منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

وهو كما ترى (١) ، واختلاف (٢) أنحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات

______________________________________________________

معاني سائر المشتقات التي هي محل الخلاف بيننا وبينه أعني اسم المفعول وصيغة المبالغة واسم الزمان والمكان واسم الآلة ، حيث قال في تقريب خروجها عن محل النزاع : «إن من اسم المفعول ما يطلق على الأعم كقولك : هذا مقتول زيد أو مصنوعه أو مكتوبة ، ومنه ما يطلق على خصوص المتلبس نحو هذا مملوك زيد أو مسكونه أو مقدوره ، ولم نقف فيه على ضابطة كلية ، والمرجع فيه إلى العرف ، ويعرف بعض الكلام هنا بالمقايسة على ما سيأتي في اسم الفاعل ، واسم الزمان حقيقة في الأعم ، وكذلك اسم المكان ، واسم الآلة حقيقة فيما أُعد للآلية أو اختص بها حصل المبدأ أو لم يحصل بعد ، وصيغة المبالغة فيما كثر اتصافه بالمبدإ عرفاً» انتهى ، وظاهر إحالة باب اسم المفعول على باب اسم الفاعل ـ كما يدل عليه ما ذكره من الأمثلة ـ هو الفرق بين كون المبدأ متعدّياً فيكون حقيقة في الأعم اتفاقاً ، وبين كونه لازماً فهو حقيقة في خصوص المتلبس اتفاقاً. وقد عرفت في الوجهين المتقدمين : كيفية استظهار الاتفاق من كلام الفصول ، ومع زعم الاتفاق المزبور على خروج سائر المشتقات عن محل النزاع كيف يقع الخلاف في كونها حقيقة في خصوص المتلبس أو الجامع بينه وبين المنقضي عنه المبدأ؟ (١) إشارة إلى : أنّ زعم الاتفاق المذكور ليس في محله ، لعدم تبيُّن مفهوم سائر المشتقات ، لكونها محلا للخلاف أيضا ، فلا فرق بينها وبين اسم الفاعل وما بمعناه. مضافاً إلى أنّ تسليم تبين المفهوم عند أبناء المحاورة لا يوجب تسالم العلماء على ذلك ، فتأمل.

(٢) الظاهر : أنّه جواب عما في الفصول من خروج أحد قسمي اسم المفعول ، وهو ما إذا أخذ المبدأ فيه خصوص الفعلية مع إطلاقه على الذات بعد

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

انقضاء المبدأ عنها ، وكذا أسماء الزمان والمكان والآلة وصيغ المبالغة ، فلا بد من كون المشتق في هذه الموارد موضوعاً للأعم ، فاختلاف مبادئ المشتقات الموجب لاختلاف أنحاء التلبسات يوجب خروج ما عدا اسم الفاعل والصفات المشبهة وما يلحق بها عن حريم النزاع. ومحصل الجواب : أنّ جهة البحث هنا هي وضع هيئة المشتق لخصوص حال التلبس أو الأعم من دون تفاوت في ذلك بين المبادئ ، والاختلاف إنما يكون في كيفية التلبس بها ، فإن قلنا بوضع هيئة المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ فحينئذٍ نقول : إن المبدأ إن كان فعلياً يزول بسرعة كالشرب مثلا ، فالتلبس به هو الاشتغال بالشرب وبانتهائه ينقضي المبدأ ، وإن كان ملكة كالاجتهاد ، فالتلبس به هو بقاءُ ملكه وإن لم يكن له استنباط فعلي ، وإن كان الشأنية ، فالتلبس به هو بقاءُ شأنيته كالمفتاح ، فإنّ التلبس بالمفتاحية بقاؤه على هيئة المفتاحية ، فاختلاف هذه المبادئ من حيث الفعلية والشأنية وغيرهما لا يوجب اختلافاً فيما هو المبحوث عنه في المقام أعني وضع هيئة المشتق ، وإطلاقه على الذات بعد انقضاء المبدأ الفعلي عنها يكون على نحو الحقيقة إن كان الجري بلحاظ حال النسبة ، ومجازاً إن لم يكن بلحاظها. وإن قلنا بوضع هيئة المشتق للأعم ، فنقول : إنّ الانقضاء فيما إذا كان المبدأ فعلياً هو انتهاؤه كالشرب والأكل والقيام والقعود وغيرها من الأفعال ، وفيما إذا كان ملكة ونحوها ، فانقضاء المبدأ فيه هو ارتفاع الملكة والشأنية ، فملكة الاجتهاد تزول بزوال القدرة على الاستنباط ، وشأنية المفتاح تزول بزوال هيئته ، والصنائع تزول بإعراض أربابها عنها ، هذا. ويحتمل أن يكون قول المصنف (قده) : «واختلاف أنحاء التلبسات حسب تفاوت ... إلخ» جواباً عما ذكره في الفصول في الأمر الثالث من الفصل الثاني

٢٠٢

بحسب الفعلية (١) والشأنية (٢)

