الزَّنةُ يَوْرَى.
قال : وسمعت أبا الهيثم يقول : أَوريت الزَّند ، فَوَرَتْ تَرِي وَرْياً ورِيةً.
وقد يُقال : وَرِيت تَوْرَى وَرْياً ورِيةً.
وزَنْدٌ وارٍ ؛ وأنشد :
* أُمِّ الهُنَيْنَيْن من زَنْدٍ لها وارِي *
وأما قول لَبِيد :
تَسْلُب الكانِسَ لم يُورَ بها |
شُعْبةُ الساقِ إذا الظِّلُّ عَقَلْ |
رُوي : لم يُورَ بها ، ولم يُورأ بها ، ولم يُوأَر بها.
فمن رواه لم يُورَ بها ، فمعناه : لم يَشعر بها ، وكذلك : لم يُورأ بها ، يُقال : وَرَيتُه ، وأَوْرأتُه ، إذا أعْلَمته. وأصله من وَرَى الزّند ، إذا ظهرت نارُها ؛ كأن ناقته لم تُضىء للظَّبْي الكانِس ولم تَبِنْ له فَيَشعر بها لسُرعتها ، حتى انتهت إلى كناسه فندَّ منها جافلاً ؛ وأنشدني بعضهم :
دَعاني فلم أُورَأ به فأَجَبْتُه |
فمدَّ بئَدْي بَيننا غَير أقْطَعا |
ومن رواه : لم يُوأر بها ، فهي من : أُوار الشمس ، وهو شدّة حرّها ، فقلبه ، وهو من التَّنْفِير.
أور : يقال : أوأرته فاستوأر ، إذا نَفَّرته.
وقال الفَرّاء في كتابه في «المصادر» : التَّوراة من الفِعل : التَّفْعِلة ؛ كأنها أُخذت من : أوريت الزِّناد ، وورّيتها ؛ فتكون تَفْعلة في لُغة طيىء ، لأَنهم يقولون في التوصية : تَوْصاة ، وللجارية : جاراة ، وللناصية : ناصاة.
وقال أبو إسحاق في التوراة : قال البصريون : توراة أصلها فَوْعَلة ، وفَوعلة كثيرة في الكلام ، مثل : الحوصَلة ، والدوخلة. وكُل ما قلت فيه فوعلت فمصدره : فوعلة. فالأَصل عندهم : وَوْراة. ولكن الواو الأولى قُلبت تاء ، كما قُلبت في تَوْلج وإنما هو فَوْل من : وَلجت ؛ ومثله كثير.
وقال غيره : واستوريت فلاناً رأياً ، أي طلبت إليه أن ينظر في أمري فيستخرج رأياً أمْضى عليه.
والوَرِيّ : الضَّيف ؛ وقال الأَعشى :
وتَشُدّ عَقْد وَرِيِّنا |
عَقْدَ الحِبَجْر على الغِفَارَه |
قال : وسُمِّي وريّاً ، لأنّ بَيْته يُواريه.
يقال : واريته ، وورّيته ، بمعنى واحد.
قال الله عزوجل : (ما وُورِيَ عَنْهُما) [الأعراف : ٢٠] أي سُتِر ، على فُوعِل.
وقرىء : ورُوي عنهما ، بمعناه.
والواري : السَّمِين من كُل شيء.
وأَنْشد شمرٌ لبعض الشُّعراء يَصف قِدْراً :
ودَهْمَاء في عُرْض الرُّواق مناخةٍ |
كَثِيرة وَذْرِ اللَّحْم وارية القَلْبِ |
يُقال : قَلْبٌ وارٍ ، إذا تَغَشَّى بالشَّحم والسِّمَن.
الكسائي : أرض وَئِرة ، وهي الشَّديدة الأوار ، وهو الحَرّ.
قال : وهي مَقلوبة.
وقال الليث : يُقال : من الإرَة ، وأَرْت إرَةً ، وهي إرَةً مَوْءُورَة.
قال : وهي مُستوقد النار تحت الحمّام وتحت أتُون الْجِرَار والجَصَّاصة.
إذا حَفَرْت حُفْرةً لإِيقاد النار ، يقال : وَأرتها أئِرها وَأراً وإرَةً.
والجميع : الإرَات ، والإرُون.
وقال في قول لَبِيد :
* تَسلُب الكانِسَ لم يُؤأَرْ بها*
من ذلك.
قال : ويُرْوَى بيت لَبيد لم يُؤْرَ بها بوزن لم يُعْرَ من الأَرْي ، أي لم يَلْصق بصَدره الفَزع.
وقد قيل : إنّ في صدرك عليّ لأَرياً ، أي لَطْخاً من حِقْد.
وقد أَرَى عليّ صَدْرُه.
قال : وأَرْي القِدر : ما التصق بجوانبها من الحَرق.
