منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

وجعل (١) جملته متعلّقاً للأمر ، فيكون جزءاً له وداخلا في قوامه ، وأخرى (٢) بأن يكون خارجاً عنه ، لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه بدونه كما

______________________________________________________

(١) مبنياً للمفعول معطوف على : ـ يأتلف ـ.

(٢) هذه هي الصورة الثانية ، وحاصلها : أنّ الشيء قد يكون خارجاً عن الماهية جزءاً لكنه داخل فيها شرطاً ، كما إذا أخذ في الماهية خصوصية لا تتحقق إلّا بذلك الشيء الدخيل شرطاً ، وهذا يتصور على وجوه ثلاثة :

أحدها : أن تكون تلك الخصوصية ناشئة عن أمر يعتبر سبقه على

__________________

فسِّر بأمر وجودي ، فلا يصدق على العدمي ، وعليه فالعدم لا يصلح للجزئية ولا للشرطية. ولكن يمكن دفعه

أولا : بعدم كون المصلحة دائماً من المتأصلات ، فيمكن أن تكون من الأمور الاعتبارية ، فتأمل.

وثانيا بعد تسليم تأصل المصلحة دائماً بعدم تسليم كون المصلحة في المأمور به ، لإمكان كونها في نفس الأمر.

وثالثاً : بإمكان ترتب المصلحة على المركب من وجودي وعدمي ، لا العدم فقط ، وإنّما الممتنع هو ترتب المصلحة على العدم المحض. وأمّا في الشرط ، فبأنّه مجرد اصطلاح ، لأنّ الشرط حقيقة هو : ما له دخل في تأثير المقتضي بنحو من الأنحاء سواء أكان وجودياً أم عدمياً ، ولذا يعدّ عدم المانع شرطاً ، فالشروط تارة تكون وجودية وأخرى عدمية ، والممتنع تأثيره هو العدم المطلق لا المضاف ، والمفروض كون الشرائط العدمية من الأعدام المضافة لا المطلقة. ومن هنا يظهر حال الصوم بناءً على كونه نفس التروك ، وأمّا بناءً على كونه الكف عن أمور خاصة فلا إشكال أصلا ، لكونه حينئذ أمراً وجودياً كما لا يخفى.

١٦١

إذا أخذ شيءٌ مسبوقاً (١) أو ملحوقاً به (٢) أو مقارناً له (٣) متعلقاً للأمر ، فيكون (٤)

______________________________________________________

الماهية المأمور بها كالخصوصية المعتبرة في الصلاة الناشئة عن الطهارات الثلاث المتقدمة على الصلاة بناءً على كون الطهارة هي نفس الأفعال ، وأمّا بناءً على كونها هي الأثر الحاصل منها فتصير من الشرط المقارن.

ثانيها : أن تكون الخصوصية ناشئة عن أمر يعتبر كونه لاحقاً للماهية المأمور بها كغسل المستحاضة في الليلة الآتية بالنسبة إلى صوم اليوم المقدم عليها ، فإنّ كون صوم المستحاضة مع الغسل خصوصية مأخوذة في صومها ناشئة عن الغسل اللاحق لليوم الّذي صامته ، وكصلاة الاحتياط التي شك فيها بأحد الشكوك الموجبة لصلاة الاحتياط ، فتأمل.

ثالثها : أن تكون الخصوصية ناشئة من أمر يعتبر كونه مقارناً للماهية المأمور بها كالستر والاستقبال ، فإنّ المستورية ووقوع أجزاء الصلاة إلى القبلة خصوصيتان مأخوذتان في الصلاة ناشئتان عن الستر والاستقبال المعتبر مقارنتهما للصلاة.

(١) المراد بالشيء هو المأمور به ، يعني : كما إذا أخذ المأمور به مسبوقاً ، وهذا هو الوجه الأول.

(٢) أي : بالشيء الخارج عن ماهية المأمور به ، وهذا هو الوجه الثاني.

(٣) يعني : كما إذا أخذ المأمور به مقارناً لذلك الشيء الخارج عن ماهية المأمور به ، وهذا هو الوجه الثالث ، وقد تقدمت أمثلة جميع هذه الوجوه الثلاثة.

(٤) هذه نتيجة ما ذكره في الأمر الخارج عن الماهية ، وحاصلها : أنّ الشيء الخارج عن الطبيعة المأمور بها قد يكون مقدمة لوجود الخصوصية المعتبرة في

١٦٢

من مقدماته لا مقوماته (١).

وثالثة (٢) بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه (٣) ، وربما يحصل له بسببه (٤) مزية أو نقيصة ،

______________________________________________________

الماهية ، فإنّ المقدمة تارة تكون مقدمة لوجود أصل الواجب وأخرى لوجود وصفه ، فإنّ الصلاة المقيدة بالطهارة تتوقف على إحدى الطهارات الثلاث ، ومن المعلوم أنّ المقدمة خارجة عن المأمور به ، وليست مقوِّمة له كما تقدم.

(١) الضميران راجعان إلى ـ الشيء ـ وهو المأمور به ، يعني : أنّ ذلك الخارج عن المأمور به يكون من مقدماته لا مقوِّماته.

(٢) هذه هي الصورة الثالثة أعني : كون ما له الدخل جزءاً للفرد الّذي ينطبق عليه الطبيعي المأمور به وموجباً لتشخصه ، كتثليث الذّكر وتخميسه وغير ذلك من موارد التخيير بين الأقل والأكثر.

