منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

ولا معنى له (١) إلّا أن يكون له (٢) خصوص معنى صحّ انطباقه على كل منهما (٣)

______________________________________________________

للزمان هو الجامع بين الحال والاستقبال (*).

(١) أي : للاشتراك المعنوي ، وقد تقدم وجه قوله : «ولا معنى له».

(٢) أي : للمضارع.

(٣) أي : الحال والاستقبال.

__________________

(*) لا يخفى أنّ التأييد المزبور مبني على الاشتراك المعنوي ، وهو غير ثابت ، لأنّه أحد الأقوال في الفعل المضارع ، وقال جمع منهم في تقسيم الزمان على الأفعال : «انّ الماضي يدل على الزمان الماضي والمضارع يدل على زمان الحال والأمر على زمان الاستقبال» ، وقال جمع آخر : «إنّ المضارع يدل على زمان الاستقبال» ، وقال نجم الأئمة (ره) بعد القول بأنّه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال : «وهو أقوى ، لأنّه إذا خلا من القرائن لم يحمل إلّا على الحال ، ولا يصرف إلى الاستقبال إلّا لقرينة ، وهذا شأن الحقيقة والمجاز» انتهى ، وقال التفتازاني في شرحه على التصريف ما لفظه : «قيل : إنّ المضارع موضوع للحال ، والاستعمال في الاستقبال مجاز ، وقيل بالعكس ، والصحيح أنّه مشترك بينهما ، لأنّه يطلق عليهما إطلاق كل مشترك على أفراده ، هذا ، ولكن تبادر الفهم إلى الحال عند الإطلاق من غير قرينة ينبئ عن كونه أصلا في الحال» انتهى. نعم حُكي عن جار الله العلامة في المفصل في المضارع : «ويشترك فيه الحاضر والمستقبل».

وبالجملة : فكلماتهم في المضارع مختلفة جداً ، والمفروض أنّ التأييد المذكور مبنيّ على الاشتراك المعنوي الّذي قد عرفت إجمالاً حاله ، بل قد يدّعى ظهور كلماتهم في الاتفاق على كون المضارع حقيقة في الحال ، وأنّه لا يدل على الاستقبال إلّا بدخول مثل سين وسوف من أدوات الاستقبال عليه.

٢٤١

لا أنّه يدل على مفهوم زمان يعمهما (١) ، كما (٢) أنّ الجملة الاسمية كزيد ضارب يكون لها معنى صحّ انطباقه على كل واحد من الأزمنة مع عدم دلالتها (٣) على واحد منها (٤) أصلا ، فكانت الجملة الفعلية مثلها (٥). وربما يؤيّد ذلك (٦) أنّ

______________________________________________________

(١) لما عرفت من أنّ المقارن للحدث هو مصداق الزمان لا مفهومه.

(٢) يعني : كما أنّ الجملة الاسمية لا تدل وضعاً باتفاق النحويين على الزمان بحيث يكون الزمان جزء مدلوله ، بل تدل عليه لأجل دلالته على معنى صح انطباقه على كل واحد من الأزمنة ، كذلك الجملة الفعلية.

(٣) أي : الجملة الاسمية ، والمنفي هو ـ دلالتها وضعاً ـ.

(٤) أي : من الأزمنة.

(٥) أي : مثل الجملة الاسمية في عدم دلالتها وضعاً على الزمان ، وأنّ دلالتها عليه تكون بالإطلاق.

(٦) المشار إليه هو : عدم دلالة الفعل بالوضع على الزمان ، توضيح وجه التأييد هو : أنّ فعلي الماضي والمضارع يستعملان في الزمان الماضي والمستقبل الإضافيين اللّذين هما الماضي والمستقبل الحقيقيان ، مع عدم كون هذا الاستعمال عند أبناء المحاورة مجازاً ، فلو كان الزمان الماضي في فعله والمستقبل في المضارع جزءاً لمدلولهما ـ لكان ـ هذا الاستعمال لا محالة مجازاً ، فعدم المجازية عندهم كاشف عن عدم جزئية الزمان لمعنى الفعل الماضي والمضارع. وأمّا على ما ذكرناه من كون الزمان مستفاداً من الإطلاق مع الإسناد إلى الزمانيات فلا يلزم تجوز وعناية أصلا ، وذلك لأنّ دلالتهما على الزمان الماضي والمستقبل الحقيقيّين لم تكن بالوضع حتى تكون دلالتهما على الإضافيين مجازاً ، بل كانت لانصراف الإطلاق إليهما ، ومن المعلوم : انتفاء الإطلاق بقيام قرينة على إرادة الإضافيين ، فلا تكون الدلالة على الإضافيين مجازاً.

٢٤٢

الزمان الماضي في فعله وزمان الحال أو الاستقبال في المضارع لا يكون ماضياً أو مستقبلا حقيقة لا محالة ، بل ربما يكون في الماضي (١) مستقبلا حقيقة وفي المضارع ماضياً كذلك (٢) ، وإنّما يكون ماضياً أو مستقبلا في فعلهما (٣) بالإضافة كما يظهر من مثل ـ يجيء زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيام ـ (٤) ، وقوله : ـ جاء زيد في شهر كذا وهو يضرب في ذلك الوقت أو فيما بعده (٥) مما مضى (٦) ـ فتأمل جيداً (٧). ثم لا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه (٨)

______________________________________________________

(١) أي : في الفعل الماضي.

