تاريخ مدينة دمشق - ج ٣٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٣٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

لما أصيب عثمان أرادوا الصلاة عليه فمنعوا من ذلك ، فقال أبو جهم بن حذيفة القرشي : دعوه فقد صلّى الله عليه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر ، أنا أحمد بن سليمان ، نا الزبير ، قال : وحدّثني أبي ، عن زكريا بن عيسى ، عن ابن شهاب في حديث يطول.

أن عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس حيث حكمهما (١) علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان اختلفا في حكمهما ، لا يدعوه عمرو بن العاص إلى أمر إلّا خالفه ، فلما رأى ذلك عمرو قال له : هل أنت مطيعي؟ فإنّ هذا الأمر لا يصلح لنا أن ننفرد (٢) به حتى نحضره رهطا من قريش نستعين بهم ونستشيرهم من أمرنا ، فإنهم هم أعلم بقومهم ، قال له : نعم ما رأيت ، فابعث إلى من شئت ، فبعث إلى خمسة رهط من قريش ، منهم : عبد الله بن عمر ، وأبو جهم بن حذيفة ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرّحمن بن الحارث ، وجبير بن مطعم ، فكتبا إليهم : [أن](٣) أقبلوا حين تنظرون في كتابنا هذا ، فإنّه لا يحبسنا أن نحكم بين الناس غيركم ، فانطلقوا ليسيرون حتى قدموا عليهم بدومة ، فوجدوهما جالسين بباب المدينة ، فلما وقفوا عليهما قال عمرو بن العاص فقال : ابرز معي يا أبا جهم أخبرك بعض الخبر ، فلما برز به ناداهما أبو موسى : ما هذه النجوى دوني يا أبا جهم؟ فقال : يا أيها المرابص بصرك ، فإنّما نحن في بعض أمرنا ، قال : فقال له عمرو بن العاص : أبشر يا أبا جهم ، فو الذي نفسي بيده لأعتقن رقبتك من ملك بني أمية ، قال أبو جهم لام (٤) ما أنت إن فعلت يا عمرو ، ثم انصرفا ، فكان من اختلافهما ما كان.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن كرتيلا ، أنا أبو بكر محمّد بن علي الخيّاط ، أنا أحمد بن عبد الله السّوسنجردي ، أنا أبو جعفر أحمد بن علي بن محمّد الكاتب ، أنا أبي ، أنا محمّد بن مروان بن عمرو السعيدي ، حدّثني محمّد بن أحمد الخزاعي ، قال : رواه أبي عن أبيه ، وهو سليمان بن أبي شيخ ، قال :

دخل أبو جهم بن حذيفة العدوي على معاوية فأكرمه وأقعده معه على سريره ، فقال : يا

__________________

(١) في م : حكاهما.

(٢) الأصل : ينفرد ، وفي م : نتعوذ.

(٣) الزيادة عن م.

(٤) اللام : الهول ، والشديد من كل شيء (اللسان).

١٨١

أمير المؤمنين نحن فيك كما قال عبد المسيح بن كلال (١) :

نميل على جوانبه كأنّا

نميل إذا نميل على أبينا

نقلّبه لنخبر حالتيه

فتخبر منهما كرما ولينا

قال : فأعطاه مائة ألف درهم.

أخبرنا أبو العلاء عبيس (٢) بن محمّد بن عبيس بن محمّد بن عبيس ، نا أبو المظفر منصور بن محمّد بن عبد الجبار ـ إملاء ـ أنشدنا أبو الحسين محمّد بن علي بن [محمد](٣)

ح (٤) وأخبرني أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي ، فيما أظن أنا أبو الحسين محمّد بن علي ، أنشدنا أبو أحمد طالب بن عثمان المقرئ الأزدي ، أنشدنا أبو بكر بن الأنباري ، أنشدني أبي لعبد المسيح بن دارس ، وكان وفد على بعض ملوك غسّان فأكرمه وأحسن جائزته ، فقال فيه :

نقلّبه لنخبر حالتيه

فنخبر منهما كرما ولينا

نميل على جوانبه كأنّا

نميل إذا نميل على أخينا

قال ابن الأنباري : قال هشام بن الكلبي :

ثم وفد أبو جهم العدوي على معاوية بن أبي سفيان ، وكان من شيوخ قريش وأكابرهم ، فأمر له بمائة ألف درهم ، فأراد بعد ذلك أن يسأله حاجة ، فقال له ابنه : يا أبة أتكثر على أمير المؤمنين كما قال الشاعر ، وذكر هذين البيتين ، فأمر له معاوية بمائة ألف أخرى.

أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير ، حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي ، عن زكريا بن عيسى ، عن ابن شهاب ، قال :

قدم أبو جهم بن حذيفة على معاوية بن أبي سفيان ، وقد كان بينه وبين ثقيف ملاحاة وقتال ، فقال له معاوية : يا أبا جهم ما لك ولثقيف يشكونك (٥) إليّ؟ قال : ما أعجبك ، والله لا

__________________

(١) البيتان في عيون الأخبار ١ / ٢٨٤ ونسبهما لأبي الجهم قالهما في معاوية بن أبي سفيان.

(٢) بالأصل وم : عيسى ، تصحيف ، قارن مع المشية ١٣٣ / ب.

(٣) الزيادة عن م.

(٤) «ح» حرف التحويل مكانه بياض في م.

(٥) في م : يشكوك.

١٨٢

أصالحهم حتى يقولوا قريش وثقيف ... (١) يجيئنا منهم إلّا أحمق ولا يجيئهم منا إلّا أحمق ، وبذلك نعتبر حمقانا (٢).

قال : وحدّثني المؤمّلي ، عن أبي زكريا ، عن ابن شهاب قال :

قال له في وفدة أخرى (٣) وفدها إليه ألم أفرغ من حاجتك؟ قال : بلى ، غير شيء ذكرته لا بد لي منه ، قال : فهل (٤) له؟ قال : إن بني بكر يتكبرون علينا بأرضنا ، فابعث إلى بني أسامة بن لؤي فاحطط لهم دون الخندق ، فاجعلهم على صاب بني بكر وارزقهم من القرى خيبر وفدك ووادي القرى ، قال : نعم ، وما ذا زعمت أيضا؟ قال : ثقيف يتكبرون علينا بوجّ فأكثر من الأحرار من الروم والفرس ، فاملأ وجاههم حتى تأكلهم بهم قال : مرحبا بك وأهلا ، فو الله إن كنت لا أحبّ موافقتك على ما سألتني ، أما بنو بكر فقد ملأتهم مقاتلة وكتائبا حتى أنّ أحدكم ليغضب الغضبة فيرسل إلى أحدهم فيقاد إليه حتى يصنع ما أراد ، فارجع فإن ابتغيت الزيادة زدتك ، وإن رضيت ، فالله يرضيك ، وأما ما ذكرت من ثقيف فقد رأيت ما صنعت فيهم أخرجتهم من قرار (٥) أرضهم ، وألحقتهم بالشواهق من السّراة ، فقالوا لي : افرض لنا بالعراق ، فأتيت وقلت : لا والله ، إلّا بالشام أرض الطواعين لأريحك ونفسي منهم ، حتى جعلت أموالهم كلها لقريش وملأت الأرض فرسا وروما ، فارجع فإن رأيت ما يرضيك فالله أرضاك وإلّا فاكتب إليّ أزدك.

قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد ، عن أبي الفتح المقدسي ، عن أبي الحسن بن السّمسار ، أنا أبو الحسن محمّد بن يوسف البغدادي ، نا الحسن بن رشيق ، نا يموت بن المزرّع ، نا عبد الرّحمن بن أخي الأصمعي ، عن عمه ، عن عيسى بن عمر ، قال :

وفد أبو جهم بن حذيفة على معاوية بن أبي سفيان ، فقال له معاوية : يا أبا جهم (٦) ، أما والله إنّ لك (٧) حقا وقرابة وشرفا ، وإنّ مع حقك لحقوقا ، وإنّ مع قرابتك لقرابة ، وأنه ليلزمنا مؤن عظيمة ولكن هذه مائة ألف درهم فخذها واعذر ، قال أبو الجهم : فقبضتها على مضض

__________________

(١) كلمتان بدون إعجام بالأصل وم ورسمهما : «وليه ووح».

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي تاج العروس بتحقيقنا : حمق حمقا فهو أحمق وهي حمقاء وقوم ونسوة حماق بالكسر وحمق بضمتين وحمقى كسكرى وحماقى مثل سكارى ، ويضم.

(٣) أقحم بعدها بالأصل : يتكبرون علينا.

(٤) كذا بالأصل ، وقوله : «فهل له» مكانه بياض في م.

(٥) القرار والقرارة : ما قرّ فيه ، والمطمئن من الأرض (القاموس المحيط).

(٦) في م : الجهم.

(٧) في م : إن لاحقا.

١٨٣

وقلت في نفسي : ما عسى أن أقول له رجل ناء عن بلاد قومه ، وقد تخلّق بأخلاق أهل الشام الجفاة الأغفال (١) ، فأخذتها على أنه قد قصّر بي ، فلمّا توفي معاوية واستخلف يزيد صرت إليه وافدا ، فأقمت أياما ثم قال : يا أبا جهم إنّي بحقّك عارف ، وقرابتك وشرفك ، وإنّ مع حقك علينا لحقوقا ومؤنا لا نستطيع دفعها ، وأنت أولى من عذر ابن أخيه ، هذه خمسون ألف درهم فاقبضها واعذر ، فقلت في نفسي : غلام حدث نشأ مع غير قومه ، وسكن غير بلده ، وهو مع هذا فابن كلبية ، فأي خير يرجى منه؟ ثم أخذتها على أنه قد قصّر بي وانصرفت ، فلما استخلف عبد الله بن الزبير قلت في نفسي : هذا بقية [قريش](٢) البطاح (٣) ، فأتيته وافدا ، فأقمت أياما ثم قال لي : يا أبا الجهم مهما جهلت ، فلم أجهل حقك وقرابتك وشرفك ، غير أن مؤنا علينا وغرما وحمالات (٤) وأمورا يطول شرحها ، ولكن مع ذلك فغير (٥) مخيّب بسفرك (٦) ، هذه ألف درهم ، خذها فاستعن بها على أمورك ، قال أبو الجهم : فقبضتها فرحانا بها ، ثم مثلت بين يديه ، فقلت : يا أمير المؤمنين مدّ الله لقريش في بقائك (٧) ، ودافع لنا عن حوبائك (٨) ولا امتحننا بفقدك ، فو الله لا زالت قريش بخير ما مدّ الله لها في عمرك.

فقال ابن الزبير : جزاك الله عن الرحم خيرا ، فو الله ما قلت هذا لمعاوية وقد أعطاك مائة ألف درهم ، ولا قلته ليزيد وقد أعطاك خمسين ألف درهم ، وقد قلت لنا وإنّما أعطيناك ألف درهم.

فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، من أجل ذاك قلت ذاك ، وخفت (٩) إن أنت هلكت لا يلي أمر الناس بعدك إلّا الخنازير ، فأحببت أن يبقيك الله لقريش ، فإنّك على كلّ حال خير لها من غيرك.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السّيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا

__________________

(١) الغفل : من لا حسب له ، ومن لا يرجى خيره.

(٢) الزيادة عن م.

(٣) الأصل وم القطاع ، خطأ ، والصواب ما أثبت ، وقريش البطاح هم الذين نزلوا أباطح مكة وبطحاءها (اللسان).

(٤) الغرم : الدين.

والحمالات : واحدتها حمالة كسحابة ، الدية يحملها قوم عن قوم (القاموس المحيط).

(٥) الأصل : فيغير ، والمثبت عن م.

(٦) في م : لسفرك.

(٧) الأصل : وبقائك ، والمثبت عن م.

(٨) الحوباء : النفس (اللسان).

(٩) غير واضحة بالأصل ونميل إلى قراءتها : وجعلت ، وفي م : وجعت ، والتصويب عن المختصر ١٦ / ٢٧.

١٨٤

أحمد بن عمران ، نا موسى ، نا خليفة ، قال (١) :

وفي آخر خلافة معاوية مات أبو جهم بن حذيفة.

آخر (٢) العشرين بعد الثلاثمائة من الأصل (٣).

٤٥٢٢ ـ عبيد بن حصين بن جندل بن قطن ـ

ويقال : ابن حصين بن معاوية بن جندل بن قطن ـ

ابن ربيعة بن عبد الله بن الحارث بن نمير

ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن

ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر

أبو جندل النّميري المعروف بالرّاعي (٤)

ولقب بالراعي لكثرة وصفه للإبل.

شاعر محسن مشهور.

وفد على عبد الملك.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو محمّد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب ، أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز الطاهري ـ قراءة عليه ـ قال : قرئ على أبي بكر أحمد بن جعفر بن محمّد بن سلم (٥) ، أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، نا أبو عبد الله محمّد بن سلام.

قال في الطبقة الأولى من طبقات الإسلام من الشعراء (٦) :

راعي الإبل ، وهو عبيد بن حصين بن جندل بن قطن بن ربيعة بن عبد الله بن الحارث بن نمير ، سمي راعي الإبل لكثرة صنعته بها ، وحسن نعته ، قالوا : ما هو إلّا راعي فلزمته.

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٢٢٧.

(٢) ما بين الرقمين في م : آخر بعد الثلاثمائة من الأصل ، بلغت سماعا بقراءتي على الفقيه القاضي لقبه السلف.

