منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

عند استعمالها (١) بلا قرينة (٢) ، ويؤيده (٣) عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال (٤) إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته (٥) عليه (٦) بحال أو مقال ، وكثرة (٧) الاستعمال

______________________________________________________

(١) أي : الصيغة ، لمّا أشار إلى جملة من الأقوال صار بصدد اختيار أحدها ، وتشبث بالتبادر لإثبات القول بالوجوب ، ببيان : أنّ المنسبق من الصيغة إلى الذهن عند التجرد عن القرينة هو مطلوبية المادة بحيث لا يرضى الآمر بتركها ، وهذا معنى الوجوب ، والتبادر علامة الحقيقة.

(٢) فالتبادر هنا مثبت للحقيقة ، لعدم كونه مستندا إلى القرينة.

(٣) توضيحه : أنّ عدم صحة اعتذار العبد المخالف لأمر المولى باحتمال إرادة الندب من الصيغة مع اعتراف العبد بعدم العثور على قرينة الندب ، واحتجاج المولى عليه ومؤاخذته له ، وعدم قبوله لعذره المتقدم يكشف عن وضع الصيغة للوجوب ، وإنّما جعله مؤيِّدا لا دليلا ، لصحة هذا الاحتجاج أيضا مع ظهور الصيغة في الوجوب ولو لأجل انصرافها إليه لا وضعها له ، فلا يدل الاحتجاج على الوضع للوجوب ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإنّه يدل عليه ، لكون التبادر من علائم الوضع.

(٤) متعلق بقوله : ـ الاعتذار ـ.

(٥) أي : دلالة الصيغة ، فالأولى تأنيث الضمير.

(٦) أي : على الندب.

(٧) هذا تعريض بصاحب المعالم (قده) القائل بكون الصيغة حقيقة في الوجوب لغة وعرفا مع توقفه في ظهور الأوامر الواردة في الكتاب والسنة في الوجوب ، لكثرة استعمال الصيغة فيهما في الندب ، حيث إنّ هذه الكثرة موهنة للظهور في الوجوب ، وموجبة للنقل إلى الندب أو الحمل عليه.

٤٤١

فيه (١) في الكتاب والسنة وغيرهما لا توجب (٢) نقله إليه (٣) أو حمله عليه (٤) ، لكثرة (٥) استعماله في الوجوب أيضا (٦) ، مع (٧) أنّ الاستعمال وإن كثر

______________________________________________________

(١) أي : في الندب.

(٢) خبر لقوله :«وكثرة» وجواب عن كلام المعالم وهو يرجع إلى وجوه ثلاثة :

أحدها : أنّ مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب النقل إليه بحيث يصير المنقول إليه معنى حقيقيا ، ولا يوجب الحمل عليه ترجيحا له على المعنى الحقيقي ، لأنّ النقل منوط بمهجورية المعنى الحقيقي المنقول عنه ، والحمل على المعنى المجازي المشهوري موقوف على قلة الاستعمال في المعنى الحقيقي ، ومن المعلوم : عدم ثبوت شيء من المهجورية وقلة الاستعمال ، وذلك لكثرة الاستعمال في المعنى الحقيقي المانعة عن النقل إلى الندب ، وعن الحمل عليه من باب ترجيح المجاز المشهور على المعنى الحقيقي. وسيجيء الكلام في الوجهين الأخيرين.

(٣) أي : نقل الصيغة إلى الندب ، فالأولى تأنيث الضمير.

(٤) أي : جمل الصيغة على الندب ، هذا في المجاز المشهور ، وقوله : «نقله إليه» في المنقول.

(٥) أي : لكثرة استعمال الصيغة في الوجوب ، وهذا تعليل لقوله : «لا توجب».

(٦) يعني : مثل كثرة استعمال الصيغة في الندب.

(٧) هذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ كثرة الاستعمال لا توجب النقل إلى معنى ، ولا الحمل عليه من باب تقديم المجاز المشهور على الحقيقة إلّا إذا كان الاستعمال فيه بدون القرينة ، وليس المقام كذلك ، لأنّ الاستعمال في الندب كان

٤٤٢

فيه (١) إلّا أنّه (٢) كان مع القرينة المصحوبة ، وكثرة الاستعمال كذلك (٣) في المعنى المجازي لا توجب صيرورته (٤) مشهورا فيه (٥) ليرجح (٦) أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور ، كيف (٧) وقد كثر استعمال العام في الخاصّ

______________________________________________________

مع القرينة ، فليس استعمال اللفظ في الندب من باب النقل ، ولا من المجاز المشهور حتى يرجح على الحقيقة ، فيقدم عليها أو يتوقف على الخلاف.

(١) أي : في الندب.

(٢) أي : الاستعمال في الندب كان مع القرينة لا بدونها.

(٣) أي : مع القرينة.

(٤) أي : اللفظ ، والمراد به الصيغة.

(٥) أي : في المعنى المجازي ، وحاصله : أنّه يعتبر في صيرورة اللفظ مشهورا في المعنى المجازي ليرجح على الحقيقي أن يكون استعماله في المعنى المجازي بدون القرينة ، وهذا الشرط مفقود في المقام ، لكون استعمال الصيغة في الندب مع القرينة كما مر.

