منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

السقوط بالأمر الأوّل لا بدّ وأن يكون لعدم حصول الغرض ، ويستقل العقل حينئذ بإتيانه ثانيا على وجه قربي ، ومع هذا الحكم العقلي لا حاجة إلى الأمر الثاني ، فلا يندرج المقام في الشك في متعلق الخطاب ليكون من صغريات الأقل والأكثر ، بل يندرج في الشك في المحصِّل الّذي هو مجرى قاعدة الاشتغال» ، وذلك لابتنائه على كون المأمور به هو الغرض حتى يكون الشك في حصوله مندرجا في الشك في المحصل ، وهذا خلاف ظاهر الخطاب ، لظهوره في أنّ المأمور به هو نفس الأفعال ، لا الغرض الداعي إلى التشريع ، بل يمتنع أن يكون الغرض متعلقا للتكليف ، لعدم إمكان إلقائه إلى المكلّف ، حيث إنّ الفعل ليس علة تامة له حتى يكون الغرض مسببا توليديا ، مضافا إلى عدم تسليم مرجعية قاعدة الاشتغال في جميع المحصِّلات ، إذ المسلّم من ذلك هو ما عدا المحصِّل الشرعي ، وأما هو فيمكن الالتزام بجريان البراءة فيه ، لاجتماع أركانها.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور :

الأوّل : أنّ قصد القربة مما يمكن دخله شرعا في العبادة بالأمر الثاني ، وأنّ الغرض القائم به وبغيره من الأجزاء والشرائط يكون كغيره من الأغراض المترتبة على المركبات الارتباطية ، فبدونه لا مصلحة لسائر الأجزاء والشرائط وهو قوام العبادة ، ولذا لا تجري فيه قاعدة الميسور.

الثاني : أنّ قصد القربة كسائر الشرائط في أنّ الشك في اعتباره يكون من قبيل الشك في متعلّق الأمر وإن لم يكن منه حقيقة ، لاستحالة دخل قصد امتثال الأمر الأوّلي في متعلّقه ولو بألف خطاب ، للزوم الدور المتقدم ، لا من

٤٨١

وسيلة تعدد الأمر ، لاستقلال (١) العقل مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد (٢) موافقة الأمر بوجوب (٣) الموافقة على نحو (٤) يحصل به غرضه ، فيسقط أمره (٥) ، هذا (٦) كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.

______________________________________________________

(١) تعليل لكون الأمر الثاني لغوا وغير محتاج إليه ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) متعلق بقوله : «حصول».

(٣) متعلق ب : ـ استقلال ـ.

(٤) متعلق ب : ـ الموافقة ـ.

(٥) مرجع هذا الضمير وضمير ـ غرضه ـ هو الأمر ، وضمير ـ به ـ يرجع إلى ـ نحو ـ.

(٦) أي : ما ذكرناه من استحالة أخذ القربة في متعلق الأمر إنّما يكون فيما إذا أريد بالتقرب قصد الامتثال ، وأمّا إذا أريد به معنى آخر فسيأتي الكلام فيه.

__________________

الشك في الامتثال الّذي يحكم فيه العقل بالاشتغال.

الثالث : أنّ الأمر الثاني المتكفل لاعتبار قصد القربة يكون بيانا لدخل القربة في الغرض ، إذ لا يمكن للمولى التوصل إلى غرضه إلّا بتعدُّد الأمر ، وحيث إنّ الغرض واحد ، فالأمر الثاني يكون إرشادا إلى الشرطية لا الوجوب النفسيّ.

الرابع : أنّ الخطاب مهمل ، لامتناع إطلاقه بالنسبة إلى القيود المتأخرة عنه. نعم لا بأس بالتمسك بالإطلاق المقامي مع تحقق شرائطه ، وإلّا فالمرجع أصالة البراءة أو الاشتغال على الخلاف فيما هو المرجع في الأقل والأكثر الارتباطيين.

الخامس : أنّ المقام أجنبي عن باب المحصِّل الّذي يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال ، لما عرفت آنفا ، وحكم العقل في كيفية الإطاعة معلّق على عدم بيان من الشارع في ذلك ، نعم حكمه بحسن أصلها منجز كما لا يخفى.

٤٨٢

وأمّا (١) إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو له تعالى ، فاعتباره (٢) في متعلق الأمر وان كان بمكان من الإمكان (*) ، إلّا أنّه غير

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «ان كان بمعنى قصد الامتثال» في صدر المقدمة الثانية ، وحاصله : أنّ القربة إذا كانت بمعنى حسن الفعل ، أو كونه ذا مصلحة أو محبوبا للمولى ، أو خوفا من النار ، أو طمعا في الجنة ، أو لكونه تعالى شأنه أهلا للعبادة ، أو غير ذلك مما يوجب القرب إليه جل وعلا أمكن أخذها في المأمور به من دون لزوم الدور المذكور في قصد القربة بمعنى امتثال الأمر ، لعدم توقف ما عدا قصد الامتثال من الدواعي القربية على الأمر ، فمحذور الدور مختص بالقربة بمعنى امتثال الأمر ، ولكن ليس ذلك معتبرا فيه قطعا ، لأنّ جواز الاقتصار على الإتيان بداعي الأمر يكشف عن تعلق الأمر بنفس الفعل ، وعدم دخل تلك الدواعي في الغرض فضلا عن دخلها في المأمور به ، وإلّا لم يمكن الإتيان بداعي الأمر المتعلق بذات الشيء.

