من هدى القرآن - ج ١٧

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٧

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-20-3
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٨٤

على دينكم ، فان كل محبّ يحوط ما أحب» (١).

والرسالة تنظر إلى الإنسان كإنسان بعيدا عن سائر الاعتبارات الماديّة ، فمن سعى الى الرسول بلا تردد ..

(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى)

نحو الهداية أو تعلّم الدين.

(وَهُوَ يَخْشى)

والخشية هي التي تساعده على قبول الدين.

(فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)

تنشغل عنه وكأنه لا يهمك.

[١١ ـ ١٢] قيم الوحي ، وجاهلية المادة في صراع قديم ، ولا يجوز المهادنة مع الباطل لكسب المزيد من الأتباع ؛ لأن حكمة الوحي ضبط المادة ، فاذا خضع لها لم يبق للرسالة مبرر ، ومن هنا لا ينظر الرسول إلى الأشخاص إلّا من زاوية رسالته.

(كَلَّا)

فإن للغنى اعتبار زائف.

(إِنَّها تَذْكِرَةٌ)

__________________

(١) موسوعة بحار الأنوار ج ٢ / ١٠٧.

٣٢١

آيات الله تذكرة لكل الناس ، ولا يختلف الناس الا بقدر استجابتهم للوحي.

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ)

العقل أصل الإنسان ، أوليس به يتميز عن سائر الأحياء ، أولم يكرمه الله به على كثير ممن خلق؟! ان العقل يغطّ في سبات الغفلة فلا ينتفع به صاحبه ، وتأتي آيات القرآن توقضه من سباته. أذلك خير أم بعض الدراهم والدنانير ، كلا .. انّى كانت الثروة كبيرة فإن العقل أسمى ؛ لان الثروة لا تحصل إلّا بالعقل ، وإذا لم يكتمل العقل فان الثروة تضر صاحبها قبل ان تنفعه ، وقد تكون الثروة وسيلة لتكريس التخلف ، والفقر ، وبسط الفساد ، ونشر الرذيلة ، بيد ان العقل يجعل الإنسان على طريق ثروة نافعة كما يوفر له سائر عوامل السعادة كالخلق الرفيع ، والحرية ، والسلام.

ولا تعني التذكرة ان الناس يهتدون بها حتى ولو لم يشاءوا ذلك كلّا .. ان التذكرة لا تتم بدون ان يشاء الإنسان نفسه ، وهكذا جعل الله حرية الإنسان أصلا ثابتا في شريعته وفي سننه الحاكمة على الخليقة ، وحتى الايمان به جعله منوطا بإرادة الإنسان ولم يجعله كرها عليه.

[١٣ ـ ١٤] وبعد أن ينسف السياق القيم الجاهلية يرسي دعائم قيم الوحي التي ينبغي ترسيخها في المجتمع ، فيشرع في بيان عظمة القرآن حتى يكون القرآن هو محور المجتمع ، وميزان التفاضل بين الناس ، ثم يبين كرامة السفرة الذين يحملونه ، وبذلك يوحي بأن عليكم ان تعظموا القرآن والدعاة اليه وليس المال والجاه وأصحابهما.

(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ)

٣٢٢

قالوا : ان كتاب الله مكتوبا في ألواح تكرّمت به ، وتسامت مجدا ، وقال البعض : بل المراد أنه كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل أن يتنزل على قلب الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأنّى كانت الصحف فإن الآية تدل على أن القرآن محفوظ في صحف لا تنالها أيدي التحريف والتزوير ولا يسمو إليها الكذب والدجل ، كما تدل على أن الله أكرم هذه الصحف بأنها تكشف الحق ، وأكرمها بإعلاء درجة من يتّبعها في الدنيا والآخرة ، ذلك أن كرامة كل شيء بحسبه ، وكرامة الصحيفة صدقها ، وسمو مجدها ، وتعاليها عمن يريد بها عبثا ، ولذلك قال ربنا بعدئذ :

(مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ)

وهذا في الواقع تفسير لكرامة الصحيفة ، فإن الله يرفع بها من يعمل بها ويحمل رسالتها أولم يقل ربنا : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ..» (١) وقال سبحانه : «يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (٢).

