منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

فكما لا يضر في التسمية فيها (١) تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ونقص بعض الأجزاء وزيادته كذلك فيها (٢). وفيه : أنّ الأعلام إنّما تكون موضوعة للأشخاص (٣) ، والتشخص إنّما يكون بالوجود الخاصّ ، ويكون الشخص حقيقة

______________________________________________________

(١) أي : في الأعلام الشخصية.

(٢) يعني : كذلك لا يضرّ تبادل الحالات بالتسمية في العبادات.

(٣) حاصله : أنّ قياس وضع ألفاظ العبادات بوضع الأعلام الشخصية قياس مع الفارق ، وذلك لأنّ الموضوع له في العلم الشخصي ـ كزيد ـ مثلا هو الحصة الخاصة من الطبيعة المتشخصة بوجودها الخاصّ ، فما دام هذا الوجود الخاصّ باقياً يصدق عليه ـ زيد ـ وإن تغيرت العوارض الطارئة عليه من حيث الكم كالصغر والكبر ، أو الكيف كالبياض ونحوهما ، أو الأين مثل كونه في مكان كذا ، أو الوضع إلى غير ذلك ، لأنّ هذه العوارض إنّما تطرأ على وجود واحد ، وهي أمارات التشخص وليست نفسه ، فكما لا يضرّ طروُّ هذه العوارض واختلافها بتشخصه ، لخروجها عن المسمى والموضوع له ، كذلك لا يضرّ بالتسمية. وهذا بخلاف ألفاظ العبادات ، فإنّها موضوعة لنفس المركبات المؤلّفة من الأشياء المختلفة كمّاً وكيفاً بحسب اختلاف حالات المكلف ، فإنّك لا تجد ما يكون جامعاً بين جميع الأفراد الصحيحة المختلفة زيادة ونقصاً ، فضلا عن أن يكون جامعاً بين الأفراد الصحيحة والفاسدة. ففرق واضح بين الأعلام الشخصية وبين ألفاظ العبادات ، فإنّ الأعلام وُضعت للوجود الخاصّ المحفوظ بين العوارض ، ولذا لا يختلف المسمى بتبدل الحالات. وألفاظ العبادات وضعت للمركبات ، ولا جامع بينها ، إذ لا أثر للفاسد حتى يستكشف منه الجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة.

١٢١

باقياً ما دام وجوده باقياً وان تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات ، فكما لا يضرّ اختلافها في التشخص لا يضرّ اختلافها في التسمية. وهذا (١) بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ، ولا يكاد يكون موضوعاً له (٢) إلّا ما كان جامعاً لشتاتها وحاوياً لمتفرقاتها ، كما عرفت في الصحيح منها (٣).

(رابعها) (٤) : أنّ ما وضعت له الألفاظ ابتداءً هو الصحيح التام الواجد

______________________________________________________

(١) هذا بيان الفارق بين المقيس والمقيس عليه ، وقد مرت تقريبه عند شرح قول المصنف ـ قده ـ ـ : «وفيه ان الاعلام».

(٢) يعني : ولا يكاد يكون شيء موضوعاً له إلّا ما كان جامعاً لشتات الأفراد لينطبق عليها انطباق الكلي على مصاديقه.

(٣) يعني : في التصوير المذكور بين الأفراد الصحيحة المستكشف بقاعدة وحدة الأثر.

(٤) محصل هذا الوجه : أنّ ألفاظ العبادات وضعت ابتداءً للمعاني الصحيحة التامة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط ، لكن العرف ـ لبنائهم على المسامحة في استعمال الألفاظ ـ أطلقوا تلك الألفاظ على المعاني الناقصة الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط تنزيلاً لها منزلة الواجد له ، بمعنى ادّعائهم أنّ الموضوع له معنى جامع بين الواجد والفاقد كما هو ديدنهم في سائر الموارد ، ولأجل هذا التنزيل والادّعاء لا يكون إطلاقهم هذا من المجاز في الكلمة ـ وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له بأن يكون من باب تسمية الجزء باسم الكل ـ ، بل هو حقيقة ادّعائيّة ، بمعنى استعمال للفظ في معناه الحقيقي ادعاءً ، والمجاز إنّما هو في الإسناد فقط ، كما هو مذهب السكاكي في باب الاستعارة ، حيث أنكر كون المجاز فيها في الكلمة وادعى

١٢٢

لتمام الأجزاء والشرائط ، إلّا أنّ العرف يتسامحون كما هو ديدنهم ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلاً له منزلة الواجد ، فلا يكون مجازاً في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة ، بل يمكن (١) دعوى صيرورته حقيقة فيه (٢) بعد الاستعمال فيه كذلك (٣) دفعة أو دفعات من (٤) دون حاجة إلى الكثرة والشهرة ، للأُنس (٥) الحاصل من جهة المشابهة في الصورة ، أو

______________________________________________________

الحقيقة فيها ، وأنّ المجاز يكون في الإسناد بتقريب : أنّ الموضوع له معنى جامع للواجد والفاقد ، فلفظ الصلاة مثلا وضع أوّلاً لمركب ذي عشرة أجزاء ، لكن العرف أطلقوه مسامحة على الناقص عنها بجزء أو جزءين مثلا تنزيلا له منزلة الواجد بمعنى أنّهم ادّعوا أنّ الموضوع له هو الجامع بين التام والناقص. وهذا نظير أسامي المعاجين الموضوعة بإزاء الواجد لتمام ما له دخل فيها ثم تطلق عرفاً على فاقد بعض الأجزاء مسامحة تنزيلا له منزلة الواجد.