(٣) ما بين الرقمين في م : آخر بعد الثلاثمائة من الأصل ، بلغت سماعا بقراءتي على الفقيه القاضي لقبه السلف.

(٤) انظر أخباره في :

المؤتلف والمختلف للآمدي ص ١٢٢ الشعر والشعراء ١ / ٣٢٧ أمالي المرتضى (الفهارس) ، الأغاني ٢٤ / ٢٠٥ سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٩٧ وطبقات الشعراء للجمحي ص ١٤٣ وخزانة الأدب ١ / ٥٠٤ ، عيون الأخبار ١ / ٣١٩ لباب الآداب (الفهارس) ، ديوانه ط بيروت. تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ ـ ١٠٠) ص ١٤٧ وانظر بحاشيته أسماء مصادر أخرى ترجمت له.

(٥) في م : سلام ، تصحيف.

(٦) انظر طبقات الشعراء للجمحي ص ١٤٣ و ١٤٤.

١٨٥

قرأت على أبي الحسين محمّد بن كامل بن ديسم ، عن أبي بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن محمّد بن عبيد الله بن محمّد الحنّائي ، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السّمّاك ، نا أبو القاسم [إسحاق](١) بن إبراهيم بن سنين الختّلي ، حدّثني عبد الله بن المعلى ، عن يونس بن الحكم ، عن بعض أشياخه ، قال : قال راعي الإبل النّميري في عثمان رضي‌الله‌عنه :

عشية يدخلون بغير إذن

على متوكل أو في وطابا

خليل محمّد ، وزير صدق

ورابع خير من وطئ الترابا

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا عبد الوهاب بن علي [أنا علي](٢) بن عبد العزيز ، قال : قرئ على أحمد بن جعفر ، أنا الفضل بن الحباب ، نا محمّد بن سلام (٣) ، قال : الراعي عبيد بن حصين كان من رجال العرب ووجوه قومه ، وكان مع ذلك بذيّا هجّاء لعشيرته ، قال له جرير :

وقرضك (٤) في هوازن شرّ قرض

تهجنّها (٥) وتمتدح الوطابا

قال : ـ ونا ابن سلّام ، قال : وحدّثني أبو يحيى الضّبّي ، قال :

وفد الراعي إلى عبد الملك يشكو بعض عمال له ، وكانت قيس زبيرية ، فكان عبد الملك ثقيل النفس له ، فأتاه وقد قال في مدركه بشر بن مروان في كلمة يعتذر من ... (٦) قومه (٧) :

فلو كنت من أصحاب مروان إذ وعا

بغدراء يمّمت الهدى إذ بدا ليا

على بردى إذ قال إن كان عهدهم

أضيع فكونوا عليّ ولا ليا

__________________

(١) سقطت من الأصل وأضيفت عن م.

(٢) في م : أنا عبد الوهّاب بن علي ، أنا علي بن عبد العزيز ، والزيادة بين معكوفتين إضافة عن م.

(٣) الخبر في الأغاني ٢٤ / ٢١٣.

(٤) البيت في ديوانه ط بيروت ص ٦٢ من قصيدة طويلة يهجو الراعي ومطلعها :

أقلي اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت فقد أصابا

(٥) في الديوان :

وبئس القرض قرضك عند قيس

تهيجهم وفي الأغاني : تهجنهم.

(٦) رسمها بالأصل : «تزربر» وفي م : تزبر.

(٧) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ٢٨٦ من قصيدة يمدح بشر بن مروان.

١٨٦

ولكنني غيّبت عنهم فلم يطع

رشيد (١) ولم تعص (٢) العشيرة غاويا

قال ابن سلّام : أنشدتها جابر بن جندل الفزاري أبا عبد الله فقال : هو الذي يخطب الدراهم حتى أتت قومه.

وقال لعبد الملك (٣) :

إني حلفت على يمين برة

لا أكذب اليوم الخليفة قيلا

ما إن أتيت أبا خبيب (٤) وافدا

يوما أريد لبيعتي تبديلا

ولا أتيت نجيدة بن عويمر

أبغي الهدى فيزيدني تضليلا

أزمان قومي والجماعة كالذي

لزم الرحالة أن تميل مميلا

أخذوا العريف فقطعوا (٥) حيزومه

بالأصبحية (٦) قائما مغلولا

كهداهد كسر الرماة جناحه

يدعو بقارعة الشريف (٧) هديلا

فادفع مظالم عيّلت ابناءنا

عنّا وأنفذ شلونا المأكولا

ولئن بقيت (٨) لأدعونّ بطعنة

تدع الفرائض (٩) بالشّريف قليلا

فقال له عبد الملك : وأين من الله والسلطان ، لا أمّ لك ، قال : يا أمير المؤمنين من عامل إلى عامل ومصدّق إلى مصدّق ، فلم يحظ ولم يحل منهم بشيء ، فوفد إليه من قابل ، فقال في كلمة أخرى (١٠) :

أما الفقير الذي كانت له حلوبته

قوت (١١) العيال فلم يترك له سبد

واختلّ ذو المال والمثرون قد بقيت

على التأثل (١٢) من أموالهم عقد

فإن رفعت بهم رأسا نعشتهم

وإن لقوا مثلها في عامهم فسدوا

__________________

(١) الأصل وم : رشيدا ، والمثبت عن الديوان.

(٢) عن م والديوان ، وبالأصل : يعص.

(٣) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ٢٣٣ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو من السعاة.

(٤) الديوان : ما زرت آل أبي حبيب وافدا.

(٥) الأصل وم : «فشققوا» والمثبت عن الديوان.

(٦) الحيزوم : الصدر. والأصبحية : السياط.

(٧) في الديوان : بقارعة الطريق.

والشريف : ماء لبني نمير (معجم البلدان).

(٨) لديوان : ولئن سلمت.

(٩) لفرائض جمع فريضة ، وهي من الإبل والغنم ما بلغ عدده الزكاة.

(١٠) ديوان الراعي ط بيروت ص ٦٤ من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان.

(١١) الديوان : وفق.

(١٢) الديوان : التلاتل.

١٨٧

فقال له عبد الملك : أنت العام أعقل منك عام أول.

قال : ونا ابن سلام ، أخبرني عبد القاهر بن السّري ، قال :

وفد الراعي وفادة على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك لأهل بيته : احتملوا إلي هذا الشيخ فإني أراه منجبا (١).

أنبأنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى ، أنا سهل بن بشر ، أنا محمّد بن الحسين بن أحمد بن السّري ، أنا الحسن بن رشيق ، نا يموت بن المزرّع ، نا محمّد بن حميد ، نا عمي ، عن ابن حرفة السعدي ، قال :

قدم راعي الإبل النّميري على خالد بن عبد الله بن أسيد ومعد ابنه جندل ، فكان ينشد خالدا ، وربما أنشده وابنه جندل إلى أن قدم عليه مرة بن مرة ، فقال له خالد : ما فعل ابنك؟ قال : هلك ، أصلح الله الأمير ، بعد أن زوّجته وأصدقت عنه ، فأمر له خالد بدية ابنه ، فأتى الراعي وهو يقول (٢) :

وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه

وشقّ له قبرا بأرضك لاحد

وقد كان مات الجود حتى نعشته

وأذكيت (٣) نار الجود والجود خامد

فلا حملت أنثى ولا آب غائب

ولا عاش (٤) ذو سقم إذا مات خالد

فقال له خالد : لم اقتله فأده لك ، وإنّما مرّ به ما سيمر بي وبك.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، ومنصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، نا عبيد الله بن عبد الرّحمن ، نا زكريا بن يحيى ، نا الأصمعي ، أخبرني بعض أهل العلم.

أن عاصما راعي الإبل أتى خالد بن عبد الله ومعه ابنان له يطلب صلته ، فوصله ، فمات أحد ابنيه ، فدخل على خالد فقال : أتيناك ثلاثة ونئوب اثنان ، فقال خالد : ذاك ما لا أقدر على منعه ، قال : فديّته تدفعها إليّ؟ قال : نعم ، فدفع إليه دية ابنه.

كذا : الراعي عاصما (٥).

__________________

(١) رواه أبو الفرج في الأغاني ٢٤ / ٢١٤.

(٢) الخبر والأبيات في لباب الآداب ص ١٠٥ ـ ١٠٦ وديوانه ط بيروت ص ٧٣.

(٣) المصادر : وذكيت.

(٤) المصادر : ولا ولدت أنثى إذا مات خالد.

(٥) كذا بالأصل وم.

١٨٨

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا عبد الوهاب بن علي ، أنا علي بن عبد العزيز قال : قرئ على أحمد بن جعفر ، أنا الفضل بن الحباب ، نا محمّد بن سلّام ، حدّثني جابر بن جندل قال : ترعى الراعي إلى قومه ، وأحبّ الخروج إليهم ، ودعوه إلى ذلك ، ورغّبوه فيه ، فقال (١) :

وقد تذكّر قلبي بعد هجعته

أيّ البلاد وأيّ الناس أنتجع

فقلت : بالشام إخوان ذوو (٢) ثقة

ما لي (٣) من دونهم ريّ ولا شبع

فإن يجودوا (٤) فقد حاولت جودهم

وإن يضنّوا فلا لوم ولا قذع (٥)

وأتى الشام ، فقال له قومه : بع أرضك ، واشتر قرية ، واتخذ بقرا ، فلم يعجبه ، وقال :

تبدل من لقاحك قرية وعوج القرون ينتطحن على عجل

ورجع إلى باديته.

قال : ونا سلّام ، حدّثني أبان الكوفي ، قال :

كان بالكوفة رجلان لا يسمع أحدهما بيتا نادرا إلّا أطرفه صاحبه إلى أن سمع أحدهما بيت الراعي ، فجاء إلى صاحبه وقد أوى إلى فراشه ، فدقّ عليه ، فخرج إليه ، فقال (٦) :

كأنّ بيض نعام في ملاحفها

إذا غشيهن (٧) ليل صائف ومد

فقال : أحسن والله ، قال : ليس غير ، قال : تريد ما ذا؟ قال : أريد أن تصعق.

قال : وحدّثني عبد الرّحمن بن قشير العنبري قال :

جاوزنا المراعي ـ يعني عمرا ومالكا ـ فأحسنا جوازه ، فظعن عنا وهو يقول في كلمة له طويلة لا تذكرنا بخير ، ولا شرّ حتى انتهى إلى آخرها فقال (٨) :

إذا انسلخ الشهر الحرام فودّعي

بلاد تميم وانصري أرض عامر

__________________

(١) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ١٥٦.

(٢) غير واضحة بالأصل وم ، والمثبت عن الديوان.

(٣) الديوان : ما إن لنا من دونهم.

(٤) الأصل : «فابجودا» والمثبت عن م والديوان.

(٥) الأصل : فرع ، وفي م : قرع ، والمثبت عن الديوان.

(٦) البيت في ديوانه ص ٥٥ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان.

(٧) الديوان : إذا اجتلاهن قيظ ليله ومد.

(٨) الأبيات الثلاثة في ديوانه ص ١٣٣ و ١٣٤.

١٨٩

قلنا : قد ودّعنا ، فليت شعري ما يريد بنا ، فقال :

وأثني على الحيّين عمرو ومالك

ثناء يوافيهم بنجد وغائر

(١) قال : قلنا : قد أثنى ، فما ذاك الثناء؟ قال (٢) :

كرام إذا تلقاهم عن جنابة

أعفّاء عن بيت الغريب المجاور

قال : فحقق المدح لعمرو بن تميم ، ومالك بن زيد مناة ، وهم يد على سعد بن زيد والرباب.

قال ابن سلّام (٣) : قال أبو الغرّاف : جاور الراعي بني سعد مناة ، فشبّب بامرأة من بني سعد ، ثم أحد بني وابش من بني عبد شمس فقال :

بني وابش (٤) قد هوينا جواركم

وما جمعتنا نيّة قبلها معا

خليطين من حيين شتى تجاورا

جميعا وكانا بالتفرّق أبدعا (٥)

أرى أهل ليلى لا يبالي (٦) أميرهم

على حاجة المحزون أن يتصدعا

[وقال فيها](٧) أيضا (٨) :

تذكّر هذا القلب هند بني سعد

سفاها وجهلا ما تذكر من هند

فأزعجوه وأصابوه بأذى ، فخرج فقال (٩) :

أرى إبلي تكالأ راعياها

مخافة جارها الدّنس الذّميم

وقد جاورتهم فوجدت سعدا

شعاع الأمر (١٠) عازبة الحلوم

مغانيم القرى سرقا إذا ما

حميت (١١) ظلمة الليل البهيم

فأمي أرض قومك إن سعدا

تحملت المخازي عن تميم

__________________

(١) ما بين الرقمين سقط من م.

(٢) ما بين الرقمين سقط من م.

(٣) الخبر والأبيات في الأغاني ٢٤ / ٢١٣ والديوان ص ١٦٥.

(٤) الأغاني والديوان : بني وابشي.

(٥) المصادر : أمتعا.

(٦) الأصل : يبال ، والتصويب عن م والمصادر.

(٧) الزيادة عن الأغاني ، وعلى هامش م : قال وفيها أيضا.

(٨) البيت في الأغاني ٢٤ / ٢١٤ والديوان ص ٧٤.

(٩) الأبيات في الأغاني ٢٤ / ٢١٤.

(١٠) شعاع الأمر : أي متفرقين.

(١١) ي م والأغاني : أجنت.

