منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

فتظهر في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية ـ مع عدم الثبوت ـ وعلى معانيها الشرعية على الثبوت فيما إذا عُلم تأخر الاستعمال (١) ، وفيما إذا جهل التاريخ (٢) ففيه إشكال (٣) ، وأصالة (٤) تأخر

______________________________________________________

بعده؟ فهل تحمل على المعاني اللغوية ، لأصالة تأخر الوضع عن الاستعمال ، أو أصالة عدم النقل إلى زمان استعمالها ، أم تحمل على المعاني الشرعية ، لأصالة تأخّر الاستعمال عن الوضع؟ فيه إشكال سيأتي.

(١) أي : تأخر الاستعمال عن النقل إلى المعاني الشرعية.

(٢) أي : تاريخ الاستعمال ، وأنّه هل كان قبل النقل إلى المعاني الشرعية لتحمل على المعاني اللغوية ، أم بعده لتحمل على المعاني الشرعية؟.

(٣) من أصالتي تأخر الوضع وعدم النقل إلى زمان استعمالها ، فتحمل على المعاني اللغوية ، ومن أصالة تأخر الاستعمال عن الوضع ، فتحمل على المعاني الشرعية ، كما مر آنفاً.

(٤) غرضه : عدم جواز حملها على المعاني الشرعية اعتماداً على أصالة تأخر الاستعمال ، لوجهين :

الأول : أنّها معارضة بأصالة تأخر الوضع الموجبة لحمل الألفاظ على المعاني اللغوية.

الثاني : أنّه مع الغض عن المعارضة المذكورة لا دليل على اعتبار أصالة تأخر الحادث في نفسها أصلا ، إذ لو أُريد بها الاستصحاب الشرعي بأن يستصحب عدم الاستعمال إلى زمان الوضع ، ففيه : أنّه يكون مثبتاً ، وذلك لأنّ وصف تأخر الحادث ـ وهو تأخر الاستعمال عن الوضعِ ـ لازم عقلي للمستصحب ، وهو عدم تحقق الاستعمال إلى زمان الوضع ، والمفروض : أنّ الأثر ـ وهو الحمل على

١٠١

الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع لا دليل على اعتبارها تعبداً إلّا على القول بالأصل المثبت ، ولم يثبت بناء من العقلاء على التأخر مع الشك (١) ، وأصالة عدم النقل (٢) إنّما كانت معتبرة في ما إذا شك في أصل النقل ، لا في تأخره ،

______________________________________________________

المعاني الشرعية ـ لا يترتب على نفس المستصحب ، بل على لازمه العقلي ، وهو تأخر الاستعمال عن الوضع ، وقد قرر في محله عدم حجية الأصل المثبت ، ولو أُريد بها الأصل العقلائي أي بناؤهم على ترتيب آثار التأخر عن الحادث الّذي شك في تقدمه وتأخره ، فان ثبت هذا البناء منهم فلا كلام ، وإلّا فلا وجه لاعتباره ، والشك في اعتباره كافٍ في القطع بعدم الثبوت.

(١) فعلى هذا لا يمكن حمل تلك الألفاظ الواقعة في كلام الشارع على المعاني الشرعية مع الشك في تقدم استعمالها على نقلها عن المعاني اللغوية إلى الشرعية ، وتأخره عنه.

(٢) غرضه : تضعيف احتمال حمل الألفاظ على معانيها اللغوية اعتماداً على أصالة عدم النقل مع الشك في تقدم استعمال الشارع لها على الوضع وتأخره عنه ، بأن يقال : إنّه يشك في نقل الألفاظ عن معانيها إلى المعاني الشرعية قبل هذا الاستعمال أو بعده ، فيستصحب عدم النقل فتحمل على معانيها اللغوية.

وجه الضعف : أنّ أصالة عدم النقل لم يثبت اعتبارها إلّا في أصل النقل بمعنى أنّه إذا شك في نقل لفظ عن معناه إلى معنى آخر ، فحينئذٍ يجري فيه الأصل ، وأمّا إذا علم بالنقل وشك في تاريخه ، فلم يثبت اعتبار أصالة عدم النقل فيه ، والمفروض في المقام هو الجهل بتاريخ النقل لا بأصله (*) فيعامل مع تلك الألفاظ معاملة المجمل.

__________________

(*) الظاهر عدم الفرق في حجية أصالة عدم النقل بين الشك في أصل النقل وتاريخه ، فسقوطها إنّما هو للمعارضة ، لا لعدم حجيتها في الجهل بتاريخ النقل.

١٠٢

فتأمل (١).

(العاشر) أنّه وقع الخلاف في أنّ ألفاظ العبادات أسامٍ لخصوص الصحيحة أو الأعم منها؟ وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أُمور :

(منها) أنّه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية (٢) وفي جريانه (٣) على القول بالعدم (٤) إشكال (٥) ، وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره (٦)

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى أنّه لا فرق في اعتبار أصالة عدم النقل بين الجهل بأصل النقل ، وبين الجهل بتاريخه مع العلم بأصله. أو إشارة إلى سقوط الثمرة المذكورة ، لما عن بعض المتتبعين من العلم بكون هذه المعاني الشرعية مرادة للشارع في جميع الاستعمالات ، سواء أكان استعمالها قبل النقل أم بعده ، فلا يبقى مورد للشك في المراد الاستعمالي من هذه الألفاظ حتى تترتب عليه هذه الثمرة.