(٢) أي : حقيقة.

(٣) أي : في الفعل الماضي والمضارع.

(٤) هذا مثال استعمال الماضي وهو ـ ضرب ـ في الزمان المستقبل حقيقة.

(٥) هذا مثال استعمال المضارع وهو ـ يضرب ـ في الزمان الماضي حقيقة ، لأنّ المفروض مضي الشهر الّذي هو أو ما بعده ظرف الضرب.

(٦) أي : من الزمان الّذي مضى.

(٧) لعله إشارة إلى : أنّه يمكن أن يكون مراد النحاة بالزمان الماضي أعم من الماضي الحقيقي والإضافي ، فلا يكون هذا الوجه الّذي تعرض له بقوله : «وربما يؤيد ذلك ... إلخ» مؤيّداً لعدم دلالة الفعل وضعاً على الزمان.

فالمتحصل مما ذكره المصنف (قده) : أنّ الزمان ليس جزءاً لمدلول الفعل مطلقاً ، غاية الأمر أنّ هيئة الفعل الماضي تدل على خصوصية تستلزم الوقوع في الزمان الماضي ، وهيئة المضارع تدل على خصوصية تستلزم الوقوع في الزمان الحال أو المستقبل ، لا أنّ الفعل يدل على الزمان تضمناً.

(٨) وهو الاسم والفعل.

٢٤٣

بما (١) يناسب المقام لأجل (٢) الاطراد في الاستطراد في تمام الأقسام (٣) ، فاعلم أنّه وان اشتهر بين الأعلام أنّ الحرف ما دل على معنى في غيره (٤) وقد بيّناه في الفوائد بما لا مزيد عليه ، إلّا أنّك عرفت فيما تقدم (٥) عدم الفرق بينه وبين الاسم بحسب المعنى (٦) ، وأنّه (٧)

______________________________________________________

(١) المظنون أنّ العبارة في النسخة الأصلية هكذا «مما» بدل «بما» ليكون بياناً ل ـ ما ـ الموصولة في قوله : «ما به يمتاز» إلّا أن يراد به بمقدار يناسب المقام.

(٢) تعليل لقوله : «لا بأس» ، والاستطراد : سوق الكلام على وجه يلزم منه كلام آخر غير مقصود ذاتاً بل عرضاً ، ومقصود المصنف بهذا الكلام : أنّه لَمّا كان المقصود الأصلي بيان وجه خروج الأفعال عن حريم نزاع المشتق وكان بيان الفرق بين الاسم والفعل لأجل الاستطراد فينبغي اطّراد هذا الاستطراد وتعميمه ببيان الفرق بين جميع أقسام الكلمة ، ليتضح المائز بين كل من الاسم وأخويه.

(٣) أي : تمام أقسام الكلمة من الاسم والفعل والحرف.

(٤) الظرف مستقر وهو صفة ل ـ معنى ـ يعني : أنّ الحرف ما دلّ على معنى كائن في غيره ـ أي قائم بذلك الغير وجوداً ـ كقيام العرض بموضوعه مع فرق بين العرض والمعنى الحرفي تقدم في شرح المعاني الحرفية ، فراجع.

(٥) أي : في بيان المعنى الحرفي.

(٦) أي : بحسب ذات المعني.

(٧) أي : المعنى ، ويمكن أن يكون الضمير للشأن ، نعم يتعين رجوعه إلى المعنى بناءً على كون العبارة كما في بعض النسخ هكذا : «وأنّه فيهما ما لم يلحظ فيه» ، والمراد بالموصول هو المعنى أيضا.

٢٤٤

فيهما (١) لم يلحظ فيه (٢) الاستقلال بالمفهومية ولا عدم الاستقلال بها ، وإنّما الفرق هو أنّه (٣) وُضِع ليستعمل وأُريد منه معناه حالة ولغيره بما هو في الغير ، ووضع غيره (٤) ليستعمل وأُريد منه معناه بما هو هو ، وعليه (٥) يكون كل من الاستقلال بالمفهومية (٦) وعدم الاستقلال بها (٧) إنّما اعتبر في جانب الاستعمال لا في المستعمل فيه (٨) ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى ، فلفظ الابتداء لو

______________________________________________________

(١) أي : في الاسم والحرف.

(٢) أي : في المعنى فالموضوع له في الاسم والحرف واحد ، لأنّه ذات المعنى ولحاظ الاستقلال بالمفهومية كما في الأسماء كلحاظ عدم الاستقلال كما في الحروف خارجان عن المعنى ، لما تقدم هناك من امتناع أخذ اللحاظ في الموضوع له.

(٣) أي : الحرف ، غرضه : أنّ المعنى في الاسم والحرف واحد وأنّ لحاظ الآلية ليس دخيلا في المعنى الحرفي ، كما أنّ لحاظ الاستقلالية ليس دخيلا في المعنى الاسمي ، والفرق بينهما إنّما هو في كيفية الاستعمال ، وأنّ الحرف يمتاز عن الاسم في كيفية الاستعمال لا في المستعمل فيه ، فإن أُريد المعنى بما هو حالة لغيره يكون حرفاً وإن أريد بما هو هو وفي نفسه فهو اسم.

(٤) أي : غير الحرف وهو الاسم والفعل.

(٥) أي : وعلى هذا الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي.

(٦) يعني : في الاسم.

(٧) يعني : في الحرف.

