تاريخ مدينة دمشق - ج ١٩

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١٩

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

فإذا أتته فترضاه وتحلله مما قلت له ، قالوا : لا نفعل فإنه أبخل ما يكون عند ذلك ولا يأمن أن يسمعك ما تكره فأرسل إلى أخيه طالوت : فقال هذه مائة دينار خذها وأعطها أخاك وتحلل لي منه ، فقال طالوت : ما اجترئ عليه بذلك وهو لا يحللك أبدا ، قال : فخذ هذه الدنانير وأوصلها إليه ، قال : إن علم أنها من قبلك لم يقبلها ، قال : خذها واصنع بها شيئا يصل إليه نفعه ، قال : فأخذها فاشترى له منها جارية فهي أم ولده اسمها سلامة ولا يعلم ابن [أبي](١) ذئب بذلك ، ولو علم ما قبلها أبدا قال : وكان لا يذكر قربة زيادة عليه إلّا ... (٢) وتلهف وقال : لو لا خوف الله لرددتها عليه.

أخبرنا أبو العزّ بن كادش ـ إذنا ومناولة ، وقد [قرأ] عليّ إسناده ـ أنا أبو علي الجازري ، أنا المعافي بن زكريا (٣) ، نا المظفّر بن يحيى بن أحمد المعروف بابن الشرابي (٤) ، نا أبو العباس المرثدي ، أنا أبو إسحاق الطّلحي ، أخبرني أبو محمد عيسى بن عمر بن عيسى التيمي ، قال : كان زياد بن عبيد الله (٥) الحارثي ـ خال أبي العباس أمير المؤمنين ـ واليا لأبي العباس على مكة ، فحضر أشعب مائدته في أناس من أهل مكة ، وكانت لزياد بن عبيد الله (٦) صحفة يخص بها ، فيها مضيرة (٧) من لحم جدي ، فأتي بها ، فأمر الغلام أن يضعها بين يدي أشعب ، حتى أتى على ما فيها. فاستبطأ زياد بن عبيد الله (٨) المضيرة فقال : يا غلام الصحفة التي كنت تأتيني بها؟ قال : أتيتك بها أصلحك الله ، فأمرتني أن أضعها بين يدي أبي العلاء ، قال : هنأ الله أبا العلاء ، وبارك الله فلما رفعت المائدة ، قال : يا أبا العلاء ـ وذاك في استقبال شهر رمضان ـ قد حضر هذا الشهر المبارك ، وقد رققت (٩) لأهل السجن لما هم فيه من الضر ، ثم لا نهجام الصوم عليهم ، وقد رأيت أن أصيّرك إليهم فتلهيهم بالنهار وتصلّي بهم بالليل. وكان أشعب

__________________

(١) بالأصل : ابن دويب وفي م : من دويب.

(٢) غير مقروءة بالأصل وم.

(٣) الجليس الصالح الكافي ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٤) مهملة بالأصل ورسمها : «السراى؟؟؟» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٥) في الجليس الصالح : عبد الله ، تحريف.

(٦) في الجليس الصالح : عبد الله ، تحريف.

(٧) المضيرة : هي أن تطبخ اللحم باللبن البحت الصريح حتى ينضج اللحم وتخثر المضيرة (اللسان : مضر).

(٨) بالأصل والجليس الصالح : عبد الله.

(٩) بالأصل : رفعت ، والصواب عن الجليس الصالح.

١٦١

حافظا ، قال : أو غير ذلك ، أصلح الله الأمير؟ قال : ما هو؟ قال أعطي الله عهدك أن لا آكل مضيرة جدي أبدا.

أنبأنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو منصور بن الخضر بن الجواليقي ، قالا : أنا أبو الحسين علي بن الحسين بن أيوب ، أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد المعروف بالطوماري ، نا أبو العباس أحمد بن يحيى ، حدّثنا الزّبير بن بكار ، حدّثني مصعب بن عثمان ، قال : دخل أبو حمزة الرّبعي في ولد ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب على زياد بن عبيد الله الحارثي ، وهو والي المدينة فقال : أصلح الله الأمير ، المنصور وجّه إليك بمال تقسمه على القواعد ، والعميان ، والأيتام قال : وقد كان ذلك ، فتقول ما ذا؟ تكتبني في القواعد ، قال : أي رحمك الله ، إنما القواعد اللائي قعدن عن الأزواج وأنت رجل ، قال فاكتبني في العميان ، قال : أما هذا فنعم ، اكتبه يا غلام ، فقد قال الله عزوجل : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(١) وأنا أشهد أن أبا حمزة أعمى. فقال : واكتب بني في الأيتام ، قال : وذلك اكتبهم يا غلام ، فمن كان أبو (٢) حمزة أباه فهو يتيم قال : فأخذ والله في العميان ، وأخذ بنوه في الأيتام (٣).

٢٣٠٨ ـ زياد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الأنصاري

من صحابة الوليد بن يزيد ، له ذكر.

٢٣٠٩ ـ زياد بن عبيد (٤)

وهو الذي ادّعاه معاوية ، ويعرف بزياد بن أبي سفيان ، أبو المغيرة.

أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يره ، وأسلم في عهد أبي بكر وسمع عمر بن الخطاب واستكتبه أبو موسى الأشعري ، في إمرته على البصرة ، وولاه معاوية الكوفة والبصرة ، وفد دمشق.

__________________

(١) سورة الحج ، الآية : ٤٦.

(٢) بالأصل وم : أبوه.

(٣) بعدها كتب في م : آخر الجزء الخامس.

(٤) ترجمته في الاستيعاب ١ / ٥٦٧ هامش الإصابة ، وأسد الغابة ٢ / ١١٩ الإصابة ١ / ٥٨٠ فوات الوفيات ٢ / ٣١ الوافي بالوفيات ١٥ / ١٠ تاريخ الطبري ، ومروج الذهب ، والكامل لابن الأثير : (راجع الفهارس) سير الأعلام ٣ / ٤٩٤ اختلفوا في اسم أبيه ، راجع مصادر ترجمته.

١٦٢

روى عنه : محمد بن سيرين ، وقبيصة بن جابر الأسدي ، وعبد الملك بن عبيد (١) القرشي ، والشعبي ، وأبو عثمان النهدي.

وذكر أبو عبيد معمر بن المثنى أن مولده عام هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة.

وذكر أبو جعفر الطبري : أن المختار بن أبي عبيد ، وزياد بن أبي سفيان ، ولدا في سنة إحدى من الهجرة.

أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (٢) ، نا أبو الحسين بن المهتدي.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، قالا : أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدّثنا داود بن عمرو ، نا منصور ـ هو ـ ابن أبي الأسود ، عن مطرّف ، عن الشعبي ، قال : أتي زياد بن أبي سفيان في رجل مات وبذل عنه أخا أبيه وأمه وخاله فقال : لأقضين بينكم بقضاء سمعته من عمر بن الخطاب : للخال الثلث بمنزلة الأم وللعم الثلثين بمنزلة الأب ، كذا قال عمه وإنما هو عمته.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا يزيد بن هارون ، أنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال :

أتي زياد في رجل توفي وترك عمته وخالته ، فقال : هل تدرون كيف قضى عمر فيها؟ قالوا : لا ، فقال : والله إني لأعلم الناس بقضاء عمر فيها ، جعل العمة بمنزلة الأخ ، والخالة بمنزلة الأخت ، فأعطى العمة الثلثين والخالة الثلث (٣).

أخبرنا أبو طاهر على بن عبد الرحمن بن عقيل ، أنا أبو الحسن الخلعي ، أنا أبو محمد بن النحاس ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد بن خلف ، نا محمد بن المنهال ، نا الحكم بن عبد الله العجلي ، عن يزيد بن زريع ، عن خالد الحذاء ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال :

قلنا لزياد : ابن من أنت؟ قال : ابن عبيد.

__________________

(١) بالأصل وم : المرزقي ، والصواب ما أثبت.

(٢) في سير الأعلام : عبد الملك بن عمير.

(٣) انظر طبقات ابن سعد ٧ / ١٠٠ وسير الأعلام ٣ / ٤٩٧.

١٦٣

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، أنا يوسف بن رباح : أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، نا محمد بن أحمد بن حمّاد ، نا معاوية بن صالح ، قال :

سمعت يحيى بن معين يقول في تسمية أهل البصرة : زياد بن أبي سفيان.

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنا أحمد بن عبد الملك ، أنا أبو الحسن بن السّقّا ، وأبو محمد بن بالوية ، قالا : أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا عباس بن محمد قال : سمعت يحيى بن معين يقول :

زياد بن سميّة كنيته أبو المغيرة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، وأبو العزّ ثابت بن منصور ، قالا : أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ـ زاد الأنماطي ، وأبو الفضل أحمد بن الحسن ، قالا : ـ أنا أبو الحسين الأصبهاني ، أنا محمد بن أحمد بن إسحاق ، أنا عمر بن أحمد الأهوازي ، نا خليفة بن خياط ، قال (١) :

زياد بن أبي سفيان يكنى أبا المغيرة ، مات في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين.

أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا الحسن بن محمد بن يوسف ، أنا أبو الحسن اللبناني ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا محمد بن سعد ، قال (٢) : في الطبقة الأولى من أهل البصرة زياد بن أبي سفيان بن حرب يروي عن عمر.

أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف ، وأبو نصر محمد بن الحسن ، قالا : قرئ على أبي محمد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد (٣) ، قال :

زياد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، وأمه سميّة جارية الحارث بن كلدة الثقفي ، وكان بعضهم يقول : زياد بن أبيه ، وبعضهم يقول : زياد

__________________

(١) طبقات خليفة بن خياط ص ٣٢٨ رقم ١٥١٦.

(٢) الخبر برواية ابن أبي الدنيا ليس في الطبقات الكبرى لابن سعد المطبوع.

وبالأصل : محمد بن سعيد ، والصواب ما أثبت.

(٣) بالأصل : مسعدة والصواب «سعد» وانظر الخبر في طبقاته ٧ / ٩٩ و ١٠٠.

١٦٤

الأمير ، وولي البصرة لمعاوية حين ادّعاه وضمّ إليه الكوفة ، فكان يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة ، ويولي على الكوفة إذا خرج منها [عمرو بن حريث ، ويولي على البصرة إذا خرج منها](١) سمرة بن جندب ، ولم يكن زياد من القراء ، ولا الفقهاء ، ولكنه معروف ، وكان كاتبا لأبي موسى الأشعري ، وقد روي عن عمر (٢) ، ورويت عنه أحاديث. وولد زياد بن أبي سفيان بالطائف عام الفتح ، ومات بالكوفة وهو عامل عليها لمعاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وخمسين.

أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل الحافظ ، أنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أحمد : وأبو الحسن الأصبهاني ، قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمد بن سهل ، أنا محمد بن إسماعيل ، قال (٣) :

زياد بن أبي سفيان ، ويقال : هو ابن عبيد ، ويقال : ابن سميّة ، وسميّة أمّه ، أبو المغيرة ، أخو أبي بكرة لأمه ، سمع عمر.

أخبرنا أبو الحسين الفراء ، أنا أبو يعلى.

وأخبرنا أبو السعود بن المجلي ، حدّثنا أبو الحسين بن المهتدي ، قالا : أنا عبيد الله بن أحمد بن علي ، أنا محمد بن مخلد بن حفص ، قال : قرأت على علي بن عمر الأنصاري ، حدثكم الهيثم بن عدي ، قال : قال ابن عياش : زياد بن أبيه (٤) يكنى أبا المغيرة ، وكان أول من جمع له المصران : الكوفة والبصرة.

أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس ، أنا أحمد بن منصور بن خلف ، نا محمد بن عبد الله بن حمدون ، أنا مكي بن عبدان ، قال : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول : أبو المغيرة زياد بن أبي سفيان أخو أبي بكرة ، سمع عمر.

قرأت على الفضل بن ناصر عن جعفر بن يحيى التميمي ، أنا عبيد بن سعيد بن حاتم ، أنا الخصيب بن عبد الله بن محمد ، أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن ،

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن طبقات ابن سعد.

(٢) بالأصل : «عن عمرو ووثب عنه» صوبت العبارة عن ابن سعد.

(٣) التاريخ الكبير للبخاري ٢ / ١ / ٣٥٧.

(٤) بالأصل وم : «زيادة بن أسد» والصواب ما أثبت.

١٦٥

أخبرني أبي ، قال : أبو المغيرة زياد بن سميّة.

في نسخة ما شافهني به أبو عبد الله الخلّال ، أنا أبو القاسم بن مندة ، أنا أبو علي إجازة ، قال : وأنا أبو طاهر بن سلمة ، أنا علي بن محمد ، قالا : أنا أبو محمد بن أبي حاتم ، قال (١) : زياد بن عبيد ، وهو زياد بن أبي سفيان ، ويقال ابن سميّة ، وسميّة أمه ، يكنى بأبي المغيرة ، أخو أبي بكرة لأمه ، وهو الذي ادّعاه معاوية ، سمعت أبي يقول ذلك.

أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي في كتابه ، أنا أبو بكر الصفار ، أنا أبو بكر الحافظ ، أنا أبو أحمد الحاكم ، قال : أبو المغيرة زياد بن أبيه ، ويقال : ابن عبيد ، ويقال : ابن سميّة ، ويقال ابن أبي سفيان ، واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي أخو أبي بكرة لأمه ، ولد عام الهجرة وسمع عمر بن الخطاب ، روى عنه أبو عمرو (٢) الشعبي ، وأبو بكر محمد بن سفيان ، وأبو العلاء قبيصة بن جابر الأسدي ، وأبو عمير عبد الملك بن عمير القرشي ولي العراق سنة ثمان وأربعين ، ومات سنة ثلاث وخمسين ، وكانت ولايته خمس سنين واليا على المصرين وبلغ من السن ثلاثا وخمسين ، ويقال : ستا وخمسين.

أنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي الحداد ، قالا : أنا أبو نعيم الحافظ ، قال : زياد بن سميّة ادّعى أبا سفيان ونسب إليه ، أخو أبي بكرة لأمه ، يكنى أبا المغيرة وولد عام الهجرة ، واستخلفه أبو موسى الأشعري على البصرة ، ممن وفد على عمر بن الخطاب ، وبعثه أبو موسى رسولا إلى عمر ، كان يعد من الزهاد ، توفي في سنة ثلاث وخمسين.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو علي بن المسلمة ، أنا أبو الحسين الخلعي ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، نا الحسين بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى القطان ، نا أبو حذيفة ، قال : قال عمر ـ يعني ـ لأبي موسى : إني لأعزم عليك لتسرحهما إلي ، يعني أمية عقيلة وكاتبك زياد فسرح بهما أبو موسى إلى عمر ، فلما قدما عليه أنزل عقيلة مع نسائه وأما زيادا فدخل عليه وكان لبيبا في زي العرب فلما نظر إليه عمر ورأى

__________________

(١) الجرح والتعديل ١ / ٢ / ٥٣٩.

(٢) بالأصل : «أبو عمر» والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير الأعلام ٤ / ٢٩٤.

١٦٦

هيئة حسنة قال له : كم عطاؤك قال : اشتريت به مملوكا ، فأعتقته فسرّ من كلامه عمر ، ثم مسه فوجده عالما بالقرآن وأحكامه وفرائضه ، فرده إلى أبي موسى وأمره بالوصاة به.

أخبرنا أبو القاسم أيضا ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن عبد الله بن سيف ، نا السري بن يحيى (١) ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر عن زهرة ، ومحمد بن عمرو ، قالا : وبعث ـ يعني أبا موسى ـ بالأخماس ـ يعني يوم جلولاء ـ مع قضاعي بن عمرو وأبي مفزّر (٢) والحساب مع زياد بن أبي سفيان ، وكان الذي يكتب للناس ويدوّنهم ، فلما قدموا على عمر كلّمه زياد فيما جاء له ووصف له ، فقال عمر : هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به ، فقال : والله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك ، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك؟ فقام في الناس بما أصابوا وما صنعوا ، وما يستأذنون فيه من الانسياح في البلاد ، فقال عمر : هذا الخطيب المصقع فقال :

إنّ جندي (٣) أطلقوا بالنعال لساننا

قال : وحدّثنا سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا (٤) : ولما رجع أبو موسى عن أصبهان بعد دخول الجنود الكور وفد هزم الربيع (٥) أهل بيرود (٦) وجمع السبي والأموال فغدا على ستين غلاما من أبناء الدهاقين تنقّاهم وعزلهم وبعث بالفتح إلى عمر ، ووفّد وفدا فجاءه رجل من عنزة فقال : اكتبني في الوفد ، فقال كتبنا من هو أحق منك ، فانطلق مغاضبا مراغما وكتب أبو موسى إلى عمر أن رجلا من عنزة ، يقال له ضبة بن محصن كان من أمره ، وقصّ قصته ، فلما قدم الكتاب والفتح والوفد على عمر قدم العنزي فأتى محمد فسلم عليه ، فقال : من أنت؟ فأخبره ، فقال : لا مرحبا ولا أهلا ، قال : أما المرحب فمن الله ، وأما الأهل فلا أهل ، فاختلف إليه ثلاثا يقول له هذا ، ويرد عليه هذا ، حتى إذا كان اليوم الرابع ، فدخل عليه ، فقال [ما ذا نقمت على أميرك؟ قال :

__________________

(١) الخبر في تاريخ الطبري ط بيروت حوادث سنة ١٦ (٢ / ٤٧١).

(٢) بالأصل : «معرد» وفي م : معرب والمثبت عن الطبري.

(٣) الطبري : جندنا.

(٤) الخبر في تاريخ الطبري حوادث سنة ٢٣ (ج ٢ / ٥٥٦ ط بيروت).

(٥) هو الربيع بن زياد الحارثي.

(٦) بيروذ ناحية بين الأهواز ومدينة الطيب (ياقوت) وبالأصل : بيرود بالدال المهملة.

١٦٧

تنقى](١) نيّفا وستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه ، وله جارية تدعى عقيلة تغدّي جفنة وتعشّي جفنة وليس منا رجل يقدر على ذلك ، وله قفيزان وله خاتمان ، وفوّض إلى زياد بن أبي سفيان ـ وكان زياد يلي أمور البصرة ـ وأجاز الحطيئة (٢) بألف فكتب عمر كلما قال.

قال : وبعث إلى أبي موسى فلما قدم حجبه أياما ، ثم دعا به ودعا ضبّة بن محصن ، ودفع إليه الكتاب فقال : اقرأ ما كتب ، فقرأ : أخذ ستين غلاما ، فقال أبو موسى : دللت عليهم وكان لهم فدي ففديتهم ، فأخذته فقسمته بين المسلمين ، فقال ضبّة : والله ما كذب ولا كذبت ، فقال : له قفيزان ، فقال أبو موسى قفيز (٣) لأهلي أقوتهم ، وقفيز في أيديهم للمسلمين يأخذون به أرزاقهم ، فقال ضبّة : والله ما كذب ولا كذبت ، فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى فلم يعتذر ، وعلم أن ضبّة قد صدقه. فقال : وزياد يلي أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلي. فقال : وجدت له نبلا ورأيا ، فأسندت إليه عملي ، قال : وأجاز الحطيئة (٤) بألف ، قال : سددت فمه بمالي أن يشتمني قال : قد فعلت ما فعلت ، فرده عمر فقال إذا قدمت فأرسل إليّ زيادا وعقيلة ففعل ، فقدمت عقيلة قبل زياد وقدم زياد فأقام بالباب فخرج عمر وزياد قائم بالباب وعليه ثياب بياض كتان فقال : ما هذه الثياب؟ فأخبره فقال : كم أثمانها؟ أخبره بشيء يسير وصدّقه ، فقال له : كم عطاؤك؟ قال : ألفان ، قال : ما صنعت في أول عطاء خرج؟ قال : اشتريت به والدتي فأعتقتها ، واشتريت بالثاني ربيبي عبيدا فأعتقته قال : وفّقت فسأله عن الفرائض والسنن والقرآن فوجده فقيها ، فردّه وأمر أمراء البصرة أن يسيروا برأيه وحبس عقيلة بالمدينة ، وقال عمر : ألا أن ضبة بن محصن العنزي غضب على أبي موسى في الحقّ أن أصابه ، فارقه مراغما أن فاته أمر من أمور الدنيا فصدق عليه وكذب ، فأفسد كذبه صدقه ، فإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى النار ، وكان الحطيئة قد لقيه فأجازه من غزاة بيروذ وكان أبو موسى قد ابتدأ غزاتهم وحصارهم حتى فلّهم ، ثم جازهم ، ووكّل بهم الربيع ، ثم رجع إليهم بعد الفتح فولي القسم.