ثم انها مطهرة من الباطل والكذب ، ومن دسّ الدجالين والمنافقين وقد قال سبحانه : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (٣) وقال : «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (٤).

وهي مطهرة عن نيل أصحاب الهوى والبدع ، والرياء والشرك وحملة الدعوات

__________________

(١) النور / ٣٦.

(٢) المجادلة / ١١.

(٣) الحجر / ٩.

(٤) الواقعة / ٧٩.

٣٢٣

الضالة ، والثقافات الجاهلية. إن هؤلاء جميعا لا يبلغون فقه الكتاب ولا يحصلون على علمه ومعارفه.

[١٥ ـ ١٦] وهكذا يكون حملة القرآن هم فقط السفراء الصادقون ، المكرمون من الهوى والنفاق ، واتباع المصالح ، وعبادة الطغاة.

(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)

السفرة هم حملة الكتاب ، والداعون اليه.

(كِرامٍ بَرَرَةٍ)

كرام لأنهم أكرموا أنفسهم عن الإثم والفحشاء ، واتباع اولي الثروة والقوة ، والسعي وراء شهوات الدنيا الزائلة. وهم بررة يبرّون بالناس ويؤثرون المؤمنين على أنفسهم ، ويسارعون الى الخيرات.

وهذه الآيات توضح لنا الفئة التي يجب ان نرفعها ونتبع هديها ، وهم حملة القرآن الصادقين ، الزاهدين في درجات الدنيا ، والمكرمين من أوساخها ، ومن الأهواء والبدع والثقافات الدخيلة ، ولا يجوز اتباع كل من يدعو بلسانه الى كتاب الله بينما تراه قد ولغ في الشبهات ، وسعى نحو الجاه والشهرة وتقرب إلى السلاطين ، وقرب إليه المترفين والمستكبرين.

٣٢٤

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨)

___________________

١٧ [قتل الإنسان] : أي عذّب ولعن ، وهو شبيه قوله : «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ» أي دعاء عليهم ، وكذلك قوله : «قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» وقيل : معناه قتلهم ، والصحيح أن من يتصدى لمحاربة الله ويكفر به فهو مقتول ، ومن غالبة فهو مغلوب.

٢٨ [قضبا] قيل : هو العلف للدواب يقضب مرة بعد اخرى ، وفي المفردات : أي رطبة ، والقضيب يستعمل من فروع الشجر ، والقضب يستعمل في البقل ، والقضب قطع القضب ، وروي أن النبي (ص) إذا رأى في ثوب تصليبا قضبه

، وسيف قاضب وقضيب أي قاطع ، ويقال لكل ما يهذّب مقتضب ومنه الكلام المقتضب أي المهذّب.

٣٢٥

وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))

___________________

٣٠ [غلبا] : إضافة على السياق نقول : الأصل في الغلب في الوصف الرقبة ، فاستعير الغلب للشجر الغلاظ الضخام.

٤١ [ترهقها قترة] يعلوها سواد وكسوف عند معاينة النار ، وقيل : ان «الغبرة» ما انحطت من السماء ، والقترة ما ارتفعت من الأرض ، وقيل : القتر دخان الشواء.

٣٢٦

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ

بينات من الآيات :

[١٧] نعم الله تترى على الإنسان ، ولكنه لا يزال يطمع لما في أيدي الآخرين ، بدل أن يسلّم وجهه لله الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ، تراه يروح يعبد الطغاة ، أو يخضع للمترفين لما يعطونه من فتات الرزق.

لما ذا لا يطرق باب رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! أوغيّر عليه الرب عادات امتنانه وتفضله؟! أوليس الله بقادر على أن يغنيه عما في أيدي العباد؟!

