منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيداً (١). ثم إنّه (٢) يمكن أن يستدل على البساطة بضرورة (٣) عدم تكرر الموصوف في مثل ـ زيد الكاتب ـ ولزومه (٤) من التركب وأخذ (٥) الشيء مصداقاً أو مفهوماً في مفهومه (٦).

(إرشاد) لا يخفى أنّ معنى البساطة (٧) بحسب المفهوم وحدته إدراكاً

______________________________________________________

العرض العام في الفصل ، وهذا وإن كان خلاف السياق ، لكن لا محيص عنه بعد ما عرفت من عدم المناسبة بين المفضل ـ وهو أخذ النوع في الفصل ـ وبين المفضل عليه وهو الانقلاب ، فتدبّر.

(١) لعله إشارة إلى بعض ما ذكرناه أو غيره.

(٢) هذا الاستدلال منسوب إلى المحقق الدواني.

(٣) محصل تقريب الاستدلال هو : أنّه يحكم الوجدان والضرورة بعدم تكرر الموصوف في مثل ـ زيد الكاتب ـ ، إذ لو كان المشتق مركّباً من الشيء مفهوماً أو مصداقاً لَزِم تكرُّره بأن يقال في المثال ـ زيد زيد الكاتب ـ إن كان المأخوذ في مفهوم المشتق مصداق الشيء ، وزيد الشيء الكاتب إن كان المأخوذ في مفهومه مفهوم الشيء ، فعدم تكرُّر الموصوف في المثال ونظائره برهان إنّيٌّ على البساطة ، وبه استدل المحقق الدواني على اتحاد العرض كالبياض والعرضي كالأبيض.

(٤) معطوف على ـ عدم ـ وضميره راجع إلى التكرر.

(٥) معطوف على ـ التركب ـ ومفسِّر له.

(٦) أي : مفهوم المشتق.

(٧) يعني : معنى البساطة التي يبحث عنها في المشتق ، توضيحه : أنّ المراد ببساطة مفهوم المشتق هو كون معناه بحسب الإدراك والتصور واحداً بأن يكون

٣٢١

وتصوراً بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئان وإن انحل بتعمّل

______________________________________________________

المشتق حاكياً عن معنى واحد كالشجر والحجر والإنسان ، فإنّ كل واحد من هذه الألفاظ لا يحكي إلّا عن مفهوم واحد بحيث لا ينسبق منه إلى الذهن إلّا ذلك الواحد في قبال المعنى المتعدد المحكي بلفظ واحد ، بحيث ينسبق منه المعنى المتعدد ، كما إذا فرض كون لفظ قالباً لمعنيين أو أكثر ، وبساطة المعنى بحسب الإدراك والانسباق إلى الذهن لا تنافي التركُّب بحسب التحليل العقلي ، حيث إنّ ظرف البساطة هو التصور الذهني ، وظرف التركُّب هو التحليل العقلي ، وعلى هذا فالضارب مثلاً دالّ على مفهوم واحد وإن كان عند التحليل العقلي منحلاً إلى شيءٍ ثبت له الضرب (*).

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناءً على إنكار الاشتقاق وعدم صحة صوغ لفظ من لفظ آخر ، بل كل لفظ بحياله وضع لمعنى ، لا محذور في جعل المشتق موضوعاً لذات متصفة بعرض كما هو المرتكز في أذهان العرف ، فيكون دلالة المشتق حينئذٍ على الذات بالتضمن ، وبناءً على تسليم الاشتقاق تكون الذات خارجة عن مدلوله ، لتركب المشتق حينئذٍ من مادة سارية في جميع المشتقات المصوغة منها ، وهيئة دالة على النسبة ، ولا يدل شيء منهما على الذات.

أمّا المادة ، فلكونها موضوعة لنفس العرض كالضرب في الضارب.

وأمّا الهيئة ، فلكونها موضوعة لانتساب المادة ، لكن لمّا كانت النسبة معنى حرفيّاً ، فلا محالة تتقوم بتصور طرفيها وهما المادة والذات ، ولأجله تحكي الهيئة عن الذات ، إلّا أنّ هذه الحكاية ليست من الدلالة التضمنية ، إذ المفروض عدم كون الذات مدلولاً للمادة ولا للهيئة ، بل الدلالة التزامية لأجل تقوُّم النسبة التي هي معنى الهيئة بتصوُّر المنتسبين. فدعوى انسباق الذات من المشتق عرفاً على كل

٣٢٢

من العقل إلى شيئين (١) كانحلال مفهوم الشجر أو الحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما (٢).

وبالجملة : لا تنثلم بالانحلال إلى الاثنينية بالتعمّل العقلي وحدةُ المعنى (٣) وبساطة المفهوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك (٤) يرجع الإجمال والتفصيل الفارقان

______________________________________________________

وبالجملة : فالقائل ببساطة المشتق يريد بها وحدة المعنى تصوراً ، والقائل بتركبه يمكن أن يريد به تعدُّده تعقلا ، ولا تنافي بينهما أصلا ، لما بين المعنى الواحد تصوراً وتركبه تعقلا من كمال الملاءمة ، فإنّ لفظ الإنسان مثلا وضع لمعنى واحد وهو المنسبق منه إلى الذهن ، لكن العقل يحلِّله إلى جنس وفصل.

(١) يعني : انّ موطن الوحدة هو التصور الذهني وموطن التعدد هو التحليل العقلي.

(٢) إذ لا ينسبق من لفظ الحجر أو الشجر إلّا مفهوم واحد.