__________________

(١) ما بين معكوفتين مكانها مطموس بالأصل ، والعبارة استدركت عن الطبري.

(٢) بالأصل : «الخطبة» والصواب عن الطبري.

(٣) القفيز مكيال ، ثمانية مكاكيك ، والمكوك مكيال يسع صاعا ونصفا.

(٤) بالأصل : «الخطبة» والصواب عن الطبري.

١٦٨

أخبرنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا أحمد بن علي بن يعقوب ، أنا علي بن الحسن بن علي الجرّاحي ، قال : وأنا الحسن بن الحسين بن العباس بن دوما ، أنا جدي لأمي إسحاق بن محمد النعالي ، قالا : أنا إسحاق بن عبد الله المدائني ، نا قعنب بن المحرز بن قعنب ، نا أبو نعيم قال : كتب زياد بن أبي سفيان لأبي موسى الأشعري ، ولعبد الله بن عامر ، ولعبد الله بن عباس ، وللمغيرة بن شعبة ميل (١) على البصرة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الفضل بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : قال أبي وسمعت أبا نعيم يقول : كتب زياد بن أبي سفيان لأبي موسى الأشعري ، وكتب لعبد الله بن عامر بن كريز ، وكتب للمغيرة بن شعبة ، وكتب لعبد الله بن العباس ، كتب لهؤلاء كلهم على البصرة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو المعالي البقّال :

أخبرنا أبو العلاء الواسطي ، أنا أبو بكر البابسيري ، أنا الأحوص بن المفضّل الغلّابي ، نا أبي قال : قال أبو الحسن الكوفي : كتب زياد بن أبي سفيان لأربعة على البصرة : لأبي موسى الأشعري ، ولعبد الله بن عامر بن كريز ، والمغيرة بن شعبة ، ولعبد الله بن العباس.

أخبرنا أبو السعود بن المجلي (٢) ، نا أبو الحسين المهتدي.

وأخبرنا أبو الحسن محمّد بن محمّد ، أنا أبي قالا : أنا أبو القاسم الصّيدلاني ، قرأت على علي بن عمر الأنصاري ، حدثكم الهيثم بن عدي ، قال : كتب عن المجالد بن سعيد ، فقال : كان زياد بن أبيه كاتب للمغيرة بن شعبة ، وكتب لابن عبّاس.

أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (٣) ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا عبيد الله بن

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل ومهملة بدون نقط في م.

(٢) مهملة بالأصل وم ، والصواب ما أثبت وضبط ، وقد مضى التعريف به.

(٣) بالأصل وم بالقاف خطأ ، والصواب ما أثبت بالفاء. وقد مرّ.

١٦٩

محمد بن أبي مسلّم الفرضي ، أنا عثمان بن أحمد السماك ، أنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا أبو محمد سفيان بن محمد المصّيصي ، نا خالد بن يزيد ، عن شبيب بن شبيب ، عن أبي مسعود ، قال : كان زياد بن عبيد (١) كاتبا لابن عباس على البصرة فأثرى فقال الشاعر فيه :

قد انطقت الدراهم بعد عيّ

رجالا طال ما كانوا سكوتا

فما عادوا على جار بخير

ولا رفعوا لمكرمة بيوتا

كذاك المال يجبر كل عيب (٢)

ويترك كل ذي حسب صموتا

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى بن زكريا ، نا خليفة بن خياط ، قال (٣) : وقال الوليد ـ يعني ابن هشام ـ عن أبيه ، عن جده (٤) الحسن ، قال : غزا ابن عامر على مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي ، فأتى أصبهان وخلف على البصرة (٥) زياد ، قال (٦) : وقدم علي ، فلما خرج من البصرة ولّى عبد الله بن عباس واستخلف زيادا ، فبعث معاوية [عمرو] بن الحضرمي ، ثم خرج ابن عباس إلى البصرة.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين (٧) بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، أنا أبو عبيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، وغيره قالوا : أقام علي بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة ، ثم أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد الله بن عباس على البصرة ، فلم يزل ابن عباس على البصرة حتى سار إلى صفّين ، ثم استخلف أبا الأسود الديلي على الصلاة بالبصرة ، واستخلف زيادا على الخراج وبيت المال والديوان ، وقد كان استكتبه قبل ذلك ، فلم يزالا على البصرة حتى قدم من صفّين.

__________________

(١) بالأصل وم : عبيد الله.

(٢) في مختصر ابن منظور : عبء.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط ص ١٦١ حوادث سنة ٢٩ تحت عنوان فتح أصبهان.

(٤) في تاريخ خليفة : عن جده عن الحسن.

(٥) لفظة زياد سقطت من تاريخ خليفة.

(٦) تاريخ خليفة ص ١٩٩ و ٢٠١ تحت عنوان : تسمية عمال علي بن أبي طالب.

(٧) بالأصل وم : «الحسن» والصواب عن سند مماثل.

١٧٠

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أبو بكر بن بيري ، نا السّري بن يحيى (١) ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن محمد ، وطلحة ، قالا : وكان زياد بن أبي سفيان ممن اعتزل ولم يشهد المعركة ـ يعني يوم الجمل ـ قعد وكان في بيت نافع (٢) بن الحارث ، وجاء عبد الرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين مسلما بعد ما فرغ من البيعة فقال له عليّ : وعمك المتربص المتقاعد بي قال : والله يا أمير المؤمنين إنه لك لوادّ وأنه على مسرّتك لحريص ، ولكن بلغني أنه يشتكي ، وأعلم لك علمه ثم آتيك وكتم عليا مكانه حتى استأمره فأمره أن يقبله فقال عليّ : امش أمامي فاهدني (٣) إليه ففعل ، فلما دخل عليه قال : تقاعدت عني وتربّصت بي ووضع يده على صدره ، فقال : هذا وجع بيّن واعتذر إليه زياد ، فقبل عذره واستأثره وأراده على البصرة ، فقال : رجل من أهل بيتك تسكن إليه الناس فإنه أجدر أن يطمئنوا وينقادوا وسأكفيكه وأشير عليه فافترقا على ابن عباس رحمه‌الله ورجع إلى منزله.

