منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

من هذا الباب (١) ما ذا أُطلق اللفظ وأُريد به نوعه أو صنفه ، فإنّه (٢) فرده

______________________________________________________

اللفظ أصلا ، لتوقف الاستعمال على لفظ ومعنى ، والمفروض إرادة شخص اللفظ لا معناه ، فليس في البين معنى حتى يندرج المقام في استعمال اللفظ في المعنى ، بل يكون من باب إيجاد الموضوع والحكم عليه ، إذ الموضوع حقيقة هو نفس اللفظ دون معناه.

(١) أي : باب استعمال اللفظ في المعنى.

(٢) أي : فإنّ اللفظ فرد النوع أو صنفه ، لا لفظ النوع أو الصنف ، توضيحه : أنّه ـ بعد أن تبين عدم كون إطلاق اللفظ وإرادة شخصه من باب الاستعمال ـ يمكن أن يدعى عدم كون إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أيضا من وادي الاستعمال ، بتقريب أنّ اللفظ الّذي أُطلق إنّما هو فرد حقيقة للنوع أو الصنف ، لا أنّه لفظ والنوع أو الصنف معناه حتى يندرج في باب الاستعمال ، بل يكون من قبيل إطلاق الفرد وإرادة نوعه أو صنفه ، بحيث يكون اللفظ نفس الموضوع ، لا الحاكي عن المعنى الّذي هو الموضوع ، فعلى هذا يكون ـ ضرب ـ في قولنا : «ضرب زيد كلمة» أو زيد في قولنا : «زيد قائم مبتدأ» نفس الموضوع قد حكم عليه بما هو مصداق النوع أو الصنف بحكم يترتب عليهما مثل كونه كلمة في إرادة النوع ، أو مبتدأ في إرادة الصنف ، لسراية حكم الطبيعي إلى أفراده ، لاتحادهما خارجاً. لا أنّه حاكٍ عن معنى كي يندرج في باب استعمال اللفظ في المعنى ، فيكون إطلاق اللفظ وإرادة النوع أو الصنف أجنبياً عن الاستعمال الّذي حقيقته فناء اللفظ في المعنى ، وإيجاد المعنى بالوجود اللفظي الّذي هو أحد الوجودات كما لا يخفى.

وبالجملة : فينطبق النوع أو الصنف على الملفوظ ك ـ ضرب ـ و ـ زيد ـ

٦١

ومصداقه حقيقة ، لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى ، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجاً قد أُحضر في ذهنه بلا واسطة حاكٍ (١) وقد حكم عليه ابتداءً بدون واسطة أصلا ، لا لفظه (٢) كما لا يخفى ، فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى ، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ ، لا بما هو خصوص جزئية (٣) ، نعم (٤) فيما إذا أُريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى. اللهم (٥)

______________________________________________________

في المثالين على حذوِ انطباقهما على غيرهما من أفرادهما ك ـ نصر ـ و ـ قعد ـ و ـ حسن ـ و ـ عمرو ـ و ـ بشر ـ و ـ بكر ـ مثلا.

(١) كما هو شأن القضايا المتعارفة.

(٢) معطوف على قوله : «نفس الموضوع» يعني : لا لفظ الموضوع الحاكي عنه.

(٣) أي : جزئي كلي اللفظ ، غرضه : عدم لحاظ لوازم التشخص ، فشخص ـ ضرب ـ ينطبق عليه النوع كانطباقه على ـ نصر ـ و ـ قعد ـ ومنع ـ وغيرها ، ويحكم عليه لاتحاده مع النوع أو الصنف بما يحكم عليهما ، فإنّ الحكم المترتب عليهما ثابت للفرد المتحد معهما من باب الانطباق ، فشخص ـ ضرب ـ فرد للنوع وليس معنى له.

(٤) غرضه أنّ ما ذكرناه ـ من إمكان عدم كون إطلاق اللفظ وإرادة النوع أو الصنف منه من باب الاستعمال ـ لا يتطرّق فيما إذا أُريد باللفظ فرد آخر مثله ، وذلك لعدم كون الشخص الملفوظ مصداقاً لمثله ، لتباين الأمثال وعدم علقة بينها ليطلق أحدها على الآخر ، فلا محيص عن كونه من باب الاستعمال ، فيكون لفظ ـ ضرب ـ حاكياً عن مثله ودالا عليه.

(٥) استدراك على قوله : «بل يمكن أن يقال ... إلخ» وغرضه جعل إطلاق

٦٢

إلا أن يقال : إنّ لفظ ـ ضرب ـ وان كان فرداً له ، إلّا أنّه إذا قصد به حكايته وجعل عنواناً له ومرآته كان لفظه (١) المستعمل فيه (٢) وكان حينئذٍ (٣) كما إذا (٤) قصد به فرد مثله.

وبالجملة (٥) : فإذا أطلق وأريد به نوعه ، كما إذا أريد به فرد مثله ، كان من باب استعمال اللفظ في المعنى ، وان كان فرداً منه (٦) وقد حكم في القضية بما يعمه (٧) وان

______________________________________________________

اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه من باب الاستعمال وإخراجه عن حيّز إيجاد الموضوع ، بتقريب : أنّ لفظ ـ ضرب ـ الواقع في الكلام وان كان فرداً للنوع ، لكنه إذا قصد به حكايته عن النوع ودلالته عليه يصير من باب الاستعمال ، نظير ما إذا قصد به فرد مثله ، لما عرفت آنفاً من امتناع انطباق المباين على مثله ، فلا محالة يكون من باب الاستعمال ، لا إيجاد الموضوع ، فيختص إمكان كل من إيجاد الموضوع والاستعمال بما إذا أُطلق اللفظ وأُريد به النوع أو الصنف.

