منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والوجه في التحريم ما أشار إليه في الشرائع من أنّ المرضعة صارت بالرضاع أمّ من كانت زوجته فتندرج في أمّهات النساء ، وقد ثبت حرمة الأمّ الرضاعية للزوجة كالأم النسبية لها ، هذا ، وفي ـ هر ـ : «المحكي عن الإسكافي والشيخ في النهاية ، وظاهر الكليني حلية الثانية ، بل هو خيرة الرياض و ـ سيدك ـ حاكيا له عن جماعة ، بل هو ظاهر الأصفهاني في كشفه أو صريحه أيضا ، بل ربما كان ظاهر ما حكاه فيه عن ابن إدريس أيضا» انتهى ، وأنت خبير بأنّه بعد اعتبار رواية ابن مهزيار المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة المرضعة الثانية ، وابتناؤها على مسألة المشتق أشبه شيء بالاجتهاد في مقابل النص ، هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

(وأمّا الصورة الثانية) وهي عدم الدخول بالكبيرتين ، ففيها مقامات ثلاثة :

الأوّل : تحرم عليه الصغيرة المرتضعة مؤبدا إن كان اللبن منه ، لصيرورتها بالرضاع بنتا رضاعية له ، وجمعا بينها وبين مرضعتها إن كان اللبن من غيره ، لأنّ حرمة الربيبة مؤبّدا منوطة بالدخول بأمها المفروض هنا عدمه.

المقام الثاني : تحرم المرضعة الأولى ، لرواية ابن مهزيار المتقدمة إن كان اللبن من هذا الزوج كما هو ظاهر ذيلها ، حيث علّل الإمام عليه‌السلام ذلك بقوله : «لأنّها أرضعت ابنته» وليست حرمتها مبنيّة على وضع المشتق للأعم ، ولا على كفاية المسامحة العرفية في صدق عنوان أمّ الزوجة عليها ، مع ارتفاع زوجية الصغيرة وحدوث أمّية المرضعة لها في زمان واحد ، لترتبهما على الرضاع ، وذلك لما مرّ من الإشكال فيهما. وإن كان اللبن من غيره ، فحرمتها مبنية على الدخول بها المفروض هنا عدمه ، أو صدق أمّ الزوجة عليها حقيقة بناء على وضع المشتق للأعم ، أو

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مسامحة على ما مر. ولا يمكن الاستدلال عليها برواية ابن مهزيار المذكورة ، لاختصاص موردها بصورة الدخول ، بل وكون اللبن من هذا الزوج.

المقام الثالث : لا تحرم المرضعة الثانية إلّا بناء على وضع المشتق للأعم ، لأنّه حينئذٍ يصدق عليها أمّ الزوجة ، وأمّا بناء على وضعه لخصوص حال التلبس فلا يصدق عليها هذا العنوان فعلا ، بل يصدق عليها أمّ من كانت زوجة له ، وهذا المقدار لا يكفي في الحرمة ، إذ لو كان اللبن منه فقد أرضعت به بنته التي بطلت زوجيتها بالرضاع الأوّل ، ولو كان اللبن من غيره فالمرتضعة وان صارت ربيبة له ، إلّا أنّه لمّا كان المفروض عدم الدخول بالمرضعة فلا تحرم عليه إلّا جمعا بينها وبين المرضعة ، وقد عرفت تصريح رواية ابن مهزيار المتقدمة بعدم حرمتها ، ولا مجال معها لابتناء الحرمة على وضع المشتق للأعم كما لا يخفى.

(وأمّا الصورة الثالثة) وهي ما إذا دخل بالمرضعة الأولى دون الثانية ، ففيها أيضا مقامات ثلاثة :

الأوّل : تحرم الصغيرة على الزوج مطلقا سواء كان اللبن منه أم من غيره ، لصيرورتها بنتا له على الأوّل ، وربيبة له من زوجته المدخول بها على الثاني.

الثاني : تحرم المرضعة الأولى ، لرواية ابن مهزيار المتقدمة سواء كان اللبن منه أم من غيره.

الثالث لا تحرم المرضعة الثانية سواء كان اللبن من هذا الزوج أم من غيره ، إذ على الأوّل لم ترضع إلّا بنت زوجها ، حيث إنّ زوجية الصغيرة ارتفعت بالرضاع الأوّل ، وإرضاع بنت الزوج ليس محرِّما للمرضعة على زوجها

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هذا ، مضافا إلى صراحة رواية ابن مهزيار المتقدمة في عدم حرمتها. (وعلى الثاني) حيث لم يدخل بها الزوج فلا تحرم عليه إلّا جمعا.

(وأمّا الصورة الرابعة) وهي ما إذا دخل بالمرضعة الثانية دون الأولى ففيها أيضا مقامات ثلاثة :

الأوّل : تحرم الصغيرة مطلقا سواء أكان اللبن من هذا الزوج أم من غيره ، لصيرورتها على الأوّل بنته بالرضاع ، وعلى الثاني ربيبة له من الزوجة المدخول بها.

الثاني : تحرم المرضعة الأولى مؤبّدا ، لرواية ابن مهزيار المتقدمة إن كان اللبن من هذا الزوج كما تقدم في الصورة الثانية ، ولا تحرم ان كان اللبن من غيره إلّا جمعا ، لصيرورة الرضيعة ربيبة له من الزوجة غير المدخول بها.

