منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

الأوامر (١) وفيه فصول :

الأوّل : فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات وهي عديدة :

الجهة الأولى : أنّه قد ذكر للفظ الأمر معانٍ متعددة ، منها : الطلب (٢) كما يقال :

______________________________________________________

(١) الظاهر : أنّه جمع الأمر بالمعنى المبحوث عنه في المقام على خلاف القياس ، إذ لا يجمع الثلاثي على هذا الوزن من أوزان الجمع إلّا سماعاً ، ويكفي في ثبوت السماع ما في دعاء كميل المعروف من قوله عليه الصلاة والسّلام : «وخالفت بعض أوامرك» ، مضافاً إلى ما في المصباح من كون الأوامر جمع الأمر ، وعليه فلا حاجة إلى جعل الأوامر جمعاً للآمرة نعتاً للكلمة ـ كما قيل ـ مع عدم دليل عليه ، كما لا حاجة إلى جعل الأوامر جمعاً للأمور الّذي هو جمع الأمر بمعنى الطلب ، إذ فيه : أنّ الأمور جمع الأمر الّذي هو بمعنى الفعل أو الشأن.

(٢) وهو عرفاً السعي نحو شيء للظفر به كطلب الغريم ، وطلب الماء غلوة سهم أو سهمين في باب التيمم ، وطلب الدم كما في صحيحة زرارة التي استدل بها

__________________

اللغوية في المقدمة على جعل مباحث الأوامر أوّل مقاصد علم الأصول ، لكن الحق كون الأوامر أيضا من المبادئ بناءً على ما جعلوه ضابطاً للمسألة الأصولية من كونها كبرى لقياس ينتج حكماً كلياً فرعياً ، حيث إنّ المبحوث عنه في الأوامر إثبات أصل الظهور لا حجيته ، ومن المعلوم : أنّ إثبات الظهور من المباحث اللغوية المثبتة لصغرى المسألة الأصولية كالأبحاث الرجالية المثبتة لكون خبر زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما خبر الثقة الّذي هو صغرى المسألة الأصولية.

والحاصل : أنّ الضابط الّذي ذكروه للمسألة الأصولية من كونها الجزء الأخير لعلة الاستنباط لا ينطبق على الأوامر ونحوها مما له دخل في أصل الظهور لا حجيته.

٣٦١

أمره بكذا.

ومنها : الشأن كما يقال : شغله أمر كذا.

ومنها : الفعل كما في قوله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)

ومنها : الفعل العجيب كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) ومنها : الشيء كما تقول : رأيت اليوم أمراً عجيباً.

ومنها : الحادثة ، ومنها الغرض كما تقول : «جاء زيد لأمر كذا» ولا يخفى أنّ عد بعضها (١) من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ،

______________________________________________________

على حجية الاستصحاب ، حيث قال السائل : «فطلبته ـ أي الدم ـ ولم أقدر عليه» وكطلب العلم والضالة وغير ذلك من موارد استعماله في النظم والنثر ، ولمّا كان الأمر مما يعد سعياً نحو المأمور به ومن مُعدَّات وجوده ، حيث إنّ الأمر يحدث الداعي في المأمور على إيجاد المأمور به ، فالأمر كتحريك عضلاته نحو إيجاد شيءٍ غاية الأمر : أنّ تحريك العضلات يكون في المأمور به المباشري ، والأمر الموجّه إلى لغير يكون في المأمور به التسبيبي الّذي يتعلق غرض الآمر بإيجاد الغير للعمل.

وبالجملة : فنفس الأمر الصادر من الآمر مصداق الطلب لا مفهومه ، فجعل لطلب من معاني الأمر من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق ، وتفسير للشيء بما هو أعم منه ، وكذا الحال في غالب موارد استعمال الأمر كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(١) أي : بعض المعاني التي ذكرت للأمر كاستعماله في الطلب على ما عرفت آنفاً ، واستعماله في الشيء كقوله : «رأيت اليوم أمراً عجيباً» ، فإنّ الأمر بقرينة لرؤية الواقعة على الأمر الخارجي قد استعمل في مصداق الشيء لا في مفهومه ، واستعماله في مصداق الغرض في مثل قوله للطبيب : «جئتك لأمر قاصداً به العلاج التداوي» فإنّ الأمر هنا يراد به مصداق الغرض أعني العلاج ، لا مفهومه وهو لداعي إلى وجود شيء.

٣٦٢

ضرورة (١) أن الأمر في ـ جاء زيد لأمر كذا ـ ما استعمل في معنى الغرض ، بل اللام قد دلّ على الغرض ، نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم (٢) ، وهكذا الحال في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) يكون مصداقاً للتعجب لا مستعملاً في مفهومه ، وكذا في الحادثة والشأن ، وبذلك (٣) ظهر ما في دعوى الفصول (٤) من كون لفظ الأمر حقيقة في المعنيين الأوّلين (٥) ، ولا يبعد دعوى

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «ولا يخفى» وحاصله : كما مر أنّ لفظ الأمر في جملة من الموارد المذكورة لم يستعمل أي لم يجعل حاكياً عن المعاني وفانياً فيها على حد استعمال سائر الألفاظ في معانيها ، فإنّ الدال على الغرض هو اللام.