وأمّر ابن عباس على البصرة ، وولّى زياد الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس أن يسمع منه ، وكان ابن عباس يقول استشرته عند هنة كانت من الناس فقال : إن كنت تعلم أنك على الحق وأنّ من خالفك على الباطل أشرت عليك بما ينبغي ، وإن كنت لا تدري أشرت عليك بما ينبغي لك ، فقال له : إني على الحق وإنهم على الباطل ، فقال : اضرب بمن أطاعك من عصاك ، ومن ترك أمرك فكان أعزّ للإسلام أن يضرب عنقه وأصلح له فاضرب عنقه ، فلما ولّى رأيت ما صنع وعلمت أنه قد اجتهد لي رأيه.

أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد ، أنا عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد ، أنا أبو الحسن بن الحمّامي ، أنا أبو صالح القاسم بن سالم بن عبد الله الأخباري ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن ملاعب بن حبان ، نا ورد بن عبد الله ، نا محمد بن طلحة ، عن الهجيع بن قيس ، قال : كتب زياد إلى الحسن والحسين وعبد الله بن عباس يعتذر إليهم في شأن حجر وأصحابه (٤) ، فأما الحسن فقرأ كتابه

__________________

(١) الخبر في تاريخ الطبري حوادث سنة ٣٦ (٥ / ٢٢٤ ط دار القاموس الحديث ـ بيروت).

(٢) بالأصل : رابع والصواب ما أثبت.

(٣) بالأصل : «فأهتدى» والمثبت عن الطبري.

(٤) انظر ما تقدم في كتابنا مقتل حجر وأصحابه.

١٧١

وسكت ، وأما الحسين فأخذ كتابه (١) ولم يقرأه ، وأما ابن عباس فقرأ كتابه وجعل يقول : كذب كذب ، ثم أنشأ يحدث قال : إني لمّا (٢) كنت بالبصرة كبر الناس بي تكبيرة ، ثم كبروا الثانية ، ثم كبروا الثالثة ، فدخل عليّ زياد فقال : هل أنت مطيعي يستقم لك الناس؟ فقلت : ما ذا قال : أرسل إلى فلان وفلان وفلان ـ ناس من الأشراف ـ تضرب أعناقهم يستقم لك الناس. فعلمت أنه إنما صنع بحجر وأصحابه مثل ما أشار به عليّ.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، أنا أحمد بن عمران ، نا موسى بن زكريا ، نا خليفة بن خياط ، قال : وفيها ـ يعني سنة أربع وأربعين ـ كان من أمر معاوية ، وزياد الذي كان (٣).

أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن كرتيلا ، أنا محمد بن علي بن محمد الخياط ، أنا أحمد بن عبيد الله بن الخضر ، أنا أحمد بن طالب الكاتب ، حدثني أبي أبو طالب عن علي بن محمد ، حدثني محمد بن محمد بن مروان بن عمر القرشي ، حدثني محمد بن أحمد ـ يعني أبا بكر الخزاعي ـ ، حدثني جدي عن محمد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : كان علي بن أبي طالب استعمل زيادا على فارس فلما أصيب علي وبويع معاوية احتمل المال ودخل قلعة من قلاع فارس تسمى قلعة زياد فأرسل معاوية حين بويع بسر بن أبي أرطأة يجول في العرب لا يأخذ رجلا عصى معاوية ولم يبايع له إلّا قتله حتى انتهى إلى البصرة ، فأخذ ولد زياد فيهم عبيد الله ، فقال : والله لأقتلنهم أو ليخرجن زياد من القلعة ، فركب أبو بكرة إلى معاوية فأخذ أمانا لزياد وكتب كتابا إلى بسر بإطلاق بني زياد من القلعة حتى قدم على معاوية فصالحه على ألف ألف ثم أقبل فلقيه مصقلة بن هبيرة وافدا إلى معاوية فقال له : يا مصقلة متى عهدك بأمير المؤمنين؟ قال : فأما أول قال كم أعطاك قال : عشرين ألفا ، قال : فهل لك أن أعطيكها على أن أعجل لك عشرة آلاف وعشرة آلاف إذا فرغت على أن تبلغه كلاما؟ قال : نعم ، قال : قل له إذا انتهيت إليه إياك زياد وافدا كلّ برّ العراق وبحره فجعلك فصالحته على ألفي ألف ، والله ما أرى الذي يقال لك إلّا حقا ، قال : نعم ، ثم أتى معاوية ذلك ، فقال له ذلك ، فقال له معاوية : وما يقال يا

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : فأخذ كتابه فمزقه ولم يقرأه.

(٢) بالأصل : ما.

(٣) كذا بالأصل وتاريخ خليفة بن خياط ص ٢٠٧.

١٧٢

مصقلة ، قال : يقال إنه ابن أبي سفيان ، فقال معاوية إن ذلك ليقال؟ قال : نعم ، قال : أي قائلها إلا بما فزعم أنه بعد مصقلة العشرة آلاف الأخرى بعد ما ادّعاه معاوية.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبد الله بن كادش أنا أبو يعلى محمد بن الحسين ، أنا إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل ، أنا الحسين بن الفهم الكوكبي ، نا عبد الله بن مالك ، نا سليمان بن أبي شيخ ، نا محمد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : كانت سميّة لدهقان زيدورد (١) بكسكر (٢) وكانت مدينة ـ وهي اليوم قرية ـ فاشتكى الدهقان ، وخاف أن يكون بطنه قد استسقى ، فدعا له الحارث بن كلدة الثقفي ، وقد كان قدم على كسرى ، فعالج الحارث الدهقان فبرأ فوهب له سمّية أم زياد ، فولدت عند الحارث أبا بكرة وهو مسروح ، فلم يقر به ولم ينفعه ، وإنما سمي أبا بكرة لأنه نزل في بكرة مع مجلي العبيد من الطائف حين أمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبيد ثقيف ، ثم ولدت سمية نافعا ، فلم يقر بنافع. فلما نزل أبو بكرة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الحارث لنافع : إن أخاك مسروحا عبد وأنت ابني ، فأقرّ به يومئذ ، وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له عبيد ، فولدت زيادا على فراشه. وكان أبو سفيان صار إلى الطائف فنزل على خمّار يقال له أبو مريم السّلولي ، وكانت لأبي مريم بعد صحبة ، فقال أبو سفيان لأبي مريم بعد أن شرب عنده : قد اشتدت به العزوبة ، فالتمس لي بغيا قال : هل لك في جارية الحارث بن كلدة سميّة امرأة عبيد؟ قال : هاتها على طول ثدييها وذفر إبطيها ، فجاء بها إليه ، فوقع لها فولدت زيادا فادّعاه معاوية. فقال يزيد بن مفرّغ لزياد :