(٦) يعني : ليرجّح المعنى المجازي المشهوري على المعنى الحقيقي ، أو يتوقف حتى تنهض قرينة على المراد.

(٧) هذا هو الوجه الثالث من وجوه الجواب عن كلام المعالم ، وحاصله :

النقض بصيغ العموم كالجمع المعرف باللام ، ولفظة : كل ، وجميع ، وغيرها (*)

__________________

(*) يحتمل أن يكون هذا الوجه دليلا على الوجه الثاني ، وهو : أنّ كثرة الاستعمال مع القرينة لا توجب النقل أو الحمل علي المعنى المجازي ، لا وجها مستقلا في الجواب عن المعالم ، بل العبارة ظاهرة في ذلك أيضا.

ثم إنّ تنظير المقام بباب العام المخصص إنّما يكون في خصوص عدم انثلام

٤٤٣

حتى قيل : ما من عام إلّا وقد خص ، ولم ينثلم به (١) ظهوره (٢) في العموم ، بل يحمل (٣) عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص (٤) على إرادة الخصوص.

______________________________________________________

توضيحه : أنّ صيغ العموم تخصص كثيرا ما بالمخصص المنفصل حتى قيل : «ما من عام إلّا وقد خص» ، ومع ذلك لم ينثلم ظهورها في العموم ، ولذا تحمل عليه مع الشك في التخصيص ، إلّا إذا نهضت قرينة على إرادة الخصوص.

وبالجملة : مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يمنع عن الحمل على المعنى الحقيقي ، إذ لو كان مانعا عنه لكانت كثرة استعمال صيغة العموم في الخصوص مانعة أيضا عن حملها على العموم عند التجرد عن القرينة ، ومن المسلّم عدم المنع هناك ، فكذا هنا.

والحاصل : أنّ وزان صيغة الأمر من ناحية استعمالها في الندب وزان صيغة العموم من جهة استعمالها في الخصوص.

(١) أي : بالاستعمال الكثير.

(٢) أي : ظهور العام.

(٣) يعني : بل يحمل العام على العموم ، فضمير ـ عليه ـ راجع إلى العموم.

(٤) أو بالعموم ، كأدلة أحكام العناوين الثانوية كالعسر والحرج والضرر

__________________

الظهور في العموم بمجرد كثرة الاستعمال في الخاصّ مع القرينة ، فكما لا تنكسر سورة ظهور صيغ العموم في العموم بمجرد كثرة استعمالها في الخصوص مع القرينة ، فكذلك لا تنكسر سورة الظهور في الوجوب في صيغة الأمر بمجرد كثرة استعمالها مع القرينة في الندب ، وإلّا فبين البابين فرق واضح ، وهو : أنّ القرينة في استعمال صيغة الأمر في الندب قرينة المجاز ، وفي استعمال صيغ العموم في الخصوص قرينة المراد كما لا يخفى.

٤٤٤

(المبحث الثالث) هل الجمل الخبرية التي تستعمل (١) في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ (٢) ويعيد (٣) ظاهرة في الوجوب (٤) أو لا (٥)؟ لتعدد (٦) المجازات

______________________________________________________

ونحوها ، إلّا أن يقال : إنّها من باب الحكومة والتوفيق العرفي ، لا التخصيص ، فتأمل.

(١) هذا التعبير لا يخلو عن مسامحة بناءً على ما تقدم عنه في صدر الكتاب من كون الإخبارية والإنشائية من طوارئ الاستعمال ، لا من قيود المستعمل فيه ، إذ الظاهر منه : أنّ الإخبارية حاصلة قبل الاستعمال ، فالأولى أن يقال : «هل الجمل الخبرية التي يراد بها الطلب ... إلخ».

(٢) الواردين في مقام الجواب عن وجود موجبهما من الجنابة والنوم وغيرهما مما يوجب الغسل أو الوضوء.

(٣) جواباً عما يوجب الخلل في الصلاة ، ومثله قوله عليه‌السلام : «أصبح صائماً» فيمن نام عن صلاة عشائه ، وغير ذلك من الجمل الخبرية الواردة في مقام الطلب.

(٤) وهو أشهر القولين كما في البدائع ، بل المشهور كما يظهر من موضع آخر منه.

(٥) كما هو مذهب جماعة من المحققين كالمحقق الثاني والمحقق الأردبيلي والنراقي (قدس‌سرهم).

(٦) تعليل لعدم الظهور في الوجوب.

وحاصله : أنّه بعد تعذُّر الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحكاية عن وقوع النسبة فيما بعده في المضارع كقوله : «يُعيد» أو تحققها فيما قبله في الماضي ، كقوله :

٤٤٥

فيها (١) ، وليس الوجوب بأقواها (٢) بعد تعذر حملها (٣) على معناها من الاخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها الظاهر الأوّل (٤) ، بل تكون (٥) أظهر من الصيغة ، ولكنه (٦) لا يخفى أنّه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام

______________________________________________________

«أصبح صائماً» وبعد تعدد المجازات ـ لصحة استعمالها في إنشاء الندب ، أو مطلق الطلب ، أو خصوص الوجوب ـ لَزِم الوقف مع عدم الترجيح كما هو قول بعض.