(١) غرضه : الترقي من كونها حقائق ادعائية في فاقد بعض الأجزاء والشرائط على مذهب السكاكي إلى كونها حقائق اصطلاحية فيه بنحو الوضع التعيني بسبب الأُنس الحاصل من المشابهة في الصورة والأثر الموجب لانسباق الفاقد إلى الذهن كانسباق الواجد.

(٢) أي : صيرورة إطلاق تلك الألفاظ على الفاقد حقيقة في الفاقد.

(٣) يعني : بعد الاستعمال في الفاقد تنزيلاً له منزلة الواجد.

(٤) متعلق بقوله : «صيرورته».

(٥) تعليل لعدم الحاجة إلى الكثرة والشهرة ، يعني : أنّ الأنس الحاصل في الوضع التعييني بسبب كثرة الاستعمال يحصل هنا بمجرد المشابهة في الصورة أو المشاركة في الأثر.

١٢٣

المشاركة في التأثير ، كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداءً لخصوص مركبات واجدة لأجزاء خاصة ، حيث يصح إطلاقها (١) على الفاقد لبعض الأجزاء المشابه (٢) له (٣) صورة ، والمشارك في المهم أثراً تنزيلا (٤) أو حقيقة (٥).

وفيه (٦) : أنّه إنّما يتم في مثل أسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية

______________________________________________________

(١) أي : إطلاق أسامي المعاجين ثانياً.

(٢) نعت ل ـ الفاقد ـ.

(٣) الضمير يرجع إلى ـ التام ـ المفهوم من العبارة ، فمرجعه حكمي ، وإلا فالصواب تأنيث الضمير لرجوعه إلى ـ مركبات ـ فلاحظ.

(٤) قيد لإطلاقها في قوله : «حيث يصح إطلاقها» وهو ناظر إلى الحقيقة الادعائية.

(٥) هذا ناظر إلى الحقيقة التعينية الحاصلة هنا بكثرة الاستعمال كما مر.

(٦) ملخصه : أنّ هذا أيضا قياس مع الفارق ، حيث إنّ أسماء المركبات الخارجية ـ كالمعاجين ـ إنّما وُضعت لخصوص التام المشتمل على جميع ما له دخل فيه من الأجزاء ، ثم أطلقت على غير التام ، للاشتراك في الأثر ، أو المشابهة في الصورة ، فالصحيح بنحو الإطلاق موجود في المركبات الخارجية ، وهو الموضوع له فيها ، وهذا بخلاف العبادات التي هي مركبات اعتبارية ، إذ لا يفرض فيها صحيح على الإطلاق ، بل هو مختلف بحسب اختلاف حالات المكلف من الحضر والسفر والقدرة والعجز وغيرها ، فالصلاة ذات الأربع ركعات صحيحة في حق الحاضر وفاسدة في حق المسافر ، والصلاة عن جلوس صحيحة في حق العاجز عن القيام وفاسدة في حق القادر عليه وهكذا ، فليس في العبادات ما يكون صحيحاً مطلقاً وفي جميع حالات المكلف ليكون هو الموضوع له أولا حتى ينسب إليه غيره مما هو

١٢٤

مما يكون الموضوع له فيها ابتداءً مركباً خاصاً ، ولا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أنّ الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات ، وكون الصحيح بحسب حالة فاسداً بحسب حالة أُخرى (١) كما لا يخفى ، فتأمّل جيّداً (٢).

(خامسها) (٣) : أن يكون حالها حال أسامي المقادير والأوزان ، مثل

______________________________________________________

دونه من المراتب النازلة. والحاصل : أنّه لا يعلم الصحيح الّذي وضع له اللفظ أوّلاً لينسب إليه غيره من المراتب المختلفة بحسب اختلاف الحالات والعوارض.

(١) كصلاة الحاضر على ما مرّ آنفاً ، فإنّها صحيحة بالنسبة إليه وفاسدة بالنسبة إلى المسافر.

(٢) لعله إشارة إلى : أنّه ـ بناءً على استعمال ألفاظ العبادات في فاقد بعض الأجزاء والشرائط على وجه الحقيقة التعينية ـ يلزم الاشتراك اللفظي ، إذ المفروض عدم مهجورية المعنى الحقيقي الأوّلي ، ولازم الاشتراك مع فرض عدم القرينة الإجمال المنافي لإطلاق الخطاب ، وهو خلاف مقصود الأعمي من التمسك بالإطلاق لرفع الشك في الجزئية أو الشرطية ، كما سيأتي في بيان ثمرة النزاع.

(٣) محصل هذا الوجه هو : أنّ الموضوع له في ألفاظ العبادات كالموضوع له في أسامي المقادير والأوزان ، فكما أنّ الموضوع له فيها هو الجامع بين الزائد والناقص ، حيث إنّ الواضع وإن لاحظ حين الوضع مقدارا خاصا لتحديد الكر ـ كألف ومائتي رطل عراقي ـ لكن لم يضع لفظ الكر بإزاء خصوص هذا المقدار ، بل وضعه للجامع بينه وبين الزائد والناقص في الجملة ، وكذا الوزنة والحقة والمثقال والرطل وغيرها من أسامي الأوزان ، فكذلك الموضوع له في ألفاظ العبادات ، فإنّ الشارع وإن لاحظ جميع الأجزاء والشرائط ، لكنه لم يضع لفظ الصلاة مثلا بإزائها بالخصوص ، بل وضعها بإزاء الجامع بينها

١٢٥

المثقال والحقة والوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة ، فإنّ الواضع وإن لاحظ مقدارا خاصا ، إلا أنّه لم يضع له بخصوصه ، بل للأعم منه ومن الزائد والناقص ، أو أنّه (١) وإن خص به (٢) أوّلا ، إلّا أنّه بالاستعمال كثيرا فيهما (٣) بعناية أنّهما منه (٤) قد صار حقيقة في الأعم ثانيا (٥). وفيه (٦) : أنّ الصحيح ـ كما عرفت في الوجه السابق ـ يختلف

______________________________________________________

وبين الناقص في الجملة ، فيكون اللفظ حقيقة في التام والزائد والناقص في الجملة ، فلا يكون إطلاق اللفظ على الزائد والناقص مجازا.