وأرْي العَسل : ما التصق بجوانب العَسّالة ؛ وأنشد قول الطّرماح في صفة دَبْر العَسل :
إذا ما تَأَرّت بالْخَلِيّ نَبَتْ به |
شرِيجَيْن مما تَأْتَري وتُتِيعُ |
أي تَقيء العَسل.
قال : والتزاق الأري بالعسَّالة : ائتراؤُه.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : أَرت القِدْر تَأْري أَرْياً ، إذا احترقت ولَصِق بها الشيء.
وقال أبو زيد والكِسائي مِثْلَه.
وقال ابن بُزُرْج : يقال للبن إذا لَصِق وَضَرُه بالإِناء : قد أرِي.
وهو الأَرْي ، مثل الرَّمْي.
وقال : أرِي الصَّدْرُ أَرْياً ، وهو ما يَثْبت في الصَّدر من الضِّغن.
وأَرِيت القِدر تأْرِي أَرْياً ، وهو ما يَلْصَق بها من الطَّعام ، وقد أَرَت تأرِي أيضاً.
وقالوا في الأرْي وهو العسَل : أَرت النحل تَأري أَرْياً.
وقالوا من الإرَة ، وهو الحُفرة التي تُوقد فيها النار : إِرَة بَيِّنة الإِرْوة.
وقد أَرَوْتُها آرُوها.
ومن آريّ الدابّة : أَرّيت تأْرِيةً.
والآريّ : ما حُفر له وأُدخل في الأرض ، وهي الأُرْبة ، بالباء ، والرَّكَاسة.
أخبرني المُنذريّ ، عن ثعلب ، عن ابن
الأعرابي : قال : قُرارة القِدْرِ ، وكُدَادتُها ، وأَرْيُها.
قال : وأَرْي السّماء : ما أَرَتْه الرِّيحُ تأْرية أَرْياً ، أي تَصُبَّه شيئاً شَيئاً.
وأَرْي النَّحل : العَسَلُ تأرِي به من أفواهها.
وقال اللّيث : قال زُهير :
يَشِمْنَ بُروقَها وَيُرشّ أَرْي الْ |
جَنُوب عَلَى حواجِبها العَمَاءُ |
أي ما وَقع من النّدى على الشَّجر والعُشْب فلم يزل يَلْزق بعضُه ببعض ويكثُر.
قلت : وَأَرْي الجَنوب : ما اسْتَدَرَّته الجَنوب من الغَمام إذا مَطرت.
وقال ابن السّكيت : في قولهم : ل «المعْلف» : آريّ ؛ قال : هذا مما يَضعه الناس في غير مَوْضعه ، وإنّما الآري مَحْبس الدابَّة.
وهي الأواريّ ، والآواخِيّ.
واحدتها : آخية.
وآرِيّ إنما هو من الفعل : فاعُول.
تأرّى بالمكان إذا تَحَبّس.
ومنه : أَرَت القِدْرُ ، إذا لَصِق بأَسفلها شيءٌ من الاحتراق ؛ وأنْشد :
لا يتأرَّون في المَضِيق وإن |
نادَى منادٍ كي يَنْزِلُوا نَزَلُوا |
وقال العجَّاج :
* واعْتَاد أرْبَاضاً لها آرِيُ *
قال : اعتادها : أتاها ورجَع إليها ، والأَرباض : جمع رَبَض ، وهو المَأْوى ، وقوله لها آريّ أي لها آخِية مِن مكانس البَقر لا تزول ولها أَصل ثابت.
وأنشد ابن السِّكِّيت أيضاً :
داويتُه بالمَحْض حتى شَتَا |
يَجْتذب الآرِيّ بالمِرْوَدِ |
أي : مع المِرْود. يصف فرساً ؛ وأراد بآريّه : الرَّكاسة المَدْفونة تحت الأرض المُثَبَّتة ، فيها تُشَدّ الدابّة من عُروقها البارزة ، فلا تَقْلَعْها لثَباتها في الأرض.
فأمّا الليث فإنه زَعم أن الآري المَعْلف.
والصواب ما قال ابن السّكيت ، وهو قول الأصمعي.
ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : الإرةَ : النار.
والإرة : الْحُفرة للنار ، والإرةَ : اسْتِعار النار وشدّتها ، والإرَة : الْخَلْعءَ (١) ، وهو أن يُغْلى اللَّحْم والخلّ إغلاءً ، ثم يُحْمل في الأَسْفار.
والإرة : القَدِيدُ ، ومنه خَبر بِلَال : قال لنا رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم : «أَمعكم شيءٌ من الإرَة؟»
__________________
(١) كذا في المطبوع.
أي : القَديد.
