منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

كونه (١) حقيقة في المورد (٢) ولو بالانطباق (٣) لا وجه لملاحظة حالة أُخرى (٤) كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا لم يكن له (٥) العموم ، فان

______________________________________________________

والحاصل : أنّ التعليل المذكور لا ينطبق على المعلل ، فلا بدّ أن يكون علة لمقدّر ـ وهو أنّ كثرة الاستعمال في موارد الانقضاء لا توجب كون أكثر استعمالات المشتق مجازاً كما ادعاه المتوهم ـ وذلك لأنّه مع فرض وضعه لمعنى عام يكون حقيقة في المنقضي عنه المبدأ بالانطباق ، ومع فرض وضعه لمعنى خاص وهو حال التلبس يمكن أن يكون الاستعمال حينئذٍ أيضا على وجه الحقيقة إذا كان الجري بلحاظ حال التلبس ، بل لا بد من البناء على كونه بهذا اللحاظ ، لما عرفت من أنّه مقتضى أصالة الحقيقة.

والمتحصل : أنّ كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى كون انسباق خصوص حال التلبس ناشئاً عن الإطلاق ، ولا تستلزم مجازية المشتق في الأكثر ، وعليه فتبادر خصوص المتلبس بالمبدإ يكون من حاقِّ اللفظ ، فهو أمارة الوضع.

(١) أي : المشتق.

(٢) أي : مورد الانقضاء.

(٣) أي : من باب انطباق الكلي عليه ، إذ بناءً على وضع المشتق للأعم يكون الموضوع له الكلي الصادق على كل من المتلبّس والمنقضي.

(٤) وهي حال التلبس ، لأنّ المشتق حينئذٍ يكون حقيقة في المنقضي ككونه حقيقة في المتلبس بالمبدإ ، فلا وجه لملاحظة حال التلبس في استعماله في موارد الانقضاء.

(٥) أي : للمعنى ، هذا في مقابل قوله : «إذ مع عموم المعنى ... إلخ».

٢٨١

استعماله (١) حينئذٍ (٢) مجازاً بلحاظ حال الانقضاء (٣) وإنّ كان ممكناً ، إلّا أنّه (٤) لَمّا كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الإمكان ، فلا وجه لاستعماله وجريه (٥) على الذات مجازاً وبالعناية وملاحظة العلاقة ، وهذا (٦) غير

______________________________________________________

والأولى أن يقال : «ومع خصوص المعنى» وقد عرفت توضيحه بقولنا : «إذ مع عموم المعنى يكون حقيقة في المنقضي ... إلخ».

(١) أي : استعمال المشتق في موارد الانقضاء.

(٢) أي : حين عدم عموم المعنى.

(٣) بأن يكون الجري بلحاظ حال الانقضاء ، فإنّ استعمال المشتق حينئذٍ يكون مجازاً لا محالة.

(٤) أي : الاستعمال ، حاصله : أنّ استعمال المشتق في موارد الانقضاء يمكن أن يكون مجازاً إذا كان بلحاظ حال الانقضاء ، وأن يكون حقيقة إذا كان بلحاظ حال التلبس ، ومع دوران الاستعمال بين كونه حقيقة وبين كونه مجازاً يقدّم الأوّل على الثاني ، ففي موارد الانقضاء يلاحظ حال التلبس ليكون استعمال المشتق فيها حقيقة.

(٥) الضميران راجعان إلى المشتق ، وحاصله : أنّه ـ بعد إمكان كون الاستعمال على وجه الحقيقة بأن يكون بلحاظ حال التلبس ـ لا وجه لجري المشتق على الذات مجازاً ، لأنّه مع الشك في المعنى المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي والمجازي يكون الأصل حمل اللفظ على المعنى الحقيقي ، وهو هنا حال التلبس ، فوضع المشتق لخصوص حال التلبس لا يستلزم كثرة الاستعمالات المجازية حتى يرد عليها اعتراض الخصم ببُعدها وعدم ملائمتها لحكمة الوضع كما تقدم.

(٦) أي : إمكان استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي كما فيما نحن فيه ، لفرض

٢٨٢

استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة كما لا يخفى ، فافهم (١). ثم إنّه ربما أُورد على الاستدلال بصحة السلب (٢) بما حاصله : أنّه إن أُريد بصحة السلب صحته (٣)

______________________________________________________

صحة كون الاستعمال في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس أجنبي عن استعمال اللفظ في معنى لا يصح أن يكون على وجه الحقيقة ، كاستعمال لفظ أسد في الرّجل الشجاع ، إذ لا محيص حينئذٍ عن كونه على وجه المجاز. فتحصل من جميع ما ذكره المصنف (قده) : صحة ما ادعاه من التبادر ، واندفاع ما أُورد عليه من كونه ناشئاً عن الإطلاق.

(١) لعله إشارة إلى : أنّ لحاظ حال التلبس في موارد الانقضاء يخرج الاستعمال فيها عن الاستعمال المجازي ، لكونه حينئذٍ مستعملاً في المعنى الموضوع له.