١٩٠

أخبرنا أبو (١) العزّ بن كادش ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (٢) ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا القاسم بن إسماعيل ، نا أبو دفافة بن سعيد بن سلم الباهلي ، قال : قرأنا على الأصمعي شعر الراعي فمرّ في قصيدته :

ما بال دفّك بالفراش مذيلا (٣)

وكان مربضها إذا باشرتها

كانت محبّسة الدخول ذلولا (٤)

قلنا له ما معنى باشرتها؟ قال : ركبتها ، من المباشرة فحكينا ذلك لأبي عبيدة ، فقال : صحّف والله الأصمعي ، إنما هو : «إذا ياسرتها» وهذا كقول الآخر :

إذا يوسرت كانت ذلولا أديبة

وتحسبها إن عوسرت لم تؤدّب

قال القاضي : الأمر في هذا لعمري ، كما قال أبو عبيدة ، واستشهاده فيه صحيح على ما وصف.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا عبد الوهاب بن علي ، أنا علي بن عبد العزيز قال : قرئ على أحمد بن جعفر ، أنا الفضل بن الحباب ، نا محمّد بن سلّام ، قال :

ولقد هجا الراعي فأوجع ، قال لابن الرقاع العاملي (٥) :

لو كنت من أحد يهجى هجوتكم

يا ابن الرّقاع ، ولكن لست من أحد

تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا

وابن نزار فأنتم بيضة البلد

قال : ونا ابن سلّام ، حدّثني أبو الغرّاف ، قال (٦) : الذي هاج بين جرير والراعي ـ وهو عبيد بن حصين ـ أنّ الراعي كان يسأل عن جرير والفرزدق [فيقول : الفرزدق](٧) أكرمهما

__________________

(١) الأصل : «أبو سعد العز».

(٢) الخبر في الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا ٣ / ٢٩٨.

(٣) مطلع القصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو من السعاة ديوانه ص ٢١٣.

(٤) البيت الثامن من القصيدة ص ٢١٨ وروايته فيه :

وكأن ريّضها إذا باشرتها

كانت معاودة الرحيل ذلولا

وفي الجليس الصالح : كانت معوّدة.

(٥) البيتان من قصيدة يهجو عدي بن الرقاع ، ديوانه ص ٧٩ والأغاني ٢٤ / ٢١٥.

(٦) الخبر والشعر في الأغاني ٢٤ / ٢١١ ـ ٢١٢ وطبقات الشعر للجمحي ص ١٤٤.

(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وأضيف للإيضاح عن م والأغاني.

١٩١

وأشعرهما ، فلقيه جرير ، فاستعذره (١) من نفسه ، وطلب إليه أن لا يدخل بينهما ، وقال : كنت أولى بعونكم أني لأمدحكم وأنه ليهجوكم ، قال : أجل ، ولست لمساءتك بعائد.

ثم بلغ جريرا أنه قد عاد في تفضيل الفرزدق عليه ، فلقيه بالبصرة ، وجرير على بغلة ، فقال : ألست عذرتك فزعمت أنك غير داخل بيني وبين ابن عمي؟ قال : والراعي يعتذر إليه ، إذ أقبل ابنه جندل ، وكان فيه خطل وعجب ، فقال لأبيه : ألا أراك (٢) تعتذر إلى ابن الأتان ، نعم والله لنفضلنّ عليك ، ولنروينّ هجاءك ، ولنهجونّك من تلقاء أنفسنا ، وضرب وجه بغلته وقال (٣) :

ألم تر أنّ كلب بني كلاب (٤)

أراد حياض دجلة ثم هابا

فانصرف جرير مغضبا محفظا ، فقال الراعي لابنه : أما والله ليهجوني وإياك ، فليته لا يجاورنا ، ولكن سيذكر سوأتك ، وعلم الراعي أن قد أساء ، فندم ، فتزعم بنو تميم (٥) أنه حلف أن لا يجيبه سنة غضبا على ابنه ، وأنه مات في السنة.

ويقول غيرهم : إنه كمد لما سمعها فمات.

وكان جرير يوم جرى هذا بينهما بالبصرة نازلا على امرأة من بني كليب ، فبات في علّية لها وهي في سفل دارها ، فقالت المرأة فبات ليلته لا ينام يتردد في البيت حتى ظننت أنه قد عرض له جنّي فتح له فقال (٦) :

أقلّي اللّوم عاذل والعتابا

وقولي ، إن أصبت ، لقد أصابا

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلّهم غضابا

ثم أصبح في المربد ، فقال : يا بني تميم قيّدوا قيّدوا أي اكتبوا ، فلم يجبه الراعي ، ولم يهجه جرير بغيرها. [فقال](٧) لي بعض رواة قيس وعلمائهم : كان الراعي فحل مضر ،

__________________

(١) استعذره من فلان : قال : من عذيري منه ، وطلب من الناس العذر ، إن هو عاقبه.

(٢) طبقات الجمحي : إني لأراك.

(٣) البيت في ديوان الراعي أيضا ص ١٧ (ط بيروت) وصدره :

رأيت الجحش جحش بني كليب

تيمم حول دجلة ...

(٤) البيت في ديوان الراعي أيضا ص ١٧ (ط بيروت) وصدره :

رأيت الجحش جحش بني كليب

تيمم حول دجلة ...

(٥) طبقات ابن سلام الجمحي : «بنو نمير».

(٦) البيتان من قصيدة قالها جرير يهجو الراعي النميري ، ديوانه ط بيروت ص ٥٧ وطبقات الشعراء لابن سلام الجمحي ص ١٤٤.

(٧) الزيادة عن م والجمحي ، وبعدها في م : في.

١٩٢

فضغمه (١)(٢) [الليث ـ يعني جريرا.]

أخبرنا : أبو الحسن علي بن أحمد المالكي ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد (٣) ، أنا جدي ، أنا محمد بن زيد ، نا أحمد بن عبيد ، قال : سمعت الأصمعي يقول : كان جرير نازلا على رجل يقال له : حسين ، فقال له : يا حسين إني أريد هجاء الراعي ، فإذا كان الليلة فضع عندك لوحا وكاتبا وقلما ، وأجدّ سراجك ففعل ، فلمّا مرّ بهذا البيت (٤) :

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

قال : يا حسين أطفئ سراجك ، فإني قد فرغت من هجائه.

أخبرنا أبو العز بن كادش ، أنا أبو يعلى بن الفراء ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل المعدل ، أنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي ، نا الغلابي ، نا صالح بن هشام ، عن أبي كندة النّميري قال :

قال الراعي لبناته وبنات أخيه : اذهبن إلى ابن المراغة حتى يراكنّ ، فأتينه ، فقلن : يا أبا حزرة ، أنشدنا ما قلت في بنات نمير ، قال : فمن أنتن؟ قلن : عقيليات ، فأنشدهن حتى انتهى إلى قوله :

وسوداء المحاجر من نمير (٥)

فكشفن عن وجوههن ، وقلن : يا أبا حزرة (٦) هل ترى من سواد؟ هل ترى من عيب؟ قال : وإنكن نميريات؟ قلن : نعم ، قال : إن عمكن لكذوب.