(١) أي : لفظ النوع أو الصنف.

(٢) أي : في النوع أو الصنف.

(٣) أي : وكان لفظ ـ ضرب ـ حين قصد الحكاية.

(٤) خبر ـ كان ـ يعني : وكان لفظ ـ ضرب ـ حينئذٍ مثل ما إذا قصد به فرد مثله في كونه من باب الاستعمال.

(٥) هذا محصل ما أفاده (قده) بقوله : «اللهم إلا أن يقال ... إلخ».

(٦) يعني : وان كان اللفظ الواقع في الكلام فرداً للنوع.

(٧) أي : بحكم يعم اللفظ المذكور في الكلام وغيره من أفراد النوع ، إذ المفروض كون الحكم ثابتاً للنوع المنطبق على الملفوظ وغيره.

٦٣

أُطلق (١) ليحكم عليه بما هو فرد كليّه ومصداقه (٢) ، لا بما هو لفظه (٣) وبه حكايته ، فليس من هذا الباب (٤) ، لكن الإطلاقات المتعارفة ظاهراً ليست كذلك (٥) كما لا يخفى ، وفيها (٦) ما لا يكاد يصح أن يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ ، كما في مثل ـ ضرب فعل ماض ـ.

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «فإذا أُطلق» وغرضه بيان الاحتمال الآخر وهو عدم كون إرادة النوع أو الصنف من اللفظ من باب الاستعمال ، بأن يكون من قبيل إطلاق الفرد وإرادة الطبيعة.

(٢) أي : فرد النوع أو الصنف.

(٣) أي : لفظ النوع أو الصنف ، ليكون حاكياً عنهما حتى يندرج في باب استعمال اللفظ في المعنى.

وبالجملة : فإن قُصد باللفظ الحكاية عن النوع أو الصنف كان من باب الاستعمال ، وان قُصد به كونه موضوعاً ـ لأجل مصداقيته للنوع ـ كان ذلك أجنبياً عن الاستعمال كما لا يخفى.

(٤) أي : باب الاستعمال.

(٥) أي : من باب إطلاق اللفظ والحكم عليه بما أنه فرد لكلي النوع أو الصنف ، بل الإطلاقات المتعارفة تكون ظاهراً من باب الاستعمال ، بل فيها ما لا يمكن أن يكون من غير الاستعمال ، كما إذا لم يكن محمول القضية شاملا لشخص اللفظ ، لعدم انطباق الطبيعة عليه ، كقولنا : «ضرب فعل ماضٍ» فإنّ المحمول وهو ـ فعل ماض ـ لا يشمل شخص ـ ضرب ـ لكونه اسماً لا فعلا ، فلا بد من كونه من باب الاستعمال ، والحكاية عن النوع.

(٦) أي : في الإطلاقات المتعارفة.

٦٤

(الخامس) (١) لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي ، لا من حيث هي مرادة للافظها ، لما (٢) عرفت بما لا مزيد عليه من أنّ قصد المعنى على أنحائه من مقوّمات الاستعمال ، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه ، هذا. مضافاً (٣) إلى ضرورة صحة الحمل والإسناد في الجمل بلا تصرف في

______________________________________________________

(١) الغرض من عقد هذا الأمر دفع ما توهم من كون الألفاظ موضوعة للمعاني بوصف كونها مرادة للافظيها ، بحيث يكون هذا الوصف دخيلا جزءاً أو قيداً في المعنى الموضوع له.

(٢) هذا برهان لكون الموضوع له والمستعمل فيه ذات المعنى ، وحاصله ما تقدم في المعنى الحرفي من المحذورين :

أحدهما : كون قصد المعنى من مقوِّمات الاستعمال ، فلو كان ذلك دخيلا في نفس المعنى لزم تعدد اللحاظ ، وهو خلاف الوجدان كما تقدم تفصيله هناك.

لكن قوله : «فلا يكاد ... إلخ» قرينة على إرادة استحالة ذلك ، حيث إنّ دخل القصد في المعنى مستحيل ، إذ هو ناشٍ عن الاستعمال المتأخر عن المعنى ، كاستحالة دخل قصد الأمر في متعلقه المتقدم عليه رتبة ، فإنّ الأمر متأخر عن متعلقه ، فإذا توقف شيء من المتعلق على الأمر لزم الدور.

(٣) هذا هو المحذور الثاني ، ومحصله : أنّه على تقدير دخل الإرادة جزءاً أو شرطاً في المعاني لا يصح الحمل والإسناد في مثل قولنا : «نصر زيد» و «زيد قائم» بدون التصرف في ألفاظ الأطراف ، ضرورة أنّه مع دخل الإرادة في المعاني لا بد من تجريد ألفاظ الأطراف عن الإرادة ، لوضوح أنّ المسند في المثالين نفس النصر والقيام لا بما هما مرادان ، وهذا التجريد خلاف الوجدان.

٦٥

ألفاظ الأطراف ، مع (١) أنّه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه (٢) ، بداهة (٣) أنّ المحمول على زيد في ـ زيد قائم ـ والمسند إليه (٤) في ـ ضرب زيد ـ مثلا هو نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان (٥). مع (٦) أنّه يلزم كون وضع

______________________________________________________

(١) هذا متمم الإشكال وليس وجهاً آخر.

(٢) أي : بدون التصرف ، مع أنّ صحة الحمل بدون التصرف مما لا إشكال فيه.