(٢) لعله إشارة إلى اختلاف موارد استعمال الأمر ، فإنّه قد يستعمل في معنى الغرض كما إذا قال : «جئتك لأمر كذا» ، لأنّه بمنزلة قوله : «جئتك لغرض كذا» وقد يستعمل في مصداقه وهو فيما إذا لم يضف إلى شيء ، كما إذا قال للطبيب مثلا : «جئتك لأمر» قاصداً به المعالجة. وكيف كان فلا يبعد أن يقال : إنّ معنى الأمر هو الفعل أو الشيء ، والخصوصيات من كونه عجيباً أو غرضاً أو غيرهما تستفاد من دوالٍّ أُخر كالقرائن المقالية والمقامية ، لا أنّ الأمر قد استعمل في معانٍ عديدة حتى يكون بلحاظها متكثر المعنى.

(٣) أي : بالفرق بين المفهوم والمصداق.

(٤) قال في الفصول : «الحق أنّ لفظ الأمر مشترك بين الطلب المخصوص كما يقال : امره بكذا ، وبين الشأن كما يقال : شغله أمر كذا ، لتبادر كل منهما من اللفظ عند الإطلاق مع مساعدة ظاهر كلام بعض اللغويين عليه» انتهى.

(٥) وهما الطلب والشأن ، وحاصل إشكال المصنف على الفصول هو : أنّ لفظ الأمر لم يستعمل في مفهوم الشأن حتى يعد من معانيه ، بل استعمل في مصداقه ،

٣٦٣

كونه (١) حقيقة في الطلب في الجملة (٢) والشيء (٣) ، هذا بحسب العرف واللغة وأما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على أنه (٤) حقيقة في القول المخصوص (٥) ومجاز في غيره (٦) ، ولا يخفى أنّه عليه (٧) لا يمكن منه الاشتقاق ، فإنّ معناه حينئذٍ (٨) لا يكون معنى

______________________________________________________

فاشتبه على الفصول المفهوم بالمصداق ، فدعوى كون الشأن معنى حقيقياً للأمر في غير محلها.

(١) أي : لفظ الأمر.

(٢) يعني : لا الطلب مطلقاً بل مقيداً بخصوصيات يأتي البحث عنها ان شاء الله تعالى.

(٣) وهو عام للأعيان كالماء والحنطة وغيرهما ، والصفات كالعلم والعدالة والسخاوة وغيرها من الملكات ، والأفعال كالأخذ والإعطاء وغيرهما ، وعلى هذا المعنى العام يكون كثير من المعاني المزبورة كالفعل العجيب والشأن والحادثة وغيرها من مصاديقه.

(٤) أي : لفظ الأمر.

(٥) أي صيغة ـ افعل ـ ، فالأمر اصطلاحاً هو الصيغة.

(٦) أي : في غير القول المخصوص.

(٧) أي : بناءً على كون لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص يرد إشكال وهو عدم صحة الاشتقاق منه كما سيظهر وجهه.

(٨) يعني : حين كون معنى لفظ الأمر هو القول المخصوص ، توضيح الإشكال : أنّه على هذا المعنى يكون الأمر جامداً ، لعدم كون معناه حينئذٍ حدثاً ، ومن المعلوم : أنّ مبدأ الاشتقاق هو المصدر الّذي يكون مدلوله معنى حدثيّاً

٣٦٤

حدثياً (١) ، مع أنّ الاشتقاقات منه (٢) ظاهراً تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر ، فتدبر (٣). ويمكن (٤) أن يكون مرادهم به هو

______________________________________________________

جامعاً بين المشتقات ، وليس القول المخصوص الّذي فرض كونه معنى الأمر ذلك المعنى الحدثي الجامع بينها ، قال في الفصول : «لو أرادوا بالقول المخصوص نفس اللفظ أعني الملفوظ كما هو الظاهر من كلماتهم لكان بمنزلة الاسم والفعل والحرف في مصطلح علماء العربية ، فكان اللازم عدم صحة الاشتقاق منه ، لعدم دلالته حينئذٍ على معنى حدثي» انتهى.

(١) لأنّ المفروض كون الأمر حينئذٍ اسماً للقول المخصوص.

(٢) أي : من لفظ الأمر ، محصله : تضعيف نقل الاتفاق على كون لفظ الأمر بحسب الاصطلاح حقيقة في القول المخصوص ، وجه التضعيف هو : أنّه لا يصح الاشتقاق من لفظ الأمر بمعناه المصطلح عليه بين الأُصوليين ، مع أنّ الظاهر أنّه بمعناه الاصطلاحي يكون مبدأ الاشتقاق ، فعدم صحة الاشتقاق منه بمعناه المصطلح يكشف عن أنّ معناه الاصطلاحي ليس هو القول المخصوص.

(٣) لعله إشارة إلى منع الظهور المزبور ، فيمكن تصحيح دعوى الاتفاق المذكور ، والالتزام بكون مبدأ الاشتقاق هو الأمر بمعنى آخر.

