منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

كذلك (١) في إرادة الآخر (٢) ، حيث إنّ لحاظه (٣) كذلك (٤) لا يكاد يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانياً فيه (٥) فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ، ومعه (٦) كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في (٧) استعمال واحد؟ مع (٨) استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك (٩) في هذا الحال (١٠)

______________________________________________________

(١) أي : وجهاً وعنواناً.

(٢) أي : في إرادة المعنى الآخر.

(٣) أي : لحاظ اللفظ.

(٤) أي : وجهاً.

(٥) أي : حال كون اللفظ فانياً في المعنى كفناء المرآة في المرئي.

(٦) أي : ومع لحاظ اللفظ وجهاً وعنواناً للمعنى كيف يمكن إرادة معنى آخر مع المعنى الأول بنحو يكون اللفظ فانياً فيه كفنائه في المعنى الأوّل في استعمال واحد؟

(٧) متعلق بقوله : «إرادة».

(٨) الظرف متعلق بقوله : «إرادة» وهذا تقريب الاستحالة ، وليس وجهاً آخر ، والأولى : تأنيث ضمير «استلزامه» ، لرجوعه إلى «إرادة معنى آخر» وحاصله : أنّه كيف يمكن إرادة معنى آخر في استعمال واحد مع استلزام إرادته لحاظ اللفظ ثانياً غير لحاظه أوّلاً ، وهذان اللحاظان متضادان يمتنع اجتماعهما في استعمال واحد ، فلا محيص عن القول بعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

(٩) أي : لحاظ اللفظ وجهاً وعنواناً للمعنى.

(١٠) أي : في حال وحدة الاستعمال.

١٨١

(وبالجملة) لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه (١) وجهاً لمعنيين وفانياً في الاثنين إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين (٢). فانقدح بذلك (٣) امتناع استعمال اللفظ مطلقاً مفرداً كان أو غيره (٤) في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز (٥) ، ولو لا امتناعه (٦) فلا وجه لعدم جوازه ، فإنّ اعتبار الوحدة في الموضوع له (٧)

______________________________________________________

(١) أي : اللفظ.

(٢) إذ الأحول يرى الواحد اثنين ، فإذا رأى اللفظ الواحد اثنين فيلاحظ كلًّا منهما فانياً في معنى.

(٣) أي : بامتناع إرادة معنيين من لفظ في استعمال واحد.

(٤) هذا تفسير ـ الإطلاق ـ والمراد بغير المفرد : ـ التثنية والجمع ـ وحاصله : أنّ امتناع إرادة معينين عقلا في استعمال واحد لا يتفاوت فيه بين المفرد وبين التثنية والجمع ، وذلك لأنّ علامة التثنية والجمع لا تدلّ إلّا على تكرر ما أريد من المفرد ، وقد عرفت آنفاً : امتناع إرادة معنيين من المفرد. وعليه فلا تدل التثنية والجمع إلّا على المتعدد مما أريد من مفردهما ، وهو معنى واحد كما عرفت.

(٥) لجريان محذور اجتماع اللحاظين في كليهما.

(٦) أي : ولو لا امتناع الاستعمال عقلاً لامتناع تعدد اللحاظ لم يكن وجه لعدم جواز الاستعمال في أكثر من معنى وبالجملة : فالمانع هو المحذور العقلي المتقدم أعني : اجتماع اللحاظين المتضادين الممتنع عقلا ، لا ما سيذكر من اعتبار الوحدة في الموضوع له.

(٧) أشار بذلك إلى ما ذكره صاحب المعالم من وجه عدم الجواز بنحو

١٨٢

واضح المنع (١) ، وكون الوضع في حال وحدة المعنى. وتوقيفيته (٢) لا يقتضي عدم الجواز بعد ما لم تكن الوحدة قيداً للوضع ولا للموضوع له كما لا يخفى.

______________________________________________________

الحقيقة ، وحاصله : أنّ اللفظ وضع للمعنى مقيداً بالوحدة ، فاستعماله في المعنيين يستلزم إلغاء قيد الوحدة ، فيكون مستعملاً في غير الموضوع له معنى حقيقياً.

(١) هذا دفع الوجه المزبور ، ووجه وضوحه : أنّ المتّبع من فعل الواضع هو ما يرجع إلى اللفظ والمعنى الموضوع له دون غيرهما ، ولا دليل على اعتبار الواضع قيد الوحدة في المعنى ، بل لو أريد لحاظ المستعملين للوحدة فأخذه في الموضوع له ممتنع ، لما تقدم في محله من امتناع دخل اللحاظ الناشئ من الاستعمالات في الموضوع له (*).