إنّه أعظم نعم الله الكتاب الذي يذكّره سبيل سعادته ، ويغنيه ليس في اموال الدنيا فحسب ، بل في كل شيء من الدنيا الى الآخرة ، ولكنه لا يزال يكفر ، قتله الله بكفره!

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)

٣٢٧

وكلمة «قتل» لعنة عليه ، وتعبير عن منتهى الغضب ، وفي نفس الوقت فيها ايحاء بأن الكفر يقتل الإنسان ، يقتل مواهبه وفضائله وفرص سعادته ، وحتى ينتهي بقتله تماما! أليس القتل درجات ، والكفر بأية نعمة الهية يؤدي الى قتل فرصة من فرص الحياة عند الإنسان ، وبالتالي فهو يعتبر درجة من القتل ومستوى منه؟! أرأيت الذي يملك رصيدا عظيما في البنك ولكنه لا يؤمن بذلك ، وكلما قيل له عنه كذّب وأبى! أليس يعدم موهبة إلهية؟! كذلك الذي يملك رصيدا عظيما في القرآن يستطيع ان يتخّذه لنفسه سعادة وفلاحا ثم يكفر به.

والتعبير ب «ما أكفره» يوحي بمدى كفره ؛ انه كفر واسع المدى ، متعدد الأبعاد ، ومن هنا قال بعضهم : الكفر هنا جاء بمعناه اللغوي الذي يعني الستر ، ويشمل الكفر بالله أو بنعمه أو حتى الكفر بنعمة واحدة ، ولذلك فان كلمة «الإنسان» هنا تسع كل الناس لأنه ما من إنسان إلا ويكفر بقدر ما بنعمة الله.

[١٨ ـ ١٩] ثم يعدد السياق نعم الله على الإنسان والتي يقابلها بالكفر وأولها نعمة خلقه من النطفة ويقول :

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)

هذه القطرة من الماء التي تخرج من الصلب وتلك القطرة التي تتدفق من الترائب ، تلتقيان فيخلق الله بهما الإنسان في ظلمات الأرحام ، حيث لا يعرف حتى أبواه ما ذا يجري هنالك ، فلا تزال عين الله ترعاه ، ويده تقلّبه من طور الى طور ، حتى يخرج إنسانا سويّا ، كيف قدر الله مواد جسمه من أنواع العناصر ، وبعض من هذه العناصر استقدمه الرب من نجوم تبعد عنا آلاف البلايين من الأميال ، ثم قدر حجم كل عنصر ومقداره في بنيته ، ويصوره بأحسن تصوير ، وقدر جوارحه بأنظمة معقّدة لا نزال لا نعرف الا جانبا منها هو الذي نجده في الغدد المنظمة لنمو الأعضاء ،

٣٢٨

وقدر مجمل وزنه ، فلا يصبح اطنانا ولا يبقى عند الوزن الذي أخرج من بطن أمه انما يتراوح بين الستين والتسعين غالبا ، كما يحدد طوله فلا نجد من ارتفع امتارا متطاولة ، كما لا نجد الاقزام إلّا قليلا.

كما يقدر رغبات نفسه ، وشهوات جسده ، ويكيّفها وفق ظروفه ، كل ذلك لا يهديه الى ربه ولا يجعله يسلم وجهه اليه! بلى ما أكفره ما أكفره!!

[٢٠] وهداه الى ما ينفعه وما يضره ، والى ما يسعده ويشقيه ، والى رزقه من اين يأتيه وكيف يصرفه. ان الإنسان مزود بفطرته وعقله ، بمنظومة من الغرائز والأفكار تهديه الى سبل العيش.

(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)

بلى. ألهمه فجوره وتقواه ، وأرسل الأنبياء ليذكروه بتقواه ، وينذروه من الفجور ، وزودهم بشرائع تفصيلية تبين له سبل السلام.

