منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

كحال العرض (١) فكما لا يكون (٢) في الخارج إلا في الموضوع كذلك هو (٣) لا يكون في الذهن (٤) إلا في مفهوم آخر ، ولذا (٥) قيل في تعريفه بأنّه ما دل على معنى في غيره ، فالمعنى (٦) وان كان (٧) لا محالة يصير جزئياً بهذا اللحاظ بحيث يباينه (٨) إذا لوحظ ثانياً كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحداً (٩) إلا أنّ هذا اللحاظ (١٠) لا يكاد يكون مأخوذاً في المستعمل فيه ، وإلا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ (١١)

______________________________________________________

(١) في القيام بالغير ، لكن قد عرفت آنفاً المائز بين العرض وبين المعنى الحرفي ، فلاحظ.

(٢) أي : العرض.

(٣) أي : المعنى الحرفي.

(٤) وفي الخارج ، وبه يفترق المعني الحرفي عن العرض ، إذ الأول تابع للغير تصوراً وخارجاً ، والثاني تابع له خارجاً دون التصور.

(٥) أي : ولأجل عدم تحقق المعنى الحرفي في الذهن إلّا في مفهوم آخر ، وحاصله : أنّ المعنى الحرفي كائن في غيره ، ضرورة قيام الربط الّذي هو المعنى الحرفي بطرفي القضية ، فهو مثل كينونة العرض في الموضوع.

(٦) جزاءٌ لقوله : «وان كانت هي الموجبة .. إلخ».

(٧) حين لحاظه مع تلك الخصوصية الذهنية.

(٨) أي : يباين المعنى نفسه إذا لوحظ ثانياً ، لكون الملحوظات الذهنية كالجزئيات الخارجية متباينات.

(٩) لأنّ وحدته واقعاً لا توجب انثلام تعدده لحاظاً.

(١٠) هذا أوّل الإشكالات الثلاثة الواردة على دخل اللحاظ في المستعمل فيه.

(١١) أي : اللحاظ الّذي هو جزء المعنى.

٤١

بداهة (١) أنّ تصور المستعمل فيه مما لا بد منه في استعمال الألفاظ ، وهو كما ترى (٢). مع أنّه (٣) يلزم أن لا يصدق على الخارجيات ، لامتناع صدق الكلي العقلي (٤)

______________________________________________________

(١) هذا تقريب الإشكال ، وحاصله : أنّ الاستعمال متقوم بلحاظ اللفظ والمعنى ، سواء كان بسيطاً أم مركباً ، فإذا (فرض) تركب معنى كلمة ـ من ـ مثلا من الابتداء واللحاظ ، والمفروض تقوم الاستعمال بلحاظ اللفظ والمعنى (لزم) تعدد اللحاظ في الاستعمال ، حيث إنّ أحد اللحاظين جزء المعنى والآخر مقوم للاستعمال ، ومن المعلوم : أنّ تعدد اللحاظ خلاف الوجدان ، فلا بد من كون المستعمل فيه ذات المعنى بدون اللحاظ.

(٢) لما مر آنفاً من أنّ تعدد اللحاظ خلاف الوجدان.

(٣) هذا ثاني الإشكالات الثلاثة المشار إليها ، وملخصه : أنّ تركّب المستعمل فيه من المعنى واللحاظ يستلزم عدم صدق المعنى على الخارجيات ، وامتناع امتثال الأمر في مثل قوله : «سر من البصرة» لأنّ اللحاظ الّذي موطنه الذهن يوجب تقيد المعنى بالوجود الذهني ، ومن المعلوم مباينة الموجود الذهني للموجود الخارجي وعدم صدق أحدهما على الآخر ، فلا بد من تجريد المعنى عن خصوصية اللحاظ ليخرج مثل قوله : «سر من البصرة» عن التكليف بما لا يطاق ، لصيرورة المأمور به حينئذٍ كلياً طبيعياً قابلا للانطباق على الخارجيات.

(٤) الكلي العقلي باصطلاح أهل الميزان هو مجموع العارض والمعروض كالإنسان الكلي ، وتسميته بالكلي العقلي لأجل تخصّص المفهوم بالتخصّص العقلي وهو الكلية التي لا موطن لها إلّا العقل ، والكلي العقلي بهذا المعنى لا ينطبق على المقام ، لأنّ قيد ـ المعنى ـ هو اللحاظ دون وصف الكلية ، فالأولى التعبير عنه بالجزئي الذهني ، ولعل التعبير عنه بالكلي العقلي لأجل كون نفس المعنى كلياً وقيده أعني اللحاظ عقلياً ، إذ موطنه العقل.

٤٢

عليها حيث لا موطن له إلا الذهن ، فامتنع امتثال مثل ـ سر من البصرة ـ إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية ، هذا. مع (١) أنّه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف إلا كلحاظه في نفسه في الأسماء ، وكما لا يكون هذا اللحاظ (٢) معتبراً في المستعمل فيه فيها (٣) كذلك ذاك اللحاظ (٤) في الحروف كما لا يخفى.