(٢) أي : وتوقيفية الوضع ، وهو إشارة إلى وجه آخر استدل به بعض

__________________

(*) لا يخفى أنّ الوحدة تارة تكون قيداً للموضوع له ، وأخرى قيداً للاستعمال بأن شرط الواضع على المستعملين أن لا يستعملوا اللفظ في الموضوع له إلّا في حال انفراد المعنى ووحدته ، ومرجعه إلى شرط تعبدي ، وثالثة قيداً لنفس الوضع بأن يكون وحدة المعنى شرطاً لتحقق الوضع كشرط الوجوب ، فإن كانت قيداً للموضوع له فلا محيص عن اتباع الواضع فيه ، لكن لم يثبت ذلك. وان كانت قيداً للاستعمال ، فلا دليل على لزوم الوفاء به بعد فرض كون الموضوع له طبيعة المعنى عارية عن قيد الوحدة. وإن كانت قيداً لنفس الوضع بحيث يتوقف الوضع على الاستعمال في المعنى مقيداً بالوحدة ، فيرد عليه : أنّه مستلزم للاستحالة ، ضرورة أنّ الاستعمال الحقيقي متأخر عن الوضع ، لأنّه ـ كما تقدم ـ فناء اللفظ في المعنى الموضوع له ، فإذا توقف الوضع عليه لدار ، فالحق أنّ اللفظ وضع لذات المعنى من دون قيد من الوحدة وغيرها ، فلا محذور في استعمال اللفظ في أكثر

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المحققين ـ كصاحب القوانين (قده) ـ على عدم الجواز ، وحاصله : أنّ الوضع قد حصل في حال وحدة المعنى وانفراده ، ولمّا كانت اللغات توقيفية فلا بد من مراعاة انفراد المعنى حين استعمال اللفظ فيه ، فاستعماله في أكثر من معنى ينافي توقيفية اللغات ، فلا يجوز. ومحصل جواب المصنف (قده) عنه هو : أنّ تحقق الوضع في حال وحدة المعنى وانفراده لا يمنع عن استعمال اللفظ في أكثر من معنى. وبعبارة أخرى : كون انفراد المعنى من حالات الوضع لا يوجب متابعته والالتزام به حتى يلزم استعمال اللفظ في المعنى المنفرد ، وإلّا وجب متابعة سائر الحالات المقارنة للوضع كوقوعه في الليل أو النهار وفي الصيف أو الشتاء أو في حال شباب الواضع أو غناه أو فقره إلى غير ذلك من الخصوصيات المقارنة للوضع ، وكان فقدان خصوصية من الخصوصيات المقارنة له مانعاً عن صحة الاستعمال ، ومن المعلوم عدم كون شيء منها مانعاً عنها.

فالمتحصل : أنّ الانفراد حال الوضع غير مانع عن جواز الاستعمال في الأكثر. نعم إنّما يتصور المنع إذا كان الانفراد قيداً للوضع ، بأن اشترط الواضع على المستعملين أن لا يستعملوا اللفظ في المعنى إلّا في حال انفراده بعد كون

__________________

من معنى من ناحية اعتبار الوحدة ، وإنّما المانع تعدد اللحاظ المتضاد مع وحدة الاستعمال ، هذا كله في الوحدة اللحاظية المانعة عن الاستعمال في المعنيين. وأمّا الوحدة المفهومية فيكذبها الوجدان ، إذ اللازم من ذلك دلالة اللفظ دائماً على نفس المعنى تضمناً لا مطابقة ، لأنّ المفروض كون طبيعة المعنى جزء الموضوع له لا تمامه. وأمّا الوحدة الخارجية المساوقة للوجود والتشخص ، فهي محفوظة ولو مع استعماله في ألف معنى كما لا يخفى.

١٨٤

ثم إنّه لو تنزّلنا عن ذلك (١) فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع ، وعلى نحو المجاز في المفرد مستدلًّا على كونه (٢) بنحو الحقيقة فيهما لكونهما (٣) بمنزلة تكرار اللفظ ، وبنحو المجاز فيه (٤) لكونه (٥) موضوعاً للمعنى بقيد الوحدة ، فإذا استعمل

______________________________________________________

الموضوع له طبيعة المعنى نظير الشرط في ضمن العقد ، أو كان الانفراد قيداً للموضوع له ، بأن وضع اللفظ بإزاء المعنى المقيد بالانفراد ، لكن هذا الشرط على هذين النحوين أيضا غير مانع ، لعدم ثبوت الثاني واستحالة الأوّل كما بينا ذلك في التعليقة ، فراجع.

(١) يعني : ولو تنزّلنا عن الامتناع العقلي الناشئ من اجتماع اللحاظين المتضادين في استعمال واحد ، وقلنا بإمكان الاستعمال في أكثر من معنى ، فلا وجه لتفصيل صاحب المعالم من الجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد ، استناداً في المفرد إلى أنّ الاستعمال في أكثر من معنى يستلزم إلغاء قيد الوحدة وصيرورة المستعمل فيه جزء المعنى الموضوع له ، فيكون هذا الاستعمال مجازاً بعلاقة الكل والجزء ، وفي التثنية والجمع إلى أنّهما بمنزلة تكرار اللفظ ، ولا مانع من استعمال أحد اللفظين أو الألفاظ في معنى أو معانٍ غير ما استعمل فيه اللفظ الآخر أو الألفاظ الأُخرى ، فيكون استعمال التثنية والجمع في المعنيين المختلفين أو المعاني المختلفة على نحو الحقيقة ، بخلاف المفرد ، فإنّه على نحو المجاز كما تقدم.

(٢) أي : الاستعمال.

(٣) الضميران راجعان إلى ـ التثنية والجمع ـ.

(٤) أي : في المفرد.

(٥) أي : لكون اللفظ ، وهذا تعليل لكون الاستعمال بالنسبة إلى المفرد مجازاً كما ذكره في المعالم.

١٨٥

في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة (١) فيكون مستعملا في جزء المعنى (٢) بعلاقة الكل والجزء فيكون مجازاً ، وذلك (٣) لوضوح أنّ الألفاظ لا تكون موضوعة إلّا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ هذا دليل على كون الوحدة على تقدير اعتبارها هي الوحدة اللحاظية ، لأنّها المانعة عن الاستعمال في الأكثر ، دون الوحدة المفهومية والخارجية ، فتدبر.

