منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

وذلك (١) لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما ، ولا اتفاق على اعتبار

______________________________________________________

(١) بيان لفساد كلام الفصول الّذي انقدح مما ذكره المصنف من كفاية التغاير المفهومي بين المبدأ والذات ، وعدم برهان على التغاير الوجوديّ بينهما ، وهذا مراده بقوله : «ولا اتفاق» إذ مورد اتفاقهم هو المغايرة المفهومية.

__________________

وثالثا : إنّ المبحوث عنه هو الوضع ، واتّفاق العلماء لا يكشف عن ذلك ولا يثبته.

(الثاني) : أنّه لا إشكال في كون المبدأ عينا في الواجب وزائدا في الممكن فهما متباينان ، فلا يمكن انتزاع مفهوم واحد منهما وضع له لفظ المشتق. وفيه : أنّ الموضوع له في لفظ المشتق كسائر الألفاظ هو نفس المفهوم لا وجوده ، ومن المعلوم اتحادهما فيه ، والمغايرة إنّما تكون في الوجود ، حيث إنّ المبدأ فيه تعالى عين ذاته وفي الممكن غير ذاته ، وهذا التغاير لا يوجب التباين المطلق حتى لا يكون جامع بين صفاته سبحانه وتعالى وصفاتنا.

(الثالث) : أنّ المتبادر إلى الذهن من المشتق هو الذوات المتلبسة بالمبادئ التي لا تكون عينا لها ، فالموضوع له في المشتق هو هذا المعنى المنسبق إلى الذهن ، ومن المعلوم أنّه ينافي العينية ، فلا بد من التصرف في معاني الصفات الجارية عليه تعالى شأنه. وفيه منع ، بل المتبادر هو الذوات المتلبسة بالمبادئ على الإطلاق ، وليس المتبادر خصوص الذوات المتلبسة بالمبادئ التي لا تكون عينا لها ، نعم لا ينتقل العرف إلى المصداق الّذي يكون المبدأ عينه وجودا ، لكن نظرهم حجة في تشخيص المفهوم دون المصداق ، لما ثبت من أنّ موضوع الآثار ومهبط الأحكام هو مفاهيم الألفاظ المأخوذة في حيِّز الخطابات ، فلا تترتب الأحكام والآثار على ما لا يكون مصداقا لتلك المفاهيم حقيقة ، وإنّما يكون مصداقا لها بضرب من العناية والتنزيل ، إذ المفروض عدم انطباق المفهوم ـ الّذي هو الموضوع ـ عليه.

٣٤١

غيرها (١) إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره (٢) كما لا يخفى ، وقد عرفت (٣) ثبوت المغايرة كذلك (٤) بين الذات ومبادئ الصفات.

(الخامس) (٥) : أنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت

______________________________________________________

(١) أي : غير المغايرة المفهومية.

(٢) أي : عدم اعتبار غير المغايرة من حيث المفهوم.

(٣) يعني : في أوّل هذا الأمر.

(٤) أي : مفهوما.

(٥) الغرض من عقد هذا الأمر : إثبات اعتبار قيام المبدأ بالذات حقيقة في صحة حمل المشتق وجريه عليها على وجه الحقيقة ، بعد ما تقدم آنفا من اعتبار المغايرة بين الذات والمبدأ ، خلافا لمن لم يعتبر قيام المبدأ بالذات في إطلاق المشتق عليها حقيقة ، ولا بأس بالإشارة إلى ما نسب إلى ظاهرهم من الأقوال وهي أربعة :

الأوّل : اعتبار القيام بمعنى الحلول وهو المنسوب إلى الأشعري.

الثاني : عدم اعتبار القيام ، لوجوه :

منها : إطلاق الضارب والمؤلم ـ بالكسر ـ على الفاعل مع قيام الضرب والإيلام بالمفعول وهو المضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ ، وإطلاق الخالق والمتكلم على الله تعالى مع قيام مبدئهما بغيره من المخلوق والجسم.

ومنها : إطلاق الصفات الذاتيّة الجارية على الله تعالى مع كون مباديها عين الذات فكيف يتصور القيام؟

ومنها : إطلاق اللابن والتامر وغيرهما مما كان المبدأ فيه ذاتا.

الثالث : ما عن ظاهر الفصول من اعتبار القيام بالمعنى الأعم من الحلول والصدور فيما لم يكن المبدأ ذاتا وعدم اعتباره فيه ، ولذا التزم بصدق القيام في

٣٤٢

بين المبدأ وما يجري عليه المشتق في اعتبار قيام المبدأ به في صدقه على نحو الحقيقة ، وقد استدلّ من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ ، والتحقيق : أنّه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب في أنّه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها (١) من التلبس بالمبدإ بنحو خاص على اختلاف أنحائه (٢) الناشئة (٣) من اختلاف المواد (٤) تارة ، واختلاف

______________________________________________________

الأمثلة الأربعة المتقدمة في الوجه الأوّل وهي الضارب والمؤلم والخالق والمتكلم ، والتزم في الصفات الذاتيّة بالنقل أو التجوز وصرّح بعدم اعتبار القيام في اللابن وأمثاله.