وبالجملة : ليس المعنى في كلمة ـ من ـ ولفظ الابتداء مثلا إلا الابتداء ، فكما لا يعتبر في معناه (٥) لحاظه في نفسه (٦) ومستقلا كذلك لا يعتبر

______________________________________________________

(١) هذا ثالث الإشكالات على دخل اللحاظ في المعنى المستعمل فيه وهو إشكال نقضي ، توضيحه : أنّ لحاظ المعنى الحرفي حالة لغيره ليس إلا كلحاظ المعنى الاسمي مستقلا ، وكما لا يكون اللحاظ الاستقلالي مأخوذاً في المعنى الاسمي كذلك اللحاظ الآلي ليس مأخوذاً في المعنى الحرفي ، فلا يصير المعنى الحرفي باللحاظ الآلي جزئياً حتى نلتزم بكون المستعمل فيه في الحروف خاصاً ، والتفكيك بين اللحاظين تحكّم.

(٢) أي : لحاظ النفسيّة والاستقلالية.

(٣) أي : في الأسماء.

(٤) أي : اللحاظ الآلي ، فالمتحصل من جميع ما ذكره المصنف (قده) : أنّ كلًّا من الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف عام ، ولو أُريد أحياناً معنى خاص يكون ذلك بدالٍّ آخر من قبيل تعدد الدال والمدلول ، نظير تقييد المطلق في مثل : «أعتق رقبة مؤمنة». وبالجملة : فلا فرق بين المعنى الاسمي والحرفي أصلا ، بل المعنى فيهما واحد.

(٥) أي : معنى لفظ الابتداء ، فالضمير راجع إلى لفظ الابتداء.

(٦) الضميران راجعان إلى معنى لفظ الابتداء.

٤٣

في معناها (١) لحاظه في غيرها (٢) آلة ، وكما لا يكون لحاظه فيه (٣) موجباً لجزئيّته (٤) فليكن كذلك فيها (٥).

إن قلت : على هذا (٦) لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ، ولزم كون مثل كلمة ـ من ـ ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الآخر ، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها ، وهو باطل بالضرورة كما هو واضح. قلت : الفرق بينهما (٧) إنّما هو في اختصاص كل منهما بوضع

______________________________________________________

(١) أي : معنى كلمة ـ من ـ.

(٢) الضمير الأول راجع إلى المعنى والثاني إلى كلمة ـ من ـ.

(٣) أي : لحاظ الاستقلال في معنى لفظ الابتداء.

(٤) أي : جزئيّة معنى لفظ الابتداء.

(٥) أي : فليكن لحاظ الآلية في معنى كلمة ـ من ـ غير موجب لجزئيّته.

(٦) أي : بناءً على هذا التحقيق الّذي ذكره بقوله : «والتحقيق حسبما يؤدي إليه النّظر الدّقيق ... إلخ» ومحصل التحقيق هو : دعوى اتحاد المعنى الموضوع له في الاسم والحرف. وملخص الإشكال على هذا التحقيق هو : لزوم ترادف مثل كلمة ـ من ـ ولفظة ـ الابتداء ـ المستلزم لصحة استعمال أحدهما مكان الآخر كغيرهما من الألفاظ المترادفة مع وضوح بطلانه ، لعدم صحة استعمال «سرت ابتداء البصرة» بدل «سرت من البصرة».

(٧) حاصل ما أفاده جواباً عن الإشكال بعد الاعتراف بالترادف ووحدة المعنى الموضوع له في الاسم والحرف هو : أنّ اختلاف كيفية الوضع فيهما أوجب عدم صحة استعمال أحدهما مكان الآخر ، بيانه : أنّ الاسم وُضع ليراد به المعنى في نفسه ، والحرف وضع آلة لملاحظة حال مدخوله ، فالاستقلالية في الأسماء.

٤٤

حيث إنّه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه ، والحرف ليراد منه

______________________________________________________

والآلية في الحروف ملحوظتان للواضع في كيفية وضع الاسم والحرف (*).

__________________

(*) لا يخفى أنّ مرجع ذلك ان كان إلى الشرط على المستعملين كما توهم ليكون على حذوِ الشروط الواقعة في ضمن العقود ، فيرد عليه : أنّه لا وجه للزوم الوفاء بهذا الشرط بعد البناء على كون الموضوع له في كل من الاسم والحرف ذات المعنى بدون تقيده بشيءٍ من لحاظي الاستقلالية والآلية ، فيلغو هذا الشرط ، وقضية لغويته جواز استعمال كل منهما في مكان الآخر ، مع أنّ المسلّم عدم جوازه. وان كان مرجعه إلى الالتزام الخارجي المتحقق بعد تمامية الوضع ، فلا وجه لاعتباره بالأولوية ، لأنّ الواضع إنّما يتبع في وضع الألفاظ للمعاني ، لا في تعيين الوظيفة للمستعملين في كيفية الاستعمال بعد تحقق الوضع ، لعدم تقيّد الوضع المتحقق أوّلا بالالتزام الجديد الحاصل ثانياً ، لعدم انقلاب ما وقع مطلقاً عما وقع عليه ، فإنّه نظير تقييد البيع بعد إنشائه مطلقاً في عدم الأثر للتقييد الواقع بعد تمامية البيع. وان كان مرجعه إلى أخذ اللحاظ بنحو الداعي ، بأن يكون داعي الواضع في وضع الحرف للمعنى هو كونه حالة لغيره ، ففيه أيضا : أنّه لا دليل على اعتبار الدواعي ، ولذا لا يقدح تخلفها ، ولكن عدم تحقق التخلف في المقام المستكشف من عدم جواز استعمال الحرف مكان الاسم يكشف عن عدم كونه بنحو الداعي. نعم يمكن توجيه ما أفاده (قده) : «بأنّ ضيق الأغراض الداعية إلى الإنشاءات موجب لضيق دائرة المنشآت والمجعولات ، نظير الأوامر العبادية ، فإنّ ضيق الأغراض الداعية لها يوجب ضيقاً في ناحية المتعلقات بحيث لا يبقى لها إطلاق يعم صورة خلوها عن قصد دعوة الأمر. وفي المقام لمّا كان غرض الواضع من وضع الحروف دلالتها على معانيها حال كونها ملحوظة باللحاظ الآلي ، فلا محالة

٤٥

معناه لا كذلك ، بل بما هو حالة لغيره كما مرت الإشارة إليه غير مرة. فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجباً لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر وان اتفقا فيما له الوضع (١) ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه : أنّ نحو إرادة المعنى (٢) لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والإنشاء (٣) أيضا

______________________________________________________

(١) يعني : ذات المعنى الموضوع له.