الثالث : لا تحرم المرضعة الثانية سواء كان اللبن من هذا الزوج أم من غيره ، إذ على الأوّل ارتفعت زوجية الصغيرة بالرضاع الأوّل ، وصارت بنتا لزوجها ، فالمرضعة الثانية أرضعت بنت زوجها كما هو صريح رواية ابن مهزيار المتقدمة ، وهو لا يوجب الحرمة ، فلا يصدق عليها أمّ الزوجة حتى تحرم إلّا بناء على وضع المشتق للأعم.

وعلى الثاني لا توجب بنتية الصغيرة للمرضعة حرمة أمّها المدخول بها ، بل توجب حرمة نفسها مؤبّدا ، لصيرورتها ربيبة من الزوجة المدخول بها ، فما في التحرير من تحريم المرضعة الثانية بقوله : «ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى حرمن كلّهن ، وقيل : تحرم المرتضعة وأولى المرضعتين ، وقوّاه

٢٢٣

عليها أمّ زوجته ، لأنّه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه هكذا هنا» (١) ، وما (٢) عن المسالك في هذه المسألة من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق ، فعليه (٣) كل ما كان مفهومه منتزعا من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات

______________________________________________________

(١) قد عرفت تصريح رواية ابن مهزيار المتقدمة بعدم حرمة المرضعة الثانية في صورة كون اللبن من الزوج ، فلا ينبغي ابتناء حرمتها على نزاع المشتق.

(٢) معطوف على قوله : «ما عن الإيضاح».

(٣) أي : فعلي تعميم النزاع لبعض الجوامد ، محصله : أنّه ـ بعد ما تبيّن عدم اختصاص النزاع بالمشتق الاصطلاحي ـ ينبغي تحرير محل البحث هكذا : «كل عنوان جار على ذات بلحاظ اتصافها بما هو خارج عن الذات سواء كان مشتقا مصطلحا أم جامدا ، وسواء كان ذلك الخارج من المقولات التسع العرضية أم من الأمور الاعتبارية التي ليس لها ما يحاذيها في الخارج ، ويكون وعاء وجودها الاعتبار الّذي هو برزخ بين وعائي الوجودين الذهن والعين ، ويترتب على وجودها في صقع الاعتبار أحكام وآثار كالزوجية والملكية والرقية وغيرها من الاعتبارات التي اعتبرها الشارع تأسيسا أو إمضاء ، ثم يقع الكلام في أنّ جريان ذلك العنوان الحاكي عن اتصاف الذات بعرض مقولي أو اعتباري بعد انقضائه وتجرد الذات عنه هل يكون على نحو الحقيقة أم المجاز؟

__________________

الشيخ وهو ضعيف» انتهى لم يظهر له وجه ، فلاحظ وتأمل ، فإنّ للبحث في المسألة مقاما آخر ، وقد خرجنا فيها عن وضع التعليقة ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والإخلاص في القول والعمل والعصمة عن الخطأ والزلل.

٢٢٤

الخارجة عن الذاتيات (١) كانت (٢) عرضاً أو عرضياً (٣) كالزوجية والرقية والحرية وغيرها (٤) من الاعتبارات والإضافات كان (٥) محل النزاع وإن كان جامداً ، وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعاً عن مقام الذات (٦) والذاتيات (٧)

______________________________________________________

(١) الذاتيات على قسمين : الذاتي في باب الإيساغوجي وهو الجنس والفصل والحد التام ، والذاتي في باب البرهان وهو المحمول الّذي ينتزع عن نفس الذات بلا ضمّ ضميمة كإمكان الممكن مثل الإنسان ، والمراد بها هنا ما يعم القسمين ، فكلاهما خارجان عن هذا البحث ، لانتفاء الموضوع بانتفائه في الإيساغوجي ، وامتناع ارتفاع الذاتي البرهاني الّذي هو من لوازم الذات مع بقاء الملزوم أعني الذات كما هو المقصود في بحث المشتق.

(٢) يعني : تلك الصفات الخارجة.

(٣) قد تقدم تفسير العرض والعرضي ، وأنّ المراد بالأوّل المبادئ المتأصلة كالبياض والسواد ، وبالثاني الأُمور الاعتبارية كالزوجية والملكية والحرية والرقية ونحوها.

(٤) قد عرفت أنّ الزوجية ونحوها من الأُمور الاعتبارية ، وأنّها ليست من العرضي المصطلح وهو المشتق من المبدأ الّذي هو العرض المقابل للجوهر.

(٥) خبر قوله : «كل ما كان مفهومه».

(٦) وهو المنتزع عن تمام الذات كالإنسانية المنتزعة عن الإنسان.

(٧) كالإنسانية المنتزعة عن الجنس أو الفصل ، ووجه خروج هذين القسمين عن حريم النزاع هو كون مورد البحث الذات التي لها حالتان :

إحداهما : اتصافها بالمبدإ الخارج عن الذاتيات ، والأُخرى حالة انقضاء المبدأ عنها ، فحينئذٍ يبحث عن أنّ الجري على الذات بعد زوال تلبسها بالمبدإ هل

٢٢٥

فإنّه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها.

(ثانيها) قد عرفت (١) أنّه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات

______________________________________________________

يكون حقيقة أم مجازاً ، فالمفهوم المنتزع عن الذاتيات كالإنسانية المنتزعة عن الإنسان والحيوانية المنتزعة عن الحيوان والحجرية المنتزعة عن الحجر ونحو ذلك من العناوين الذاتيّة خارج عن مورد البحث ، لأنّ انتفاء المبدأ فيها كالإنسانية يوجب انتفاء العنوان كالإنسان بحيث تتبدل الحقيقة بانتفاء المبدأ بحقيقة أُخرى ، فإنّ الإنسان بعد انتفاء إنسانيته يندرج في الجماد والجسم المطلق ، ولذا لا يجري عليه أحكام الإنسان ، بل قيل بعدم جواز استعمال الإنسان فيه مجازاً أيضا ، فلا يصح أن يقال : الممسوخات أو الأموات إنسان ، وكذا لا يجري الاستصحاب في موارد الاستحالة ، لتبدل الصورة النوعية فيها بصورة أُخرى الموجب للعلم بعدم بقاء الموضوع ، ولذا لا يجري الاستصحاب في نجاسة الكلب الّذي صار مِلحاً بوقوعه في المملحة.