[٢١] وبعد ان انقضت دورته قهره بالموت ليكون عبرة لمن بعده ، وينقله الى حياة أخرى ، ويسعده فيها ان عمل صالحا ، ولم يدع جسمه عرضة لنهش الحشرات والجوارح والسباع ، وانما هيّأ له قبرا يوارى فيه كرامة له.

(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ)

[٢٢] وان الله الذي قلب الإنسان بين يدي قدرته في مختلف الأطوار قادر على أن يعيده متى شاء.

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ)

٣٢٩

[٢٣] ولكن الإنسان الذي أسبغ عليه الرب كل هذه النعم لا يزال متحديا قدرته وسلطانه ، ولا يزال يتمرد على أوامره ولا يقضيها.

(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ)

ما ذا تعني «كلّا»؟ يبدو أن معناها هنا وفي سائر مواقع استخدامها الإيذان بوقوع ما لا ينبغي ، ولا يتوقع العقل بعد سرد تلك النعم إلّا ان يكون الإنسان في منتهى التسليم لربه وفاء لبعض دينه ، ولكن العكس تماما هو الذي يقع.

اما كلمة «لمّا» فتعني النفي مع التوقع ، أو نفي ما كان متوقّعا ، وكلاهما صحيح في هذا السياق ، إذ يرجى تطبيق الإنسان لأوامر الرب ، كما أن عدم التطبيق خلاف ما كان منتظرا.

[٢٤] ويعود السياق الى جملة نعم الله على الإنسان التي تهديه الى قدرته وحكمته ورحمته ، فهذا الماء تحمله سحب الخير الى عنان السماء ثم تصبه على الأرض بسهلها وحزنها ليسقيها ، ثم تنشق الأرض عما يطعم الإنسان من ألوان الحبوب والثمار.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ)

ليس فقط يعرف كيف وفره الله له ، وانما أيضا ليتعلم من مدرسة الخليقة كيف يستفيد منه. أليس كل هذه الطبيعة مسخرة لإطعامك ، ألا ترى في ذلك حكمة بالغة ، وقدرة قاهرة ، أولا يعني أن وراء هذه الطبيعة تقديرا وتدبيرا وحكمة ، وأن مراد ربك ان يسعدك ثم يهديك ثم يعدك لجنته؟! بلى. وصدق الامام الحسين عليه السلام حينما خاطب ربه قائلا :

«عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له في حبّك

٣٣٠

قسما» (١).

فإذا نظرت الى الطعام بهذه الرؤية فانك تسمو من درجة التهام الطعام بشهية حيوانية الى مستوى التمتع به براحة نفسية ، وبشكر وامتنان ، وآنئذ لا يتغذّى به جسدك فقط ، وإنما روحك ونفسك أيضا. أليس الشكر والرضا غذاء النفس؟ وقد سن الإسلام آداب الطعام لهذا السبب ، فانك من قبل الطعام تقول : «الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ويجير ولا يجار عليه ، ويستغني ويفتقر اليه ، اللهم لك الحمد على ما رزقتني من طعام وإدام ، في يسر وعافية من غير كد منّي ولا مشقة» وبعد الانتهاء من الطعام تقول : «الحمد لله الذي أطعمني فاشبعني ، وسقاني فأرواني ، وصانني وحماني ، الحمد لله الذي عرفني البركة ، واليمن بما أصبته وتركته منه ، اللهم اجعله هنيئا مريئا ، لا وبيا ولا دويّا ، وأبقني بعده سويّا ، قائما بشكرك ، محافظا على طاعتك ، وارزقني رزقا دارّا واعشني عيشا قارّا ، واجعلني ناسكا بارّا ، واجعل ما يتلقاني في المعاد مبهجا سارّا ، برحمتك يا أرحم الراحمين» (٢)