(٣) بيان للزوم عدم صحة الحمل والإسناد بدون التصرف ، لأنّه بعد وضوح كون المحمول والمسند إليه في المثالين نفس القيام والضرب ، لا بما هما مرادان ، فلا محيص عن التصرف فيهما بالتجريد ، وإلقاء الإرادة عنهما.

(٤) معطوف على قوله : «المحمول» وضمير ـ إليه ـ راجع إلى زيد.

(٥) إذ مع دخل الإرادة جزءاً أو شرطاً في المعاني لا يتحقق شرط صحة الحمل إلا بالتجريد.

توضيحه : أنّ الحمل منوط بالاتحاد الوجوديّ وبدونه لا يصح الحمل ، والمفروض أنّ معنى ـ زيد ـ مقيّداً بالإرادة الحقيقية مغاير لمعنى ـ القائم ـ المقيّد أيضا بالإرادة الحقيقية ، لتغاير الإرادتين وجوداً الموجب لتغاير المعنيين المقيدين بهما أيضا ، ومع هذا التغاير الوجوديّ لا يصح الحمل أصلا.

(٦) هذا ثالث الوجوه التي أُقيمت على تجرّد المعاني الموضوع لها عن الإرادة ، وحاصله : أنّه يلزم من دخل الإرادة في المعاني الموضوع لها إنكار الوضع العام والموضوع له العام ، وكون الموضوع له خاصاً دائماً ، إذ المفروض تقيده بالإرادة الحقيقية الحاصلة للنفس الموجبة لصيرورته جزئياً. وهذا المحذور وإن لم يكن من المحالات ، لكنه خلاف ما ذهبوا إليه في مقام تقسيم الوضع من

٦٦

عامة الألفاظ عاماً والموضوع له خاصاً ، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ ، فإنّه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فيه (١) كما لا يخفى (٢) ، وهكذا الحال في طرف الموضوع (٣). وأمّا ما حُكي عن العلمين الشيخ الرئيس (٤)

______________________________________________________

تسالمهم على ثبوت الوضع العام والموضوع له العام كأسماء الأجناس ، فإنّ دخل الإرادات الشخصية الحاصلة للمتكلمين في المعاني ينافي ذلك التسالم (*).

(١) أي : فيما وضع له ، فإذا كان مفهوم الإرادة دخيلا في المعنى لا يلزم إنكار عمومية الموضوع له ، لكون مفهوم الإرادة كلياً (٢) إمّا لكون المتبادر هي الإرادات الحقيقية القائمة بالمتكلمين ، وإما لاستلزامه كون الموضوع له عاماً في جميع موارد عمومية الوضع ، وهو كما ترى.

(٣) أي : موضوع القضية وهو ـ زيد ـ في المثال المذكور ، هذا تتمة المحذور الثاني الّذي تعرض له بقوله : «مضافاً إلى ضرورة صحة الحمل والإسناد ... إلخ» فكان المناسب تقديمه على المحذور الثالث وذكره في ذيل المحذور الثاني ، فلاحظ.

(٤) وهو أبو على سينا الملقب برئيس العقلاء.

__________________

(*) ويدل أيضا على عدم دخل الإرادة في الموضوع له تبادر ذات المعنى من اللفظ من دون اتصافه بالمرادية ، بل هذا الوصف مغفول عنه رأساً ، واستلزامه لتركّب جميع المعاني الموضوع لها من المعنى والإرادة ، فلا يبقى معنى بسيط ، وهو معلوم البطلان. وعدم صدق المعاني على الخارجيات ، لتقيّدها بقيد ذهني لا بد من تجريدها عنه ، لاستحالة تحققه في الخارج ، فيلزم كون الاستعمالات طرّاً من المجاز ، لاستعمال الألفاظ حينئذٍ في غير ما وضعت له ، فيلغو حكمة الوضع. وتسالمهم على توقف إحراز كون المعنى مراداً للمتكلم على الأصول المرادية ، فلو كان الموضوع له المعنى بوصف كونه مراداً لم يكن وجه للتوقف المزبور كما لا يخفى.

٦٧

والمحقق الطوسي (١) من مصيرهما إلى أنّ الدلالة تتبع الإرادة (٢) فليس ناظراً إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة (٣) كما توهمه بعض الأفاضل (٤) ، بل ناظر إلى أنّ دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية (٥) أي دلالتها على

______________________________________________________

(١) وهو نصير الدين الطوسي قدس‌سره الملقب بأُستاذ البشر.

(٢) كما حكي هذا عن غيرهما من أكثر المحققين من علماء المعقول والمنقول.

(٣) بحيث تكون الإرادة شطراً أو شرطاً للمعنى الموضوع له.

(٤) وهو صاحب الفصول (قده) قال فيما حكى عنه : «والظاهر أنّ ما حُكي عن الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أنّ الدلالة تتبع الإرادة ناظر إلى هذا ، وتحقيقه : أنّ اختصاص الوضع بالمعنى الّذي تعلق به إرادة اللافظ يوجب انتفاءه عند انتفائه ، فتنتفي الدلالة المستندة إليه» انتهى.

(٥) توضيح ما أفاده المصنف (قده) في محمل كلام العلمين هو : أنّ للكلام الصادر من المتكلم دلالتين :

(إحداهما) تصورية ، وهي خطور المعنى في الذهن بمجرد سماع اللفظ ، وهذه الدلالة قهرية لا تتوقف على غير العلم بالوضع.