(٢) وهو نفس المعنى بدون قيد الوحدة ، والمصحح لهذا الاستعمال المجازي هو علاقة الكل والجزء ، إذ المفروض كون الموضوع له مجموع المعنى والوحدة ، فاستعمال اللفظ في المعنى عارياً عن الوحدة استعمال له في جزء معناه كاستعمال سائر الألفاظ الموضوعة للكل في الجزء (*).

(٣) تعليل لقوله : «فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة ... إلخ» ومحصل ما أفاده في ردّ التفصيل المزبور وجهان :

أحدهما : أنّ الموضوع له ذات المعنى من دون تقيده بالوحدة ، فاستعمال اللفظ فيه ليس مجازاً بل حقيقة ، لكونه استعمالاً في تمام ما وضع له. ولا يخفى أنّ هذا الجواب لا يلائم حمل قوله : «ثم إنّه لو تنزّلنا عن ذلك» على تسليم اعتبار الوحدة في الموضوع له ، إذ تسليمه يُنافي ردّه بأنّ الوحدة ليست معتبرة في الموضوع له ، فلاحظ.

__________________

(*) يمكن أن يقال بعد تسليم اعتبار الوحدة في الموضوع له : إنّ علاقة الكل والجزء المصحِّحة للاستعمال المجازي مختصة بالمركب الخارجي لا التحليلي الذهني كالمعنى المقيد بالوحدة اللحاظية ، حيث إنّ الوحدة جزءٌ ذهني ، فعلاقة الكل والجزء مفقودة هنا ، فلا يصح استعمال المفرد في أكثر من معنى ولو مجازاً

١٨٦

وإلّا (١) لما جاز الاستعمال في الأكثر ، لأنّ الأكثر ليس جزء المقيد بالوحدة ، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء والشيء بشرط لا كما لا يخفى ، والتثنية والجمع (٢) وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ ، إلّا أنّ الظاهر أنّ اللفظ فيهما (٣) كأنّه كُرِّر وأُريد من كل لفظ فرد من أفراد معناه ،

______________________________________________________

(١) أي : وإن كانت الوحدة قيداً للموضوع له ، وهذا ثاني وجهي الرد ، وحاصله : أنّه ـ بعد تسليم اعتبار الوحدة في المعنى ـ لا يجوز استعمال المفرد في أكثر من معنى ولو مجازاً ، إذ ليس الأكثر جزء الموضوع له ليصح استعمال اللفظ فيه مجازاً بعلاقة الكل والجزء ، وذلك لأنّ المستعمل فيه ـ وهو الأكثر ـ مباين للمعنى الحقيقي وهو المعنى مقيداً بالوحدة ، لمباينة المشروط بشيءٍ للمشروط بعدمه ، فإنّ الأكثر يكون بشرط شيء والمقيد بالوحدة يكون بشرط لا ، ومن المعلوم منافرتهما ، فأين الكل والجزء حتى يصح الاستعمال المجازي بلحاظهما؟ فدعوى استعمال المفرد في أكثر من معنى واحد مجازاً غير مسموعة.

(٢) بعد أن ردّ كلام المعالم في المفرد أخذ في ردِّ الجزء الثاني من تفصيله وهو : جواز الاستعمال في التثنية والجمع على نحو الحقيقة ، وحاصل ما أفاده المصنف (قده) في رده هو : أنّ التثنية والجمع وإن كانا بمنزلة تكرار المفرد كما هو مبنى حجة المفصل على كون استعمالهما في أكثر من معنى على نحو الحقيقة ، إلّا أنّ علامة التثنية والجمع تدل على تعدد أفراد ما أُريد من المدخول ، ومن المعلوم : أنّ المراد من المفرد معنى واحد ، فالتعدد يكون في أفراد ذلك المعنى الواحد ، فإذا أُريد من العين مثلاً الذهب فلا يراد من تثنيتها وجمعها إلّا فردان وأفراد من الذهب ، وعلى هذا فوزان التثنية والجمع وزان المفرد في عدم جواز استعمالهما في أكثر من معنى واحد على نحو الحقيقة.

(٣) أي : في التثنية والجمع.

١٨٧

لا أنّه أُريد منه (١) معنى من معانيه ، فإذا قيل مثلا : ـ جئني بعينين ـ أُريد فردان من العين الجارية لا العين الجارية والعين الباكية ، والتثنية والجمع في الأعلام (٢) إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها (٣).

______________________________________________________

(١) يعني : لا أنّه أُريد من كل لفظ معنى من معانيه حتى يكون المراد بالتثنية والجمع التعدد في المعنى ، لا التعدد في مصداق معنى واحد ، وعليه : فيراد من قوله : «جئني بعينين» مثلا فردان من العين الباكية لا معنيان كالعين الباكية والجارية.