وبالجملة : فنزاع المشتق لا يجري في العناوين الذاتيّة ، للاتفاق على كونها حقيقة في المتلبس.

(١) أي : في أوّل الأمر المتقدم. الغرض من عقد هذا الأمر هو دفع الإشكال الّذي أُورد على دخول اسم الزمان في نزاع المشتق ، تقريب الإشكال هو : أنّ مورد الكلام والبحث في المشتق هي الذات الباقية في حالتي التلبس والانقضاء ، إذ لا يعقل هذا النزاع بدون وجود الذات في كلتا الحالتين ك ـ زيد العالم ـ ، حيث إنّ الذات فيه باقية بعد ارتفاع المبدأ ـ أعني العلم ـ عنها ، فيصح النزاع حينئذٍ في أنّ جري العالم على زيد بعد زوال العلم عنه هل هو على نحو الحقيقة أم العناية والمجاز؟ وليس في الزمان ونحوه من

٢٢٦

الجارية على الذوات ، إلّا أنّه (١) ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان ، لأنّ الذات فيه (٢) وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم فكيف يمكن أن يقع النزاع في أنّ الوصف الجاري عليه (٣) حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال (٤) أو فيما يعم المتلبس به في المضي. ويمكن حلّ الإشكال : بأنّ (٥) انحصار

______________________________________________________

التدريجيات ذات محفوظة في حالتي التلبس والانقضاء ، إذ الزمان بنفسه ينقضي وينصرم ، والمفروض أنّه بنفسه الذات المتصفة بالمبدإ كالزمان الّذي وقع فيه القتل مثلا ، فكيف يصح حمل المقتل فعلاً عليه فيقال : «يوم الجمعة مثلا مقتل فلان» فلا بد من خروج اسم الزمان عن حريم نزاع المشتق كخروج العناوين الذاتيّة.

(١) الضمير للشأن.

(٢) أي : في اسم الزمان.

(٣) أي : على اسم الزمان كالمقتل الّذي يحمل على يوم عاشوراء مثلا مع انقضاء الزمان المتلبس بالقتل.

(٤) سيأتي بيان المراد بالحال إن شاء الله تعالى.

(٥) متعلق بقوله : «حلّ» ، توضيح ما أفاده في الجواب هو : أنّ هذا الإشكال مبني على كون النزاع في المصداق ، لأنّه حينئذٍ لا يتصور النزاع في وضع اسم الزمان لخصوص حال التلبس أو الأعم ، ضرورة أنّه ليس للزمان أفراد ثلاثة فرد تلبسي وفرد انقضائي وفرد استقبالي حتى يتمشى فيه نزاع المشتق ، بل لا فرد له إلّا التلبسي ، فانحصار مصداق الزمان في المتلبس يقتضي خروجه عن نزاع المشتق ، وهذا بخلاف ما إذا كان مورد البحث في المشتق هو المفهوم ، فالنزاع حينئذٍ جار في اسم الزمان كسائر المشتقات ، فيقال : إنّ الموضوع له هل هو مفهوم عام يشمل المتلبس والمنقضي أم لا؟ وانحصاره في فرد لا يمنع عن جريان

٢٢٧

مفهوم عام بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام ، وإلّا (١) لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع أنّ الواجب موضوع

______________________________________________________

النزاع فيه ولا يصادم كلية المفهوم ، كما هو الشأن في كثير من المفاهيم الكلية التي لا مصداق لها في الخارج أو انحصر مصداقها في واحد كالشمس ، فإنّ مفهومها كلّي مع انحصار أفراده في واحد ، فلا تنثلم كلية المفهوم بذلك ، إذ لو كان كاسراً لسورة كليته لما وقع النزاع في معنى لفظ الجلالة ، وأنّه خصوص الذات المقدسة ليكون اللفظ علماً ، أو مفهوم الواجب المقابل للممكن والممتنع ليكون هذا اسم جنس ، فلو لم يعقل وضع لفظ بإزاء مفهوم كلي منحصر مصداقه في واحد لم يكن لهذا النزاع مجال ، وعلى هذا فاسم الزمان بناءً على وضعه للأعم يكون من هذا القبيل ، لكون الموضوع له فيه مفهوماً كليّاً منحصراً فرده في الخارج بواحد وهو خصوص حال التلبس ، لعدم تعقل فرد آخر له وهو المنقضي عنه المبدأ كما لا يخفى (*).

(١) أي : وان كان انحصار مفهوم عام بفرد موجباً لوضع اللفظ بإزاء ذلك الفرد دون الكلي لما وقع الخلاف في أنّ المعنى الّذي وضع له لفظ الجلالة هل هو مفهوم واجب الوجود الّذي هو كلّي أم فرده وهو الباري تعالى شأنه

__________________

(*) لكنك خبير بما في هذا التوجيه ، لفساد مقايسته بالمفاهيم الكلية التي ليس لها في الخارج إلّا فرد واحد ، ضرورة أنّ الجامع بين الأفراد المتصورة مما لا بد منه في كلية المفهوم ، ومن المعلوم : أنّه لا جامع في اسم الزمان بين الفرد التلبسي والانقضائي ، حيث إنّ الجامع بينهما ـ وهو الزمان ـ قد انعدم ، فيمتنع انطباق مفهوم الزمان على الفرد الانقضائي ، وهذا بخلاف سائر المفاهيم الكلية التي تنحصر أفرادها في واحد كالشمس وغيرها ، لإمكان انطباقها على

٢٢٨

للمفهوم العام (١) مع انحصاره فيه تبارك وتعالى.

