللسان : ثفرق).

(٤) عن الأغاني ، ورسمها بالأصل : نسق؟؟؟.

(٥) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن م ، وفي المختصر : «باشنبيا» وهي غير موجودة في الأغاني.

(٦) الأصل : حاجب ، وفي م : يجاوز ، والمثبت عن الأغاني.

(٧) الأصل وم : حتى ، والمثبت عن الأغاني.

١١٥

محمّد بن السائب قالوا :

كان لعدي بن زيد أخوان. أحدهما اسمه عماد (١) ولقبه أبيّ ، [والآخر اسمه عمرو ولقبه سميّ](٢) [وكان أبي](٣) يكون عند كسرى ، وكانوا أهل بيت نصارى يكونون مع الأكاسرة ، ولهم معهم أكل وناحية ، يقطعونهم القطائع ويجزلون صلاتهم ، وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان [ابن](٤) المنذر في حجر عدي بن زيد ، فهم الذين أرضعوه وربوه ، وكان للمنذر ابن آخر يقال له الأسود ، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم (٥) الرباب فأرضعه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا ينتسبون إلى لخم ، وكانوا أشرافا ، وكان للمنذر (٦) سوى هذين الولدين عشرة ، وكان ولده يقال لهم : الأشاهب ، من جمالهم ، فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة (٧) :

وبنو المنذر الأشاهب بالحي

رة يمشون غدوة كالسيوف

وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش (٨) قصيرا ، وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك ، فلما احتضر المنذر وخلّف ولده هؤلاء العشرة ، وقيل : بل كانوا ثلاثة عشر ، أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطائي ، وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه ، فمكث مملكا عليها أشهرا وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم ، وهو كسرى بن هرمز ، فلم يجد أحدا يرضاه فضجر ، فقال : لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر ألفا من الأساورة ، ولأملكن عليهم رجلا من الفرس ، ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم ، وكان عدي بن زيد واقفا بين يديه ، فأقبل عليه وقال : ويحك يا عدي : من بقي من آل المنذر؟ وهل فيهم أحد فيه خير؟ قال : نعم أيها الملك السعيد ، إن في ولد المنذر لبقية وفيهم كلهم خير ، فقال : ابعث إليهم فأحضرهم ، فبعث عدي إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعا عنده. ويقال : بل شخص عدي بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد وأوصاهم ، ثم (٩) قدم بهم على كسرى. قال : فلما نزلوا على عدي بن زيد أرسل إلى النعمان : لست أملك غيرك فلا يوحشنك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترهم بذلك. ثم كان

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وفي الأغاني : عمار.

(٢) الزيادة عن الأغاني.

(٣) الزيادة عن الأغاني.

(٤) الزيادة عن م والأغاني.

(٥) الأصل : تميم ، والمثبت عن م والأغاني.

(٦) بالأصل وم : للمنذر بن المنذر ، والمثبت يوافق رواية الأغاني والمختصر.

(٧) ديوانه ص ٢١٢ وتاريخ الطبري ٢ / ١٩٤.

(٨) الأبرش ، هو الذي يكون فيه بقعة بيضاء وأخرى أي لون كان ، وهو الأرقط الأنمر.

(٩) الأصل : بمن ، والمثبت عن م والأغاني.