(٢) أي : التقرب ، فيكون التقرب حينئذ من الانقسامات الأوّلية التي يرجع فيها إلى إطلاق الخطاب.

__________________

(*) بل ممتنع أيضا ، لأنّ داعي المصلحة أو الحسن مثلا إذا كان مقوِّما للمصلحة أو الحسن لزم خلوُّ الفعل عنهما ، فكيف يمكن الإتيان به بهذا الداعي؟

فلا فرق في الامتناع بين قصد امتثال الأمر وبين سائر الدواعي. إلّا أن يقال : إنّ هذا الإشكال مندفع بعدم خلوِّ الفعل عن المصلحة والحسن وغيرهما ، لأنّه إنّما يلزم بناء على كون قصد المصلحة ونحوها جزءا ، لكونه حينئذ بعض ما تقوم به المصلحة ، وأمّا بناء على الشرطية ـ كما هو المفروض ـ فلا يلزم ذلك أصلا ، لقيام المصلحة بالأجزاء ، والشرط إنّما يكون دخيلا في فعلية المصلحة ، وعليه فلا مانع من إتيان الفعل بداعي ما فيه من المصلحة أو الحسن أو غيرهما.

٤٨٣

معتبر فيه (١) قطعا ، لكفاية (٢) الاقتصار على قصد الامتثال الّذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه (٣) بديهة (٤) ، تأمّل فيما ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام ، كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الأعلام (٥).

ثالثتها (٦): أنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد

______________________________________________________

(١) أي : متعلق الأمر.

(٢) تعليل لعدم الاعتبار ، والوجه فيه : أنّ اعتبار أحد تلك الدواعي يستلزم اجتماع داعيين على فعل واحد إذا أتى به بداعي الأمر ، أو صيرورة داعي الأمر من قبيل داعي الداعي ، وهو خلف ، إذ المفروض كفاية إتيان المتعلق بداعي الأمر بنفسه بلا إشكال.

(٣) أي : أخذ قصد الامتثال في متعلق الأمر مطلقا ولو مع تعدد الأمر.

(٤) إشارة إلى محذور الدور المزبور.

(٥) حيث ذهب بعضهم إلى إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في المتعلق مع تعدد الأمر كما مر ، وبعض آخر إلى إمكانه من دون حاجة إلى تعدد الأمر ، بدعوى : عدم لزوم الدور بالبيان الّذي عرفته عند شرح قول المصنف (قده) : «وتوهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر ... إلخ» ، وثالثٌ إلى جعل القربة عبارة عن قصد حسن الفعل ، أو مصلحته ، أو غيرهما مما يمكن دخله في متعلق الأمر ، لكونه من الانقسامات الأولية.

(٦) الغرض من تمهيد هذه المقدمة : بيان امتناع التمسك بإطلاق الصيغة لإثبات التوصلية ، وعدم اعتبار نية القربة بمعنى قصد امتثال الأمر في المتعلق.

ومحصل تقريب امتناع التمسك بذلك هو : أنّ قصد امتثال الأمر على ما تقدم يمتنع تقييد المتعلق به لمحذور الدور ، وامتناع التقييد يوجب امتناع الإطلاق ،

٤٨٤

الامتثال في المأمور به أصلا (١) ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه (٢) ولو كان مسوقاً في مقام البيان (٣) على (٤) عدم اعتباره كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصح التمسك به (٥) إلّا فيما (٦) يمكن اعتباره فيه ، فانقدح بذلك (٧)

______________________________________________________

لما مرّ من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فيعتبر في التمسك بالإطلاق شأنيّة التقييد ، فإذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق أيضا كما لا يخفى.

(١) يعني : لا شطراً ولا شرطاً ، لا بوحدة الأمر ولا تعدده.

(٢) أي : إطلاق الأمر ، وهذا هو الإطلاق اللفظي في قبال الإطلاق المقامي الآتي.

(٣) هذا من شرائط التمسك بالإطلاق في مقابل الإهمال والإجمال.

(٤) متعلق بالاستدلال ، يعني : لا مجال للاستدلال على عدم اعتبار قصد امتثال الأمر بإطلاق الأمر وإن كان إطلاقه مسوقاً في مقام بيان ما يعتبر في متعلقه.

ووجه عدم المجال : ما عرفت من امتناع الإطلاق بالنسبة إلى مثل قصد الامتثال من القيود المتأخرة عن الأمر.

(٥) أي : إطلاق الأمر.

(٦) أي : القيود التي يمكن اعتبارها في المأمور به.