و (ثانيتهما) تصديقية ، وهي كون المعنى المتحصل من الكلام بعد انضمام القرائن إلى المعاني الإفرادية مراداً للمتكلم ، وهذه الدلالة تتوقف على إرادة المتكلم لمضمون كلامه ، فإذا قال : «البيع حلال» مثلا لا يصح أن يسند إرادته لهذه الجملة إليه إلّا بعد إحراز كونه في مقام بيان مراده ، نعم يصح إسناد مضمون الجملة إليه ، بأنْ يقال : إنّ المتكلم قال بحلية البيع ، وأمّا كونه مراداً له ، فهو مبني على الإحراز المزبور ليدل الكلام على أنّ مضمونه مقصود له ، لا أنّه تكلم به تقية مثلا.

٦٨

كونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها (١) وتتفرع عليها (٢) تبعية مقام الإثبات للثبوت ، وتفرع الكشف على الواقع المكشوف ،

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ دلالة الألفاظ على كون معانيها مرادة للافظيها تتبع إرادة اللافظ للمعاني من الألفاظ.

(٢) قوله : «وتتفرع» معطوف على ـ تتبع ـ يعني : وتتفرع الدلالة التصديقية على الإرادة (*) لتوقفها على كون المتكلم بصدد بيان مراده.

__________________

(*) الحق أنّ لمثل قوله تعالى : «أحل الله البيع» دلالات ثلاثاً :

إحداها : خطور المعاني الإفرادية من ألفاظها ، وهذه الدلالة كما تقدم لا تتوقف على أزيد من العلم بوضع الألفاظ لمعانيها.

ثانيتها : حضور المعنى المتحصل الجملي في الذهن المنوط بضمّ المعاني الإفرادية بعضها إلى بعض ، وملاحظة القرائن ، والمترتب على هذه الدلالة هو صحة نسبة مضمون الكلام إلى المتكلم ، بأن يقال : إنّه قال بجواز البيع مثلا ، ولا بأس بتسمية هذه الدلالة بالتصديقية ، نظراً إلى دلالته على المعنى المتحصل المتوقف على إسناد المحمولات إلى موضوعاتها ، والإذعان بأنّ مفاد كلامه كذا وكذا ، وأمّا تسميتها بالتصديقية ـ لأجل الدلالة على كون مضمون الكلام وظاهره مراداً للمتكلم ـ فلا وجه لها.

ثالثتها : دلالة الكلام على كون المعنى المتحصل منه مقصوداً للمتكلم ، بحيث صح للمخاطب أن يحتج بها عليه. وهذه الدلالة تتوقف على إحراز كون المتكلم في مقام البيان ، والدلالة التصديقية التي تكون تابعة للإرادة هي هذه الدلالة ، ولا ينبغي الارتياب في تبعيتها لها ، كيف لا؟ وصحة احتجاج العبد على مولاه بظاهر كلامه منوطة بإثبات كون المولى في مقام البيان ولو بأصل

٦٩

فإنّه (١) لو لا الثبوت في الواقع لما كان للإثبات والكشف والدلالة مجال ،

______________________________________________________

(١) هذا تقريب التبعية ، فإنّ ترتب مقام الكشف والإثبات على مقام الثبوت بمكان من الوضوح.

__________________

عقلائي ، فلو لم تكن التبعية ثابتة لم يكن وجه لهذه الإناطة. (وتوهم) كون الدلالة الوضعيّة تابعة للإرادة ، لأجل ضيق دائرة الغرض من الوضع ـ وهو تفهيم المعنى المقيد بإرادته دون المعنى المطلق ـ وضيق الغرض يسري إلى دائرة الوضع ، فلا يبقى له إطلاق يعم صورة عدم الإرادة ، وعليه فالدلالة تابعة للإرادة دائماً (مدفوع) بمنع كون الغرض من الوضع تفهيم المعنى المراد بحيث يكون الإرادة قيداً للمعنى ، بل الغرض الداعي إلى الوضع هو إيجاد علقة وربط بين اللفظ والمعنى ، لينتقل الذهن بمجرد سماع اللفظ إلى المعنى انتقالا تصورياً ولو كان صادراً من لافظ غير ذي شعور ، هذا. مضافاً إلى : أنّ الداعي خارج عن حيّز الموضوع له وغير موجب لتقيده كما لا يخفى. ومثله في الضعف ما يقال من : «أنّ الدلالة ليست مطلق التفات النّفس إلى المعنى ، بل هو التفات مخصوص ، وهو التفات النّفس إلى المعنى ، من جهة أنّه هو الّذي صار للمتكلم داعياً إلى التكلم لأجل الإعراب عما في الضمير ، وهذه لا يتصور فيها الانقسام إلى التصورية والتصديقية» انتهى. توضيح وجه الضعف : أنّ إنكار دلالة اللفظ للعالم بالوضع على ذات معناه مجردة عن الجهة التي صارت داعيه للمتكلم إلى التكلم خلاف الوجدان ، فإنّ حقيقة الدلالة هي إخطار المعنى في ذهن السامع ، ولا ريب في أنّ سماع اللفظ يوجب ذلك ، والجهة الداعية إلى إلقاء الكلام من الجهات التعليلية للتكلم دون التقييدية ، وهي خارجة عن حيّز المعنى ، ولا دخل لها في الدلالة أصلا ، فما أُفيد لا يتم في الدلالة التصورية ، وإنّما يتم في التصديقية كما اعترف به القائل ، فصحّ انقسام الدلالة إلى التصورية والتصديقية.