______________________________________________________

(١) هذا وجه آخر لإثبات أنّ انحصار الكلي في فرد لا يوجب وضع اللفظ للفرد ، بتقريب : أنّ لفظ الواجب وضع لمفهوم عام بلا إشكال مع انحصار مصداقه في واحد.

__________________

الأفراد المفروضة الوجود ، هذا. وقد يدفع الإشكال بوجوه أُخر لا بأس بالإشارة إلى بعضها : (منها) أنّ أسماء الزمان الجامدة كأوّل الشهر ويوم الجمعة ونصف شعبان وعاشوراء وغير ذلك موضوعة للكلي الّذي له فردان ـ تلبسي وانقضائي ـ ، فلفظ عاشوراء وضع لكل عاشر من كل محرم وله أفراد :

أحدها : المتلبس بالفاجعة الكبرى المورثة في الصدور أشد الأحزان والكروب إلى يوم النشور ، ومفهوم عاشوراء ينطبق عليه كانطباقه على غيره من الأفراد ، فيصح إجراء بحث المشتق فيها ويقال : إنّ لفظ عاشوراء هل وضع لخصوص فردها المتلبس بتلك الفجائع المهونة على كل مصاب ما أصابه أم للأعم ليكون إطلاقه على غير الفرد المتلبس بتلك المصائب العظيمة حقيقة؟

وبالجملة : فأسماء الزمان الجامدة يجري فيها نزاع المشتق ، بخلاف أسماء الزمان المشتقة ، فإنّه ـ كالمقتل والمضرب ـ لا يجري فيها ذلك ، لأنّ لفظ ـ المقتل ـ مثلاً وضع للزمان المتلبس بالقتل ، ومن المعلوم : انعدام نفس ذلك الزمان ، فلا بقاء للذات في حالتي التلبس والانقضاء حتى يتمشى فيه بحث المشتق ، هذا. وفيه : أنّه لا فرق في عدم جريان النزاع في اسم الزمان بين المشتق والجامد ، وذلك لأنّ المتصف بالعرض هو الفرد لا المفهوم ، ولذا قيل في الفرق بين المبدأ والمشتق بأنّ الأوّل هو العرض بشرط لا أي الملحوظ بما أنّه ماهية عرضية في مقابل الماهية الجوهرية ، ولذا يعبر عن المبدأ بالعرض غير المحمول.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والثاني هو العرض لا بشرط ـ أي الملحوظ هو العرض بما أنّه متحد مع المحل ومندك فيه ـ ، ولذا يحمل ويعبّر عنه بالعرض المحمول ، وهو المقصود في المشتق. وعلى هذا فالزمان المتلبس بالعرض فرد من مفهوم الزمان ، والمفروض تصرمه وانعدامه كانعدام العرض القائم به ، والفرد غير المتلبس به مباين للفرد المتلبس ، ومن المعلوم : أنّ التلبس والانقضاء إنّما يلاحظان بالنسبة إلى ذات واحدة كالتلبس والانقضاء الملحوظين بالإضافة إلى زيد الّذي كان متلبساً بالعلم مثلا ثم زال عنه ، وأمّا في الزمان فلا يمكن لحاظهما كذلك ، لأنّ المفروض انعدام المتلبس منه بالعرض ، والزمان الآخر ليس ذلك الفرد حتى يلاحظ الانقضاء بالنسبة إليه ، فإنّ المتلبس من عاشوراء بأعظم المصائب هو الزمان الخاصّ ، وغيره من أفراد كلّي عاشوراء ليس فرداً انقضائياً ، بل هو مباين للفرد المتلبس كمباينة زيد وعمرو وغيرهما من أفراد الإنسان ، وإذا تلبس زيد مثلا بعرضٍ وزال عنه يضاف الانقضاء إليه لا إلى عمرو مثلا ، فكذلك الزمان ، فإنّ المتلبس منه بالعرض غير الفرد الّذي لم يتلبس به ، وكل منهما مباين للآخر ، فكيف يلاحظ الانقضاء بالنسبة إلى غير المتلبس.

فتلخص مما ذكرنا : أنّ أسماء الزمان خارجة عن حريم نزاع المشتق ، لعدم تصور التلبس والانقضاء في الزمان مع انعدامه ، بل خروج الزمان عنه أولى من خروج العناوين الذاتيّة عنه ، لبقاء الجامع فيها بالدقة العقلية وهو المادة المشتركة بين الصور النوعية المتبادلة ، بخلاف الزمان ، إذ لا يبقى فيه جامع بين حالتي وجود العرض وعدمه عقلاً ولا عرفاً ، لانعدام الزمان وعارضه حقيقة ، كما لا يخفى.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ومنها : أنّ الزمان على قسمين :

أحدهما : ما ينطبق على الحركة القطعية ، والآخر ما ينطبق على الحركة التوسطية ، والمتصرم الّذي لا يتصور فيه النزاع هو الأوّل دون الثاني ، لأنّه عبارة عن مجموع الآنات المتخللة بين المبدأ والمنتهى كطلوع الشمس وغروبها أو غروبها وطلوعها التي يعبر عنها في الأوّل بالنهار وفي الثاني بالليل ، وبهذا الاعتبار الموجب للوحدة يصح الاستصحاب في الزمان وغيره من التدريجيات على ما يأتي في بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى ، وعليه فإذا اتصف جزءٌ من أجزاء النهار أو الليل بعرض كقتل أو شتم أو غيرهما صح أن يقال بلحاظ ذلك الجزء : اليوم يوم القتل أو الشتم ، مع أنّ الآن المتصف بذلك العرض قد تصرم وانعدم.