(٤) هذا التوجيه من الفصول وغرضه : التوفيق بين نقل الاتفاق على كون لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص ، وبين كون الاشتقاق بلحاظ هذا المعنى الاصطلاحي ، وملخص تقريب التوفيق هو : أنّه يمكن تأويل معقد الاتفاق بأن يقال : إنّ مراد الأُصوليين هو كون لفظ الأمر حقيقة في الطلب بالقول المخصوص ، بحيث يكون معناه الحدث المضاف إلى الصيغة الخاصة المعبر عنه بالفارسية ـ طلب كردن ـ بصيغة خاصة ، لا أن يكون المعنى نفس الصيغة حتى لا يصح الاشتقاق

٣٦٥

الطلب بالقول لا نفسه (١) تعبيراً عنه (٢) بما يدل عليه ، نعم (٣) القول المخصوص أي صيغة الأمر إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الأمر ، لكنه (٤) بما هو طلب مطلق أو مخصوص ، وكيف كان فالأمر سهل لو ثبت النقل (٥)

______________________________________________________

منه. والوجه في تعبيرهم عن الطلب الّذي هو معنى لفظ الأمر بنفس القول هو : دلالة الصيغة على الطلب ، والمناسبة الثابتة بين الدال والمدلول تقتضي صحة تسمية كل منهما باسم الآخر ، فلمّا كان الطلب الّذي هو معنى لفظ الأمر مدلولاً للقول المخصوص قالوا : إنّ الأمر هو ذلك القول المخصوص تسمية للدال ـ أي القول ـ باسم المدلول أي الطلب.

(١) يعني : لا نفس القول حتى يكون الأمر اسماً له ، فيمتنع الاشتقاق منه.

(٢) أي : تعبيراً عن الطلب بما يدل عليه ، وهو القول المخصوص مجازا من باب ذكر الدال وإرادة المدلول.

(٣) استدراك على قوله : «لا نفسه» يعني : أنّ الأمر وإن لم يكن اسما للقول المخصوص بحيث يكون معناه ذلك القول ، لكنّه يعدّ من مصاديق الأمر إذا كان الطالب به عاليا كالمولى الحقيقي أو العرفي ، ولوحظ ذلك القول بما هو طلب لا بما أنّه قول خاص ، وإلّا رجع إلى المعنى الأوّل وهو كون الأمر نفس القول.

والحاصل : أنّ مصداقيّة القول الخاصّ للأمر إنّما تكون بلحاظ كونه طلبا مطلقا أو خاصا ، لا بلحاظ أنّه قول ، وإلّا رجع إلى المعنى الأوّل وهو كون الأمر نفس القول المخصوص ، وهذا مراد المصنف (قده) بقوله : «بما هو طلب» يعني لا بما هو قول.

(٤) يعني : لكن القول المخصوص بما هو طلب مصداق للأمر لا بما هو قول.

(٥) يعني : نقل الأمر عن معناه اللغوي والعرفي إلى القول المخصوص ، فالأمر على تقدير ثبوت هذا النقل سهل.

٣٦٦

ولا مشاحة في الاصطلاح (١) ، وإنّما المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة ، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ، ولا حجة على أنّه (٢) على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز ، وما ذكر في الترجيح (٣)

______________________________________________________

(١) فيمكن أن يكون معنى مادة الأمر اصطلاحا الصيغة الخاصة وأن يكون الاشتقاق منه بمعنى آخر ، وتحقيق كون الاشتقاق بالمعنى الاصطلاحي أو غيره ليس بمهم ، وإنّما المهم بيان ما هو معنى الأمر عرفا ولغة وتمييزه بحسبهما ليحمل لفظه المجرد عن القرينة عليه ، ومحصل ما أفاده في ذلك هو : أنّ الأمر قد استعمل في الكتاب والسنة في غير واحد من المعاني المتقدمة ولم يقم دليل على أنّ الاستعمال فيها هل هو بنحو الاشتراك اللفظي أم المعنوي أم الحقيقة والمجاز ، والوجوه المذكورة في تعارض الأحوال لترجيح بعضها على بعض ـ بعد تسليم سلامتها عن المعارضة بمثلها ـ لا تصلح للترجيح ، لعدم حجة على الترجيح بتلك الوجوه ، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الأصل العملي في المسألة الفقهية إلّا إذا أحرز ظهور لفظ الأمر في أحد معانيه ، فيحمل اللفظ حينئذ عليه وإن لم يعلم منشأ ذلك الظهور ، واحتمل أن يكون لأجل الوضع لذلك المعنى بالخصوص أو للجامع بينه وبين غيره ، لكنه ينصرف إلى ذلك المعنى الخاصّ لغلبة الاستعمال أو غيرها.

وبالجملة : فبناء العقلاء على حجية الظواهر يقتضي حجيتها وان لم يعلم منشأها.

(٢) أي : الاستعمال.

(٣) يعني : في مبحث تعارض الأحوال من الترجيح بالغلبة أو الظن.

٣٦٧

عند تعارض هذه الأحوال (١) لو سلم (٢) ولم يعارض بمثله (٣) ، فلا دليل (٤) على الترجيح به ، فلا بد مع التعارض (٥) من الرجوع إلى الأصل (٦) في مقام

______________________________________________________

(١) وهي الاشتراك اللفظي والحقيقة والمجاز وغيرها مما ذكر في تعارض الأحوال.