٧٠

ولذا (١) لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته (٢) على الإرادة ، وإلا (٣) لما كانت لكلامه هذه الدلالة (٤) وان كانت له الدلالة التصورية أي كون سماعه (٥) موجباً لإخطار معناه الموضوع له ولو كان من وراء الجدار (٦) أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار (٧). ان قلت : على هذا (٨) يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ والقطع (٩)

______________________________________________________

(١) أي : ولأجل هذه التبعية لا بد في إثبات الدلالة التصديقية ، وكون مضمون الكلام مراداً للمتكلم من إحراز كونه بصدد البيان ولو بالأصل العقلائي كما يأتي إن شاء الله تعالى في مبحث المطلق والمقيد ، وإلّا فلا مجال للدلالة التصديقية. وان شئت فقل : إنّ الظهور النوعيّ الكاشف عن المراد منوط بإحراز كون المتكلم في مقام البيان.

(٢) معطوف على ـ إثبات ـ يعني : لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة في دلالة كلامه على الإرادة ، ويمكن أن يعطف على قوله : «إرادة».

(٣) يعني : وإن لم يحرز كون المتكلم في مقام الإفادة والبيان ولو بأصل عقلائي ، فلا تتحقق لكلامه هذه الدلالة التصديقية.

(٤) أي : الدلالة التصديقية.

(٥) مع العلم بالوضع كما تقدم ، فإنّ الدلالة التصورية لا تتوقف على أزيد منه.

(٦) الأولى إسقاط كلمة ـ وراء ـ أي : ولو كان سماعه من الجدار.

(٧) كالنائم والساهي والمجنون.

(٨) أي : بناءً على تبعية الدلالة التصديقية للإرادة.

(٩) معطوف على ـ الخطأ ـ يعني : عند القطع بما ليس بمراد للمتكلم ، كما إذا قال : «زيد قائم» بدل «زيد نائم».

٧١

بما ليس بمراد أو الاعتقاد (١) بإرادة شيء ولم يكن له (٢) من اللفظ مراد.

قلت : نعم لا يكون حينئذٍ (٣) دلالة ، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة ، ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما بيّناه واضح (٤)

______________________________________________________

(١) كما إذا كان إخباره بسعر كتاب الكفاية بدينارين مثلا كناية عن سعر كتاب الجواهر ، فإنّه حينئذٍ أراد معنى أجنبياً عن مضمون كلامه بحيث لا يكون شيء من مضمونه مراداً له.

(٢) أي : للمتكلم مراد من اللفظ كما عرفت. توضيح ما أفاده بقوله : «إن قلت : ... إلخ» هو : أنّه إذا علمنا من الخارج فقدان الإرادة ، وأنّ المتكلم أراد معنى أجنبياً عن المعنى الّذي هو ظاهر الكلام ، كمثال الإخبار عن سعر الكفاية على ما مر آنفاً ، فلازمه انتفاء الدلالة ، لترتبها على الإرادة المفروض فقدانها في موردي الخطأ والاعتقاد بغير ظاهر الكلام مع وجود الدلالة فيهما قطعاً ، فتخلّف الدلالة عن الإرادة يكشف عن عدم التبعية.

(٣) أي : حين الخطأ أو القطع بما ليس مراداً للمتكلم ، ومحصل ما أجاب به عن الإشكال هو : أنّ الدلالة التصديقية التابعة للإرادة تبعية الكاشف للمنكشف مفقودة ، لفقدان متبوعها ، فلا محذور في الالتزام بعدم الدلالة التصديقية في مورد السؤال ، وأنّ ما ظنّه الجاهل من الدلالة ضلالة وجهالة. فتلخص من جميع ما ذكره المصنف (قده) : أنّ الإرادة ليست جزءاً ولا قيداً للموضوع له حتى تكون الدلالة الوضعيّة تابعة لها ، وذلك لما مرّ من كون الإرادة من أنحاء الاستعمال ، كالاستقلالية والآلية وغيرهما ، وكلام العلمين أجنبي عن الدلالة الوضعيّة ، للتوجيه الّذي أفاده المصنف تبعاً للمحقق القمي (قدهما).

(٤) وضوح صحة التوجيه المزبور في نفسه مما لا إشكال فيه ، إذ لا محيص

٧٢

لا محيص عنه ، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظراً إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل فضلاً عمن هو علم في التحقيق والتدقيق؟.

(السادس) لا وجه لتوهم (١) وضع للمركبات غير وضع

______________________________________________________

عن الالتزام بتبعية الدلالة التصديقية للإرادة كما عرفت آنفاً ، لكنه خلاف ظاهر كلام العلمين ، فإنّ ظاهره تبعية الدلالة التصورية للإرادة ، فلاحظ عبارتي الشفاء وجوهر النضيد.

(١) غرضه من عقد هذا الأمر : دفع ما يتوهم من وضع ثالث للمركبات مضافاً إلى وضع شخصي ونوعي لمفرداتها ، توضيحه : أنّه لا إشكال في أنّ للمركّب أجزاء يعبر عنها بالمفردات ، وهي مادية وصورية ، ولكل منهما وضع يخصه ، غاية الأمر أنّ وضع المواد شخصي ، ووضع الصور المعبر عنها بالهيئات نوعي. فقولنا مثلا : «زيد قائم» يشتمل على جزءين :

(أحدهما) مادي وهو «زيد» و «قائم» ولكل منهما وضع شخصي ونوعي ، أمّا الشخصي فهو : وضع كل منهما لمعنى ، فزيد وضع لحصة من الإنسان متشخصة بمشخصات خاصة ، وقائم وضع لذات متصفة بالقيام. وأمّا النوعيّ فهو : وضع هيئة ـ زيد ـ الناشئة من إعرابه رفعاً بالابتداء ، ووضع هيئة ـ قائم ـ الحاصلة من رفعه بالخبريّة.