(٣) أي : عنوان المأمور به.

(٤) يعني : وربما يحصل للمأمور به بسبب الشيء الموجب لتشخصه مزية ، كإتيان الطبيعة بفردها المتشخص بالقنوت أو بتكرر الأذكار ، أو بالأمكنة الراجحة ، أو يحصل للمأمور به بسبب ذلك الشيء نقص ، كالتكتف بناءً على كراهته ، وغيره مما يؤتي به من مكروهات الصلاة جزءاً للفرد (*) ، وقد لا يحصل للمأمور به بسبب جزء فرده لا مزية ولا نقص كما إذا أتى بالصلاة مثلا في بيته.

__________________

(*) ظاهر عبارة المصنف (قده) : اعتبار وجود ما يحصل به النقص في المأمور به ، وليس كذلك ، إذ عدمه معتبر فيه ، فوجود التكتف الموجب للنقصان ليس معتبراً في الصلاة ، إذ لا معنى لدخله فيها ، فلا محالة يكون عدمه معتبراً فيها ، فالعبارة لا تخلو عن مسامحة.

١٦٣

ودخل هذا (١) فيه (٢) أيضا (٣) طوراً بنحو الشطرية ، وأخرى (٤) بنحو الشرطية ، فيكون (٥) الإخلال بما له دخل

______________________________________________________

(١) أي : ودخل ما يتشخص به المأمور به.

(٢) أي : في المأمور به.

(٣) يعني : كدخل ما يكون دخيلا في نفس الماهية في الانقسام إلى الجزئية والشرطية ، يعني : أنّ الموجب لتشخص الفرد تارةً يكون جزءاً للفرد وأخرى يكون شرطاً له.

(٤) هذه هي الصورة الرابعة وهي : كون ما يوجب التشخص شرطاً لا جزءاً ، والشرط قد يكون موجباً لمزية ك ـ الصلاة جماعة ـ أو ـ في المسجد ـ كما قيل. ولعل الأولى التمثيل ـ بالأذان والإقامة ، لعدم كونهما جزءاً للفرد مع إيجادهما مزية ، وقد يكون موجباً لنقصانه ك ـ الصلاة في الحمام ـ وغيره من الأمكنة التي تكره فيها الصلاة.

(٥) بعد أن تعرّض المصنف (قده) للصور الأربع المذكورة شرع في بيان أحكامها ، ومحصل ما أفاده في ذلك : أنّ الإخلال بما يكون دخيلا في نفس الماهية سواء أكان جزءاً أم شرطاً يوجب الفساد ، لعدم تحقق المسمى حينئذٍ ، إذ الدخيل في الماهية ليس إلّا دخيلا في المسمى ، فلا ينبغي التفصيل في الإخلال بالمسمى بين جزء الماهية وشرطها ذهاباً إلى الصحيح بالنسبة إلى الأجزاء وإلى الأعم بالنسبة إلى الشرائط كما قيل. بخلاف الإخلال بما له دخل في تشخص المأمور به سواء أكان جزءاً أم شرطاً ، والسِّر في ذلك : أنّ الإخلال به ليس إخلالا بنفس الماهية ، بل بالخصوصية التي لا يقدح انتفاؤها ، إذ المفروض إمكان وجود الماهية بخصوصية أخرى ، مثلا انتفاء خصوصية كون المكان مسجداً

١٦٤

بأحد النحوين (١) في حقيقة المأمور به وماهيته (٢) موجباً لفساده لا محالة ، بخلاف ما له الدخل في تشخصه وتحققه مطلقاً شرطاً كان أو شطراً ، حيث (٣) لا يكون الإخلال به إلّا إخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أُخرى غير موجبة لتلك المزية. بل كانت (٤) موجبة لنقصانها ، كما أشرنا إليه (٥) كالصلاة في الحمام. (٦) ثم إنّه (٧) ربما يكون الشيء مما يندب

______________________________________________________

لا يوجب انتفاء طبيعة الصلاة مطلقاً حتى في غير المسجد. والحاصل : أنّ الموجب لانتفاء الماهية التي تدور التسمية مدارها هو : انتفاء جزئها أو شرطها دون جزء الفرد أو شرطه ، لإمكان وجود الماهية بخصوصية أُخرى ، فانتفاءُ ما له دخل جزءاً أو شرطاً في الفرد لا يوجب إلّا انتفاء ذلك الفرد.

(١) وهما الشطرية والشرطية.

(٢) يعني : لا في تشخصه وفرديته.

(٣) تعليل لعدم كون الإخلال بما له دخل في التشخص موجباً لفساده.

(٤) يعني : بل كانت الخصوصية الأُخرى موجبة لنقصان الماهية.

(٥) أشار إليه بقوله : «وربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة».

(٦) وغيره من الأمكنة المكروهة للصلاة الموجبة لنقصان مصلحتها القائمة بنفس الطبيعة من حيث هي. فتلخص مما ذكره المصنف (قده) : أنّ الدخيل في التسمية هو جزءُ الماهية وشرطها دون جزء الفرد وشرطه ، فلا وجه للتفصيل بين أجزاء الماهية وشرائطها بالذهاب إلى الصحيح في الأجزاء وإلى الأعم في الشرائط ، بل أجزاء الماهية وشرائطها على وزان واحد ، لدخل كل منهما في التسمية.