تذكر هل بيثرب زيدورد

قرى آبائك النّبط القحاح

قال عبد الله قال سليمان : وحدثنا محمد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : لما توفي علي بن أبي طالب وزياد عامله على فارس ، وبويع لمعاوية تحصن زياد في قلعة فسمّيت به ، فهي تدعى قلعة زياد إلى الساعة ، فأرسل زياد من صالح معاوية على ألفي ألف درهم ، وأقبل زياد من القلعة فقال له زياد متى عهدك أمير المؤمنين؟ فقال عام أول ، قال : كم أعطاك؟ قال : عشرين ألفا ، قال : فهل لك أن أعطيك مثلها وتبلّغه كلاما؟ قال : نعم ، قال : قل له إذ أتيته : أتاك زياد وقد أكل برّ العراق وبحره فخدعك فصالحك على

__________________

(١) بالأصل وم : «وقد ورد» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٢) كسكر : كورة واسعة ، قصبتها واسط القصبة التي بين الكوفة والبصرة (ياقوت).

١٧٣

ألفي ألف درهم ، والله ما أرى الذي يقال إلّا حقا فإذا قال لك ما يقال؟ فقل : يقال : إنه ابن أبي سفيان.

قال : أبي قائلها إلّا إثما ، قال : فادّعاه ، فما أعطى (١) زياد مصقلة إلّا عشرة آلاف درهم إلّا بعد أن ادّعاه.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن طاوس ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد ، قالا : أنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو عبد الله الحسين بن الضحاك بن علي الطيبي ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن غالب ، نا حرب بن أمية بن بسطام ، قال : وأنا الحسين بن سعيد الموصلي ، أبو علي ، نا معلى بن مهدي ، قالا : نا يزيد بن زريع ، نا حبيب بن الشهيد ، عن ابن سيرين ، عن أبي بكرة ، قال : قال زياد لأبي بكرة ألم تر أن أمير المؤمنين أرادني على كذا وكذا ، وولدت على فراش عبيد واستنهته وقد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من ادّعى لغير أبيه فليتبوأ مقعده من النار» ثم جاء العام المقبل ، وقد ادّعاه [٤٤١٧].

قرأت على أبي عبد الله يحيى بن الحسن ، عن أبي تمام علي بن محمد عن أبي عمر بن حيّوية ، أنا محمد بن القاسم الكوكبي ، نا ابن أبي خيثمة ، نا يحيى بن معين ، نا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن محمد بن إسحاق ، قال : كنا جلوسا عند أبي سفيان فخرج زياد فقال : ويل أمه لو كان له صلب قوم ينتمي إليهم.

أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلي ، أنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا الشريف أبو الفضل محمد بن الحسن بن محمد بن الفضل بن المأمون ، نا أبو بكر محمد بن القاسم بن مشارك ، ثنا أبو علي محمد بن علي بن زياد الجهبذ ، نا أبو الفضل الرّبعي الهاشمي ، نا أبو بكر محمد بن عمّار ، عن عبد الرحمن بن كامل ، عن أبي المهاجر القاضي ، قال :

كان في زمان عمر بن الخطاب فتق (٢) فبعث زياد بن أبيه إليه فرتق الفتق (٣)

__________________

(١) بالأصل وم : أعطاه ، والصواب عن مختصر ابن منظور.

(٢) رسمها وإعجامها مضطربان ولعل الصواب ما أثبت انظر مختصر ابن منظور ، والفتق : فتنة وقع فيها فرقة الجماعة وفي الوافي بالوفيات أنه وقع فساد باليمن واللفظة بدون إعجام في م.

(٣) بالأصل : «العق؟؟؟» انظر ما سبق وبدون إعجام في م أيضا.

١٧٤

وانصرف محمودا عند أصحابه مشكورا عند أهل الناحية ، ودخل [على] عمر وعنده المهاجرين والأنصار ، فخطب خطبة لم يسمع مثلها حسنا ، فقال عمرو بن العاص : لله هذا الغلام لو كان أبوه قرشيا لساق العرب بعصاه ، فقال أبو سفيان ، وهو حاضر في المجلس ، فقال : والله إني لأعرف أباه ومن وضعه في رحم أمه ، فقال [علي :](١) يا أبا سفيان اسكت فإنك لتعلم أنّ عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعا إليك بالشرّ فأنشأ أبو سفيان يقول (٢) :

أما والله لو لا خوف شخص

يرانا يا عليّ من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حرب

ولم تكن المقالة عن زياد

فقد طالت مجاملتي ثقيفا

وتركي عندهم عرضا فؤادي (٣)

فلما قلد علي الخلافة قلّد زياد بن أبيه فارس فضبطها وحمى قلاعها ، وأباد (٤) الأعداء بناحيتها ، وحدّ أثره فيها ، واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلك ، وعظم عليه ، وكتب إلى زياد : أما بعد فإن العشّ الذي ربيت فيه معلوم عندنا ، فلا تدع أن تأوي كما تأوي الطير في أوكارها ، ولو لا والله أعلم به لقلت ما قاله العبد الصالح : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ)(٥) وكتب في آخر كتابه :

لله درّ زياد أيّما رجل

لو كان يعلم ما يأتي وما يذر

تنسى أباك وقد خفّت نعامته

إذ يخطب الناس والوالي لنا عمر

فافخر بوالدك الأدنى ووالدنا

إنّ ابن حرب له في قومه خطر

إن ابتهارك قوم (٦) لا تناسبهم

إلّا بأمك عار ليس يغتفر

فاترك ثقيفا فإن الله باعدهم

عن كلّ فضل به تعلو الورى مضر

فالرأي مطرف والعقل تجربة

فيها لصاحبها الإيراد والصدر

فلما ورد الكتاب على زياد قام في الناس فقال : العجب كل العجب من ابن آكلة

__________________

(١) زيادة عن الوافي بالوفيات ١٥ / ١٠.

(٢) الأبيات في الاستيعاب ١ / ٥٦٩ هامش الإصابة ، والوافي بالوفيات ١٥ / ١١.

(٣) عجزه في المصدرين : وتركي فيهم ثمر الفؤاد.

(٤) بالأصل : وأثار» والمثبت عن المختصر ، وفي الاستيعاب : فضبط البلاد وحمى وجبى وأصلح الفساد.

(٥) سورة النمل ، الآية : ٣٧.

(٦) المختصر : قوما.