(٧) أي : عدم كون قصد القربة من الأُمور المعتبرة في نفس المأمور به وكونه من كيفيات الإطاعة ، وأنّ انقسام المتعلق إلى التعبدي والتوصلي من الانقسامات الثانوية المترتبة على الأمر المتأخرة عن ذات المأمور به ، وعلى هذا فلا مجال للتمسك بإطلاق المادة لإثبات التوصلية ، خلافاً لشيخنا الأنصاري (قده) على ما في تقريرات بحثه الشريف ، قال المقرر : «فالحق الحقيق بالتصديق هو : أنّ ظاهر الأمر يقتضي التوصلية ، إذ ليس المستفاد من الأمر إلّا تعلُّق الطلب الّذي

٤٨٥

أنّه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها (١) ، ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما (٢) هو ناشئ من قبل الأمر من (٣) إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها (٤) ، نعم (٥) إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان

______________________________________________________

هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادة ، وبعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج لا مناص من سقوط الطلب ، لامتناع طلب الحاصل» انتهى ، فقول المصنف (قده) : «لا وجه لاستظهار التوصلية ... إلخ» تعريض بالشيخ (ره).

لكن لا يخفى أنّ الكلام الّذي نقلناه عن التقريرات إنّما هو بعد بيان امتناع الإطلاق ، فالإشكال عليه بإنكار الإطلاق لامتناعه لا يخلو من الغموض ، فلعلّ مراده الإطلاق المقامي الناشئ عن عدم التقييد مع كون المتكلم في مقام البيان ، فتدبّر.

(١) لما عرفت من كون التعبدية من الانقسامات الثانوية المترتبة على المادة كالصلاة ونحوها ، فلحاظ كل من إطلاق المادة وتقييدها ممتنع.

(٢) بيان للمثل ، وحاصله : منع إطلاق المادة بالنسبة إلى الوجه وغيره مما يترتب على الأمر ويتولّد منه ، لكونه من الانقسامات الثانوية بالنسبة إلى المادة.

(٣) متعلق بقوله : «لاستظهار».

(٤) الضمير راجع إلى العبادة ، وضمير «اعتباره» راجع إلى ـ مثل الوجه ـ.

(٥) هذا إشارة إلى الإطلاق المقامي ، وتقريبه : أنّه إذا كان الآمر بصدد بيان ما له دخل في حصول غرضه الداعي إلى الأمر وإن لم يكن دخيلاً في متعلق الأمر ، لامتناع دخله فيه كقصد القربة ونحوه مما يترتب على الأمر ، ويمتنع دخله في المتعلق ، وبيّن أموراً وسكت عن غيرها كان ذلك السكوت بياناً لعدم دخل كل ما يحتمل دخله في الغرض سواء أمكن اعتباره في المتعلق أم لا ، إذ لو لم يكن كذلك لزم نقض الغرض ، وهو ممتنع على الحكيم ، فهذا الإطلاق المقامي

٤٨٦

تمام ما له دخل في حصول غرضه ، وإن لم يكن له دخل في متعلق أمره ، ومعه (١) سكت في المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله (٢) كان هذا (٣) قرينة على عدم دخله في غرضه (٤) ، وإلّا (٥) لكان سكوته نقضاً له ، وخلاف الحكمة ، فلا بد عند الشك وعدم إحراز هذا المقام (٦) من الرجوع إلى

______________________________________________________

الّذي قد يعبر عنه بالإطلاق الحالي في مقابل الإطلاق اللفظي المعبر عنه بالإطلاق المقالي أيضا مركب من مقدمتين :

الأُولى : كون المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في غرضه وإن لم يكن دخيلا في متعلق الأمر ، بخلاف الإطلاق اللفظي ، فإنّ المعتبر فيه هو كون المتكلم بصدد بيان تمام ما له دخل شطراً أو شرطاً في المتعلق ، وبهذا يمتاز الإطلاق المقامي عن المقالي.

الثانية : عدم البيان ، ويمكن إحراز هاتين المقدمتين بالأصل العقلائي.

ثم إنّ الإطلاق المقامي كاللفظي في الدليليّة والكشف عن الواقع.

(١) أي : ومع كونه بصدد بيان تمام ما له دخل في غرضه ، وهذا إشارة إلى المقدمة الأُولى.

(٢) أي : الغرض.

(٣) أي : السكوت ، وهذا إشارة إلى المقدمة الثانية.

(٤) أي : غرض الآمر ، وضمير ـ دخله ـ راجع إلى قصد الامتثال.

(٥) أي : وان لم يكن سكوته في مقام البيان قرينة على عدم الدخل لكان هذا نقضاً للغرض وخلاف الحكمة.

(٦) أي : كون المتكلم بصدد بيان تمام ما له دخل في غرضه ، وحاصله : أنّه مع عدم الإطلاق المقامي لا بد من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل العملي ، إذ

٤٨٧

ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل

فاعلم : أنّه لا مجال هاهنا (١) إلّا لأصالة الاشتغال ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وذلك (٢) لأنّ الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها (٣) ، فلا يكون العقاب مع الشك وعدم إحراز الخروج عقاباً بلا بيان ، والمؤاخذة (٤)

______________________________________________________

المفروض فقدان الدليل الاجتهادي من الإطلاق المقالي والمقامي ، والأصل الّذي يرجع إليه في الشك في التعبدية هو الاشتغال العقلي ، لأنّ الشك فيها يرجع إلى الشك في سقوط الأمر وامتثاله ، لا إلى الشك في ثبوته حتى يرجع فيه إلى أصالة البراءة ، لما تقدم من عدم إمكان دخل قصد الامتثال جزءاً أو شرطاً في المأمور به ، فليس الشك فيه شكاً في جزء المأمور به أو شرطه حتى يندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ، ويرجع فيه إلى الاشتغال أو البراءة على الخلاف ، بل قصد الامتثال يكون من كيفيات الإطاعة ، وليس ممّا تناله يد الجعل الشرعي ليكون الشك فيه مجرى لأصالة البراءة ، فلا محيص عن الالتزام بجريان قاعدة الاشتغال هنا وان قلنا بجريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين ، لوجود شرط جريان أصالة البراءة هناك ، وعدمه هنا كما عرفت.