(١) أي : في الجمل الخبرية.

(٢) أي : المجازات حتى تحمل عليه لقاعدة : إذا تعذر الحمل على المعنى الحقيقي وتعدّدت المجازات حمل اللفظ على أقرب المجازات إليه.

(٣) أي : الجمل الخبرية.

(٤) وهو ظهورها في الوجوب.

(٥) يعني : تكون الجمل الخبرية أظهر في الوجوب من صيغة الأمر ، وذلك لما سيذكره بقوله : «حيث إنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه» انتهى.

(٦) هذا تمهيد لإثبات ما رامه من ظهور الجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب في الوجوب مع التعريض بالمشهور القائلين بظهور تلك الجملة في الوجوب ، حيث إنّ ظاهرهم هو استعمال الجمل الخبرية في مفهوم الطلب كصيغة الأمر ، ومن المعلوم : أنّ هذا الاستعمال مجازي ، لأجنبية مفهوم الطلب عن معنى الجملة الخبرية.

وملخص التعريض : أنّه لا داعي إلى ارتكاب المجاز ، مع أنّ الحمل هنا حمل على المعنى الحقيقي ، وذلك لما تقدم في صدر الكتاب من عدم كون الإخبارية والإنشائية من قيود المستعمل فيه ، بل هما من أنحاء الاستعمال ، وأنّ المعنى الحقيقي في كليهما واحد ، فإرادة الإنشاء من الجمل الخبرية وإن لم تكن مستلزمة للمجازية ، لكنه لا داعي إلى إرادته بعد إمكان إرادة الإخبار بها كما هو ظاهرها ، غاية

٤٤٦

ـ أي الطلب ـ مستعملة في غير معناها ، بل تكون مستعملة فيه (١) ، إلّا أنّه (٢) ليس بداعي الإعلام ، بل بداعي البعث بنحو آكد ، حيث (٣) إنّه أخبر بوقوع

______________________________________________________

الأمر : أنّ دواعي الاخبار مختلفة ، لأنّ الداعي (تارة) يكون إعلام المخاطب بمضمون الجمل الخبرية كما هو الغالب ، (وأُخرى) يكون إعلامه بأنّ المخبر عالم بمضمونها كقولك لحافظ القرآن أو الدرس مثلا : قد حفظت القرآن أو الدرس. (وثالثة) يكون إعلام المخاطب بالإرادة وعدم الرضا بالترك ، ليترتب عليه البعث كالأمثلة المتقدمة ، فالمستعمل فيه مع جميع هذه الدواعي واحد ، ولا يلزم معها مجاز أصلا ، وعليه فالاخبار عن الإعادة والغسل والوضوء والصوم كالاخبار عن قيام زيد ، وقعود عمرو ، وغيرهما في كون الاستعمال في المعنى الحقيقي.

(١) أي في معناها الحقيقي وهو ثبوت النسبة ، لا في معناها المجازي كما عن ظاهر المشهور.

(٢) يعني : إلّا أنّ الاستعمال ليس بداعي الإعلام ، بل بداعي البعث كما عرفت (٣) هذا وجه الآكديّة ، وحاصله : أنّ وقوع مضمون الجملة الخبرية من لوازم الطلب الحتمي غير المزاحم بشيءٍ من موانع التأثير ، فكأن الطلب علة لوجود متعلقه في الخارج ، ولذا يخبر عن وقوعه ، فالطلب المدلول عليه بالجمل الخبرية هو الطلب غير المزاحم الّذي يترتب عليه وجود المطلوب في الخارج ، بخلاف الطلب المدلول عليه بصيغة الأمر وما بمعناها ، فإنّه أصل الطلب ، لعدم دلالتها على خصوصية زائدة عليه ، فيكون الطلب المنشأ بالجمل الخبرية أشد وآكد مما ينشأ بالصيغ الإنشائية. فقد ظهر مما ذكرنا : أنّه لا وجه للتوقف ـ كما عن بعض ـ نظراً إلى تعدُّد المجازات ، وعدم أقربيّة الوجوب منها إلى المعنى الحقيقي ، وذلك لما

٤٤٧

مطلوبه في مقام طلبه (١) إظهاراً بأنّه لا يرضى إلّا بوقوعه ، فيكون آكد في البعث من الصيغة (٢) ، كما هو (٣) الحال في الصيغ الإنشائية على ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل في معانيها الإيقاعية ، لكن بدواعٍ أُخر (٤) كما مرّ (٥). لا يقال (٦):

______________________________________________________

عرفت من عدم لزوم مجاز أصلا ، حيث إنّ الجمل الخبرية لم تستعمل إلّا في معانيها الحقيقية بداعي البعث والطلب ، فلا موضوع للقول بالتوقف لأجل تعدد المجازات أصلا.

(١) إذ المفروض كونه في مقام التشريع.

(٢) أي : صيغة الأمر.

(٣) يعني : كما أنّ الصيغ الإنشائية تستعمل دائماً في معانيها الإيقاعية ، لدواعٍ مختلفة غير وجودها الواقعي ، كإنشاء الاستفهام لا بداعي طلب العلم ورفع الجهل ، بل بداعي التقرير أو غيره ، ولا يكون في البين مجاز ، كذلك الجمل الخبرية ، فإنّها تستعمل في معانيها لا بداعي الإعلام ، بل بداعي إعلام المخاطب بإرادة مضمون الجملة ، وعدم الرضا بتركه من دون لزوم مجاز أصلا.