(٧) هذه صورة خامسة خارجة عن حيِّز الجزء والشرط ، توضيحه : أنّه قد يكون شيءٌ واجباً في واجب كلبس ثوبي الإحرام وتروك الإحرام بناءً على

١٦٥

إليه فيه (١) بلا دخل له (٢) أصلا ـ لا شطراً ولا شرطاً ـ في حقيقته ، ولا في خصوصيته وتشخصه (٣) ، بل له (٤) دخل ظرفاً في مطلوبيّته (٥) بحيث لا يكون

______________________________________________________

كونهما واجبين نفسيين في واجب وهو الإحرام ، وكوجوب المتابعة في صلاة الجماعة بناءً على كون وجوبها نفسياً كما نسب إلى المشهور ، لا شرطياً ـ كما نسب إلى بعض ـ ، ولازم هذا الوجوب عدم بطلان الصلاة بالإخلال به ولو عمداً ، إذ المفروض كونه واجباً مستقلا وإن كان ظرفه الصلاة. نعم الإخلال به يوجب الإثم ، ولا يبطل الصلاة إلّا إذا استلزم بطلانها من جهة أُخرى ، كما إذا قلنا باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده ، فانّ تركه والاشتغال بالصلاة يبطل ما يأتي به ، لكونه منهياً عنه ، فتبطل الصلاة من جهة النهي. وقد يكون شيءٌ مستحباً نفسياً في واجب ، كالقنوت وتكرير الأذكار في الصلوات الواجبة. وقد يكون مستحباً في مستحب كاستحباب القنوت في الصلوات المندوبة.

(١) أي : يندب إلى الشيء في المأمور به.

(٢) أي : بلا دخل لذلك الشيء أصلا في المأمور به لا جزئياً ولا شرطياً.

(٣) أي : في حقيقة المأمور به ، ولا في خصوصيته وتشخصه.

(٤) سوق الكلام يقتضي رجوع الضمير إلى : ـ الشيء الّذي يندب إليه في المأمور به ـ لكن لا محصل له حينئذٍ ، إذ معناه على هذا : أنّ لذلك الشيء دخلا ظرفياً في مطلوبية نفسه ، وهذا لا معنى له ، إذ الأمر بالعكس ، فإنّ المأمور به شرط لمطلوبية ذلك الّذي ندب إليه ، فلا بدّ من إرجاع الضمير إلى المأمور به ، يعني : أنّ للمأمور به دخلاً ظرفياً في مطلوبية ذلك الشيء كالمتابعة في صلاة الجماعة ، فإنّ وجوبها نفسي ، وللصلاة دخل ظرفي في مطلوبيتها.

(٥) أي : في مطلوبية ذلك الشيء الّذي ندب إليه.

١٦٦

مطلوباً إلّا إذا وقع في أثنائه (١) ، فيكون مطلوباً نفسياً (٢) في واجب أو مستحب كما إذا كان مطلوباً كذلك (٣) قبل أحدهما (٤) أو بعده (٥) ، فلا يكون الإخلال به (٦) موجباً للإخلال به (٧) ماهية ولا تشخصاً وخصوصية أصلا.

______________________________________________________

(١) أي : في أثناء المأمور به.

(٢) سواء أكان واجباً في واجب أم مستحباً في واجب أو مستحب ، وقد تقدمت أمثلة الكل.

(٣) أي : نفسياً.

(٤) أي : الواجب والمستحب كالمضمضة والاستنشاق قبل الوضوء الواجب والمستحب بناءً على عدم كونهما جزءاً منه.

(٥) يعني : أو بعد أحدهما ، ومحصل غرض المصنف (قده) : تشبيه المطلوب النفسيّ الّذي جعل ظرفه واجباً أو مستحباً بما وجب أو استحب قبل واجب أو مستحب أو بعد أحدهما في عدم الارتباط ، فكما لا ربط بين مطلوبية الواجب النفسيّ أو المستحب كذلك قبل واجب أو مستحب أو بعد أحدهما ، فكذلك لا ربط بين المطلوب النفسيّ وبين ظرفه الّذي يكون هو أيضا مطلوباً نفسياً من واجب أو مستحب.

(٦) أي : بالشيء الّذي ندب إليه في أثناء المأمور به.

(٧) أي : بالمأمور به ، غرضه : بيان حكم هذا القسم الخامس ـ وهو الّذي يكون مطلوباً نفسياً في واجب أو مستحب ـ وحاصله : أنّ الإخلال بهذا المطلوب النفسيّ لا يوجب إخلالاً بالطبيعة المأمور بها ولا بفردها ، إذ المفروض عدم دخله في شيء منهما لا شطراً ولا شرطاً.

١٦٧

إذا عرفت هذا (١) كله ، فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسياً في (٢) التسمية بأساميها (٣) وكذا (٤) فيما له دخل في تشخصها مطلقا (٥) ، وأمّا ما له الدخل شرطاً (٦) في أصل ماهيتها ،

______________________________________________________

(١) أي : ما ذكرناه من الاعتبارات الخمسة وهي الدخل في الماهية جزءاً وشرطاً ، والدخل في الفرد كذلك ، وعدم الدخل أصلا وهو القسم الخامس.

(٢) متعلق بقوله : «دخل» يعني : لا شبهة في عدم دخل المطلوب النفسيّ الّذي جعل ظرفه العبادات في تسميتها بأساميها ، فإنّ ذلك أجنبي عن المسمى ، لفرض عدم دخل له في العبادة لا جزءاً ولا شرطاً.

(٣) أي : أسامي العبادات.