وحين ينظر الإنسان الى الطعام نظرا عميقا يعرف أن ليس كل الطعام صالحا لكل وقت ، فلا بد أن يميّز بين الضار منه والنافع ، الجيد والردي ، والحلال والحرام ، فلا يأكل إلّا ما ينفعه وما يحل له ، وبقدر انتفاع جسده منه ، لذلك قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «لا تموّتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فان القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء» (٣)

وفي الحديث عن الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «من أكل الطعام على النقاء ، وأجاد تمضّغا ، وترك الطعام وهو يشتهيه ، ولم يحبس الغائط إذا أتى لم يمرض الّا

__________________

(١) مفاتيح الجنان ـ دعاء عرفة.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٤٢ ، ونقله مستدرك وسائل الشيعة ج ٣ / ص ٩٣.

(٣) مكارم الأخلاق ص ١٥٠.

٣٣١

مرض الموت» (١).

وروي عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ انه قال : «كان رسول الله (ص) إذا أتي بفاكهة حديثة قبّلها ووضعها على عينه ويقول : اللهم أريتنا أولها في عافية ، فأرنا آخرها في عافية» (٢).

وروي عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ انه قال : «النفخ في الطعام يذهب بالبركة» (٣).

وهناك عشرات الآداب الأخرى للطعام يبيّنها الإسلام وغيرها في الكتب الفقهية ، وإذا كان الطعام وهو غذاء البدن أولاه الدين هذا الاهتمام فكيف بالعلم ، أوليس هو غذاء الفكر ، فهل يجدر ان يأخذه من اي مصدر؟! كلا .. لا بد أن ننظر ممن نتعلم ، وما هي مصادر المعلومات التي توجهنا فإن كثيرا منها خاطئة ووراءها الجناة الذين لا همّ لهم سوى تضليل الإنسان عن الصراط السوي. إن هذه المعلومات أشد ضررا على الإنسان من السمّ الزعاف.

كذلك جاء في الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة : «علمه الذي يأخذه عمن يأخذه» (٤)

[٢٥] كيف وفر الله لك الطعام؟

(أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا)

__________________

(١) المصدر ص ١٤٦.

(٢) المصدر.

(٣) المصدر.

(٤) تفسير البرهان ج ٤ ص ٤٢٩.

٣٣٢

فجاء الماء أمل الحياة من فوق وبانصباب ووفرة ، حتى يكفينا النظر الى نظام الغيث إيمانا بربّنا العزيز.

[٢٦] والأرض كيف جعلها الله صالحة للزراعة! بأن لم يجعلها صلبة قاسية ، ولا رخوة مائعة (كالرمل المتحرك) وأودع فيها مواد الزراعة.

(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا)

ما أروع انفلاق الأرض عن النّبتة التي تشق طريقها الى الظهور ، ربما عبر الصخور الصلدة ، وقال بعضهم : الآية تشير إلى العصور الأولى من عمر الأرض ، حيث كانت قشرتها صماء لا تصلح للزراعة فذللها الرب بفعل السيول المستمرة والله العالم.

عن أبي جعفر ـ عليهما السلام ـ في حديث طويل يقول فيه : «فإن قول الله عزّ وجل : «كانَتا رَتْقاً» يقول : كانت السماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ ، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق ، وبث فيهما من كل دابة فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحبّ» (١)

[٢٧] ثم أعد ربنا الأرض للزراعة ، وأودع فيها ألوفا من أنواع النبات التي يقوم كل نوع منها بدور عظيم في تكاملية الخلقة.

(فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا)

قال بعضهم انها الحنطة والشعير ، وقال آخرون : بل سائر أنواع الحبوب كالذرة والفاصوليا والعدس والحمص ، ومعروف أن الحب لا يزال يشكل المصدر الأول

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٥٠٤.