(٤) غير معانيها الواقعية الموجودة في النّفس.

(٥) يعني : في الإيقاظ.

(٦) هذا إشكال على قوله : «بل تكون مستعملة فيه ... إلخ» وحاصله : أنّه ـ بناءً على أنّ الجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب مستعملة في معناها الخبري لا الإنشائيّ كما عن غير واحد ، بل عن المشهور ـ يلزم الكذب ، لعدم وقوع المخبر عنه بتلك الجمل في الخارج غالباً ، لعصيان الفساق غير المبالين بالأحكام الشرعية ، فلا بد حينئذٍ من الالتزام باستعمالها في الإنشاء دون الإخبار ، كالصيغ الإنشائية فراراً عن محذور الكذب.

٤٤٨

كيف (١)؟ ويلزم الكذب كثيراً ، لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك (٢) في الخارج تعالى الله وأولياؤه (٣) عن ذلك علواً كبيراً. فإنّه يقال : (٤) إنّما يلزم الكذب إذا أتى بها (٥) بداعي الإخبار والإعلام ، لا لداعي البعث (٦) ، كيف (٧)

______________________________________________________

(١) يعني : كيف تكون الجمل الخبرية مستعملة في معناها الإخباري دون الإنشائيّ مع أنّه مستلزم للكذب غالباً.

(٢) أي : المطلوب بالطلب المنشأ بالجمل الخبرية.

(٣) إشارة إلى ما ذكره من ورود الجمل الخبرية في مقام الطلب مثل «يغتسل ويتوضأ ويعيد» ونحوها في روايات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

(٤) هذا جواب الإشكال المزبور ، وحاصله : أنّ مطلق الخبر ليس موضوعاً لاحتمال الصدق والكذب ، بل خصوص الخبر الّذي قصد به الإعلام ، فإذا قصد بالجملة الخبرية البعث دون الإعلام ـ كما هو مفروض البحث ـ لا يتصف بشيءٍ ومنهما ، وعليه فلا يلزم من الإخبار بالجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب مجاز ولا كذب أصلا.

(٥) أي : الجمل الخبرية.

(٦) يعني : كما هو المفروض

(٧) يعني : كيف يكون الإخبار بداعي البعث مستلزماً للكذب ، ولو كان كذلك لَزِم الكذب في غالب الكنايات ، غرضه : تنظير الجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب بباب الكنايات في أنّه كما لا تكون المعاني المكنى بها مثل كثرة الرماد مورداً للصدق والكذب مع كون الكلام خبراً كقوله : «زيد كثير الرماد» كذلك الجمل الخبرية في المقام ، فإنّ مورد الصدق والكذب هو المعنى المكنّى عنه كالجود في المثال المزبور ، لا المكنّى به وهو كثرة الرماد ، فلو لم يكن لزيد كثرة الرماد

٤٤٩

وإلّا يلزم الكذب في غالب الكنايات؟ فمثل ـ زيد كثير الرماد ـ أو ـ مهزول الفصيل ـ لا يكون كذباً إذا قيل كناية عن جوده ، ولو لم يكن له رماد وفصيل أصلا ، وإنّما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد (١) ، فيكون (٢) الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ (٣) ، فإنّه (٤) مقال بمقتضى الحال ، هذا. مع أنّه إذا أتى

______________________________________________________

ولكن كان جواداً لم يلزم كذب أصلا ، والجمل الخبرية التي قصد بها البعث لا الإعلام تكون كالكنايات ، فكما لا تتصف المعاني المكنّى بها بالصدق والكذب ، بل المتصف بهما هي المعاني المكنى عنها ، فكذلك الجمل الخبرية المقصود بها البعث لا الإعلام.

وبالجملة : فلا يتصف كلّ خبر بالصدق والكذب.

(١) لأنّ المقصود بمثل ـ زيد كثير الرماد ـ هو الجود ، وقصد بهذه القضية الخبرية الحكاية عن الجود ، فالصدق والكذب ملحوظان بالنسبة إلى هذا المعنى المكنى عنه ، فكذب هذه القضية عبارة عن عدم الجود ، لا عدم كثرة الرماد مثلا.

(٢) هذا مترتب على كون الجمل الخبرية إخباراً لا بداعي الإعلام ، بل بداعي الطلب.

(٣) من الطلب بالصيغ الإنشائية.