٤٥٢٣ ـ عبيد بن زياد الأوزاعي

روى عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وجنادة بن أبي أمية.

روى عنه : الهقل بن زياد ، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.

__________________

(١) ضغمة : عضه (القاموس) وفي م : بضمعه.

(٢) من هنا نقص بالأصل ، واستدرك هذا السقط عن م.

(٣) في م : الحداد.

(٤) ديوان جرير ط بيروت ص ٦١ والأغاني ٢٤ / ٢٠٨.

(٥) البيت لجرير ، ديوانه ط بيروت ص ٦٠ وروايته فيه :

وخضراء المغابن من نمير

يشين سواد محجرها النقابا

(٦) في م : حرزة. تصحيف.

١٩٣

أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا تمام بن محمد وعبد الوهاب الميداني قال : أنا أبو عبد الله بن مروان ، نا سليمان بن أيوب بن حزام.

ح وأخبرنا الفقيه أبو الحسن السلمي ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا تمام بن محمد ، أنا أبو زرعة محمد وأبو بكر أحمد ابنا عبد الله بن أبي دجانة ، نا محمد بن أمية القرشي ، قالا :

أنا محمد بن مصفى قال : سمعت بقية ـ زاد الفقيه : ابن الوليد ـ يحدث عن الهقل بن زياد عن عبيد بن زياد الأوزاعي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اللهم أحيني مسكينا ، وتوفّني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين» [٧٦٣٠].

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، وأبو القاسم زاهر بن طاهر قالا : أنا أبو سعد الجنزرودي ، أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين ، نا خيثمة بن سليمان بن حيدرة بأطرابلس نا إسحاق بن يسار النصيبي ، نا الفضل بن موفق ، نا إسرائيل عن الأوزاعي ، عن سالم عن سديسة (١) عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ما لقي الشيطان عمر إلّا خرّ لوجهه» (٢) [٧٦٣١].

قال لنا الفراوي وزاهر ، قال أبو سعد علي بن موسى السكوني الحافظ النيسابوري :

الأوزاعي هذا اسمه عبيد بن يحيى ، شامي عزيز الحديث. وقيل إنه ثقة ، وسالم ، هو ابن عبد الله بن عمر ... (٣).

قرأت بخط أبي محمد عبد الله بن أحمد بن علي الشامي ، وذكر أنه وجد بخط أبي الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الحافظ](٤).

نا محمّد بن يوسف بن بشر الهروي ، أخبرني محمّد بن عوف بن سفيان الطائي قال :

عبيد بن زياد الأوزاعي الذي روى عنه الهقل سألت عنه بدمشق فلم يعرفوه ، قلت له : فالحديث الذي روي هو منكر؟ قال لي : لا ما هو منكر ، ما ينكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون قال : «اللهمّ أمتني مسكينا».

__________________

(١) ضبطت عند الأكثر بالفتح ، وذكر ابن فتحون أنه رآها بخط ابن مفرج بالتصغير. قاله ابن حجر.

وهي سديسة الأنصارية (الإصابة ٤ / ٣٢٦).

(٢) أخرجه ابن حجر في الإصابة في ترجمة سديسة ٤ / ٣٢٦ من هذا الطريق.

(٣) كلمة في م تقرأ : علمي.

(٤) إلى هنا ينتهي الاستدراك عن م.

١٩٤

٤٥٢٤ ـ عبيد (١) بن سريج (٢)

أبو يحيى (٣)

مولى بني نوفل بن عبد مناف ، ثم لعبد الرّحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل ، ويقال : مولى بني الحارث بن عبد المطلب ، ويقال : مولى بني ليث ، ويقال مولى بني علية بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

المكي المشهور بالإحسان في صنعة الغناء.

سمع عبد الله بن جعفر ، وكان من رواة الأخبار والأشعار.

واستوفده الوليد بن عبد الملك.

قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الكاتب (٤).

أخبرني الحسين بن يحيى ، عن حمّاد ـ يعني ابن إسحاق بن إبراهيم الموصلي ـ عن أبيه ، عن جده قال :

كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة : أن أشخص إليّ ابن سريج ، فأشخصه. فلما قدم مكث أياما لا يدعو به ولا يلتفت إليه ، ثم إنه ذكره وطرب له ، فقال : ويلكم ، أين ابن سريج (٥) ، قالوا : حاضر ، قال : عليّ به ، قالوا : أجب أمير المؤمنين ، فتهيأ وتلبس وأقبل حتى دخل على الوليد ، فسلّم ، فأشار إليه أن اجلس ، فجلس بعيدا ، فاستدناه ، فدنا حتى كان منه قريبا ، فقال : ويحك يا عبيد ، قد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختبارك مع ظرف لسانك وحلاوة تنطقك ومجلسك ، قال : جعلت فداك يا أمير المؤمنين ، «تسمع بالمعيدي لا أن تراه» (٦) ، قال الوليد : إنّي لأرجو (٧) أن لا تكون أنت ذاك ، هات ما عندك ، فاندفع ابن سريج يغني بشعر الأحوص :

أمنزلي (٨) سلمى على القدم اسلما

فقد هجتما للشوق قلبا متيّما

__________________

(١) ويقال فيه أيضا : عبد الله ، وعبيد الله ، انظر ما لاحظه محقق الأغاني ط دار الكتب ١ / ٢٤٨.

(٢) الأصل وم : شريح ، والتصويب عن الأغاني. وقد صوب في كل مواضع الترجمة.

(٣) أخباره في الأغاني ١ / ٢٤٨ ونهاية الأرب الجزء الرابع ، والأعلام للزركلي.

(٤) الخبر في الأغاني ١ / ٢٩٧.

(٥) الأصل وم : شريح ، والتصويب عن الأغاني. وقد صوب في كل مواضع الترجمة.

(٦) مثل ، انظر فيه مجمع الأمثال للميداني ١ / ١٢٩.

(٧) الأصل : لا أرجو ، والتصويب عن م والأغاني.

(٨) الأغاني : أمنزلتي.