الرابع : ما اختاره المصنف من اعتبار القيام بمعنى التلبس الّذي يختلف باختلاف هيئات المشتق من اسمي الفاعل والمفعول وغيرهما كاختلافه باختلاف المواد كما سيأتي بيانه عند شرح كلام المصنف (قده).

(١) أي : جري المشتق على الذات.

(٢) أي : أنحاء التلبس.

(٣) صفة ل ـ أنحائه ـ.

(٤) فتارة يكون المبدأ لازما للذات ، وحينئذ يكون القيام حلوليا كالمرض والجوع والشجاعة.

(وأخرى) يكون صادرا عنها كالإعطاء والضرب والإيلام ، فيكون القيام صدوريا.

(وثالثة) يكون منتزعا عنها بأن تكون الذات منشأ لانتزاع المبدأ عنها مفهوما مع كونه عينها وجودا كالعلم والقدرة والحياة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى.

٣٤٣

الهيئات (١) أخرى من (٢) القيام صدورا (٣) أو حلولا (٤) أو وقوعا عليه (٥) أو فيه (٦) أو انتزاعه عنه (٧) مفهوما مع اتحاده معه خارجا كما في صفاته تعالى

______________________________________________________

(١) كاسمي الفاعل والمفعول وغيرهما من هيئات المشتقات ، فإنّ قيام الضرب بالضارب صدوري وبالمضروب وقوعي.

(٢) بيان لنحو خاص.

(٣) كالإعطاء والضرب ، فإنّ قيامهما بالفاعل صدوري.

(٤) كالمرض والموت ، والقيام الصدوري والحلولي ناشئان عن اختلاف المواد كما عرفت.

(٥) كالضرب والإيلام بالنسبة إلى المفعول ، فإنّ قيامهما بالمضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ وقوعي ، وهذا من اختلاف الهيئة وكذا الوقوع فيه.

(٦) كمجلس ومسجد وغيرهما من أسماء الزمان والمكان.

(٧) أي : انتزاع المبدأ عن الذات مفهوما مع اتحاده معها عينا كمفهوم العالم والقادر مثلا ، فإنّهما ينتزعان عن نفس ذاته تعالى بلا ضمِّ ضميمة معها ، فذاته جلّ شأنه باعتبار أنّها علم ينتزع عنها مفهوم العالم ، وباعتبار أنّها قدرة ينتزع عنها مفهوم القادر.

والحاصل : أنّ مفاهيم الصفات الجارية عليه سبحانه وتعالى كالعالم والقادر والحي لا تنتزع إلّا عن نفس ذاته المقدسة ، وليست كالصفات الجارية علينا ، فإنّ مفهوم العالم مثلا ينتزع عن ذواتنا المتلبسة بالإدراك ، وبدون التلبس به لا يطلق عليها العالم ، لعدم كفاية مجرد الذات في انتزاع مفهوم العالم ، بل لا بد من ضم ضميمة معها.

٣٤٤

على ما أشرنا إليه آنفاً (١) ، أو مع (٢) عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ، ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون من الخارج

______________________________________________________

(١) يعني : في الأمر المتقدم.

(٢) معطوف على قوله : مع اتحاده.

وحاصله : أنّ الأمر المنتزع عن غيره تارة يكون له وجود في الخارج كالعلم المنتزع عن ذات الباري عزّ اسمه ، فإنّ المبدأ ـ أعني العلم ـ عين الذات ، وأُخرى لا يكون له وجود في الخارج ، بل الوجود إنّما يكون لمنشإ الانتزاع كالإضافات التي لا وجود لها في الخارج ، نظير الأُبوّة التي لا وجود لها في الخارج ، وإنّما الموجود فيه هو الشخص الّذي خلق من مائه غيره ، وكذا الزوجية والملكية وغيرهما من الاعتبارات التي لا يحاذيها شيء في الخارج.

فالمتحصل : أنّ واجديّة الذات للمبدإ تتصور على وجوه :

الأوّل : أن تكون بنحو الصدور كالمعطي والناصر.

والثاني : أن تكون بنحو الحلول كالمريض والأسود والأبيض.

والثالث : أن تكون بنحو الانتزاع كالزوج والحر والرق ونحوها ممّا يكون المبدأ فيها منتزعاً عن الذات وممّا لا وجود له في الخارج كالزوجية والحرية والرقية ونحوها من الاعتبارات.

والرابع : أن تكون بنحو العينية كما في صفاته تعالى ، فإنّ المبدأ كالعلم والقدرة والحياة عين الذات المقدسة ، ووجدان الذات لها بنحو العينية وإن كان خارجاً عن المتفاهم العرفي ، لكنه لا يقدح بعد كونه من التلبس الحقيقي بنظر العقل ، فإنّ العرف إنّما يتبع نظره في المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها.