(١) أي : في اعتبار قصد الامتثال.

(٢) هذا تقريب الفرق بين المقام وبين الأقل والأكثر ، وقد عرفت توضيحه.

(٣) أي : عهدة التكليف ، ووجه حكم العقل بلزوم الخروج هو كون الشك في الفراغ عن التكليف المعلوم ، ومن البديهي : أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ القطعي.

(٤) معطوف على ـ العقاب ـ ، يعني : ولا تكون المؤاخذة على عدم إحراز

٤٨٨

عليه بلا برهان ، ضرورة (١) أنّه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعدم الخروج عن العهدة لو (٢) اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد

______________________________________________________

الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بلا برهان ، ضرورة أنّ المصحح للمؤاخذة وهو العلم بالتكليف موجود هنا ، فما لم يعلم بالخروج عن العهدة لا يخرج عن الخطر العقابي ولو كان عدم الخروج لأجل الإخلال بقصد القربة ، إذ المفروض توقف حصول الغرض عليه (*).

(١) تعليل لعدم كون المؤاخذة بلا برهان ، وقد مر توضيحه بقولنا : «ضرورة أن المصحح ... إلخ».

(٢) الظاهر سقوط ـ الواو ـ قبل ـ لو ـ يعني : لا إشكال في صحة المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة بمجرد العلم بالتكليف ولو كان عدم

__________________

(*) قد تقدم في التعليقة أنّ مراعاة الغرض مبنية على تعلُّق التكليف به ، وقد عرفت خروجه عن حيِّزه وعدم تعلُّقه به ، ولو بني على لزوم مراعاته لَزِم انسداد باب البراءة في الارتباطيات ، لأنّ العلم بحصول الغرض منوط بالإتيان بالأكثر ، ولا فرق في لزوم رعايته بين المقام وبين المركبات الارتباطية أصلا ، ولذا التزم المصنف (قده) هناك بوجوب الاحتياط عقلا ، فلا ينبغي التفكيك بين المقام وبين الأقل والأكثر كما عن جماعة بجريان البراءة العقلية هناك ، والاشتغال العقلي هنا ، مع أنّ قضية لزوم مراعاة الغرض هي وجوب الاحتياط العقلي في كلا البابين ، والفرق بينهما باحتمال انطباق الجزء أو الشرط على ما يحتمل دخله في الغرض في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، وعدم احتمال الانطباق على ما يحتمل دخله في الغرض في مسألة قصد القربة ليس بفارق في وجوب الاحتياط عقلا ، وإنّما يكون فارقاً في البراءة الشرعية كما لا يخفى.

٤٨٩

القربة ، وهكذا الحال (١) في كل ما شك في دخله في الطاعة والخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره (٢) في المأمور به كالوجه والتمييز. نعم (٣) يمكن أن

______________________________________________________

الخروج لأجل الإخلال بقصد القربة فقط مع الإتيان بذات متعلق الأمر ، هذا.

(ودعوى) عدم الحاجة إلى الواو ببيان : أنّ مراد الماتن (قده) هو : أنّه تصح المؤاخذة لو اتفق في عالم الواقع أنّ قصد الامتثال كان دخيلا في غرض المولى ولم يأت المكلّف به مع كونه شاكاً في اعتباره ... إلخ (بعيدة جداً) ، إذ الظاهر أنّ مراد المصنف كفاية العلم بالتكليف في صحة المؤاخذة على المخالفة وإن استندت إلى فردها الخفي وهو الإخلال بما يشك في اعتباره في الغرض ، فتدبّر.

(١) يعني : لا يختص ما ذكرناه من كون الأصل في الشك في التعبدية هو الاشتغال لا البراءة بقصد القربة ، بل يجري في كل ما لا يمكن دخله في متعلق الأمر لا شطراً ولا شرطاً ، لترتبه على الأمر وترشحه منه كقصد الوجه والتمييز.

(٢) لتأخُّره عن الأمر وتولُّده منه ، فيمتنع دخله فيما هو قبل الأمر.

(٣) هذا استدراك من كون الأصل في جميع القيود الناشئة عن الأمر هو الاحتياط ، وحاصله : التفصيل بين تلك القيود في وجوب الاحتياط ، بأن يقال : إنّ ما يحتمل دخله في الإطاعة إن كان مما يغفل عنه العامة فلا محيص عن بيانه ، إذ ليس هنا ارتكاز يعتمد عليه الشارع في مقام البيان ، فالسكوت حينئذٍ يوجب فوات الغرض ، وهو قبيح على العاقل فضلاً عن الحكيم. وإن كان مما يلتفت إليه العامة ولا يغفلون عنه ـ لكونه مركوزاً في أذهانهم بحيث يصح للمتكلم الاعتماد على ارتكازيته والسكوت عنه في مقام البيان ـ فلا حاجة إلى بيانه ، لأنّ تركه لا يخلّ بالغرض. ففي القسم الأوّل لا يرجع إلى الاحتياط ، لإمكان دعوى القطع بعدم دخله في الغرض ، إذ لو كان له دخل فيه لَزِم من عدم البيان فوات الغرض ،