(٤) يعني : وكذا لا شبهة في عدم الدخل في التسمية بالنسبة إلى ما له دخل في تشخص المأمور به بأن يكون له دخل جزئي أو شرطي في الفرد ، فإنّ انتفاءه لا يوجب انتفاء المسمّى الّذي هو المأمور به ، فظهر من الاعتبارات الخمسة حال ثلاثة أقسام :

أحدها : المطلوب النفسيّ المشروع في المأمور به.

ثانيها وثالثها : جزء الفرد وشرطه ، وقد اتضح حال هذه الأقسام الثلاثة من عبارات المصنف (قده) ولم يكن حاجة إلى إعادتها المنافية للإيجاز.

(٥) يعني : تشخص العبادات مطلقاً سواء أكان ما له الدخل جزءاً أم شرطاً.

(٦) هذا هو القسم الرابع ـ وهو الدخل الشرطي في أصل الماهية ـ ومحصله :

أنّه يمكن أن يقال بعدم دخله في التسمية ، فانتفاؤه لا يوجب انتفاء المسمى وإن قلنا بكون الجزء دخيلا في المسمى ، وأنّ انتفاءه موجب لانتفائه ، ففرق بين جزء الماهية وشرطها بدخل الأوّل في التسمية دون الثاني

١٦٨

فيمكن الذهاب أيضا (١) إلى عدم دخله في التسمية بها (٢) مع الذهاب (٣) إلى دخل ما له الدخل جزءاً فيها (٤) ، فيكون الإخلال بالجزء مُخلا بها (٥) دون الإخلال بالشرط (٦) ، لكنك عرفت (٧) أنّ الصحيح اعتبارهما فيها (٨).

(الحادي عشر) الحق : وقوع الاشتراك (٩)

______________________________________________________

(١) يعني : كشرط الفرد الّذي ليس دخيلا في التسمية.

(٢) أي : بأسامي العبادات.

(٣) نسب إلى الوحيد البهبهاني (قده) ذهابه إلى دخل جزء الماهية في التسمية دون شرط الماهية ، لخروجه عن المسمى ، فهو قائل في أجزاء الماهية بالصحيح وفي الشرائط بالأعم.

(٤) أي : في التسمية.

(٥) أي : بالتسمية.

(٦) فإنّ الإخلال بالشرط ليس إخلالاً بالتسمية.

(٧) يعني : في أدلة القائلين بالصحيح ، حيث إنّه ذكر صحة سلب الصلاة مثلا عن الفاسدة بالإخلال ببعض أجزائها أو شرائطها ، والأخبار المثبتة لبعض الآثار الظاهرة في كون الصحيح هو الجامع للأجزاء والشرائط معاً ، فلاحظ.

(٨) أي : اعتبار الجزء والشرط معاً في التسمية ، لاعتبار كليهما في الصحة ، فمختار المصنف هو : كون ألفاظ العبادات موضوعة لِما هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط الدخيلة في الماهية لا التشخص.

(٩) اعلم : أنّه وقع الخلاف في إمكان الاشتراك اللفظي وعدمه ، فمنهم من ذهب إلى استحالته مطلقاً ، ومنهم من قال بإمكانه كذلك بدون وقوعه ، ومنهم من فصّل بين القرآن وغيره ، فمال إلى الاستحالة فيه دون غيره ، ومنهم من التزم

١٦٩

للنقل (١) والتبادر (٢) وعدم (٣) صحة السلب بالنسبة إلى (٤) معنيين أو أكثر للفظ واحد وإن (٥) أحاله بعض ،

______________________________________________________

بإمكانه ووقوعه مطلقاً في القرآن وغيره ، والمصنف (قده) اختار هذا القول ، واستدل عليه بوجوه.

(١) هذا أوّل الوجوه ، وحاصله : أنّ أهل اللغة نقلوا الاشتراك في جملة من الألفاظ ـ كالقرء ـ للطهر والحيض ، و ـ المولى ـ للسيد والعبد ، و ـ العين ـ للباكية والجارية وغيرهما ، و ـ البيع والشراء ـ لفعل الموجب والقابل ، إلى غير ذلك من الألفاظ المذكورة في الكتب اللغوية ، وكما يكون نقل اللغويين متّبعاً في الألفاظ المتحدة المعاني كذلك في الألفاظ المتعددة المعاني.

(٢) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنّ انسباق المعنيين أو المعاني إلى الذهن يدلّ على وضع اللفظ لهما أو لها وإن لم يتعين المراد إلّا بالقرينة.

(٣) هذا ثالث الوجوه ، تقريبه : أنّه لا يصح سلب المعنيين أو المعاني عن اللفظ ، فلا يصح أن يقال : «الذهب والفضة ليسا بعين» ، أو «الطهر والحيض ليسا بقُرء» إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا يصح سلبها عن المعنيين أو المعاني ، وكذا يتبادر منها المعاني المتعددة ، ومن المعلوم : أنّ كُلًّا من التبادر وعدم صحة السلب علامة الحقيقة.

(٤) الجار متعلق بكل من التبادر وعدم صحة السلب معاً ، بل لا يبعد تعلقه بالنقل أيضا ، يعني : أنّ كلا من النقل والتبادر وعدم صحة السلب حاصل في معنيين أو أكثر.