و (ثانيهما) صوري ، وهو الهيئة الحاصلة من ضم أحدهما بالآخر. فإنّه بعد ضم ـ قائم ـ ب ـ زيد ـ يتحقق هيئة الجملة الاسمية ، وهي الجزء الصوري للمركّب ، وبها يحصل الارتباط بينهما ، ولولاها لكان كل منهما أجنبياً عن الآخر. فقد ظهر : أنّ لكلّ من المواد وضعاً شخصياً ونوعياً ، ولمجموع المواد وضعاً ، نوعياً ، وبعد هذين الوضعين لا حاجة إلى وضع ثالث لمجموع المركب ، لوفائهما بتفهيم غرض المتكلم.

٧٣

المفردات (١) ، ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها بموادها (٢) في مثل ـ زيد قائم ـ وضرب عمرو بكراً ـ شخصياً (٣) (*) ،

______________________________________________________

(١) وهي أجزاء المركب ، أعني الموضوع والمحمول والهيئة العارضة لهما وهي هيئة الجملة الاسمية أو الفعلية ، غاية الأمر أنّ كلًّا من الموضوع والمحمول جزءٌ مادي ، والهيئة جزءٌ صوري ، ولولاها لم يكن ارتباط بين ـ زيد ـ وبين ـ قائم ـ في المثال المذكور ، فبالهيئة يتولد الارتباط بين الأجزاء المادية ، فلكل من الجزء المادي والصوري وضع لمعنى لا يغني أحدهما عن الآخر ، وهذا مما لا كلام فيه ، والنزاع إنّما هو في وضع ثالث لمجموع المادة والهيئة.

(٢) أي : بمواد المفردات ، يعني : بعد وضع مواد المفردات شخصياً ووضع هيئاتها نوعياً ، كما عرفت في مثال ـ زيد قائم ـ ، فإنّ لكل من ـ زيد وقائم ـ وضعاً شخصياً.

(٣) المراد بالوضع الشخصي هو : أنّ كل مادة بشخصيتها الذاتيّة وضعت لمعنى كالجوامد والأعلام الشخصية ، فإنّها بهيئاتها وموادها موضوعة بالوضع الشخصي ف ـ زيد ـ مثلا وضع بمادته وهيئته وضعاً واحداً شخصياً لمعنى شخصي.

__________________

(*) شخصية وضع المواد مختصة بالجوامد ، وأمّا المشتقات فوضعها بالنسبة إلى كل من المادة والهيئة نوعي ، إذ المراد بالنوعية هو عدم الاختصاص بمادة أو هيئة ، فكما يكون وضع هيئة ـ فاعل ـ لمن قام به المبدأ من أي مادة كانت نوعياً ، فكذلك يكون وضع مادة ـ ن ـ ص ـ ر ـ للحدث الخاصّ بأي هيئة كانت نوعياً ، فملاك نوعية وضع الهيئات ـ وهو عدم اختصاصها بمادة دون مادة ـ موجود في وضع المواد أيضا ، لعدم اختصاصها بهيئة دون هيئة. وكما لا يمكن وضع الهيئة بلا مادة ، كذلك لا يمكن وضع المادة بلا هيئة.

٧٤

وبهيئاتها المخصوصة (١) من خصوص إعرابها نوعياً ، ومنها (٢) خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعياً (٣)

______________________________________________________

(١) أي : هيئات تلك المواد العارضة لها من ناحية الإعراب.

(٢) أي : ومن الهيئات العارضة للمواد هيئات المركبات ، كهيئة الجمل الاسمية والفعلية ، فللمواد وضع شخصي ونوعي باعتبار الإعراب ، ونوعي آخر باعتبار هيئة المركب ، كالجملة الاسمية الحاصلة من انضمام المفردات ، كانضمام «القائم» في المثال إلى «زيد» فإنّ هذه الهيئة تعرض المواد أيضا ، ك ـ زيد ـ و ـ قائم ـ في المثال.

وبالجملة : فلا حاجة إلى وضع ثالث للمركبات بعد وضع مفرداتها شخصياً ونوعياً ، وبعد وضع الهيئة الحاصلة من ضمّ المفردات المسماة تلك الهيئة بالجملة الاسمية أو الفعلية.

(٣) أي : وضعاً نوعياً ، والأولى إضافة كلمة ـ أيضا ـ بعد ـ نوعياً ـ يعني : كما أنّ وضع الهيئات الناشئة عن إعراب المواد نوعي ، كذلك وضع هيئات المركبات ، والمراد بالوضع النوعيّ هو الانحلال إلى أوضاع عديدة ، كوضع هيئة ـ فاعل ـ لمعنى ، فإنّ هذا الوضع ينحل بتعدد أفراده ـ كالقائم والعالم والعادل وغيرها ـ إلى أوضاع متعددة. وهيئة المركب كالجملة الاسمية من هذا القبيل ، لعدم اختصاصها بموادٍ دون مواد ، فهيئة الجملة الاسمية ـ سواء كانت موادها «زيد قائم» أم «عمرو جالس» أم غيرهما ـ وضعت لإفادة الاستمرار مثلا.

__________________

(فدعوى) استقلال المادة في الوجود وإمكان وضعها لمعنى مع الغض عن هيئة ، بخلاف الهيئة لعدم استقلالهما في الوجود ، فلا بد من لحاظها في ضمن مادة من المواد (غير مسموعة) إذ لا محصل لها بعد امتناع وجود المادة بدون هيئة ما كالعكس.