(٢) لوضوح صحة أن يقال : إنّ ألفاظ العبادات هل وضعها الشارع لخصوص الماهيات الصحيحة أم لما يعمّ الفاسدة؟ وهذا الخلاف لا ينافي مطلوبية خصوص الصحيحة شرعاً ، لأنّ النزاع هنا في التسمية لا في متعلق الأمر الشرعي.

(٣) أي : في جريان الخلاف.

(٤) أي : عدم ثبوت الحقيقة الشرعية.

(٥) لاعتراف الأعمي ـ لو ثبت لديه أنّ الشارع استعملها مجازاً في الأعم ـ بصحة استعمالها مجازاً في الصحيحة أيضا ، واعتراف الصحيحي ـ أيضا لو ثبت لديه أنّه استعملها مجازاً في الصحيح ـ بصحة الاستعمال المجازي في الفاسدة أيضا ، فلا يتصور حينئذٍ بينهما نزاع ، ولكن مع ذلك قيل بإمكان تصويره.

(٦) أي : تصوير الخلاف ، توضيحه : أنّ المنسوب إلى شيخنا الأعظم الأنصاري قدس‌سره في تقريب النزاع ـ بناءً على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ـ هو :

١٠٣

أنّ النزاع وقع على هذا (١) في أنّ الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازاً في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم ، بمعنى أنّ أيّهما (٢) قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء ، وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته؟ ، كي ينزل كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة أُخرى معينة للآخر (٣) ، وأنت خبير بأنّه لا يكاد يصح هذا (٤) إلا إذا

______________________________________________________

أنّ العلاقة المجازية هل اعتبرت ابتداءً بين المعاني اللغوية وبين المعاني الشرعية الصحيحة ، ثم استعملت ألفاظ العبادات فيما يعم الفاسدة بالتبع والمناسبة ليكون من قبيل سبك مجاز في مجاز؟ ، أم اعتبرت ابتداءً بينها وبين المعاني الشرعية الجامعة بين الصحيحة والفاسدة؟ فعلى الأوّل تحمل الألفاظ مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة معينة لأحد المعنيين على الصحيحة ، وعلى الثاني تحمل كذلك على الأعم.

(١) أي : على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، فنزاع الصحيح والأعم يجري على كل من القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه.

(٢) يعني : أيّاً من الصحيح والأعم ، فان لوحظت العلاقة بين المعنى اللغوي وبين الصحيح ، فاستعمالها في الأعم محتاج إلى مئونة زائدة ، وان لوحظت بينه وبين الأعم ، فاستعماله في الصحيح كذلك.

(٣) يعني : عدم قرينة معيِّنة للمعنى الآخر الّذي لم يلاحظ العلاقة ابتداءً بينه وبين المعنى اللغوي ، وهذه القرينة غير القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي.

(٤) أي : هذا التصوير ، فإنّه وإن كان بحسب الثبوت ممكناً ، لكنه لا يُجدي في مقام الإثبات حتى تحمل الألفاظ على أحد المعنيين بالخصوص ، بل لا بد في ترتيب الأثر المقصود ـ وهو : حمل الألفاظ على خصوص أحد المعنيين ـ من

١٠٤

علم أنّ العلاقة إنّما اعتبرت كذلك (١) ، وأنّ بناء الشارع في محاوراته استقر عند عدم نصب قرينة أُخرى (٢) على إرادته (٣) بحيث كان هذا (٤) قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أُخرى (٥) ، وأنّى لهم بإثبات ذلك (٦).

وقد انقدح بما ذكرنا (٧) تصوير النزاع على ما نُسب إلى

______________________________________________________

العلم بوقوع هذا التصوير لا مجرد إمكانه ، فما أفاده الشيخ (قده) من التصوير المزبور يجدي في مقام الثبوت دون الإثبات.

(١) يعني : بين خصوص الصحيح أو خصوص الأعم وبين المعنى اللغوي.

(٢) يعني : غير القرينة الصارفة.

(٣) أي : إرادة أحد المعنيين بالخصوص الّذي اعتبرت العلاقة ابتداءً بينه وبين المعنى اللغوي ، فقوله : «على إرادته» متعلق ب ـ استقر ـ ، وضمير ـ إرادته ـ راجع إلى أحد المعنيين.

(٤) يعني : هذا البناء الّذي قد استقر عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٥) الأولى تقديم ـ أخرى ـ على ـ معينة ـ ، كما لا يخفى.

(٦) أي : إثبات هذا البناء من الشارع ، حاصله : أنّه لا دليل لهؤلاء على إثبات البناء المذكور من الشارع ليكون مستنداً لهذا التصوير في مقام الإثبات ، ومجرد إمكانه ثبوتاً لا يسوِّغ المصير إليه إثباتاً. هذا تمام الكلام في تصوير النزاع على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّ استعمال ألفاظ العبادات في المعاني المخترعة مجاز.

(٧) يعني : من تصوير النزاع على القول بعدم الحقيقة الشرعية ظهر (*).

__________________

(*) لم يظهر مما تقدم إلّا تصوير النزاع في نفس ألفاظ العبادات بناءً على إنكار الحقيقة الشرعية ، والبناء على كون استعمالها في الماهيات المخترعة مجازاً ،

١٠٥

الباقلاني (١) ، وذلك بأن يكون النزاع في أنّ قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها إلا بالأُخرى (٢).