(٣) لما عرفت من تعدُّد وعاء الوحدة والتركب الموجب لعدم التنافي بينهما.

(٤) أي : البساطة التصورية والتركُّب التحليلي العقلي يرجع الإجمال والتفصيل الموجبان للفرق بين المحدود كالإنسان وبين الحدّ كالحيوان تعريف الإنسان ، مع أنّ المحدود والحد متحدان ذاتاً والفارق بين الإجمال والتفصيل ، فإنّ المحدود واحد تصوراً والحد يكون عينه ، لكن العقلي ، فالتفصيل ملحوظ في الحد ، والإجمال ملحوظ في المحدود.

__________________

تقدير في محلها ، غاية الأمر أنّ الدلالة عليها بناءً على إنكار الا وبناءً على تسليمه التزامية ، وليس هذا الانسباق ذلك التبادر كما لا يخفى.

٣٢٣

بين المحدود والحدّ مع ما هما (١) عليه (٢) من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمُّل يحلّل النوع ويفصله إلى جنس وفصل بعد ما كان (٣) أمراً واحداً إدراكاً وشيئاً فارداً تصوراً ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع (٤).

الثاني (٥) : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوماً أنّه (٦) بمفهومه لا يأبى عن

______________________________________________________

(١) أي : الحد والمحدود.

(٢) الضمير راجع إلى ـ ما ـ الموصولة المبيّنة بقوله : «من الاتحاد ذاتاً» يعني : مع الاتحاد الّذي يكون الحدّ والمحدود عليه.

(٣) أي : النوع كالإنسان.

(٤) يعني : فالتحليل يوجب فتق الجمع الّذي يكون المحدود عليه ، فضمير ـ هو ـ راجع إلى المحدود ، وضمير ـ عليه ـ راجع إلى ـ ما ـ الموصولة التي أُريد بها الجمع ، والفتق ضد الالتئام.

(٥) الغرض من عقد هذا الأمر : دفع توهم عدم صحة حمل المشتق بناءً على البساطة ، لعدم الفرق حينئذٍ بينه وبين مبدئه ، إذ المفروض أنّ المعنى في المشتق ومبدئه ليس إلّا نفس الحدث الّذي لا يقبل الحمل. والمصنف (قده) دفع هذا التوهم بأنّ المشتق لا يأبى عن الحمل ، لأنّه عبارة عن العرض المتحد مع المحل بنحو من الاتحاد المصحح للحمل ، بخلاف المبدأ كالعلم والعدالة ، فإنّ معناه لمّا كان نفس العرض بما هو شيء من الأشياء وماهية في مقابل الماهيات الأُخرى الجوهرية والعرضية كان مغايراً لغيره وغير متحد معه ، ولذا لا يصح أن يقال : «زيد علم أو عدل» إلّا بضرب من العناية ، فمفهوم المبدأ لمّا لم يلاحظ فيه الاتحاد الوجوديّ مع غيره لا يقبل الحمل ، بخلاف مفهوم المشتق.

(٦) أي : المشتق بمفهومه.

٣٢٤

الحمل على ما تلبس بالمبدإ ، ولا يعصي عن الجري عليه (١) ، لما هما عليه (٢) من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه (٣) يأبى عن ذلك (٤) ، بل إذا قيس ونُسب إليه (٥) كان غيره (٦) لا هو هو (٧) ، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا (٨) يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما

______________________________________________________

(١) أي : على ما تلبس بالمبدإ.

(٢) أي : للاتحاد الّذي يكون عليه المبدأ وما تلبس به ، فضمير ـ هما ـ راجع إلى المبدأ وما تلبس به ، وضمير ـ عليه ـ راجع إلى ـ ما ـ الموصولة المراد بها الاتحاد ، فقوله : «لما» تعليل لعدم إباء المشتق عن الحمل على المتلبس بالمبدإ ، لوجود شرط صحة الحمل وهو الاتحاد.

(٣) الضميران راجعان إلى ـ المبدأ ـ.

(٤) أي : عن الحمل ، حاصله : أنّ المبدأ بمعناه المتقدم آنفاً آبٍ عن الحمل.

(٥) يعني : بل إذا قيس المبدأ ونُسب إلى ما تلبس به كان مغايراً له بحيث لا يصح حمله عليه ، لتوقف صحة الحمل على الاتحاد والهوهوية ، فلا يصح ذلك مع المغايرة.

(٦) أي : غير المتلبس ، ولا يكون المبدأ متحداً معه.

(٧) يعني : والحال أنّ ملاك الحمل هو الاتحاد المفقود في المبدأ والموجود في المشتق.

(٨) أي : وإلى الفرق المذكور (*) بين المبدأ والمشتق يرجع ما ذكره أهل

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الفرق واقعي لا اعتباري ، ضرورة أنّ مفهوم العلم مثلاً نفس الإدراك الّذي هو من مقولة الكيف أو غيره ، ومفهوم العالم ـ بناءً على بساطة المشتق ـ يكون منتزعاً عن الذات المتجلية بالعلم وجارياً عليها ، ومن المعلوم كمال المغايرة بينهما ، إذ مفهوم المبدأ ـ كالعلم في المثال ـ ليس منتزعاً عن الذات المتصفة

٣٢٥

من أنّ المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أي يكون مفهوم المشتق

______________________________________________________

المعقول في مقام الفرق بينهما.