٧٥

بداهة (١) أنّ وضعها (٢) كذلك (٣) وافٍ بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها ، مع استلزامه (٤) الدلالة على المعنى تارة بملاحظة وضع نفسها (٥) ، وأُخرى بملاحظة وضع مفرداتها (٦) ، ولعل المراد

______________________________________________________

(١) توضيح لقوله : «ضرورة عدم الحاجة .. إلخ» الراجع إلى أوّل محذوري الالتزام بوضع ثالث ، ومحصله : أنّه ـ بعد وضع المفردات شخصياً ونوعياً ووضع هيئة المركّب من الجملة الاسمية أو الفعلية نوعياً أيضا ـ لا حاجة إلى وضع ثالث ، لوفاء الوضعين المزبورين بحكمة الوضع ، وهي الإعراب عمّا في الضمير ، لإفادة الموضوع والمحمول اللذين هما الجزء المبادي معنى أفرادياً ، وإفادة الهيئة الخصوصيات المطلوبة عند المتكلم من إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه على وجه الاستمرار أو التجدد ، فعلى هذا يصير الوضع الثالث لمجموع المادة والهيئة من حيث المجموع لغواً.

(٢) أي : المركبات.

(٣) أي : بموادّها وهيئاتها ، فإنّ هذا الوضع وافٍ بتمام المقصود من المركبات.

(٤) أي : استلزام وضع آخر ، وهذا هو المحذور الثاني ، وحاصله : أنّه يلزم من وضع ثالث دلالة اللفظ على معناه مرتين ، وهو خلاف الوجدان ، إذ لازم هذا الوضع الثالث في مثل ـ زيد قائم ـ هو دلالة هذين اللفظين على معناهما تارة بملاحظة وضع نفسهما وأُخرى بملاحظة وضع مجموعهما مع هيئة المركب مع وحدة الدلالة قطعاً ، إذ لا يخطر ببالنا إلّا قيام ـ زيد ـ مع الاستمرار مرة واحدة لا مرتين.

(٥) أي : المركبات.

(٦) أي : مفردات المركبات.

٧٦

من العبارات الموهمة لذلك (١) : هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد ، لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل واحد منهما (٢).

(السابع) لا يخفى أنّ تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه (٣) وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه ، بداهة أنّه لو لا وضعه (٤) له لما تبادر. لا يقال (٥) : كيف

______________________________________________________

(١) أي : لوضع المركب بجملته ، غرضه توجيه العبارات الموهمة لوضع آخر للمركب من حيث المجموع ، وحاصل التوجيه هو : أنّه يمكن أن يراد بها وضع الهيئات كالجملة الاسمية التي هي جزء صوري للمركب (*).

(٢) أي : كل واحد من المواد والهيئات.

(٣) أي : من نفس اللفظ ، ثم إنّه لمّا فرغ من بيان حقيقة الوضع وأقسامه شرع في أمارات الوضع ومثبتاته ، وأمارات المجاز عند عدم العلم بالحال ، وإلّا فمع العلم لا معنى لأماريّتها كما لا يخفى.

(٤) أي : وضع اللفظ للمعنى لما تبادر المعنى منه ، فالتبادر يكشف ـ إنّاً ـ عن كون اللفظ موضوعاً للمعنى المتبادر ، فيخرج بالتبادر المستند إلى حاق اللفظ التبادر الناشئ عن القرينة الحالية أو المقالية ، وعلى هذا فلا يكون التبادر الناشئ عن الشهرة أو مقدمات الحكمة الموجبة للإطلاق أو العموم علامة الحقيقة.

وبالجملة : يعتبر في أمارية التبادر على الحقيقة أن يكون مستنداً إلى نفس اللفظ لا إلى القرينة ولو كانت هي الشهرة الناشئة عن الغلبة.

(٥) توضيح إشكال أمارية التبادر على الحقيقة هو : أنّه (لمّا كان) المفروض

__________________

(*) قد عرفت أنّه لا بد من هذا الوضع ، فلا ينبغي جعله مورداً للنزاع ، ولتلاحظ كلماتهم.

٧٧

يكون (١) علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له كما هو واضح؟ فلو كان العلم به موقوفاً عليه لدار (٢). فإنّه يقال (٣):

______________________________________________________

انحصار منشأ التبادر بالوضع ، دون المناسبة الذاتيّة بين الألفاظ والمعاني التي لا نقول بها ، وكان انسباق معنى خاص من المعاني المتشتتة منوطاً بالعلم بالوضع له ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجح ، والانسباق بلا وجه (لزم) الدور ، لتوقف التبادر على العلم بالوضع ، وتوقف العلم به على التبادر كما هو المفروض ، إذ المقصود ترتب العلم بالوضع على التبادر الّذي جعل أمارة عليه.

(١) أي : التبادر.

(٢) قد عرفت تقريب الدور ، فلا يصلح التبادر حينئذٍ لإثبات العلم بالوضع.

(٣) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أنّ العلم بالوضع الّذي يتوقف على التبادر هو العلم التفصيليّ به ، والعلم بالوضع الّذي يتوقف التبادر عليه هو العلم الإجمالي ، حيث إنّه نعلم إجمالاً بأنّ للفظ ـ صعيد ـ مثلا معنى من المعاني المتعددة المعلومة تفصيلا عندنا ، وارتكازية هذا العلم إنّما هي لأجل وجود صورة العلقة والارتباط بين اللفظ والمعنى في الذهن من دون التفات إليها ، وبعد مراجعة الوجدان وحصول الالتفات ينسبق هذا المعنى بنفسه إلى الذهن من ذات اللفظ ، فإنّ العلم تارة يكون مورداً للالتفات ، ويسمى بالعلم التفصيليّ والعلم المركب ، وأُخرى لا يكون مورداً له ، ويسمى بالعلم الإجمالي والعلم البسيط.