(٨) يعني : حتى يكون التفاوت بين المعنى الاسمي والحرفي بحسب المعنى ، كما هو قضية جملة من الأقوال المتقدمة في المعاني الحرفية ، ولازم اتحاد المعنى في الاسم والحرف وكون الاختلاف في كيفية الوضع فقط هو : أنّ لفظ الابتداء

٢٤٥

استعمل في المعنى الآلي ولفظة من في المعنى الاستقلالي لما كان مجازاً واستعمالاً له في غير ما وضع له وإن كان بغير ما وضع له (١) ، فالمعنى في كليهما (٢) في نفسه كلّي (٣) طبيعي (٤) يصدق على كثيرين (٥) ، ومقيّداً باللحاظ الاستقلالي أو الآلي كلّي عقلي (٦) وان كان بملاحظة أنّ

______________________________________________________

إذا استعمل في المعنى الآلي ، ولفظة «من» في الاستقلالي لم يكن ذلك استعمالا في غير الموضوع له ، بل هو استعمال في الموضوع له ، لكنه مخالف لكيفية الاستعمال التي قرّرها الواضع في الاسم والحرف.

(١) أي : بغير النهج الّذي اعتبره الواضع في مقام الاستعمال.

(٢) أي : الاسم والحرف.

(٣) لقابليته للانطباق على كثيرين التي هي ضابطة كلية المفهوم ، فإنّ الابتداء سواء كان مدلولا لكلمة «من» أم لفظ «الابتداء» قابل لأنّ ينطبق على كثيرين.

(٤) الكلّي الطبيعي اصطلاحاً هو معروض الكلي المنطقي ، لكنه غير مقصود هنا ، بل المراد به هو نفس المعنى الّذي إذا اعتبر في نفسه مع الغض عن لحاظ معروضيته للكلية لم يكن مانعاً عن الشركة فيه ، فان كان كذلك فهو كلي طبيعي ، وإلّا فهو جزئي طبيعي.

وبالجملة : المقصود بالكلي الطبيعي هنا هو نفس طبيعة المعنى الّذي لا يمنع عن الشركة فيه ، لا طبيعته المعروضة للكلية بما هي معروضة لها كالجنس والفصل الطبيعيين.

(٥) وبهذا الاعتبار يتصف المعنى المتصور بالكلية.

(٦) الكلي العقلي اصطلاحاً هو مجموع العارض والمعروض كما قيل : «مفهوم الكلي يسمى كلياً منطقياً ومعروضه طبيعياً والمجموع عقلياً» وتسميته بالكلية إنّما

٢٤٦

لحاظه (١) وجوده ذهناً كان (*) جزئياً ذهنياً (٢) ، فإنّ الشيء ما لم يتشخص

______________________________________________________

هي بلحاظ جزئه وهو العارض ، وقد يطلق الكلي العقلي على معنى كلي مقيد بأمر ذهني غير الكلية المذكورة ، وهذه التسمية إنّما تكون بعلاقة المشابهة بينه وبين الكلي العقلي المصطلح في كون موطن كل منهما العقل ، وإطلاق المصنف (قده) الكلي العقلي على المعاني الكلية المقيدة باللحاظ الاستقلالي ـ كما في المعنى الاسمي ـ وباللحاظ الآلي ـ كما في المعنى الحرفي ـ يكون من هذا الباب.

(١) أي : أنّ لحاظ المعنى الكلي وجوده ذهناً ، فقوله :«وجوده»خبر ـ لحاظه ـ.

(٢) توضيحه منوط بتقديم أمرين :

الأوّل : أنّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد سواء كان وجوداً ذهنياً أم خارجياً.

الثاني : أنّ الوجود الذهني لَمّا كان نفس لحاظ النّفس وتصورها لا غيره فلا محالة يكون تشخص اللحاظ بتشخص النّفس ، لكونه من عوارضها ، ولا يكون حينئذٍ منافاة بين كون الشيء جزئياً ذهنياً وبين كونه كلياً في نفسه ، لا بمعنى الصدق والانطباق على ما في الخارج ، لوضوح عدم صدق ما في الذهن عليه ، بل بمعنى الحكاية عن الكثيرين في الخارج. إذا عرفت هذين الأمرين يظهر لك : عدم المنافاة بين كون المعنى كلياً وبين كونه جزئياً ذهنياً ، إذ كلّيته بمعنى

__________________

(*) لا يخفى أنّ لفظة ـ كان ـ هذه مستغنى عنها ، وقوله (قده) : «جزئياً» خبر قوله : «كان» في : «وان كان بملاحظة» كما هو في غاية الوضوح ، نعم ـ بناءً على كون كلمة ـ ان ـ شرطية ـ لا تكون ـ كان ـ زائدة بل جواباً للشرط ، لكن هذا الاحتمال في غاية البعد.

٢٤٧

لم يوجد وإن كان بالوجود الذهني ، فافهم وتأمل فيما وقع في المقام من الأعلام من الخلط والاشتباه (١) ، وتوهم (٢) كون الموضوع له أو المستعمل فيه في الحروف خاصاً بخلاف ما عداه (٣) فإنّه عام ، وليت شعري إن كان قصد الآلية فيها (٤) موجباً لكون المعنى جزئياً فَلِمَ لا يكون قصد الاستقلالية فيه (٥) موجباً له (٦) ، وهل يكون ذلك (٧) إلّا لكون هذا القصد ليس مما يعتبر في

______________________________________________________

حكايته عن الكثيرين في الخارج ، وجزئيته باعتبار كونه ملحوظاً للنفس وقائماً بها ، والوجود الذهني ليس إلّا لحاظ النّفس.