(٢) التي جعلت أمارة على مجازية استعمال المشتق في المنقضي عنه المبدأ ، ومحصل هذا الإيراد : أنّ الاستدلال بعدم صحة السلب إمّا غير صحيح ، وإمّا غير مفيد ، إذ لو أُريد صحة سلب المشتق عن المنقضي عنه المبدأ على الإطلاق كأن يقال : «زيد ليس بضارب في شيء من الأزمنة» فهو غير سديد ـ أي : غير صحيح ـ ، لكذبه ، ضرورة صحة قولنا : «انّه ضارب أمس» ، ولو أُريد صحة سلب المشتق عنه مقيداً كأن يقال : «زيد ليس بضارب الآن» فهو وإن كان صحيحاً ، إذ المفروض انقضاء المبدأ عنه وعدم اتصافه فعلاً بالضرب ، لكنّه غير مفيد ، لأنّ علامة المجاز هي صحة السلب المطلق لا المقيد ، فيسقط الاستدلال بها على كون المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس.

(٣) أي : السلب.

٢٨٣

مطلقاً (١) فغير سديد (٢) ، وإن أُريد مقيداً فغير مفيد ، لأنّ علامة المجاز هي صحة السلب المطلق (٣). (وفيه) : أنّه إن أُريد بالتقييد تقييد المسلوب (٤) الّذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق (٥)

______________________________________________________

(١) أي : غير مقيد بحال انقضاء المبدأ.

(٢) أي : غير صحيح ، لكذبه كما عرفت.

(٣) لا المقيد.

(٤) وهو المحمول كالضارب في قولنا : «زيد ليس بضارب الآن».

(٥) كقولنا : «زيد ليس بضارب» من دون تقييده بزمان ، ووجه أعمّيته : ما قرِّر في علم الميزان من كون نقيض الأخص أعم من نقيض الأعم ، فإنّ نقيض الإنسان ـ وهو اللاإنسان ـ أعم من نقيض الحيوان وهو اللاحيوان ، ولذا يصح أن يقال : كل لا حيوان لا إنسان» ولا عكس ، وكذلك يقال في المقام : كل ما ليس بضارب مطلقاً ليس بضارب في حال الانقضاء.

وتوضيح ما أفاده المصنف (قده) في الجواب عن الإشكال هو : أنّ القيد تارة يكون قيداً للمسلوب ـ أعني المشتق ـ نحو «زيد ليس بضارب في حال الانقضاء».

وأُخرى يكون قيداً للموضوع ـ أعني المسلوب عنه ـ نحو «زيد المنقضي عنه الضرب ليس بضارب».

وثالثة يكون قيداً للسلب نحو ـ زيد ليس في حال الانقضاء بضارب ـ يعني : أنّ عدم الضاربية متحقق لزيد في حال الانقضاء.

فإن كان قيداً للمشتق بأن يكون المسلوب المشتق المقيّد بحال الانقضاء ، فلا يكون صحة السلب حينئذٍ علامة للمجاز ، إذ يعتبر في علاميّتها صحة سلب اللفظ بما له من المعنى ، والمفروض هنا تقييده بحال الانقضاء ، وسلب المقيّد لا يستلزم

٢٨٤

كما هو واضح (١) ، فصحة سلبه (٢) وان لم تكن علامة على كون المطلق مجازاً

______________________________________________________

سلب المطلق ليكون علامة المجاز ، إذ يصدق ـ زيد ليس بضارب فعلاً ـ ولا يصدق ـ زيد ليس بضارب مطلقاً ـ ، لصدق كونه ضارباً أمس ، فصحة هذا السلب الّذي يكون المسلوب فيه مقيداً علامة لعدم وضع المشتق لخصوص المنقضي عنه المبدأ ، وإلّا لم يصح سلبه ، وليس علامة ، لعدم وضع المشتق للجامع بين المتلبس والمنقضي الّذي هو المقصود. فالمستشكل إن أراد تقييد المشتق فما أفاده متين ، إذ ليس هذا السلب علامة عدم الوضع للجامع بين التلبس والانقضاء ، لكن يرد عليه : أنّه لا دليل على تقييد المشتق بحال الانقضاء ، هذا.

وإن كان قيداً للموضوع بأن يقال : إنّ الموضوع ـ وهو زيد المنقضي عنه الضرب ليس بضارب ـ فصحة سلبه علامة المجاز ، إذ المفروض كون المسلوب مطلقاً بلحاظ حال الانقضاء ، فيصح أن يقال : إنّ زيداً المنقضي عنه الضرب ليس بضارب ، فتقييد الموضوع لا يضرّ بكون صحة السلب أمارة على المجاز ، إذ لو كان زيد المنقضي عنه الضرب من مصاديق الضارب المطلق لم يصح سلبه بنحو الإطلاق عنه.

وإن كان قيداً للسلب ، فصحة السلب حينئذٍ علامة للمجاز ، إذ المفروض أنّه يصح سلب الضارب مطلقاً عن زيد بلحاظ حال الانقضاء ، كما أنّه لا يصح سلبه عنه بلحاظ حال التلبس.

(١) إشارة إلى ما ثبت في علم الميزان من كون نقيض الأخص أعم كما عرفت آنفاً.

(٢) أي : المسلوب المقيّد ، ووجه عدم علاميّتها على كون المطلق مجازاً هو : أنّ العبرة في صحة السلب إنّما هي بسلب اللفظ عن المعنى مع الغض عن الضمائم الخارجة عن حيِّز معناه كالتقييد المذكور في المقام.