______________________________________________________

حيث قال : «فالحق أنّ المشتق إن كان مأخوذاً من المبادئ المتعدية إلى الغير كان حقيقة في الحال والماضي أعني في القدر المشترك بينهما ، وإلّا كان حقيقة في الحال فقط» إلى أن قال : «واعلم أنّه قد يطلق المشتق ويراد به المتصف بشأنية المبدأ وقوته كما يقال : هذا الدواء نافع كذا أو مضر ، وشجرة كذا مثمرة ، والنار محرقة إلى غير ذلك ، وقد يطلق ويراد به المتصف بملكة المبدأ وباتخاذه حرفة وصناعة كالكاتب والصانع والتاجر والشاعر ونحو ذلك ، ويعتبر في المقامين حصول الشأنية والملكة والاتخاذ حرفة في الزمان الّذي أُطلق المشتق على الذات باعتباره ، وفي الثاني خاصة سبق مزاولة مع عدم الاعراض» انتهى كلامه رفع مقامه. ومحصله : التفصيل في وضع المشتق بين المبادئ ، فإن كان المبدأ من المبادئ المتعدية كان المشتق حقيقة في الأعم من التلبس والانقضاء ، وإن كان من المبادئ اللازمة أو الملكات والصنائع كان المشتق حقيقة في خصوص الحال. والمصنف (قده) أجاب عن ذلك بأنّ اختلاف أنحاء التلبسات بحسب اختلاف المبادئ لا يوجب تفاوتاً في وضع هيئة المشتق ، فلا فرق في وضعها لخصوص حال التلبس أو الأعم بين المبادئ ، نعم التفاوت يكون في التلبس ، فإنّه في الملكات عبارة عن بقائها ، وفي الصنائع عبارة عن سبق المزاولة وعدم الإعراض عنها كما مر آنفاً. فتلخّص من جميع ذلك : أنّ اختلاف المبادئ في الفعلية والشأنية وغيرهما لا يوجب اختلافاً في وضع هيئة المشتق وإن كان يوجب اختلافاً في كيفية التلبس كما عرفت.

(١) كالحياة ، فإنّ المعتبر في تلبس الذات بها هو الفعلية.

(٢) كالإثمار ، فإنّ اتصاف الشجرية يتحقق بحصول الشأنية له.

٢٠٣

والصناعة (١) والملكة (٢) حسبما يشير إليه (٣) لا يوجب تفاوتاً فيما هو المهم (٤) من محل النزاع هاهنا (٥) كما لا يخفى. ثم إنّه لا يبعد (٦) أن يراد بالمشتق في محل النزاع (٧) مطلق ما كان مفهومه ومعناه جارياً على الذات ومنتزعاً عنها بملاحظة اتصافها بعرض (٨) أو

______________________________________________________

(١) كالخياطة والنجارة ونحوهما ، فإنّ التلبس بها يتحقق بالمزاولة والممارسة ، ولا تنقضي إلّا بالإعراض ، فيصدق الخياط والنجار والعطار والبقال على تارك هذه المبادئ لا بقصد الإعراض عنها.

(٢) كالاجتهاد ، فإنّ التلبس به عبارة عن حصول ملكته ، وانقضائها إنما هو بزوال الملكة ، لا عدم الاستنباط الفعلي مع بقائها.

(٣) أي : في الفصول ، وقد نقلنا عبارته المتضمنة لذلك.

(٤) وهو البحث عن وضع هيئة المشتق ، فإنّ أنحاء التلبسات لا تؤثر في وضعها كما عرفت آنفاً.

(٥) أي : في مبحث المشتق.

(٦) غرضه : تعميم النزاع لغير المشتق من بعض الجوامد مما يجري على الذات بلحاظ اتصافها بما هو خارج عنها ، فإنّ عموم النزاع وخصوصه تابعان لعموم الغرض وخصوصه ، وقد تقدم في الأمر الأوّل : أنّ الغرض يعمّ بعض الجوامد كالزوج والرِّق والحرّ وغيرها.

(٧) لا في سائر المقامات ، إذ المشتق المصطلح أجنبي عن الجوامد المندرجة في هذا البحث ، فالمبحوث عنه هنا غير المشتق المصطلح عليه في سائر المقامات.

(٨) المراد به هي المقولات التسع التي هي في مقابل الجوهر ، وبعبارة أُخرى هو نفس المبدأ المتأصّل كالبياض.

٢٠٤

عرضي (١) ولو كان جامداً كالزوج والزوجة والرق والحر ، فان أبيتَ (٢) إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق كما هو قضية الجمود على ظاهر

______________________________________________________

(١) المصطلح منه هو المشتق من العرض كالأبيض والأسود ، ولكنه بهذا المعنى غير مراد هنا ، لأنّه نفس المشتق ، فلا يناسب جعله مما ينتزع بلحاظه مفهوم المشتق ، بل يراد به بقرينة ما بعده من الزوج والزوجة وغيرهما الأمر الاعتباري ، فإنّ مفهوم الزوج ينتزع عن الذات بلحاظ اتصافها بالزوجية التي هي أمر اعتباري.

وبالجملة : فالمراد بالعرض هو المتأصّل ، وبالعرضي الأمر الاعتباري الموجود في وعاء الاعتبار الّذي هو برزخ بين الوجود العيني والذهني ، فالمشتق المبحوث عنه في المقام هو المفهوم المنتزع عن ذات متصفة بعرض متأصل كالسواد والبياض ، أو عرضي أي أمر اعتباري كالزوجية والملكية والرقية ونحوها من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلّا في وعاء الاعتبار.