(٢) من النفسيّة والآلية ، فتلخص من جميع ما ذكره المصنف : أنّ وضع الحروف ، كوضع أسماء الأجناس في كون كل من الوضع والموضوع له والمستعمل فيه فيها عاماً.

(٣) توضيحه : أنّه بعد أن أثبت خروج قصد الاستقلالية والآلية عن حيّز الموضوع له والمستعمل فيه وأنّهما من شئون الاستعمال نفي البعد عن كون

__________________

تتضيق دائرة موضوع وضعه أيضا ، لكن لا بنحو التقييد ، لما مر من استحالة تقيد المعنى باللحاظ المتأخر عنه ، ومن المعلوم أنّ من لوازم تضيق دائرة الوضع عدم صحة استعمال أحدهما موضع الآخر» هذا ملخص ما يستفاد من بيان بعض أعاظم أساتيذنا (قده). لكن هذا التوجيه لا يمنع عن نتيجة التقييد ، كما لا يمنع عن ذلك تأخر قصد الأمر عن المتعلق في العبادات. نعم ذلك مانع عن التقييد اللحاظي ، ففيما نحن فيه يمكن دعوى تقيد الموضوع له لُبّاً باللحاظ ، فاختلف المعنى الاسمي والحرفي باختلاف القيد الملحوظ فيهما ، لكن لازم هذا التقييد صحة استعمال الحرف مكان الاسم وبالعكس مجازاً مع وضوح بطلانه وغلطيته. فالأولى ما ذكرناه سابقاً من : أنّ المعاني الحرفية ليست إلّا الارتباطات والنسب ، وأنّها من الوجود الرابط ، وأنّها بذاتها مباينة للمعاني الاسمية ، فتدبر.

٤٦

كذلك (١) ، فيكون الخبر (٢) موضوعاً ليستعمل (٣) في حكاية ثبوت معناه في موطنه ، والإنشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل (٤). ثم إنّه قد انقدح

______________________________________________________

الاخبارية والإنشائية أيضا من شئون الاستعمال من دون دخلهما في الموضوع له أو المستعمل فيه ، فالاختلاف بين الخبر والإنشاء إنما هو في قصد المتكلم ، وعليه فالمتكلم بكلمة ـ بعت ـ ان قصد بها الحكاية عن ثبوت نسبة البيع إلى نفسه في موطنها ـ وهو وعاء الاعتبار ـ فذلك إخبار ، وان قصد بها إيجاد البيع ونقض عدمه المحمولي بوجوده كذلك ، فذلك إنشاء ، فإخبارية لفظة ـ بعت ـ وإنشائيتها منوطتان بالقصد ، فهما من أطوار الاستعمال.

(١) أي : في كيفية الوضع مع اتفاقهما في نفس المعنى الموضوع له.

(٢) وهو في الاصطلاح : الكلام الّذي يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ، والإنشاء كلام ليس لنسبته خارج كذلك.

(٣) ليست الحكاية جزءاً للمعنى ، بل اللفظ يستعمل في معناه بقصد الحكاية ، فالعبارة لا تخلو عن مسامحة.

وبالجملة : فالمعنى في الاخبار والإنشاء واحد ، لأنّه عبارة عن نسبة المبدأ إلى الذات ، فان قصد بالكلام الحكاية عن النسبة فيكون خبراً ، وان قصد به إيجادها يكون إنشاءً.

(٤) لعله إشارة إلى : أنّ مجرد إمكان كون الاخبارية والإنشائية من شئون الاستعمال من دون دخلهما في المعنى لا يستلزم الوقوع ولا يصلح لإثباته. أو إلى : أنّ هذه الدعوى لا تسمع إلّا في خصوص الألفاظ المشتركة التي تستعمل تارة في الإخبار وأُخرى في الإنشاء كصيغة ـ بعت ـ ، وأمّا المختصة بإحداهما ،

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كالجملة الاسمية المختصة بالأخبار ، وصيغة ـ افعل ـ وما شاكلها المختصة بالإنشاء ، فلا تصح الدعوى المزبورة فيها ، لعدم معهودية صحة قصد الإخبارية بالألفاظ المختصة بالإنشاء ، والإنشائية بالألفاظ المختصة بالأخبار (*). أو إلى : أنّه لا بد من الالتزام بخروج قصد الإنشاء والاخبار عن حيّز الموضوع له ، لما مر في المعنى الحرفي من استحالة أخذ اللحاظ فيه ، لكونه من شئون الاستعمال ، فلو كان قصد