٢٨٥

فيه (١) ، إلّا أنّ تقييده ممنوع (٢) ، وإن أُريد تقييد السلب فغير ضائر بكونها (٣) علامة ، ضرورة (٤) صدق المطلق على أفراده على كل حال ، مع إمكان منع تقييده (٥) أيضا (٦) بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها

______________________________________________________

(١) أي : في المسلوب المقيّد بحال الانقضاء.

(٢) لعدم الدليل على رجوع القيد إليه حتى يلزم الإشكال على كون صحة السلب علامة المجازية.

(٣) أي : صحة السلب ، وحاصله : أنّ القيد إن كان قيداً للسلب مع بقاء الموضوع والمحمول على الإطلاق كأن يقال : «إنّ زيداً ليس الآن بضارب» فلا ضير في كونها علامة ، إذ لو كان المنقضي عنه المبدأ من أفراد المطلق لم يصح سلبه عنه ، لعدم صحة سلب المطلق عن فرده في شيء من الأزمنة ، فصحته دليل على مجازية إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ.

(٤) تعليل لقوله : «فغير ضائر» وقد عرفت توضيحه بقولنا : إذ لو كان المنقضي عنه المبدأ من افراد المطلق ... إلخ.

(٥) يعني : تقييد السلب ، حاصله : أنّه يمكن منع الشرطية الأُولى في كلام المورد وهي قوله : «ان أريد بصحة السلب صحته مطلقاً فغير سديد» بأن يلاحظ التقييد في طرف الذات مع إطلاق كلٍّ من السلب والمسلوب ، مثل قولنا : «زيد الضارب في الأمس ليس بضارب الآن» بجعل ـ الآن ـ ظرفا للإخبار ، لا قيداً للسلب ولا للمسلوب ، فلا بأس بإلقاء قيد ـ الآن ـ.

وبالجملة : فقيد الانقضاء ملحوظ في ناحية الموضوع.

(٦) يعني : كمنع تقييد المسلوب أعني المشتق ، فيكون التقييد وهو لحاظ الانقضاء في طرف الذات ، لا في السلب ولا في المسلوب ، فيقال : ـ زيد الضارب في الأمس ليس بضارب ـ.

٢٨٦

المشتق ، فيصح سلبه مطلقاً (١) بلحاظ هذا الحال (٢) ، كما لا يصح سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبّر جيّداً. ثم لا يخفى انّه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ بين كون المشتق لازماً وكونه متعدياً (٣) ، لصحة (٤) سلب الضارب

______________________________________________________

(١) أي : سلب المشتق مطلقاً يعني في جميع الأزمنة (*).

(٢) أي : حال الانقضاء المأخوذ قيداً في الموضوع ، لا في السلب ولا في المسلوب.

(٣) هذا التفصيل منسوب إلى الفصول ، وحاصله : أنّ المبدأ إن كان من المصادر المتعدية كالضرب والقتل ، فالمشتق حينئذ حقيقة في الأعم ، وان كان من اللازمة كالحسن والقبح فهو حقيقة في المتلبس ومجاز في المنقضي عنه المبدأ.

ولعلّ وجه هذا التفصيل هو : أنّ المشتق ان كان مأخوذاً من المبادئ اللازمة القائمة بنفس الذات غير المتعدية إلى غيرها اعتبر في صدق المشتق عليها بقاءُ المبدأ القائم بها ، فانقضاء المبدأ يوجب مجازية إطلاق المشتق على الذوات المنقضية عنها تلك المبادئ اللازمة ، وان كان مأخوذاً من المبادئ المتعدية ، فلمّا لم يكن المبدأ قائماً بنفس الذات بل بغيرها لفرض التعدي عنها إلى غيرها وهو المفعول به ، لم يعتبر في صدق المشتق على الذوات اتصافها بها فعلاً ، فيكون إطلاقه عليها بعد الانقضاء حقيقة أيضا.

(٤) هذا إشارة إلى فساد توهم التفصيل المزبور ، وحاصل تقريب فساده هو :

__________________

(*) هذا في غاية الغموض ، إذ لا يتصور صحة سلب الضاربية في جميع الأزمنة عن ذات متصفة في الأمس مثلا بالضرب ، مع وضوح صحة حمل الضارب عليه بلحاظ الأمس ، فلا بد أن يكون سلبه عنها مقيداً لا مطلقاً ، ومثل هذا السلب لا يكون علامة كما مرّ آنفاً ، فتأمّل.

٢٨٧

عمن يكون فعلا غير متلبس بالضرب وكان متلبساً به سابقاً ، وأمّا إطلاقه (١) عليه (٢) في الحال فان كان (٣) بلحاظ حال التلبس

______________________________________________________

عدم الفرق في كون إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ مجازاً بين كون المبدأ متعدياً كالضرب ولازماً كالحسن ، والفرق بين المبادئ إنّما هو في كيفية قيامها بالذوات ، فإنّ قيام المبادئ المتعدية بها إنّما هو بنحو الصدور والإيجاد ، وقيام المبادئ اللازمة بها إنّما هو بنحو الحلول ، واختلاف كيفية القيام لا يوجب تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها وهي وضع هيئة المشتق ، ويشهد بعدم التفاوت المزبور صحة سلب الضارب عمّن لا يكون فعلاً متلبساً بالضرب ، فلو كان التفصيل المذكور صحيحاً لما صحّ هذا السلب مع كون المبدأ ـ وهو الضرب ـ فيه متعدياً.