(٢) غرضه : أنّه قد ظهر مما ذكرنا : أنّ مرادهم بالمشتق المبحوث عنه هنا ما يخالف مصطلح الأدباء ، فيراد به ما يعمّ بعض الجوامد الّذي يندرج في مورد النزاع ، فإن أبيت عن هذا التعميم في لفظ المشتق ، بدعوى اختصاصه بما هو مصطلح الأدباء كما هو الظاهر من لفظ المشتق ، فلا يعم الجوامد ، فلا مشاحة ، لكن لا يوجب ذلك اختصاص النزاع به ، بل يجري في هذا القسم من الجوامد أيضا وان لم يشملها لفظ المشتق ، هذا ـ ولا يخفى ما في العبارة من القصور عن تأدية هذا الغرض ، فالأولى أن يقال : «وإن أبيت إلّا عن إرادة المشتق المصطلح كما هو قضية الجمود على ظاهر لفظه ، لكن هذا القسم من الجوامد أيضا داخل في محل النزاع».

٢٠٥

لفظه (١) ، فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع ، كما يشهد به (٢) ما عن صاحب الإيضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة ما هذا لفظه : «تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين (٣) ،

______________________________________________________

(١) أي : لفظ المشتق المذكور في عنواناتهم.

(٢) أي : يشهد بدخول هذا القسم من الجوامد في محل النزاع ما عن الإيضاح ، تقريب شهادته : أنّه ابتنى بعض الأصحاب حرمة المرضعة الثانية على نزاع المشتق ، فعلى القول بالأعم تحرم ، وعلى القول بخصوص حال التلبس لا تحرم. توضيحه : أنّ المرتضعة الصغيرة بالارتضاع من المرضعة الأولى بطلت زوجيتها ، لأنّها صارت بنت الزوجة المدخول بها ، كما أنّ هذه المرضعة صارت أمّ الزوجة ، وكلٌّ من بنت الزوجة وأمّها حرام قطعاً. وأمّا المرضعة الثانية فحرمتها على الزوج مبنية على وضع المشتق للأعم ، لأنّ منشأ حرمتها عليه هو صدق أمّ الزوجة عليها ، ومن المعلوم : أنّ زوجية الصغيرة قد انقضت بالرضاع الأول وصارت بنتاً له ، فعلى القول بوضع المشتق للأعم يصدق على المرضعة الثانية أنّها أمّ الزوجة ، فتحرم أيضا ، وعلى القول بوضعه لخصوص حال التلبس لا يصدق عليها أمّ الزوجة حتى تحرم ، بل يصدق عليها أمّ من كانت زوجة ، لانقضاء الزوجية عن المرتضعة وصيرورتها بنتاً له فلا تحرم.

وبالجملة : فابتناء حرمة المرضعة الثانية على المشتق مع كون الزوجة من الجوامد يدل على جريان نزاع المشتق في بعض الجوامد.

(٣) هذا هو الموجود فيما ظفرنا به من نسخ الكفاية ، لكن عبارة الإيضاح المحكية في البدائع وفي مشتق فوائد المصنف (قده) هكذا : «مع الدخول بإحدى الكبيرتين بالإجماع» انتهى ، وهو الصحيح ، لأنّ حرمة أمّ الزوجة

٢٠٦

وأمّا المرضعة الآخرة ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف (ره) وابن إدريس

______________________________________________________

أبداً غير مبنية على الدخول ، بل نفس عنوان أمّ الزوجة من موجبات الحرمة الأبدية ، نعم حرمة الصغيرة أبداً منوطة بالدخول بأمّها ، والمفروض حصوله بالدخول بإحدى الكبيرتين،فلا تتوقف حرمة المرضعة والمرتضعة إلّا على الدخول بالمرضعة الأولى أوالثانية (*)

__________________

(*) لا بأس بالتعرض إجمالا للجهة الفقهية المتعلقة بهذه المسألة وان كانت خارجة عن الفن ، لتزيّن الأصول بالفقه ، فنقول وبه نستعين وبوليه صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل فرجه الشريف وجعلنا فداه نتوسل ونستجير : إنّ الرضاع من موجبات الحرمة كالنسب كتاباً وسنة مقبولة كالنبوي «الرضاع لحمة كلحمة النسب» ومتواترة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وإجماعاً ، بل ضرورة من المذهب بل الدين ، فكما أنّ العناوين الخاصة النسبية توجب الحرمة ، فكذلك مثل تلك العناوين إذا حصلت بالرضاع ، فالأمّ والبنت والأخت وغيرهن من الرضاعة يحرمن كحرمتهن من النسب ، ومن جملة المحرمات بالنسب أمّ الزوجة ، فإنّها تحرم على الزوج أبداً ، فتحرم الأمّ الرضاعية لها أيضا ، لكون الرضاع لحمة كلحمة النسب ، ومن جملتها بنت الزوجة نسباً ، فتحرم مؤبّداً مع الدخول بأمها. وجمعاً مع الأمّ بدون الدخول بها ، فبنتها الرضاعية أيضا كذلك. إذا عرفت هذا فاعلم : أنّه يعتبر في نشر الرضاع للحرمة أن يكون اللّبن حاصلا من وطي جائز شرعاً ، لنكاح بقسميه ، أو ملك يمين أو تحليل ، ويلحق به وطي الشبهة على الأقوى ، فلو درّ اللبن من المرأة بغير وطي جائز أو كان اللبن من الزنا لم ينشر الحرمة ، نعم لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرّجل فلو فارقها بطلان مثلاً مع كونها ذات لبن منه وأرضعت به رضيعاً

٢٠٧

تحريمها ، لأنّ هذه يصدق

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

نشر الحرمة وان تزوجت ودخل بها الزوج الثاني. وكيف كان ، فللمسألة المبحوث عنها في المقام صور :

الأولى : أن يدخل الزوج بكلتا الكبيرتين.