______________________________________________________

(١) من أنّ ألفاظ العبادات لم تستعمل في المعاني الشرعية ، بل استعملت في معانيها اللغوية ، وأنّ المعاني الشرعية أُريدت بالقرائن من قبيل تعدُّد الدال والمدلول ، بأن استعمل الشارع لفظ الصلاة في معناه اللغوي ، وأراد الخصوصيات التي اعتبرها في متعلق الأمر بها من دوال أُخرى ، بيان ذلك : أنّ النزاع كما يتصور بناءً على نفي الحقيقة الشرعية ، وكون الاستعمال في المعاني المخترعة مجازاً كذلك يتصور بناءً على مذهب الباقلاني ، غاية الأمر : أنّ مركز النزاع حينئذٍ هو القرائن الدالة على المعاني الشرعية ، لا نفس الألفاظ المستعملة في الماهيات المخترعة مجازاً ـ بناءً على إنكار الحقيقة الشرعية ـ بأن يقال : إنّ القرينة الدالة على الخصوصيات الزائدة على المعنى اللغوي هل تدل على الخصوصيات الصحيحة أم الأعم منها؟ فمحل النزاع تلك القرائن لا نفس ألفاظ العبادات.

(٢) يعني بالقرينة الأُخرى الدالة على خلاف ما تدل عليه تلك القرينة ، كما إذا فرض دلالة القرينة الأُولى على خصوص الصحيح ، فإنّه لا يعدل عنها إلى إرادة الأعم إلا بقرينة أُخرى دالة عليه.

__________________

وأمّا تصويره في القرائن الدالة على الأمور الزائدة التي اعتبرها الشارع في معنى الصلاة لغة ـ كما هو مذهب الباقلاني ـ فلم يظهر مما تقدم ، إلّا أن يكون مراده (قدس‌سره) مثل التصوير المتقدم في نفس ألفاظ العبادات ، وهو وان كان صحيحاً لكنه خارج عن مورد البحث ، فإنّ مورد النزاع في بحث الصحيح والأعم هي ألفاظ العبادات دون غيرها. مضافاً إلى أنّه مجرد فرض ممكن ، ولا دليل على وقوعه ، فالأولى تحرير النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فقط.

١٠٦

الدالة (١) على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الأجزاء والشرائط (٢) ، أو هما (٣) في الجملة ، فلا تغفل.

(ومنها) أنّ الظاهر أنّ الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية (٤) ، وتفسيرها بإسقاط القضاء كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو غير ذلك إنّما هو بالمهم من

______________________________________________________

(١) صفة لقوله : «القرينة المضبوطة».

(٢) وهو معنى الصحيح حتى تختص بالصحيحة.

(٣) أي : الأجزاء والشرائط في الجملة ، وهو معنى الأعم من الفاسد حتى يثبت كونها للأعم.

(٤) غرضه : التنبيه على عدم اختلاف في معنى الصحة ، وأنّ اختلاف التعبيرات عنها لا يرجع إلى اختلاف في مفهومها ، بل لمّا كانت الأغراض مختلفة عبّر كلٌّ عن الصحة بلازمها الموافق لغرضه ، والاختلاف في التعبير عن اللازم لا يوجب اختلافاً في الملزوم ، فنقول : إنّ الصحة معناها التمامية ، لكن لمّا كان غرض الفقيه البحث عن حال فعل المكلف الّذي هو موضوع علمه عرّف الصحة بإسقاط القضاء أو الإعادة أو نظائرهما. (ولمّا كان) غرض المتكلم البحث عما يرجع إلى المبدأ وصفاته وأفعاله التي منها أوامره ونواهيه ، وموافقتها الموجبة لاستحقاق المثوبة ومخالفتها الموجبة لاستحقاق العقوبة (عرّف) الصحة بموافقة الأمر أو الشريعة ، وهكذا عرّفها كلٌّ بما يوافق غرضه ، ومن المعلوم : أنّ التمامية التي هي معنى الصحة تستلزم سقوط القضاء والإعادة ، وموافقة الأمر أو الشريعة.

وبالجملة : فالصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية من حيث الأجزاء والشرائط ، لا من حيث الأجزاء فقط كما عن الوحيد البهبهاني (قده).

١٠٧

لوازمها (١) ، لوضوح

______________________________________________________

(١) أي : من لوازم الصحة (*).