(١) أي : إطلاق المشتق.

(٢) أي : على من كان متلبساً سابقاً بالمبدإ ، غرضه من هذه العبارة دفع توهم وهو : أنّ ما ذُكر ـ من كون صحة سلب المشتق عن المنقضي عنه المبدأ علامة المجاز ـ يُنافي صدقه عليه في الحال ، لأنّ صدقه حينئذ أمارة الحقيقة ، فلا يكون صحة سلبه عن المنقضي عنه المبدأ مجازاً.

ومحصل دفعه : أنّ إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ تارة يكون بلحاظ حال التلبس ، ولا إشكال في كونه حينئذ على نحو الحقيقة ، وأُخرى يكون بلحاظ الحال بحيث يكون الجري حال النطق ولم يثبت كونه حينئذ بنحو الحقيقة كما مرّ ، ومجرّد الاستعمال لا يثبت الحقيقة ، لأنّه أعم منها ، نعم لو كان الاستعمال مثبتاً للحقيقة لَكان منافياً لصحة سلبه عن المنقضي عنه المبدأ كما لا يخفى.

(٣) هذا دفع التوهم وقد عرفت تقريبه.

٢٨٨

فلا إشكال (١) كما عرفت ، (٢) وإن كان بلحاظ الحال (٣) فهو (٤) وان كان صحيحاً ، إلّا أنّه لا دلالة على كونه (٥) بنحو الحقيقة ، لكون (٦) الاستعمال أعم منها (٧) كما لا يخفى (٨) ، كما لا يتفاوت (٩) في صحة السلب عنه (١٠) بين تلبسه (١١) بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لِما (١٢) عرفت من وضوح

______________________________________________________

(١) أي : فلا إشكال في كونه حقيقة.

(٢) يعني : في الأمر الخامس وفي أثناء بعض مباحثه بالمناسبة.

(٣) أي : حال النطق بأن يكون الجري بلحاظه لا بلحاظ حال التلبس.

(٤) يعني : فالإطلاق وان كان صحيحاً ، لكنه لا دليل على كونه بنحو الحقيقة.

(٥) أي : كون الإطلاق.

(٦) تعليل لعدم كون الإطلاق بنحو الحقيقة ، ومحصل تقريبه : أنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، وليس لازماً مساوياً لها حتى يكون دليلاً وأمارة عليها.

(٧) أي : من الحقيقة.

(٨) إشارة إلى : أنّ أصالة الحقيقة لا تجري فيما علم بالمراد وشك في كونه معنى حقيقياً أو مجازياً ، وإنّما تجري فيما إذا علم بالمعنى الحقيقي وشك في المراد.

(٩) إشارة إلى تفصيل آخر ، وهو : كون المشتق حقيقة في الأعم ان لم يتصف الذات بعد انقضاء المبدأ عنها بضدّ ذلك المبدأ كعروض القيام لها بعد مضيِّ القعود عنها ، وإلّا فيكون حقيقة في خصوص حال التلبس ومجازاً فيما بعد الانقضاء.

(١٠) أي : عن المنقضي عنه المبدأ.

(١١) أي : بين تلبس المنقضي عنه المبدأ وبين عدم تلبسه به.

(١٢) تعليل لقوله : «كما لا يتفاوت» وردّ للتفصيل المزبور ، وحاصله : أنّ السلب صحيح في كلا المقامين على وزان واحد ، لأنّ المدار في صحته زوال المبدأ وانقضائه المتحقق في صورتي طروِّ الضدّ الوجوديّ على الذات وعدمه.

٢٨٩

صحته (١) مع عدم التلبس أيضا وان كان معه (٢) أوضح. ومما ذكرنا (٣) ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.

حجة القول بعدم الاشتراط (٤) وجوه :

الأوّل : التبادر (٥)

______________________________________________________

(١) أي : صحة السلب مع عدم التلبس بالضد كصحته مع التلبس به.

(٢) أي : مع التلبس بالضد أوضح ، حيث إنّ عدم صحة سلبه الملازم لصحة حمل المشتق على الذات المتلبسة بضد المبدأ الزائل عنها مستلزم لاجتماع الضدين ، نظير حمل القاعد والقائم على الذات المنقضي عنها القيام والمتلبسة فعلاً بالقعود.

(٣) أي : من صحة السلب في المنقضي عنه المبدأ ، ومن اختلاف أنحاء قيام المبادئ بالمشتقات ظهر عدمُ صحة كثير من التفاصيل ، كالفرق بين المبدأ المتعدي واللازم بكون المشتق حقيقة في الأعم في الأوّل وحقيقة في الأخص في الثاني ، وكالفرق بين كون المبدأ سيّالاً وغيره بكونه حقيقة في الأعم في الأوّل وفي خصوص المتلبس في الثاني ، وكالفرق بين كون المشتق محكوماً عليه وبين كونه محكوماً به بأنّه حقيقة في الأعمّ في الأوّل وفي خصوص حال التلبس في الثاني ، وغير ذلك من التفاصيل المذكورة في الكتب المبسوطة ، فإنّ صحة السلب وغيرها من الأدلة تنفي جميع تلك التفاصيل.