(٥) كلمة ـ إن ـ وصلية ، ولم أظفر بمن أحاله ، وليس المراد بالاستحالة هي الاستحالة الذاتيّة كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، بل المراد بها الاستحالة العرضية المانعة عن الإمكان الوقوعي ، كما يظهر من دليل الاستحالة الآتي.

١٧٠

لإخلاله (١) بالتفهم المقصود من الوضع ، لخفاء القرائن (٢) ، لمنع (٣) الإخلال أوّلاً ، لإمكان الاتّكال على القرائن الواضحة ، ومنع كونه (٤) مخلاً بالحكمة ثانياً

______________________________________________________

(١) تعليل للقول باستحالة الاشتراك ، وحاصله : أنّ الاشتراك ينافي حكمة الوضع وهي التفهيم وإبراز ما في الضمائر ، وذلك لأنّ الاشتراك يوجب إجمال المعنى المقصود للمتكلم وعدم دلالة اللفظ عليه ، لأنّ نسبة الوضع إلى كل من المعنيين أو المعاني على حد سواء ، فتبطل حكمة الوضع ، فمنافاة الاشتراك لحكمة الوضع توجب عدم إمكانه الوقوعي الّذي أُريد بالاستحالة.

(٢)تعليل للإخلال بالتفهم،يعني :أنّ الاشتراك مخلّ بالتفهم ،لخفاء قرائن المراد (*).

(٣) غرضه : ردّ إخلال الاشتراك بالتفهم الّذي هو دليل من ذهب إلى الاستحالة ، وسوق العبارة يقتضي أن تكون هكذا : «لكنه فاسد لمنع الإخلال أولا ... إلخ» ، وكيف كان فحاصل ما أفاده في ردّ الدليل على استحالة الاشتراك وجهان : أحدهما : إمكان الاتكال في تفهيم المعنى الّذي أراده على القرائن الواضحة الدلالة ، فلا يلزم منافاة لحكمة الوضع.

(٤) أي : كون الاشتراك ، وهذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : منع منافاته لحكمة الوضع ، إذ لم يثبت انحصار حكمته في التفهيم ، لإمكان تعلق الغرض أحياناً بالإجمال وعدم نصب دلالة على المراد ، فيمكن أن تكون حكمة الوضع هي جعل مقتضى الدلالة للفظ على المعنى المراد ، لا الدلالة الفعلية غير المنفكة عن اللفظ ليكون

__________________

(*) هذا التعليل أخص من المدعى ، لاختصاصه بصورة خفاء القرائن ، فلا يصلح لأن يكون دليلاً على منع الاشتراك مطلقاً ولو فيما إذا كانت قرائن المراد جليّة بحيث كانت دلالتها على المقصود واضحة.

١٧١

لتعلق الغرض بالإجمال أحياناً ، كما أنّ استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم (١) ، لأجل (٢) لزوم التطويل بلا طائل مع الاتكال على القرائن ، والإجمال في المقال لو لا الاتكال عليها (٣) ، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه كما لا يخفى ، وذلك (٤) لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتى

______________________________________________________

الاشتراك منافياً لها ، فحينئذٍ إذا تعلق الغرض بالدلالة الفعلية فلا محالة تنصب قرينة واضحة الدلالة على المراد ، وإلّا فلا.

(١) هذا أحد الأقوال المتقدمة في صدر البحث ، وحاصله : التفصيل بين القرآن وغيره باستحالته في الأوّل دون الثاني ، وجعل العنوان الاستعمال دون الوضع ، لأنّ الغرض من الوضع الاستعمال ، فاستحالته دليل إنّي على استحالة الوضع.

(٢) هذا برهان استحالة الاشتراك في القرآن ، وحاصله : لزوم التطويل بلا طائل أو الإجمال ، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى ، توضيحه : أنّه مع الاتّكال على القرائن يلزم التطويل بلا طائل ، إذ المفروض إمكان التفهيم بلفظ متحد معناه ، فلا وجه لاستعمال المشترك ، لأنّه حين استعماله ان اعتمد في تعيين المراد على القرائن الدالة عليه لزم التطويل غير المحتاج إليه ، وإن لم يعتمد عليها في تعيين المراد لزم الإجمال ، وكلا الأمرين غير لائق بكلامه جلّ وعلا ، فهذان المحذوران أوجبا امتناع الاشتراك في القرآن.

(٣) أي : على القرائن.

(٤) أي : وعدم محاليته ، ولا يخفى أنّ المصنف (قده) تصدّى لردّ كلا الوجهين : (أمّا لزوم التطويل بلا طائل) فبإمكان أن يكون نصب القرينة لغرض آخر غير تعيين المراد من المشترك ، لكن كانت تلك القرينة دالة بالدلالة الالتزامية

١٧٢

به لغرض آخر (١) ، ومنع (٢) كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه (٣) مما يتعلق به الغرض ، وإلّا (٤) لما وقع المشتبه في كلامه ، وقد أخبر في كتابه الكريم بوقوعه فيه (٥) قال الله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) وربما توهم (٦) وجوب وقوع الاشتراك في اللغات لأجل عدم تناهي

______________________________________________________

على المعنى المراد من اللفظ المشترك ، فلا يلزم التطويل بلا طائل (*). (وأمّا الإجمال) فبمنع كونه غير لائق بكلامه تعالى ، لإمكان تعلق الغرض بالإجمال وعدم البيان كما في الآيات المتشابهات.

(١) غير تعيين المراد.

(٢) معطوف على قوله : «عدم لزوم التطويل» وهو الوجه الثاني ، وقد عرفت تقريبه.