__________________

(*) مع وحدة معناها. ثم إنّ النسبة بين لازميها ـ وهما إسقاط القضاء وموافقة الأمر ـ عموم من وجه ، لاجتماعهما في صلاة المختار ، فإنّها ـ لموافقتها للشريعة وإسقاطها القضاء ـ يترتب عليها هذان الأثران ، وتفارقهما في الصلاة الجهرية التي أخفت فيها جهلاً بالحكم ، أو الإخفاتية التي أجهر فيها كذلك ، فإنّها صحيحة عند الفقيه ، لكونها مسقطة للقضاء ، وفاسدة عند المتكلم ، لعدم موافقتها للأمر ، ولذا قيل باستحقاق العقوبة على ترك الجهر أو الإخفات جهلا ، وكذا الإتمام في موضع القصر كذلك ، وفي الصلوات العذرية المحرزة شرائطها بالأمارات الشرعية أو الأصول العملية ، كإتيان الصلاة إلى الجهة التي شهدت البينة بكون القبلة فيها ، أو إتيانها في لباس شهدت البينة بطهارته ، أو بعدم كونه من الحرير للرجل أو مما لا يؤكل ، أو إتيان الصلاة باستصحاب الطهارة الحدثية مع انكشاف الخلاف ، فإنّ الصلاة في هذه الموارد موافقة للأمر والشريعة ، نظراً إلى وجود الأمر الظاهري فيها ، وليست مسقطة في بعض تلك الموارد للقضاء. وبالجملة : فقد يترتب على الصحة أثران ، وقد يترتب عليها أثر واحد ، ومع ذلك لا يختلف معناها وهو التمامية. ثم لا يخفى انّ الفساد في العبادات بناءً على وضعها للصحيح غير الفساد في الأعيان الخارجية كالبطيخ والرمان وغيرهما ، وذلك لأنّ الفساد في الماهيات المخترعة مساوق لعدمها ، لعدم انطباق المسمى بالصلاة مثلا على فاقد جزء أو شرط حقيقة ، وهذا بخلاف البطيخ وأمثاله ، فإنّ عنوانها صادق على الفاسد حقيقة ، كصدقه كذلك على الصحيح. وبالجملة : فالناقص جزءاً أو شرطاً من الماهيات المخترعة ليس من أفرادها حقيقة ، فمرادهم بالفساد عدم انطباق المأمور به على المأتي به الكاشف عن عدم فردية الفاسد للطبيعي المأمور به.

١٠٨

اختلافه (١) بحسب اختلاف الأنظار ، وهذا (٢) لا يوجب تعدّد المعنى ، كما لا يوجبه (٣) اختلافها بحسب الحالات من السفر والحضر والاختيار والاضطرار إلى غير ذلك ، كما لا يخفى (٤). ومنه (٥) ينقدح أنّ الصحة والفساد أمران إضافيان ، فيختلف شيء واحد صحة وفساداً بحسب الحالات ، فيكون تاماً بحسب حالة وفاسداً بحسب أُخرى (٦) ، فتدبر جيداً.

(ومنها) أنّه لا بد (٧) على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو

______________________________________________________

(١) أي : اختلاف المهم من لوازم الصحة بحسب اختلاف الأنظار ، كما مر آنفاً.

(٢) أي : وهذا الاختلاف لا يوجب تعدد معنى الصحة.

(٣) أي : كما لا يوجب تعدد معنى الصحة اختلافها بحسب حالات المكلف كالسفر والحضر ، فإنّ صلاة المسافر غير صلاة الحاضر ، والأُولى صحيحة بالنسبة إلى المسافر وباطلة في حق الحاضر ، وكذا الاختيار والاضطرار ، فإنّ الصلاة مع الطهارة الترابية صحيحة للمضطر ، وفاسدة للمختار.

(٤) فإنّ هذه الاختلافات ترجع إلى الاختلاف في المصاديق ، لا إلى الاختلاف في المفهوم أعني التمامية التي هي معنى الصحة.

(٥) أي : ومن اتحاد معنى الصحة عند الكل واختلافه بحسب اختلاف حالات المكلف.

(٦) فإنّ الصلاة عن جلوس صحيحة للعاجز عن القيام ، وفاسدة للقادر عليه ، فالصحة والفساد من الأُمور الإضافية المختلفة بحسب الحالات ، وليستا من الأمور الحقيقية غير المختلفة بحسبها.

(٧) وجه اللابدية هو : التسالم على عدم كون وضع ألفاظ العبادات من

١٠٩

المسمى بلفظ كذا (١) ، ولا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره (٢) ، فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد (٣) يؤثر الكل

______________________________________________________

قبيل وضع المشترك اللفظي ، بأن تكون موضوعة لكل فرد من أفراد المعاني بوضع على حدة ، بل المسلم بينهم أنّها من قبيل المشترك المعنوي ، وأنّ صدق ـ الصلاة ـ مثلا على الأفراد إنّما هو من باب انطباق الكلي على أفراده ، فلا بد من قدر جامع بين الافراد يكون هو المسمى بلفظ الصلاة مثلا ، فتكون نتيجة ذلك أنّ ألفاظ العبادات حينئذٍ من باب الوضع العام والموضوع له العام سواء أقلنا بوضعها للصحيح أم للأعم ، والشاهد على هذه النتيجة هو : نزاعهم في تصوير الجامع على كلا القولين ليكون ذلك الجامع الكلي موضوعاً له ، فإنّ ظاهره التسالم على عمومية الموضوع له واختصاص نزاعهم في تعيينه وعنوانه.

(١) بأن يقال : الموضوع له للفظ الصلاة مثلا هو ذلك الكلّي.

(٢) بحيث تكون الخواصّ والآثار المذكورة في الروايات عناوين مشيرة إلى معنون واحد يكون جامعاً بين الأفراد وإن لم نعرفه بعينه ، لأنّ معرفته بشخصه لا دخل لها في مؤثريته.

(٣) بناءً على قاعدة عدم إمكان صدور الواحد إلا عن الواحد ، وامتناع صدور معلول واحد عن علل متعددة ، وحيث إنّ الأثر المترتب على الصلاة بما لها من الأفراد المتعددة واحد ، فلا بد أن يكون المؤثر فيه أيضا واحداً ، إذ لو كان الأثر الوحدانيّ مستنداً إلى خصوصية كل فرد لزم تأثير العلل المتعددة في معلول واحد ، وهو ممتنع حسب الفرض ، فلا بد من كون المؤثر واحداً ، وهو الجامع المنطبق على جميع الأفراد الصحيحة (*).