الثانية : أن لا يدخل بواحدة منهما.

الثالثة : أن يدخل بالمرضعة الأولى دون الثانية.

الرابعة عكس الثالثة.

(أما الأولى) وهي دخول الزوج بكلتا الكبيرتين ، فحكمها بالنسبة إلى المرتضعة هو الحرمة ، لصيرورتها بنته من الرضاعة ان كان اللبن منه ، وربيبته من الزوجة المدخول بها ان كان اللبن من غيره.

قال في الشرائع : «ولو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أوّلاً ، ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة» انتهى ، وقال في التحرير : «لو أرضعت إحدى زوجتيه الأخرى ، فان كان بلبنه حرمتا مؤبّداً ، وان كان من غيره فالأم كذلك والبنت أيضا ان كان دخل بالأم ، وإلّا حرمت جمعاً» انتهى ، وقال في المستند : «الوجه في تحريم الصغيرة مؤبداً على الفرضين واضح ، لصيرورتها بنتاً له على الأوّل وبنت الزوجة المدخول بها على الثاني» انتهى ، ومراده بالفرضين كون اللبن من الزوج ، أو من غيره مع الدخول. وقريب منها غيرها من المتون.

وبالجملة : فلا يبتني حرمة المرتضعة على نزاع المشتق أصلا ، لاتصافها فعلاً بكونها بنتاً له ان كان اللبن منه ، وبنتاً للزوجة المدخول بها ان كان اللبن من

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

غيره ، ومن المعلوم : حرمة الربيبة مؤبداً بالدخول بأمّها ، ولا يقدح مقارنة حدوث أمومة المرضعة لارتفاع زوجيتها وكونهما في رتبة واحدة ، لترتبهما معاً على الرضاع ، فلا يصدق على المرتضعة بنت الزوجة المدخول بها فعلاً ، بل يصدق عليها بنت من كانت زوجة قبل الرضاع ، فيبتني حرمة المرتضعة على وضع المشتق للأعم ، ليصدق عليها الزوجة فعلا حتى تكون هي بنت الزوجة.

وجه عدم القدح : أنّه لا يعتبر في حرمة الربيبة بقاء الأم على الزوجية ، بل يكفي في حرمتها اتصاف أمّها بالزوجية في زمان مع الدخول بها ولو لم تكن البنت موجودة حال زوجية الأم ، بل تولدت بعد خروج الأم عن الزوجية ، كما إذا فارقت الزوج وتزوجت بغيره وولدت منه بنتاً ، فإنّها تحرم على الزوج الأوّل ، للنصوص :

كصحيح (١) محمد بن مسلم قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها فأعتقت وتزوجت فولدت ابنته ، هل تصلح ابنتها لمولاها الأوّل؟ قال عليه‌السلام : هي عليه حرام» وزاد في طريق آخر بعد قوله هي حرام عليه : «وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء» وغيره مما هو قريب منه ، واستشهد الإمام عليه‌السلام في بعضها بقوله تعالى : «وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» حيث إنّ الآية الشريفة سيقت لبيان مناط حرمة الربيبة وهو الدخول بأمّها كما يشير إليه قوله في ـ ف ـ : «إذا دخل بالأم حرمت البنت على التأبيد سواء كانت في حجره أو لم تكن ، وبه قال

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٨ الحديث ٦ طبع طهران سنة ١٣٨٤.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

جميع الفقهاء» انتهى ، فإذا تحقق هذا المناط حرمت الربيبة مؤبداً سواء بقيت أمّها على الزوجية أم لا ، وسواء كانت الربيبة موجودة حين زوجية أمّها أم لا ، ولذا لو فارقت زوجها بطلاق ونحوه وتزوجت برجل آخر فولدت منه بنتاً حرمت تلك البنت على زوجها الأوّل ، لكونها ربيبته. فالمتحصل : أنّ حرمة الصغيرة المرتضعة أجنبية عن نزاع المشتق وغير مبنية عليه أصلا ، فعدم صدق الزوجة فعلاً على المرضعة لا يضرّ بحرمة المرتضعة قطعاً ، هذا حكم المرتضعة.

(وأمّا المرضعة الأولى) فظاهر المشهور حرمتها ، بل مقتضى إرسالهم ذلك إرسال المسلّمات هو الاتفاق عليها ، فالحكم من حيث الفتوى كأنّه مسلم لكنه من حيث الدليل لا يخلو من الغموض ، لاستدلال جملة من الفقهاء رضوان الله عليهم على ذلك بكونها أم الزوجة ، فيشملها قوله تعالى : «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» ومن المعلوم : أنّ صدق هذا العنوان على المرضعة موقوف على بقاء زوجية المرتضعة بعد حدوث الأمومة للمرضعة ، ولا شك في ارتفاعها بالرضاع ، لأنّه علّة لحدوث الأمومة للمرضعة ، وزوال الزوجية عن المرتضعة وحدوث البنتية لها في زمان واحد ، فأمومة المرضعة وزوال زوجية المرتضعة معلولان للرضاع ، ومعه لا يتصور زمان يجتمع فيه زوجية المرتضعة وأمومة المرضعة ليصدق على المرضعة أم الزوجة ، فصدق أمّ الزوجة فعلا على المرضعة موقوف على وضع المشتق للأعم.