__________________

(*) الظاهر أنّ مورد البحث هو الجمل التي يراد بها الإنشاء تارة والاخبار أُخرى ، وأمّا ما يختص بأحدهما ، كصيغة ـ افعل ـ التي تستعمل دائماً في إنشاء المادة على اختلاف الأغراض الداعية إلى الإنشاء ، وكالجملة الاسمية مثل ـ زيد قائم ـ التي يراد بها الاخبار دائماً ، فهو خارج عن هذا البحث ، فالمبحوث عنه فعلاً هو ما يراد به الإنشاء في استعمال والاخبار في آخر كلفظ ـ بعت ـ ، وملخص الكلام فيه : أنّ المعنى في مثله واحد وهو نسبة المبدأ إلى الذات ، والإخبارية والإنشائية من الأغراض الداعية إلى الاستعمال ، فان قصد المستعمل حكايته عن النسبة الواقعية فهو إخبار ، وان قصد الإيجاد فهو إنشاء. وعليه فلا يكون الاستعمال في الإنشاء مجازاً ، إذ المفروض أنّه قد استعمل في الموضوع له ، والإنشائية من أغراض الاستعمال ودواعيه ، خلافاً لبعض المحققين ، حيث ذهب إلى المجازية. نعم لمّا كان الرابط بين حاشيتي القضية مرآةً للخارج سواء قصد به المستعمل حكايته عن الخارج أم لا ، ولذا يتبادر من لفظة ـ بعت ـ مثلاً الصادرة من النائم أو الساهي الحكاية عن الثبوت في الخارج يحمل كلام المتكلم إذا أحرز كونه في مقام البيان على ما يقتضيه طبع القضية من الاخبار ، ولا يحمل على الإنشاء إلّا مع القرينة ، هذا.

٤٨

مما حققناه (١) أنّه يمكن أن يقال : إنّ المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضا عام ، وأنّ تشخصه (٢) إنّما نشأ من قبل طور استعمالها ، حيث إنّ أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها ، وكذا بعض الضمائر (٣) ، وبعضها (٤) ليخاطب بها

______________________________________________________

الأخبار والإنشاء كلحاظ الآلية والاستقلالية ، فلا محيص عن الالتزام بخروجهما أيضا ، ولا وجه حينئذٍ لنفي البعد عن ذلك كما أفاده المصنف (قده) بقوله : «ثم لا يبعد .. إلخ» لأنّ ظاهره إمكان أخذ قصد الاخبارية والإنشائية في المعنى.

(١) في الحروف والأسماء والاخبار والإنشاء من خروج قصد الآلية والاستقلالية في الأولين ، وقصد حكاية ثبوت المعنى في موطنه أو إيجاده في الأخيرين عن دائرة الموضوع له والمستعمل فيه ، وكونها من شئون الاستعمال المتأخر عن المعنى ، فإنّ من الممكن أن يكون المستعمل فيه كالموضوع له في أسماء الإشارة والضمائر أيضا عاماً ، خلافاً لمن قال بخصوصية المعنى فيهما ، استناداً إلى اقتضاء الإشارة والتخاطب تشخّص المشار إليه والمخاطب ، فلا محالة يكون المستعمل فيه في أسماء الإشارة والضمائر خاصاً.

(٢) هذا دفع للقول بخصوصية المستعمل فيه فيهما ، وحاصله : أنّ الموضوع له في لفظة ـ هذا ـ هو كلّيّ المفرد المذكر الصالح للإشارة ، لا المعنى المتصف بكونه مشاراً إليه ، بحيث تكون الإشارة إليه قيداً له ، فالإشارة من كيفيات الاستعمال مثل الاستقلالية والآلية في الأسماء والحروف ، فكلّ من الوضع والموضوع له في أسماء الإشارة عام كالحروف.

(٣) كضمير الغائب ، فإنّه وضع لكلي المفرد المذكر.

(٤) أي : وبعضها الآخر كضمير المخاطب ، فإنّه وضع لكلّي المفرد المذكر أو المؤنث ، فتشخص المعنى في اسم الإشارة وضمير الخطاب نشأ من الإشارة

٤٩

المعنى والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى. فدعوى أنّ المستعمل فيه في مثل «هذا» أو «هو» أو «إياك» إنّما هو المفرد المذكر ، وتشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه ، فإنّ الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون إلّا إلى الشخص (١) أو معه (٢) غير مجازفة (٣). فتلخص مما حققناه : أنّ التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات لا يوجب تشخص المستعمل فيه سواء كان تشخصاً خارجياً كما في مثل أسماء الإشارة ، أو ذهنياً كما في أسماء الأجناس والحروف ونحوهما (٤) من غير فرق في ذلك (٥) أصلا بين الحروف وأسماء الأجناس ،

______________________________________________________

والتخاطب اللذين هما من أطوار الاستعمال وشئونه من دون دخلهما في الموضوع له ليكون خاصاً. كما أنّ تشخص الموصولات لنشوه عن الصلة خارج عن الموضوع له والمستعمل فيه.

(١) كما في الإشارة ، فإنّ الإشارة باليد في مقام استعمال أسماء الأجناس كلفظة ـ رجل إذا أُطلقت وأُشير إلى مسماها باليد كما لا توجب جزئية المعنى كذلك الإشارة بلفظ هذا.

(٢) كما في التخاطب ، فتعيّن معنى الموصول وتشخصه ناشٍ عن صلته وخارج عن حيز الموضوع له.

(٣) خبر ـ دعوى ـ (*).

(٤) من المعاني الكلية.

(٥) يعني : في عدم تشخص المعنى بسبب التشخص الناشئ عن الاستعمال.