٣٤٥

المحمول (١) لا المحمول بالضميمة ، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايراً له مفهوماً وقائماً به عيناً ، لكنه (٢) بنحو من القيام ، لا (٣) بأن يكون هناك اثنينية وكان ما بحذائه (٤) غير الذات ، بل (٥) بنحو الاتحاد والعينية

______________________________________________________

(١) قد حكى بعض أجلة تلامذة المصنف (قدهما) أنّه قال الماتن في درسه الشريف : «إنّ المراد بالخارج المحمول هو العارض الاعتباري كالزوجية ونحوها ، وبالمحمول بالضميمة : العارض المتأصل كالسواد والبياض ، ووجه تسمية الأوّل بالخارج المحمول هو كونه خارجاً عن الشيء ومحمولا عليه ، والثاني بالمحمول بالضميمة لكونه محمولا بضمِّ ضميمة على شيء كحمل السواد على غيره ، فإنّه لا يحمل عليه إلّا بضم ضميمة فيقال : الجسم ذو سواد» هذا توضيح ما نقل عن المصنف (قده). وكيف كان فلا يعتبر في اتصاف الذات بالمبدإ وجود المبدأ في الخارج ، فإنّ المغايرة المفهومية بينهما كافية في صحة قيام المبدأ بها سواء كان للمبدإ وجود مستقل كالإعطاء والقيام والجلوس ونحوها ، أم كان وجوده عين وجود الذات كصفات الباري تعالى على ما عرفت آنفا.

(٢) يعني : لكن القيام الّذي يكون بنحو العينية نحو خاص من القيام وليس كسائر موارد قيام المبدأ بالذات مما يكون بينهما اثنينية كما ربما يكون المنساق من قيام شيء بشيء التعدد والاثنينية.

(٣) يعني : لا القيام المشهوري بأن يكون هناك اثنينية.

(٤) يعني : ما بحذاء المبدأ ، وغرضه : بيان لازم الاثنينية وهو كون ما بإزاء المبدأ غير الذات كصفات المخلوق ، فإنّ العلم فيهم هو الصورة الحاصلة مثلا ، وهي غير الذات القائمة بها تلك الصورة.

(٥) تفسير لقوله : «بنحو من القيام» يعني : هذا القيام يكون بنحو الاتحاد والعينية بحيث يكون ما بحذاء المبدأ كالعلم والقدرة عين الذات.

٣٤٦

وكان ما بحذائه (١) عين الذات ، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس (٢) من الأمور الخفية لا يضر بصدقها (٣) عليه تعالى على نحو الحقيقة إذا كان لها (٤) مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو (٥) بتأمُّل وتعمُّل من العقل ، والعرف (٦) إنّما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها.

(وبالجملة) يكون مثل العالم والعادل وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى

______________________________________________________

(١) أي : ما بحذاء المبدأ.

(٢) يعني : التلبس الّذي يكون بنحو العينية وهو أتم أفراد التلبس.

(٣) أي : بصدق الصفات الجارية عليه تعالى على نحو الحقيقة ، ووجه عدم المضرية هو : وجود مناط الصدق أعني صدق الصفات على الذات المقدسة واقعا ، فلا يقدح في صدقها عدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس ، لعدم إحاطته بجميع مصاديق المبدأ ، ومن المعلوم عدم مرجعية العرف في تطبيق المفاهيم على مصاديقها ، وإنّما هو مرجع في تشخيص المفاهيم.

(٤) أي : للصفات.

(٥) يعني : ولو كان صدق المفهوم العرفي من الصفات على الذات وانطباقه عليها بنظر العقل المدرك للتلبس بنحو العينية دون نظر العرف غير المدرك له ، فإنّ الصدق والحمل بنظر العقل ثابت للمغايرة المفهومية الكافية في صحة الحمل وللاتحاد بنحو العينية الّذي يدركه العقل دون العرف.

(٦) هذا وجه لعدم مضرية خفاء التلبس بنحو العينية على العرف بصدق الصفات العليا عليه جلّ وعلا ، وحاصل هذا الوجه : أنّ العرف ليس مرجعا في التطبيقات ، وإنّما هو مرجع في تمييز المفاهيم العرفية والإحاطة بحدودها ، وأمّا بعد تمييزها فلا يرجع إليه في تطبيقها على مصاديقها.

٣٤٧

وعلى غيره جارية عليهما (١) بمفهوم واحد ومعنى فارد وإن اختلفا فيما يعتبر في الجري من (٢) الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدإ ، حيث إنّه (٣) بنحو العينية فيه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، فلا (٤) وجه لما التزم به في الفصول من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما (٥) هي عليها من المعنى (٦) كما لا يخفى ، كيف (٧) ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان

______________________________________________________

(١) أي : على الباري تعالى وغيره ، فإنّ العالم مثلا بما له من المفهوم يجري عليه سبحانه وتعالى وعلى المخلوق ، فجريانه عليهما بوزان واحد.

(٢) بيان ل ـ ما ـ في قوله : «فيما يعتبر» يعني : لا تفاوت بين الخالق والمخلوق في جريان الصفات عليهما إلّا في كيفية التلبس ونحو الاتحاد ، حيث إنّ التلبس بالمبدإ في الباري عزّ اسمه يكون بنحو العينية ، وفي غيره يكون بنحو آخر من الحلول أو الصدور أو الانتزاع أو غيرها.

(٣) أي : الاتحاد والتلبس.