ولا يندفع هذا الغموض فراراً عن الالتزام بوضع المشتق للأعم ، بدعوى : أنّ أمّ الزوجة تصدق على المرضعة عرفاً وإن لم تصدق عليها دقة ، ولا بدعوى : «أنّ المستفاد من دليل حرمة أمّ الزوجة كون موضوعها ما هو أعم من اقتران الأمومة

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والزوجية يعني : أنّ أم الزوجة تحرم سواء كانت أمومتها وزوجية الزوجة مقترنتين أم متعاقبتين متصلتين نظير اتصال وجود الشيء بعدمه كما هو مورد البحث. ولا بدعوى : أنّ ارتفاع زوجية الصغيرة وحدوث بنتيتها للكبيرة ليسا في رتبة واحدة حتى لا يصدق على المرضعة أم الزوجة ، بل هما في رتبتين ، وأنّ حدوث بنتيتها للكبيرة متقدم رتبة على ارتفاع زوجيتها ، فتصير الصغيرة بنتاً قبل ارتفاع الزوجية عنها ، فيصدق على الكبيرة أمّ الزوجة.

توضيحه : أنّ منشأ خروج الصغيرة عن الزوجية هو حرمتها الناشئة عن صدق بنت الزوجة عليها بسبب الرضاع ، وهذه الحرمة متأخرة عن هذا الصدق تأخر المعلول عن علته ، وعلى هذا فيكون صدق البنت متقدماً رتبة على الحرمة التي هي متقدمة أيضا على خروجها عن الزوجية ، وحينئذٍ فيصدق على الصغيرة بنت الزوجة قبل أن تخرج عن الزوجية قبلا رتبياً ، فيصدق عليها كل من الزوجة وبنت الزوجة في زمان واحد ، فلا تحتاج إلى دعوى وضع المشتق للأعم. وجه عدم الاندفاع : ما في جميع هذه الدعاوي من الإشكال ، (إذ في الأولى) : أنّ المسامحة العرفية غير معتبرة في مقام التطبيق ، وإنّما هي معتبرة في تشخيص المفهوم العرفي ، والموضوع في المقام مبيّن المفهوم ، فلا عبرة بمسامحة العرف في تطبيقه على ما ليس فرداً حقيقة له ، وعليه : فالصغيرة بعد خروجها عن الزوجية حقيقة بسبب الرضاع لا ينطبق على مرضعتها أم الزوجة إلّا بالمسامحة العرفية ، فالمقام نظير إطلاق الكر على ما ينقص عن ألف ومائتي رطل عراقي بمثقالين مثلا في كونه مبنياً على ضرب من المسامحة ، ولمّا كان مرجع التطبيق المسامحي إلى ادّعاء فردية ما ليس

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بفرد للموضوع حقيقة فلا يشمله الدليل كما لا يخفى.

(وفي الثانية) أنّ المستفاد من الدليل المتضمن لاعتبار أمرين وجوديين في موضوع الحكم هو : كون المناط في ترتب الحكم عليه اجتماعهما في الزمان على نحو التقارن ، وعدم كفاية اجتماعهما على نحو التعاقب واتصال حدوث أحدهما بارتفاع الآخر ، من غير فرق بين كون هذين الوجوديين بنحو الإضافة كأمّ الزوجة وأخت الزوجة وغير ذلك ، وبين كونهما بنحو التوصيف كالعالم العادل والشاعر الكاتب ونحو ذلك ، فان كانا على نحو الإضافة ـ كما في مورد البحث ـ فأدنى الملابسة وإن كان كافياً في صحتها ، إلّا أنّ مجرد ذلك لا يوجب ظهور الكلام في الأعم من التلبس الفعلي بالإضافة ليشمل صورة تعاقب أحدهما بالآخر ـ أي المضاف إليه بالمضاف ـ حتى يكونا موضوعاً للحكم حقيقة ، ولا نحتاج إلى وضع المشتق للأعم ، فوزان أم الزوجة وزان أخت الزوجة وسائر الأمثلة ، ولا ينبغي الارتياب في ظهور الكل في اجتماع المضاف والمضاف إليه في الزمان على نحو التقارن ، فظاهر دليل حرمة أخت الزوجة هو حرمتها ما دامت الزوجة في حباله ، ولا يشمل فرض حدوث الزوجية للأخت وارتفاع الزوجية عن الزوجة في زمان واحد ، بل في مثل هذا الفرض يرجع إلى عمومات الحل وإطلاقات أدلة النكاح. وكذا الحال فيما إذا كان الأمران الوجوديان بنحو التوصيف ، فإنّ دليل جواز تقليد العالم العادل مثلا يكون ظاهراً في اجتماع العلم والعدالة في زمان الحكم ، ولا يشمل فرض حدوث العلم مقارناً لارتفاع العدالة.