والمتحصل : أنّ الوضع والموضوع له في الحروف والأسماء غير الأعلام كليات طبيعية ، والوضع والموضوع له في الأعلام جزئيات طبيعية ، واللحاظ من الآلي والاستقلالي خارج عن المعنى قيداً وتقيداً ، لِما مرّ في شرح المعاني الحرفية من امتناع دخل اللحاظ فيه.

(١) حيث جعلوا اللحاظ دخيلا في المعنى الحرفي ، فذهبوا إلى جزئيّته غافلين عن كون هذا اللحاظ ناشئاً من الاستعمال ، وامتناع دخله في نفس المعنى ، لما مرّ في المعنى الحرفي.

(٢) معطوف على ـ الاشتباه ـ.

(٣) وهو الاسم ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الحروف والأمر سهل.

(٤) أي : في الحروف.

(٥) أي : فيما عدا الحروف وهو الاسم.

(٦) أي : لكون المعنى جزئياً.

(٧) الاستفهام للإنكار ، يعني : ولا يكون عدم إيجاب قصد الاستقلالية لجزئية المعنى الاسمي إلّا لكون هذا القصد ناشئاً من الاستعمال ، وعدم إمكان

٢٤٨

الموضوع له ولا المستعمل فيه ، بل في الاستعمال (١) فَلِم لا يكون فيها كذلك (٢) كيف (٣)؟ وإلّا لَزِم أن يكون معاني المتعلقات غير منطبقة على الجزئيات

______________________________________________________

دخله في الموضوع له ولا المستعمل فيه ، وليكن قصد الآلية في المعنى الحرفي أيضا كذلك ، فلا يفرق بين هذين القصدين في عدم إيجابهما جزئية المعنى بعد كون كليهما من أطوار الاستعمال ، فالالتزام بدخل قصد الآلية في المعنى الحرفي الموجب لجزئيته وعدم دخل قصد الاستقلالية في المعنى الاسمي الموجب لكليته بلا ملزم.

وعلى هذا ، فالموضوع له في الأسماء والحروف عام كالوضع ، والفرق بينهما عرضيّ ناشٍ عن أخذ قصد الاستقلالية في الأوّل والآلية في الثاني ، لا حقيقي بأن يؤخذ القصد في نفس الموضوع له ، لكون المعنى فيهما واحداً حقيقة ، والتفاوت بينهما إنّما هو في كيفية الوضع ـ كما تقدم ـ في بيان المعاني الحرفية.

(١) يعني : بل القصد معتبر في الاستعمال ، لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه.

(٢) يعني : فَلِم لا يكون قصد الآلية في الحروف كقصد الاستقلالية في الأسماء؟.

(٣) يعني : كيف لا يكون قصد الآلية في الحروف كقصد الاستقلالية في الأسماء في عدم الدخل في الموضوع له؟ والحال أنّه لو لم يكن كذلك بأن كان قصد الآلية دخيلا في الموضوع له لكان موجباً لجزئية المعنى ، فيلزم منه محذور ، وهو امتناع انطباق المعاني الحرفية على الخارجيات ، ضرورة أنّه بناءً على دخل اللحاظ الآلي فيها ـ الّذي هو قيد عقلي لا موطن له إلّا العقل ـ تكون المعاني المقيدة بها ككليات عقلية ، فلا تنطبق على ما في الخارج ، فيمتنع السير المأمور به ، لتقيّده بالابتداء الحرفي المقيد باللحاظ الآلي الّذي يمتنع وجوده في الخارج ، فإنّ قيد القيد قيد ، فيصير السير الّذي هو معنى اسمي ـ لأجل تقيده بالمعنى الحرفي ـ كليّا عقلياً

٢٤٩

الخارجية ، لكونها (١) على هذا (٢) كليات عقلية (٣) ، والكلي العقلي لا موطن له إلّا الذهن ، فالسير والبصرة والكوفة في ـ سرت من البصرة إلى الكوفة ـ لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة ، لتقيّدها (٤) بما اعتبر فيه القصد ، فتصير عقلية (٥) ، فيستحيل انطباقها (٦) على الأُمور الخارجية ، وبما حققناه (٧) (*)

______________________________________________________

بالمعنى المتقدم لا بمعناه المصطلح ، ومن المعلوم : امتناع انطباق المقيد بقيد ذهني على الخارجيات ، فالأمر بالسير في المثال يصير ممتنع الامتثال ، فالمراد بقوله : «معاني المتعلقات» هي معاني الأسماء والأفعال.

(١) أي : لكون معاني المتعلقات.

(٢) أي : على تقدير دخل اللحاظ الآلي في المعاني الحرفية ، لما عرفت من صيرورتها قيوداً للمعاني الاسمية ، فاللحاظ الآلي يصير أيضا قيداً للمعاني الاسمية ، لكون قيد القيد قيداً.

(٣) قد عرفت أنّ المراد بالكلي العقلي هنا غير معناه المصطلح.

(٤) أي : لتقيّد السير والبصرة والكوفة بالمعنى الحرفي الّذي اعتبر فيه القصد الآلي ، فالمراد ب ـ ما ـ الموصولة في قوله : «بما اعتبر» المعنى الحرفي.