١١٦

يفضل اخوته جميعا عليه في النزل والإكرام والملازمة ، ويريهم تنقصا للنعمان وأنه غير طامع في تمام أمر على يده ، وجعل يخلو بهم رجلا رجلا فيقول : إذا أدخلتم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم وأجملها ، وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطئوا في الأكل وصغروا اللقم ونزروا ما تأكلون. فإذا قال لكم : أتكفونني العرب؟ فقولوا : نعم ، فإذا قال لكم : فإن شدّ أحدكم على الطاعة وأفسد ، فتكفوننيه؟ فقولوا : لا ، إن بعضنا لا يقدر على بعض ، ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم ويعلم أن للعرب منعة وبأسا فقبلوا منه ، وخلا بالنعمان فقال له : البس ثياب السفر ، وادخل متقلدا بسيفك ، وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الأكل وتجوع قبل ذلك. فإن كسرى يعجبه كثرة الأكل من العرب خاصة ، ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولا شرها ، ولا سيما إذا رأى طعامه وما لا عهد له بمثله ، فإذا سألك هل تكفينني العرب؟ فقل : نعم ، فإذا قال لك : فمن لي باخوتك؟ فقل له : إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لأعجز (١). قال : وخلا ابن مرينا بالأسود فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره ، فقال : غشك والصليب والمعمودية وما نصحك ، ولئن أطعتني لتخالفنّ كل ما أمرك به ولتملكنّ ، ولئن عصيتني ليملكن النعمان ، ولا يغرنك ما أراكه من الإكرام والتفضيل على النعمان ، فإن ذلك دهاء فيه ومكر ، وإن هذه المعدية لا تخلو من مكر وحيلة ، فقال له : إن عديا لم يألني نصحا وهو أعلم بكسرى منك ، وإن خالفته أوحشته وأفسد عليّ وهو جاء بنا ووصفنا وإلى قوله يرجع كسرى ، فلما يئس ابن مرينا من قبوله منه قال : (٢) [ستعلم ، ودعا بهم كسرى فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم ورأى رجالا قلما رأى مثلهم ، فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عدي ، فجعل ينظر إلى النعمان من بينهم ويتأمل أكله ، فقال لعدي بالفارسية : إن يكن في أحد منهم خير ففي هذا. فلما غسلوا أيديهم جعل يدعو بهم رجلا رجلا فيقول له : أتكفيني العرب؟ فيقول : نعم أكفيكها كلها إلّا إخوتي ، حتى انتهى إلى النعمان آخرهم فقال له : أتكفينني العرب ، قال : نعم قال:كلها ، قال : نعم ، قال : فكيف لي باخوتك؟

قال : إن عجزت عنهم ، فأنا عن غيرهم أعجز ، فملكه وخلع عليه وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج وقد ملّك قال ابن مرينا للأسود : دونك عقبي

__________________

(١) الأصل : أعجز ، والمثبت عن الأغاني.

(٢) من هنا سقط بالأصل ، نستدركه عن م والأغاني ـ واللفظ للأغاني لأن هناك بياض كبير في م لم تظهر فيه الكلمات من سوء التصوير.

١١٧

خلافك لي ، ثم إن عديا صنع طعاما في بيعة وأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإن لي حاجة ، فأتي في ناس فتغدوا في البيعة ، فقال عدي بن زيد لابن مرينا : يا عدي : إن أحق من عرف الحق ثمّ لم يلم عليه من كان مثلك ، وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان ، فلا تلمني على شيء كنت على مثله ، وأنا أحب ألا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته ، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي ، فإن نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك ، وقام إلى البيعة فحلف ألا يهجوه أبدا ولا يبغيه غائلة ولا يزوي عنه خيرا أبدا ، فلما فرغ عدي بن زيد ، قام عدي بن مرينا فحلف مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي. وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة. فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد :

ألا أبلغ عديا عن عدي

فلا تجزع وإن رثت قواكا

هيا لكنا تبرّ (١) لغير فقر

لتحمد أو يتم به غناكا

فإن تظفر فلم تظفر حميدا

وإن تعطب (٢) فلا يبعد سواكا

ندمت ندامة الكسعي (٣)

لما رأت عيناك ما صنعت يداكا

قال : ثم قال عدي بن مرينا للأسود : أما إذا لم تظفر فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل. فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام كرها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني ، قال : فما تريد؟ قال : أريد ألا تأتيك فائدة من مالك وأرضك إلّا عرضتها عليّ ففعل ، وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة ، فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلّا على باب النعمان هدية من ابن مرينا ، فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في ملكه شيئا إلّا بأمر ابن مرينا ، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه ، وشيع ذلك بأن يقول : إن عدي بن زيد فيه مكر وخديعة ، والمعدي لا يصلح إلّا هكذا. فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه ، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه :

إذا رأيتموني أذكر عديا عن الملك بخير فقولوا (٤) : إنه لكذلك ، ولكنه لا يسلم عليه أحد ، وإنه ليقول : إن الملك ـ يعني النعمان ـ عامله وإنه هو ولاه ما ولاه ، فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه ، فكتبوا كتابا على لسانه إلى قهرمان له ثمّ دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه

__________________

(١) كذا في الأغاني ، وفي م : تنوء .... علاكا.

(٢) تعطب : تهلك.

(٣) ندمت ندامة الكسعي ، مثل ، تقدم شرحه.

(٤) الأصل : فقولي ، والمثبت عن الأغاني. واللفظة غير ظاهرة في م لسوء التصوير.