ومحصل ذلك : أنّ مفهوم المشتق لوحظ على نحو لا بشرط ، ولذا يتحد وجوداً مع الذات باعتبار كونه من توابعها ولواحقها ، وهذا النحو من الاتحاد كافٍ في صحة حمله عليها ، ومفهوم المبدأ لوحظ بشرط لا بمعنى كونه في مقابل الذات بحيث يكون وجوده ملحوظاً في قبال وجودها ، وهذا يقتضي المغايرة ، فليس هناك اتحاد مصحح للحمل ، ولذا لا يصح حمل المبدأ على الذات ، وبعبارة أُخرى : للعرض حيثيتان :

إحداهما : كونه موجوداً بمفاد كان التامة نظير وجود الجوهر والعرض بهذا اللحاظ هو نفسه لا غيره ، ولذا لا يصح حمله ، لمغايرته لغيره الرافعة لشرط الحمل وهو الاتحاد.

ثانيتهما : كونه موجوداً بمفاد كان الناقصة ، وهو بهذا اللحاظ يكون مندكّاً في موضوعه وفانياً فيه ومن شئونه ، ولذا يصح حمله عليه ، وهذا هو مرجع

__________________

بالإدراك حتى يصح حمله عليها ، بل هو نفس الإدراك ، بخلاف مفهوم المشتق ، فإنّه منتزع عن الذات المتصفة بالإدراك ، ولذا يصح حمله عليها ، لمكان اتحاد العرض والمحل ، حيث إنّه قيد لموضوعه ونعت له وإن كان وجود العرض نفسياً كالجوهر لكن وجوده النفسيّ يكون للغير ، ولذا قيل : إنّ وجود العرض في نفسه عين وجوده لغيره في مقابل الجوهر الّذي يكون وجوده في نفسه لنفسه ، فإنّ الوجود النفسيّ أي المحمولي الّذي هو مفاد كان التامة المتحقق في الهليّات البسيطة ينقسم إلى الوجود للنفس وللغير ، والأوّل وجود الجوهر والثاني وجود العرض ، وكيف كان فالفرق بين المشتق ومبدئه واقعي لا اعتباري.

٣٢٦

غير آبٍ عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبياً عنه ، وصاحب الفصول (ره) حيث توهم : أنّ مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين (١) بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية (٢) مع حفظ مفهوم واحد (٣) أورد عليهم بعدم (٤)

______________________________________________________

ما ذكره أهل المعقول من الفرق بين المشتق ومبدئه ، ثم إنّ هذا توطئة لردّ كلام الفصول الآتي.

(١) أي : اعتبار لا بشرط وبشرط لا.

(٢) كالزمان والمكان والوضع وغيرها من العوارض المبحوث عنها في مبحث المطلق والمقيد.

(٣) يعني : كما في المطلق والمقيد ، فإنّ مفهوم الرقبة مثلا واحد ويلاحظ اللابشرط وبشرط اللائية بالإضافة إلى الطوارئ كالإيمان والكتابة وغيرهما من العوارض ، فيقال : إنّ الرقبة بالنسبة إلى الإيمان ملحوظة لا بشرط أو بشرط لا ، فالجامع بين اللابشرط وبشرط لا موجود وهو مفهوم الرقبة.

(٤) قال في الفصول ما لفظه : «زعم جماعة من أهل المعقول أنّ الفرق بين المشتق ومبدئه هو الفرق بين الشيء لا بشرط وبينه بشرط لا ، فحدث الضرب إن اعتبر بشرط لا كان مدلولاً للفظ الضرب وامتنع حمله على الذات الموصوفة به ، وان اعتبر لا بشرط كان مدلولا للفظ الضارب وصح حمله عليها ، وعلى هذا القياس فجعلوا الفرق بين العرض والعرضي كالفرق بين الهيولى والجنس وبين الصورة والفصل ، وهذا عندي غير مستقيم ... إلى ان قال : إذا تبين عندك هذا ، فنقول : أخذ العرض لا بشرط لا يصحح حمله على موضوعه ... إلى أن قال : فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وان اعتبرا لا بشرط» انتهى. وملخص إيراد الفصول على أهل المعقول هو : أنّ الفرق بين المشتق ومبدئه بلحاظ الأوّل لا بشرط والثاني بشرط لا بالنسبة

٣٢٧

استقامة الفرق بذلك (١) لأجل (٢) امتناع حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبر لا بشرط ، وغفل (٣) عن أنّ المراد ما

______________________________________________________

إلى العوارض الخارجية مع كون المفهوم فيهما واحداً ذاتاً لا يستقيم ، لأنّه لا يوجب صحة حمل المشتق على الذات دون المبدأ ، ضرورة عدم صحة حمل مثل القيام والقعود والحركة والسكون وغيرها من المبادئ على الذوات ، لعدم الاتحاد بينهما المصحح للحمل وإن لوحظت المبادئ لا بشرط.

(١) أي : بالاعتبارين الملحوظين بالإضافة إلى العوارض الخارجية.

(٢) تعليل لعدم استقامة الفرق بين المشتق ومبدئه بالاعتبارين المذكورين.