وبالجملة : ففي الحركة التوسطية يكون مجموع الزمان المتخلل بين المبدأ والمنتهى فرداً واحداً من أفراد الزمان كفردية زيد مثلا لطبيعي الإنسان ، فكما يصح جري المشتق عليه بلحاظ تلبسه بعرض متأصل أو اعتباري بعد انقضاء العرض عنه كأن يقال : زيد شارب بعد انقضاء الشرب عنه ، فكذلك الزمان بالتقريب المتقدم آنفاً ، فليس اسم الزمان خارجاً عن نزاع المشتق ، هذا. وفيه : أنّ هذا الجواب أخص من المدعى ـ وهو مطلق اسم الزمان مشتقاً كان أم جامداً ـ ، وذلك لاختصاصه بالجوامد كالنهار والليل والأسبوع والشهر ونحوها من الأزمنة المحدودة بحدّين ، لأنّ الحركة التوسطية ملحوظة فيها ، لكونها بين المبدأ والمنتهى كما بين الهلالين في الشهر ، وما بين الطلوع والغروب وبالعكس في النهار والليل ، فإنّ اتصاف جزءٍ من الأزمنة المتخللة بين الحدين بعرض يكون كاتصاف زيد بمبدإ عرضي

٢٣١

(ثالثها) (١): أنّ من الواضح خروج الأفعال والمصادر

______________________________________________________

(١) هذا توضيح لما أجمله سابقاً في بيان ضابط المشتق المبحوث عنه في المقام ، وحاصله : أنّ مورد النزاع هو كل ما يجري على الذات بلحاظ اتصافها بمبدإ عرضي متأصل أو اعتباري ، فيخرج عن حريم النزاع كل ما لا ينطبق على الذات

__________________

وانقضائه عنه في صحة النزاع وكون حمله عليه بعد زوال العرض عنه بنحو الحقيقة أو المجاز ، وهذا بخلاف اسم الزمان المشتق كالمقتل ، فإنّ زمان القتل هو نفس زمان التلبس به الّذي لا ينطبق إلّا على الحركة القطعية المتصرم حقيقة ، فلا يجري فيه خلاف المشتق ، هذا. ثم إنّ في اسم الزمان الجامد كعاشوراء مثلا يصح الجري فيما بعد الانقضاء بلحاظ تلبس جزءٍ منها بالمبدإ كقتل سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه وأرواحنا فداه فيه ، وأمّا في غير عاشوراء سنة وقوع تلك الفاجعة العظمى من سائر أفراد عاشوراء فالجري فيها مجاز على كل حال ، ضرورة مباينة سائر أفراد طبيعي العاشوراء للعاشوراء التي وقعت فيها تلك الرزية ، كمباينة زيد مثلا لسائر أفراد الإنسان ، فاتصاف سائر أفراد عاشوراء بكونها مقتل سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام مجاز بلا إشكال ، لكونها مماثلة لتلك العاشوراء لا عينها حتى يمكن ادعاء كون إطلاق مقتل أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام عليها بلحاظ تلبس جزءٍ منها به حقيقة بناءً على وضع المشتق للأعم.

فالمتحصل : أنّ أسماء الزمان الجامدة داخلة في محل النزاع ، بخلاف المشتقة منها ، فإنّها خارجة عن ذلك. ثم إنّ الإشكال المزبور لا يختص باسم الزمان ، بل يتطرّق في سائر الأُمور التدريجية كجريان الماء والدم وغيرهما مما ينطبق على الزمان ، والجواب المذكور جار فيها أيضا ، ويأتي تفصيل ذلك في مبحث الاستصحاب ان شاء الله تعالى شأنه.

٢٣٢

المزيد فيها (١) عن حريم النزاع ، لكونها (٢) غير جارية على الذوات

______________________________________________________

سواء كان مشتقاً كالأفعال بأسرها والمصادر المزيد فيها أم لا كنفس المشتق منه وهو المصدر المجرد على مذهب جماعة ، وان كان الحق بعد تسليم أصل الاشتقاق كون المشتق منه اسم المصدر لا نفسه ، لأنّ الدال على نفس المبدأ مجرداً عن كل نسبة هو اسم المصدر كما ثبت في محله.

(١) قيد للمصادر دون الأفعال ، لعدم الفرق في خروجها عن مورد النزاع بين مجردها ومزيدها بلا شبهة ، لجريان علة الخروج وهي عدم الجري على الذات في كليهما بوزان واحد كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وقد مرت الإشارة إلى خروج المصدر المجرد عن حريم النزاع ، فلا ينبغي تقييد المصدر بالمزيد فيه ، ولعل التقييد به لأجل اختصاص الاشتقاق به ـ كما قيل ـ لكن الحق كما عرفت كون المصادر المجردة أيضا من المشتقات ، لأنّ المشتق منه هو اسم المصدر لا نفسه.