(٤) أي : عدم اشتراط خصوص حال التلبس وكون معنى المشتق عاماً للتلبس والانقضاء.

(٥) استدل القائلون بوضع المشتق للأعم بوجوه :

أوّلها : التبادر ، بتقريب : أنّ المنسبق من المشتق هو المعنى العام الشامل للمتلبس بالمبدإ والمنقضي عنه.

٢٩٠

وقد عرفت (١) أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس.

الثاني (٢) : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ.

وفيه (٣) : أنّ عدم صحته في مثلهما (٤) إنّما هو لأجل أنّه أُريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقياً في الحال (٥)

______________________________________________________

(١) هذا جواب الاستدلال بالتبادر ، وحاصله : أنّه قد تقدم في أدلة القائلين بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ : أنّ المنسبق منه خصوص المتلبس بالمبدإ دون الأعم.

(٢) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : عدم صحة سلب المقتول والمضروب بما لهما من المعنى المرتكز في الذهن عمّن انقضى عنه المبدأ ، فيصح أن يقال : «عمرو مضروب زيد أو مقتوله» بدون رعاية علاقة ، وعدم صحة السلب علامة الحقيقة.

(٣) هذا ردّ الاستدلال بعدم صحة السلب ، ومحصله : أنّه يراد من القتل في المقتول ومن الضرب في المضروب غير معناهما الحقيقي الحدثي ، فيراد من الأوّل : زهوق الروح الّذي هو بمنزلة الملكة في البقاء ، ويراد بالضرب وقوعه على شخص لا تأثيره حين صدوره ، وهذان المعنيان وإن كانا مجازيين لكنّهما لا يوجبان المجاز في الهيئة بل المجاز في المادة ، ومن المعلوم : أنّ المبدأ بهذا المعنى باق ، فعدم صحة سلبهما إنّما هو لأجل بقاء التلبس بهما فعلاً ، فلا يلزم من إطلاقهما حينئذ مجاز في هيئة المشتق أصلاً ، لعدم كونهما من إطلاق المشتق على ما انقضى عنه المبدأ.

(٤) أي : مثل المضروب والمقتول.

(٥) يعني : فلا يكون من باب الإطلاق على المنقضي عنه المبدأ أصلا ، فعدم صحة السلب لا يدلّ على الوضع للأعم من المتلبس والمنقضي كما هو المدعى ، إذ المفروض أنّ الإطلاق يكون في حال التلبس بالمبدإ لا في حال انقضائه عنه.

٢٩١

ولو مجازاً (١) ، وقد انقدح من بعض المقدمات (٢) : أنّه لا يتفاوت الحال (*) فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض والإبرام (٣) اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه (٤) حقيقة أو مجازاً ، وأمّا لو أُريد

______________________________________________________

(١) بالتصرف في المبدأ بجعله عبارة عن معنى يكون التلبس به باقياً في حال النطق ، وهذا التصرف لا يستلزم التصرف في معنى الهيئة الّذي هو محل البحث ، قال في البدائع : «ولك أنّ توجه عدم صحة السلب في موارده بأنّ المراد بالمبدإ أمر باق ولو مجازاً كما في الصناعات ، فيخرج عن موارده حينئذ ، لأنّ المنقضي إنّما هو المعنى الحدثي لا الملكة».

(٢) وهي المقدمة الرابعة ، حيث إنّه (قده) ذكر هناك أنّ تفاوت ما يراد بالمبادئ من حيث الفعلية والشأنية لا يوجب تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها وهي وضع هيئة المشتق لخصوص المتلبس أو الأعم.

(٣) قد ظهر من المباحث السابقة : أنّ مورد النقض والإبرام هو وضع هيئة المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ أو الأعم من دون نظر إلى اختلاف المبادئ من حيث إرادة معانيها الحقيقية أو المجازية.

(٤) متعلق بقوله : «اختلاف» يعني : أنّ اختلاف المعنى الّذي يُراد من

__________________

(*) لا يخفى أنّ العبارة لا تخلو عن حزازة ، إذ لو كان الحال فاعلاً لقوله : «يتفاوت» كما هو كذلك لخَلا قوله : «اختلاف» عن عامل ، ولا بد حينئذ من إدخال الباء الجارة عليه لتكون العبارة هكذا «لا يتفاوت الحال فيما هو المهم باختلاف ما يراد من المبدأ ... إلخ».

وبالجملة : فلا محيص عن أحد أمرين : إمّا سقوط الحال ليكون ـ اختلاف ـ فاعلا لقوله : «يتفاوت» ، وإمّا دخول الباء على ـ اختلاف ـ ، فتأمّل في العبارة.

٢٩٢

منه (١) نفس ما وقع على الذات ممّا صدر عن الفاعل فإنّما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع كما عرفت ، لا بلحاظ الحال (٢) أيضا (٣) ، لوضوح (٤) صحة أن يقال : إنّه ليس بمضروب الآن ، بل كان الثالث (٥) استدلال الإمام عليه‌السلام (٦)

______________________________________________________

المبدأ من حيث كونه حقيقياً أو مجازياً لا يوجب تفاوتاً في مورد البحث وهو وضع هيئة المشتق للخصوص أو العموم ، وذلك لعدم التلازم بين التصرف في المادة وبين التصرف في الهيئة كما لا يخفى.