وقال أبو عمرو : هو الإرة ، والقَدِيد والمُشَنَّق ، والمُشَرَّق ، والمُتَمَّر ، والموهر ، والمقرند ، والوَشيق.
شَمِر : الإرة ، النار. يقال : ائتنا بإرَة ، أي بنار. والإرة : الحُفرة ، وهي البُؤْرة ، والإرة : العداوة أيضاً ؛ وأَنشد :
* لِمُعالج الشَّحْناء ذي إرَةٍ*
وقال أبو عبيد : الإرة : الموضع الذي تكون فيه الْخُبْزة ، قال : وهي المَلّة ، قال : والخُبزة : هي المَليل.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : استوأرت الإبل ، إذا تتابعت على نِفَارٍ واحِد.
وقال أبو زَيد : ذاك إذا نفرت فصَعَّدت الجبل ، فإذا كان نفارها في السَّهل قيل : استَأْورت.
قال : وهذا كلام بني عقيل.
وقال أبو عمرو الشيباني : المُستأور : الفَارّ.
واستأور البعير ، إذا تهيّأ للوُثوب ، وهو بارك.
وقال غيره : يقال للحُفرة التي يَجتمع فيها الماء : أُورة ، وأُوقة ؛ قال الفَرزدق :
* تَرَبّع بين الأُورتين أَميرُها*
وقال الليث : المُسْتأْور : الفَزِع ؛ وأنشد :
كأنّه بزوانٍ نامَ عن غَنَمٍ |
مُستأوِرٌ في سَواد اللَّيل مَدْءُوب |
وقال ابن الأعرابي : الوائِر : الفَزع.
والأُوار : شدّة حَرّ الشمس ، ولَفح النّار ووَهجها.
ويومٌ ذو أُوار ، أي ذو سَمُوم وحَرّ شَديد.
الوِئار المُمَدَّدة ، وهي مخاض الطِّين الذي يُلاط به الحِياض ؛ قال :
بذي وَدَعٍ يَحُلّ بكُلّ وَهْدٍ |
رَوايا الماء يَظَّلِم الوِئارَا |
وأخبرني المُنذري ، عن أبي العيال ، عن ابن الأعرابي أنه أَنشده :
هلُمّ إلى أُمَية إنّ فيها |
شِفاء الواريات مِن الغَلِيل |
قالوا : الواريات : الأَدْواء.
قال : ويُقال : الوَرَى : شَرق يقع في قَصبة الرّئَتَيْن فَيَقْتُل البَعِيرَ. وبَعِيرٌ مَوْرِيّ. وبه ريِّة ، بغير همز. قالها الباهليّ.
وقال أبو سَعيد في قوله تعالى : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢)) [العاديات : ٢] يعني الخيل في المَكَرّ ، أي تَقدح النار بحوافرها إذا رَكضت على الحِجارة.
وفي حديث عُمَر أنه جاءتْه امرأةٌ جَلِيلةٌ فَحَسرت عن ذراعَيْها فإذا كُدُوحٌ ، وقالت : هذا من احتراش الضّبَاب. فقال لها : لو أَخذت الضَّبّ فَورَّيته ثم دعوت بمِكْتَفَةٍ
فَثَمَلْتَه كان أَشْبَع.
أي رَدغته في الدَّسم.
وقولهم : لَحْمٌ وارٍ ، أي سَمين.
وجَزُور وارٍ ، أي سَمين.
وقوله : فثملته ، أي أَصْلحته.
وفي الحديث : إن رجلاً شَكَا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم امرأتَه ، فقال : «اللهم أَرِّ بَيْنَهما».
قال أبو عُبيد : أَي أَثْبت الوُدّ بينهما ؛ وأَنْشد :
* لا يَتأرّى لِما في القِدْر يَرْقُبه*
أي لا يتلبّث ولا يَتَحبَّس.
قال : ورَوى بعضُهم هذا الحديثَ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه دعا بهذا الدعاء لعليّ وفاطمة ، عليهماالسلام.
والتّأرِّي : جَمْع الرَّجُل الطَّعَام لِبَيْته (١).
روى : أبو العبّاس ، عن ابن الأَعْرابيّ : الرّوِيّ : السّاقِي.
والرَّوِيّ : الضَّعِيف ، والسَّوِيّ ، الصَّحيح البَدَن والعَقْل.
وقال غيره : رَوى فلانٌ حديثاً وشِعراً ، يَرْوِيه رِوايةً ، فهو : راوٍ.
فإذا كَثرت رِوَايته ، قيل : هو راوِية ، الهاء للمُبالغة في صفة الرِّوَاية.
ويقال : رَوَّى فلانٌ فلاناً شِعْراً ، إذا رَوَاه له حتى حَفِظه للرِّواية عنه.
ويقال : رَوِي فلانٌ من الماء ، يَرْوَى رِيّاً.