(٣) هذا جواب المصنف عن إيراد الفصول ، وحاصله : أنّ إشكال الفصول على أهل المعقول مبنيٌّ على إرادة اللابشرط وبشرط لا الملحوظين في باب المطلق والمقيد ـ يعني لحاظهما بالإضافة إلى العوارض الخارجية ـ كلحاظ الرقبة مثلا لا بشرط أو بشرط لا بالنسبة إلى الإيمان والكتابة ونحوهما من الطوارئ ، حيث إنّ اللابشرط وبشرط لا بهذا المعنى لا يوجبان صحة حمل العلم مثلا على الذات وان لوحظ لا بشرط بالإضافة إلى الزمان والمكان مثلا ، لأنّ الحمل منوط بالاتحاد وجوداً ، ومجرّد اللحاظ لا يوجب ذلك ، فلا وجه للحمل أصلا. وأمّا إذا أُريد بهما ما يلاحظان في باب الجنس والفصل والمادة والصورة فلا يرد عليهم ما أورده في الفصول ، وذلك لأنّ المراد باللابشرط وبشرط لا في المقام هو المنتزع عن حقيقة الشيء ومفهومه ، لا ما ينتزع عن الطوارئ كالمطلق والمقيد على ما تقدم آنفاً ، فإنّ المصدر بحقيقته وهويّته يكون بشرط لا ، لأنّه عبارة عن نفس العرض بما أنّه ماهية من الماهيات ، وهو بهذا المعنى آبٍ عن الحمل ، فإباؤه عن الحمل مقتضى حقيقته لا بلحاظ بشرط اللائية ، كما أنّ عدم الإباء عن الحمل المنتزع عنه اللابشرطية

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو مقتضى حقيقة المشتق ومفهومه ، وهذان الاعتباران من اللابشرطية وبشرط اللائية متباينان ، لعدم جامع بينهما ، بخلافهما في باب المطلق والمقيد ، لوجود القدر المشترك بينهما وهو مفهوم المطلق كالرقبة ، فإنّه جامع بين اللابشرط وبشرط لا ، ولذا يلاحظ بالنسبة إلى الإيمان مثلا لا بشرط أو بشرط لا. ونظر أهل المعقول في مقام الفرق بين المبدأ والمشتق بكون الأوّل مأخوذاً بشرط لا والثاني لا بشرط إنّما هو إلى ما ذكرناه من كون هذين الاعتبارين منتزعين عن مقام الذات لا عن الطوارئ ، كما أنّ مرادهم من اللابشرط وبشرط لا في مقام الفرق بين الجنس والمادة والفصل والصورة هو انتزاعهما عن نفس الذات والحقيقة لا باعتبار الطوارئ ، فإنّ الجنس بذاته غير آبٍ عن الحمل ، وكذا الفصل والمادة والصورة بذاتهما آبيتان عن الحمل.

وبالجملة : فاللابشرطية وبشرط اللائية في المشتق ومبدئه منتزعتان عن الذات كانتزاعهما عن الجنس والمادة والفصل والصورة ، وليس المقصود بهما ما يراد بهما في المطلق والمقيد ، وإشكال الفصول على أهل المعقول مبنيٌّ على إرادة ما يراد بهما في باب المطلق والمقيد ، دون ما يراد بهما في باب الجنس والفصل والمادة والصورة (*).

__________________

(*) لكن يظهر من كلام الحكيم السبزواري خلاف ذلك ، حيث قال في شرح بيته :

جنس وفصل لا بشرط حملا

فمدة وصورة بشرط لا

ما لفظه : «وفيه إشارة إلى أنّ كلًّا من هاتين مع كل من هذين متحد ذاتاً مختلف اعتباراً» وقال (قده) في الحاشية : «قولنا متحد ذاتاً أي المادة متحدة

٣٢٩

ذكرنا (١) كما يظهر (٢) منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة ، فراجع.

______________________________________________________

(١) يعني : في أوّل هذا الأمر ، حيث قال : «إنّه بمفهومه يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ» فلاحظ.

(٢) يعني : كما يظهر معنى اللابشرطية وبشرط اللائية على النحو الّذي ذكرناه من أهل المعقول ، غرضه : أنّ حمل كلام أهل المعقول على اللابشرطية وبشرط اللائية المنتزعتين عن الذات ليس حملاً له على خلاف ظاهره ، لأنّه يظهر منهم هذا المعنى من اللابشرطية وبشرط اللائية مما ذكروه في بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة.

تقريب الظهور : أنّ صحة الحمل في الجنس والفصل وعدمها في المادة والصورة إنّما هما لجهة ذاتية لا لأمر خارج عن الذات ، فلا محالة تكون اللابشرطية في الجنس والفصل وبشرط اللائية في المادة والصورة منتزعتين عن مقام الذات ، وغير ملحوظتين بالإضافة إلى أمر خارجي ، ويشهد بالتغاير الذاتي بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة : أنّ الأولين من الأجزاء الذهنية والأخيرين من الأجزاء الخارجية ، وقيل : إنّ ممّن صرّح بكون الفرق بينهما ذاتياً لا اعتبارياً الشيخ في كتاب الشفاء وإن خالفه بعض.

__________________

مع الجنس الطبيعي ذاتاً ومختلفة معه باعتباري الشرط لا ولا بشرط ، وكذا الصورة مع الفصل الطبيعي» انتهى ، وهذا كما ترى صريح في اتحاد الجنس والمادة والصورة والفصل ذاتاً ، وكون تغايرها اعتبارياً ، فلا يكون اللابشرطية وبشرط اللائية حينئذٍ منتزعتين عن مقام الذات ، لفرض اتحادها ذاتاً ، بل تكونان باللحاظ والاعتبار.