وبالجملة : فظهور الدليل في اعتبار اجتماع الأمرين الوجوديين زماناً على

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

نحو التقارن في ترتب الحكم عليهما مما لا مساغ لإنكاره ، فما أفاده المحقق سيد الأساطين مد ظله في منتهى الأصول بقوله : «ولكن يمكن أن يقال : إنّ حصول الزوجية ولو كان في زمان متقدم كافٍ لحرمة أمها أبداً ولو بعد طلاق بنتها ، فليكن الأمر في الأمومة الحاصلة من الرضاع أيضا كذلك. وبعبارة أخرى : في باب النسب تحرم أم من كانت زوجته فكذلك في باب الرضاع. وبناءً على هذا لا تكون حرمة المرضعة الثانية أيضا مبنية على مسألة المشتق» انتهى لا يخلو من غموض ، لأنّه يرجع إلى عدم اعتبار بقاء الموضوع في بقاء الحكم ، وبعبارة أخرى : مرجع ذلك إلى نفي الملازمة بين الموضوع والحكم في مرحلة البقاء ، وكفاية تحقق العنوان ـ ولو آناً ما ـ في تشريع الحكم واستمراره كسائر العناوين المأخوذة كذلك كالسارق وشارب الخمر وغيرهما من دون دخل لبقائها في بقاء الحكم ، وهو أجنبي عما نحن فيه من حدوث الموضوع الّذي هو عنوان أم الزوجة حين ارتفاع زوجية الصغيرة ، فإنّ هذا العنوان ليس مقارناً لزوجية البنت ، حتى يجتمع عنوان أمّ الزوجة للمرضعة وعنوان الزوجية للمرتضعة في زمان واحد كما يجتمعان في النسب وإن لم يكن حرمة أمّ الزوجة نسباً بقاءً منوطة ببقاء هذا العنوان ، لِما دلّ على كون عنوان أمّ الزوجة من العناوين التي يكفي في موضوعيتها للحكم وجودها في آنٍ من الآنات ، بمعنى كفاية اجتماع الأمومة للمرأة والزوجية لبنتها في زمان في ثبوت الحرمة ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ حدوث هذا العنوان مقارن لارتفاع الزوجية بحيث لا يتصور اجتماع عنوان الأمومة للمرضعة والزوجية للمرتضعة في زمان كاجتماعهما في الأم النسبية للزوجة ، فحرمة المرضعة حينئذٍ مبنية على وضع المشتق

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

للأعم. والحاصل : أنّ الأميّة النسبية للزوجة لا تتخلف عن عنوان الزوجية ، فالأم الرضاعية المنزلة منزلتها أيضا كذلك ، فإنّ الفرع لا يزيد عن الأصل ، وعليه : فحرمة المرضعة الأولى فضلاً عن الثانية مبنية على المشتق. نعم إذا أرضعت زوجته الصغيرة امرأة أجنبية حرمت عليه المرضعة ، لصيرورتها أمّاً رضاعية للزوجة الحقيقية كأمها النسبية ، وأمّا إذا أرضعتها بعد ارتفاع زوجية الصغيرة ، فصيرورتها حراماً على من كان زوجاً للصغيرة ـ لانطباق عنوان أم الزوجة عليها ـ مبنيّة على المشتق.

(وفي الثالثة) أنّ التضاد الاعتباري كالحقيقي في استحالة الاجتماع ، ومن المعلوم : أنّ الزوجية والبنتيّة من الأمور الاعتبارية المتضادة المستحيل اجتماعها في آنٍ واحد ، فوجود إحداهما طارد للأخرى ، ففي المقام : ترتفع الزوجية في آن حدوث البنتية ، لتضادهما شرعاً ، فارتفاع الزوجية وحدوث البنتية يكونان في رتبة واحدة ، لأنّهما مسبّبان عن سبب واحد وهو الرضاع ، ومن المعلوم : أنّ سببية السبب متساوية الأقدام بالنسبة إلى مسبّباته المتعددة ، وإذاً فهما يحصلان في رتبة واحدة ، فليس ارتفاع الزوجية ناشئاً عن حرمة بنت الزوجة حتى يصدق على الصغيرة قبل ارتفاع الزوجية عنها قبلا رتبياً ـ كل ـ من عنواني الزوجية والبنتية في آنٍ واحد ، بل ارتفاع الزوجية ناشٍ عن نفس عنوان البنتية المضادة للزوجية ، فلا تجتمعان في زمان واحد حتى تحرم المرضعة ، لصدق أمّ الزوجة عليها ، ولذا استشكل في وجه حرمة الكبيرة جماعة منهم صاحب المستند (قده) حيث قال في وجه الإشكال ما لفظه : «فلأنّ صيرورة الكبيرة أمّ الزوجة موقوفة على كون

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الصغيرة زوجة في آن صيرورة الكبيرة أمّاً لها ، وكون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة أمّاً ، فيمتنع اجتماعهما في آنٍ. والحاصل : أنّه يرتفع زوجية الصغيرة ويتحقق أمومة الكبيرة في آنٍ واحد ، فلم تكن الكبيرة أمّ الزوجة أصلا» انتهى. ومن تمسك جملة من الأصحاب لحرمة الكبيرة بكونها أمّ الزوجة يظهر أنّ الإجماع على الحرمة ـ على فرض تحققه ـ موهون ، لاحتمال كونه مدركياً ، إلّا أن يقال : إنّ التمسك المزبور إنّما هو لتطبيق الحكم على القاعدة والتنبيه على أنّه ليس تعبداً محضاً ، فان لم يتم تقريب موافقته للقاعدة ، فالحكم مسلّم للإجماع.