(٥) يعني : فيصير السير وأخواه كلّيات عقلية ، لما عرفت من كون قيد القيد قيداً ، فإنّ اللحاظ الآلي قيد لمعنى الحرف الّذي هو قيد للمعنى الاسمي.

(٦) أي : انطباق السير وأخويه.

(٧) من أنّ المعنى بنفسه في كل من الاسم والحرف كلي طبيعي قابل للصدق على كثيرين ، وبلحاظ تقيده باللحاظ الآلي أو الاستقلالي جزئي ، لكون الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، ولمّا كان هذان اللحاظان من شئون الاستعمال فلا تنثلم بهما كلية المعنى ، ولذا قلنا : إنّ الموضوع له في كل من الاسم والحرف كالوضع عام.

__________________

(*) ثم إنّه قد انقدح بما ذكرنا : أنّ المعنى بما هو هو معنى اسمي

٢٥٠

يوفق بين جزئية المعنى الحرفي بل الاسمي والصدق على الكثيرين ، وانّ الجزئية باعتبار تقييد المعنى باللحاظ في موارد الاستعمالات آلياً أو استقلالياً ، وكلّيته بلحاظ نفس المعنى (١). ومنه (٢) ظهر : عدم اختصاص الإشكال والدفع بالحرف

______________________________________________________

(١) أي : بدون لحاظ الاستقلالية والآلية فيه كما عرفت.

(٢) أي : ومن التوفيق بين كلية المعنى الاسمي والحرفي وبين جزئيته ظهر عدم اختصاص الإشكال والدفع بالحرف وورودهما في غيره.

أمّا ورود الإشكال ، فلأنّ مناطه لزوم محذور اجتماع الضدين ـ أعني الكلية والجزئية في معنى واحد ـ ، وهذا المناط موجود في المعنى الاسمي ، فإنّ لحاظ الاستقلالية موجب لجزئيّته وعدمه موجب لكليته ، فيجري فيه الإشكال.

وأمّا ورود الدفع ، فلابتنائه على كون اللحاظ من شئون الاستعمال وأطواره ، لا من قيود نفس المعنى حتى يصير جزئياً ، لامتناع ذلك على ما مرّ تحقيقه في المعاني الحرفية ، ولا فرق في اللحاظ بين كونه آلياً كما في الحروف واستقلالياً كما في الأسماء. وعلى هذا فكما كان إشكال كلية المعنى الواحد وجزئيته مندفعاً في الحرف بكون اللحاظ الآلي من شئون الاستعمال دون المعنى حتى يستلزم جزئيته وكليته معاً وفي آنٍ واحد ، كذلك يندفع في الاسم بأنّ اللحاظ الاستقلالي من شئون الاستعمال لا المعنى ، فلا يلزم جزئية المعنى الكلّي.

والحاصل : أنّ المعنى في الاسم والحرف واحد ، واللحاظ في كليهما من شئون الاستعمال ، ولذا لا يوجبان الجزئية.

__________________

وملحوظ استقلالي أو بما هو معنى حرفي وملحوظ آلي كلي عقلي في غير الأعلام الشخصية ، وفيها جزئي كذلك وبما هو هو أي بلا أحد اللحاظين كلي طبيعي أو جزئي خارجي (نسخة بدل).

٢٥١

بل يعم غيره (١) ، فتأمل في المقام ، فإنّه دقيق ومزالّ الأقدام للأعلام (٢) ، وقد سبق في بعض الأُمور (٣) بعض الكلام (٤) ، والإعادة مع ذلك (٥) لما (٦) فيها من الفائدة والإفادة ، فافهم.

(رابعها) (٧): أنّ اختلاف المشتقات في المبادئ وكون (٨) المبدأ في

______________________________________________________

(١) أي غير الحرف ـ وهو الاسم ـ كما عرفت تقريب عدم الاختصاص.

(٢) حيث إنّهم جعلوا اللحاظ موجباً لجزئية المعنى وغفلوا عن كون هذا اللحاظ من أطوار الاستعمال ، ويستحيل دخله في المعنى ليصير جزئياً.

(٣) وهو الأمر الثاني المعقود لبيان الوضع من الأُمور المذكورة في المقدمة (٤) وهو الّذي ذكره في الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي (*).

(٥) أي : مع السبق.

(٦) خبر لقوله : «والإعادة». ثم إنّ الفائدة المترتبة على الإعادة أمران :

أحدهما : عدم المنافاة بين كون الشيء كلياً طبيعياً وكونه جزئياً ذهنياً.

ثانيهما : عدم المنافاة بين كون الشيء كلّياً عقلياً وجزئياً ذهنياً.

(٧) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على ضعف التفصيل المنسوب إلى الفاضل التوني (ره) الّذي محصله : أنّ المبدأ إن كان من قبيل الملكة والصناعة والحرفة فهيئة المشتق حينئذٍ موضوعة للأعم ، فإطلاقه على المنقضي عنه المبدأ كإطلاقه على المتلبس به حقيقة ، وإن كان من قبيل الأفعال كالأكل والشرب والضرب ونحوها ، فيكون إطلاق المشتق على المنقضي عنه مثل هذه الأفعال مجازاً.

(٨) معطوف على ـ اختلاف ـ.

__________________

(*) قد عرفت في الأمر الثاني ما ينبغي المصير إليه في المعاني الحرفية ، وأنّها بهويّتها مغايرة للمعنى الاسمي ، فراجع.