١٧٥

الأكباد ، ورأس النفاق ، يخوفني بقصده إياي ، وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المهاجرين والأنصار ، أما والله لو أذن في لقائه لوجدني أجمّ مجسّا ، ضربا (١) بالسيف.

واتصل الخبر بعلي عليه‌السلام ، فكتب إلى زياد : أما بعد وليتك الذي وليتك ، وأنا أراك له أهلا ، وإنه قد كانت من أبي سفيان فلتة من أماني الباطل وكذب النفس لا توجب له ميراثا ، ولا يحل له نسبا ، وإنّ معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ، ومن خلفه ، ومن عن يمينه ، ومن عن شماله ، فاحذر ، ثم احذر. والسلام (٢).

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر القطيعي ، نا عبد الله بن أحمد (٣) ، حدثني أبي ، حدثنا هشام (٤) ، أنا خالد الحذاء ، عن أبي عثمان ، قال : لما ادّعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت : ما هذا الذي صنعتم ، إنّي سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : سمعت أذناي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : «من ادّعى أبا في الإسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام» ، قال أبو بكرة : وأنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٤٤١٨].

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنا أبو سعد الجنزرودي (٥) ، أنا أبو عمرو بن حمدان.

وأخبرنا أبو سهل بن سعدويه ، وأم المجتبى فاطمة بنت ناصر ، قالا : أنا إبراهيم بن منصور ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، قالا : أنا أبو يعلى ، أنا عبد الله بن مطيع ، نا هشام ، عن خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : لما ادّعى زياد لقيت أبا بكرة ، قال : فقلت : ما هذا الذي صنعتم؟ فإني سمعت سعدا يحدث يقول : سمعت ـ وقال ابن المقرئ : سمع ـ أذناي ووعاه ـ وقال ابن المقرئ : ووعى ـ قلبي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من ادّعى أبا» ، وقال ابن حمدان : ـ إلى أب ـ في الإسلام وهو يعلم أنه غير أبيه ما حرّم عليه الجنة ، قال أبو بكرة : وأنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي حديث فاطمة : لقيت أبا بكرة ، فقلت [٤٤١٩].

__________________

(١) في المختصر : ضروبا بالسيف.

(٢) انظر كتاب علي إلى زياد ، الاستيعاب ١ / ٥٧٠ وأسد الغابة ٢ / ١٢٠.

(٣) مسند الإمام أحمد ٥ / ٤٦.

(٤) كذا بالأصل ومسند أحمد ١ / ١٦٩ وفي مسند أحمد ٥ / ٤٦ «هشيم».

(٥) مهملة بدون نقط بالأصل ، والصواب ما أثبت.

١٧٦

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو محمد عبد الله بن الحسين ، أنا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا أبو هشام ، نا يحيى بن آدم ، عن مفضل بن مهلهل ، قال : كتب زياد إلى عائشة : من زياد بن أبي سفيان ـ وهو بريد أن تكتب إليه : ابن أبي سفيان ، فيحتج بذلك ـ فكتبت إليه من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد (١).

أخبرنا أبو طالب بن يوسف ، وأبو نصر بن البنا ، قالا : قرئ على أبي محمد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد (٢) ، أنا موسى بن إسماعيل ، نا رجل من قريش يقال له محمد بن الحارث أن مرّة صاحب نهر مرّة أتى عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق ، وكان مولاهم يسأله أن يكتب له إلى زياد في حاجة له فكتب : من عبد الرحمن إلى زياد ، ونسبه إلى غير أبي سفيان ، فقال : لا أذهب بكتابك هذا فيضرني (٣) ، قال : فأتى عائشة فكتبت له : من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان ، [قال :] فلما جاء بالكتاب قال له : إذا كان غدا فجئني بكتابك ، قال : وجمع الناس ، فقال : يا غلام اقرأه ، قال : فقرأه ، من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان ، قال : فقضى له حاجته.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا عبد الملك بن محمد ، أنا محمد بن أحمد بن الحسن ، أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنا أبي ، نا إسحاق بن منصور ، عن الحكم بن عبد الله ، عن قتادة [أن](٤) ابن عمر ، وابن سيرين ، كانا يقولان : زياد بن أبيه.

أنبأنا أبو محمد بن الكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا تمام بن محمد ، نا محمد بن سليمان ، نا محمد بن (٥) ، حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى ، حدثني أبي عن جدي ، قال : مرّ زياد بن سمية بن أبي سفيان وهو وال على البصرة بأبي العربان المخزومي وهو بمجلس فيه جماعة من قريش وهو مكفوف البصر ،

__________________

(١) بالأصل : زيادا.

(٢) طبقات ابن سعد ٧ / ٩٩ ـ ١٠٠.

(٣) بالأصل : فيضربني ، والمثبت عن ابن سعد.

(٤) زيادة منا لازمة للإيضاح.

(٥) بياض قدر كلمة بالأصل وغير واضحة في م ورسمها : «العبر».

١٧٧

قال أبو العربان : ما هذه الجلبة ، قالوا : زياد بن أبي سفيان ، قالوا : والله ما ترك أبو سفيان إلّا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمد ، فمن أين جاء زياد؟ فبلغ معاوية كلامه ، فكتب إلى زياد أن سد عنا وعنك هذا الكلب ، فأرسل إليه زياد بمائتي دينار ، فقال أبو العربان : وصل الله ابن أخي وأحسن جزاءه ، قال : ثم مرّ به زياد من الغد ، فسلم ، فبكى أبو العربان ، فقال : ما يبكيك؟ قال : عرفت حزم صوت أبي سفيان في صوت زياد ، فبلغ ذلك معاوية وكتب إليه :

ما لبتك الدنانير الذي رشيت

إن لوثتك أبا العربان ألوانا

أمسى وليس زياد في أرومته

نكرا وأصبح ما يمرّ به عرفانا

لله درّ زياد لو تعجلها

كانت له دون ما يخشاه قرمانا

فلما قرئ كتاب معاوية على أبي العربان قال : اكتب يا غلام :

أخذت لنا صلة يعنى النفوس بها

قد كدت بابن أبي سفيان تنسانا

أما زياد فلا أمر بنسبته

ولا أريد بما حاولت بهتانا

من يسد خيرا يصبه حيث يفعله

أو يسد شرا يصبه حيث ما كانا

كذا في هذه الحكاية ، وفيها نظر ، فإن حنظلة قتل يوم بدر كافرا ، ويزيد مات في حياة أبيه أبي سفيان ، فإن أراد بقوله ما ترك أبو سفيان أي ما ولد فقد أخلّ بذكر عمرو بن أبي سفيان ، وإن (١) أراد ما خلف بعده فقد وهم ، فإن يزيد وحنظلة تقدماه.