(٢) هذا اعتراض على ما ذكره : من أنّ علامة التثنية والجمع لا تدلّ على تعدد المعنى ، وإنّما تدل على تعدد مصداق المعنى الواحد الّذي أُريد من المفرد. توضيح الاعتراض : أنّ لازم ذلك عدم صحة دخول علامة التثنية والجمع على الأعلام ، لعدم كون معنى العلم الّذي يُثنّى ويجمع ذا أفراد حتى يراد في تثنيته وجمعه فردان أو أفراد من معناه ، فإنّ ـ زيدين ـ مثلا يراد بهما معنيان ، لا فردان من معنى واحد ، فعلى تقدير دلالة علامة التثنية والجمع على تعدد مصداق معنى واحد لا يصح تثنية الأعلام وجمعها مع أنّ من البديهي صحتهما ، ولذا قال في المعالم : «فكما يجوز إرادة المعاني المتعددة من الألفاظ المفردة المتحدة المتعاطفة على أن يكون كل واحد منها مستعملاً في معنى بطريق الحقيقة فكذا ما هو في قوته» أقول : ومراده بما هو في قوّته هو التثنية والجمع كما لا يخفى.

(٣) أي : بالأعلام ، هذا دفع الاعتراض المذكور ، وحاصله : أنّ الأعلام التي تلحقها علامة التثنية والجمع لا تستعمل في معانيها الحقيقية غير القابلة للتعدد ، بل تستعمل في معنى مجازي ـ وهو المسمى ـ ثم تثنى وتجمع ، فزيد مثلا يؤوّل بالمسمى

١٨٨

مع (١) أنّه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالها (٢) حقيقة بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة لما كان هذا (٣) من باب استعمال اللفظ في الأكثر ، لأن (٤) هيئتهما إنما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما فيكون استعمالهما وإرادة المتعدد

______________________________________________________

ثم يثنى ويجمع ، ومن المعلوم : أنّ المسمى ذو أفراد ومصاديق ، فيصير ـ زيد ـ بعد هذا التأويل كالعين التي يكون لكل واحد من معانيه أفراد.

(١) هذا وجه آخر لدفع الاعتراض المزبور وهو كفاية الاتحاد في اللفظ في لحوق علامة التثنية والجمع ، وحاصله : أنّه ـ بناءً على دلالة علامة التثنية والجمع على مطلق التعدد لا تعدد خصوص مصداق المعنى المراد من المفرد ـ يلزم خروج التثنية والجمع عن حريم النزاع وهو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، ضرورة أنّ التثنية والجمع بعد أن كانا بمنزلة تكرار المفرد ، فلا بأس بأن يراد من كل لفظ معنى غير المعنى الّذي أُريد من لفظ آخر ، ومن المعلوم : أنّ هذا ليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى حتى ينازع في كونه على نحو الحقيقة أو المجاز ، فإرادة العين الجارية من لفظ ـ عين ـ وإرادة العين الباكية من لفظ عين آخر ليست من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

(٢) أي : استعمال التثنية والجمع حقيقة.

(٣) أي : الاستعمال.

(٤) تعليل لعدم كون استعمال التثنية والجمع في المعنيين أو المعاني من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وحاصله : أنّ التثنية والجمع وضعاً للمتعدد من المعنى الّذي أُريد من المفرد ، فإذا أُريد بالعين مثلا ـ الباكية ـ فيراد بالتثنية اثنان من العين الباكية ، وإن أُريد بالعين ـ الباكية والجارية ـ فالمراد بالتثنية حينئذٍ هذان المعنيان.

١٨٩

من معانيه (١) استعمالاً لهما في معنى واحد ، كما إذا استعملا وأُريد المتعدد عن معنى واحد منهما (٢) كما لا يخفى. نعم (٣) لو أُريد مثلا من عينين فردان

______________________________________________________

(١) يعني : من معاني المفرد.

(٢) الضمير راجع إلى التثنية والجمع ، لكن المناسب إفراد الضمير ليرجع إلى ـ المعاني ـ وحاصله : أنّ استعمال التثنية والجمع وإرادة المتعدد من معاني المفرد كاستعمالهما وإرادة المتعدد من مصاديق معنى واحد من معاني المفرد ، إلّا أنّ يقال : إنّ قوله : «منهما» متعلق بقوله : «وأُريد» فيكون معناه حينئذٍ : كما إذا استعملا وأُريد منهما المتعدد من معنى واحد ، لكنه خلاف الظاهر.

(٣) استدراك على قوله : «مع أنّه لو قيل بعدم التأويل ... إلخ» وغرضه : إبداء صورة استعمال التثنية والجمع في أكثر من معنى بحيث لا تكون من استعمالهما في معنى واحد ، وتلك الصورة هي ما إذا استعملت التثنية مثلا في فردين من معنيين كفردين من العين الباكية وفردين من العين الجارية ، فإنّ هذا من الاستعمال في معنيين لا معنى واحد ، ولا يجدي في كون هذا الاستعمال على نحو الحقيقة تكرُّرُ المفرد ، كما استدل به صاحب المعالم على كون الاستعمال في التثنية والجمع على نحو الحقيقة. وجه عدم الإجداء : وجود مناط المجازية وهو إلغاء قيد الوحدة المعتبرة في الموضوع له في هذا الاستعمال ، إذ المفروض أنّ التثنية وضعت لطبيعتين أو لفردين من طبيعة واحدة ، فاستعمالها في أربعة أفراد فردين من طبيعة ، وفردين من طبيعة أُخرى استعمالٌ لها في غير الموضوع له ، لإلغاء قيد الوحدة فيها ، حيث إنّ الموضوع له فردان من طبيعة واحدة أو طبيعتان ، لدلالة المفرد المكرّر عليهما ، وعلى التقديرين تكون الوحدة محفوظة. وأمّا إذا استعملت التثنية في أربعة أفراد من طبيعتين ، فلا محالة تلغى الوحدة

١٩٠

من الجارية وفردان من الباكية كان من استعمال العينين في المعنيين ، إلّا أنّ حديث التكرار (١) لا يكاد يُجدي في ذلك (٢) أصلا ، فإنّ فيه (٣) إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا (٤) ، ضرورة أن التثنية عنده إنّما تكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة (٥) ، والفرق بينها (٦) وبين المفرد إنّما يكون في أنّه موضوع للطبيعة

______________________________________________________

المعتبرة في الموضوع له ، فلا فرق حينئذٍ بين المفرد وبين التثنية والجمع في كون الاستعمال في الجميع على نحو المجاز.