__________________

(*) قد أُورد على هذه القاعدة بأنّ موردها هو : ما إذا كان الأثر

١١٠

فيه (١) بذلك الجامع ، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما (٢). والإشكال فيه (٣) بأنّ الجامع لا يكاد

______________________________________________________

(١) أي : في ذلك الأثر الوحدانيّ ، كالنهي عن الفحشاء.

(٢) مثل «ما هو خير موضوع» و «قربان كل تقي» وغيرهما ممّا جُعل اسماً لذلك الجامع الذاتي الّذي به يؤثّر جميع أفراده في ذلك الأثر الوحدانيّ.

(٣) أي : في هذا التصوير ، ثم إنّ هذا الإشكال قد حُكي عن تقريرات بحث شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) ، وحاصله : أنّ هذا الجامع المفروض بين الأفراد الصحيحة إمّا مركب وإمّا بسيط ، ولا يصح الالتزام بشيء منهما ، ضرورة أنّه إن كان مركّباً فلا ينطبق على جميع الأفراد الصحيحة المختلفة زيادة ونقصاً بحسب حالات المكلف ، مثلا إذا فرض كون ذلك الجامع أربع ركعات فهي صحيحة بالنسبة إلى أفراد صلاة الحاضر وفاسدة بالنسبة إلى أفراد صلاة المسافر ، وكذا الحال بالنسبة إلى الصلوات الاضطرارية ، فإنّ القيام جزءٌ لصلاة القادر عليه وليس جزءاً لصلاة العاجز عنه ، فإذا كانت أجزاء الصلاة تسعة مثلا تكون للعاجز عن القيام ثمانية ، فأيُّ مركّب يكون جامعاً بين جميع الأفراد الصحيحة في تمام حالات المكلف بحيث ينطبق بوزان واحد على كل من الفاقد والواجد.

__________________

واحداً شخصياً ، دون ما إذا كان واحداً نوعياً كالنهي عن الفحشاء وغيره المترتب على الصلاة ، فإنّ لهذا الأثر وغيره مراتب متفاوتة بالشدة والضعف ، وليس واحداً شخصياً حتى يلزم وجود جامع بين عللها ، كالحرارة المختلفة عللها من الشمس والنار والحركة ، فقاعدة عدم صدور الواحد إلّا عن الواحد أجنبية عن المقام ، ولو سُلِّم جريان هذه القاعدة في الواحد النوعيّ أيضا فإنّما هو فيما إذا كان المؤثر علة تامة لا مُعدّاً كالمقام ، فإنّ العبادات مُعدّات لآثارها لا علل تامة.

١١١

يكون أمراً مركباً ، إذ كل ما فرض جامعاً يمكن أن يكون صحيحاً وفاسداً لما عرفت (١). ولا أمراً بسيطاً ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون هو عنوان المطلوب

______________________________________________________

(١) من كون الصحة والفساد أمرين إضافيين مختلفين بحسب اختلاف حالات المكلف ، هذا كله إذا كان الجامع مركباً. وان كان بسيطاً فلا يخلو إمّا أن يكون هو عنوان المطلوب ، أو ملزوماً مساوياً له كعنوان المحبوب أو ذي المصلحة أو نحوهما. وكلاهما غير ممكن ، أمّا (الأول) فلما يرد عليه من إشكالات ثلاثة : أحدها : أنّه غير معقول ، لأنّ هذا الجامع الّذي هو عنوان المطلوب المسمى بالصلاة مثلا إنّما يتحقق بتعلق الأمر والطلب به ، وبهذا الاعتبار يكون متأخراً رتبة عن الطلب ، وحيث إنّ الطلب يتعلق به فهو موضوع للطلب ، والموضوع مقدم رتبة على الحكم ، فبهذا الاعتبار يكون متقدماً رتبة على الطلب.

ونتيجة هذا التقريب : أن يكون عنوان المطلوب حين كونه متأخراً متقدّماً ، وهو المقصود بما ذكرناه من عدم المعقولية ، لكونه مستلزماً للدور.

ثانيها : أنّه يستلزم أن يكون لفظ الصلاة مثلا ولفظ المطلوب مترادفين ، ولازم ترادفهما صحة استعمال كل منهما موضع الآخر ، كما في لفظي ـ البشر ـ و ـ الإنسان ـ وغيرهما من الألفاظ المترادفة ، فلا بد حينئذٍ من صحة استعمال لفظ المطلوب مكان الصلاة وبالعكس ، مع عدم التزامهم بذلك ، فهذا كاشف عن عدم كون الموضوع له عنوان المطلوب.

ثالثها : أنّ لازم هذا العنوان البسيط الجامع بين الأفراد الصحيحة عدم جريان البراءة إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته للعبادة ، لكون الشك حينئذٍ في المحصِّل ، إذ لا إجمال في المأمور به وهو العنوان البسيط ، وقد قرر في محله عدم جريان البراءة في المحصل ، فينسد باب البراءة في العبادات ، وينفتح فيها باب الاحتياط ، وهذا خلاف ما اشتهر بينهم من جريان البراءة في العبادات.