(٣) أي : الإجمال.

(٤) أي : وان لم يكن الإجمال لائقاً بكلامه تعالى لما وقع اللفظ المشتبه المراد في كلامه جلّ شأنه ، ومن المعلوم : أنّ وقوع الشيء أدلّ دليل على إمكانه ، ومعه لا وجه للامتناع الّذي ادعاه الخصم.

(٥) أي : في كتابه الكريم.

(٦) إشارة إلى قول آخر في الاشتراك ، وحاصله : وجوب الاشتراك في اللغات في مقابل القول بامتناعه ، ومحصل وجه وجوبه مركّب من مقدمتين :

إحداهما : تناهي الألفاظ ، لتركُّبها من الحروف الهجائية المتناهية ، والمركب من المتناهي متناهٍ.

__________________

(*) بل قد يقتضي المقام التطويل كما إذا كان الكلام مع الحبيب ، فلزوم التطويل أعم من المدعى.

١٧٣

المعاني وتناهي الألفاظ المركبات (١) ، فلا بدّ (٢) من الاشتراك فيها (٣) ، وهو (٤) فاسد ، لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني (٥) ،

______________________________________________________

ثانيتهما : أنّ المعاني غير متناهية ، ومن المعلوم : عدم وفاء المتناهي بغير المتناهي ، فلا بدّ من الاشتراك في الألفاظ (*) حتى تكون الألفاظ وافية بالمعاني.

(١) أي : الألفاظ المركّبة من الحروف الهجائية.

(٢) هذه نتيجة دعوى تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني.

(٣) أي : في الألفاظ.

(٤) يعني : وتوهُّم وجوب الاشتراك في اللغات فاسد ، ثم إنّ ما يستفاد من العبارة في رد هذا القول وجوه :

أحدها : ما أشار إليه بقوله : «لوضوح» وحاصله : أنّ اشتراك الألفاظ في المعاني غير المتناهية يستدعي أوضاعاً غير متناهية أيضا ، بداهة احتياج كل معنى من المعاني إلى وضع مختص به ، فإذا كانت المعاني غير متناهية كانت الأوضاع غير متناهية أيضا ، وحيث إنّ الأوضاع متناهية ، لوقوعها في زمان متناهٍ ، والواقع في زمان متناهٍ متناهٍ أيضا ، فالمعاني أيضا متناهية ، فلا حاجة إلى الاشتراك في ألفاظها.

(٥) أي : المعاني غير المتناهية.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الاشتراك لا يدفع محذور عدم وفاء المتناهي بغير المتناهي ، لأنّ وضع لفظ واحد لمعانٍ متعددة لا يوجب تناهي المعاني لتفي بها الألفاظ ، إلّا أن يقال : إنّ المراد تناهي المعاني التي تمس الحاجة إلى استعمال الألفاظ فيها ، لكن لا نحتاج حينئذٍ إلى الاشتراك اللفظي ، لوفاء الألفاظ المركبة بأنحاء التراكيب من الحروف الهجائية بالمعاني المحتاجة إلى إفهامها ، لصيرورة المعاني حينئذٍ متناهية ، فلا داعي إلى الاشتراك أصلا.

١٧٤

لاستدعائه (١) الأوضاع الغير المتناهية ، ولو سُلِّم (٢) لم يكد يُجدي (٣) إلّا في مقدار متناهٍ ، مضافاً (٤) إلى تناهي المعاني الكلية ، وجزئياتها (٥) وان كانت غير متناهية إلّا أنّ وضع الألفاظ بإزاء كليّاتها يغني عن وضع لفظ بإزائها (٦)

______________________________________________________

(١) أي : استدعاء الاشتراك اللفظي.

(٢) هذا ثاني الوجوه يعني : لو سُلِّم إمكان الاشتراك حينئذٍ بدعوى أنّ الواضع هو الله تعالى ، فنقول : لا يُجدي وضع الألفاظ للمعاني غير المتناهية ، لأنّ مقدار الحاجة في مقام الاستعمال هو المقدار المتناهي من المعاني ، ضرورة كون الاستعمالات ـ لصدورها عن البشر غير القادر إلّا على استعمال متناهٍ ـ متناهية ، فلا بد أن تكون المعاني التي تستعمل فيها الألفاظ بحسب الأوضاع متناهية أيضا ، فيصير الوضع في الزائد على المتناهي لغواً ، وحينئذٍ فإن كان الواضع هو الله تعالى امتنع عليه الوضع في هذا الزائد ، وإن كان غيره عدّ خارجاً عن طريقة العقلاء وقبيحاً عندهم ، إذ لا يترتب على الوضع للزائد على المتناهي غرض التفهيم والتفهم ، فيكون منافياً لحكمة الوضع.

(٣) يعني : لم يكد يُجدي إمكان الاشتراك في المعاني غير المتناهية إلّا في مقدارها المتناهي كما عرفت آنفاً.

(٤) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنّ المعاني الجزئية وإن كانت غير متناهية ، لكنها لا تقتضي الأوضاع غير المتناهية ، لإغناء الوضع للمعاني الكلية المتناهية عن الوضع للمعاني الجزئية غير المتناهية ، فلا داعي إلى وجوب الاشتراك.

(٥) أي : وجزئيات المعاني.

(٦) أي : بإزاء الجزئيات ، لشيوع استعمال اللفظ الموضوع للكلي في أفراده.