٢٥٢

بعضها حرفة وصناعة (١) ، وفي بعضها قوة وملكة (٢) ، وفي بعضها فعلياً (٣) لا يوجب (٤) اختلافاً في دلالتها (٥) بحسب الهيئة أصلا ولا تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى ، غاية الأمر أنّه يختلف التلبس به في المضي أو الحال ، فيكون التلبس به (٦)

______________________________________________________

(١) كالبقل والسقاية والنجارة والصياغة وغيرها مما اتخذ حرفة وإن لم يكن من الملكات كالبزازة والسقاية.

وبالجملة : الحرفة تارة ملكة كالنجارة ، وأُخرى غيرها كالسقاية ، والصناعة إن كانت من قبيل العطف التفسيري فلا فرق بينها وبين الحرفة ، وإلّا فتختص الصناعة بالملكات كالخياطة والصياغة.

(٢) كالاجتهاد.

(٣) كالضرب والأكل والشرب ونحوها من الأفعال.

(٤) خبر ـ إن ـ ، وردّ للتفصيل المزبور.

وحاصله : أنّ اختلاف المبادئ فيما ذكر لا يوجب اختلافاً في دلالة هيئة المشتق ، ولا تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها وهي كون دلالة الهيئة بحسب اختلاف المبادئ حقيقة ومجازاً.

(٥) أي : دلالة المشتقات.

(٦) أي : بالمبدإ ، وغرضه : أنّ اختلاف المبادئ حرفة وصناعة وقوة وفعلية لا يوجب اختلافاً في دلالة هيئة المشتق ، لكنّه يوجب اختلاف التلبس بالمبدإ ، فإن كان ملكة أو حرفة ، فالتلبس به عبارة عن وجودهما وإن لم يتلبس بهما بعدُ ، أو انقضتا عنه بعد التلبس بهما وإن لم يكن حين النطق متلبساً بهما كالمجتهد إذا نام مثلا.

٢٥٣

فعلاً لو أخذ حرفة (١) أو ملكة (٢) ولو لم يتلبس به إلى الحال (٣) أو انقضى عنه (٤) ويكون مما مضى أو يأتي لو أُخذ فعلياً (٥) ، فلا يتفاوت فيها (٦) أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات كما أشرنا إليه.

(خامسها) : أنّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس (٧) لا حال

______________________________________________________

والحاصل : أنّ التلبس بهما ليس إلّا وجودهما سواء لم يتلبس بهما فعلا أم انقضتا عنه وإن كان فعلا كالضرب والأكل والشرب ، فالتلبس بالمبدإ هو الاشتغال به ، فإطلاق المشتقات على من لم يتلبس بمبادئها أو انقضت عنه يكون مجازاً.

وبالجملة : فلا يختلف مدلول هيئة المشتق باختلاف المبادئ حرفة وملكة وغيرهما ، إذ لا يترتب على اختلاف المبادئ غير طول زمان التلبس بها وقِصَره ، ومن المعلوم : أنّ ذلك أجنبي عن مدلول الهيئة.

(١) بأن جعلت وسيلة للتعيش وكسب المال ، فتقيّد الملكة حينئذٍ بكونها حرفة أو صنعة.

(٢) بأن لم تجعل وسيلة لإمرار معاشه فتسمى ملكة مطلقة.

(٣) كما إذا لم يتصد المجتهد بعدُ للاستنباط ، فإنّ التلبس الفعلي فيه متحقق بنفس حصول الملكة.

(٤) كما إذا استنبط سابقاً ولم يكن متلبساً فعلا بالاستنباط لنوم أو غيره ، فيكون إطلاق المشتق في كلتا الصورتين حقيقة.

(٥) كالضرب والأكل والشرب على ما تقدم آنفاً.

(٦) أي : في دلالة هيئة المشتق ، لأنّ وضع المبدأ أجنبي عن وضع الهيئة.

(٧) وهي حالة الاتصاف بالمبدإ المعبر عنها بفعلية التلبس ، وهي تنطبق تارة على الزمان الماضي ، وأُخرى على الحال ، وثالثة على المستقبل.

٢٥٤

النطق (١) ، ضرورة أنّ مثل ـ كان زيد ضارباً أمس ـ و ـ سيكون غداً ضارباً ـ

______________________________________________________

(١) وهي زمان الحال المقابل للماضي والمستقبل ، وهنا حالة ثالثة وهي حال الإطلاق وجري المشتق على الذات ، وهذه الحالات الثلاث إن اتفقت كقولنا : «زيد عالم الآن» مع كونه عالماً في حال النطق ، فلا خلاف ولا إشكال في كون المشتق حينئذٍ حقيقة ، وإن اختلفت : فإن اتفق حالا التلبس والإطلاق ـ أي حمل المشتق على الذات ـ سواء كان زمانهما ماضياً كقولنا : «كان زيد ضارباً أمس» إذا جعل أمس قيداً لكل من التلبس والجري ، أم كان مستقبلا كقولنا : «زيد سيكون غداً ضارباً» إذا جعل غد ظرفاً للإطلاق والجري معاً ليتحد زمانا التلبس والإطلاق ، فلا إشكال في كون استعمال المشتق حقيقة أيضا ، إذ المفروض كون الجري بلحاظ حال التلبس لا حال النطق ، فاختلاف حال النطق عنهما غير قادح في كون استعمال المشتق على وجه الحقيقة.