(٢) قد ذكر في الإشكال على الترجيح بالمرجحات المذكورة في مبحث تعارض الأحوال وجوها ثلاثة :

الأوّل : عدم تسليم تلك المرجحات مثل غلبة المجاز على الاشتراك ، فإنّ الغلبة غير مسلمة.

الثاني : أنّها ـ بعد تسليمها ـ معارضة بمثلها ، لغلبة الاشتراك مثلا أيضا.

الثالث : عدم الدليل على اعتبارها ـ بعد تسليمها والغض عن معارضتها بمثلها ـ ، لعدم كونها بنفسها حجة ، حيث إنّها وجوه استحسانية ، نعم إذا كانت موجبة للظهور العرفي في معنى خاص بأن تكون موجبة لظهور اللفظ فيه يندرج في الظواهر التي ثبت اعتبارها ببناء العقلاء ولو كان الظهور ناشئا من القرينة كما في المجازات.

(٣) إشارة إلى الإشكال الثاني المتقدم.

(٤) إشارة إلى الإشكال الثالث.

(٥) يعني : تعارض تلك الوجوه المرجحة وعدم كونها موجبة للظهور في معنى خاص.

(٦) لأنّه المرجع بعد فقد الدليل أو إجماله كالمقام ، وهو يختلف حسب اختلاف المقامات والموارد.

٣٦٨

العمل (١) ، نعم (٢) لو علم ظهوره في أحد معانيه ولو (٣) احتمل أنّه كان للانسباق من الإطلاق فليحمل عليه (٤) وإن لم يعلم أنّه (٥) حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمه ، كما لا يبعد (٦) أن يكون كذلك (٧)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ المراد بالأصل هنا هو الأصل العملي كالاستصحاب والبراءة والاشتغال ، لا الأصل اللفظي ، إذ المفروض فقدانه.

(٢) استدراك من الرجوع إلى الأصل العملي في مورد التعارض ، يعني : أنّه لا يرجع إلى الأصل العملي إذا كان اللفظ ظاهرا في أحد معانيه ، لحجية الظهور المانعة عن الرجوع إلى الأصل.

(٣) كلمة ـ لو ـ وصلية ، وضمير ـ انّه ـ راجع إلى ـ الظهور ـ.

(٤) هذا جواب ـ لو ـ في قوله : «نعم لو علم» ووجه اعتباره : بناء العقلاء عليه.

(٥) أي : لفظ الأمر حقيقة في ذلك المعنى أو في معنى عام يشمله.

(٦) يعني : كما لا يبعد أن يكون الأمر ظاهرا في الطلب وان كان منشأ هذا الظهور انصراف الإطلاق إليه (*).

(٧) أي : ظاهرا.

__________________

(*) لا يقال : إنّ نفي البعد عن ظهور الأمر في الطلب ينافي ما نفي البعد عنه سابقا من كون الأمر حقيقة في الطلب والشيء حيث قال هناك : «ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء» انتهى. فإنّه يقال : إنّ دعوى الحقيقة في المعنيين لا تنافي ظهور اللفظ في خصوص أحدهما كالطلب في المقام لجهة خارجية مثل كثرة الاستعمال فيه ، فإنّ الظهور الناشئ عن جهة خارجية في أحد المعنيين بالخصوص لا ينافي الوضع لهما كما لا يخفى.

٣٦٩

في المعنى الأول (١).

الجهة الثانية (٢) الظاهر : اعتبار العلو في معنى الأمر ، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمرا ، ولو أطلق عليه (٣) كان بنحو من العناية ، كما أنّ الظاهر (٤) : عدم اعتبار الاستعلاء ، فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه ، وأمّا (٥) احتمال اعتبار أحدهما فضعيف ،

______________________________________________________

(١) وهو الطلب ، حيث إنّه أوّل المعاني التي ذكرها للأمر.

(٢) الغرض من عقدها بيان أمور : الأوّل : الإشارة إلى الخلاف المعروف بينهم من كون الطلب الّذي هو معنى مادة الأمر هل هو مطلق الطلب أم ما يعتبر فيه علوُّ الطالب أو استعلاؤه أو كلاهما ، أو العلوّ مع عدم الاستخفاض ، فيه وجوه بل أقوال.

(٣) يعني : ولو أطلق الأمر على طلب السافل أو المساوي رتبة بحيث لا يكون له علوٌّ لا عقلا ولا شرعا ولا عرفا كان الإطلاق بضرب من العناية. ومحصل ما أفاده المصنف في هذه العبارة هو : أنّ الظاهر اعتبار علوّ الطالب في مفهوم الأمر ، للتبادر ، حيث إنّه يتبادر من قوله : «أمر زيد عمرا بكذا» علوُّ الآمر ، فلا يكفى في تحقق الطلب الّذي هو معنى الأمر مجرد الاستعلاء من دون علوٍّ ، ولو أطلق عليه الأمر أحيانا لم يكن ذلك على نحو الحقيقة ، فعنوان الآمرية متقوم بصدور البعث من العالي.