(١) معطوف على ـ أنّه ـ من قوله : «إلّا أنّه» وحاصله : أنّه وإن قلنا بوضع اللفظ أوّلا بإزاء خصوص المقدار الّذي لاحظه الواضع ، لا بإزاء الجامع بينه وبين الزائد والناقص في الجملة ، لكنه لسبب كثرة الاستعمال في الزائد والناقص صار اللفظ حقيقة في الأعم (*).

(٢) أي : بالمقدار الخاصّ الّذي لاحظ الواضع في مقام الوضع.

(٣) أي : في الزائد والناقص.

(٤) أي : بعناية أنّ الزائد والناقص من ذلك المقدار الخاصّ ، وغرضه تنزيلهما منزلة المعنى الحقيقي.

(٥) لكون الوضع التعيني للأعم الحاصل بكثرة الاستعمال متأخرا عن المعنى الأولي ، فيكون معنى ثانويا له.

(٦) هذا الإشكال هو الإشكال المتقدم في الوجه الرابع ، وحاصله : أنّ

__________________

(*) الفرق بين هذا الوضع التعيني وبين الوضع التعيني في الوجه المتقدم هو : أنّ الوضع التعيني في الوجه السابق ناشٍ من الأُنس ، وفي هذا الوجه ناشٍ من كثرة الاستعمال ، لكنه ليس بفارق في الآثار المترتبة على الوضع التعيني.

١٢٦

زيادة ونقيصة ، فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس إليه كي يوضع

______________________________________________________

قياس ألفاظ العبادات بألفاظ المقادير والأوزان قياس مع الفارق أيضا ، لمعلومية التام في المقادير الّذي يلاحظ حين الوضع ويوضع اللفظ بإزائه بالخصوص ، أو يوضع اللفظ أوّلا للجامع بين التام والزائد والناقص ، ثم بكثرة الاستعمال في الزائد والناقص يصير المعنى الحقيقي أعم منهما ، وهذا بخلاف الصحيح في العبادات ، فإنّه غير ثابت ، لاختلافه باختلاف حالات المكلف ، كما مر مفصلا.

فليس في العبادات تام في جميع الحالات حتى يضاف إليه الزائد والناقص ، فيوضع اللفظ للأعم أو لخصوص ذلك الصحيح ، ثم يصير اللفظ بكثرة الاستعمال في الأعم حقيقة فيه (*).

__________________

(*) لا يخفى أنّه حينئذٍ يصير مشتركا لفظيا ، لفرض عدم مهجورية المعنى الحقيقي الأوّل ، وبدون القرينة المعينة للمراد يصير اللفظ مجملا ، وهذا ينافى غرض الأعمّي من التمسك بإطلاق الخطاب لدفع الشك في الجزئية والشرطية كما لا يخفى. ثم إنّ الحق عدم وضع أسماء الأوزان والمقادير للأعم أوّلا أو ثانيا ، بل ليس الموضوع له إلّا خصوص المقدار الملحوظ حال الوضع ، والاستعمال في الناقص يكون تنزيلا وعناية ، ولذا لا يُعامِل الفقهاء مع أسماء الأوزان المأخوذة موضوعا في الخطابات الشرعية معاملة وضعها للكم الخاصّ الملحوظ حين الوضع ، سواء أاستعملت في الزائد أو الناقص أم لم تستعمل ، بل يعاملون معها معاملة وضعها للمقدار الخاصّ المحروس عن الزيادة والنقصان ، وإطلاق العرف لتلك الألفاظ على الناقص قليلا من باب المسامحة في التطبيق لا في المفهوم ، والأوّل ليس بحجة قطعا كما هو ظاهر بأقل تأمل. ثم إنّ هنا تصويرات أُخر للجامع ، لكنها غير خالية عن المناقشات ، فراجع الكتب المبسوطة. والحق أن يقال : بناء

١٢٧

اللفظ لما هو الأعم ، فتدبر جيدا

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

على ثبوت الحقيقة الشرعية للماهيات المخترعة ـ أنّ الموضوع له هو خصوص التام الأجزاء والشرائط للقادر المختار ، وغير التام بدل عنه ، وإطلاق لفظ ـ الصلاة ـ عليه مبني على عناية ، ولازم ذلك تعدد الوضع فيه ، لاختلاف الصحيح المجعول للمختار ، فصلاة المغرب والصبح غير الرباعيات ، وكلُّها وظيفته.

فدعوى وضعها لصلاة الصبح تارة ، وللمغرب أُخرى ، وللرباعيات ثالثة غير بعيدة ولا دليل على منعها. وأمّا سائر الصلوات المختلفة بحسب حالات المكلف ـ حتى السفر ـ فاستعمال لفظ الصلاة فيها كان مجازا ، غايته أنّه بكثرة الاستعمال صار حقيقة ثانوية ، وهي غير وضع الشارع الّذي هو المبحوث عنه.