(٤) هذا وجه الأبلغية ، وحاصله : أنّه لمّا كان المتكلم في مقام البعث فالمناسب له هو الإتيان بما يؤكِّده ، (وحيث) إنّ الإخبار بوقوع المطلوب من لوازم شدة الطلب التي لا يزاحمهما شيء من موانع التأثير في وجود المطلوب ، لدلالة الاخبار بالوقوع على إرادة إيجاده بحيث لا يرضى بتركه ، ولذا أخبر بوجوده وأتى بالجملة الخبرية (فدلالتها) على الطلب تكون من باب الكناية التي هي استعمال

٤٥٠

بها (١) في مقام البيان ، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها (٢) على الوجوب ، فإنّ تلك النكتة (٣) إن لم تكن موجبة لظهورها فيه (٤) ، فلا أقل من كونها (٥) موجبة لتعينه من بين محتملات ما (٦) هو بصدده ،

______________________________________________________

اللفظ في المعنى بداعي الانتقال إلى لازمه أو ملزومه ، حيث إنّ الإخبار بالوقوع بداعي الطلب من لوازم البعث والإرادة ، فمدلول الجملة الخبرية هو الإخبار بالوقوع الّذي هو لازم شدة الطلب ، فيكون الانتقال من اللازم إلى الملزوم ، وعليه فلم تستعمل الجملة الخبرية المقصود بها الإنشاء في نفس الإنشاء حتى يلزم مجاز في الكلمة أو الكلام كما عن بعض.

(١) أي : الجمل ، وهذا وجه آخر لاستفادة الوجوب من الجمل الخبرية ، ومحصله : أنّ مقدمات الحكمة تقتضي حملها على الوجوب ، إذ المفروض كون المتكلم في مقام البيان ، لا في مقام الإجمال أو الإهمال ، ولم ينصب قرينة على الندب ، فلا بد من حملها على الوجوب ، لكون النكتة المزبورة ـ وهي شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لظهور الجملة فيه ، أو لتيقنه منها.

وبالجملة : فالنكتة المزبورة معيِّنة للوجوب على كل حال ، فلا وجه للوقف كما عن بعض.

(٢) أي : الجمل الخبرية.

(٣) وهي الإخبار بالوقوع.

(٤) أي : لظهور الجمل الخبرية في الوجوب.

(٥) أي : كون النكتة المزبورة موجبة لتعيُّن الوجوب.

(٦) أي : الحكم الّذي يكون المتكلم بصدد بيانه ، فضمير ـ هو ـ راجع إلى المتكلم.

٤٥١

فإنّ (١) شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعيُّن إرادته (٢) إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره (٣) ، فافهم (٤).

______________________________________________________

(١) بيان لكون النكتة المزبورة موجبة لتعين الوجوب ، وقد تقدم تقريبه.

(٢) أي : الوجوب.

(٣) أي : غير الوجوب ، فمع عدم القرينة على غير الوجوب تكون النكتة المزبورة قرينة على الوجوب (*).

(٤) لعلّه إشارة إلى دقة المطلب والتدبر في كيفية دلالة الجمل الخبرية على الوجوب ، وأنّ استفادته منها بالكناية على التقريب المذكور أولى مما نسب إلى المشهور من استعمالها في الإنشاء ، وأنّ النكتة المزبورة تصلح لتعيين إرادة الوجوب ، فما في البدائع ، من منع دلالة الجمل الخبرية المقصود بها الإنشاء على

__________________

(*) ويمكن الاستدلال أيضا للحمل على الوجوب بوجوه أُخر :

الأوّل : التبادر.

الثاني : انصراف طبيعي الطلب إلى خصوص فرده الوجوبيّ.

الثالث : أقربية الوجوب من سائر المجازات إلى المعنى الحقيقي بعد تعذُّره ، ولكن هذا الوجه مبنيٌّ على انسلاخ الجمل الخبرية عن معناها الحقيقي ـ وهو الاخبار بالوقوع ـ واستعمالها في غيره.

وبالجملة : فلا ينبغي التأمل في ظهور الجمل الخبرية التي أُريد بها الإنشاء في الوجوب ، وحجية هذا الظهور على حد حجية ظواهر سائر الألفاظ كما لا يخفى.

ثم إنّه قد ظهر مما أفاده المصنف (قده) في وجه استفادة الوجوب من الجمل الخبرية حالُ الجمل المنفية الواقعة في مقام النهي مثل «لا يغتسل ولا يتوضأ ولا يعيد» ، فإنّها تنصرف إلى الحرمة ، إلّا أن تقوم قرينة على خلافها.

٤٥٢

(المبحث الرابع) (١) : أنّه إذا سلم أنّ الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا (٢) أو تكون؟ قيل بظهورها فيه (٣) : إمّا لغلبة الاستعمال (٤) فيه ، أو (٥) لغلبة وجوده ، أو

______________________________________________________

خصوص الوجوب ، لأنّ المستحبات أكثر من الواجبات ، وأكثرها مستفادة من الجمل الخبرية ، فليس استعمالها في الوجوب أكثر من الندب حتى تحمل عليه مع التجرد عن القرينة» لا يخلو من غموض ، لأنّ النكتة المزبورة صالحة لحمل الجمل الخبرية على الوجوب ، ولا يعدل عنها إلّا بدليل.

فالمتحصل : أنّ البعث الّذي لا ينفك عن الوقوع هو البعث الحتمي ، لعدم الملازمة بين البعث الندبي ـ ولو إلى العبد المنقاد ـ وبين الوقوع ، فما لم تنهض قرينة على إرادة الندب كما في قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا ينام المسلم وهو جنب إلّا عن وضوء» يحمل على الوجوب.