(٤) هذا هو الأمر الثاني ، وحاصله : عدم اعتبار استعلاء الطالب في الطلب الّذي هو معنى الأمر ، فطلب العالي ولو مع الاستخفاض أمر حقيقة ، فالمعتبر في الطلب هو علوُّ الطالب دون استعلائه ، كما يشهد به العرف والوجدان.

(٥) هذا هو الأمر الثالث ، وحاصله : اعتبار أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ

٣٧٠

وتقبيح (١) الطالب السافل من العالي المستعلي (٢) عليه (٣) ، وتوبيخه (٤) بمثل ـ انّك لم تأمره (٥) ـ إنّما هو (٦) على استعلائه ، لا على أمره حقيقة بعد

______________________________________________________

إمّا علوّ الطالب واقعا ، وإمّا استعلاؤه في صدق الطلب الّذي هو معنى الأمر ، فطلب المساوي أو السافل مع الاستعلاء أمر أيضا.

والمصنف ضعّفه بعدم الدليل عليه ، بل قد عرفت آنفا : اعتبار العلوّ الواقعي في مفهوم الطلب بشهادة العرف والوجدان ، وصحة سلب الأمر عن طلب غير العالي.

(١) إشارة إلى برهان القول بكفاية الاستعلاء في صدق الأمر.

وحاصله : أنّ العقلاء يقبِّحون السافل المستعلي الّذي يأمر العالي ، ويذمّونه بأنك لم تأمر العالي ، فإطلاقهم الأمر على طلب السافل المستعلي يدل على كفاية استعلاء الطالب في صدق الأمر وعدم اعتبار العلوِّ الواقعي فيه.

(٢) صفة ل ـ السافل ـ.

(٣) أي : على العالي.

(٤) معطوف على ـ تقبيح ـ.

(٥) أي : تأمر العالي.

(٦) أي : التقبيح ، هذا جواب البرهان المزبور ، وحاصله : أنّ التقبيح إنّما هو على استعلاء السافل على العالي ، لا على أمره حتى يقال : إنّ الذم على هذا الأمر يكشف عن كفاية مجرد الاستعلاء في صدق الأمر وعدم اعتبار العلو الواقعي فيه.

وبالجملة : فالتقبيح ليس دليلا على كفاية الاستعلاء فقط في صدق الأمر ، وإطلاق الأمر على طلبه في مقام توبيخه ـ بأنّك لم تأمره ـ إنّما هو بحسب مقتضى استعلائه ، لا بحسب الواقع حتى يصح الاستدلال به على كفاية الاستعلاء فقط

٣٧١

استعلائه (١) ، وإنّما يكون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه (٢) ، وكيف كان (٣) ففي صحة سلب الأمر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية.

الجهة الثالثة (٤): لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ، لانسباقه (٥) عنه عند إطلاقه (٦) ،

______________________________________________________

في تحقق الأمر ، فيكون إطلاق الأمر على طلب المستعلي السافل مجازا في الكلمة أو في الإسناد ، لمناسبته صورة للأمر الحقيقي.

(١) يعني : حتى يكون دليلا على كفاية الاستعلاء في صدق الأمر.

(٢) وزعمه بكون طلبه أمرا ، فليس إطلاق الأمر على طلب المستعلي على نحو الحقيقة.

(٣) يعني : سواء كان التقبيح والتوبيخ على الأمر أم على استعلائه لا يكون برهانا على كفاية الاستعلاء في الأمر ، ضرورة وجود أمارة المجاز وهي صحة السلب فيه ، لصحة سلب الأمر عن طلب السافل ولو كان مستعليا ، ومع هذه الأمارة كيف يصح الاستدلال على كفاية الاستعلاء في صدق الأمر بمجرد إطلاق الأمر على طلب السافل ، ولا سيما مع ملاحظة كون الاستعمال أعم من الحقيقة.

(٤) الغرض من عقدها : تفصيل ما أجمله في الجهة الأولى من نفي البعد عن كون مادة الأمر حقيقة في الطلب في الجملة ، وحاصل ما أفاده هنا هو : أنّه لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في خصوص الطلب الوجوبيّ ، لتبادره منه ، لا مطلق الطلب.

(٥) أي : لانسباق الوجوب عن لفظ الأمر عند الإطلاق ، والانسباق هو التبادر المثبت للوضع.

(٦) أي : عند إطلاق لفظ الأمر.

٣٧٢

ويؤيده (١) قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)

وقوله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أن أشق على أمّتي لأمرتهم

______________________________________________________

(١) يعني : ويؤيد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب قوله تعالى : «فَلْيَحْذَرِ» الآية ، وهذا من أدلة القائلين بكون الأمر حقيقة في الوجوب ، بتقريب : أنّه تعالى شأنه حذّر مخالف الأمر ، والتحذير يدل على الوجوب ، إذ لا معنى لندب الحذر أو إباحته ، ومع التنزل عن ذلك فلا أقل من دلالته على حسن الحذر عن مخالفة الأمر ، ومن المعلوم : أنّ حسنه موقوف على ثبوت المقتضي له ، وإلّا كان التحذير سفها وعبثا ، وذلك محال على الله تعالى ، وإذا ثبت المقتضي له ثبت وجوبه ، لعدم القول بالفصل ، فالآية تدل على كون الأمر حقيقة في الوجوب.