__________________

(*) لا يخفى أنّ مجرد عدم المجازفة ليس برهاناً على المدعى بعد إمكان دخل الإشارة والتخاطب في نفس الموضوع له ، لعدم دليلية مجرد الإمكان على الوقوع ، مع أنّه اجتهاد في اللغة

٥٠

ولعمري هذا واضح ، ولذا (١) ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصاً في الحروف عين ولا أثر ، وإنّما ذهب إليه بعض من تأخر ، ولعله (٢) لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه ، والغفلة عن أنّ قصد المعنى من لفظه على أنحائه (٣) لا يكاد يكون من شئونه وأطواره (٤) ، وإلا (٥) فليكن قصده بما هو هو

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل عدم سراية التشخص الناشئ عن الاستعمال إلى المعنى.

(٢) أي : ولعل ذهاب من تأخر إلى كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصاً نشأ من توهم أنّ قصد المعنى من خصوصيات أحدهما ، لكن دفع هذا التوهم بقوله : «والغفلة» وحاصله : لزوم الدور ـ بناءً على أخذ قصد الاستقلالية والآلية والاخبارية والإنشائية وغيرها من الخصوصيات في الموضوع له ، أو المستعمل فيه ـ وذلك لتوقفها على الاستعمال ، إذ المفروض نشوؤها عنه ، ومن المعلوم تأخر الاستعمال عن المعنى وخصوصيته ، فلو كانت دخيلة في المعنى يلزم توقف المعنى على الاستعمال ، ومن البديهي تأخر الاستعمال عن المعنى وقيده ، فيصير المعنى موقوفاً على الاستعمال وبالعكس.

(٣) من الاستقلالية والآلية ، والاخبارية والإنشائية وغيرها.

(٤) يعني : بحيث يكون دخيلا في المعنى وموجباً لخصوصيته وجزئيته ، لما عرفت من تأخر هذه الخصوصيات المترتبة على القصد عن المعنى ، فيمتنع دخلها فيه.

(٥) يعني : وان كان قصد المعنى من شئونه فليكن قصده بما هو هو كما في الأسماء من شئون المعنى وموجباً لجزئيته ، مع أنّه لم يقل أحد بكون المعنى في أسماء الأجناس خاصاً ، فالخصوصيات المترتبة على قصد المعنى لا توجب

٥١

وفي نفسه كذلك (١) فتأمل في المقام ، فإنّه دقيق وقد زلّ فيه أقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق.

(الثالث) صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له ، هل هو بالوضع أو الطبع؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما أنّها بالطبع ، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه (٢) ولو مع منع الواضع عنه (٣) ، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه (٤) ، ولا معنى لصحته إلا

______________________________________________________

خصوصيته ، سواء كان المعنى اسمياً أم حرفياً ، فكل من الموضوع له والمستعمل فيه فيهما عام.

(١) أي : دخيلاً في المعنى وموجباً لتشخصه وجزئيته. فتحصل من جميع ما أفاده المصنف (قده) : أنّ كلًّا من الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف وأسماء الإشارة والضمائر كأسماء الأجناس عام ، لكون التشخص فيها ناشئاً من قبل الاستعمالات ، ويستحيل تشخص المعنى بالخصوصيات الناشئة من قبلها ، لما مر آنفاً من استلزامه الدور (*).

(٢) أي : فيما يناسب ما وضع له.

(٣) أي : عن الاستعمال ، فحسنه مع المنع دليل على عدم توقف صحة الاستعمال المجازي على وضع الواضع.

(٤) فلو كان صحة الاستعمال المجازي منوطة بالوضع لم يكن وجه لاستهجان

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناءً على خروج الإشارة والتخاطب وغيرهما عن حيز الموضوع له والمستعمل فيه ـ ينهدم أساس الشبه المعنوي الّذي جعله النحويون موجباً لبناء جملة من الأسماء وان كان لا يلزم منه إعراب تلك الأسماء ، لوجود ما عدا الشبه المعنوي فيها مما يوجب بناءها كما لا يخفى.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستعمال فيما لا يناسب المعنى الموضوع له ، مع فرض ترخيص الواضع له ، هذا. والمراد بالوضع في المقام هو إذن الواضع في استعمال كل لفظ في معنى يناسب معناه الحقيقي ، كما إذا وضع لفظ ـ الأسد ـ مثلا ، للحيوان المفترس ، ثم أذن في استعماله في كل معنى يناسب معناه الموضوع له. والمراد بكون الاستعمال المجازي بالطبع هو : عدم توقف صحته على الإذن المزبور كما سيأتي من المصنف (قدس‌سره) التنبيه على ذلك ، بل المعتبر في صحة الاستعمال المجازي هو المناسبة التي يقبلها طبع أهل الاستعمال وجبلّتهم الغريزية وان نسب إلى الجمهور كونه بالوضع (*) مع اختلافهم في مقدار العلائق الملحوظة بين المعنى الحقيقي وبين المجازي الموجبة لإذن الواضع باستعمال اللفظ فيما يناسب المعنى الحقيقي المسماة هذه الإذن بالوضع النوعيّ ، لأنّ الواضع باعتبار نوع العلائق أذن في ذلك.