٤٩٠

يقال : إنّ كلّ ما يحتمل بدواً دخله في الامتثال وكان مما يغفل عنه غالباً العامة كان على الآمر بيانه ونصب قرينة على دخله واقعاً ، وإلّا لأخلّ بما هو همّه وغرضه ، أمّا إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف (١) عن عدم دخله ، وبذلك (٢) يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر (٣) في الأخبار والآثار ، وكانا مما يغفل عنه العامة وإن احتمل

______________________________________________________

حيث إنّ المفروض بعد غفلة عامة الناس عنه عدم ارتكاز قابل لاعتماد المتكلم عليه في مقام البيان ، فمقدمات الإطلاق ـ التي منها عدم ما يصلح للبيانية ـ موجودة ، فلا يجب الاحتياط في القيود التي يغفل عنها العامة.

وفي القسم الثاني يجب الاحتياط ، لصحة اعتماد المتكلم على التفات العامة إليه ، وتنبُّههم له ، فيجب مراعاة المشكوك دخله في الغرض ، لعدم تمامية عدم البيان المتوقف عليه الإطلاق المقامي ، إذ المفروض كون التفات العامة بياناً.

فالمتحصل : أنّ مرجعيّة الاحتياط في القيود الدخيلة في الإطاعة المتأخرة عن الأمر تختص بالقسم الّذي لا يغفل عنه العامة ، وفي غيره يرجع إلى الإطلاق القاضي بعدم وجوب الاحتياط ، لتمامية مقدماته التي منها عدم البيان على دخل المشكوك فيه.

ومن هنا يتجه التمسك بالأخبار البيانية كصحيحة حمّاد المبيَّنة لأجزاء الصلاة وشرائطها ، فإنّ سكوتها عن بيان دخل ما شك في دخله في الغرض مع كونه مما يغفل عنه العامة دليل على عدم دخله فيه.

(١) أي : عدم نصب الدليل كاشف عن عدم دخل المشكوك فيه في الغرض ، فيصح التمسك حينئذٍ بالإطلاق المقامي ، لتمامية مقدماته.

(٢) أي : لزوم التنبيه على الدخل إن كان محتمل الاعتبار مما يغفل عنه العامة.

(٣) المراد بالأوّل الدلالة المطابقية ، وبالثاني الدلالة الالتزامية.

٤٩١

اعتباره (١) بعض الخاصة (٢) ، فتدبر جيّداً. ثم إنّه (٣) لا أظنك أن تتوهم وتقول : إنّ أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار وإن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار (٤) ، لوضوح (٥) أنّه لا بدّ في عمومها (٦) من شيءٍ قابل للرفع والوضع شرعاً

______________________________________________________

(١) الأولى تثنية الضمير باعتبار الوجه والتمييز وإن كان إفراده صحيحاً أيضا باعتبار رجوعه إلى ـ القصد ـ.

(٢) وهو السيد الأجل علم الهدى (قده) على ما قيل.

(٣) غرضه : دفع ما يتوهم من المقام وهو قياس الشك في اعتبار قصد الأمر بالشك في جزئية شيءٍ أو شرطيته للمركب الارتباطي بأن يقال : كما يجري الاحتياط العقلي والبراءة الشرعية هناك كما هو مذهب المصنف كذلك هنا ، فيجري الاحتياط العقلي في الشك في اعتبار قصد امتثال الأمر مع البراءة الشرعية الرافعة لخطر العقاب.

وملخص دفع هذا التوهم هو : أنّه قياس مع الفارق ، حيث إنّ أركان البراءة التي منها كون مجراها هو الشك في التكليف هناك تامة ، ضرورة أنّ الشك في جزئية السورة مثلا شك في التكليف ، بخلاف الشك في قصد امتثال الأمر ، لما مرّ من استحالة دخله شرعاً في المتعلق ، فهو من كيفيات الإطاعة التي لا تنالها يد التشريع ، فلا تجري فيها البراءة أصلا.

(٤) لكون الشك في كيفية الإطاعة لا في موضوعها كما مر.

(٥) تعليل لقوله : «لا أظنك» وقد عرفت تقريبه ، وأنّه قياس مع الفارق.

(٦) أي : عموم أدلة البراءة الشرعية للمقام.

٤٩٢

وليس (١) هاهنا ، فإنّ (٢) دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي ، ودخل (٣) الجزء والشرط فيه (٤) وإن كان كذلك (٥) إلّا أنّهما (٦) قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدليل

______________________________________________________

(١) يعني : وليس شيءٌ قابل للرفع والوضع شرعاً موجوداً هنا حتى تجري فيه البراءة ، لما مرّ من أنّ قصد القربة مما لا تناله يد التشريع.

(٢) بيان لفقدان الشرط المزبور ، وحاصله : أنّ دخل قصد القربة ونحوها مما يترشّح من الأمر في الغرض ليس بشرعي ، لما مرّ من استحالته ، فيكون دخله فيه تكوينياً ، وكلّ ما كان كذلك لا يشمله عموم أدلة البراءة ، لإناطة جريانها بكون المجهول قابلاً للوضع والرفع شرعاً.