فان قلت : كيف يمكن وضع اللفظ للصحيح المشتمل على جميع الأجزاء والشرائط مع تأخر بعض شرائطها عن مقام التسمية برتبتين ، كقصد القربة لترتبه على الأمر المتأخر عن متعلقه الّذي هو المسمى ، وكالشروط الناشئة عن التزاحم ، لتأخرها عن تنجز التكليف ، فيمتنع وضع ألفاظ العبادات للصحيح الواجد لجميع الأجزاء والشرائط.

قلت : إمكان الوضع للصحيح بهذا المعنى في غاية الوضوح ، ضرورة أنّه يكفي في مقام التسمية تصور المعنى فقط ، ولا ريب في إمكان تصور جميع الأجزاء والشرائط العرضية والطولية ، ووضع اللفظ بإزائها. نعم هذا الإشكال إنّما يتم في تعلُّق الطلب بالصلاة ونحوها من العبادات بالنسبة إلى قصد القربة ونحوه مما يترتب على الأمر ، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى ، ولا يتم في وضع الأسامي لها ، لما تقدم من كفاية تصور المعنى الموضوع له ولحاظه في وضع الاسم له ، وأنّه لا ريب في إمكانه.

١٢٨

(ومنها) (١): أنّ الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عامين ، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا ، لاستلزامه (٢) كون استعمالها في الجامع في مثل «الصلاة تنهى عن الفحشاء» و «الصلاة معراج المؤمن» و «عمود الدين» و «الصوم جنة من النار» مجازا ، أو منع (٣) استعمالها فيه في مثلها (٤) ، وكل منهما (٥) بعيد إلى الغاية كما لا

______________________________________________________

(١) أي : ومن الأُمور المتقدمة على ذكر أدلة القولين.

(٢) أي : لاستلزام كون الموضوع له في ألفاظ العبادات خاصا ، وهذا أحد الوجهين اللذين أُقيما على عدم كون الموضوع له فيها خاصا ، وحاصله : أنّه يلزم من كون الموضوع له في ألفاظ العبادات خاصا صيرورة استعمال ألفاظ العبادات في الجامع مجازا ، لكونه من استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، وذلك في غاية البعد ، فإنّ الالتزام بكون إطلاق الصلاة والصوم في مثل : ـ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ـ ، و ـ الصوم جنة من النار ـ مجازا كما ترى.

(٣) معطوف على قوله : «كون» يعني : لاستلزام الوضع للخاص مجازية الاستعمال في الجامع ، أو منع استعمال تلك الألفاظ في الجامع ، وهذا ثاني الوجهين اللذين استدل بهما على كون الموضوع له عاما ، ومحصله : منع استعمال ألفاظ العبادات في الجامع في مثل الأمثلة المذكورة بناء على خصوصية الموضوع له ، والالتزام بأنّها قد استعملت في الأفراد لا في الجامع بينها.

(٤) أي : مثل الأمثلة المذكورة.

(٥) أي : كلٌّ من المجازية ومنع الاستعمال في الجامع ودعوى كونها مستعملة في الخصوصيات بعيدة إلى الغاية ، أمّا بُعدُ المجازية فلاحتياج استعمال تلك الألفاظ الموضوعة للأفراد في الجامع إلى قرينة ، ولم نعثر عليها ، بل المعلوم عدم

١٢٩

يخفى على أُولي النهاية (*).

(ومنها) (١): أنّ ثمرة النزاع إجمالُ الخطاب على القول الصحيحي ، وعدم

______________________________________________________

القرينة على استعمالها في الجامع. وأمّا بعدُ منع استعمالها في الجامع ، فلأنّ الظاهر كون القضية في أمثال المقام طبيعية ، لكون الآثار من المعراجية ونحوها مترتبة على طبيعي الصلاة من دون لحاظ الخصوصية من السفر والحضر وغيرهما ، فمنع استعمالها في الجامع في غاية البعد.

(١) أي : ومن الأُمور المتقدمة على ذكر أدلة القولين ، وحاصل هذا الأمر هو : أنّ ثمرة النزاع في هذه المسألة هي إجمال الخطاب وعدم إطلاق له على القول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح ، لعدم إحراز المسمى مع الشك في الجزئية فلا يصح التمسك به لنفي الشك في جزئية شيءٍ أو شرطيته للمأمور به ، لاحتمال دخوله في المسمى ، ومع هذا الشك لا يحرز الصحيح الّذي هو موضوع الخطاب حتى يجوز التشبث به لنفي ما شك في اعتباره فيه ، بل التمسك به حينئذٍ يكون من التشبث بالدليل في الشبهة المصداقية. وهذا بخلاف القول بالأعم ، فإنّ موضوع الخطاب إذا لم يكن المشكوك محتمل الدخل في المسمى بل كان محتمل الدخل في المأمور به محرز ، فلا مانع من التمسك بإطلاق الخطاب بعد اجتماع شرائط الإطلاق المعتبرة في التشبث به في كل مقام ، وبدون اجتماعها يرجع إلى ما هو المرجع في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من البراءة أو الاشتغال على الخلاف.

__________________

(*) الصواب : ـ أولي النهي ـ وهو جمع نُهية ـ كعقد جمع عُقدة ـ بمعنى العقول ، لعدم ورود النهاية في اللغة بمعنى العقل أو العقول ، فلاحظ. فالأولى لرعاية القافية أن يقال : «أُولي الدراية».