(١) أشار بذلك إلى ما استدل به صاحب المعالم من أنّهما بمنزلة تكرار اللفظ ، وقد مرّ.

(٢) أي : في كون الاستعمال على نحو الحقيقة.

(٣) أي : في استعمال التثنية في أفراد أربعة كلّ فردين منها من طبيعة واحدة ، وهذا تعليل لقوله : «لا يكاد يجدي» وحاصله : إلغاء قيد الوحدة في التثنية.

(٤) يعني : كإلغاء قيد الوحدة في المفرد.

(٥) قيد لكل من قوله : «لمعنيين أو لفردين».

(٦) أي : بين التثنية وبين المفرد ، ثم إنّه لمّا توهم من اعتبار قيد الوحدة في كل من المفرد والتثنية عدم الفرق بينهما في الوضع نبّه على الفرق بينهما بأنّ المفرد موضوع للطبيعة بقيد الوحدة والتثنية لفردين من تلك الطبيعة المقيدة بالوحدة أو لمعنيين من معاني المفرد مع تقيد كل من المعنيين بالوحدة ليكون معنى ـ عينين ـ العين الجارية الواحدة والعين الباكية الواحدة ، أو فردين من الجارية أو الباكية ، لا فردين من كل منهما (*)

__________________

(*) الّذي يستفاد من جملة من كلمات النحويين : أنّ علامة التثنية تدل على تعدد ما يراد من المفرد ، فالعلامة أمارة تعدد مصداق الجنس الّذي أُريد من المفرد

١٩١

وهي (١) موضوعة لفردين منها (٢) أو معنيين كما هو أوضح من أن يخفى (وهم ودفع)

لعلّك تتوهم (٣) أنّ الأخبار الدالة على أنّ للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فضلا

______________________________________________________

(١) أي : التثنية ، وهي من باب المثال ، وإلّا فالجمع أيضا كذلك.

(٢) أي ـ من الطبيعة ـ.

(٣) محصل هذا التوهم : أنّ ما تقدم في وجه امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد يُنافي ما دلّ من الروايات على أنّ للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين بطناً. وجه المنافاة : دلالة تلك الروايات على وقوع استعمال اللفظ في تلك البطون ، وليس ذلك إلّا من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ومن المعلوم : منافاة الوقوع للامتناع العقلي.

__________________

سواء أكان المصداقان من مصاديق ماهيتين كالأبيضين ـ لإنسان وفرس ـ حيث إنّ الجامع بينهما في نظر الواضع هو البياض من دون نظر إلى متعلقه من حيث تعدد الماهية ووحدتها ، أم من مصاديق ماهية واحدة كقولك : ـ الأبيضان لإنسانين ـ ولمّا كان المراد بالمفرد جنساً واحداً وجامعاً فارداً مشتركاً بين الأفراد ، فعلامة التثنية تحدِّد مصاديق ذلك الجنس بفردين ، وهذا هو المتبادر من علامة التثنية.

وربما يدل عليه ما عن ابن الحاجب : «المثنى ما أُلحق آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة ليدل على أنّ معه مثله من جنسه» أقول : وفسّر الشارح الرضي : الجنس بمعنى جامع صالح لأن ينطبق على أكثر من فرد واحد. وبالجملة : فعلامة التثنية ليست بمنزلة تكرار اللفظ في إرادة معنيين من لفظين ، بل وضعت لإرادة المتعدد من أفراد المعنى الّذي أُريد من المفرد ، ففرق واضح بين قوله : «جئني بعين وعين» وبين «جئني بعينين» ، حيث إنّه يصح إرادة معنيين في الأوّل دون الثاني.

١٩٢

عن جوازه (١). ولكنك غفلت عن أنّه لا دلالة لها (٢) أصلاً على أنّ إرادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ ، فلعلّه كان بإرادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ (٣) كما إذا استعمل فيها ، أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ (٤)

______________________________________________________

(١) أي : جواز الاستعمال في أكثر من معنى.

(٢) أي : وتلك الأخبار ، هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أنّه لا دلالة لتلك الأخبار على أنّ إرادة تلك البطون كانت من باب استعمال اللفظ في المعنى حتى تنافي ما تقدم : من امتناع الاستعمال في أكثر من معنى ، وجه عدم دلالتها تطرق احتمالات فيها يمنع عن ظهورها في كون إرادة البطون من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، والمصنف (قده) ذكر احتمالين منها :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «فلعله كان ... إلخ» وحاصله : إمكان أن تكون البطون مرادة بالاستقلال من دون دلالة للألفاظ عليها ، لكنها تكون مقارنة لاستعمال الألفاظ في معانيها ، كما إذا قال : ـ قدم الحجاج ـ مثلاً وأراد مقارناً لهذا الكلام معاني أُخرى ك ـ انتقال الشمس من برج إلى برج ـ أو حلول زمان الحصاد أو غيرهما من المعاني المستقلة التي تراد مقارنة لاستعمال اللفظ في معناه من دون دلالة لذلك اللفظ ولو بالالتزام عليها.