(١) أي : من المبدأ في مثل المضروب والمقتول ، حاصله : أنّه إن أُريد من المبدأ في مثل ـ المضروب والمقتول ـ نفس ما يصدر عن الفاعل ويقع على المفعول به ـ لا الأثر الّذي يبقى كما مر في الشق الأول ـ فعدم صحة السلب حينئذ ممنوع جداً ، بداهة صحة قولنا : «عمرو ليس بمقتول زيد فعلا» إلّا إذا كان الحمل بلحاظ حال التلبس ، فإنّ السلب حينئذ غير صحيح ، لكون جري المشتق بلحاظ حال التلبس حقيقة كما مر مراراً.

(٢) أي : حال النطق الّذي هو حال الجري والإطلاق.

(٣) يعني : عدم صحة السلب مختص بما إذا كان بلحاظ حال التلبس فقط بدون لحاظ حال النطق معها.

(٤) تعليل لانحصار عدم صحة السلب بحال التلبس ، حيث إنّه يصح السلب بالنظر إلى حال الانقضاء ، ويقال : «إنّه ليس بمضروب الآن» كما يصح أن يقال : «إنّ ضاربه ليس بضارب الآن».

(٥) هذا ثالث الوجوه التي استدل بها القائلون بوضع المشتق للأعم.

(٦) روى في الكافي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من عبد صنماً أو وثناً

٢٩٣

تأسياً (١) بالنبي صلوات الله عليه كما عن غير واحد من الأخبار بقوله تعالى :

______________________________________________________

لا يكون إماماً».

وعن العيون عن مولانا الرضا عليه‌السلام في حديث طويل «انّ الإمامة خصّ الله عزوجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفها بها ، وأشار بها جلّ ذكره ، فقال عزوجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، فقال الخليل سُروراً بها : ومن ذريتي؟ قال الله عزوجل : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة».

(١) لم أظفر إلى الآن باستدلاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية الشريفة على عدم لياقة عابد الصنم للخلافة ، ولا بدّ من التتبع ، توضيح الاستدلال بالآية الشريفة : أنّ الإمام عليه‌السلام لَمّا كان في مقام إبطال خلافة الثلاثة فذلك يتوقف على أُمور :

الأوّل : كون الاستدلال مبنياً على اعتقادهم بمضي المبدأ وهو عبادة الصنم عنهم حين التصدي للإمامة ، ضرورة أنّه مع اعتقادنا ببقاء المبدأ ـ أعني الظلم فيهم حين تقمص الخلافة ـ لا يمكن إلزامهم بذلك.

الثاني : أن يكون إطلاق الظالم على المنقضي عنه الظلم على وجه الحقيقة ، إذ لو كان على وجه المجاز لقرينة لا يحصل الإلزام أيضا ، لعدم صدق الظالم حينئذ حقيقة عليهم.

الثالث : كون الاستدلال مبنياً على الظهور ، بأن يكون إرادة الظالم حقيقة مع انقضاء المبدأ عنهم من ظواهر القرآن لا بطونه ، إذ لو كان من البطون لا يحصل إلزام الخصم أيضا ، فإلزامه يتوقف على أن يكون للآية ظهور عرفي في إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ لئلا يكون له مجال للرّد ، واعترافه بذلك موقوف على وضع المشتق للأعم.

٢٩٤

«لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» على عدم لياقة من عبد صنماً أو وثناً لمنصب الإمامة والخلافة تعريضاً بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة (١) ، ومن الواضح توقف ذلك (٢) على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلّا (٣) لما صح التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة. والجواب منع التوقف على ذلك (٤) بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعاً لخصوص المتلبس ، وتوضيح ذلك (٥) يتوقف على تمهيد مقدمة ، وهي : أنّ الأوصاف العنوانية التي

______________________________________________________

(١) بل تمام عمره.

(٢) أي : الاستدلال المزبور.

(٣) أي : وإن لم يكن موضوعاً للأعم بل كان موضوعاً للأخص لما صحّ التعريض بمن تصدى للخلافة الباطلة ، لأنّ إطلاق الظالم عليه حينئذٍ يكون مجازاً ، فلا يلزم به الخصم.

(٤) أي : على وضع المشتق للأعم ، وحاصل ما أفاده المصنف (قده) في الجواب : أنّ الاستدلال المذكور لا يتوقف على وضع المشتق للأعم ، بل يتم ولو على القول بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ ، وتوضيحه منوط بتقديم مقدمة وهي : أنّ الأوصاف ـ ومنها المشتقات المأخوذة في الخطابات ـ لا تخلو عن أحد وجوه ثلاثة :

الأوّل : أن تكون لمحض الإشارة إلى ما هو الموضوع من دون دخل لها في موضوعيته أصلا ، فالعنوان ملحوظ مشيراً إلى الموضوع ومعرِّفاً له ، فلحاظ المشار إليه حينئذٍ استقلالي ، والمشير ـ وهو العنوان ـ آلي كقوله : «أكرم من في الصحن» إذا كان المقصود ذواتهم لا عنوانهم وهو كونهم في الصحن.