١٣٠

جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شُكّ في جزئية شيء للمأمور به وشرطيته أصلا ، لاحتمال (١) دخوله في المسمى كما لا يخفى ، وجواز الرجوع إليه (٢) في ذلك على القول الأعمي في غير ما احتمل دخوله فيه (٣) مما (٤) شك في جزئيته أو شرطيته. نعم لا بد في الرجوع إليه (٥) فيما ذكر من كونه (٦) واردا مورد البيان ، كما لا بد منه (٧) في الرجوع إلى سائر المطلقات ،

______________________________________________________

(١) تعليل للإجمال.

(٢) أي : إلى إطلاق الخطاب في الشك في الجزئية أو الشرطية.

(٣) يعني : دخول الشيء المشكوك فيه في المسمى.

(٤) بيان ل (ما) الموصولة في قوله : «ما احتمل».

(٥) أي : إلى الإطلاق فيما ذكر من الشك في الجزئية أو الشرطية.

(٦) أي : الإطلاق.

(٧) أي : من كونه واردا مورد البيان. ثم إنّ قوله : «نعم لا بد ...» إشارة إلى دفع توهم ، أمّا التوهم ، فملخصه : أنّه لا يمكن للأعمي الرجوع إلى الإطلاق أيضا كالصحيحي ، لعدم الإطلاق بدعوى عدم كون المتكلم في مقام البيان ، أو دعوى الانصراف إلى خصوص الصحيح المانع عن تحقق الإطلاق ، لكون الانصراف كالقرينة الحافة بالكلام مانعا عن ظهوره في الإطلاق ، هذا. وأمّا الدفع ، فحاصله : أنّ كون المتكلم في مقام البيان من شرائط التمسك بالإطلاق في جميع موارده من دون خصوصية للمقام. توضيحه : أنّ التمسك بالإطلاق منوط بمقدمات :

إحداها : كون المتكلم في مقام البيان ، لا في مقام التشريع فقط.

ثانيتها : عدم قرينة أو ما يصلح للقرينية على التقييد.

ثالثتها : كون الحكم متعلّقا بالطبيعة لا بحصة خاصة منها ، كما هو كذلك

١٣١

وبدونه (١) لا مرجع أيضا إلّا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

______________________________________________________

بناء على قول الصحيحي ، لأنّ متعلق الأمر حينئذٍ خصوص الصحيح ، فمع الشك في دخل شيءٍ فيه جزءا أو شرطا لا يحرز موضوع الخطاب حتى يصح التمسك بالإطلاق ، فهذه المقدمة الثالثة ـ بناء على وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيح ـ مفقودة. وهذا بخلاف القول بوضعها للأعم ، لتحقق موضوع الخطاب ـ وهو الطبيعة الجامعة بين الصحيح والفاسد ـ حينئذٍ ، فيصدق عليه لفظ العبادة ك ـ الصلاة ـ مثلا ، فمع الشك في الجزئية أو الشرطية لا بأس بالتمسك بإطلاقه ، لكون الشك في اعتبار أمر زائد على الموضوع. فالمتحصل : أنّه لا إطلاق بناء على الصحيح ، لعدم إحراز موضوع الخطاب ، فعدم الإطلاق حينئذٍ يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، وهذا بخلاف الوضع للأعم ، فإنّ الموضوع معه محرز ، فمع تمامية المقدمتين الأُوليين ـ وهما كون المتكلم في مقام البيان ، وعدم ما يصلح للقرينية ـ يتمسك بالإطلاق (*).

(١) أي : بدون كونه واردا في مقام البيان لا بدّ من الرجوع أيضا إلى الأصل العملي وهو البراءة أو الاحتياط. وبالجملة : فالرجوع إلى إطلاق الخطاب ـ بناء على قول الأعمي ـ منوط باجتماع شرائط الإطلاق ، وإلّا فلا فرق في الرجوع إلى الأصل بين القولين ، لفقد الدليل الاجتهادي حينئذٍ.

__________________

(*) لا يخفى أنّ هاتين المقدمتين كافيتان في صحة الرجوع إلى الإطلاق على قول الصحيحي أيضا ، وذلك لأنّ الموضوع وان كان مجملا ذاتا لكنه بالإطلاق المقامي يصير مبيّنا عرضا. والحاصل : أنّ الإطلاق محكَّم على كلا القولين غاية الأمر أنّه على الصحيح مقامي وعلى الأعم لفظي ، فليس إجمال.

١٣٢

وقد انقدح بذلك (١) أنّ الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد

______________________________________________________

(١) المشار إليه هو ما ذكره : من أنّ شرط الرجوع إلى الإطلاق ورودُه في مقام البيان ، غرضه ردّ الثمرة التي فرّعوها على القولين ، وهي : أنّ المرجع بناء على القول بالصحيح هو الاشتغال ، وبناء على القول بالأعم هو البراءة. محصل تقريب الرد : أنّ مورد الأصل هو عدم الإطلاق من دون تفاوت في ذلك بين القولين ، ففي الشك في جزئية شيءٍ أو شرطيته للمأمور به مع عدم إطلاق للدليل يرجع إلى الأصل العملي ، لكونه من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ، والمرجع فيه إمّا البراءة وإمّا الاحتياط على الخلاف الآتي في محله إن شاء الله تعالى (*).