(١) الغرض من عقد هذا المبحث هو : أنّه إذا لم يثبت وضع صيغة الأمر للوجوب ، لضعف أدلته وعدم نهوضها عليه ، فهل تكون ظاهرة فيه لأجل الانصراف أو غيره أم لا؟.

(٢) يعني : كما لا تكون موضوعة للوجوب ، فلا ظهور لها في الوجوب من ناحية الوضع كذلك لا ظهور لها فيه من غير ناحية الوضع أيضا.

(٣) أي : بظهور الصيغة في الوجوب ، لوجوه.

(٤) هذا أوّل الوجوه ، وحاصله : أنّ كثرة استعمال الصيغة في الوجوب أوجبت ظهورها فيه بحيث تحمل عليه عند الإطلاق.

(٥) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنّ كثرة وجود الوجوب ـ ولو مع قلة الاستعمال فيه كما إذا استعملت الصيغة في الندب للتأكيد أكثر من استعمالها في الوجوب ـ توجب ظهور الصيغة في الوجوب.

٤٥٣

أكمليته (١). والكل كما ترى ، ضرورة (٢) أنّ الاستعمال في الندب ، وكذا وجوده (٣) ليس بأقل لو لم يكن بأكثر ، وأمّا الأكمليّة فغير موجبة للظهور (٤) ، إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أُنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجهاً له (٥) ، ومجرّد الأكمليّة

______________________________________________________

(١) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنّ الوجوب لمّا كان أكمل فردي الطلب لكونه طلباً شديداً والندب طلباً ضعيفاً صارت أكمليته موجبة لظهور الصيغة عند الإطلاق في الوجوب.

وبالجملة : فهذه الوجوه الثلاثة توجب ظهور الصيغة في الوجوب وإن لم يثبت وضعها له.

(٢) إشارة إلى ضعف الوجهين الأوّلين وهما : غلبة الاستعمال وغلبة الوجود.

أمّا الأوّل ، فلمنع غلبة الاستعمال في الوجوب ، فإنّ استعمال الصيغة في الندب لو لم يكن بأكثر فلا أقل من مساواته له ، ولذا توقف صاحب المعالم (قده) في الحمل على الوجوب عند التجرد عن القرينة.

وأما الثاني ، فلمنع غلبة وجود الوجوب أيضا ، لكثرة المستحبات وقلة الواجبات ، ولا أقل من المساواة.

(٣) هذا إشارة إلى ضعف الوجه الثاني.

(٤) هذا إشارة إلى ضعف الوجه الثالث ، وملخصه : أنّ الظهور لا ينشأ إلّا من شدة أُنس اللفظ وعُلقته بالمعنى ، لتوقف صيرورة اللفظ وجهاً للمعنى على ذلك ، ولا يحصل الأُنس المزبور بمجرد الأكملية ، لأنّها ثبوتية لا إثباتية ، ولا تلازم بينهما كما لا يخفى.

(٥) أي : للمعنى

٤٥٤

لا يوجبه (١) كما لا يخفى. نعم (٢) فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب (٣) ، فإنّ الندب كأنّه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد (٤) والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد

______________________________________________________

(١) أي : شدة الأُنس ، لِما مرّ آنفاً من عدم الملازمة بين الأكملية الثبوتية وبين الأكملية الإثباتية.

(٢) لمّا أبطل الوجوه الثلاثة المتقدمة سلك طريقاً آخر لاستظهار الوجوب من الصيغة ، وهو : أنّ مقدمات الحكمة تقتضي الوجوب ، لأنّ المتكلم في مقام البيان ، وإرادة الندب من مجرد الطلب المستفاد من الصيغة غير ممكنة ، لاحتياج إرادته إلى مزيد بيان وعدم كفاية نفس الطلب في ذلك ، حيث إنّ مميِّز الندب ـ وهو الترخيص في الترك ـ ليس من سنخ الطلب حتى يصح الاعتماد عليه في بيانه ، وهذا بخلاف الوجوب ، فإنّ مميِّزه وهو المنع من الترك من سنخ الطلب ، فيجوز للمتكلم الاتكال في بيانه على ما يدل على طبيعة الطلب من دون لزوم محذور إخلال بالغرض.

(٣) لما عرفت من أنّ فصل الوجوب ـ وهو المنع من الترك ـ يكون حقيقة نفس الطلب ، لأنّه عبارة أُخرى عن طلب عدم الترك الّذي هو عين طلب الفعل ، فإطلاق الطلب كافٍ في إرادة الوجوب.

(٤) لأنّ فصل الندب وهو الترخيص في الترك أمر زائد على الطلب ، فيحتاج إلى مزيد بيان.

وبالجملة : فالندب هو تحديد الطلب بأمر خارج عن حقيقته ، فلا يمكن الاتّكال في بيانه على ما يدل على نفس الطلب ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه بما هو خارج عن حقيقته ، فلا مانع من الركون في بيانه إلى ما يدل على جامع الطلب وهو الصيغة.

٤٥٥

فيه للطلب ولا تقييد ، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كافٍ في بيانه ، فافهم (١).