__________________

(*) لا يخفى أنّ المراد بهذا الوضع ليس هو الوضع الشخصي ، كالأعلام الشخصية الملحوظ فيه كل من مادة اللفظ وهيئته وخصوصية المعنى ، ولا الوضع النوعيّ الملحوظ فيه الهيئة فقط مع الغض عن المادة كما في وضع هيئة فاعل وغيرها من هيئات المشتقات ، ولا وضع المادة فقط مع الغض عن هيئة خاصة ، نظير ـ ض ر ب ـ ، بل المراد بالوضع هنا وضع اللفظ بمادته وهيئته لكل معنى يناسب ما وضع له أولا من المعاني ، كوضع لفظ ـ أسد ـ ثانياً لكل معنى يناسب معناه الموضوع له أولا ـ وهو الحيوان المفترس ـ في الشجاعة أو غيرها ، وهذا الوضع الثانوي يوجب الاشتراك اللفظي ، فيصح استعماله في كل معنى يكون بينه وبين المعنى الموضوع له أوّلا إحدى العلائق المعهودة ، وهذا وضع نوعي باعتبار عدم خصوصية المعنى ، وشموله لكل معنى مناسب للمعنى الأوّلي ، كنوعية وضع

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الهيئات باعتبار عدم لحاظ خصوصية مادة من المواد فيها.

وبالجملة : فعدم تعين المعنى في المقام يوجب نوعية الوضع. لكن فيه :

أولا : أنّه مجرد إمكان لا دليل على وقوعه ، بل مقتضى الأصل عدمه.

وثانياً : أنّه مخالف لما ذكره علماء العربية من تعريف المجاز بأنّه الكلمة المستعملة في غير ما وضع له ، إذ لازم الوضع النوعيّ للمجاز هو إنكار المجاز رأساً ، مع أنّهم قسّموا الاستعمال إلى الحقيقي والمجازي. ودعوى إرادتهم الوضع الشخصي في تعريف المجاز خالية عن البرهان ، مضافاً إلى أنّ إرادته تهدم أساس الوضع النوعيّ في سائر الموارد ، وتوجب انحصار الحقيقة في الوضع الشخصي ، وصيرورة الاستعمال في المعاني الموضوعة بالوضع النوعيّ مجازياً ، وهو كما ترى.

وأمّا ترخيص الواضع للاستعمال في غير المعنى الموضوع له أولا ، فان أُريد به الوضع النوعيّ المتقدم فقد عرفت ما فيه ، وان أُريد به الاذن ـ كما هو الظاهر ـ فلا وجه لتوقف صحة الاستعمال المجازي عليه ، إذ لا دليل على هذا التوقف بعد انحصار وظيفة الواضع في جعل اللفظ حاكياً عن المعنى وقالباً له بحيث يكون إلقاء اللفظ إلقاءً للمعنى. إلا أن يقال : إنّ هذا الترخيص من شئون الوضع الّذي هو وظيفة الواضع ، لكن هذا بمجرده لا يثبت الوقوع ، لأعمية الإمكان منه ، بل الأصل عدمه.

فالحق أن يقال : إنّ الاستعمال فيما يناسب المعنى الموضوع له ليس بالوضع والترخيص ، بل بالطبع ، فكل ما يستحسنه الطبع من الاستعمال يصح وإن لم يكن شيء من العلائق المجازية المذكورة في كتب القوم موجوداً ، وكل

٥٤

حسنه (١) ، والظاهر أنّ صحة استعمال اللفظ في نوعه (٢) أو مثله (٣) من قبيله (٤) كما تأتي الإشارة إلى تفصيله (٥).

(الرابع) لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ وإرادة نوعه (٦) به كما إذا قيل :

______________________________________________________

(١) مرجع الضميرين الاستعمال ، ثم إنّه لمّا كان البرهان على صحته شهادة الوجدان بحسنه ، فالأولى أن يقال : «ولا معنى لحسنه إلّا صحته» فتدبر.

(٢) ك ـ ضرب ـ في قولنا : «ضرب فعل ماضٍ» إذا أردنا به هيئة ـ فعل ـ من أي مادة كانت.

(٣) كقولنا : زيد في ـ ضرب زيد ـ فاعل ، إذا أردنا به مثله.

(٤) أي : من قبيل استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له بالطبع.

(٥) أي : في الأمر الآتي.

(٦) يعني : إرادة نوع اللفظ باللفظ المذكور في الكلام ، فيكون اللفظ حاكياً عن اللفظ ، والمحكي تارة نوع اللفظ المذكور في القضية ، كهيئة ـ فعل ـ في قولنا : «ضرب فعل ماض» وان كان في هذا المثال مسامحة ، ضرورة عدم شمول النوع لشخص ـ ضرب ـ المذكور في الكلام الحاكي عنه ، لأنّ الحاكي اسم وليس فعلا حتى يشمله النوع المحكي به. نعم لا بأس بأن يكون مثالا للمثل. فالمثال لإرادة النوع هو أن يقال : «ضرب كلمة» أو «ثلاثي» وأُخرى صنفه ، «كزيد في ـ ضرب زيد ـ فاعل» إذا أُريد به كل اسم يقع عقيب فعل يقوم به قياماً صدورياً ك ـ ضرب زيد ـ أو حلولياً ك ـ مرض عمرو ـ غايته أنّ الصنف

__________________

ما لا يستحسنه الطبع لا يصح وان كان مع وجود بعض تلك العلائق ، كاستعمال ـ الحمار ـ في ـ زيد ـ إذا فُرض ركوبه على الحمار دائماً أو غالباً ، فإنّ عدم حُسنه بديهي مع وجود علاقة الحال والمحل.