(٣) يعني : لا بإرادة البطون من اللفظ كاستعماله فيها حتى تكون إرادتها منه من باب استعمال اللفظ في المعنى.

(٤) هذا ثاني الاحتمالين اللذين ذكرهما المصنف (قده) في أخبار البطون وحاصله : أنّه يمكن أن تكون البطون من لوازم المعنى المستعمل فيه اللفظ ، فلا يكون اللفظ مستعملاً فيها وإن كان يدل عليها بالدلالة الالتزامية ، نظير ما إذا فرض

١٩٣

وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها (١).

(الثالث عشر) أنّه اختلفوا في أنّ المشتق (٢) حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ في الحال (٣) أو فيما يعمه (٤) وما انقضى عنه على

______________________________________________________

كون مجيء ـ زيد ـ ملازماً عادة لنزول البركات ، فإنّ قوله حينئذٍ «جاء زيد» لم يستعمل إلّا في معناه ، لكنه يدل التزاماً على نزول البركات ، والدلالة الالتزامية أجنبية عن الاستعمال.

(١) أي : إدراك لوازم المعنى المستعمل فيه ، والحاصل : أن كثرة احتمالات أخبار البطون تمنع عن دلالتها على كون إرادة البطون من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى (*).

(٢) المراد به بعض المشتقات كما يصرح به المصنف (قده) فيما سيجيء.

(٣) يعني : حال النسبة والجري ، لا الحال المقابل الماضي والمستقبل لما سيأتي.

(٤) أي : يعم حال النسبة وحال انقضاء المبدأ عن الذات ، بحيث يكون استعمال المشتق في الحالتين على نحو الحقيقة إمّا بالاشتراك اللفظي كما ظهر من المحقق القمي (قده) ، وإمّا بالاشتراك المعنوي ـ كما هو ظاهر المتن ـ ، بل قيل : إنّ الظاهر أنّ الأعمي لا يدعي الوضع لكل من المتلبس بالمبدإ والمنقضي عنه حتى يكون المشتق مشتركاً لفظياً بينهما ، بل يدعي الوضع للجامع بين الذات المتلبسة

__________________

(*) لا يخفى أنّه على فرض دلالة أخبار البطون على كون إرادتها من باب الاستعمال في أكثر من معنى لا بدّ من رفع اليد عن هذه الدلالة وارتكاب التأويل في تلك الأخبار ، لعدم معارضة النقل لحكم العقل الضروري ، وهو ما تقدم من استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا ، نعم إذا جعلنا الاستعمال من باب العلامة فلا استحالة كما مر ، فلاحظ.

١٩٤

أقوال (١) بعد الاتفاق (٢) على كونه مجازاً فيما يتلبس به في الاستقبال ، وقبل الخوض في المسألة وتفصيل الأقوال فيها وبيان الاستدلال عليها ينبغي تقديم أُمور :

أحدها : أنّ المراد بالمشتق هاهنا (٣) ليس مطلق المشتقات ، بل خصوص

______________________________________________________

بالمبدإ حال الجري وبين الذات الفاقدة له حاله (*).

(١) متعلق ب ـ اختلفوا ـ.

(٢) غرضه : تحرير محل النزاع ومصب الأقوال ، وحاصله : أنّ مورد النفي والإثبات إنّما هو بعد اتصاف الذات بالمبدإ ، وأمّا قبله فلا خلاف بينهم في كون جري المشتق فعلاً على الذات من دون لحاظ التلبس بالمبدإ في المستقبل مجازاً كقولك : «زيد ضارب غداً» بإرادة الجري فعلاً وجعل ـ غداً ـ ظرفاً للتلبس لا قيداً للجري والنسبة ، فالجري فعلي والتلبس استقبالي.

(٣) أي : في هذا المبحث ، وإلّا فالمشتق ـ كما في البدائع ـ «يطلق لغة على مطلق أخذ شيء من شيء واقتطاع فرع من أصل يقال : ـ اشتق النهر من الوادي ـ إذا أُخذ شيء منه ، فالمشتق هو شق الشيء المأخوذ منه» انتهى ، ويطلق في اصطلاح الأدباء على لفظ يؤخذ من لفظ آخر ، ومجمله : أنّه ينقسم إلى ثلاثة أقسام أصغر وصغير وأكبر ، ويعتبر في الأوّل الموافقة في الحروف الأصلية ، بأن يكون الفرع مشتملاً على حروف الأصل وزيادة ، وكذا يعتبر فيه الموافقة

__________________

(*) لا يخفى : أنّ دعوى الاشتراك سواء أكان لفظياً أم معنوياً مبنية على تركب المشتق من الذات والمبدأ حتى يتصور الجامع بين حالتي التلبس والانقضاء ، وأمّا بناءً على بساطته فلا وجه لها أصلا ، لعدم جامع بين الوجود والعدم ، إذ مرجع الاشتراك حينئذٍ إلى وضع اللفظ لكل من وجود معناه وهو المبدأ وعدمه ، وهو باطل.