(المبحث الخامس (٢)) : أنّ إطلاق الصيغة (*) هل يقتضي كون الوجوب توصُليّاً ، فيجزي (٣) إتيانه مطلقاً ولو (٤) بدون قصد القربة أو لا؟

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى ضعف ما قيل : من كفاية إطلاق الطلب في إرادة الندب نظراً إلى أنّ المائز بينه وبين الوجوب هو شدة الطلب وضعفه ، وهذا أمر عدمي ، فالطلب المجرّد عما يدل على شدته وتأكُّده كافٍ في الدلالة على الندب بعد فرض كون المتكلم في مقام بيان الفرد لا جامع الطلب.

وجه الضعف : أنّ منشأ اعتبار الوجوب والندب هو النسبة الطلبية المجردة عن الترخيص في الترك والمقرونة به ، والشدة والضعف ليسا دخيلين في النسبة ، فان كانت النسبة الطلبية مجردة عن الترخيص في الترك ينتزع العقل منها الوجوب ، وإن كانت مقرونة بالترخيص في الترك ينتزع منها الندب.

(٢) الغرض من عقد هذا البحث : أنّه هل يكون للصيغة إطلاق رافع للشك في التعبدية والتوصلية كما يكون لها إطلاق بالنسبة إلى الشك في العينية والكفائية والتعيينية والتخييرية والنفسيّة والغيرية أم لا؟ بل لا بد حينئذٍ من الرجوع إلى الأصول العملية ، كما هو الشأن في كل مورد فقد الدليل الاجتهادي فيه.

(٣) هذا متفرع على إطلاق الصيغة ، إذ مقتضاه عدم دخل كل قيد شك في اعتباره سواء كان ذلك القيد التعبدية أم غيرها.

(٤) هذا مفسِّر للإطلاق.

__________________

(*) الظاهر عدم اختصاص هذا البحث بالصيغة ، بل يجري في غيرها مما قصد به الأمر كما لا يخفى وجهه.

٤٥٦

فلا بد (١) من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل (٢) ، لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات :

إحداها : الوجوب التوصلي (*) هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب (٣) ويسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدي ، فإنّ الغرض منه

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على عدم الإطلاق المحقِّق لعدم الدليل الّذي هو موضوع للرجوع إلى الأصل العملي ، والمراد به هنا البراءة أو الاشتغال ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(٢) أي : العملي ، إذ المفروض عدم الأصل اللفظي وهو إطلاق الصيغة ، مع الغض عن سائر ما استدل به أيضا على التعبدية كقوله تعالى : «وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ».

(٣) هذا أحد تعريفاته وأسدها ، وحاصله : أنّ الواجب التوصلي عبارة

__________________

(*) هذا من الوصف بحال المتعلق وهو الواجب ، لا بحال نفس الموصوف وهو الوجوب ، وذلك لأنّ التعبدية والتوصلية ناشئتان من الملاكات الداعية إلى التشريع ، فإن كان الملاك القائم بالواجب ـ بناءً على ما عليه مشهور العدلية من قيام المصالح والمفاسد بمتعلقات التكاليف ـ بمثابة يحصل بمجرد وجود الواجب ولو بداعٍ غير قربي فالواجب توصلي ، وإلّا فتعبدي ، فالفرق بينهما إنّما هو في الغرض القائم بالواجب ، وأمّا الغرض من نفس الوجوب فهو واحد في التعبدي والتوصلي وهو دعوة المكلف إلى إيجاد المادة ونقض عدمها المحمولي بوجودها كذلك ، فالوجوب التوصلي لا يغاير التعبدي أصلا. واتضح مما ذكرنا : أنّ التعبدية من قيود المادة ، فالإطلاق المبحوث عنه راجع إلى المادة لا الهيئة ، فجعل هذا البحث من أبحاث الصيغة لا يخلو من المسامحة.

٤٥٧

لا يكاد يحصل بذلك (١) ، بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقرباً به (٢) منه تعالى.

ثانيتها : أنّ التقرب (٣) المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال

______________________________________________________

عن الواجب الّذي يسقط بمجرد وجوده في الخارج ولو بغير الداعي الإلهي ، لوفاء مطلق وجوده في الخارج بالغرض الداعي إلى التشريع ، والواجب التعبدي بخلافه ، فهو ما لا يسقط إلّا بإتيانه بداعٍ قربي ، إذ الغرض الداعي إلى تشريعه لا يستوفي إلّا بوجود الواجب على وجه قربي.

(١) أي : بمجرد وجود الواجب في الخارج.

(٢) هذا الضمير والثلاثة التي قبله راجعة إلى ـ الواجب ـ ، والحاصل : أنّ الواجب التعبدي لا يسقط إلّا بإتيانه متقرِّباً به إلى الله تعالى شأنه.