(٣) هذا إشارة إلى توهم وهو : أنّه لو كان الدخل الواقعي في الغرض مانعاً عن شمول أدلة البراءة الشرعية لَكان مانعاً عن شمولها للجزء والشرط أيضا ، لوضوح كون دخلهما في الغرض تكوينياً لا تشريعياً ، مع أنّ من المسلّم شمولها لهما ، ولذا يتمسكون بأدلة البراءة الشرعية في الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٤) أي : الغرض.

(٥) أي : واقعياً لا شرعياً.

(٦) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : وضوح الفرق بين الجزء والشرط وبين قصد القربة ، وذلك لأنّ الجزء والشرط وإن كانا دخيلين في الغرض واقعاً ، لكنّهما قابلان لتعلُّق الأمر بهما في ضمن تعلُّقه بالواجب ، فدخلهما في الغرض وان كان واقعياً ، لكنه في الواجب شرعي ، لإمكان تعلق الأمر الضمني بهما كما عرفت.

وهذا بخلاف قصد القربة ، فإنّ دخله في الغرض واقعي ، وليس قابلاً لتعلق الأمر الشرعي به كما مر مفصّلاً ، فقياس المقام بباب متعلّقات التكاليف مع الفارق.

٤٩٣

الرفع (١) ولو كان أصلا يكشف أنّه ليس هناك أمر فعلي بما (٢) يعتبر (٣) فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا (٤) ، بخلاف المقام (٥) فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلي (٦) كما عرفت (٧) ،

______________________________________________________

(١) وهو حديث رفع التسعة الّذي هو أقوى أدلة البراءة.

وحاصله : أنّه بدليل اجتهادي ـ كإطلاق مقالي أو مقامي أو بأصل عملي كأصالة البراءة ـ يستكشف عدم تعلق أمر فعلي بالمركب المشتمل على المشكوك فيه أو المقيّد به ، فلا يجب الخروج عنه ولو كان ثابتاً واقعاً ، وهذا بخلاف قصد القربة ، فإنّ حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم يقتضي إتيان الواجب بقصدها ، لتوقف يقين الفراغ عليه ، وهذا الحكم العقلي يوجب فعلية وجوب الإتيان كذلك.

وبالجملة : ففعليّة الأمر المتعلق بالمركّب الواجد للمشكوك جزءاً أو شرطاً منفية بدليل اجتهادي أو أصل عملي ، ولكن فعلية الأمر بما يشتمل على قصد القربة ثابتة بحكم العقل.

(٢) المراد بالموصول هو المركب الارتباطي.

(٣) الأولى أن يقال : «يشتمل على المشكوك» بدل ـ يعتبر ـ ، لفرض كونه مشكوك الاعتبار.

(٤) قيد لقوله : ـ يجب ـ.

(٥) وهو الشك في اعتبار قصد امتثال الأمر.

(٦) وهو حكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ.

(٧) في تأسيس الأصل ، حيث قال : «فاعلم أنّه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال».

٤٩٤

فافهم (١).

(المبحث السادس) : قضية إطلاق الصيغة (٢) كون الوجوب نفسياً تعيينيّاً

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى كون الإطلاق المقامي رافعاً لاحتمال دخل قصد القربة في الغرض ، ومعه لا مجال لأصالة الاشتغال. أو إلى : أنّ مجرد الدخل في الغرض مع عدم تعلُّق التكليف به لا يقتضي الاحتياط. أو إلى غيرهما من المناقشات المتعلقة بجريان قاعدة الاشتغال في الأقل والأكثر ، وستأتي في محلها إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى أنّ المصنف (قده) لم يتعرض لسائر الوجوه التي استدل بها على اعتبار التعبدية إذا شكّ فيها ، واقتصر منها على البحث عن إطلاق الصيغة.

ووجهه : أنّ البحث عن اعتبار قصد القربة من المسائل الفقهية ، والّذي يكون مرتبطاً بالأُصول هو البحث عن دلالة الصيغة وعدمها على ذلك.

(٢) سواءٌ أقلنا بصحة تقييد الهيئة ، لكونها إنشاء مفهوم الطلب كما عليه بعض أم لا ، لكونها إنشاء النسبة وإيجاد مصداق الطلب بناءً على إيجادية المعاني الحرفية كما عليه بعض آخر.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ الطلب المنشأ بالصيغة لمّا كان هو المفهوم ، فإطلاقه يقتضي عدم تقيُّده بقيد من كون الطلب مقيّداً بطلب آخر ومترشّحاً منه ليكون الوجوب غيريّاً ، ومن وجوب غيره عِدلاً له ليكون تخييرياً ، ومن عدم إتيان غيره به ليكون كفائيّاً ، فإنّ كلّ واحد من هذه الأُمور قيد له يرتفع بالإطلاق.