(٥) أي : وتوضيح تمامية الاستدلال ولو على القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ.

٢٩٥

تؤخذ في موضوعات الأحكام تكون على أقسام :

أحدها (١) : أن يكون أخذ العنوان لمجرّد الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوع للحكم ، لمعهوديته (٢) بهذا العنوان من دون دخل لاتصافه به (٣) في الحكم أصلا.

ثانيها (٤) : أن يكون لأجل الإشارة إلى علّية المبدأ للحكم مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ولو فيما مضى.

ثالثها (٥) : أن يكون

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الأوّل وقد عرفت توضيحه.

(٢) أي : لمعهودية الموضوع بهذا العنوان ، هذا وجه أخذ العنوان معرِّفاً للموضوع ، ويمكن أن يكون له وجوه أُخرى كخطور العنوان ببال الحاكم حين تشريع الحكم من بين العناوين المشيرة إلى الموضوع ، أو لاختياره لهذا العنوان اقتراحاً ، أو لمرجِّح في نظره أو في نظر المحكوم كأخذ الكاتب معرِّفاً للموضوع في قوله : ـ أكرم كل كاتب ـ مريداً به نفس الذوات المتصفة بالكتابة من دون دخل لها في الموضوع.

(٣) أي : من دون دخل لاتصاف الموضوع بالعنوان في الحكم أصلا.

(٤) هذا ثاني الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّ أخذ المشتق عنواناً للموضوع إنّما هو لأجل الإشارة إلى علّية مبدئه للحكم بحيث يكون اتصاف الذات به ... آناً ما ... كافياً في تشريع الحكم من دون دورانه مدار المبدأ بقاءً ، فصدق المشتق على الذات كافٍ في الحكم حدوثاً وبقاءً ، نظير موضوعية السارق والزاني وشارب الخمر والجاني ونحو ذلك لوجوب الحد.

(٥) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنّ أخذ المشتق عنواناً للموضوع

٢٩٦

لذلك (١) مع عدم الكفاية (٢) بل كان الحكم دائراً مدار صحة الجري عليه (٣) واتصافه (٤) به حدوثاً وبقاءً ، إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الاستدلال بهذا الوجه (٥) إنّما يتم لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو

______________________________________________________

إنّما هو لأجل الإشارة إلى علّية مبدئه للحكم حدوثاً وبقاءً ، نظير العالم والعادل في دوران الحكم من جواز التقليد والاقتداء وغيرهما مدار وجود العلم والعدالة وعدم كفاية وجودهما ـ آناً ما ـ في بقاء الحكم ، بخلاف الوجه السابق ، فإنّ مجرد وجود المبدأ كان كافياً في بقاء الحكم واستمراره.

(١) أي : لأجل الإشارة إلى علّية المبدأ للحكم.

(٢) أي : عدم كفاية مجرد صحة جري المشتق فيما مضى ، واعتبار بقاء المبدأ في استمرار الحكم ، فينتفي بانتفاء المبدأ الموجب لعدم صدق المشتق على الذات.

(٣) أي : صحة جري المشتق على ما هو موضوع الحكم حقيقة.

(٤) معطوف على ـ الجري ـ يعني : وصحة اتصاف الموضوع بالمبدإ بحيث يدور الحكم مدار اتصافه بالمبدإ ، فلا ينتفي الحكم إلّا بانتفاء الموضوع.

(٥) أي : الوجه الثالث ، وهو استدلال الإمام عليه‌السلام بالآية الشريفة.

وحاصل ما أفاده : أنّ الاستدلال بالآية المباركة على وضع المشتق للأعم متجه بناءً على أخذ العنوان بنحو يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً بحيث يناط الحكم بصدق المشتق وعدمه ، فلو فرض جري المشتق على الذات مع انقضاء المبدأ عنها كان ذلك دليلا على الوضع للأعم ، ويترتب عليه الحكم ، لترتّبه على صدق المشتق ، لكن لم يثبت ذلك ، لاحتمال كون المبدأ ـ وهو التلبس بالظلم آناً ما ـ علة لعدم النيل بالخلافة دائماً ، فيكون الظلم علّة له حدوثاً وبقاءً ، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال بالآية الشريفة على كون المشتق موضوعاً للأعم.

٢٩٧

الأخير (١) ، ضرورة أنّه لو لم يكن المشتق للأعم لما تمّ (٢) بعد عدم التلبس بالمبدإ ظاهراً حين التصدي ، فلا بد أن يكون (٣) للأعم ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأمّا إذا كان (٤) على النحو الثاني (٥) فلا (٦) كما لا يخفى ، ولا قرينة على

______________________________________________________

وبالجملة : ففي الآية المباركة احتمالان :

أحدهما : أن يراد بالظالمين مجرد التلبس بالظلم ، وعدم اعتبار بقائه في استمرار الحكم.

والآخر : أن يراد به من يصدق عليه الظالم حقيقة ، وعلى كلا الاحتمالين يثبت عدم لياقة المتلبس بالظلم حتى بعد انقضائه عنه لمنصب الخلافة ، والاحتمال الأول يبطل الاستدلال بالآية على الوضع للأعم ، لكونه مصادماً له في الظهور.