(٢) تعليل لخروج الأفعال مطلقاً والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع ، وملخص التعليل هو خروجها موضوعاً عن ضابط المشتق المبحوث عنه في المقام ، لما مرّ من أنّ ضابطه هو ما كان مفهومه منتزعاً عن ذات متصفة بمبدإ خارج عن مقام الذات والذاتيات ، فإذا لم يكن كذلك فليس بالمشتق الّذي يبحث عنه في المقام موضوعاً ، وبما أنّ الأفعال والمصادر كما سيأتي لا تجري على الذوات حتى تكون مفاهيمها منتزعة عن الذوات المتصفة بها ، فلا جرم (*) تكون خارجة موضوعاً عن المشتق المبحوث عنه ، وعلى هذا فخروجها غير مستند إلى الاتفاق كما قيل

__________________

(*) إذ المعتبر في المشتق المبحوث عنه صحة حمله على الذات المتصفة بالمبدإ كحمل ـ عالم ـ على ـ زيد ـ المتصف بالعلم في قولنا : «زيد عالم» ولا ريب في أنّ

٢٣٣

ضرورة (١) أنّ المصادر المزيد فيها كالمجردة (٢) في الدلالة على ما يتصف به (٣) الذوات ويقوم بها كما لا يخفى ، وأنّ (٤) الأفعال إنّما تدل على قيام

______________________________________________________

(١) هذا تقريب عدم جريان المصادر المزيد فيها على الذوات ، وملخصه :

أنّها لا تدل إلّا على نفس المبادئ كالمصادر المجردة التي لا تدل إلّا على ذلك وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ عدم جري المبادئ وحملها على الذوات.

(٢) أي : كالمصادر المجردة ، فخروج المصادر مطلقاً عن حريم النزاع إنما يكون لوجهين :

أحدهما : عدم جري المبادئ على الذوات ، والآخر : عدم جامع بين حالتي التلبس والانقضاء حتى يمكن إجراء نزاع المشتق في المصادر ، إذ المفروض عدم دلالة المبادي على الذوات الباقية في حالتي التلبس والانقضاء ، ولا جامع بين وجود المبدأ وعدمه ، فخروج المصادر بقسميها يكون خروجاً تخصيصاً ، كما أشرنا إليه آنفاً.

(٣) الضمير راجع إلى ـ ما ـ الموصولة المراد بها المبادئ.

(٤) معطوف على ـ أنّ المصادر ـ غرضه : تقريب عدم جريان الأفعال على الذوات ، وحاصله : أنّ للأفعال مادة وهيئة (أمّا المادة) فلا تدل إلّا على نفس الطبيعة المبهمة المعراة عن كل خصوصية خارجة عنها وهي المعبر عنها في بحث المشتق بالمبدإ ، وسيأتي إن شاء الله تعالى عدم صحة حمل المبدأ على الذات. (وأمّا الهيئة) فلا تدل إلّا على كيفية قيام المبدأ بالذات ، وأنّه بأيّ نحو يقوم بها وينتسب إليها ، فلا تدل الأفعال لا بمادتها ولا بهيئتها على ذات متلبسة بالمبدإ حتى يصح

__________________

صحة حمله على الذات موقوفة على اتحادهما وجوداً ، إذ بدونه لا يصح الحمل كما لا يخفى.

٢٣٤

المبادئ بها (١) قيام صدور (٢) أو حلول (٣) أو طلب فعلها أو تركها (٤) منها (٥) على اختلافها (٦). إزاحة شبهة ، قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتى أخذوا الاقتران بها (٧) في تعريفه (٨) ،

______________________________________________________

جريها عليها على حذوِ جريان اسم الفاعل ونحوه عليها ، بل ظاهر عبارة البدائع عدم دلالة الفعل إلّا على نفس النسبة ، حيث قال فيها : «الأفعال إنّما تدل على نسبة المعنى إلى الذات لا المعنى ولا الذات وإن كانا مدلولا عليهما التزاماً ، لأنّ الدال على النسبة يدل على المنتسبين بالضرورة دلالة التزامية» انتهى ، وعلى هذا فوجه عدم جريان الأفعال على الذوات في غاية الوضوح ، لكن صحة ما أفاده في البدائع مبنية على إنكار الاشتقاق ، وإلّا فدلالة الفعل على المبدأ ضرورية.

(١) أي : بالذوات.

(٢) مثل ـ ضرب ويضرب ـ و ـ أعطى ويعطي ـ ونحوها مما يصدر منه.

(٣) ك ـ مرض وحسن ـ وغيرهما من الأفعال اللازمة ، هذا في الاخبار.

(٤) الضميران راجعان إلى المبادئ ، أمّا طلب الفعل فهو مثل ـ صلِّ وحجّ وزكّ ـ ، وأمّا طلب الترك فهو مثل ـ لا تسرق ولا تغتب مؤمناً ـ ونحو ذلك ، وهذا في الإنشاء.

(٥) أي : من الذوات.

(٦) أي : اختلاف المبادئ بحسب الفعلية والشأنية والملكة والحرفة وغيرها.

(٧) أي : بدلالة الفعل على الزمان.

(٨) قال شيخنا البهائي (قده) في الصمدية بعد تعريف الاسم : «والفعل كلمة معناها مستقل مقترن بأحدها ـ أي أحد الأزمنة الثلاثة ـ ويختص بقد إلخ».

٢٣٥

وهو (١) اشتباه ، ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهي عليه ، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك ، غاية الأمر نفس الإنشاء بهما في الحال (٢)

______________________________________________________

وفي الهداية «وحد الفعل أنّه كلمة تدل على معنى في نفسه مقترنا بأحد الأزمنة الثلاثة كضرب ويضرب واضرب» انتهى. وعن نجم الأئمة (ره) في حدّ الفعل ما لفظه : «هو ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أي على معنى واقع في أحد الأزمنة الثلاثة معيناً بحيث يكون ذلك الزمان المعين أيضا مدلول اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له أوّلا ، فيكون الظرف والمظروف مدلولي لفظ واحد بالوضع الأصلي» ـ انتهى ـ ، بل قيل : إنّ دلالة الفعل على الزمان مما اتفق عليه علماء المعقول والمنقول ، فلاحظ كلماتهم ، فالاقتران بالزمان في حدّ الفعل مسلّم.