لكن الإنصاف أنّ إحراز كون استدلالهم ناظراً إلى تطبيق الحكم على القاعدة مما لا سبيل إليه إلّا أن يصرحوا بكون الحكم إجماعياً ، مضافاً إلى أنّه على طبق القاعدة ، ولا يحضرني تصريحهم بذلك ، بل ظاهر استدلالهم على حرمة الكبيرة بكونها أمّ الزوجة عدم استنادهم فيها إلى الإجماع ، ولا أقلّ من احتمال مدركيته الموجب لوهنه وعدم صحة الاستناد إليه. نعم يدل على حرمة الكبيرة ما رواه (١) الكليني (ره) عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قيل له : إنّ رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتان ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخطأ ابن شبرمة ، تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا ، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأنها أرضعت ابنته» ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الكليني (ره) ولا بأس بسنده ، أمّا الكليني فجلالة شأنه

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ب ١٤ الحديث ١ ص ٣٠٥ طبع طهران سنة ١٣٨٤.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وعلو قدره في غاية الظهور ، وأمّا علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني فقد وثقة جش بقوله عقيب اسمه واسم أبيه وجده «يكنى أبا الحسن ثقة عين» انتهى ، ووثقه أيضا في الخلاصة والوجيزة والبلغة وغيرها ، نعم هنا شيء ربما يوجب التوقف فيه ، وهو أنّه استأذن الصاحب عليه الصلاة والسّلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف في الحج فخرج «توقف عنه في هذه السنة» فخالف ، وقتل بطريق مكة في تلك السنة ، ولعله فهم كون النهي إرشادياً أو تنزيهياً لقرائن كانت في البين ، ولا بد من التوجيه بعد تسالمهم على توثيقه وعدم قدحهم فيه بهذه المخالفة مع اطلاعهم عليها ، وقد ذكر غير واحد «أنّ الرّجل أستاذ الكليني وخاله» انتهى.

وأمّا صالح بن حماد أبو الخير الرازي فقد عده الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الجواد عليه‌السلام وأخرى من أصحاب الهادي عليه‌السلام وثالثة من أصحاب العسكري عليه‌السلام ، قال النجاشي : «وكان أمره ملتبساً يعرف وينكر له كتب» انتهى ، وقال ابن الغضائري : «صالح بن أبي حماد الرازي أبو الخير ضعيف» انتهى ، وتوقف العلامة فيه في الخلاصة حيث قال : «والمعتمد عندي التوقف فيه لتردد النجاشي وتضعيف ابن الغضائري له» ، وعدّه الجزائري في الحسان ، وفي رجال الكشي : «قال علي بن محمد القتيبي سمعت الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير وهو صالح بن سلمة أبي حماد الرازي : أبو الخير كما كنّي ، وقال علي :

كان أبو الفضل يرتضيه ويمدحه» انتهى. «وعلي بن محمد القتيبي هذا نيشابوري فاضل وهو تلميذ الفضل بن شاذان (ره)» كما عن رجال الشيخ ، واختلفت فيه

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كلماتهم ، قال جش : «علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرّجال» انتهى ، وجعله صاحبا البلغة والوجيزة ممدوحاً حسناً على ما حكي ، وعدّه العلامة وابن داود في المعتمدين ، ونحوه من المدح المدرج له في الحسان ، ووثقه الأمين الكاظمي في المشتركات على ما قيل ، وهو مقتضى عدّ الفاضل الجزائري إياه في فصل الثقات ، وهو غريب منه جداً ، لأنّ سيرته القدح في الراوي بأدنى سبب ، ولذا أثبت جملة من الثقات والحسان والموثقين في الضعفاء ، وعن السيد الداماد (قده) «مدح الرّجل بما يبلغ حد التوثيق» وضعفه ـ سيدك ـ حيث قال في رد روايته : «إنّ علي بن محمد بن قتيبة غير موثق ولا ممدوح مدحاً يعتد به» انتهى ، لكنه لا يعارض التوثيق بعد كون الموثِّق الفاضل الجزائري الّذي هو بطيء الجزم بوثاقة الأشخاص ، وسيرته القدح في الراوي بأدنى سبب له ، فالرجل ينبغي أن يعد من الثقات أو الحسان ، وحينئذ فيكون ثقة فيما نقله عن الفضل بن شاذان من مدحه وارتضائه لصالح بن أبي حماد أبي الخير الرازي. وأمّا النجاشي فلم يضعفه بل توقف فيه ، وليس التوقف جرحاً حتى يندرج المقام في الجرح والتعديل ويقدّم الأوّل على الثاني ، وذلك لأنّ مرجع التوقف إلى عدم العلم ، لا إلى الجرح والذم ، وتضعيف ابن الغضائري له غير معتد به ، لاعتراف غير واحد من علماء الرّجال بعدم الوقوف على شيءٍ من جرح ولا تعديل في شأن أحمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم الغضائري نفسه ، فكيف يعتمد على تعديله أو جرحه لغيره من الرّجال ، بل عن المجلسي (قده) «أنّ الاعتماد على هذا الكتاب ـ أي كتاب ابن الغضائري ـ

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

يوجب ردّ أكثر أخبار الكتب المشهورة» انتهى ، وعن الوحيد في ترجمة إبراهيم بن عمر الصنعاني «أنّ أحمد هذا غير مصرح بتوثيقه ، ومع ذلك قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه ، وجرح أعاظم الثقات وأجلاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك ، وهذا يشير إلى عدم تحقيقه حال الرّجال كما هو حقه أو كون أكثر ما يعتقده جرحاً ليس في الحقيقة جرحاً» انتهى المهم من كلام الوحيد (قده) ، فعلى هذا لا يمكن الاعتماد على جرح ابن الغضائري أصلا خصوصاً بعد توثيق من عرفت توثيقه له ، ولا سيما الفضل بن شاذان الّذي هو في غاية الجلالة ، قال في الخلاصة : «وكان ثقة جليلا فقيهاً متكلماً له عظم شأن في هذه الطائفة ، قيل : إنّه صنف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمد عليه‌السلام مرتين وروى ثلاثاً ولاءً ، ونقل الكشي عن الأئمة عليهم‌السلام مدحه ، ثم ذكر ما ينافيه وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير ، وهذا الشيخ أجل من أن يغمز عليه ، فإنّه رئيس طائفتنا (رضي‌الله‌عنه)» انتهى. وبالجملة : يظهر لمن تتبع كتب الرّجال :

أنّ للفضل بن شاذان شأناً عظيماً حتى قال فيه جش : «إنّه أجل أصحابنا الفقهاء والمتكلمين ، وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره أشهر من أن نصفه» انتهى.