١١٢

أو ملزوماً مساوياً له ، والأوّل (١) غير معقول ، لبداهة استحالة أخذ ما لا يأتي إلّا من قبل الطلب في متعلقه ، مع (٢) لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب ، وعدم (٣) جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها ، لعدم الإجمال حينئذٍ (٤) في المأمور به فيها (٥) ، وإنّما الإجمال فيما يتحقق به (٦) ، وفي مثله لا مجال لها (٧) كما حقق في محله ، مع أنّ المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها (٨) في الشك فيها ، وبهذا (٩) يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب

______________________________________________________

(١) وهو كون الجامع عنوان المطلوب.

(٢) إشارة إلى الإشكال الثاني وهو الترادف.

(٣) معطوف على ـ الترادف ـ وهو إشارة إلى الإشكال الثالث أعني انسداد باب البراءة في العبادات.

(٤) أي : حين كون المسمى عنوان المطلوب ، وقوله : «لعدم» تعليل لعدم جريان البراءة ، وقد تقدم تقريبه آنفاً.

(٥) أي : في العبادات.

(٦) أي : فيما يتحقق به المأمور به ، وهو المحصِّل.

(٧) أي : للبراءة ، لكون الشك في محقق المأمور به ومحصِّله ، لا نفسه.

(٨) أي : البراءة ، فإنّهم قائلون بها في الشك في العبادات.

(٩) أي : وبعدم جريان البراءة في العبادات يشكل لو كان الجامع البسيط ملزوم المطلوب أيضا كعنوان المحبوب ، لكون الشك فيه في المحصِّل أيضا ، لا نفس المأمور به (*)

__________________

(*) لا يخفى : أنّ إشكال الترادف أيضا وارد على فرض كون الجامع ملزوم المطلوب. ويمكن أن يقال بعدم لزوم المحذور المذكور من عدم جريان البراءة في

١١٣

أيضا (١) مدفوع (٢) بأنّ الجامع إنّما هو مفهوم واحد منتزع (٣) عن هذه

______________________________________________________

(١) يعني : كورود هذا الإشكال على ما إذا كان الجامع البسيط هو عنوان المطلوب.

(٢) خبر لقوله : «والإشكال» ودفع له ، وحاصله : أنّا نختار الشق الثاني ـ وهو : كون الجامع ملزوماً مساوياً للمطلوب ـ من الشق الثاني ـ وهو : كون الجامع بسيطاً لا مركباً ـ من دون أن يترتب عليه محذور انسداد البراءة في العبادات. توضيحه : أنّ المأمور به (تارة) يكون ممتازاً عن محصّله بحيث لا يتحدان وجوداً ، نظير تغاير وجود المسبب لوجود سببه ، كالطهارة الحدثية ، فإنّها ـ بناءً على كونها حالة نفسانية ـ مغايرة وجوداً لأسبابها من الغسل والوضوء ونحوهما ، وحينئذٍ فإذا شك في دخل شيءٍ جزءاً أو شرطاً في أسباب الطهارة جرت فيه قاعدة الاشتغال دون البراءة. (وأُخرى) يكون متحداً مع محصّله وجوداً كاتحاد الطبيعي مع أفراده ، حيث إنّه لا وجود له إلّا بوجود أفراده ، ففي هذه الصورة لمّا كان المأمور به متحداً مع محصله ، فالشك لا محالة يرجع إلى الشك في دخل شيءٍ في نفس المأمور به ، فتجري فيه البراءة ، فالجامع حينئذٍ هو ما يتحد مع الأفراد المختلفة زيادة ونقصاً ، كصلاة الحاضر والمسافر والصلوات الاضطرارية بمراتبها.

(٣) قد ظهر مما ذكرنا : أنّه ليس المراد بالمنتزع معناه المصطلح ، وهو ما لا وجود له لنفسه وإنّما الوجود لمنشإ انتزاعه.

__________________

أجزاء العبادات وشرائطها وان كان خلاف المشهور ، وذلك لكفاية الإطلاقات المقامية في دفع الشك في الجزئية والشرطية فيها ، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، كما لا يخفى.

١١٤

المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد (١) معها نحو اتحاد (٢) ، وفي مثله (٣) يجري البراءة ، وإنّما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمراً واحداً خارجياً مسبباً عن مركب مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما ، هذا على الصحيح (٤). وأمّا على الأعم ، فتصوير الجامع في غاية الإشكال (٥) ، وما قيل في تصويره أو يقال وجوه :

______________________________________________________

(١) صفة ل ـ مفهوم ـ وضمير ـ معها ـ راجع إلى المركبات.

(٢) وهو اتحاد الكلي مع أفراده.

(٣) أي : وفي مثل المتحد مع الافراد تجري البراءة ، فلا يتوجه قولكم : «بعدم جريان البراءة مع الشك في أجزائها وشرائطها ... إلخ» ، لأنّ مورد عدم جريانها هو : صورة تعدد وجود السبب والمسبب وامتيازهما وجوداً ، لا في مثل المقام مما يتحد المحصِّل مع المأمور به وجوداً ، فإنّ الفرد ليس مقدمة للكلي حتى يكون الشك في طريق الامتثال كي تجري فيه قاعدة الاشتغال ، بل هو عين الكلي ، فيكون الشك في نفس المأمور به ، وهو مجرى البراءة.

(٤) أي هذا الّذي ذكرناه إنّما هو على القول بوضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيحة.