٣٣٠

(الثالث) : ملاك الحمل كما أشرنا (١) إليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر كما يكون بين المشتقات والذوات (٢) ، ولا يعتبر معه (٣)

______________________________________________________

(١) أي : في الأمر الثاني ، حيث قال فيه : «وملاك الحمل والجري .. إلخ» والغرض من عقد هذا الأمر هو : بيان ما يعتبر في صحة الحمل والإشارة إلى ما أفاده الفصول في المقام وإلى المناقشة فيه.

(أمّا الأوّل) فمحصله : أنّه يعتبر في صحة الحمل الاتحاد من وجه والمغايرة من آخر ، إذ مع الاتحاد في جميع الجهات لا يبقى اثنينية حتى يكون هناك عقد وضع وعقد حمل ، فلا بد من الاثنينية والمغايرة ليصح الحمل الّذي هو نسبة متقومة بشيئين ، كما أنّه مع التغاير في جميع الجهات لا يصح الحمل ، لكونهما حينئذٍ متباينين ، والحمل يقتضي الاتحاد ، ولا يصح حمل أحد المتباينين على الآخر ، ولا فرق في ذلك ـ أي في اعتبار الاتحاد من وجه والتغاير من آخر في صحة الحمل ـ بين أقسام الحمل من الذاتي كالحد التام مثل ـ الإنسان حيوان ناطق ـ ومن الشائع الصناعي بأنحائه من حمل المواطاة والاشتقاق وغيرهما.

(٢) أي : كما هو الحال في المشتقات والذوات من كون ملاك الحمل الاتحاد من وجه والتغاير من آخر ، لوضوح مغايرتهما مفهوماً واتحادهما وجوداً.

(٣) أي : مع المناط المزبور وهو الاتحاد من جهة والتغاير من أُخرى.

(وأمّا الثاني) وهو ما أفاده في الفصول ، فلا بأس بنقل كلامه ثم التعرض لإشكال المصنف عليه ، قال في الفصول ما لفظه : «وتحقيق المقام : أنّ حمل الشيء على الشيء يستدعي أن يكون بينهما مغايرة باعتبار الذهن في لحاظ الحمل ، واتحاد باعتبار الظرف الّذي يعتبر الحمل بالقياس إليه من ذهن أو خارج ، ثم التغاير قد يكون اعتبارياً والاتحاد حقيقياً كقولك : ـ هذا زيد ـ و ـ الناطق حساس ـ وقد

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون التغاير حقيقياً والاتحاد اعتبارياً ، وذلك بتنزيل الأشياء المتغايرة منزلة شيء واحد وملاحظتها من حيث المجموع.

وبالجملة : فيلحقه بذلك الاعتبار وحدة اعتبارية ، فيصح حمل كلِّ جزءٍ من أجزائه المأخوذة لا بشرط عليه ، وحمل كل واحد منها على الآخر بالقياس إليه نظراً إلى اتحادهما فيه كقولك : ـ الإنسان جسم أو ناطق ـ فإنّ الإنسان مركّب في الخارج حقيقة من بدن ونفس ، لكن اللفظ إنّما وضع بإزاء المجموع من حيث كونه شيئاً واحداً ولو بالاعتبار ، فإن أُخذ الجزءان بشرط لا ـ كما هو مفاد لفظ البدن والنّفس ـ امتنع حمل أحدهما على الآخر وحملهما على الإنسان ، لانتفاء الاتحاد بينهما ، وإن أُخذ اللابشرط ـ كما هو مفاد الجسم والناطق ـ صح حمل أحدهما على الآخر وحملهما على الإنسان ، لتحقق الاتحاد المصحح للحمل. فقد تحقق مما قررنا : أنّ حمل أحد المتغايرين بالوجود على الآخر بالقياس إلى ظرف التغاير لا يصح إلّا بشروط ثلاثة : أخذ المجموع من حيث المجموع ، وأخذ الأجزاء لا بشرط ، واعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع ، إذا تبين عندك هذا فنقول : أخذ العرض لا بشرط لا يصحِّح حمله على موضوعه ما لم يعتبر المجموع المركب منهما شيئاً واحداً ، ويعتبر الحمل بالقياس إليه ، ولا خفاء في أنّا إذا قلنا : ـ زيد عالم أو متحرك ـ لم نرد بزيد المركب من الذات وصفة العلم أو الحركة ، وإنّما نريد به الذات وحدها ، فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وان اعتبر لا بشرط.

بل التحقيق : أنّ مفاد الهيئة مفاد ذو ، ولا فرق بين قولنا : ذو بياض وقولنا : ذو مال ، فكما أنّ المال إن اعتبر لا بشرط لا يصح حمله على صاحبه كذلك البياض» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومحصل مرام الفصول هو : أنّه لا بدّ في صحة حمل أحد المتغايرين حقيقة المتحدين اعتباراً من شروط ثلاثة :

أحدها : ملاحظة المتغايرين كالنفس والبدن في الإنسان شيئاً واحداً ، بأن يعتبر الإنسان المركب منهما شيئاً واحداً اعتباراً مع تغاير النّفس والبدن حقيقة ، فالإنسان وضع لمجموع النّفس والبدن المتغايرين حقيقة والمتحدين اعتباراً.

ثانيها : أخذ أجزاء الإنسان لا بشرط ، كلحاظ البدن والنّفس باعتبار كونهما مفادي الجسم والناطق ، إذ لحاظهما بما أنّهما مفادا البدن والنّفس يوجب كونهما بشرط لا ، ومن المعلوم : أنّهما بهذا اللحاظ لا يقبلان الحمل.

ثالثها : اعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع ، بأن يكون المحمول كالناطق أو الجسم محمولاً على مجموع جزئي الإنسان ، هذا.