وأمّا على الثاني ، فلكفاية الإطلاق المقامي في استظهار النفسيّة وغيرها من الصيغة ، فعلى كل حال يصح أن يقال : إنّ إطلاق الصيغة يقتضي النفسيّة والعينية والتعيينية ، فإنّ الغيرية تقييد في الوجوب ، لكونه منوطاً بوجوب غيره ، والتخييريّة ـ التي هي جعل العِدل ـ تقييد للوجوب بقاءً ، وكذا الكفائية ، فإنّها

٤٩٥

عينياً ، لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب ، وتضيق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه (١) فالحكمة تقتضي كونه (٢) مطلقاً وجب هناك شيءٌ آخر أو لا (٣) ، أتى بشيء آخر أو لا (٤) ، أتى به آخر أو لا (٥) كما هو واضح لا يخفى.

(المبحث السابع) (٦) : أنّه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب

______________________________________________________

تقييد للوجوب بقاءً بعدم إتيان الغير ، فكل منها قيد ينفيه الإطلاق.

وبالجملة : فكل من النفسيّة والتعيينيّة والعينية أمر عدمي يحرز بالإطلاق ، وليست أُموراً وجودية حتى تنفي بالإطلاق ، ويقع التعارض بين الإطلاقين ، فالإطلاق ينفي الغيرية والتعيينية والكفائية ويُثبت ما يقابلها من دون تعارض.

(١) أي : التقييد.

(٢) أي : الوجوب.

(٣) هذا في الوجوب الغيري ، إذ لو كان وجوبه لأجل الغير فلا محالة يصير غيريّاً.

(٤) هذا في الوجوب التخييري ، فان لم يكن له عدل فالوجوب تعييني ، وإلّا فهو تخييري ، فجعل العِدل قيد ينفي بالإطلاق.

(٥) هذا في الوجوب الكفائي ، فإنّ الوجوب فيه مقيّد بعدم إتيان الغير بالواجب ، وهذا بخلاف ما يقابله من الوجوب العيني ، فإنّه ثابت مطلقاً سواء أتى به الغير أم لا ، وسواء وجب هناك شيء آخر أم لا.

(٦) الغرض من عقد هذا البحث هو : أنّه بعد البناء على ظهور الصيغة في الوجوب سواء كان ناشئاً من الوضع أم غيره هل يكون وقوعها عقيب الحظر موجباً لارتفاع هذا الظهور ، فلا تدل حينئذ على الوجوب أم لا؟ وبعبارة أخرى :

٤٩٦

وضعا أو إطلاقا (١) فيما (٢) إذا وقع عقيب الحظر ، أو في مقام توهمه (٣) على أقوال (٤) نسب إلى المشهور (٥) ظهورها في الإباحة (٦) ، وإلى بعض العامة (٧) ظهورها في الوجوب ، وإلى بعض (٨) تبعيتها لما قبل النهي إنّ علِّق الأمر بزوال

______________________________________________________

هل يكون وقوع الصيغة عقيب الحظر من القرائن النوعية الرافعة لظهورها في الوجوب أم لا؟.

(١) كلاهما قيد لقوله : «ظهور».

(٢) متعلق بقوله : «اختلف».

(٣) فضلا عن ظنّه ، ولعل المراد بالتوهم ما يكون جامعا بين الظن والاحتمال وهو الشك المساوي والمرجوح وهو الوهم ، لكن في البدائع جعل العنوان «عقيب الحظر» من دون بيان توهمه.

(٤) وهي عشرة كاملة.

(٥) وإلى الشافعي.

(٦) بمعناها الخاصّ كما هو المنسوب إلى صريح بعض ، أو معناها العام وهو القدر الجامع بين الأحكام الثلاثة والإباحة الخاصة كما هو صريح المحكي عن الوافية والمحقق القمي ، وهذا مراد من فسّرها برفع المنع كما عن الذريعة والنهاية.

(٧) كالرازي والبيضاوي وأبي إسحاق الشيرازي وبعض المعتزلة ، ونسب إلى بعض الخاصة أيضا كالغنية والتهذيب والمنتهى وتمهيد القواعد والمفاتيح والمعارج.

(٨) كالعضدي ، فإنّه نفي البعد عن هذا التفصيل ، وهو : أنّ الأمر يفيد الوجوب إن لم يكن معلّقا بزوال علّة عروض النهي ، والرجوع إلى ما قبل الحظر من الحكم إن كان معلّقا بذلك كما في قوله تعالى : «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا»

٤٩٧

علّة النهي إلى غير ذلك (١). والتحقيق (٢) أنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فإنّه قلّ مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا

______________________________________________________

وقوله تعالى : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» فإنّ الأمر في الأوّل علّق على الإحلال المضاد للإحرام الّذي هو علة عروض النهي عن الصيد ، فيفيد الأمر الإباحة التي هي حكم الصيد قبل النهي عنه.

وفي الثاني بالانسلاخ الّذي هو عبارة عن انقضاء الأشهر الحرم التي هي علة النهي ، فيفيد الوجوب الّذي كان قبل الحظر.

(١) من الإباحة والوقف ، وكونه مقيدا للندب ، والتفصيل المحكي عن الفصول وهو الوجوب أو الندب إن كانا قبل عروض النهي ، وإلّا فالإباحة.

والتفصيل بين التعليق على زوال علة عروض النهي فيفيد الإباحة ، وبين عدم التعليق فيفيد الوجوب.