وبالجملة : فالعبرة في كون المشتق حقيقة بالاتفاق هو اتحاد زماني التلبس والجري ، سواء اتحدا مع زمان النطق أيضا ـ كما مرّ في مثال زيد عالم الآن ـ ، أم اختلفا عنه بأن كانا ماضيين عنه أو مستقبلين إليه كالمثالين المتقدمين» ففي هذه الصور الثلاث يكون استعمال المشتق حقيقة بلا إشكال ولا خلاف

وان اختلف حالا التلبس والجري ، فان اتحد زمانا الجري والنطق ولم يتحقق التلبس بعدُ بأن كان مستقبلاً كقولنا : «زيد ضارب غداً» إذا جعل الغد قيداً للتلبس فقط دون الجري ، كان استعمال المشتق مجازاً بلا خلاف ولا إشكال أيضا.

وان اتحد زمانا الجري والنطق وقد تحقق التلبس في الزمان الماضي كقولنا : «زيد ضارب أمس» إذا جعل ـ الأمس ـ قيداً للتلبس فقط دون

٢٥٥

حقيقة إذا كان متلبساً بالضرب في الأمس في المثال الأوّل (١) ومتلبساً به في الغد في الثاني (٢) ، فجرى المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس (٣) وان مضى زمانه في أحدهما (٤) ولم يأت (٥) بعدُ في آخر (٦) كان حقيقة (٧) بلا خلاف ، ولا ينافيه (٨) الاتفاق على أنّ مثل ـ زيد ضارب غداً ـ مجاز

______________________________________________________

الجري ، فهو محل الخلاف ، وأنّ استعماله هل هو على نحو الحقيقة أم المجاز؟.

والمتحصل مما ذكرنا : أنّ العبرة في كون استعمال المشتق حقيقة أو مجازاً إنّما هي بحال التلبس دون غيره ، فإن كان الجري بلحاظه بأن اتحد زمانهما كان حقيقة ، سواء كانا ماضيين أم مستقبلين أم حالين ـ أي متحدين مع زمان التكلم ـ وإلّا فإن كان الجري فعلاً والتلبس مستقبلا كان مجازاً بلا خلاف ، وإن كان الجري فعلا والتلبس ماضياً كان محلا للخلاف ، وأنّ استعمال المشتق حينئذٍ حقيقة أو مجاز.

والحاصل : أنّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا زمان النطق ولا زمان الجري.

(١) وهو قوله : ـ كان زيد ضارباً أمس ـ.

(٢) أي : في المثال الثاني ، وهو قوله : ـ سيكون غداً ضارباً ـ.

(٣) وهو اتصاف الذات بالمبدإ.

(٤) وهو المثال الأوّل.

(٥) أي : لم يأت زمان التلبس بالمبدإ.

(٦) أي : في المثال الآخر ، وهو ـ سيكون غداً ضارباً ـ ، والأولى أن يقال :

«في الآخر» كما في جملة من النسخ.

(٧) أي : من دون حاجة إلى تصرف وعناية.

(٨) أي : ولا يُنافي كون الإطلاق باعتبار حال التلبس في المثالين المزبورين

٢٥٦

فإنّ (١) الظاهر أنّه (٢) فيما إذا كان الجري في الحال (٣) كما هو (٤) قضية الإطلاق ، والغد إنّما يكون لبيان زمان التلبس (٥) ، فيكون الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الاستقبال. ومن هنا (٦) ظهر الحال في مثل ـ زيد ضارب أمس ـ وأنّه داخل في محل الخلاف والإشكال ولو كانت

______________________________________________________

على نحو الحقيقة الاتفاق على مجازية مثل ـ زيد ضارب غداً ـ مما يكون زمان التلبس فيه بعد زمان النطق.

(١) بيان لدفع المنافاة.

وحاصله : أنّ مورد الاتفاق على المجازية هو ما إذا كان الجري بلحاظ حال النطق لا بلحاظ حال التلبس وهو الغد ، فمورد الاتفاق على المجازية أجنبي عما ذكرناه من اتحاد زماني التلبس والجري الموجب لكون المشتق حقيقة.

(٢) أي : الاتفاق على كونه مجازاً إنّما هو فيما إذا كان ... إلخ.

(٣) أي : في حال النطق في مقابل حال التلبس.

(٤) الضمير راجع إلى الجري في الحال ، يعني : كما أنّ مقتضى إطلاق الجري وعدم تقيّده بقيد هو كون الجري في الحال ، فالغد حينئذٍ ظرف للتلبس فقط ، بخلاف مثال ـ سيكون غداً ضارباً ـ ، حيث إنّ كُلًّا من الجري والتلبس فيه يكون في الغد.

(٥) فقط ، فالجري حالي ، لأنّه مقتضى الإطلاق ، والتلبس استقبالي ، وعليه فلا تنافي بين هذا الاتفاق على المجازية ، وبين الاتفاق على كون ـ زيد سيكون غداً ضارباً ـ حقيقة ، لأنّ الجري فيه كالتلبس يكون في الغد.

(٦) أي : ومن الفرق بين زماني الجري والتلبس ظهر الحال في مثل ـ زيد ضارب أمس ـ مما يكون الجري فيه فعلياً والتلبس انقضائياً.

٢٥٧

لفظة أمس (١) أو غد (٢) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضا (٣) كان المثالان حقيقة (٤).