١٩٥

ما يجري منها (١) على

______________________________________________________

في ترتيب حروف الأصل ومعناه ك ـ مقتل ـ المشتق من القتل ، ويندرج في الأصغر أسماء الفاعلين والمفعولين والأزمنة والأمكنة والأفعال والمصادر المزيد فيها والمجردة بناءً على مذهب الكوفيين من كون الأصل هو الفعل ، وأنّ المصدر مأخوذ منه. ويعتبر في الثاني خصوص الموافقة في الحروف دون الترتيب فيها والموافقة في المعنى أو المناسبة ، فيشمل مثل ـ جذب وجبذ ـ المتحدين في المعنى وغيرهما من المتناسبين فيه. ويعتبر في الثالث المناسبة في اللفظ والمعنى دون الموافقة فيهما ك ـ ثلم وثلب ـ و ـ نهق ونعق ، وليس المشتق على إطلاقه داخلا في محل النزاع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) أي : من المشتقات ، حاصله : أنّ المراد بالمشتق في هذا البحث ليس مطلق المشتق المصطلح الشامل للمصادر المزيد فيها والأفعال الثلاثة ، بل خصوص ما يكون مفهومه منتزعاً عن ذات ، لاتصافها بما هو خارج عنها كالضارب ، فإنّه يجري على الذات ويكون عنواناً لها ويتحد معها نحو اتحاد ، فيخرج سائر المشتقات عن هذا المبحث (*).

__________________

(*) وعلى هذا فالنسبة بين المشتق الأُصولي وبين المشتق النحوي عموم من وجه ، لاجتماعهما في أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بالفعل ، وافتراقهما في الجوامد الجارية على الذوات باعتبار اتصافها بالمبادئ الجعلية كالزوج والحر والرق ونحوها ، وفي الأفعال والمصادر ، لصدق المشتق الأُصولي على الزوج ونحوه من الجوامد دون المشتق النحوي ، وصدق النحوي على الأفعال والمصادر المزيد فيها دون الأُصولي. ثم إن قضية ما ذكر هي : عدم دخل عنوان المشتق النحوي في موضوع البحث أصلا ، إذ المفروض أنّ المبحوث عنه هو كل مفهوم ينتزع

١٩٦

الذوات (١) مما (٢) يكون مفهومه منتزعاً عن الذات بملاحظة اتصافها (٣) بالمبدإ واتحادها (٤) معه بنحو من الاتحاد ، كان بنحو الحلول (٥) أو الانتزاع (٦) أو

______________________________________________________

(١) المراد بها هنا ما يعمّ الجوهر والعرض ، فيدخل في نزاع المشتق الأوصاف الجارية على الأعراض كالشدة والسرعة العارضتين على السواد ، والحركة كالأوصاف الجارية على الجواهر كالعلم والعدالة والشجاعة المحمولة على زيد مثلاً.

وبالجملة : فوزان الأوصاف الجارية على الأعراض وزان الأوصاف الجارية على الجواهر في جريان نزاع المشتق فيها.

(٢) بيان ل ـ ما ـ الموصولة في قوله : «ما يجري» يعني : من المشتقات التي يكون مفهومها منتزعاً عن الذات بلحاظ اتصافها بالمبدإ.

(٣) أي : اتصاف الذات.

(٤) معطوف على ـ اتصافها ـ أي : بملاحظة اتحاد الذات مع المبدأ ، وهذا مفسر للاتصاف ، يعني : أنّ المراد بالاتصاف هو الاتحاد الوجوديّ بين المبدأ والذات ، إذ المراد بجريان المشتق على الذات هو الحمل عليها المنوط باتحادهما وجوداً.

(٥) كالمرض والحسن والقبح والسواد والبياض ونحوها ، فإنّ اتصاف الذوات بها واتحادها معها يكون بنحو الحلول.

(٦) كالفوقية والتحتية ، فإنّ اتصاف الذات بهما يكون بنحو الانتزاع ، لكونهما من الأُمور الانتزاعية ، وأمّا الملكية والزوجية فهما من الأُمور الاعتبارية

__________________

عن الذات بملاحظة اتصافها بما يكون خارجاً عن الذاتيات سواء أكان ذلك مشتقاً كأسماء الفاعل والمفعول والمكان وغيرها ، أم جامداً كالزوج والحرّ والرق وغيرها ، فجعل عنوان المشتق موضوع البحث مع عدم دخله فيه غير مناسب.

١٩٧

الصدور أو الإيجاد (١) كأسماء (٢) الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات ، بل (٣) وصيغ المبالغة وأسماء الأزمنة والأمكنة والآلات كما هو ظاهر العنوانات (٤) ، وصريح بعض المحققين (٥) ، مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض

______________________________________________________

التي لها تقرر في وعاء الاعتبار الّذي هو برزخ بين الوجود الخارجي والذهني ، فالتمثيل بهما للاتحاد بنحو الانتزاع كما في عبارة بعض المحشين غير مناسب ، (١)

كالضارب والآكل ، فإنّ الفعل الصادر إن كان قائماً بالفاعل كالأكل والشرب سُمّي إيجاداً ، وإن كان قائماً بغيره كالضرب والإعطاء سُمِّي صدوراً.

(٢) هذه الأمثلة كلّها أمثلة لما ذكره بقوله : «بل خصوص ما يجري».