(١) أي : وأخذهم اقتران الفعل بالزمان في حده اشتباه ، أمّا في الأمر والنهي فلعدم دلالتهما على الزمان ، إذ الدال على ذلك منحصر في المادة أو الهيئة ، وشيء منهما لا يدل عليه. أمّا المادة ، فلأنّها لا تدلّ إلّا على نفس الطبيعة المجردة على الخصوصية التي منها الزمان ، وأمّا الهيئة فلأنّها لا تدلّ إلّا على نسبة المادة إلى الفاعل ، لِما تقرّر عندهم من أنّ مد الليل الهيئات معانٍ حرفية ، والزمان معنى استقلالي اسمي ، فلا تدل عليه الهيئة. وهذا الوجه غير مختص بالأمر والنهي ، بل يجري في غيرهما من الأفعال ، فمعنى الأمر والنهي هو إنشاء طلب الفعل أو الترك من دون دلالته على الزمان ، غاية الأمر : أنّ الإنشاء بهما لمّا كان من الزمانيات التي لا تنفك عن الزمان ـ كعدم انفكاك المكاني عن المكان ـ يقع في زمان الحال ، لكنه لا يقتضي كون الزمان جزءاً لمدلول الفعل كما هو مقصود النجاة.

(٢) وهو المقابل للماضي والمستقبل ، فإنّ حال التكلم ليس إلّا زمان الحال.

٢٣٦

كما هو الحال (١) في الاخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما (٢) كما لا يخفى ، بل يمكن (٣)

______________________________________________________

(١) يعني : كما أنّ إخبار المخبر بفعل الماضي أو المستقبل أو بغيرهما كالجملة الاسمية يقع في حال التكلم ، فالزمان الّذي يقع فيه الإنشاء بالأمر أو النهي أو غيرهما يكون كإخبار المخبر الّذي يقع فيه بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما في عدم كون الزمان جزءاً لمدلول الأفعال. والحاصل : أنّ ظرفية زمان الحال للإنشاء والاخبار بالأفعال المذكورة ليست دليلاً على كونه جزءاً لمدلولها ، وإلّا كان جزءاً لمدلول الجملة الاسمية الخبرية التي اتفق النحويون على خروج الزمان عن مدلولها (*).

(٢) كالجملة الاسمية على ما مرت الإشارة إليه آنفاً.

(٣) مقتضى الوجه المتقدم ـ أعني عدم دلالة الفعل لا بوضعه المادي ولا بوضعه الصوري على الزمان ـ هو : عدم دلالة الفعل الماضي والمضارع أيضا عليه ، فاستدراكهما غير مناسب ، لأنّ ذلك الوجه برهان متين على عدم دلالة الفعل بجميع أقسامه على الزمان.

__________________

(*) يستدل لأخذ الزمان في مدلول الفعل تارة باتفاق النحويين على ذلك ، وأُخرى بالتبادر ، وفي كليهما ما لا يخفى ، (إذ في الأوّل) : أنّ الاتفاق المعتبر هو ما يكون كاشفاً عن قول المعصوم عليه‌السلام ، ومن المعلوم : أنّه مفقود هنا ، إلّا أنّ يكون هذا الاتفاق كاشفاً عن تنصيص الواضع لهم عليه أو ناشئاً عن التبادر ، لكن شيئاً منهما غير ثابت ، لاحتمال كون اتفاقهم مستنداً إلى اجتهادهم ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى إلّا الظن بتنصيص الواضع لهم ، أو بكون اتفاقهم لأجل التبادر ، وهو لا يغني من الحق شيئاً. (وفي الثاني) : أنّ التبادر المعتبر وهو المستند إلى حاق اللفظ غير ثابت ، وإثباته بأصالة عدم القرينة غير وجيه ، لما مرّ سابقاً.

٢٣٧

منع دلالة غيرهما (١) من الأفعال على الزمان إلا بالإطلاق والإسناد إلى الزمانيات (٢) ، وإلّا (٣) لزم القول بالمجاز والتجريد عند الإسناد إلى غيرها (٤) من نفس الزمان (٥)

______________________________________________________

(١) وهو الفعل الماضي والمضارع ، وحاصله : أنّ دلالة الماضي والمستقبل على الزمان بالوضع بحيث يكون جزءاً لمدلولهما ممنوعة ، لما مرّ من البرهان على عدم دلالة شيء من الأفعال على الزمان ، نعم إذا أسندت إلى الزمانيات ، فتدل على الزمان ، لكن هذه الدلالة مستندة إلى الإطلاق ، لا إلى الوضع الّذي يقول به النحاة بل وغيرهم في مقابل الاسم والحرف ، لما سيأتي في شرح كلام المصنف (قده) من ورود الإشكال لو كان بالوضع.

(٢) المراد بالزمانيات ما كان الزمان ظرفاً لوجوده كغالب الموجودات كزيد وعمرو في قولنا : «ضرب زيد» و «أعطى عمرو» ويقابله المجردات عن الزمان كذات الباري تعالى ونفس الزمان.