(١) وهو دوران الحكم حدوثاً وبقاءً مدار صدق المشتق وعدمه.

(٢) يعني : لما تمّ الاستدلال بهذا الوجه الثالث على وضع المشتق للأعم.

(٣) أي : المشتق للأعم ليصدق عليه الظالم حقيقة.

(٤) أي : أخذ العنوان في الآية المباركة.

(٥) وهو كون المبدأ بوجوده ـ آناً ما ـ علة لتشريع الحكم مستمراً.

(٦) يعني : فلا يتم الاستدلال بالآية الشريفة على وضع المشتق للأعم ، لعدم توقف استدلال الإمام عليه‌السلام بها على عدم لياقة هؤلاء للخلافة على وضعه للأعم ، إذ المفروض كون المبدأ ـ وهو الظلم ـ بمجرد حدوثه ـ آناً ما ـ علّة لعدم لياقتهم لهذا المنصب الشامخ إلى الأبد ، ومن المعلوم : تسليم الخصم تلبُّسهم بالظلم قبل الإسلام.

والحاصل : أنّ الاستدلال بالآية المباركة على عدم صلاحيتهم للخلافة

٢٩٨

أنّه (١) على النحو الأوّل (٢) لو لم نقل بنهوضها (٣) على النحو الثاني (٤) ، فإنّ (٥) الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلّها ، وأنّ لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أنّ المناسب

______________________________________________________

لا يتوقف على وضع المشتق للأعم ، بل يتم ذلك ولو على القول بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ.

(١) يعني : ولا قرينة على أخذ العنوان بإحدى الكيفيتين ، فمع احتمال العنوان لكل واحدة منهما لا مجال للاستدلال المذكور على وضع المشتق للأعم لأجل الإجمال.

(٢) وهو الّذي أشار إليه بقوله : «على النحو الأخير» وهو ثالث الأقسام التي ذكرها في المقدمة.

(٣) أي : نهوض القرينة وهي مناسبة الحكم والموضوع التي هي من القرائن المعتبرة.

(٤) وهو كون وجود المبدأ ـ آناً ما ـ علّة محدثة ومبقية.

(٥) هذا تقريب نهوض القرينة على النحو الثاني ، وحاصله : أنّ الآية الشريفة في مقام بيان جلالة منصب الإمامة وعظم شأنها ، وأنّها من أعظم المناصب الشامخة الإلهية التي لا يليق بها كل أحد ، فلا بد أن يكون المتقمص بها منزّها في تمام عمره عن كل رذيلة فضلاً عن الكفر الّذي هو لصاحبه أعظم بليّة ، فمن اتصف في آنٍ من آنات عمره برذيلة من الرذائل لا يليق بأن تناله الخلافة ، فهذه قرينة على كون عنوان الظالمين في الآية المباركة مأخوذاً على النحو الثاني ، وهو كفاية وجود المبدأ ـ آناً ما ـ في عدم اللياقة لمنصب الخلافة إلى الأبد ، فلا يتم استدلال القائلين بالأعم بالآية الشريفة.

٢٩٩

لذلك (١) هو : أن لا يكون المتقمِّص بها (٢) متلبّساً بالظلم أصلا (٣) كما لا يخفى.

إن قلت (٤) : نعم ولكن الظاهر أنّ الإمام عليه‌السلام إنما استدلّ بما هو قضية ظاهر العنوان وضعاً لا بقرينة المقام مجازا ، فلا بد أن يكون للأعم وإلّا لما تم (٥). قلت (٦):

______________________________________________________

(١) أي : لعظم هذا المنصب وجلالته.

(٢) أي : بالإمامة.

(٣) في شيءٍ من أزمنة عمره ، يعني : لا بدّ أن يكون طاهراً عن لوث المعصية في جميع آنات عمره.

(٤) غرضه : أنّ القرينة المقامية المزبورة وإن اقتضت علّية المبدأ حدوثاً وبقاءً وكون إطلاق الظالم على المنقضي عنه المبدأ مجازاً ، لكن الظاهر أنّ الاستدلال على عدم لياقة المتلبس بالظلم ـ آناً ما ـ للإمامة ولو بعد انقضاء الظلم عنه إنّما يكون بما يقتضيه الوضع ، لا بقرينة المجاز ، إذ الأصل عدم العدول عن الحقيقة إلى المجاز ، فعليه يكون الظاهر وضع المشتق للأعم لئلا يلزم مجازية إطلاقه على المنقضي عنه المبدأ.

(٥) يعني : وإن لم يكن المشتق للأعم لما تمّ الاستدلال ، لكون خصوص المتلبس خلاف الظهور الوضعي الّذي هو مبنى الاستدلال.

(٦) هذا دفع الإشكال ، ويستفاد من كلامه وجهان في الجواب عنه :

الأوّل : أنّه يمكن منع ابتناء استدلال الإمام عليه الصلاة والسّلام على الظهور الوضعي ، لكفاية الظهور العرفي المعتد به عند العقلاء ولو كان بمعونة القرينة كما في المقام ، لأنّ الآية بعد كونها مسوقة لبيان عُلوّ منصب الإمامة ظاهرة في علّية الظلم ولو بعد انقضائه لعدم نيل من تلبس به للإمامة أبداً ، ويصح الاستدلال

٣٠٠