(٥) بل غير معقول ، لعدم تعقل دخل الزيادة والنقص في الجامع ، فإنّه ان كان للزائد دخل في الجامع امتنع أن يكون الناقص فرداً له ، ولمّا كان المفروض انطباق الجامع على الواجد والفاقد معاً كان ذلك ممتنعاً ، لكونه من اجتماع النقيضين ، لأنّ مرجعه حينئذٍ إلى دخل الزائد وعدم دخله في الجامع ، فيلزم أن يكون ماهية واحدة زائدة وناقصة ، وأن يتردّد جنس شيء أو فصله بين شيئين ، مع امتناع التردد في ذاتيات الشيء ودخل الزائد في الفرد بحيث يكون من

١١٥

(أحدها) (١) : أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا ، وكان الزائد عليها معتبراً في المأمور به لا في المسمى (٢).

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها (٣) ، ضرورة صدق

______________________________________________________

خصوصياته ولا يكون دخيلا في الجامع خلاف الفرض ، إذ المبحوث عنه هو المسمى ، أعني الموضوع له المنطبق بهويته على مصاديقه (*).

(١) حكي هذا التصوير عن المحقق القمي (قده) بتفاوت يسير ، وحاصله : أنّ الصلاة مثلا اسم لجملة خاصة ـ كالأركان ـ من أجزاء الماهية المخترعة الشرعية ، فإنّ تلك الجملة جامعة بين الأفراد الصحيحة والفاسدة ، وسائر الأجزاء والشرائط معتبرة في المأمور به ، فانتفاؤها لغير عذر يوجب انتفاء المأمور به ، لا المسمى الّذي هو المبحوث عنه ، والأركان موجودة في جميع الأفراد صحيحة كانت أم فاسدة.

(٢) وهو الموضوع له مع الغض عن كونه مأموراً به.

(٣) أي : مدار الأركان ، وملخص ما أفاده من الإشكال على هذا التصوير يرجع إلى وجهين :

أحدهما : أنّ لازم كون الصلاة اسماً للأركان عدم صدقها على فاقد بعضها

__________________

(*) مضافاً إلى أنّه يلزم أن يكون استعماله في الزائد مجازاً ، إذ المفروض خروج الزيادة عن المسمى ، فيلغو حكمة الوضع ، وأمارات الحقيقة كلها مفقودة ، بل أمارة المجاز ـ وهي : صحة سلب الصلاة عن الأركان الفاقدة لجميع ما عداها من الاجزاء والشرائط ـ موجودة ، فلا سبيل إلى استكشاف كون المسمى مجرد الأركان ، لعدم أثر للفاسد حتى يجري فيه البرهان المتقدم في استكشاف الجامع بين الأفراد الصحيحة.

١١٦

الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان ، بل وعدم الصدق عليها (١) مع الإخلال بسائر الأجزاء والشرائط عند الأعمي ، مع أنّه (٢) يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازاً

______________________________________________________

كالقيام المتصل بالركوع ، وصدقها على واجد الأركان وفاقد جميع ما عداها ، وكلا اللازمين باطل. أمّا الأوّل ، فلعدم كون هذا الجامع حينئذٍ منعكساً ، لوضوح مصداقية فاقد بعض الأركان بل كلها ـ كصلاة الغريق ـ للصلاة ، فلا يكون هذا الجامع منعكساً. وأمّا الثاني ، فلعدم كونه مطّرداً ، لوضوح عدم صدق الصلاة على مجرد الأركان مع فقدان تمام ما عداها من الأجزاء والشرائط ، ومن المعلوم أنّ مقتضى كون المسمى خصوص الأركان صدق الصلاة عليه ، فلا يكون هذا الجامع مطرداً أيضا. وبالجملة : فتخلفه عنها وجوداً وعدماً يكشف عن عدم كون المسمى خصوص الأركان.

(١) أي : على الأركان ، فعدم صدق الصلاة عليها مع الإخلال بغيرها يدل على بطلان هذا القول.

(٢) هذا ثاني وجهي الإشكال على هذا التصوير ، وحاصله : لزوم لغوية الوضع ، حيث إنّ المستعمل فيه ـ أعني المأمور به ـ غير المسمى الّذي وضع له اللفظ ، إذ المفروض أنّ الموضوع له خصوص الأركان ، والمأمور به هو المجموع منها ومن غيرها من الأجزاء والشرائط ، فاستعمال اللفظ في هذا المجموع مجاز من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، وليس من باب إطلاق الكلي على الفرد كما هو المقصود في المقام ، لعدم كون المجموع فرداً لخصوص الأركان بعد وضوح مباينتها لسائر الأجزاء والشرائط ، فكيف تنطبق الأركان عليها انطباق الكليات على أفرادها؟ ، بل من إطلاق الجزء على الكل.

١١٧

عنده (١) ، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، لا من باب إطلاق الكلي على الفرد والجزئي كما هو واضح ، ولا يلتزم به (٢) القائل بالأعم فافهم (٣).

(ثانيها) (٤) : أن تكون موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفاً ، فصدق الاسم كذلك (٥) يكشف عن وجود المسمى ، وعدم صدقه عن

______________________________________________________

(١) أي : عند الأعمي ، لأنّه كالصحيحي يريد بالجامع ما ينطبق على الصلوات ، كسائر الكليات.

(٢) أي : يكون الاستعمال مجازاً ، بل الأعمي مدعٍ لكون الاستعمال في المأمور به حقيقة.

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ المجازية إنّما تلزم بناءً على كون الأركان مقيدة بعدم انضمام شيء معها هي المسماة ، وأمّا إذا كانت لا بشرط ، فتكون منطبقة على الصلاة المأمور بها ، كانطباق المطلق على المقيد ، فتأمل.