(٣) أي : وإن لم تكن دلالة الفعل على الزمان بالإطلاق مع الإسناد إلى الزماني بل كانت بالوضع لَزِم التجريد عن الزمان والالتزام بالمجازية فيما إذا أُسند إلى نفس الزمان مثل ـ مضى الزمان ـ و ـ خلق الله الزمان ـ أو الصباح أو المساء ، وذلك لأنّ الزمان لا يكون في زمان آخر ، فلا بد من التجريد عن الزمان ، وهو خلاف الوجدان ، لعدم فرق بين إسناد الفعل إلى الزماني وبين إسناده إلى نفس الزمان والمجردات.

(٤) أي : الزمانيات.

(٥) كقوله :

«أشاب الصغير وأفنى الكبير

كرُّ الغداة ومرُّ العشي»

«مضى الدهر والأيام والذنب حاصل

وجاء رسول الموت والقلب غافل»

وغيره مما أُسند الفعل فيه إلى نفس الزمان.

٢٣٨

والمجردات (١). نعم (٢) لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع بحسب المعنى

______________________________________________________

(١) عن المادة سواء كان من صفات الذات مثل ـ علم الله تعالى ـ أم من صفات الفعل مع كون مفعوله مجرداً أيضا مثل ـ خلق الله الأرواح ـ أو غير مجرد مثل ـ خلق الله الأجسام ـ ، فإنّ الزمان ان كان مأخوذاً في مدلول الفعل ، فلا بد من تجريده عنه في هذه الأمثلة وكون استعماله فيها مجازاً ، وانحصار استعماله في المعنى الحقيقي بما إذا أُسند إلى الزماني ـ كضرب زيد ـ ، وهو خلاف الوجدان ، لما عرفت من عدم الفرق بين موارد إسناده وكونه حقيقة في الكل ، وهذا دليل على عدم أخذ الزمان في مدلول الفعل.

وبالجملة : فلا دليل على كون الزمان مأخوذاً في الفعل بحيث يدل عليه تضمناً كما هو ظاهر كلمات النحاة بل وغيرهم.

(٢) بعد أن نفي المصنف (قده) جزئية الزمان لمدلول الفعل وأنكر دلالته عليه تضمناً استدرك على ذلك واعترف بدلالته عليه التزاميا بتقريب : أنّ لمعنى الفعل الماضي والمضارع خصوصية تستلزم الزمان ، ويمتاز بها كل منهما عن الآخر ، وهي في الماضي تحقق النسبة وخروج الحدث من القوة إلى الفعل ومن العدم إلى الوجود ، وفراغ الفاعل عن شغله ، ومن المعلوم أنّ هذه الخصوصية تلازم الوقوع في الزمان الماضي ، وفي المضارع الحالي التلبس بالمبدإ والاشتغال به فعلاً ، وهذه الخصوصية تلازم زمان الحال ، وفي المضارع الاستقبالي مثل ـ سوف ينصر ـ التهيؤ والتصدّي لإيجاد مقدّمات حصول المبدأ ، وهذه الخصوصية تلازم زمان الاستقبال.

وبالجملة : فلا يدل الفعل الماضي والمضارع على الزمان تضمناً ، ولكنهما يدلان عليه التزاماً ، لمكان هذه الخصوصيات التي صارت منشئاً لتوهم جزئية الزمان لمدلول الفعل.

٢٣٩

خصوصية أُخرى (١) موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في الماضي (٢) وفي الحال أو الاستقبال في المضارع (٣) فيما كان الفاعل من الزمانيات (٤). ويؤيّده (٥) أنّ المضارع يكون مشتركاً معنوياً بين الحال والاستقبال

______________________________________________________

(١) يعني : غير خصوصية الاخبار الّذي قد تقدم أنّه في الجميع يكون في الحال.

(٢) أي : في الفعل الماضي ، لأنّه كما عرفت من لوازم خصوصية معناه.

(٣) أي : في المضارع ، لما مرّ آنفاً من كونه من لوازم خصوصية معنييه.

(٤) كضرب زيد ، إذ لو أُسند إلى المجردات أو إلى نفس الزمان فلا يدل على الزمان حتى التزاماً ، لما تقدم.

(٥) أي : ويؤيّد عدم كون الزمان جزءاً مدلول الفعل ، وأنّ دلالته عليه إنّما هي بالالتزام لا التضمن : أنّ جُلّ أهل العربية ذهبوا إلى أنّ الفعل المضارع مشترك معنوي بين الحال والاستقبال.

توضيحه : أنّ مرادهم بالزمان الّذي يقترن به الفعل هو مصداقه ، لأنّه الّذي يقارنه وقوع الحدث لا مفهومه ، ولا جامع بين الحال والاستقبال إلّا مفهوم الزمان ، والمفروض عدم أخذه في مدلول الفعل ، فما أُخذ في مدلوله لا يكون جامعاً بينهما ، وما هو جامع بينهما لم يؤخذ في مدلوله ، فكيف يجمع بين كلاميهم وهما الاشتراك المعنوي في المضارع وكون الزمان المأخوذ في معنى الفعل مصداقه؟ ، فان قلنا بالوضع لكل من المصداقين يلزم الاشتراك اللفظي ، وان قلنا بالوضع لأحدهما يلزم التجوز في الآخر ، وكلاهما منافٍ لما صرّحوا به من الاشتراك المعنوي ، فلا يمكن الجمع بين هذين الكلامين إلّا بأن يكون مرادهم من اقتران الفعل بالزمان اقترانه بخصوصية تستلزم الزمان ، وهي التلبس الفعلي بالمبدإ في الحال والإشراف على التلبس به في الاستقبال ، ويكون استلزام هاتين الخصوصيّتين

٢٤٠