(٤) هذا متفرع على ما ذكره من كون صفاته تعالى كصفاتنا من غير تفاوت بينهما إلّا في كيفية التلبس والاتحاد ، فالعالم مثلا ـ بما له من المفهوم ـ يحمل على الواجب والممكن من دون حاجة إلى تصرف فيه بنقل أو تجوز إذا جرى عليه تعالى شأنه كما ذهب إليه في الفصول ، وقد تقدم كلامه في الأمر الرابع ، فلاحظ.

(٥) أي : عن المعنى الّذي تكون الصفات عليه.

(٦) الأولى أن يقال : «من المعاني» ليوافق ضمير ـ عليها ـ أو يقال : ـ عليه ـ بتذكير الضمير.

(٧) يعني : كيف يكون لما التزم به في الفصول من النقل وجه؟ والحال أنّه لو كانت الصفات بغير معانيها العامة للواجب والممكن جارية عليه تعالى شأنه لزم

٣٤٨

وألفاظ بلا معنى ، فإنّ (١) غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلّا بما يقابلها ، ففي مثل ما إذا قلنا : «انّه تعالى عالم» إمّا أن نعني أنّه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام (٢) ، أو أنّه مصداق لما يقابل ذاك المعنى (٣) فتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وإمّا (٤) أن لا نعني شيئا

______________________________________________________

أن تكون صرف لقلقة اللسان.

وملخص هذا الإشكال الّذي أورده المصنف على الفصول هو : أنّ الصفات الجارية على الباري جل وعلا إن انسلخت عن معانيها العامة الشاملة للواجب والممكن لزم أحد المحذورين اللذين لا سبيل إلى الالتزام بهما.

تقريبه : أنّه إذا قلنا : «الله تعالى عالم» ولم نرد به مفهومه العام وهو من انكشف لديه الشيء ـ فإن أردنا به ما يقابله لزم الجهل في حقه عزوجل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وإن لم نرد به معنى لزم أن يكون قولنا : «الله عالم» لقلقة اللسان.

وبالجملة : يلزم الجهل فيه سبحانه وتعالى ، أو كون التلفظ بصفاته الجارية عليه صرف اللفظ من دون إرادة معنى لها ، وكلا المحذورين باطل ، فلا محيص عن إرادة المعاني العامة من الصفات لئلا يلزم الجهل والعجز ونحوهما فيه تعالى ، ولا لقلقة اللسان.

(١) هذا شروع في بيان المحذورين المتقدمين.

(٢) أي : الشامل للواجب والممكن ، وحينئذ لا يلزم شيءٌ من المحذورين.

(٣) والمقابل للانكشاف الّذي هو معنى العلم عدم الانكشاف المعبر عنه بالجهل ، فمعنى العالم حينئذ هو الجاهل ، وهل يمكن التفوه به؟

(٤) معطوف على قوله : «امّا أن نعني» وهو بيان للمحذور الثاني أعني كون الصفات الجارية عليه تعالى ألفاظا بلا معنى.

٣٤٩

فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها (١) بلا معنى كما لا يخفى (*) (والعجب) أنّه (٢) جعل ذلك (٣) علّة لعدم صدقها (٤) في حق غيره ، وهو كما ترى (٥). وبالتأمل فيما

______________________________________________________

(١) أي : الصفات بلا معنى ، وضمير ـ كونها ـ المتقدم يرجع إلى ـ الصفات ـ أيضا.

(٢) يعني صاحب الفصول.

(٣) أي : النقل ، حيث قال في الفصول بعد عبارته المتقدمة فيما يتعلق بالأمر الرابع ما لفظه : «ولهذا لا تصدق في حق غيره» ـ انتهى ـ وغرضه : أنّ المشتق بذلك المعنى الّذي يصدق عليه سبحانه وتعالى لا يصدق على غيره ، بل صدقه على غيره جلّ وعلا يكون بنحو الاثنينية ، لا الاتحاد والعينية.

(٤) أي : الصفات ، فإنّها لا تصدق في حق غير الباري تعالى بذلك المعنى.

(٥) هذا ردّ على الفصول المنكر لصدق الصفات ـ كالعالم والقادر ونحو ذلك ـ على المخلوق بالمعنى الّذي تطلق عليه جل شأنه.

__________________

(*) الإنصاف عدم ورود شيء من المحذورين اللّذين ذكرهما المصنف (قده) على صاحب الفصول (ره) أصلا ، لأنّه اعتبر في قيام المبدأ بالذات الجامع بين الحلولي والصدوري ، ولمّا كان هذا السنخ من القيام ممتنعا فيه سبحانه وتعالى التزم الفصول بالنقل أو التجوز بمعنى إرادة معنى من العلم والقدرة مثلا يكون عين ذاته عزوجل ولا يكون زائدا عليها ، كما يكون زائدا في الممكن.

فجواب الفصول حينئذ بلزوم الجهل أو كون الصفات لقلقة اللسان غير مناسب ، بل جوابه عدم انحصار قيام المبدأ بالذات بالصدوري والحلولي ، وأنّ التلبس به بنحو العينية أيضا نحو قيام ، فتدبّر.

٣٥٠

ذكرنا (١) ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين (٢) والمحاكمة (٣) بين الطرفين ، فتأمل (٤).