١٧٥

كما لا يخفى ، مع (١) أنّ المجاز باب واسع ، فافهم (٢).

(الثاني عشر) : أنّه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى (٣) على سبيل الانفراد والاستقلال بأن يراد منه كل واحد (٤) كما إذا لم يستعمل

______________________________________________________

(١) هذا رابع الوجوه ، وحاصله : أنّ باب التفهيم والتفهم ليس منحصراً بالاستعمال الحقيقي ، بل يمكن إفهام المعاني بالاستعمال المجازي ، لكون المجاز واسعاً ، فلا موجب لوجوب الاشتراك في الألفاظ.

(٢) لعلّه إشارة إلى عدم العلاقة أو المناسبة المصحِّحة للاستعمال المجازي في جميع المعاني ، فلا يُغني المجاز عن الاشتراك. أو إلى : أنّ الألفاظ ـ نظراً إلى إمكان تركيبها بهيئات مختلفة ـ تصير غير متناهية ، فلا حاجة إلى الاشتراك بعد كون الألفاظ كالمعاني غير متناهية.

(٣) لَمّا كان هذا البحث جارياً في المتعدد من المعنى مطلقاً ـ سواء أكان الجميع حقيقياً أم مجازياً أم مختلفاً ـ كان عنوان المتن أولى من سائر العناوين المذكورة في كتب القوم ، لاختصاصها بالمعاني الحقيقية ، بخلاف عنوان المتن ، لكونه شاملا للمعاني المجازية أيضا.

(٤) هذا تفسير الاستقلال ، وحاصله أن يكون اللفظ قالباً لكل من المعنيين أو المعاني كما يكون قالباً للواحد إذا استعمل فيه فقط ، فلا يكون من استعمال اللفظ في أكثر من معنى إذا استعمل في مجموع المعنيين أو المعاني بحيث يكون كل منهما أو منها جزء المستعمل فيه ، نظير العام المجموعي ، بل المبحوث عنه في المقام هو كون اللفظ قالباً لكل منهما أو منها بأن يكون كل منهما أو منها مدلولاً مطابقياً للفظ نظير العام الاستغراقي.

١٧٦

إلّا فيه (١) على أقوال (٢) أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا (٣) ، وبيانه (٤) : أنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل

______________________________________________________

(١) أي : في كل واحد فقط بأن لم يكن اللفظ مستعملا إلّا فيه.

(٢) متعلق بقوله : «اختلفوا» ولا بأس قبل شرح مختار المصنف (قده) بالتعرض لصور استعمال اللفظ في أكثر من معنى حتى يظهر ما هو محل النزاع بينهم ، فنقول وبه نستعين : إنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى يتصور على وجوه :

أحدها : استعماله في الجامع بين المعنيين أو المعاني ، بحيث يكون كل منهما أو منها فرداً لذلك الجامع ، كاستعمال صيغة الأمر في جامع الطلب الّذي يكون كل من الطلب الوجوبيّ والندبي فرداً له.

ثانيها : استعماله في مجموع المعنيين أو المعاني ، بحيث يعد كل منهما أو منها جزءاً للمستعمل فيه كالعام المجموعي.

ثالثها : استعماله في واحد منهما أو منها لا بعينه ، بحيث يكون المعنى الفرد المردّد بين المعنيين أو المعاني كما في النكرة رابعها : استعماله في كل واحد منهما أو منها على نحو الاستقلال ، كما عرفت آنفاً في شرح كلام المصنف (قده) ، وهذا هو مورد البحث والنزاع بين الأُصوليين كما عن الفصول وغيره. أمّا الأوّل والثالث ، فهما خارجان عنه ، وليسا من استعمال اللفظ في أكثر من معنى بل في معنى واحد. وأمّا الثاني ، فهو خارج عنه أيضا ، ولا نزاع في جوازه في الجملة كما في الفصول ، فتأمّل.

(٣) مطلقاً من غير فرق في ذلك بين المفرد والتثنية والجمع كما سيظهر.

(٤) يعني : وبيان عدم جواز الاستعمال في أكثر من معنى عقلاً منوط بتقديم مقدمة ، وهي : أنّ حقيقة الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ فانياً في المعنى

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعنواناً له بحيث يعد اللفظ وجوداً لفظياً للمعنى في مقابل سائر وجوداته من الكتبي والعيني والذهني.

وبالجملة : فالاستعمال إيجاد المعنى بالوجود اللفظي بحيث يعدّ المعنى هو الملقى إلى المخاطب واللفظ مرآتاً له ، حيث إنّ الاستعمال منوط بتصور كل من اللفظ والمعنى ، فالوجود الذهني متحقق للمعنى قبل الاستعمال ، ومن المعلوم : أنّه يترتب على استعمال اللفظ فيه غير وجوده الذهني ، ولا يكون ذلك إلّا وجوده اللفظي ، بداهة عدم صلاحية الاستعمال لإيجاد المعنى تكويناً في الخارج ، ولا كتباً ، فليس حقيقة الاستعمال إلّا إيجاد المعنى باللفظ (*) وليس حقيقته كون اللفظ علامة للمعنى بأن يريد المتكلم المعنى من غير ناحية اللفظ ، ثم جعل اللفظ علامة على إرادته بحيث عدّ اللفظ قرينة على المراد.