(وأمّا الثالث) وهو إشكال المصنف على الفصول الّذي أشار إليه بقوله : «ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب ... إلخ» فملخصه : أنّه يكفي في صحة الحمل مجرد الاتحاد من وجه ، ولا يعتبر في صحته ملاحظة المجموع أمراً واحداً ، بل لحاظ التركيب بين المتغايرين مخِلّ بالحمل ، لأنّه يوجب المغايرة بين الموضوع والمحمول بالكلية والجزئيّة ، مثلا إذا لاحظنا مجموع الناطق والجسم شيئاً واحدا وحملنا أحدهما على الإنسان المؤلّف منهما وقلنا : «الإنسان ناطق أو جسم» كان هذا الحمل نظير حمل الأجزاء على الكل ، كحمل ـ يد ـ أو ـ رجل مثلاً على زيد ، إذ المفروض كون الموضوع هو المجموع من حيث المجموع ، والمحمول كل جزء من الأجزاء بنفسه ، والجزء بما هو جزء آبٍ عن الحمل على الكل وعلى جزءٍ آخر ، فلا يصح هذا الحمل ، لمغايرة الجزء للكل وعدم الاتحاد المصحح للحمل بينهما.

٣٣٣

ملاحظة التركيب بين المتغايرين (١) ، واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك (٢) واحداً ، بل (٣) يكون لحاظ ذلك (٤) مُخلا ، لاستلزامه (٥) المغايرة بالجزئية والكلية (٦) ، ومن الواضح أنّ ملاك الحمل لحاظ (٧) بنحو الاتحاد بين

______________________________________________________

وبالجملة : فمجرّد اتحاد الموضوع والمحمول وجوداً كافٍ في صحة الحمل ، ولا حاجة معه إلى لحاظ المتغايرين شيئاً واحداً ، بل هو قادح في الحمل ، لكونه مستلزماً لحمل الجزء على الكل ، وهو بمكان من الفساد.

(١) إشارة إلى أوّل الشروط الثلاثة المذكورة في كلام الفصول ، وقد تقدمت.

(٢) أي : بما هو مجموع.

(٣) هذا هو الجواب الثاني الناظر إلى إخلال لحاظ التركيب بين المتغايرين بصحة الحمل ، لاستلزامه حمل الجزء على الكل ، كما عرفت في مثل ـ زيد يد أو رجل مثلا ، كما أنّ الجواب الأوّل ـ وهو قوله : «ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب» ناظر إلى عدم الحاجة في صحة حمل المتغايرين إلى لحاظ التركيب والوحدة ، وقد عرفت توضيح كلا الجوابين.

(٤) أي : التركيب ولحاظ المجموع أمراً واحداً.

(٥) هذا تعليل للإخلال المزبور أي : لاستلزام التركيب مغايرة الموضوع والمحمول بالكلية والجزئية وهذه المغايرة تمنع عن صحة الحمل كما مر تقريبه آنفاً.

(٦) حيث إنّ لحاظ تركُّب الإنسان مثلا يوجب كونه كُلًّا ، وكلٌّ من الناطق والجسم جزءاً له ، ومن المعلوم : مغايرة الكل للجزء ، وعدم صحة حمل الجزء على الكل كما عرفت آنفاً ، فلحاظ التركيب مخل بالحمل ، فلا يصح حمل الناطق على الإنسان في قولنا : «الإنسان ناطق».

(٧) الظاهر زيادة كلمة ـ لحاظ ـ إذ المناط في صحة الحمل هو نفس الاتحاد

٣٣٤

الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك (١) في التحديدات (٢) وسائر القضايا في طرف (٣) الموضوعات ، بل لا يلحظ في طرفها (٤) إلّا نفس معانيها (٥)

______________________________________________________

بأحد أنحائه في الظرف الّذي يضاف الحمل إليه من ذهن أو خارج كما صرّح به صاحب الفصول في صدر عبارته المتقدمة ، فإنّ الحمل تابع للاتحاد في موطنه سواء كان ذهناً ك ـ الإنسان نوع ـ أم خارجاً ك ـ الإنسان كاتب ـ وليس الحمل تابعاً للحاظ الاتحاد. ثم إنّ حق العبارة أن تكون هكذا : ـ نحو من الاتحاد ـ.

(١) أي : ملاحظة المجموع أمراً واحداً ، هذا إشارة إلى ردِّ ما في الفصول من اعتبار لحاظ التركيب.

ومحصل الرد : أنّ هذا اللحاظ مما يكذِّبه الوجدان في القضايا الحملية مثل ما يقع في التعريفات وغيرها ، فإنّ الملحوظ في الإنسان في قولنا : «الإنسان ناطق» الّذي جعله في الفصول مثالاً لمتغايري الوجود ليس إلّا معنى بسيطاً وإن كان منحلاً بالتحليل العقلي إلى الجسم والناطق ، فلا يلاحظ في طرف الموضوع كالإنسان في المثال تركيب أصلا ، وكذا لا يلاحظ التركيب في ناحية المحمول كالناطق في المثال.

وبالجملة : فصحة الحمل في جميع القضايا منوطة بالاتحاد من وجه والمغايرة من آخر من دون لحاظ تركيب في شيءٍ من الموضوع والمحمول.

(٢) أي : التعريفات مثل ـ الإنسان حيوان ناطق ـ.

(٣) متعلق ب ـ لحاظ ـ.

(٤) أي : الموضوعات.