لكن فيه ما لا يخفى ، لأنّ قصارى ما يستفاد من التقريب المزبور هو : إطلاق الأمر على الوجوب واستعماله فيه ، وقد عرفت مرارا : أعميّة الاستعمال من الحقيقة ، فلا تكون الآية الشريفة دليلا على أنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، ولعلّه لذا لم يجعلها المصنف دليلا ، بل عدّها من المؤيدات.

(٢) معطوف على ـ قوله تعالى ـ ، وهذا ثاني أدلة القائلين بكون الأمر حقيقة في الوجوب ، بتقريب : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أمره مرارا بالسواك على وجه الاستحباب ، قال : «لو لا أن أشق على أمّتي لأمرتهم بالسواك» ولا بد من كون هذا الأمر للوجوب بعد فرض صدور الأمر الاستحبابي بالسواك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلّا لزم لغوية الأمر المترتب على المشقة ، هذا.

لكن فيه ما قيل : من أنّه إنّما يدل على الوجوب لقرينة خارجية وهي المشقة ، وهو غير المدعى ، فتأمل.

٣٧٣

بالسواك» ، وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريرة بعد قوله : أتأمرني يا رسول الله «لا ، بل إنما أنا شافع» إلى غير ذلك. وصحة (٢) الاحتجاج

______________________________________________________

(١) هذا ثالث ما استدل به على أنّ الأمر حقيقة في الوجوب.

وحاصله : أنّ بريرة كانت أمة لعائشة وزوجها كان عبدا ثم أعتقتها ، فلما علمت بريرة بخيارها في نكاحها بعد العتق أرادت مفارقة زوجها ، فاشتكى الزوج إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لبريرة : «ارجعي إلى زوجك ، فإنّه أبو ولدك وله عليك منة ، فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتأمرني بذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا إنّما أنا شافع» تقريب الاستدلال به : أنّ نفيه صلى‌الله‌عليه‌وآله للأمر دليل على كونه للوجوب ، ولذا قالت بريرة له صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتأمرني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك؟» إذ لو لم تكن دلالة الأمر على الوجوب مركوزة في الأذهان لم يكن وجه لسؤالها منه ، هذا. لكن فيه : أنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، والوجوب إنّما يستفاد منه هنا بسبب القرينة.

(٢) الظاهر بمقتضى السياق كونه معطوفا على قوله : ـ قوله تعالى : فليحذر ـ فيكون كغيره من المؤيدات ، ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله : «انسباقه» ليكون دليلا لا مؤيدا ، حيث إنّه بمنزلة أن يقال : «لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب لانسباقه ، ولصحة احتجاج العبد ... إلخ» وكيف كان فتقريب الاستدلال به هو : أنّ صحة مؤاخذة العبد وتوبيخه على مجرد مخالفة أمر المولى دليل على كون الأمر حقيقة في الوجوب ، إذ لا يتوجه الذم والمؤاخذة إلّا على ترك الواجب ، ولذا توجه التوبيخ على إبليس بسبب تركه لما امر به من السجود لآدم حينما قال تعالى شأنه للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) هذا. لكن فيه أيضا : أنّه لا يثبت بذلك إلّا ظهور الأمر في الوجوب واستعماله فيه ، من دون

٣٧٤

على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره وتوبيخه على مجرد مخالفته كما في قوله تعالى : «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ». وتقسيمه (١) إلى الإيجاب والاستحباب إنما (٢) يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم

______________________________________________________

أن يثبت به الوضع،لأنّه موقوف على كون الأصل في الاستعمال الحقيقة وهو غير ثابت (*)

(١) يعني : وتقسيم الأمر إلى الإيجاب والاستحباب ، غرضه : الإشارة إلى دليل القول بوضع الأمر لمطلق الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب.

وحاصله : أنّ قولهم : «الأمر إمّا للوجوب وإمّا للاستحباب» يدل على كون الموضوع له هو الجامع بينهما ، وإلّا فلا معنى للتقسيم إليهما ، إذ لا بد في صحة التقسيم من وجود المقسم في جميع الأقسام.

(٢) هذا ردّ الاستدلال المزبور.

وحاصله : أنّ التقسيم إلى الوجوب والاستحباب لا يدل على أزيد من إرادة جامع الطلب من المقسم أعني الأمر ، وأمّا كون هذه الإرادة بنحو الحقيقة

__________________

(*) لا يخفى أنّ الأدلة المزبورة لا تدل على أزيد من ظهور الأمر في الوجوب ، وأمّا كونه ناشئاً عن الوضع ـ كما هو المدعى ـ فلا دلالة فيها على ذلك ، ومن المعلوم : أنّ الظهور العرفي حجة ببناء العقلاء وإن لم يكن ناشئا عن الوضع ، وهو كافٍ في ثبوت الوجوب من دون حاجة إلى إثبات الوضع له ، ومنه يظهر الإشكال في دعوى التبادر الّذي اعتمد عليه المصنف (قده) في إثبات الوضع ، إذ لم يثبت كونه ناشئا عن حاق اللفظ.