١١٨

وأتوا به النعمان فقرأه فاشتد غضبه ، فأرسل إلى عدي بن زيد ، عزمت عليك إلّا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك ، وعدي يومئذ عند كسرى فاستأذن كسرى فأذن له ، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد ، فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس ، فكان أول ما قاله وهو محبوس من الشعر :

ليت شعري عن الهمام ويأتيك

بخبر الأنباء عطف السؤال

أين عنا إخطارنا المال والأنفس

إذ ناهدوا ليوم المحال

ونضالي في جنبك الناس يدمو

ن وأرمى وكلنا غير آلي

فأصيب الذي تريد بلا غش

وأربي عليهم وأوالي

ليت أني أخذت حتفي بكفي

ولم ألق ميتة الأقتال

محلوا محلهم لصرعتنا العا

م فقد أوقعوا الرحا بالثفال

وهي قصيدة طويلة ، قالوا : وقال أيضا وهو محبوس :

أرقت لمكفهر بات فيه

بوارق يرتقين رءوس شبيب

تلوح المشرفية في ذراه

ويجلو صفح دخدار قشيب

ويروى : تخال المشرفية في داره ويجلو صفح ...

[والدخدار](١) بالفارسية ، معربة ، وهو الثوب المصون ، يقول فيها (٢) :

سعى الأعداء لا يألون شرا

عليّ ورب مكة والصليب

أرادوا كي تمهل عن عدي (٣)

ليسجن أو يدهده في القليب

وكنت لزاز (٤) خصمك لم أعرد

وقد سلكوك (٥) في يوم عصيب

أعالنهم وأبطن كل سر

كما بين اللحاء إلى العسيب (٦)

ففزت عليهم لما التقينا

بتاجك فوزة القدح الأريب

وما دهري بأن كدرت فضلا

ولكن ما لقيت من العجيب

ألا من مبلغ النعمان عني

وقد تهدى النصيحة بالمغيب

__________________

(١) عن م والأغاني.

(٢) «يقول فيها» استدركت عن هامش الأصل.

(٣) الأصل وم : كثير ، والمثبت عن الأغاني.

(٤) يقال فلان لزاز لفلان أي لا يدعه يخالفه ويعانده.

(٥) أي أدخلوك.

(٦) اللحاء : ما على العود من قشر ، والعسيب : جريد النخل إذا نحي عنه خوصه.

١١٩

أحظى كان سلسلة وقيدا

وغلّا والبيان لدى الطبيب

أتاك بأنني قد طال حبسي

ولم تسأم بمسجون حريب (١)

وبيتي مقفر إلّا نساء (٢)

أرامل قد هلكن من النحيب

يبادرن الدموع على عدي

كشنّ خانه خرز الربيب

يحاذرن الوشاة على عدي

وما اقترفوا عليه من الذنوب

فإن أخطأت أو أوهمت أمرا

فقد يهم المصافي بالحبيب

وإن أظلم فقد عاقبتموني

وإن أظلم فذلك من نصيبي

وإن أهلك تجد فقدي وتخذل

إذا التقت العوالي في الحروب

فهل لك أن تدارك ما لدينا

ولا تغلب على الرأي المصيب

فإني قد وكلت اليوم أمري

إلى رب قريب مستجيب

قالوا : وقال فيه أيضا :

طال ذا الليل علينا واعتكر

وكأني نادر الصبح سمر

من نجيّ الهم عندي ثاويا

فوق ما أعلن منه وأسر

وكأن اللّيل فيه مثله

ولقدما ظنّ بالليل القصر

لم أغمض طوله حتى انقضى

أتمنى لو أرى الصبح جشر (٣)

غير ما عشق ولكن طارق

خلس النوم وأجداني السهر

ويقول فيها :

أبلغ النعمان عني مألكا

قول من قد خالف ظنّا فاعتذر

إنني والله فاقبل حلفي

لأبيل كلما صلّى جأر

مرعد (٤) أحشاؤه في هيكل

حسن لمته وافي الشعر

ما حملت الغل من أعدائكم

ولدى الله من العلم المسرّ

لا تكونن كآسي عظمه

بأسا حتى إذا العظم جبر

__________________

(١) الحريب الذي سلب ماله وعقاره.

(٢) صدره في شعراء النصرانية قبل الإسلام ص ٤٥٢ :

وبيتي مقفر الارجاء فيه

(٣) الأصل وم : حسر ، والمثبت عن الأغاني ، وجشر الصبح : طلع.

(٤) الأصل وم : الأسل مرعدا أحشاؤه ... والمثبت عن الأغاني وشعراء النصرانية ص ٤٥٣.

١٢٠