وعلى هذا فالأرجح قبول رواية صالح بن أبي حماد. وأمّا علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي الأصل فهو من أجلاء أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم الصلاة والسّلام ، وقد وثّقه كل رجالي تعرض لترجمته ، «فالرجل ثقة صحيح له ثلاثة وثلاثون كتاباً» ـ ست ـ ، وعن جش وصه «أبو الحسن دورقي الأصل مولى كان أبوه نصرانياً فأسلم وقد قيل إنّ علياً أيضا أسلم وهو صغير ، ومنَ

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الله تعالى عليه بمعرفة هذا الأمر وتفقه ـ إلى أن قالا ـ وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير ، وكان ثقة في روايته لا يطعن عليه صحيح الاعتقاد» انتهى ، وعن حمدويه بن نصير «لمّا مات عبد الله بن جندب قام علي بن مهزيار مقامه» انتهى.

ومن أراد الوقوف على تفصيل حاله وجلالة شأنه فعليه بمراجعة كتب الرّجال.

فقد تحصل مما ذكرنا : أنّه لا قدح في سند الرواية المزبورة. (والمناقشة) فيها كما عن المسالك «تارة بضعف سندها بصالح بن أبي حماد وأخرى بالإرسال ، لأنّ المراد بأبي جعفر المطلق هو الباقر عليه‌السلام ، مضافاً إلى أنّ قول ابن شبرمة في مقابله ، لكونه في زمانه عليه‌السلام قرينة على إرادة الباقر عليه‌السلام ، وحيث إنّ ابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه‌السلام فلا محالة يكون هناك إرسال ، بل لو أريد به الجواد عليه‌السلام لا تسلم الرواية عن الإرسال أيضا ، إذ ليس فيها ما يدل على أنّ ابن مهزيار سمع ذلك منه عليه‌السلام بلا واسطة ، فالإرسال متحقق على التقديرين» انتهى ملخصاً (مندفعة) أمّا تضعيف السند بصالح بن حماد فبما عرفت من أنّ الأرجح قبول روايته ، وأمّا الإرسال لكون أبي جعفر المطلق عليه‌السلام هو الباقر عليه‌السلام ، ففيه أنّه قد يطلق أبو جعفر ويراد به الجواد عليه‌السلام ، قال الميرزا (قده) في الفائدة الأولى من فوائد خاتمة جامع الرّواة : «وإذا ورد في الرواية عن أبي جعفر عليه‌السلام فالظاهر منه الباقر عليه‌السلام ، وعن أبي جعفر الثاني فهو الجواد عليه‌السلام ، وقد يطلق ويراد منه الجواد عليه‌السلام فالتميز يظهر من الرّجال» انتهى ، والتميز يقتضي إرادة الجواد عليه‌السلام من أبي جعفر في هذه الرواية ، لما مرّ من أنّ علي بن مهزيار من أصحابه عليه‌السلام. وأمّا كون ابن شبرمة في زمان الباقر عليه‌السلام ، فليس قرينة على أنّه

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هو المراد بأبي جعفر عليه‌السلام ، لكفاية نفوذ فتوى ابن شبرمة ورواجها في ذلك العصر في التعرض لها كما لا يخفى.

وأمّا إرسال الرواية لأجل عدم ما يدل على سماع ابن مهزيار عنه (عليه‌السلام) بلا واسطة ، ففيه : أنّ هذا من الاحتمالات المخالفة للظاهر جداً ، لأنّ الظاهر من الرواية عن شخص هو السماع عنه ، ولذا يكون التعبير المتداول في الرواية عن شخص مع الواسطة (روى فلان بإسناده عن فلان) وإلّا كان ذلك تدليساً ، مضافاً إلى أنّ هذا الاحتمال متطرق في نفس الرّواة أيضا ، فلا سبيل حينئذٍ إلى إحراز رواية كل منهم عن آخر بلا واسطة لتسلم عن إشكال الإرسال ، فتدبّر.

وبالجملة : فالرواية سليمة عن كل سقم ، فتكون حجة ، ودلالتها على حرمة المرضعة الأولى واضحة ، ولو فرض عدم الوثوق بها ـ الّذي هو مدار الحجية وعدم ثبوت الإجماع أيضا ـ فمقتضى عمومات الحلّ عدم حرمة المرضعة الأولى.

وأمّا المرضعة الثانية ، ففي حرمتها خلاف ، قال في الشرائع : «ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أوّلا ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة دون الثانية ، لأنّها أرضعتها وهي بنته ، وقيل : بل تحرم أيضا ، لأنّها صارت أمّا لمن كانت زوجته ، وهو أولى» انتهى ، وقال في التحرير : «ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى حرمن كلهن ، وقيل تحرم المرتضعة وأولى المرضعتين ، وقوّاه الشيخ وهو ضعيف» انتهى ، وعن المسالك :

«نسبة التحريم إلى ابن إدريس والمحقق في ـ فع ـ وأكثر المتأخرين ، بل لم يحك القول الأوّل ـ وهو الحلية ـ إلّا عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد» انتهى ،

٢٢٠