٣٣٣

للطعام في العالم وهو الطعام الطبيعي المناسب ، الذي لا ينافسه غذاء آخر لما فيه من السلامة والتكاثر والفائدة ، وبالرغم من تضاعف سكان الأرض عدة مرات خلال القرون الأخيرة فإن الأرض لا تزال تفي بواجبها في إطعام المزيد من الأفواه الفاغرة ، وإذا رأينا مجاعة هنا ، ونقصا في المواد الغذائية هناك فانما بسبب كوارث الطبيعة أو سوء في التوزيع ، أو سوء في الادارة ، والّا فإن ما في الأرض من القمح يكفي لأهلها ويزيد حسب الإحصاءات الدقيقة.

[٢٨] (وَعِنَباً وَقَضْباً)

يشير القرآن الى نوعين آخرين من الطعام ميسورين وأساسيين للغذاء يتدرجان معا من فصيلة الخضروات والنباتات الأرضية ، وهما العنب والقضب ، والقضب : هو النبتة التي تجزر وتقطع كأنواع الخضروات والبقليات كالباذنجان والطماطم واليقطين واللفت وما أشبه ، مما تحمل إلينا أعظم الفوائد ولعل هذا الترتيب يدل على التدرج في الفائدة ، وقد كشف العلم عما في الخضروات من منافع عظيمة.

[٢٩] ومن نعم الله الزيتون الغني بمواد غذائية ، وبالدهن والذي يكون عادة صبغا للاكلين ، وهكذا النخل التي يستفاد من جذعه وسعفه وليفه في مختلف الصناعات ، أمّا ثمرته ففيه غذاء كامل لا يدانيه طعام.

(وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً)

[٣٠] والأشجار التي تلتف الى بعضها وتتغالب للوصول الى أشعة الشمس وتغلظ سيقانها ، وتتحدى الأعاصير والآفات. انها نعمة إلهية أخرى يسبغها علينا الرب بالغيث.

(وَحَدائِقَ غُلْباً)

٣٣٤

قال البعض الأغلب ذا الرقبة الغليظة ، وقيل : انه من التغالب والالتفاف الى بعضهما ، كما قال ربنا سبحانه وتعالى : «وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً» (١).

ان هذه الحدائق تضيف إلى أرضنا بهجة وصفاء ، وتلطّف الجو ، وتصلح البيئة ، وتستمطر السماء ، وتساهم في تكوّن أحواض طبيعيّة في الأرض لحفظ المياه ، وتعطي الثمرات المختلفة ، وتتربى الطيور الجميلة في أحضانها ، وتؤوي الحيوانات الاليفة إليها ، فقد جعلت ضرورة لبقاء الإنسان وسعادته (٢).

[٣١] ومن ثمار هذه الحدائق يتمتع الإنسان بفواكه كثيرة تختلف ألوانها واحجامها ومتعتها وفائدتها ، وهي جميعا تنتزع من حديقة واحدة يسقى بماء واحد ، هل لاحظت الفرق بين الفستق واللوز والجوز وبين الطلح (الموز) والآناناس وجوز الهند ، ان جوزة واحدة من الهند تكون بحجم مئات الحبات من الفستق ، على أن كلّا منهما لذيذ ومفيد ورائع الجمال سبحان الله ، وبالاضافة الى الفاكهة خلق الله علف الحيوانات الآهلة.

(وَفاكِهَةً وَأَبًّا)

قالوا : الأب علف الحيوانات سمي بذلك لان الحيوان يعود اليه.

وقيل : بل الأب هي الفواكه اليابسة وقال ابن عباس : الأب ما تنبت الأرض مما يأكل الناس والانعام.

__________________

(١) النبأ / ١٦.

(٢) اكتب هذه الكلمات في يوم ربيعي متميز وفي ظل أشجار بالغة الجمال ، ومنظر خلاب لشتيلات الازهار المنظمة ، وفي حديقة زاهية تمتد على مسافة ٢٤٠ هكتارا الى جنب بحيرة رائعة في مدينة بنكلور الهندية وارى واحدا من تجليات الجمال الالهي على الأرض وأقول : سبحانك ما أعظمك ، سبحانك ما أرحمك ، غفرانك اللهم وإليك المصير.