(٣) قد يراد بالتقرُّب المصحح لعبادية شيءٍ مطلق ما يوجب القُرب إليه جلّ وعلا ، كإتيانه بداعي حسنه أو مصلحته أو محبوبيته له تعالى ، أو بداعي كونه جلّ وعلا أهلاً للعبادة ، ودخل القربة بأحد هذه الوجوه في العبادة لا يستلزم محذوراً أصلا ، لكون القربة حينئذٍ من قيود المتعلق بحيث يصح لحاظها في عرضه ، كالطهارة والاستقبال والستر مثلا بالنسبة إلى الصلاة ، فتنالها يد التقييد اللحاظي بلا إشكال. وقد يراد بالتقرب المعتبر في العبادة ما عن الجواهر من خصوص قصد الأمر المتعلق بها ، فحينئذٍ يمتنع دخله في المتعلق ، للزوم محذور الدور ، ضرورة أنّ المتعلق مقدّم رتبة على الحكم والأمر من الوجوب أو غيره كتقدم العلة على المعلول ، فالأمر متأخر عن المتعلق ، وقصد الأمر متأخر عن نفس الأمر ، فكيف يمكن أن يكون القصد مأخوذاً في المتعلق الّذي هو متقدم عليه برتبتين ، مثلاً الأمر بالصلاة متأخر عن متعلقها وهي الصلاة ، وقصد هذا الأمر

٤٥٨

والإتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلاً لا مما أُخذ في نفس العبادة شرعاً ، وذلك (١) لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلّا من قِبَل الأمر بشيءٍ في (٢) متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً (٣) ، فما (٤) لم تكن نفس

______________________________________________________

متأخر عن نفسه ، فكيف يمكن أن يكون قصد الأمر مأخوذاً في الصلاة؟

وبالجملة : فقصد الأمر متوقف على الأمر ، وهو متوقف على قصده ، لكونه دخيلا في المتعلق ، وهذا دور ، فيمتنع دخل قصد الأمر شرعاً جزءاً أو شرطاً في المتعلق ، فلا محالة يكون قصد الأمر من أنحاء الامتثال وكيفياته عقلاً ، لا من أجزاء المتعلق أو قيوده شرعاً كما لا يخفى.

(١) هذا تقريب امتناع دخل قصد الأمر شرعاً في متعلق الأمر ، وقد عرفته.

(٢) متعلق بقوله : ـ أخذ ـ.

(٣) بيان للإطلاق ، وقد ظهر من تقريب الاستحالة كون التعبدية من الانقسامات الثانوية للمتعلق بعنوان كونه مأموراً به ، لا الأوليّة التي يكون الملحوظ فيها نفس المتعلق مجرداً عن الأمر ، كلحاظ الاستقبال مثلاً في الصلاة.

(٤) غرضه تعميم استحالة دخل قصد القربة في المتعلق لكلا المقامين أعني التشريع والامتثال :

أمّا الأوّل ، فقد تقدم تقريبه آنفاً.

وأمّا الثاني ، فهو الّذي تعرض له بقوله : «فما لم تكن نفس الصلاة ... إلخ» وحاصله : أنّه يعتبر في حُسن الخطاب قدرة المكلف على متعلقه ، لقبح مطالبة العاجز عقلا ، ومن المعلوم : أنّ المقدور هو الإتيان بنفس متعلق الأمر وهو الصلاة مثلا ، وأمّا الإتيان به مقيّداً بدعوة أمره فهو غير مقدور للمكلف ، إذ المفروض وحدة الأمر المتعلق بذات الصلاة مثلا ، والإتيان بالمتعلق بدعوة

٤٥٩

الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها وتوهم (١) إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر

______________________________________________________

الأمر موقوف على أمر آخر متعلق بما تعلق به الأمر الأوّل ليكون مفاد الأمر الثاني وجوب إتيان متعلق الأمر الأوّل بداعي أمره بحيث يكون الأمر الأوّل موضوعاً للأمر الثاني ، كموضوعية المؤمن لحرمة الغيبة مثلا ، فلا بد في وجوب إتيان متعلق الأمر الأوّل بدعوة أمره من الأمر الثاني المفروض فقدانه ، فيصير إتيان متعلق الأمر الأوّل بدعوة أمره غير مقدور ، ومن المسلّم اعتبار القدرة عقلاً في متعلق التكليف.

(١) غرض المتوهم دفع إشكال الدور ، وإثبات مقدورية المتعلق ، أمّا الأوّل ، فتقريبه : أنّ الدور يتوقف على وجود المتعلق خارجاً لا تصوراً.

توضيحه : أنّ الأمر بالصلاة المقيدة بقصد القربة يتوقف على وجود موضوعه الّذي منه قصد القربة ، ومن المعلوم توقف قصدها على الأمر ، لكونه من الأُمور المتأخرة عن الأمر ، والمفروض تأخر الأمر عن متعلقه بأجزائه وشرائطه التي منها قصد القربة ، فالأمر متوقف عليه ، وهو متوقف على الأمر ، هذا إذا كان اللازم وجود المتعلق خارجاً. وأمّا إذا كان وجود المتعلق تصوراً كافياً في تعلق الأمر ، فلا دور ، إذ يمكن أن يتصور الآمر موضوع الحكم ـ أعني الصلاة المقيدة بداعي طبيعة الأمر لا شخصه ومصداقه ـ ثم يأمر به ، فلا محذور حينئذٍ في دخل قصد القربة في المتعلق. وببيان أوضح : موضوع الحكم هو الطبيعة التي تنطبق على الفعل الصادر من المكلف في الخارج.

وأمّا الفعل الخارجي ، فهو ليس بمأمور به إلّا بالانطباق وسراية الطلب من الطبيعي إليه ، فلا مانع حينئذٍ من تصور الآمر الطبيعة الكلية مقيّدة بامتثالها

٤٦٠