١٩٥

وذكرتما عصر الشباب الذي مضى

وجدّة وصل حبله قد تصرما (١)

وإنّي إذا حلّت ببيش (٢) مقيمة

وحلّ بوج جالسا أو تتّهما

يمانية شطّت وأصبح نفعها

رجاء وظنّا بالمغيب مرجّما

أحبّ دنوّ الدار منها وقد نأى (٣)

بها صدع شعب الدار إلّا تتمما (٤)

بكاها وما يدري سوى الظن ما بكى

أحيّا يبكّي أو ترابا وأعظما

فدعها وأخلف للخليفة مدحة

تزل عنك بؤسى أو تفيدك مغنما

فإن بكفّيه مفاتيح رحمة

وغيث حيا يحيا به الناس مرهما (٥)

إمام أتاه الملك عفوا ولم يثب

على ملكه مالا حراما ولا دما

تخيره ربّ العباد لخلقه

وليا وكان الله بالناس أعلما

فلما ارتضاه (٦) الله لم يدع سلما

لبيعته إلّا أجاب وسلّما

ينال الغنى والعزّ من نال وده

وترهب موتا عاجلا من تسنما (٧)

فقال الوليد : أحسنت والله ، وأحسن الأحسن (٨) الأحوص ، عليّ بالأحوص ، ثم قال : يا عبيد ، هيه ، فغنى [بشعر](٩) عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد (١٠) :

طار الكرى وألم الهمّ فاكتنعا

وحيل بيني وبين النوم فامتنعا

كأن الشباب قناعا أستكنّ به

وأستظلّ زمانا ثمّت انقشعا

واستبدل الرأس شيبا بعد داجية

فينانة ما ترى في صدغها نزعا

فإن تكن ميعة من باطل ذهبت

وأعقب الشيب (١١) بعد الصبوة الورعا

لقد أبيت أراعي الخود رائبة (١٢)

على الوسادة (١٣) مسرورا بها ولعا

براقة الثّغر تشفي القلب لذّتها

إذا مقبلها في خدرها (١٤) لمعا

__________________

(١) الأصل وم ، وفي الأغاني : تجذ ما.

(٢) الكلمة غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن الأغاني ، وبيش أحد مخاليف اليمن. (معجم البلدان).

(٣) في الأغاني : أبي. (٤) الأغاني : تثلما.

(٥) مرهما ، أرهمت السماء : أتت بالرّهام ، أي بالمطر الضعيف الدائم.

(٦) الأغاني : قضاه.

(٧) الأغاني : تشأما.

(٨) اللفظة ليست في م والأغاني.

(٩) الزيادة عن م والأغاني.

(١٠) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ٨١ والأغاني ١ / ٢٩٩. (١١) الديوان والأغاني : الله.

(١٢) المصادر : راقدة. (١٣) المصادر : الوسائد.

(١٤) المصادر : في ريقها كرعا.

١٩٦

كالاقحوان بضاحي الروض صبّحه

غيث أرش بنضّاح (١) وما نقعا

صلى الذي الصلوات الطيّبات له

والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا

على الذي سيق الأقوام ضاحية

بالأجر والحمد حتى صاحباه معا

هو الذي جمع الرحمن أمته

على يديه وكانوا قبله شيعا

عهدنا بذي العرش أن نحيا أو نفقده

وأن نكون لراع بعده تبعا

إنّ الوليد أمير المؤمنين له

ملك عليه أعان الله فارتفعا

لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم

له عيد ولا يعطون من منعا

فقال له الوليد : صدقت يا عبيد ، أنّى لك هذا؟ قال : هو من عند الله ، قال الوليد : لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك. قال ابن سريج : هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ، قال الوليد : علمك والله أكثر وأعجب إليّ من غنائك ، غنّني ، فغنّاه بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد (٢) :

عرف الدّيار توهّما فاعتادها

من بعد ما شمل البلى أبلادها (٣)

ولربّ واضحة العوارض حرة (٤)

كالريم قد ضربت به أوتادها

إنّي إذا ما لم تصلني خلّتي

وتباعدت منّي اغتفرت بعادها

صلّى الإله على امرئ ودعته

وأتمّ نعمته عليه وزادها

وإذا الربيع تتابعت أنواؤه

فسقى خفاصرة الأحرى (٥) فجادها

نزل الوليد بها فكان لأهلها

غيثا أغاث [أنيسها وبلاد](٦) ها

أولا ترى أنّ البرية كلّها

ألقت خزائمها إليه فقادها

ولقد أراد الله إذ ولّاكها

من أمة إصلاحها [ورشاد](٧) ها

__________________

(١) المصادر : بتنضاح ، وهو الرش ، يريد أنه يبله بقليل من المطر.

(٢) الأبيات في الأغاني ١ / ٣٠٠ وديوان عدي ط بيروت ص ٣٣ وانظر تخريجها فيه.

(٣) أبلادها جمع بلد ، وهو الأثر.

(٤) الأصل وم ، وفي الأغاني : «طفلة» وبالأصل : كالكريم ، والمثبت : كالريم عن م والأغاني ، وروايته في الديوان :

ولرب واضحة الجبين خريدة

بيضاء قد ضربت بها أوتادها

(٥) الديوان والأغاني : الأحص.

(٦) ما بين معكوفتين مكانه بياض بالأصل وم ، والمضاف عن الديوان والأغاني.

(٧) بياض بالأصل ، وفي م : «وورهجاها» والمضاف بين معكوفتين عن الديوان والأغاني.

١٩٧

وعمّرت أرض المسلمين فأقبلت

وكففت عنها من أراد (١) فسادها

وأصبت في أرض العدوّ مصيبة

عمّت أقاصي غورها ونجادها

ظفرا ونصرا ما يقاوي (٢) مثله

أحد من الخلفاء كان أرادها

وإذا نشرت له الثناء وجدته

جمع المكارم طرفها وتلادها

فأشار الوليد إلى بعض الخدم ، فغطوه بالخلع ، ووضعوا بين يديه كيسة الدنانير ، وبدر الدراهم ، ثم قال الوليد : يا مولى بني نوفل بن الحارث ، لقد أوتيت أمرا جليلا ، فقال ابن سريج : وأنت يا أمير المؤمنين فقد آتاك الله ملكا عظيما ، وشرفا عاليا ، وعزا بسط يدك فيه ، فلم يقبضه عنك ولا يفعل ، إن شاء الله ، فأدام الله لك ما ولّاك فيما استرعاك ، فإنّك أهل لما أعطاك ، ولا نزعه منك إذا رآك له موضعا لما استرعاك ، قال : يا نوفلي وخطيب أيضا؟ قال ابن سريج : عنك نطقت ، وبلسانك تكلمت ، وبعزك أنست ، وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمّد الأنصاري ، وعدي بن الرّقاع العاملي ، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج ، فقالا : والله لقرب أمير المؤمنين كان أحبّ إلينا من قربك يا مولى بني نوفل ، فإنّ في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد ، فقال لهما إن سريج : أوقلة شكر ، فقال عدي : كأنك يا ابن اللخناء تمنّ علينا! عليّ ، وعليّ أن يجمعنا وإياك سقف بيت ، أو صحن دار إلّا عند أمير المؤمنين ، وأما الأحوص فقال : أو لا يحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة. كفارة يمين خير من عدم المحبة ، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج (٣) في غير منفعة ، فتحول عدي وبقي الأحوص ، وبلغ الوليد ما جرى بينهم ، فدعا بابن سريج ، فأدخل بيتا وأرخى دونه سترا ، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلتيهما أن يغنى ، فلما دخلا وأنشداه مدائح ليدفع صوته ابن سريج من حيث لا يرونه ، وضرب بعوده ، فقال عدي : يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلم؟ قال : قل يا عاملي ، قال : مثل هذا عند أمير المؤمنين ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام ، ترفعه أرض وتخفضه أخرى فقال : من هذا؟ قال ابن سريج : مولى بني نوفل ، فبعث إليه أمير المؤمنين ليسمع غناءه ، قال : ويحك يا عدي أو لا تعرف هذا الصوت؟ قال : لا والله ما سمعته قط ، ولا سمعت مثله حسنا ، ولو لا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت : طائفة من الجن يتغنون ، فقال : اخرج عليهم ، فخرج ، فإذا ابن سريج ،