أخبرنا أبو محمد بن طاوس ، أنا أبو الغنائم بن أبي عثمان ، نا أبو الحسن بن رزقويه (٢) ، أنا محمد بن يحيى بن عمر ، نا علي بن حرب ، نا سفيان ، قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا كتب إلى عماله فذكر زيادا فقال : إن زيادا (٣) صاحب البصرة ، ولا ينسبه.

أخبرنا أبو نصر محمد بن حمد الكبريتي ، أنا أبو مسلم محمد بن علي بن محمد بن مهرابرد ، أنا أبو بكر المقرئ ، أنا أبو عروبة ، نا إسحاق بن إبراهيم الصّوّاف ، نا قريش بن أنس ، نا شعبة ، عن سعيد بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : أول

__________________

(١) بالأصل : «أدار» وفي م : وأنا راد.

(٢) بالأصل وم : زرقويه.

(٣) بالأصل : زياد.

١٧٨

قضية ردت من قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علانية قضاء فلان في زياد.

قال : ونا ابن المقرئ ، نا أبو عروبة ، نا ابن بشار ، نا ابن أبي عدي ، وعبد الملك بن الصباح ، قالا : ثنا شعبة ، عن سعد (١) بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : أول من رد قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعوة معاوية.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا عبد الملك بن محمد ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا أبي ، نا محمد بن عبد الله الأسدي ، نا سفيان بن عيينة ، قال : سمعت (٢) ابن أبي نجيح يقول : أول حكم ردّ من حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحكم في زياد.

قال : وأنا أبي ، نا أبو الحراب الضّبّي ، نا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن بعجة ، قال : أول ذلّ دخل (٣) على العرب قتل الحسين ، وادّعاء زياد.

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ـ فيما قرئ علي إسناده وناولني إياه ، وقال : اروه عني ـ أنا أبو علي محمد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (٤) ، نا محمد بن القاسم الأنباري ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر محمد بن أبي يعقوب الدّينوري ، نا عبيد بن محمد الفيريابي ، نا سفيان بن عيينة ، نا عبد الملك بن عمير ، قال : شهدت زياد بن أبي سفيان ، وقد صعد المنبر فسلم تسليما خفيا وانحرف انحرافا بطيئا ، وخطب خطبة بتيراء ـ قال ابن الفيريابي (٥) : والبتيراء التي لا يصلى فيها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال (٦) : إن أمير المؤمنين قد قال ما سمعتم ، وشهدت الشهود بما قد علمتم ، وإنما كنت امرأ حفظ الله مني ما ضيّع الناس ، ووصل مني ما قطعوا ، ألا إنّا قد سسنا وساست (٧)

__________________

(١) مرّ قريبا : سعيد.

(٢) بالأصل وم : «سمعت ابن يحيى يحتج بقول» وفيه العبارة اضطراب وصوبناها عن مختصر ابن منظور ٩ / ٧٨.

(٣) بالأصل : «قال : أول دارحل» كذا وفي م : «أول دل رجل» ، وصوبنا العبارة عن المختصر.

(٤) الخبر في كتاب الجليس الصالح الكافي ٣ / ٢٥٦.

(٥) بالأصل وم : ابن أبي الفريابي.

(٦) في خطبة زياد البتراء انظر : الكامل للمبرد ١ / ٢٦٨ عيون الأخبار ١ / ٩ البيان والتبيين ٢ / ٦٢ العقد الفريد ٥ / ٦ والأمالي للقالي ٣ / ١٨٥ ببعض اختلاف بين الأصل ومصادر الخطبة.

(٧) في الجليس الصالح : «وساسنا» وهو الظاهر.

١٧٩

السائسون ، وجرّبنا وجرّبنا المجربون ، وولينا وولي علينا الوالون. وإنا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلّا شدة في غير عنف ، ولين في غير ضعف ، وأيم الله إن لي لكم صرعى ، فليحذر كل رجل منكم أن يكون من صرعاي ، فو الله لآخذن البريء بالسقيم ، والمطيع بالعاصي ، والمقبل بالمدبر حتى تلين لي قناتكم ، وحتى يقول الفائل : «انج سعد فقد قتل سعيد» (١). ألا ربّ فرح بإمارتي لن ينفعه ، ورب كاره لها لن يضره ، وقد كانت بيني وبين أقوام منكم دمن وأحقاد ، وقد جعلت ذلك خلف ظهري ، وتحت قدمي ، فلو بلغني عن أحدكم أن البغض في قلبه ما كشفت له قناعا ، ولا هتكت له سترا حتى يبدي صفحته ، فإذا أبداها فلم أقله عثرته ، ألا ولا كذبة أكثر شاهدا عليها من كذبة إمام (٢) على منبر ، فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها فيّ ، فإذا وعدتكم خيرا أو شرا فلم أف به فلا طاعة لي في رقابكم ، ألا وأيما رجل منكم كان مكتبة خراسان فأجله (٣) سنتان ثم هو أمير (٤) نفسه ، وأيما رجل منكم كان مكتبه دون خراسان فأجله ستة أشهر ، ثم هو أمير نفسه ، وأيما امرأة احتاجت (٥) تأتينا ثم نقاصه به ، وأيما عقال فقدتموه من مقامي هذا إلى خراسان فأنا له ضامن.

فقام (٦) إليه نعيم بن إبرهيم المنقري ، فقال : أشهد لقد أوتيت الحكمة ، وفصل الخطاب ، فقال : كذبت أيها الرجل ، ذاك داود نبي الله عليه‌السلام ، ثم قام إليه الأحنف بن قيس ، فقال : أيها الرجل إنما الجواد بشدّة والسيف بحدّه ، والمرء بجدّه ، وقد بلّغك جدّك ما ترى ، وإنما الشكر بعد العطاء ، والثناء بعد البلاء ، ولسنا نثني عليك حتى نبتليك فقال : صدقت.

ثم قام أبو بلال مرداس بن أديّة ، فقال : أيها الرجل قد سمعت قولك ، والله لآخذن البريء بالسقيم والمطيع بالعاصي ، والمقبل بالمدبر ، ولعمري لقد خالفت ما حكم الله في كتابه أن يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٧) فقال : أيها عني ، فو الله ما أجد السبيل

__________________

(١) انظر المثل في المستقصى للزمخشري ١ / ٣٨٤.

(٢) الجليس الصالح : أمير.

(٣) عن الجليس الصالح وبالأصل : فاحكمه.

(٤) عن هامش الأصل.

(٥) في الجليس الصالح : وأيما امرأة احتاجت فإننا نعطيها عطاء زوجها ثم نقاصه به.

(٦) بالأصل : فأقام.

(٧) سورة فاطر ، الآية : ١٨.

١٨٠