٣٣٥

ورد : ان أبا بكر سئل عن قوله تعالى : «وَفاكِهَةً وَأَبًّا» فلم يعرف معنى الأبّ من القرآن ، فقال : أي سماء تظلّني ، أم أي أرض تقلّني ، أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم ، أما الفاكهة فنعرفها ، وأما الأب فالله أعلم به ، فبلغ أمير المؤمنين (ع) مقاله فقال : يا سبحان الله! أما علم أن الأبّ هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله تعالى : «وَفاكِهَةً وَأَبًّا» اعتداد من الله تعالى بإنعامه على خلقه بما غذاهم به ، وخلقهم لهم ولأنعامهم مما تحيي أنفسهم ، وتقوم به أجسادهم (١).

وفي الدر المنثور : عن انس : أن عمر قرأ على المنبر : «فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً* وَفاكِهَةً وَأَبًّا» قال : كل هذا عرفناه فما الأبّ؟ ثم رفض عصا كانت في يده ، فقال : هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ ، اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوا فكلوه الى ربّه (٢).

[٣٢] والذي خلق الفاكهة خلق في الإنسان الحاجة إليها ، والتلذذ بها والاستفادة منها ، والذي خلق الأب (على ان يكون معناه علف الحيوانات) خلق في الانعام ما ينسجم معه ، أو تدري مثلا : ان جسد الانعام قادرة على استخراج بروتين الحشائش ، بينما لا يستطيعه جسم الإنسان ، ولذلك ترى الحيوانات تحول ما لا ينتفع الإنسان به من قشور الفاكهة وبقايا النبات الى بروتين ولحم ليعود بالتالي طعاما للإنسان؟

(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)

[٣٣] كل هذه النعم المتواصلة التي أسبغها الرب على الإنسان بين سائر

__________________

(١) الإرشاد للمفيد / ص ١٠٧.

(٢) الدر المنثور ج ٦ / ٣١٧.

٣٣٦

الأحياء والنبات تحمّله مسئولية إضافية ، فهو المسؤول الوحيد بين سائر الأحياء ، وهكذا يبعث بعد موته للحساب والجزاء في يوم الصيحة الكبرى.

(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ)

قالوا : الصاخة : الصيحة ، وإنها النفخة الثانية ، تصخ الأسماع اي تصمها ، وقيل : بل تصخ لها الأسماع ، وهي بالتالي مأخوذة من صخّه بالحجر أي صكه ، ومن هذا الباب قالت العرب : صختهم الصاخة وباءتهم البائنة وهي الداهية.

[٣٤] يومئذ تكاد تصم الصيحة آذان الخلائق بقوتها ، ولكن الآذان يومئذ غيرها في الدنيا فإن الله جعلها بحيث تستوعب المزيد من الإثارة ، كما أنّ الأجسام تستوعب الآلام وأسباب الموت دون ان تعدم.

يومئذ تنقطع الأرحام ، وتنفصم عرى العلاقات ، وتتلاشى الأحساب والأنساب التي كانت وسيلة للتفاخر في الدنيا ، ولا يبقى أثر لهذه القيم البتة.

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ)

والأخ هو أقرب معين للإنسان وقد قال الشاعر :

أخاك أخاك فمن لا أخ له

كساع الى الهيجاء بغير سلاح

ولكن الإنسان يهرب منه. لما ذا؟ لأنه يخشى ان يلحق به عذابه ، أو يطالبه بحقّ له في الدنيا ، أو يستعين به على العذاب فلا يستطيعه.

بل انه يفر منه لأن مجرد رؤيته تشكّل له حرجا فكيف بالتعاون معه ، وهذه لا تكون إلا عند أعظم الشدائد حيث يركز فكر الإنسان في نفسه دون أحد سواه.

٣٣٧

وقد جاء في الروايات : إن الذي يفر من أخيه : قابيل من هابيل ، وقيل : بل هابيل يفر من قابيل لكي لا يطلب منه الشفاعة ، ولعلهما جميعا يفرّان من بعضهما.