______________________________________________________

وحاصل الرد هو : أنّ جري المشتق على الله تعالى ليس إلّا كجريه علينا ، لما نرى من عدم إعمال عناية في إطلاق المشتق عليه عزوجل بل معنى المشتق على كل تقدير واحد ، وجريه على كل من الواجب والممكن يكون على نهج واحد من دون تفاوت بينهما إلّا في كيفية التلبس كما عرفت.

(١) من اعتبار قيام المبدأ بالذات بأحد أنحائه في صدق المشتق على نحو الحقيقة.

(٢) أي : المثبتين لاعتبار قيام المبدأ بالذات من دون واسطة في العروض في صدق المشتق على نحو الحقيقة ، والنافين لذلك ، وقد ظهر خلل أدلة الطرفين من التحقيق الّذي أفاده المصنف بقوله : «والتحقيق أنّه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب ... إلخ».

(٣) معطوف على ـ الخلل ـ تقريب المحاكمة بنحو يكون النزاع لفظيا هو أن يقال : إنّ مراد القائلين بالاعتبار هو التلبس بأيِّ نحو من أنحائه المتقدمة ، ومراد القائلين بعدم اعتباره هو : عدم اعتباره بمعنى خاص وهو الحلول ، فلا نزاع حينئذ ، لأنّ المنفي هو خصوص القيام الحلولي والمثبت هو القيام في الجملة.

(٤) لعله إشارة إلى ضعف المحاكمة ، وأنّ النزاع معنوي ، لأنّ من المثبتين من يعتبر القيام الحلولي بالخصوص كالأشعري ، ولذا التجئوا إلى إثبات الكلام النفسيّ لئلا يلزم كونه تعالى شأنه محلا للحوادث ، إذ الكلام بمعناه المعروف من الحوادث ، والقيام الحلولي يستلزم كون ذاته المقدسة محلا لها ، فالتزموا بأنّ المراد بالكلام في قولنا : «الله تعالى متكلم» معنى قديم بالذات.

٣٥١

(السادس) : الظاهر أنّه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدإ حقيقة بلا واسطة في العروض (١) كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبس به (٢) ولو مجازا ، ومع هذه الواسطة (٣) كما في الميزاب الجاري (*) ، فإسناد

______________________________________________________

(١) غرضه من عقد هذا الأمر هو : أنّ صدق المشتق على نحو الحقيقة لا يتوقف على كون إسناد المبدأ إلى الذات حقيقيا كما في ـ الماء جار ـ ، حيث إنّ إسناد الجريان إلى الماء حقيقي وإسناد إلى ما هو له كما هو واضح ، بل (لو كان) إسناد المبدأ إلى الذات مجازيا وإلى غير ما هو له كما في قولنا : «الميزاب جار» و «جالس السفينة متحرك» ، حيث إنّ إسناد الجريان إلى الميزاب والحركة إلى جالس السفينة مجازي ، لكونه إسنادا إلى غير ما هو له (لما كان) مضرّا بصدق المشتق على الذات حقيقة وإن كان إسناد المبدأ مجازا ، وإنّما المضرّ هو المجاز في الكلمة ، لكون اللفظ حينئذ مستعملا في غير الموضوع له ، بخلاف المجاز في الإسناد ، فإنّ الألفاظ مستعملة في معانيها الحقيقية ، والمجازية إنّما تكون في الإسناد ، وهي لا توجب المجاز في الكلمة ، فالمشتق مثل المتحرك والجاري في المثالين المذكورين قد استعمل في معناه الموضوع له.

(٢) أي : بالمبدإ ولو مجازا في الإسناد خلافا للفصول ، حيث اعتبر في صدق المشتق الإسناد الحقيقي.

(٣) أي : الواسطة العروضية.

__________________

(*) في كون الماء واسطة عروضية لاتصاف الميزاب بالجريان إشكال ، لأنّ ضابط ذلك كما قيل هو : أن يكون الواسطة عرضا لذيها كالحركة المعروضة للشدة والسرعة ، إذ يصح حينئذ أن يقال : «الجسم شديد أو سريع بواسطة الحركة» لأنّ عارض العارض عارض ، وهذا بخلاف العارض لشيء مباين ، كعروض الجريان

٣٥٢

الجريان إلى الميزاب وإن كان إسنادا إلى غير ما هو له وبالمجاز إلّا أنه (١) في الإسناد لا في الكلمة ، فالمشتق في مثل المثال بما هو مشتق (٢) قد استعمل في معناه الحقيقي (٣) وإن كان مبدؤه مسندا إلى الميزاب بالإسناد المجازي ، ولا منافاة بينهما (٤) أصلا كما لا يخفى ، ولكن ظاهر الفصول بل

______________________________________________________

(١) أي : إلّا أنّ المجاز في الإسناد كما عرفت في المثالين المتقدمين.

(٢) يعني : كما هو مفروض البحث ، حيث إنّ المبحوث عنه في مبحث المشتق هو وضع هيئته لخصوص حال التلبس أو الأعم ، وأمّا كيفية ثبوت المبدأ للذات وأنّها بنحو الحقيقة في الإسناد أم المجاز فيه فهي خارجة عن حريم هذا البحث.