__________________

(*) لعل نظر من جعل الثمرة مرجعية الاحتياط على الصحيح والبراءة على الأعم إلى أنّه ـ بناء على الصحيح ـ يرجع الشك في الجزئية والشرطية إلى الشك في المحصّل ، لا إلى دخل شيءٍ في نفس المأمور به ليندرج في كبرى الأقل والأكثر بتقريب : أنّ المأمور به عنوان الصحيح وهو أمر بسيط ، ومحصِّله مردد بين الأقل والأكثر ، بخلاف القول بالأعم ، فإنّ المردد بينهما هو نفس المأمور به ، فصغروية المقام لكبرى المأمور به المردد بين الأقل والأكثر مبنية على القول بالأعم ، إذ على الصحيح يندرج المقام في الشك في محصِّل المأمور به لا نفسه ، هذا. لكن فيه أوّلا : أنّ ما نحن فيه على كلا القولين من صغريات المأمور به المردد بين الأقل والأكثر ، لكون الشك في نفس المأمور به لا في محقِّقه ، لما تقدم في تصوير الجامع الّذي اختاره المصنف (قده) من أنّه متحد مع المأمور به وجودا اتحاد الطبيعي مع أفراده ، وليس وجوده مغايرا له حتى يكون الشك في المحصل. وثانيا : ـ بعد تسليم كون الشك بناء على الوضع للصحيح في محقِّق المأمور به لا نفسه ـ أنّ المسلّم من عدم جريان البراءة في المحصل إنّما هو المحصل

١٣٣

إجمال (١) الخطاب أو إهماله (٢) على القولين (٣) ، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم والاشتغال على الصحيح ، ولذا (٤) ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح. وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا (٥) ، قلت وان كان تظهر فيما لو نذر لمن يصلي إعطاء درهم في البر (٦) فيما لو أعطاه لمن صلّى

______________________________________________________

(١) الإجمال هو قصور الدليل بحسب الدلالة على كيفية تشريع الحكم على موضوعه ، كما إذا كان اللفظ مشتركا لفظيا ولم يكن في البين قرينة معينة.

(٢) الإهمال هو تشريع الحكم على موضوعه في الجملة مع تعلق غرض المتكلم بعدم تعرض جميع الجهات الدخيلة في الحكم ، وقيل بالفرق بينهما بوجه آخر.

(٣) أي : الصحيح والأعم.

(٤) يعني : ولأجل عدم الوجه في جعل ثمرة النزاع الرجوع إلى البراءة بناء على الأعم وإلى الاحتياط بناء على الصحيح ذهب المشهور القائلون بالصحيح إلى البراءة.

(٥) هذه هي الثمرة الثالثة ، وملخصها : أنّه إذا نذر شخص أن يعطي من يصلي درهما ، فأعطى الدرهم لمن يصلّي ، فعلى القول بالأعم تبرأ ذمته وان علم بفساد صلاته ، وعلى القول بالصحيح لا تبرأ إلّا إذا أحرز صحة صلاته.

(٦) بالتشديد بمعنى الإطاعة وهو متعلق بقوله : «تظهر» وحاصل ما أفاده : أنّ الثمرة وان كانت تظهر في البرّ ولو مع علم الناذر ببطلان الصلاة ، لكنها ليست ثمرة مقصودة لبحث الصحيح والأعم ، وذلك لأنّ ثمرة المسألة الأصولية عبارة عما يقع كبرى لقياس استنباط الحكم الفرعي الكلي ، كما تقدم في أوائل الكتاب ،

__________________

العقلي ، لفقد شرطه فيه ـ وهو كون المشكوك فيه من المجعولات الشرعية ـ ، أمّا المحصِّل الشرعي ـ كما في المقام ـ فالحق جريانها فيه ، لوجود شرطه المذكور.

١٣٤

ولو علم بفساد صلاته ، لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم ، وعدم (١) البرّ على الصحيح (٢) ، إلّا أنّه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة ، لما عرفت (٣) من أنّ ثمرة المسألة الأصولية هي أن تكون نتيجتها (٤) واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية

______________________________________________________

وهذه الثمرة ليست نتيجة تقع كبرى لقياس استنباط الحكم ، إذ لا يترتب على هذه الثمرة ـ بعد ضمها إلى صغرى ـ حكم كلي ، بل جواز الإعطاء وعدمه حكم فرعي يترتب على مسألة الصحيح والأعم ، وليس مسألة أُصولية. مضافاً إلى أنّ حصول الوفاء بالنذر وعدمه تابعان لكيفية نذر الناذر ، فإن نذر أن يعطي درهماً للمصلّي مطلقاً وان كانت صلاته باطلة ، فلا ريب في حصول البرّ بإعطائه وان قلنا بوضع ألفاظ العبادات للصحيح بشرط كون النذر جامعاً لشرائط صحته التي منها رجحان متعلقة ، وان نذر ذلك لمن يصلّي صلاة صحيحة ، فلا يحصل البرّ بإعطائه لمطلق المصلّي وإن قلنا بوضع ألفاظ العبادات للأعم.

(١) معطوف على «البر» ، يعني : وان كانت الثمرة تظهر في حصول البر بإعطاء الدرهم للمصلّي مطلقاً وان علم ببطلان صلاته بناءً على الأعم ، وعدم حصول البرّ بذلك بناءً على الصحيح ، لكنها ليست ثمرة للمسألة الأُصولية.

(٢) أي : بناءً على وضع الألفاظ للصحيح.

(٣) في تعريف علم الأصول ، ثم إنّ هذا تعليل لعدم كونه ثمرة للمسألة الأُصولية.

(٤) ظاهر العبارة من حيث السياق رجوع الضمير إلى ـ ثمرة ـ لكنه في غاية الغموض ، لأنّه يقتضي مغايرة النتيجة للثمرة.