(٣) لم يظهر وجه لتغيير الأُسلوب والإتيان بكلمة ـ بل ـ بعد كون شمول البحث لصيغ المبالغة وما بعدها مما ذكره في المتن لأجل إطلاق المشتق في عناوين كثير منهم كالحاجبي وغيره ، إذ لا فرق حينئذٍ في ذلك بين جميع المشتقات الجارية على الذوات لاتصافها بما هو خارج عنها ، فلا وجه لتغيير الأسلوب. إلّا أن يقال : إن غرضه التغيير بالنسبة إلى خصوص صيغ المبالغة ، لاحتمال اختصاص نزاع المشتق بما يتكفل مجرد التلبس بالعرض دون كثرة التلبس به كما هو شأن صيغ المبالغة ، حيث إنّها وُضعت للدلالة على وقوع الفعل عن الفاعل كثيراً كما لا يخفى.

(٤) لإطلاق لفظ المشتق فيها الشامل لكل مشتق يجري على الذات ويكون عنواناً لها ، وظهور عنواناتهم في ذلك إنّما هو بملاحظة انطباق المشتق على الذات ، وإلّا فظاهر لفظ المشتق يشمل جميع صيغ المشتق النحوي وإن لم يجرِ على الذات كالأفعال.

(٥) قال المحقق التقى (قده) في حاشيته على المعالم : «الثانية عشرة :

١٩٨

إلّا التمثيل به (١) ، وهو غير صالح كما هو واضح (٢) ، فلا وجه لما زعمه بعض الأجلة (٣) من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق

______________________________________________________

لا خلاف ظاهراً في كون المشتقات من الصفات كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ونحوها حقيقة في الحال» انتهى ، وقال في البدائع : «قضية ظاهر العنوانات وتصريح المحقق القمي (قده) عموم النزاع لسائر المشتقات ، لعدم صلاحية الأمثلة الممثل بها للتخصيص ، إلّا أنّ لبعضهم وسوسة في بعضها» انتهى ، ولم أظفر بتصريح القمي ، نعم إطلاق عنوان المشتق في كلامه بعد البناء على عدم صلاحية التمثيل باسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة للتخصيص يقتضي عموم النزاع لسائر المشتقات ، وأمّا صاحب البدائع فهو كالمصرح بعموم النزاع ، فلاحظ.

(١) أي : بذلك البعض ، غرضه : أنّ ظاهر العنوانات ـ وهو كون النزاع في المشتق جارياً في كل ما يجري على الذات المتصفة بأمر خارج عنها وعدم اختصاصه ببعض المشتقات ـ معتبر ، إذ لم يقم ما يكون على خلاف هذا الظاهر ، لأنّ مجرد التمثيل ببعض المشتقات بعد إطلاق لفظ المشتق لا يصلح لأن يكون قرينة على الاختصاص بذلك البعض.

(٢) لأنّ قولهم مثلا : «المشتق كاسم الفاعل والمفعول» ظاهر عرفاً في كون اسم الفاعل والمفعول من باب المثال ، لا من باب اختصاص المشتق بهما.

(٣) وهو صاحب الفصول (قده) حيث قال : «فهل المراد به ما يعم بقية المشتقات من اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وما بمعناها وأسماء الزمان والمكان والآلة وصيغ المبالغة كما يدل عليه إطلاق عناوين كثير منهم كالحاجبي وغيره ، أو يختص باسم الفاعل وما بمعناه كما يدل عليه تمثيلهم به ، واحتجاج بعضهم بإطلاق اسم الفاعل عليه دون إطلاق بقية الأسماء على البواقي مع إمكان

١٩٩

بها (١) وخروج سائر الصفات (٢) ، ولعل منشأه (٣) توهم كون ما ذكره لكل منها (٤) من المعنى مما اتفق عليه الكل

______________________________________________________

التمسك به أيضا ـ وجهان ـ أظهرهما الثاني ، لعدم ملائمة جميع ما أورده في المقام على الأول» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

(١) كالأوصاف اللازمة المصوغة على هيئة ـ فاعل ـ كطاهر وقائم وجالس وجاء ونائم ، وكالمصادر المستعملة بمعنى اسم الفاعل ، وكالأسماء المنسوبة كالأصبهاني والشيرازي والبغدادي وغير ذلك.

(٢) قال المحقق النقي (قده) في محكي حاشيته على المعالم : «وربما يقال بخروج اسم المفعول عن محل البحث وكذا الصفة المشبهة واسم التفضيل لظهور الوضع للأعم في الأول ولخصوص الحال في الأخير» انتهى.

(٣) أي : منشأ زعم بعض الأجلة.

(٤) أي : من الصفات ، قال في الفصول : «ثم اعلم أنهم أرادوا بالمشتق الّذي تشاجروا على دلالته في المقام اسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها على ما سنحققه» ، ثم أخذ في بيان معنى سائر المشتقات وذكر لكل منها معنى من دون نقل خلاف في ذلك ، فكأنّ تلك المعاني بنظره مما اتفق عليه الكل ، لوجهين :

أحدهما : مقابلتها للمشتق الّذي تشاجروا في دلالته.

ثانيهما : عدم نقل خلاف في تلك المعاني ، ولم أقف على تصريحه في الفصول بكون ما ذكره من المعاني لسائر المشتقات اتفاقياً كما نسب ذلك إليه بعض المحشين (قده) فراجع ، وكيف كان فمحصل ما أفاده في المتن في وجه خروج سائر المشتقات عن مورد النزاع هو زعم صاحب الفصول (قده) اتفاقهم على

٢٠٠