(٣) وهو ذات ثبت له الجري مثلا على القول بالتركيب وإن كان مبدؤه وهو الجري مسندا إلى الميزاب بالإسناد المجازي ، نظير إسناد الإنبات إلى الربيع مع استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية وعدم لزوم مجاز في الكلمة ، بل المجاز إنّما هو في الإسناد أي إسناد الإنبات إلى الربيع ، حيث إنّ المنبت للبقل حقيقة هو الله تعالى شأنه لا الربيع ، ففي مثال ـ الميزاب جار ـ لم يستعمل المشتق وهو ـ جار ـ إلّا في ذات ثبت له الجري وهو المعنى الحقيقي للمشتق ، إلّا أنّ ثبوت الجريان للميزاب يكون بنحو المجاز في الإسناد ، فلا يلزم المجاز في الكلمة أصلا.

(٤) أي : بين استعمال المشتق في معناه الحقيقي وبين الإسناد المجازي كما عرفت في مثال ـ أنبت الربيع البقل ـ في استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية مع لزوم المجاز في الإسناد.

__________________

للماء المباين للميزاب ، فلا يعد الجريان وصفا للميزاب لا بلا واسطة ولا معها ، ولكن يصح إسناد الجريان إلى الميزاب مجازا ، وبهذا الاعتبار يصير الميزاب متلبسا بالجريان بلا واسطة في العروض.

٣٥٣

صريحه (١) اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة ، وكأنه من باب الخلط (٢) بين المجاز في الإسناد والمجاز في الكلمة وهذا (٣) هاهنا (٤) محل الكلام بين الأعلام والحمد لله وهو خير ختام.

______________________________________________________

(١) حيث قال فيه : «وإنّما قلنا : من دون واسطة في المقام احترازا عن القائم بواسطة» انتهى ، فإنّ قيام الجريان بالميزاب يكون بواسطة الماء وهي الواسطة في العروض.

(٢) هذا الخلط مبني على أن يكون مراد الفصول من الصدق استعمال المشتق في معناه ، إذ لا يعتبر حينئذ التلبس بالمبدإ حقيقة ، بخلاف الإسناد الحقيقي ، فإنّه يعتبر فيه التلبس بالمبدإ حقيقة ، فوقع خلط بين الاستعمال الحقيقي والإسناد الحقيقي ، والمراد بالخلط : أنّ الفصول اعتبر التلبس الحقيقي بالمبدإ في مقام الاستعمال مع أن ذلك غير معتبر فيه ، بل التلبس الحقيقي معتبر في الإسناد الحقيقي.

(٣) يعني : والمجاز في الكلمة لا المجاز في الإسناد ، وهذا لا يستلزم المجاز في الكلمة.

(٤) يعني : في مبحث المشتق (*).

__________________

(*) لا يخفى أنّ هنا مقامين :

أحدهما استعمال اللفظ ـ أي المشتق ـ في معناه الموضوع له.

ثانيهما تطبقه على موضوعه كحمل الجاري وجريه على الميزاب في قولنا :

«الميزاب جار» ويعبّر عن الأوّل بالاستعمال وعن الثاني بالإسناد تارة والصدق أخرى ، فان كان نزاعهما في الأوّل فالحق مع المصنف ، لعدم استلزام المجاز في الإسناد والتطبيق للتجوز في كلمة المشتق ، إذ يمكن أن يكون الاستعمال في المعنى

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الحقيقي مع كون الإسناد مجازياً ، وان كان نزاعهما في الثاني فالحق مع الفصول ، إذ لا شك في إناطة كون إسناد المشتق إلى شيءٍ على وجه الحقيقة بتلبس ذلك الشيء بالمبدإ حقيقة ، كإسناد الجريان إلى الماء ، فإنّ تلبس الماء حقيقة بالجريان يوجب كون إسناده إليه على سبيل الحقيقة. وظاهر كلام الفصول هو الثاني ، لتعبيره بالصدق الظاهر في الانطباق والإسناد ، والمصنف لمّا حمل كلام الفصول على الأوّل ـ أعني الاستعمال ـ أورد عليه بما ذكره ، لكن الإنصاف ظهور عبارة الفصول في الثاني أعني الإسناد ، فلا يرد عليه ما أفاده المصنف.

وبالجملة : فإيراد المصنف وارد على الفصول إن أراد الاستعمال ، لكنه خلاف ظاهر عبارته كما عرفت ، وغير وارد عليه إن أراد الإسناد كما هو ظاهر عبارته.

والمتحصل : أنّ الاستعمال غير الإسناد ، والمجاز في الثاني لا يستلزم المجاز في الأول ، والاستعمال الحقيقي لا يتوقف على التلبس بالمبدإ حقيقة ، بخلاف الإسناد الحقيقي ، فإنّه يتوقف على ذلك ، ولا ينبغي الإشكال حينئذٍ ، فالحق أنّ الفصول لم يخلط بين الاستعمال وبين الإسناد ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الإسناد الحقيقي منوط بكون الموضوع متلبساً بمبدإ المشتق حقيقة ، هذا.

(تذييل) يتضمن أمرين :

الأول : أنّه هل يكون بحث المشتق من المسائل الأصولية أم لا؟ كما هو قضية تعرضهم له في المقدمة دون المقاصد.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الثاني : أنّه هل يترتب على هذا المبحث ثمرة عملية أم لا؟.