(٥) أي : معاني الموضوعات وهي المعاني البسيطة المتبادرة من ألفاظها ، ولا بد أن تكون هي المرادة ، إذ لو كان الملحوظ في طرف الموضوع أخذ المجموع من

٣٣٥

كما هو الحال في طرف المحمولات (١) ، ولا يكون حملها عليها (٢) إلّا بملاحظة ما هما عليه (٣) من (٤) نحو من الاتحاد مع ما هما عليه من المغايرة (٥) ولو بنحوٍ من الاعتبار ، فانقدح بذلك (٦) فساد ما جعله في الفصول تحقيقاً للمقام (٧) وفي

______________________________________________________

حيث المجموع واحداً ـ لا ذات المجموع ـ لَزم عدم مساواة الحد التام للمحدود ، لاشتمال المحدود حينئذٍ على لحاظ المجموع واحداً الّذي هو جزءٌ اعتباري زائد على الحد التام.

(١) حيث لا يلاحظ فيها إلّا صِرف معاني المحمولات من دون لحاظ التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما واحدا كما اعترف بذلك في الفصول.

(٢) يعني : حمل المحمولات على الموضوعات.

(٣) ضمير التثنية راجع إلى ـ الموضوعات والمحمولات ـ والضمير المتصل راجع إلى ـ ما ـ الموصولة المقصود بها الاتحاد ، يعني : ولا يكون حمل المحمولات على الموضوعات إلّا بلحاظ الاتحاد الّذي هما عليه.

(٤) بيان ل ـ ما ـ الموصولة ، يعني : ما هما عليه هو نحو من أنحاء الاتحاد.

(٥) يعني : المغايرة التي هي الفارقة بين الموضوعات والمحمولات ولو كانت اعتبارية ، حاصله : أنّ الحمل لا بدّ فيه من الاتحاد من وجه ، لاستحالة حمل المباين على المباين ، ومن التغاير من وجه آخر لئلا يلزم حمل الشيء على نفسه الّذي هو عديم الفائدة.

(٦) أي : بما ذكرناه من كون مناط الحمل نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول ومغايرتهما من وجه ، وعدم إناطة الحمل بلحاظ التركيب والوحدة.

(٧) مراده بالتحقيق هو قوله : «وتحقيق المقام ان حمل الشيء على الشيء ... إلى آخره».

٣٣٦

كلامه موارد للنظر (١) تظهر بالتأمل وإمعان النّظر.

(الرابع) (٢): لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه

______________________________________________________

(١) يعني : غير ما ذكره المصنف من الوجهين. وموارد النّظر في كلام الفصول كثيرة :

أحدها : صحة الحمل في المتغايرين وجودا بمجرد لحاظ التركيب والوحدة اعتبارا ، مع أنّه قد ثبت اعتبار الاتحاد الوجوديّ ، ولحاظ التركيب والوحدة لا يوجب انقلابهما عما هو عليه من التغاير الوجوديّ ، وإن أراد تغايرهما بحسب المفهوم فلا حاجة إلى لحاظ الاتحاد بينهما في صحة الحمل.

ثانيها : جعل الناطق والحساس من المتغايرين اعتبارا ، مع أنّهما من المتغايرين مفهوما والمتحدين خارجا ، لما تقرر في محله من اتحاد الجنس مع النوع وكذا مع الفصل خارجا.

ثالثها : أنّ الحمل يقتضي التغاير الحقيقي ، مع أنّ التغاير كذلك مانع عن صحة الحمل.

رابعها : ما أفاده أخيرا من وضع هيئة الأبيض لذي بياض ، مع أنّها لم توضع له لا لغة ولا عرفا ، إلى غير ذلك من وجوه النّظر في كلامه زيد في علو مقامه.

(٢) الغرض من عقد هذا الأمر : التعرض لكيفية حمل ما يجري من الصفات عليه سبحانه وتعالى ، ومحصل ما أفاده المصنف في ذلك هو : أنّ مناط صحة الحمل ـ كما تقدم في التنبيه السابق ـ هو المغايرة من جهة والاتحاد من أخرى ، وعليه فيكفى في صحة الحمل مغايرة الموضوع والمحمول مفهوما واتحادهما خارجا ، فلا إشكال حينئذ في صحة حمل صفاته الذاتيّة عليه سبحانه وتعالى كقولنا : «الله عالم» و ـ قادر ـ و ـ حي ـ ونحو ذلك ، ولا يلزم من إطلاقها عليه تعالى تجوُّز ولا نقل

٣٣٧

مفهوما وان اتحدا عينا وخارجا ، فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال (١) عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحق من عينيّة صفاته (٢)

______________________________________________________

أصلا ، لأنّ هذه الصفات وإن كانت عين ذاته تعالى شأنه ، لكنها مغايرة لها مفهوما ، والمغايرة المفهومية كافية في صحة الحمل وإن اتحد المفهومان مصداقا كما هو المراد بالعينية ، حيث إنّ مصداق مفهوم العلم عين الذات المقدسة ، ويكون ما بإزاء أحدهما عين ما بإزاء الآخر.

فالمتحصل : أنّ مناط الحمل ـ وهو الاتحاد الوجوديّ في صفات الباري تعالى مع المغايرة المفهومية ـ موجود ، فيصح الحمل من دون لزوم المحذور الآتي في كلام الفصول إن شاء الله تعالى.

(١) صفات الجلال اصطلاحا هي الصفات السلبية ، وليست هي عين الذات ، فلعلّه أراد بها الصفات الجمالية.