٥٥

«ضرب مثلا فعل ماض» أو صنفه كما إذا قيل : «زيد في ضرب زيد فاعل» إذا لم يقصد به (١) شخص القول (٢) أو مثله (٣) ك ـ ضرب ـ في المثال (٤) فيما إذا قصد (٥) ، وقد أشرنا (٦) إلى أنّ صحة الإطلاق كذلك (٧) وحسنه (٨) إنّما كان بالطبع لا بالوضع ، وإلا (٩) كانت المهملات موضوعة

______________________________________________________

تارة يشمل الملفوظ كقوله : زيد في صدر الجملة الاسمية مبتدأ ، لكون زيد في هذا المثال مبتدأ ، وأخرى لا يشمله كقوله : زيد في ـ ضرب زيد ـ فاعل ، لكون زيد حينئذٍ مبتدأ لا فاعلا ، فلا يشمل الصنف هذا الملفوظ.

(١) أي : بزيد الواقع عقيب ـ ضرب ـ ، إذ مع قصد شخصه يخرج عن الصنف ويندرج في حكاية الشخص عن نفسه.

(٢) وهو زيد الثاني المحكي بزيد الأوّل ، ومحصل مراده : أنّ التمثيل بهذا المثال للصنف منوط بعدم إرادة الشخص من ـ زيد ـ المحكي وهو الثاني.

(٣) معطوف على ـ نوعه ـ يعني : لا شبهة في إطلاق اللفظ وإرادة مثله كإرادة نوعه.

(٤) وهو المثال الأوّل الّذي ذكره لإرادة النوع.

(٥) يعني : فيما إذا قصد المثل. والحاصل : أنّ حكاية ـ ضرب ـ مثلاً عن نوعه أو مثله منوطة بقصد المتكلم.

(٦) أي : في الأمر الثالث.

(٧) أي : إلى صحة إطلاق اللفظ وإرادة النوع أو الصنف أو المثل منه.

(٨) أي : وقد أشرنا إلى : أنّ حُسن هذا الإطلاق إنّما كان بالطبع لا بالوضع.

(٩) أي : وان لم يكن إطلاق اللفظ وإرادة النوع وأخويه منه بالطبع ،

٥٦

لذلك (١) لصحة الإطلاق كذلك (٢) فيها (٣) ، والالتزام بوضعها لذلك (٤) كما ترى (٥). وأمّا إطلاقه وإرادة شخصه ، كما إذا قيل : «زيد لفظ» وأُريد منه شخص نفسه ، ففي صحته بدون تأويلٍ (٦) نظر ، لاستلزامه اتحاد الدال

______________________________________________________

بل كان بالوضع ـ كما نسب إلى المشهور ـ لزم منه الالتزام بوضع المهملات للنوع أو الصنف ، وهو خلف ، إذ المفروض عدم الوضع للمهملات ، مع وضوح صحة قولنا : «ديز مقلوب زيد» و «جسق مهمل» وغيرهما مما يصح أن يراد به النوع وأخواه.

(١) أي : للنوع أو الصنف أو المثل.

(٢) أي : بأحد الأنحاء الثلاثة من النوع وأخويه.

(٣) أي : في المهملات كما عرفت.

(٤) أي : لما أُريد من المهملات كإرادة المثل في قوله : «ديز مقلوب زيد» وجسق مهمل.

(٥) لأنّه مستلزم لعدم صحة تقسيمهم اللفظ إلى الموضوع والمهمل ، إذ اللازم حينئذٍ عدم اللفظ المهمل ، ضرورة اشتراك جميع الألفاظ في هذه الدلالة ، فلو كان للمجاز وضع يلزم فساد التقسيم المذكور ، لثبوت الوضع لجميع الألفاظ ، ويلزم الاشتراك اللفظي لها ، لكون وضع المجاز نوعياً ووضع المعنى الموضوع له أولا شخصياً ، فلا محيص عن الالتزام بكون المجاز منوطاً بحسن الاستعمال طبعاً لا وضعاً ، وحينئذٍ لا يتوجه على تقسيم اللفظ إلى الموضوع والمهمل محذور الخلف وانتفاء المهمل أصلا كما لا يخفى.

(٦) هذه العبارة توهم صحة الإطلاق وإرادة شخصه مع التأويل ، مع أنّه ليس كذلك ، لخروجه حينئذٍ عن إرادة شخص نفس اللفظ.

٥٧

والمدلول (١) أو تركّب القضية من جزءين (٢) كما في الفصول ، بيان ذلك (٣): أنّه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذٍ (٤) لزم الاتحاد (٥) ، وإلا (٦) لزم تركبها من جزءين ، لأنّ القضية اللفظية ـ على هذا (٧) ـ إنّما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع ، فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزءين (٨) ، مع امتناع

______________________________________________________

(١) توضيحه : أنّ لفظ زيد في المثال إن دل على نفسه يلزم اتحاد الدال والمدلول ، وهو ممتنع ، ضرورة أنّ الحاكي فانٍ في المحكي ، فيكون النّظر إليه آلياً ، وإلى المحكي استقلالياً ، ولازم اتحادهما اجتماع النظرين المتضادين ، وهو محال. وإن لم يدل على نفسه لزم تركّب القضية المعقولة المحكية بالقضية الملفوظة من جزءين ، إذ المفروض عدم دلالة لفظ زيد على معنى ليكون ذلك المعنى موضوعاً للقضية المعقولة ، فلا محيص حينئذٍ عن تركّبها من جزءين :

(أحدهما) المحمول وهو لفظ (والآخر) النسبة ، وذلك ممتنع ، لاستحالة تحقق النسبة الكلامية بدون المنتسبين.