وبالجملة : فالمترتب على التبادر هو العلم التفصيليّ ، والمترتب عليه التبادر هو العلم الإجمالي الارتكازي ، وهذا التغاير بين العلمين يرفع غائلة الدور (*). ومرجع هذا

__________________

(*) بل لا ترتفع به ، لأنّ العلم الإجمالي بكون أحد المعاني المعلومة تفصيلا هو ما وُضع له اللفظ لا يوجب تبادر خصوص الموضوع له من بين

٧٨

الموقوف عليه (١) غير الموقوف عليه ، فان العلم التفصيليّ بكونه موضوعاً له موقوف على التبادر وهو (٢) موقوف على العلم الإجمالي الارتكازي به لا التفصيليّ ، فلا دور. هذا (٣) إذا كان

______________________________________________________

الجواب إلى الإجمال والتفصيل ، كما قيل بذلك في دفع إشكال الدور في الشكل الأوّل ، هذا.

(١) المراد باللام الموصولة هو ـ العلم ـ وضمير ـ عليه ـ راجع إلى التبادر ، يعني : أنّ العلم الموقوف على التبادر غير العلم الموقوف عليه التبادر ، لأنّ الأول تفصيلي والثاني إجمالي كما مر آنفاً.

(٢) أي : التبادر ، يعني : أنّ التبادر موقوف على العلم الإجمالي الارتكازي بالمعنى الموضوع له ، وليس موقوفاً على العلم التفصيليّ حتى يلزم الدور.

(٣) يعني : هذا الجواب الّذي دفعنا به غائلة الدور عن التبادر إنّما يكون

__________________

تلك المعاني قطعاً ، بل جهل السامع بالمعنى الموضوع له معيّناً بعد سماع اللفظ كجهله به قبل سماعه ، والعلم الإجمالي لا يؤثّر في انسباق خصوص المعنى الموضوع له ، فينحصر سبب الانسباق في العلم التفصيليّ بالوضع ، هذا. مضافاً إلى أنّ التبادر على هذا يكون أخص من المدعى ، لاختصاصه حينئذٍ بما إذا علم بالوضع تفصيلا ، ثم نسي وبقيت صورة ارتباط الألفاظ بالمعاني موجودة في خزانة النّفس ، وبعد المراجعة إذا تبادر معنى من المعاني الموجودة في النّفس كان ذلك أمارة الوضع.

وأمّا إذا لم يعلم بالوضع تفصيلا ، فلا تكون صورة الارتباط موجودة في خزانتها ، فلا تبادر حينئذٍ حتى يكون علامة للوضع ، فالأَولى إنكار التبادر رأساً حتى في صورة سبق العلم الإجمالي بالوضع ، لعدم تحقق التبادر إلّا مع العلم التفصيليّ بالموضوع له كما مر آنفاً.

٧٩

المراد به (١) التبادر عند المستعلم ، وأمّا إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة ، فالتغاير أوضح من أن يخفى. ثم إنّ هذا (٢) فيما لو علم استناد الانسباق

______________________________________________________

فيما إذا أُريد به التبادر عند المستعلم. وأمّا إذا أُريد به التبادر عند أهل المحاورة العالمين بالأوضاع ، بأن يكون تبادرهم علامة الوضع للجاهل بها ، فالتغاير بين العلمين حينئذٍ أوضح منه في الصورة السابقة ، لأنّ العلم المنوط به التبادر هو علم العالم بالوضع ، والعلم المنوط بالتبادر هو علم الجاهل بالوضع.

(١) أي : التبادر ، وضمير ـ به ـ في قوله : «واما إذا كان المراد به» يرجع أيضا إلى التبادر.

(٢) أي : كون التبادر علامة للوضع ومحرِزاً له ، وغرضه التنبيه على شرط التبادر وهو : كونه مستنداً إلى حاق اللفظ بحيث علم هذا الاستناد ، فإذا لم يحرز ذلك ، وشك في نشئه عن نفس اللفظ أو القرينة ، فلا يكون هذا التبادر علامة الوضع ، ولا يمكن إحراز الشرط المزبور بأصالة عدم القرينة ، وذلك لأنّ هذا الأصل مما لا دليل على اعتباره في تمييز المعنى الحقيقي عن المجازي ـ كما هو المقصود ـ ، إذ لا يترتب عليه أثر شرعي حتى يشمله دليل الاستصحاب لأن المستصحب ـ وهو عدم القرينة ـ إنْ أُريد به العدم المحمولي ، فهو وإن كان له حالة سابقة ، لكنه لا يترتب عليه أثر شرعي ، حيث إنّه مترتّب على المعنى الموضوع له ، وإثباته بالعدم المحمولي مبني على الأصل المثبت. وإنْ أُريد به العدم النعتيّ ، فليس له حالة سابقة حتى يجري فيه الاستصحاب ، فأصالة عدم القرينة لا بد أن تكون حجيتها ببناء العقلاء ، ولمّا كان هذا البناء دليلا لبياً فلا بد من الأخذ بالمتيقن منه ، وهو اعتبارها في تشخيص المراد ، لا تمييز المعنى الحقيقي عن غيره كما هو المطلوب في المقام ، مثلا إذا علمنا بوضع لفظ ـ أسد ـ

٨٠