(٢) إذ لو لم تكن صفاته عين ذاته جلّ وعلا وكانت عارضة لها لزم خلوُّه تعالى وتقدس في مرتبة ذاته عن العلم والقدرة ، ولزم الجهل والعجز في ذاته عزوجل ومثله لا يليق بأن يكون أشرف الموجودات وصانعها ، لإمكان وجود ما يكون في حدّ ذاته عالما قادرا ، وهو أشرف مما لا يكون كذلك ، وهذا البرهان لا يقتضي إلّا العينية المانعة عن محذور لزوم خلوِّه تعالى في مرتبة ذاته عن الحياة والعلم والقدرة ، ولا يقتضي ذلك تفاوتا في أوضاع الألفاظ ومعانيها ، لعدم ارتباطه بها ، فإنّ الأسود مثلا إذا أطلق على الجسم المتصف بالسواد لأمر خارج عن ذاته وصدق عليه الأسود ، فصدقه على نفس السواد يكون بالأولوية ، لأنّ وجدان الشيء لنفسه ضروري ، وكذا في الموجود ، فإنّ صدقه على نفس

٣٣٨

يكون (١) على نحو الحقيقة ، فإنّ (٢) المبدأ فيها (٣) وإن كان عين ذاته تعالى خارجا إلّا أنّه (٤) غير ذاته تعالى مفهوما. ومنه (٥) قد

______________________________________________________

الوجود أولى من صدقه على الشيء الموجود.

والحاصل : أنّ برهان العينية لا يوجب تغيرا في وضع الألفاظ ومعانيها.

(١) خبر لقوله : فصدق.

(٢) بيان للمغايرة الكافية في صحة الحمل ، وحاصله : أنّ المبدأ في صفاته تعالى كالعلم والقدرة والحياة وإن كان متحدا مع الذات وجودا بحيث لا مصداق له غير الذات لكنه مغاير لها مفهوما ، بداهة أنّ مفهوم العلم وهو الانكشاف غير مفهوم الواجب ، وهذه المغايرة تكفي في صحة الحمل ، فإطلاق العالم مثلا عليه سبحانه وتعالى لا يستلزم تجوزا ولا نقلا فيه.

(٣) أي : في صفات الكمال كالعلم والقدرة.

(٤) أي : المبدأ ، وقد عرفت تقريب مغايرته مفهوما للذات المقدسة.

(٥) أي : ومما ذكر من كفاية التغاير المفهومي بين المبدأ والمشتق ظهر فساد ما في الفصول ، حيث قال فيه : «إذ الظاهر إطباق الفريقين على أنّ المبدأ لا بد أن يكون مغايرا لذي المبدأ ، وإنّما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه ، فالوجه التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه تعالى» انتهى.

وحاصل كلام الفصول : أنّه ـ بناء على عينية الصفات لذاته المقدسة ـ ترتفع المغايرة المعتبرة اتفاقا بين المبدأ وذيه ، فلا بد في صحة الحمل حينئذ من الالتزام بالتجوز بأن يراد بالعالم المحمول عليه تعالى غير معناه اللغوي ، أو النقل بأن يكون حمله عليه سبحانه بمعنى آخر حقيقي مناسب لمعناه الأوّل ، فالعالم الّذي يحمل على الله تعالى غير العالم المحمول علينا.

٣٣٩

انقدح (١) ما في الفصول من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى بناء على الحق من العينية (٢) ، لعدم (٣) المغايرة المعتبرة بالاتفاق (٤)

______________________________________________________

(١) الظاهر سقوط كلمة ـ فساد أو ضعف ـ أو ما شاكلهما قبل ـ ما ـ الموصولة.

(٢) بالمعنى المتقدم وهو كون الذات المقدسة مصداقا لكل واحدة من الصفات بلا تعدُّد ولو بالحيثية ، لا بمعنى آخر وهو : كون الذات منشأ لانتزاع الصفات عنها من دون ضم شيء إلى الذات في انتزاعها ، كما في صفاتنا المنتزعة عن ذواتنا المتصفة بمبادئ تلك الصفات بحيث لا تنتزع عنها إلّا بضمِّ المبادئ إلى ذواتنا ، وذلك لأنّ العينية بالمعنى الثاني تستلزم المغايرة بين المنتزع عنه والمنتزع ، فيكون العلم مثلا حينئذ فيه سبحانه مغايرا للذات ، فلا بد من الالتزام بالعينية بالمعنى الأوّل.

(٣) تعليل للالتزام بالنقل أو التجوز.

وحاصله ـ كما عرفت ـ : ارتفاع المغايرة المعتبرة بالاتفاق بين المبدأ وذيه بناء على عينية الصفات لذاته المقدسة ، فلا بد حينئذ من الالتزام بالتجوز أو النقل في الصفات الجارية عليه تعالى.

(٤) وهو الاتفاق الّذي ادعاه صاحب الفصول (قده) في عبارته المتقدمة (*).

__________________

(*) قد استدل للفصول بوجوه :

(الأول) : ما استدل به نفسه في عبارته المتقدمة وهو : اتفاق العلماء على اعتبار التغاير الوجوديّ. وفيه أوّلا : منع تحققه.

وثانيا : انّ اتفاق العلماء بما هم علماء لا بد أن يكون في الأحكام الفرعية ، إذ لا دليل على اعتباره في غيرها ، ومع الشك في الحجية لا يصح التمسك به.

٣٤٠