(٤) حاصله : أنّ الموضوع له هو معظم الأجزاء سواء أكانت هي الأركان أم غيرها أم المركب منهما ، فصدق الصلاة مثلا وعدمه يدوران مدار وجود ذلك المعظم وعدمه. ومنه يظهر الفرق بين هذا الوجه وسابقه ، لابتناء هذا الوجه على الصدق العرفي المنوط بوجود المعظم ، بخلاف الوجه المتقدم ، لكون المسمى فيه جملة خاصة من الأجزاء من دون إناطة بالمعظم الّذي يناط به الصدق العرفي ، فلا ينفك الصدق العرفي عن المعظم ، ولذا لا يرد على هذا الوجه الإشكال الأوّل الّذي أورده المصنف (قده) على الوجه السابق من عدم الاطراد والانعكاس.

(٥) أي : عرفاً.

١١٨

عدمه. وفيه مضافاً إلى ما أُورد على الأول أخيراً (١) أنّه (٢) عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى ، فكان شيء واحد داخلا فيه تارة وخارجاً عنه أُخرى ، بل (٣) مردداً بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء ، وهو

______________________________________________________

(١) قد أورد على هذا الوجه بوجوه :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «مضافاً» ، وحاصله : أنّ الإشكال الأخير الوارد على الوجه الأوّل جار هنا أيضا ، إذ يلزم أن يكون استعمال اللفظ الموضوع لجملة خاصة من الأجزاء في المأمور به الجامع لتلك الجملة وغيرها مجازاً بعلاقة الكل والجزء ، وأن لا يكون إطلاق الصلاة مثلا على المأمور به من باب إطلاق الكلي على الفرد الّذي هو مطلوب الأعمي من فرض الجامع.

(٢) هذا هو الإشكال الثاني ، وحاصله : عدم تعيّن الجامع وتردده بين أُمور ، فإنّ المعظم الّذي فرض كونه المسمى يكون في صلاة المختار هو النية والتكبيرة والركوع والسجود والقيام والتشهد مثلا ، وفي صلاة العاجز عن القيام هي تلك الأُمور مجردة عن القيام ، فقد يكون معظم الأجزاء ستة ، وقد يكون أكثر ، فشيءٌ واحد تارة يكون داخلا في المعظم الّذي هو المسمى ، وأُخرى يكون خارجاً عنه ، والمفروض صدق لفظ الصلاة على المعظم مطلقاً ، فلا يعلم أنّ التشهد مثلا داخل في المعظم ، أو خارج عنه وأنّ المعظم مركّب من غيره.

وبالجملة : فيصير المسمى بسبب التبادل والتردد مجهولا ، لاختلاف المعظم بحسب حالات المكلف.

(٣) هذا إشكال ثالث على التصوير المزبور ، وحاصله : أنّه يلزم أن يتردد شيء واحد بين دخله في المسمى وعدم دخله فيه ، فلا يعلم حينئذٍ أنّ المعظم مركّب منه ومن غيره ، أو من غيره فقط وهو أجنبي عن المعظم ، وذلك كالقيام أو

١١٩

كما ترى (١) ، سيما إذا لوحظ هذا (٢) مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.

(ثالثها) أن يكون وضعها كوضع الاعلام الشخصية ـ كزيد ـ (٣)

______________________________________________________

القراءة مثلا عند اجتماع تمام الأجزاء والشرائط ـ كما في صلاة المختار ـ ، وهذا الإشكال غير الإشكال المتقدم ، لأنّ ما قبله ناظر إلى العلم بدخل شيءٍ واحد في المسمى بحسب حالة وعدم دخله فيه بحسب أُخرى ، وهذا ناظر إلى الجهل بالمعظم فيما إذا اجتمعت الأجزاء والشرائط.

(١) لأنّ التردد والجهل خلاف حكمة الوضع وهي إفهام الأغراض ، فإنّ تعين الموضوع له والعلم به معتبر في إفهامها.

(٢) أي : التبادل ، يعني : أنّ إشكال التردد مما لا محيص عنه ـ بناءً على اختلاف حالات المكلف الموجبة لاختلاف الصلاة كمّاً وكيفاً ـ ومع هذا الاختلاف تتغير ذاتيات المسمى الّذي هو الجامع بين الأفراد ، مع أنّ الذاتيات لا تتغير ولا تتبدل.

(٣) توضيحه : أنّه يمكن أن يكون وضع ألفاظ العبادات كوضع الاعلام الشخصية في عدم قدح تبادل الحالات في التسمية ، فكما أنّ ـ زيداً ـ مثلاً إذا وضع لشخص لا يقدح في تسميته به تبادل حالاته المختلفة كصغره وكبره وفقره وغناه وصحته ومرضه وغير ذلك من الحالات المتبادلة ، فكذلك ألفاظ العبادات بالنسبة إلى مسمياتها ، فيكون المسمى بلفظ الصلاة مثلا كالمسمى بلفظ ـ زيد ـ فكما لم يقدح اختلاف حالات مسماه في تسميته به كذلك لا يقدح اختلاف مسمى الصلاة بحسب اختلاف حالات المكلف من السفر والحضر والقدرة والعجز ونحوها في تسميته بها في عدم قدح اختلاف الصلاة بحسب اختلاف حالات المكلف من السفر والحضر والصحة والمرض وغير ذلك في التسمية.

١٢٠