[٣٥] وبعد العلاقة الأخوية تأتي علاقة الولد بوالديه والتي تنفصم يومئذ الى درجة ترى المرء يهرب من والديه فكيف يستطيع الوالدان الاعتماد عليه يومئذ.

(وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)

أفلا ينبغي ألّا نترك ديننا لرضا آبائنا الذين قد لا ينفعوننا في الدنيا فكيف بالآخرة وكم منا من تنازل عن قيمه ولم يميز الحلال والحرام من أجل أبويه فهل ينفعونه غدا شيئا؟!

[٣٦] اما صلة الإنسان بزوجته أو ابنائه فهي الاخرى لا تغنيه يومئذ عن عذاب الله فلا يهلك نفسه اليوم لهذه الصلة الزائلة.

(وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)

قالوا : الذي يفر من صاحبته لوط ، ومن ابنه نوح.

عن الرضا (ع) من قصة الشامي مع أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة قال : وقام رجل يسأله ، فقال يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن قول الله تعالى : «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ» من هم؟ قال : قابيل وهابيل ، والذي يفر من أمّه موسى ، والذي يفر من أبيه إبراهيم ـ يعني الأب المربي لا الوالد ـ والذي يفر من صاحبته لوط ، والذي يفر من ابنه نوح وابنه كنعان (١).

__________________

(١) راجع نور الثقلين ج ٥ / ٥١١.

٣٣٨

[٣٧] لما ذا يفرون من بعضهم؟ انما لهول الحساب وخشية العذاب ، لذلك فإن كلّ لهثهم في إنقاذ أنفسهم.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)

وانما يصرف الإنسان المزيد من جهده للآخرين ، اما في الآخرة فلا يبقى لفكره وجهده ووقته فضل حتى يوفر لغيره حتى ولو كانوا الأقربين.

[٣٨ ـ ٣٩] وهكذا الإنسان أكرم في الدنيا بهذه الكرامة العظيمة ليحاسب غدا بذلك الحساب العظيم ، وتكون عاقبته ـ لو تحمل مسئوليته كاملة هنا ـ النعيم ، تنعكس على روحهم بالبشارة ، وعلى ملامح وجوههم بالبشر والبشاشة.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)

قالوا يعني : مضيئة متهللة ، من أسفر الصبح إذا أضاء ، ويبدو لي أن معناه : منشرحة منبسطة ، وقيل : كل ذلك من صلاة الليل ، بل وأيضا من سائر أعمالهم الصالحة.

(ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ)

وانبساط وجوه المؤمنين انعكاس لانعدام الهمّ ، اما ضحكهم فدليل انبهارهم بالنعم ، بينما استبشارهم يعكس رجاءهم في نعيم ربهم أو بشاشتهم برضوان ربهم ، وهو أغلى منى يبحث عنه المؤمنون.

[٤٠] اما الذين لم يتحملوا مسئولياتهم فإنهم يصابون بإحباط شديد ، تعلو وجوههم سيئاتهم في صورة غبار الذل والهوان.

٣٣٩

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ)

[٤١] والى جانب الغبار ترى الدخان الأسود على وجوههم جزاء تقصيرهم في تطهير أنفسهم وتزكيتها في الدنيا.

(تَرْهَقُها قَتَرَةٌ)

قالوا : «ترهقها» تدركها عن قرب كقولك : رهقت الجمل إذا لحقته بسرعة ، اما القتار فقالوا : سواد كالدخان.

[٤٢] بلى. غبار الكفر يعلو وجوههم بما ستروا من الحق ، وقتار الفجور يلحقهم بما عملوه من الفواحش.

(أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)

فلا ينفعهم المال والسلطان ، ولا تشفع لهم العلاقات الحميمة.

أعاذنا الله من هذه العاقبة السوئى.

٣٤٠