__________________

(*) يمكن الاستدلال على كون حقيقة الاستعمال فناء اللفظ في المعنى بوجوه :

أحدها : أنّ الوجود اللفظي من أنحاء الوجود ، وحينئذٍ فإن كان الاستعمال فناء اللفظ في المعنى الموجب لصيرورته وجوداً لفظياً له تحقق للمعنى وجودٌ لفظي ، ولا إشكال في ذلك ، لكون اللفظ حينئذٍ هو المعنى ، فتتحقق الهوهوية الاعتبارية الموجبة لصيرورة اللفظ وجوداً لفظياً للمعنى. وإن كان الاستعمال جعل اللفظ علامة للمعنى فلا يتحقق له ذلك ، لأنّ الهوهوية الاعتبارية الموجبة لكون اللفظ وجوداً لفظياً للمعنى لا تتحقق حينئذٍ ، لعدم الاتحاد بين العلامة وذيها.

ثانيها : أنّه لا شك في أنّ المتكلم يلقي المعاني التي يريد بيانها بالألفاظ ، وإلقاؤها بها يتوقف على الاتحاد والهوهوية بينهما ، إذ ليس إلقاء أحد الأجنبيين إلقاءً للآخر ، وهذه الهوهوية منوطة بكون الاستعمال فناء اللفظ في المعنى ، إذ لو كان

١٧٨

جعله وجهاً وعنواناً له ، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى ، ولذا (١) يسري إليه قُبحه وحُسنه كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك (٢)

______________________________________________________

(١) أي : ولكون اللفظ وجه المعنى بل نفسه بوجه يسري إليه حُسن المعنى وقبحه.

(٢) أي : وجهاً وعنواناً للمعنى ، وحاصل استدلاله على عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى بعد بيان المقدمة المتكفلة لحقيقة الاستعمال هو : أنّ لحاظ اللفظ وجهاً للمعنى وفانياً فيه ينافي لحاظه وجهاً لمعنى آخر ، بل ليس ذلك إلّا جمعاً بين المتضادين ، لأنّ فناء لفظ واحد في معنى كذلك ينافي فناءه في معنى آخر مع فرض وحدة اللحاظ ، فإنّ اللفظ الواحد كقلنسوة واحدة ، فكما لا يمكن جعلها في آنٍ واحد على رأسين بحيث تكون محيطة بتمام كل منهما ، فكذلك لا يمكن جعل لفظ واحد في آنٍ واحد فانياً في اثنين ووجوداً ووجهاً لهما معاً ، فالمتحصل من هذا البيان : امتناع استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى (*).

__________________

علامة يكون كل منهما أجنبياً عن الآخر ، وقد عرفت عدم كون إلقاء أحد الأجنبيين إلقاءً للآخر.

ثالثها : أنّ المناسب للوضع الخارجي المقولي الّذي هو هيئة تعرض الجسم باعتبار نسبتين أن يكون الوضع الاعتباري الإنشائيّ جعل الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى ، لأنّ الهيئة الاعتبارية لا تحصل إلّا بهذا الاتحاد ، ولا يحصل هذا الاتحاد إلّا بفناء اللفظ في المعنى ، فلا تحصل تلك الهيئة بجعل اللفظ علامة له ، إذ التغاير بينهما مانع عن حصولها ، فتدبر

(*) لا يخفى أنّه يترتب على هذا البيان أمور :

الأوّل : لزوم تبديل عنوان البحث بـ «استعمال اللفظ في أكثر من معنى

١٧٩

إلّا لمعنى واحد ، ضرورة (١) أنّ لحاظه هكذا (٢) في إرادة معنى ينافي لحاظه (٣)

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «ولا يكاد يمكن».

(٢) أي : لحاظ اللفظ وجهاً وعنواناً ، وحاصله : اجتماع اللحاظين المتضادين كما مر تقريبه آنفاً.

(٣) أي : لحاظ اللفظ.

__________________

حقيقي» إذ الاستعمال بالمعنى المذكور لا يتأتّى في غير المعنى الحقيقي ، لعدم صلاحية اللفظ لأن يكون فانياً في غيره ، لكون الصلاحية ناشئة عن الوضع ، ولا وضع في غير المعنى الحقيقي.

الثاني : كون مورد النزاع هو المعاني الإفرادية دون التركيبية لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الإفرادية ، وتستفاد المعاني الجملية من ضمّ المفردات بعضها إلى بعض.

الثالث : عدم تصور المجاز في الكلمة ، لأنّه بعد العلم بالوضع لا ينسبق من اللفظ إلّا المعنى الموضوع له ، ولا يمكن سلب هذا الانسباق عنه ، فلا بد من إنكار المجاز في الكلمة الّذي هو صيرورة اللفظ وجهاً للمعنى وفانياً فيه كفنائه في المعنى الحقيقي ، والالتزام بكون القرائن معيِّنة للمراد ، لا صارفة للفظ عن معناه الحقيقي كما هو المقصود من قرينة المجاز في الكلمة. ويمكن الاستئناس لذلك أيضا بظاهر هيئة الاستعمال ، لأنّها تناسب جعل اللفظ فانياً في المعنى ، إذ مقتضاها جعل اللفظ عاملاً في المعنى ، فإن كان الاستعمال فناء اللفظ فيه ، فلا إشكال حينئذٍ في تحقق عمل من اللفظ في المعنى ، لكونه موجداً له وجوداً لفظياً ، وان كان أمارية اللفظ على المعنى فلا يتحقق عمل من اللفظ فيه إذ مجرد كونه علامة ليس عملاً في المعنى ، فتأمل.

١٨٠