(٢) لمّا تشبّث كل من أرباب الأقوال المذكورة على مدعاه بجملة من موارد الاستعمالات أبطل المصنف (قده) تلك الاستدلالات بأنّه لا مجال لها ، لأنّ المدّعى هو كون نفس الوقوع عقيب الحظر قرينة على الندب ، أو الإباحة ، أو التبعية ، أو غيرها ، وليس الأمر في موارد الاستعمال التي استدلّوا بها على الأقوال كذلك ، لاحتفافها بالقرائن الخاصة ، فلم تثبت دلالتها على كون مجرّد وقوع الأمر عقيب الحظر قرينة على ما ادعوه من الأقوال المذكورة ، فالاستدلالات المشار إليها ضعيفة ، فلا بد من الالتزام بظهور الصيغة فيما كانت ظاهرة فيه قبل وقوعها عقيب الحظر ، أو الالتزام بإجمالها ، وعدم الحمل على شيء من الوجوب وغيره مما تقدم إلّا بقرينة خاصة.

٤٩٨

لظهورها (١) في غير ما تكون ظاهرة فيه (٢) ، غاية الأمر (٣) يكون موجبا لإجمالها (٤) غير ظاهرة في واحد منها (٥) إلّا بقرينة أخرى (٦) كما أشرنا (٧).

(المبحث الثامن) : الحق أنّ صيغة الأمر مطلقا (٨) لا دلالة لها على المرة ولا التكرار (٩) ، فإنّ (١٠) المنصرف عنها (١١) ليس إلّا طلب إيجاد الطبيعة

______________________________________________________

(١) أي : صيغة الأمر.

(٢) يعني : قبل وقوعها عقيب الحظر.

(٣) يعني : غاية ما يمكن أن يقال : إنّ الوقوع عقيب الحظر قرينة صارفة فقط ، وليست معيِّنة ، فيصير الأمر حينئذ مجملا ، فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له إلّا على القول بحجية أصالة عدم القرينة تعبدا ، لا من باب حجية الظهور.

(٤) أي : الصيغة.

(٥) أي : الوجوب ، أو الندب ، أو الإباحة أو غيرها من الأمور المتقدمة.

(٦) يعني : غير وقوع الصيغة عقيب الحظر ، إذ المفروض كونه قرينة صارفة فقط ، فإرادة أحد المعاني المذكورة منوطة بقرينة أخرى معينة له.

(٧) حيث قال : «فانه قلَّ مورد منها يكون خاليا عن قرينة الوجوب».

(٨) يعني : إذا لم تكن مقيدة بمرة أو تكرار ، وحاصل ما أفاده : أنّ صيغة الأمر لا تدلّ بشيء من مادتها وهيئتها على مرة ولا تكرار ، حيث إنّه إذا قال : ـ صلِّ ـ مثلا فمدلوله المادي هو نفس الصلاة بلا قيد ، ومدلوله الهيئي طلب إيجاد الصلاة ، فلا بد في استفادة المرة أو التكرار من قرينة خارجية.

(٩) سيأتي من المصنف (قده) شرحهما.

(١٠) تعليل لعدم دلالة الصيغة على المرة والتكرار.

(١١) أي : الصيغة.

٤٩٩

المأمور بها ، فلا دلالة لها (١) على أحدهما (٢) لا بهيئتها ولا بمادتها (٣) ، والاكتفاء (٤) بالمرة فإنّما (٥) هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة ، كما لا يخفى. ثم لا يذهب عليك (٦) أنّ الاتفاق على أنّ المصدر المجرّد عن اللام

______________________________________________________

(١) أي : الصيغة.

(٢) أي : المرة والتكرار.

(٣) قد عرفت تقريب عدم دلالة الصيغة مادة وهيئة على المرة والتكرار.

(٤) إشارة إلى توهم ، وهو : أنّ الاكتفاء بالمرة في مقام الإطاعة كاشف عن دلالة الصيغة على المرة.

(٥) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أنّ الاكتفاء بالمرة في تحقق الامتثال ليس لأجل دلالة الصيغة عليها ، بل لحكم العقل ، حيث إنّ انطباق الطبيعي على فرده قهري ، فيوجد الطبيعي المأمور به بفرده جزما ، فيحكم العقل بالإجزاء ، لأنّ المطلوب إيجاد الطبيعة الواقعة في حيِّز الطلب ، وقد حصل ذلك بأوّل وجودها ، لانطباق المأمور به عليه قهرا ، فلا بد حينئذ من الالتزام بالإجزاء ، وإلّا فلا يحصل الإجزاء بسائر الأفراد أيضا ، لاتحاد حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز.

(٦) الغرض من هذا الكلام ردّ صاحب الفصول (قده) ، ولا بأس بنقل كلامه أوّلا ، ثم بيان إشكال المصنف (قده) عليه ثانيا ، قال في أوّل هذا الفصل ما لفظه : «الحق أنّ هيئة الأمر لا دلالة لها على المرة ولا التكرار .. إلى أن قال : وإنّما حرّرنا النزاع في الهيئة ، لنص جماعة عليه ، ولأنّ الأكثر حرّروا النزاع في الصيغة ، وهي ظاهرة بل صريحة فيها ، ولأنّه لا كلام لنا في أنّ المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدلّ إلّا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه ، وخصّ نزاعهم في أنّ اسم الجنس هل يدل على الجنس من

٥٠٠