(٢) قد عرفت تقريبه آنفاً.

(٣) أي : بيان الملازمة بين إرادة الشخص وبين أحد المحذورين ، وهما : اتحاد الدال والمدلول ، وتركّب القضية من جزءين.

(٤) أي : حين إرادة شخصه.

(٥) وهو المحذور الأول المتقدم آنفاً.

(٦) أي : وان لم تعتبر دلالته على نفسه لزم المحذور الثاني ، وهو تركب القضية من جزءين ، مع لزوم تركبها من ثلاثة أجزاء كما لا يخفى.

(٧) أي : على تقدير عدم الدلالة.

(٨) وهما : المحمول والنسبة ، إذ المفروض عدم دلالة ـ زيد ـ على معنى يكون هو الموضوع.

٥٨

التركيب إلا من الثلاثة (١) ، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين (٢) ، قلت : يمكن أن يقال (٣) : إنّه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتباراً وان اتحدا

______________________________________________________

(١) التي منها الموضوع المفروض عدمه هنا.

(٢) وهما : الموضوع والمحمول ، فيمتنع الحكاية عن النسبة مع عدم الموضوع (٣) في دفع نظر الفصول على كل واحد من التقديرين :

(أمّا التقدير الأول) وهو دلالته على نفسه المستلزمة لمحذور اتحاد الدال والمدلول ، فيمكن دفعه بكفاية تغايرهما اعتباراً ، وعدم الحاجة إلى تغايرهما ذاتاً ، والمفروض تحقق التغاير الاعتباري بينهما في المثال ، ضرورة أنّ للفظ ـ زيد ـ حيثيتين (إحداهما) : حيثية صدوره من المتكلم ، (والأخرى) : حيثية خطوره في ذهن السامع ، فبلحاظ الجهة الأولى يكون دالا ، وبلحاظ الجهة الثانية يكون مدلولا.

وبالجملة : فمن حيث كونه مخطِراً (بالكسر) دال ، ومن حيث كونه مخطَراً (بالفتح) مدلول ، فتعدد الدال والمدلول اعتباراً كافٍ (*).

(وأمّا التقدير الثاني) وهو الّذي أشار إليه بقوله : «مع ان حديث تركب القضية ... إلخ» فتوضيحه : أنّه يمكن منع تركّب القضية من جزءين على فرض

__________________

(*) يرد عليه : لزوم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي ، لأنّ لحاظه من حيث كونه دالا آليٌّ ومن حيث كونه مدلولا استقلالي ، مع أنّ دلالة اللفظ على معناه ليست متقومة بحيثية صدوره ، بل هي متقومة بالعلم بوضع اللفظ لمعناه. وأيضا لا تناط مدلولية المعنى بكونه مراداً للمتكلم ، إذ المحكي ذات المعنى لا بوصف كونه مراداً له ، فالتغاير الاعتباري غير كافٍ ، ولا يندفع به إشكال الاتحاد.

٥٩

ذاتاً ، فمن حيث إنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالا ، ومن حيث إنّ نفسه وشخصه مراده كان مدلولا ، مع أنّ حديث تركّب القضية من جزءين ـ لو لا اعتبار الدلالة في البين ـ إنّما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه ، وإلا كان أجزاؤها الثلاثة تامة ، وكان المحمول فيها منتسباً إلى شخص اللفظ ونفسه ، غاية الأمر أنّه نفس الموضوع ، لا الحاكي عنه (١) ، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقة (٢) ، وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ بشيء (٣) ، بل يمكن أن يقال : إنّه ليس أيضا

______________________________________________________

عدم دلالة اللفظ على نفسه بأن يقال : إنّ هذا المحذور يلزم إذا لم يكن شخص اللفظ موضوعاً واقعاً للقضية ، وإلا كانت أجزاؤها ثلاثة ، لتركّب القضايا المتعارفة من موضوع ومحمول لفظيين ومعنويين ، مثلا ـ زيد قائم ـ يشتمل على موضوع لفظي وهو ـ زيد ـ ، ومعنوي وهو معنى ـ زيد ـ ، ومحمول كذلك وهو لفظ ـ قائم ـ ومعناه ، فالموضوع اللفظي وكذا المحمول اللفظي حاكيان عن الموضوع والمحمول المعنويين ، ولا يلزم في المقام ـ على تقدير عدم دلالة لفظ «زيد» على معنى ـ إلّا خلوّ القضية عن الموضوع اللفظي المسمى ب ـ الصناعي ـ الحاكي عن الموضوع الواقعي ، إذ المفروض موضوعية نفس لفظ ـ زيد ـ لا معناه ، ولا ضير في خلوّ القضية عن اللفظ الحاكي عن الموضوع الواقعي ، والضائر إنّما هو خلوّ القضية عن الموضوع الواقعي ، فاللازم ـ وهو عدم الحاكي ـ غير مستحيل ، والمستحيل ـ وهو عدم الموضوع بحسب الواقع ـ غير لازم ، هذا توضيح ما أفاده بقوله : «وإلا كان أجزاؤها الثلاثةُ تامة ... إلخ».

(١) أي : عن الموضوع الواقعي ، كما هو الشأن في القضايا المتعارفة.

(٢) لأنّ جعل ـ زيد ـ بلفظه موضوعاً دون معناه خلاف القضايا المتعارفة.

(٣) يعني : على تقدير كون الموضوع شخص اللفظ ليس من باب استعمال

٦٠