(وبالجملة) (٥) : لا ينبغي الإشكال في كون المشتق حقيقة فيما إذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس (٦) ولو كان في المضي أو الاستقبال ، وإنّما الخلاف

______________________________________________________

(١) في مثال «زيد ضارب أمس» الّذي قلنا : إنّه داخل في محل الخلاف والإشكال.

(٢) في مثال ـ زيد ضارب غداً ـ الّذي اتفقوا على كونه مجازاً.

(٣) يعني : إذا قامت قرينة على كون لفظتي ـ أمس وغد ـ زماناً للجري على حدِّ كونهما زماناً للتلبس. كان المثالان حقيقة ، لاتحاد زماني الجري والتلبس فيهما ، وقد عرفت عدم الإشكال في كون المشتق حقيقة مع اتحاد زماني الجري والتلبس ، فيخرج المثال الأوّل الّذي اتفقوا على كونه مجازاً ـ وهو : زيد ضارب غداً ـ عن المجازية ، كما يخرج المثال الثاني ـ وهو مثل قوله : زيد ضارب أمس ـ عن محل الخلاف والإشكال.

(٤) لما عرفت من اتحاد حالتي التلبس والجري.

(٥) هذا محصل ما تقدم : من أنّ العبرة في كون المشتق حقيقة بوحدة زماني التلبس والجري ، وإشارة إلى الصور الثلاث المتقدمة الحاصلة من وحدة زمانيهما ، وأنّ المشتق حقيقة في جميعها.

(٦) سواء كان الجري والتلبس في الزمان الماضي أم الحال أم المستقبل ، ففي هذه الصور الثلاث يكون المشتق حقيقة ، لاتحاد زماني الجري والتلبس الموجب لكون المشتق حقيقة.

٢٥٨

في كونه (١) حقيقة في خصوصه (٢) أو فيما يعم (٣) ما إذا جرى عليها (٤) في الحال (٥) بعد ما انقضى عنه التلبس بعد الفراغ عن كونه (٦) مجازاً فيما إذا جرى عليها (٧) فعلا (٨) بلحاظ حال التلبس في الاستقبال ، ويؤيد ذلك (٩) اتفاق أهل

______________________________________________________

(١) أي : المشتق ، أشار بهذا إلى صورة الخلاف وهي اختلاف زماني التلبس والجري.

(٢) أي : في خصوص حال التلبس.

(٣) أي : فيما يعم حال التلبس.

(٤) أي : على الذات.

(٥) أي : حال النطق ، وهو متعلق بقوله : «جرى» فيكون الجري في زمان النطق والتلبس في الماضي ، وهذه الصورة محل الخلاف في كونها حقيقة أو مجازاً ، فعلى القول بكون المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس تكون مجازاً ، وعلى القول بكونه حقيقة في الأعم تكون حقيقة.

(٦) أي : كون المشتق مجازاً فيما إذا جرى المشتق فعلاً ـ أي : في حال النطق ـ بلحاظ اتصاف الذات بالمبدإ في الاستقبال ، وذلك لاختلاف زماني الجري والتلبس.

(٧) أي : على الذات.

(٨) أي : في حال النطق.

(٩) أي : كون المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس التي تنطبق تارة على الزمان الماضي ، وأُخرى على الزمان الحال ، وثالثة على الزمان المستقبل.

ومحصل تقريب التأييد هو : اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومن المعلوم : أنّ المشتقات الجارية على الذوات من أقسام الاسم ،

٢٥٩

العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه (١) الصفات الجارية على الذوات ، ولا ينافيه (٢) اشتراط العمل في بعضها (٣) بكونه (٤) بمعنى الحال أو الاستقبال ، ضرورة (٥) أنّ المراد الدلالة على أحدهما (٦) بقرينةٍ ، كيف لا (٧) وقد

______________________________________________________

فلو أُريد بالحال حال النطق لا حال التلبس ، فلازمه دلالة المشتق على الزمان الحال المقابل للماضي والمستقبل ، وهو خلاف اتفاقهم على خلوِّ مدلول الاسم عن الزمان.

(١) أي : ومن الاسم.

(٢) أي : لا ينافي اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ما ذكره النحويون من اشتراط العمل في بعضها كاسمي الفاعل والمفعول بالدلالة على زمان الحال أو الاستقبال ، وأنّه لو دلّ على الماضي لا يعمل عمل الفعل.

وجه المنافاة : أنّ الاتّفاق على عدم الدلالة على الزمان ينافي الاشتراط المزبور ، حيث إنّه ظاهر في دلالة بعض المشتقات الاسمية على زمان الحال أو الاستقبال.

(٣) أي : بعض الصفات كاسمي الفاعل والمفعول.

(٤) أي : بكون بعض الصفات.

(٥) تعليل لقوله : «ولا ينافيه» وحاصل تقريب عدم المنافاة هو : أنّ الاتفاق إنّما قام على عدم دلالة الاسم وضعاً على الزمان ، لا مطلقاً ولو بالقرينة ، فلا مانع من قيام قرينة على دلالة الاسم على الزمان ، والاتفاق المزبور لا يمنع عن هذه الدلالة.

(٦) أي : أحد الزمانين من الحال أو الاستقبال.

(٧) يعني : كيف لا يكون مرادهم بدلالة اسمي الفاعل والمفعول على

٢٦٠