__________________

(١) الديوان والأغاني : من يريد.

(٢) الأصل وم ، وفي الديوان والأغاني : تناول.

(٣) اللجاج : التمادي في الخصومة.

١٩٨

فقال عدي : حقّ لهذا أن يجعل (١) ، حقّ لهذا أن يجعل (٢) ـ ثلاثا ـ ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج ، وارتحل القوم.

أنبأنا أبو القاسم [علي](٣) بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ، أخبرني أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين بن سيبخت (٤) البغدادي ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى (٥) ، حدّثني أبو خليفة الفضل بن الحباب ـ بالبصرة ـ نا محمّد بن سلّام قال : كان عمر بن أبي خليفة (٦) قوله فسألته يوما : أي المغنيين أحذق؟ فقال : ابن أبي سريج ... (٧) استحسنت له قال :

ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي

أكلفها سير الكلال مع الظّلع (٨)

أنبأنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو منصور بن الجواليقي ، وأبو الحسن سعد الخير بن محمّد ، قالوا : أنا أبو ياسر أحمد بن إبراهيم بن بندار البقّال ، أنا أبو الحسين محمّد بن عبد الواحد بن علي بن إبراهيم بن رزمة ، أنا أبو القاسم عمر بن محمّد بن سيف ، نا أبو عبد الله محمّد بن العباس اليزيدي ـ إملاء ـ نا أحمد بن يحيى ، نا محمّد بن سلّام ، نا جرير المديني قال : كان معبد إذا غنى فأجاد ، قال : أنا اليوم سريجي.

أخبرنا أبو العزّ بن كادش ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (٩) ، نا المظفر بن يحيى بن أحمد المعروف بابن الشرابي ، نا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عبد الله بشر المرثدي ، نا أبو إسحاق طلحة بن عبد الله الطلحي ، قال : أخبرني أحمد بن إبراهيم ، وحدّثني أبي عن من حدّثه قال :

خرج معبد وهو يومئذ أحسن أهل المدينة غناء إلى مكة يتحدى الغريض (١٠) ، فسأل عن منزله فدلّ ، فأتاه ، فقرع الباب ، فقالت الجارية : من هذا؟ فقال : قولي لأبي فلان ، هذا رجل من أهل المدينة من إخوانك ، فقال : افتحي له ، فدخل ، فحيّاه وسأله عن حاجته ، فقال له : أنا

__________________

(١) الأصل وم ، وفي الأغاني : يحمل.

(٢) الأصل وم ، وفي الأغاني : يحمل.

(٣) الزيادة عن م.

(٤) الأصل بتقديم الباء على الياء.

(٥) فوقها بالأصل ضبة إشارة إلى سقط في السند ، وبعدها في م بياض.

(٦) بياض بالأصل وم.

(٧) بياض بالأصل وم.

(٨) البيت في الأغاني منسوبا لعمر بن أبي ربيعة ، وهو في ديوانه ط بيروت ص ٢٤٨.

(٩) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٣٠٨.

(١٠) أخباره في الأغاني ٢ / ٣٥٩.

١٩٩

رجل (١) من أهل صناعتك وقد أحببت أن أسمع منك وأسمعك ، قال : هات على اسم الله تعالى ، فغنّاه معبد ، فقال : أحسنت والله ، يا أخي (٢) ، حتى انتهى ثم اندفع هو فغنى ، فسمع معبد شيئا لم يسمع مثله قط ، فقال له : أنت والله أحسن الناس غناء ، فقال : كيف لو سمعت عجوزا لنا في سفح الجبل ـ أبي قبيس ـ يعني ابن سريج ـ قال : وكيف جعلت فداك بأن أسمع منه؟ قال : قم بنا إليه ، قال : فنهضنا حتى أتيا باب ابن سريج فقرعه الغريض ، فعرفته الجارية فدخلا جميعا ، فإذا ابن سريج نائم الصبحة ، وإذا عليه قرقر (٣) أصفر.

قال القاضي : كذا قال ابن الشرابي ، وهكذا رأيته في أصل كتابه ، والصواب قرقل في قول الجمهور ، وإن كان بعضهم قد ردّ هذا وصوّب قولهم : قرقرة (٤) وقد خضب يديه وذراعيه إلى مرفقيه ، فقال له الغريض : جعلت فداك ، هذا رجل من إخوانك من أهل المدينة يتغنى ، وقد أحبّ أن يسمعك غناءه ، ويسمع منك ، قال : هات ، فغنّاه معبد ، فقال له ابن سريج أحسنت والله ، ثم استل ابن سريج دفا مربعا وتغنى :

نظرت عيني ولا نظرت

بعده عيني إلى أحد

قال معبد : فسمعت شيئا ما سمعت مثله قط ، ولا ظننته يكون ، ف [أخذت](٥) آتم به واختلف إليه.

قال : ونا المعافى (٦) ، نا المظفّر ، نا أحمد بن محمّد المرثدي ، أنا أبو إسحاق الطلحي ، قال : وأخبرني أحمد قال :

كان الغريض مخنثا (٧) ، وكان جميلا له شعر ، وكان مولى للثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر ، وكان يتعلم من ابن سريج.

قرأت بخط أبي [الحسن](٨) رشأ بن نظيف.

__________________

(١) الأصل : أجل ، تصحيف ، والتصويب عن م والجليس الصالح.

(٢) بالأصل وم : والله ابن أخي حتى انتهيت.

(٣) كذا بالأصل وم : قرقر ، وفي الجليس الصالح : قرقرة.

(٤) الزيادة عن الجليس الصالح الكافي.

(٥) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٣١٠.

(٦) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٣١٠.

(٧) الأصل : مخيبا ، وفي م : مجنبا ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٨) الزيادة عن م.

٢٠٠