ومقتضى كون القواعد الأصولية مسائل علم الأصول كما يعطيه تعريف العلم «بأنّه صناعة يعرف بها القواعد ... إلخ» كحجية خبر الواحد ، والظواهر ،

١٣٥

فافهم (١). وكيف كان فقد استدل للصحيحي بوجوه : (أحدها) : التبادر ، ودعوى (٢) أنّ المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح ، ولا منافاة بين دعوى ذلك (٣) وبين كون الألفاظ على هذا القول (٤) مجملات ،

______________________________________________________

والاستصحاب هو إسقاط لفظ ـ ثمرة ـ ، إلّا أن يقال : إنّ إضافة الثمرة إلى المسألة الأصولية بيانية ، فالمراد بالثمرة نفس المسألة ـ وهي حجية الخبر مثلا ـ وبالنتيجة الوقوع في طريق الاستنباط بأن يقع كبرى لقياس الاستنباط ، لكنه تكلّف في العبارة ، فتأمّل فيها حقه.

(١) لعله إشارة إلى دفع توهم أنّه لا بد من القول بأنّ جواز الإعطاء حكم كلّي فرعي يترتب على مسألة الصحيح والأعم ، كترتب سائر الأحكام الكلية الفرعية على نتائج المسائل الأصولية ، وجه الدفع : أنّ نتيجة المسألة الأصولية لم تقع هنا في طريق استنباط نفس الحكم الفرعي ، بل في طريق استنباط موضوع الحكم بجواز الإعطاء ، وهو كون الإعطاء وفاءً بالنذر. إلّا أن يقال : إنّ الموضوع المستنبط كنفس الحكم.

(٢) هذا تقريب التبادر ، يعني : أنّ المنسبق إلى الأذهان من ألفاظ العبادات هو الصحيح.

(٣) أي : دعوى التبادر ، وغرضه من هذه العبارة الإشارة إلى توهم ، وهو : أنّه كيف تصح دعوى تبادر الصحيح من ألفاظ العبادات مع كونها مجملات على ما تقدم في الثمرة الأولى؟ فالجمع بين تبادر الصحيح منها وبين الإجمال جمع بين المتنافيين ، لمنافاة التبادر مع إجمال المفهوم.

(٤) أي : قول الصحيحي.

١٣٦

فإنّ المنافاة (١) إنّما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا (٢) مبيّنة بوجه (٣) ، وقد عرفت (٤) كونها (٥) مبينة بغير وجه.

______________________________________________________

(١) إشارة إلى دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أنّ المنافاة بينهما إنّما تتحقق فيما إذا كان المجمل مجملا من جميع الجهات بحيث لا يكون مبيّناً لا مفهوماً ولا مصداقاً ، (أمّا) إذا لم يكن كذلك بأن كان مجملا من جهة ـ مثل كونه مشكوك الصدق والانطباق الخارجي ـ ومبيناً من جهة أُخرى ـ وهي المفهوم حيث إنّ مفاهيم ألفاظ العبادات من حيث منشئيّتها للآثار كالمعراجية وغيرها من الفوائد والآثار مبيّنة ـ (كفى) ذلك في صحة دعوى التبادر (*).

(٢) أي : بناءً على وضعها للصحيح.

(٣) يعني : بوجه من الوجوه.

(٤) أي : في مقام تصوير الجامع.

(٥) أي : كون المعاني مبينة بغير وجه واحد ، بل بوجوه عديدة ، وهي

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في أصل التبادر وانسباق الصحيح ، لكن الكلام في أنّه مستند إلى نفس اللفظ وحاقّه أو إلى غيره ، الظاهر هو الثاني ، لأنّ المقصود بهذه الألفاظ هو ما يقوم به الغرض ، ومن المعلوم أنّه خصوص المعاني الصحيحة ، لقيام الأغراض والفوائد بها دون غيرها ، فتكون هذه المعاني الصحيحة هي المتبادرة عند إطلاق ألفاظها ، ومثل هذا التبادر لا يصلح لأن يكون أمارة على الحقيقة ـ كما تقدم في محله ـ ، ومن هنا يمكن الإشكال في تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة ، فإنّه يحمل بهذه القرينة على كونه خصوص ما ينطبق على الصحيحة ، فتأمّل جيّداً.

١٣٧

(ثانيها) صحة السلب عن الفاسد (١) بسبب (٢) الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة (٣) وإن صح الإطلاق عليه بالعناية. (ثالثها) الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواصّ والآثار للمسميات (٤) مثل : (الصلاة عمود الدين)

______________________________________________________

اللوازم ، مثل كونها ناهية عن الفحشاء ، ومعراج المؤمن ، وقربان كل تقي وغيرها.

(١) تقريب صحة السلب : أنّ لفظ الصلاة مثلا إن كان موضوعاً للجامع بين الصحيح والفاسد لم يصح سلبه عن الفاسد ، مع صحته قطعاً ، لصحة قولنا : ـ صلاة الحائض مثلا ليست بصلاة ـ فإطلاق لفظ الصلاة على الفاسدة لا بد أن يكون بعناية.

(٢) متعلق بالفاسد.

(٣) متعلق بصحة السلب ، يعني : يصح سلب اسم ـ الصلاة ـ عن الفاسدة بالمداقة وإن لم يصح بالمسامحة ، لرعاية المشابهة في الصورة أو غيرها لما عرفت في محله من أنّ صحة السلب وعدمها علامتان للحقيقة والمجاز إذا لوحظا بحسب الدقة ونفس الأمر ، لا مطلقاً ولو بالعناية.