(أمّا الأوّل) فحاصل الكلام فيه : أنّهم لم يذكروا بحث المشتق في المقاصد بل ذكروه في المقدمة نظراً إلى خروجه عن المقاصد ، لعدم انطباق ضابط المسألة الأصولية عليه ، حيث إنّها كبرى لقياس ينتج حكماً كلياً فرعياً كقولنا : «صلاة الجمعة ما أخبر بوجوبه العادل ، وكلّما كان كذلك فهو واجب» ، أو «هذا ما علم سابقاً بوجوبه وشك فيه لاحقاً وكلما كان كذلك فهو واجب» ، أو «هذا مما لم يرد على حرمته أو وجوبه بيان ، وكلّما كان كذلك فهو مما لا حرج فيه عقلا» ، وهذا الضابط لا ينطبق على المشتق ، إذ شأنه إحراز موضوع الحكم لا نفسه. وهذا بخلاف مباحث العام والخاصّ والمطلق والمقيد ، فإنّ نتيجة هذه المباحث على ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) : «وإن لم تكن استنباط ذات الحكم ، ولكن من المعلوم أنّه يستفاد منها كيفية تعلق الحكم بموضوعه ، كما أنّ مبحث المفاهيم أيضا موضوع لبيان سنخ إناطة الحكم بشيء ، فهو أيضا من أنحاء وجود الحكم وثبوته ، وهذا بخلاف المسائل الأدبية ، فإنّها ربما تقع في طريق استنباط موضوع الحكم بلا نظر فيها أصلاً إلى كيفية تعلق حكمه. ومن هذا البيان ظهر أيضا وجه خروج المشتق من المسائل ، إذ شأنه ليس إلّا إحراز موضوع الحكم لا نفسه ، لا بذاته ولا بكيفية تعلقه بموضوعه. ومن هنا ظهر أيضا وجه خروج مسائل علم الرّجال عن المسائل الأصولية ، لكونها أيضا كمبحث المشتق وسائر العلوم الأدبية واقعة في طريق استنباط الموضوع ، لا نفس الحكم ، ولا لكيفية تعلقه بموضوعه ، بل شأنه إثبات موضوع الحكم محضاً من كون السند موثوقاً به كي يشمله أدلة التعبد به» انتهى

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

موضع الحاجة من كلام شيخنا المحقق العراقي قدس‌سره.

أقول : أمّا جعل المسألة الأصولية كبرى لقياس الاستنباط ، ففيه :

أنّه لا يخلو عن مسامحة ، فإنّ خبر الثقة مثلا إنّما يكون مسألة أُصولية باعتبار حجيته ، فالمسألة الأصولية هي مجموع الموضوع والمحمول ـ أعني قولنا : خبر الثقة حجة ـ لا الموضوع فقط وهو خبر الثقة ، ومن المعلوم : أنّ المجموع لا يقع كبرى لقياس الاستنباط ، بل الواقع كبرى له هو نفس الخبر كما عرفت في مثال وجوب صلاة الجمعة ، والمسألة الأصولية تكون برهاناً على كبرى قياس الاستنباط ، فلعلّ الأولى تعريف المسألة الأصولية بأنّها هي التي تكون دليلا على كبرى قياس نتيجته حكم كلي فرعي ، ولعلّه يرجع إلى ذلك ما في بعض الكلمات من «أنّ المسائل الأصولية عبارة عن المبادئ التصديقية للمسائل الفقهية» انتهى.

وأمّا إخراج مبحث المشتق عن المسائل الأصولية ببيان : أنّ شأنه ليس إلّا إحراز موضوع الحكم لا نفسه لا بذاته ولا بكيفية تعلقه بموضوعه ، ففيه :

أنّه بعد البناء على تعميم الحكم المستنبط من المسألة الأصولية لذاته ولكيفية تعلقه بموضوعه لا يبقى فرق بين المشتق وبين العام والخاصّ والمطلق والمقيد ، ضرورة أنّ العام كما يتضمن كيفية تعلق الحكم وهي تشريعه على وجه العموم ، والمطلق يتضمن ثبوت الحكم مستمراً وغير مقيد بحال دون حال كما هو شأن الإطلاق الأحوالي والأزماني ، كذلك المشتق ، فإنّه يدلّ على ثبوت الحكم منوطاً ببقاء المبدأ ـ بناءً على وضعه للأخص ـ وثبوته مستمراً بناءً على وضعه للأعم ، فالمشتق دخيل في كيفية تعلق الحكم بموضوعه كدخل العام والخاصّ وأضرابهما في كيفية تعلق الحكم بموضوعه

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فتلخص مما ذكرناه أمران :

الأوّل : أنّ المسألة الأصولية عبارة عن دليل كبرى قياس استنباط الحكم الكلي الفرعي.

الثاني : أنّ بحث المشتق ـ بناءً على تعميم الحكم المستنبط من المسألة الأصولية وشموله لكيفية تعلقه بموضوعه ـ يندرج في المسائل الأصولية ، فينبغي إدراجه في مقاصد الفن لا ذكره في مقدمته.