والحاصل : أنّه بعد تحقق ظهور الأمر عرفا في الوجوب لا يترتب على النزاع في كونه بالوضع ثمرة عملية ، فتدبر.

٣٧٥

منه (١) في مقام تقسيمه (٢) ، وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه (٣) على نحو الحقيقة كما لا يخفى (٤). وأمّا (٥) ما أُفيد من : أنّ الاستعمال فيهما (٦) ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما (٧) لزم الاشتراك أو المجاز ، فهو (٨)

______________________________________________________

كما هو المدعى ، فلا دلالة للتقسيم المذكور عليه أصلا ، لكون الاستعمال أعم من الحقيقة كما مر مرارا.

والحاصل : أنّ التقسيم المزبور يدل على استعمال الأمر في جامع الطلب ، ولكن لا يدل على المطلوب وهو كون هذا الاستعمال على سبيل الحقيقة.

(١) أي : الوجوب.

(٢) أي : تقسيم الأمر.

(٣) أي : المعنى.

(٤) إذ لا ملازمة بين صحة الاستعمال في معنى وبين كونه على نحو الحقيقة ، لعدم انحصار صحة الاستعمال في كون المعنى موضوعا له للفظ.

(٥) إشارة إلى دليل آخر على وضع الأمر للجامع.

وحاصله : أنّه لا إشكال في استعمال الأمر في كل من الوجوب والندب ، فان كان موضوعا لجامع الطلب فهو المطلوب ، وإن كان حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك ، وإن كان حقيقة في أحدهما لزم المجاز في الآخر ، وكل من الاشتراك اللفظي والمجاز خلاف الأصل ، فتعين الأوّل حسما لمادتي الاشتراك اللفظي والمجاز.

(٦) أي : في الإيجاب والاستحباب.

(٧) أي : بين الإيجاب والاستحباب.

(٨) هذا جواب ـ اما ـ في قوله : «وأما ما أفيد» ومحصله : أنّه

٣٧٦

غير مفيد ، لما مرّت الإشارة إليه في الجهة الأولى (١) وفي تعارض الأحوال (٢) فراجع (٣). والاستدلال (٤) بأن فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به

______________________________________________________

لا مجال لهذا الاستدلال بعد ابتنائه على الترجيح بالوجوه المذكورة في باب تعارض الأحوال ، لما عرفت من عدم العبرة بتلك الوجوه إلّا إذا أوجبت ظهور اللفظ في معنى.

(١) حيث قال فيها : «وما ذكر في الترجيح عند تعارض هذه الأحوال ... إلخ»

(٢) حيث قال في الأمر الثامن من الأمور المذكورة في المقدمة المعقود للبحث عن تعارض الأحوال ما لفظه : «وأمّا إذا دار الأمر بينها ، فالأصوليون وإن ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها ، إلّا أنّها استحسانية لا اعتبار بها إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى ، لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى» انتهى. فالمتحصل : أنّ مجرد الاستعمال في الجامع لا يكون دليلا على وضع لفظ الأمر له.

(٣) حتى لا تغفل عن كون المناط في تعارض الأحوال هو ظهور اللفظ في أحدها دون المرجحات التي ذكروها ، حيث إنّها وجوه اعتبارية ظنية غير معتد بها أصلا.

(٤) هذا أيضا من أدلة الاشتراك المعنوي ، وهو قياس بنحو الشكل الأوّل ، وذلك بأن يقال : إنّ فعل المندوب طاعة ، وكل طاعة فعل المأمور به ، فالمندوب فعل المأمور به ، فهذا القياس برهان على وضع الأمر للطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب.

٣٧٧

فيه (١) ما لا يخفى من منع الكبرى (٢) لو أريد من المأمور به معناه الحقيقي وإلّا (٣) لا يفيد المدعى.

الجهة الرابعة (٤) الظاهر : أنّ الطلب الّذي يكون هو معنى الأمر (٥) ليس هو الطلب الحقيقي (٦) الّذي يكون طلبا بالحمل الشائع

______________________________________________________

(١) هذا جواب عن الاستدلال المزبور.

ومحصله : أنّ صحة هذا الاستدلال منوطة بكلية الكبرى التي هي شرط إنتاج الشكل الأوّل كما قرر في محله ، ولمّا كان المقصود إثبات وضع الأمر للجامع ، فكلية الكبرى منوطة بقيام برهان على وضع الأمر للجامع حتى يكون كل طاعة فعل المأمور به الحقيقي ، إذ لو لم ينهض برهان على ذلك لا يثبت كلية الكبرى ، ولا يكون كل طاعة فعل المأمور به الحقيقي ، بل بعضها فعل المأمور به غير الحقيقي.

وبالجملة : فكلّية الكبرى ممنوعة.

(٢) أي : منع كلية الكبرى إن أريد بالمأمور به معناه الحقيقي كما عرفت.