(٤) محصله : أنّه قد استدل على كون ألفاظ العبادات أسامي للصحيح بطائفتين من الروايات : (الأُولى) : الأخبار المثبتة لبعض الآثار والخواصّ للمسميات ، مثل كون الصلاة عموداً للدين وغير ذلك ، و «الصوم جنة من النار» إلى غير ذلك ، تقريب الاستدلال بها : أنّ الصلاة وغيرها من أسامي العبادات إن كانت موضوعة للجامع بين الصحيحة والفاسدة لزم قيام تلك الآثار بالفاسدة أيضا ، وهو خلاف الضرورة ، فالمراد خصوص الصحيحة لا الأعم ، لأنّ الظاهر ترتّب الآثار على هذه العناوين من الصلاة والصوم

١٣٨

أو (معراج المؤمن) و (الصوم جنة من النار) إلى غير ذلك ، أو نفى (١) ماهيتها وطبائعها (٢) مثل : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ونحوه ممّا كان ظاهراً في نفى الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطراً أو شرطاً ، وإرادة (٣)

______________________________________________________

وغيرهما بما أنّها معانٍ لتلك الأسامي ، وإلا لزم التصرف في هذه الألفاظ بإضمار الصحيح ، وإرادة الخاصّ من لفظ العام ، كأن يقال : «الصلاة الصحيحة معراج المؤمن» وهكذا ، وهو خلاف الأصل.

(١) معطوف على قوله : «إثبات».

(٢) هذه هي الطائفة الثانية من الروايات التي استدل بها على الوضع للصحيح ، وحاصل تقريبه : أنّ الأخبار النافية لتلك الماهيات والطبائع عن الفاقد لجزءٍ أو شرط ظاهرة في نفي الطبيعة ـ على ما هو قضية كلمة «لا» الداخلة على اسم الجنس كـ «لا صلاة إلا بطهور» ونحوه ـ لا نفي الصفة ، فلو كانت ألفاظ العبادات موضوعة للجامع بين الصحيح والفاسد لم يصح نفي الماهية عن فاقد الجزء أو الشرط ، بل الصحيح هو نفي الصفة ـ وهي الصحة ـ لا نفي الطبيعة ، فصحة نفي الطبيعة حينئذٍ دليل على وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيحة.

(٣) هذا إشكال على الاستدلال بالأخبار ، وحاصله : أنّ الاستدلال المزبور بالطائفتين المثبتة والنافية مبني على حمل الألفاظ على المعاني الحقيقية ، ومن المعلوم : أنّ الحمل عليها منوط بعدم قرينة على إرادة خلاف الحقيقة وهي موجودة في المقام ـ أعني بها : شيوع إرادة الصحيح بالخصوص من الطائفة المثبتة ، ونفي الصحة أو الكمال من الطائفة النافية ـ ، وهذا الشيوع يوجب شهرة الاستعمال في نفي الصحة والكمال ، وهذه الشهرة قرينة مانعة عن إرادة الطبيعة ، ومعها لا تدل الطائفتان المزبورتان على إرادة الطبيعة ، فلا يتم الاستدلال بهما على الوضع لخصوص الصحيح.

١٣٩

خصوص الصحيح من الطائفة الأولى (١) ونفي الصحة من الثانية (٢) ، لشيوع (٣) استعمال هذا التركيب (٤) في نفي مثل الصحة أو الكمال خلاف (٥) الظاهر لا يُصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه ، بل واستعمال (٦) هذا التركيب

______________________________________________________

(١) وهي الأخبار المثبتة للآثار ، مثل ـ الصلاة عمود الدين ـ.

(٢) وهي الأخبار النافية ك ـ لا صلاة إلا بطهور ـ.

(٣) تعليل لإرادة نفي الصحة من الثانية.

(٤) أي : لا النافية للجنس مع مدخولها ، كلا صلاة إلا بطهور ـ.

(٥) خبر لقوله : «وإرادة» ودفع للإشكال المزبور ، ومحصله : أنّ الظاهر من الأخبار المثبتة للآثار هو ثبوتها للمسمّيات وهي خصوص المعاني الصحيحة ، لا أنّه أُريد منها خصوص الصحيح وإن لم يكن اللفظ موضوعاً له ، وكذا الأخبار النافية ، فإنّ الظاهر من «لاء» نفي الجنس هو نفي الطبيعة ، فإرادة الصحة بالخصوص من دون أن يكون ذلك موضوعاً له خلاف الظاهر ، فلا محيص من دلالة الروايات على كون الموضوع له خصوص الصحيح ، لأنّ إرادة غيره تتوقف على القرينة.

(٦) غرضه : نفي منشأ توهم إرادة نفي الصفة من الأخبار النافية ، حيث إنّ نفي الصفة كان يتوهم شيوع استعمال لا النافية للجنس في نفي الصحة أو الكمال ويريد المصنف بقوله : «بل واستعمال هذا التركيب» إبطال شيوع الاستعمال في نفي الصفة ، بدعوى : أنّ هذا التركيب لا يستعمل إلّا في نفي الطبيعة ، غاية الأمر أنّ نفي الطبية تارة يكون على وجه الحقيقة ك ـ لا صلاة إلا بطهور ـ و «لا رجل في الدار» ، وأُخرى على وجه المبالغة والادعاء ، ك ـ لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد ـ ، فتوهم كون استعمال هذا التركيب شائعاً في غير نفي الحقيقة فاسد.

١٤٠