(وأمّا الأمر الثاني) فمحصله : أنّه قيل بترتب الثمرة على بحث المشتق في موارد :

أحدها : كراهة البول تحت الشجرة التي لا ثمرة لها فعلاً مع كونها ذات ثمرة قبل ذلك ، فإنّه بناءً على وضع المشتق للأعم مكروه ، وعلى القول بوضعه للأخص غير مكروه. ويمكن أن يقال : إنّ الإثمار للشجرة من قبيل الاجتهاد والعدالة وغيرهما من الملكات لذوي العقول ، فانقضاؤها منوط بزوال الشأنية ، فتلبس الشجرة بالإثمار عبارة عن بقاء استعدادها له ، فلا يعتبر في تلبسها به فعلية الإثمار ، فما دامت الشجرة مستعدة له يصدق عليها الشجرة المثمرة ، فيكره البول تحتها ، فثمرة بحث المشتق حينئذٍ تظهر بعد زوال استعدادها للإثمار ، هذا.

أقول : الروايات وإن كانت مشتملة على الشجرة المثمرة كرواية الحسين ابن زيد عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام في حديث المناهي قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبول تحت شجرة مثمرة» وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث آخر «وكره أن يحدث

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الرّجل تحت شجرة مثمرة قد أينعت» ـ يعني أثمرت ـ ، وعلى مساقط الثمار كمرفوعة علي بن إبراهيم قال : «خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبو الحسن موسى عليه‌السلام قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة : يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟

فقال : اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال» الحديث ، لكن في بعضها كخبر السكوني : «أو تحت شجرة فيها ثمرتها» وفي بعضها الآخر كالمروي عن العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يضرب أحد من المسلمين خلاء تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها قال : ولذلك تكون النخلة والشجرة أنساً إذا كان فيه حمله ، لأنّ الملائكة تحضره» وظهورهما خصوصاً الثاني في كون الشجرة ذات ثمرة فعلاً مما لا ينكر ، فدعوى كون موضوع الحكم بالكراهة هو خصوص الشجرة المثمرة فعلاً كما أفتى به جماعة من المتأخرين على ما في ـ هو ـ قريبة جداً.

إلّا أن يقال : إنّ كلًّا من الإثمار الفعلي والشأني موضوع للحكم ، كما ربما يستفاد ذلك من المروي في الفقيه كون الملائكة موكّلين بالأشجار حال عدم الثمرة أيضا ، فلاحظ وتأمل.

ثانيها : كراهة الوضوء والغسل بالماء المشمس بعد برده وكراهة غسل الميت بالماء المسخن بعد برودته ، فإنّ الحكم بالكراهة بعد ارتفاع السخونة مبني على وضع المشتق للأعم وعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق.

ثالثها : ما إذا جعل عنوان خاص موقوفاً عليه كسكان بلدة كذا أو طلاب مدرسة كذا ، وأعرضوا عن تلك البلدة أو المدرسة ، فإنّ جواز إعطائهم حينئذٍ

٣٥٩

المقصد الأول (*) في

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

من عوائد الموقوفة وعدمه مبني على بحث المشتق.

رابعها : عنوان الجلّال العارض للحيوان المأكول اللحم ، فإنّه إذا زال عنه عنوان الجلل يمكن النزاع في بقاء حكمه بناءً على وضع المشتق للأعم ، وعدمه بناءً على وضعه للأخص ، لكن ثبت بالنص والإجماع كون استبراء الحيوان الجلّال في المدة المضبوطة في كل حيوان موجباً لزوال حكم الجلل عنه ، وعود الأحكام الثابتة له قبل جلله ، فهذا المثال فرضي.

خامسها : الدار التي يشتريها المكتسب في أثناء سنة الاكتساب لسكناه ثم تخرج عن هذا العنوان ، لحصول سكنى دار أُخرى له ، كما إذا جعل له سكنى دار مطلقاً كأن يقول له مالك الدار : «أسكنتك داري» ، أو مقيداً بعمر أحدهما كأن يقول له المالك : «لك سكنى داري مدة حياتك أو حياتي» ، أو بزمان خاص كأن يقول له : «لك سكنى داري سنة أو سنتين أو أكثر».

وبالجملة : فإذا جعل له سكنى دار بأحد الأنحاء الثلاثة من السكنى والعمرى والرقبى وصار بذلك غنياً عن الدار التي اشتراها للسكنى وعدت من المئونة ، فهل تبقى على حكمها وهو عدم وجوب تخميسها بناءً على وضع المشتق للأعم ، إذ المفروض صدق المئونة عليها قبل الاستغناء عنها أم لا؟ فيجب إخراج خمسها بناءً على وضع المشتق للأخص. وعليك بالتأمل فيما ذكرناه من الأمثلة التي فرعوها أو يمكن تفريعها على المشتق ، فإنّ للتكلم فيها مجالاً واسعاً ، ولما لم يكن التعرض لها إلّا لمزيد اطلاع الناظر أوكلنا تحقيق الحق فيها إليه ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وآله الأئمة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

(*) اعلم : أنّ الأصوليين قد جرى ديدنهم بعد ذكر جملة من المباحث

٣٦٠