(٣) أي : وإن لم يرد المعنى الحقيقي من المأمور به بل أعم منه ، فلا يفيد المدعى وهو الاشتراك المعنوي.

(٤) الغرض من عقدها هو : التعرض لما هو محل الخلاف من اتحاد الطلب والإرادة وتغايرهما ، وأنّ الطلب الّذي هو مدلول لفظ الأمر هل هو الطلب الحقيقي أم الإنشائيّ؟

(٥) أي : لفظ الأمر ، لكون البحث في الجهات المتعلقة بمادة الأمر.

(٦) الطلب الحقيقي هو الشوق المؤكد الحاصل في النّفس عقيب الداعي ، فهو من الكيفيات القائمة بالنفس وله وجود عيني.

٣٧٨

الصناعي (١) (*) ، بل الطلب الإنشائي الّذي لا يكون بهذا

______________________________________________________

(١) الّذي ملاكه على ما ثبت في محله الاتحاد الوجوديّ والتغاير المفهومي ، فما يحمل عليه الطلب بالحمل الشائع هو الطلب الحقيقي ، لا الإنشائيّ الّذي هو معنى لفظ الأمر ، وإن شئت فقل : إنّ الطلب مشترك بين معنيين.

أحدهما : ما يكون من الكيفيات القائمة بالنفس.

ثانيهما : الطلب الإنشائيّ الّذي لا وجود له عينا ، بل ينتزع من إبراز الإرادة بقول : ك ـ افعل ـ وما بمعناه ، أو فعل كالإشارة بيد أو عين أو غيرهما إلى شخص بإيجاد شيء ، ومعنى لفظ الأمر هو الطلب الإنشائيّ لا الحقيقي القائم بالنفس ، ولا تلازم بينهما ، لتفارقهما فيما إذا قال المولى لعبده : «اسقني ماء» ولم يكن في نفسه طلب حقيقة بل أمره امتحانا ، فيصدق عليه الطلب الإنشائيّ دون

__________________

(*) الأولى تبديل قوله : «بالحمل الشائع الصناعي» بقوله : «طلبا مطلقا لا إنشائيا» ، وذلك لأنّ الموضوع في الحمل الشائع هو المصداق لا المفهوم كما في ـ زيد إنسان ـ ونحوه ، وباب الوضع القائم بالمفاهيم أجنبي عن الوجود المتقوم به الحمل ، ولا ينبغي خلط أحدهما بالآخر ، وعلى هذا فالطلب الحقيقي الّذي وضع له لفظ الطلب هو المفهوم لا المصداق أعني الطلب الخارجي القائم بالنفس ، والحمل يصح فيه ، لأنّه الموجود الخارجي ، لكن من المعلوم أنّه ليس المعنى الموضوع له ، لأنّه المفهوم لا المصداق ، فما يصح فيه الحمل ويكون موضوعا في الحمل الشائع هو المصداق ، وما يكون موضوعا له اللفظ هو المفهوم الّذي لا يصح جعله موضوعا ، لعدم وجود له مصحح للحمل.

وبالجملة : فذكر الحمل الشائع الصناعي هنا غير مناسب ، لأجنبية مقام المفهوم عن مقام الحمل ، فتأمّل جيّدا.

٣٧٩

الحمل (١) طلبا مطلقا بل طلبا إنشائيا (٢) سواء أنشأ بصيغة افعل أو بمادة الطلب أو بمادة الأمر أو بغيرها (٣) ، ولو أبيت إلّا عن كونه (٤) موضوعا للطلب (٥) فلا أقل من كونه (٦) منصرفا إلى الإنشائيّ منه عند إطلاقه (٧) كما هو (٨) الحال في لفظ الطلب

______________________________________________________

الطلب الحقيقي ، وهذا هو معنى لفظ الأمر ، فالطلب وإن كان له نوعان حقيقي وإنشائي ، لكن معنى لفظ الأمر هو الإنشائيّ لا الحقيقي.

(١) أي : بالحمل الشائع.

(٢) متحققا بالإنشاء في مقابل الطلب الحقيقي القائم بالنفس ، فإنّه لا يوجد بالإنشاء اللفظي والفعلي والكتبي ، بل له موجبات خاصة كما ستأتي الإشارة إليها.

ثم إنّ الأولى أن يقال : «بل الطلب الإنشائيّ الّذي يعبر عنه بلفظ الأمر» ، لما عرفت آنفا في التعليقة من أجنبية مقام الوضع المتعلق بالمفهوم عن مقام الحمل المتقوم بالوجود.

(٣) كالجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب.

(٤) أي : لفظ الأمر.

(٥) أي : الجامع بين الحقيقي والإنشائيّ.

(٦) أي : كون الأمر.

(٧) أي : من الطلب عند إطلاق الأمر ، وحاصل ما أفاده : أنّه إذا قلنا بكون لفظ الأمر موضوعا لجامع الطلب لا لخصوص الطلب الإنشائيّ كما تقدم ، فلا أقل من كونه منصرفا إلى خصوص الطلب الإنشائيّ ، وهذا الانصراف يوجب ظهور لفظ الأمر فيه.

(٨) أي : الانصراف إلى الطلب الإنشائيّ.

٣٨٠