فهو : رَيّان ، والأُنثى : رَيّاً ، والجميع : رِوَاء ، وماءٌ رَوَاءٌ ، ممدود مَفْتوح الرّاء.
وماءٌ رِوًى ، مَقصور بالكسر ، إذا كان يَصْدُر مَن يَرِدُه عن رِيّ.
ولا يكون هذا إلّا صِفة لأعْداد المياه التي لا تَنْزح ولا يَنقطع ماؤها ؛ قال الراجز :
ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ |
هذا مقامٌ لكِ حتّى تِيبَيْهْ |
ويوم التَّرْوية : الثامن من ذي الحِجَّة ، سمِّي به لأن الحُجّاج يَتَرَوَّوْن به من الماء ويَنهضون إلى مِنًى ولا ماء بها ، فيتزوّدون رِيَّهم من الماء.
أبو عُبيد : الرَّاوية ، هو البَعير الذي يُسْتَقى عليه الماء.
والرجُل المُسْتقِي أيضاً : رَاوِية.
يقال : رَوَيْت على أَهله : أَرْوى رَيَّةً.
قال : والوعاء الذي يكون فيه الماء إنما هي المَزادة ، سُمِّيت : راويةً ، لمكان البَعير الذي يَحْملها.
وقال ابن السِّكِّيت : يُقال : رَوَيْت القوم أَرْويهم ، إذا اسْتَقيت لهم.
__________________
(١) هذا الكلام الذي سبق هنا تحت مادة (ورى) جاء في «اللسان» وغيره من كتب اللغة موزعاً بين (أرى) و (ورى) و (أور) و (وأر) و (ورأ) ، (إبياري).
ويُقال : من أين رَيَّتُكم؟ أي من أين تَرْتَوون الماءَ؟
وقال غيرُه : الرِّواء : الحبل الذي يُرْوَى به على الرَّاوية إذا عُكِمت المَزَادتان.
يقال : رَوَيْت على الرَّاوية ، أَرْوى رَيّاً ، فأنا رَاوٍ ، إذا شَدَدْت عليهما الرِّواء ؛ وأَنْشَدَني أعرابيّ ، وهو يُعَاكِمني :
* رَيّاً تَمِيميّاً على المَزَايِد*
ويُجمع : الرِّواء : أَرْوِية.
ويُقال له : المِرْوَى ، وجمعه : مَرَاوَى.
ورجلٌ رَوَّاءٌ ، إذا كان الاسْتِقاء بالرَّاوِية له صِنَاعة.
يقال : جاء رَوَّاء القوم.
وقال اللّيث : يُقال : ارْتَوت مفاصِلُ الدّابّة ، إذا اعْتَدلَت وغَلُظت.
وارْتوت النَّخْلةُ ، إذا غُرست في قَفْر ثم سُقِيت في أَصْلها.
وارتوى الحَبْلُ ، إذا كَثر قُواه وغَلَظ في شِدّة فَتْل ؛ وقال ابنُ أحْمر يذكرُ قَطاةً وفَرْخَها :
تَرْوِي لَقًى أُلْقِيَ في صَفْصَف |
تَصْهره الشَّمْسُ فما ينْصهِرْ |
تَرْوِي ، معناه : تَسْتَقي.
يقال : قد رَوَى ، معناه : قد اسْتَقى على الرَّاوية.
وفرسٌ ريّان الظّهْر ، إذا سَمِن مَتْناه.
وفرسُ ظمآن الشَّوى ، إذا كان مُعَرَّق القَوائم.
وإنّ مفاصِله لظِماءٌ ، إذا كان كذلك ؛ وأَنْشد :
* رِوَاءٌ أَعَاليه ظِماءٌ مَفاصِلُه*
ويُقال للمرأة : إنها لَطيّبة الرَّيَّا ، إذا كانت عَطِرة الجِرْم.
وريّا كلِّ شيء : طيبُ رائحته ؛ ومنه قوله :
* نَسِيم الصّبا جاءت بريَّا القَرَنْفُل*
وقال المتَلَمِّس يَصف جاريةً :
فلو أنّ مَحْمُوماً بِخَيْبَرَ مُدْنَفاً |
تَنَشَّقَ رَيّاها لأقْلع صالِبُهْ |
ورُوي عن عُمر أنّه كان يأخذ مع كُل فَريضة عِقالاً ورِواءً ـ الرِّواء ، مَمْدود ، وهو حَبْل ـ فإذا جاءت إلى المدينة باعها ثم تصدّق بتلك العُقُل والأرْوية.
قال أبو عُبيد : الرِّواء : الحَبل الذي يُقْرن به البَعيران.
قلت : الرِّواء : الحَبل الذي يُرْوى به على البَعير ، وأما الحبلُ الذي يُقْرن به البَعيران ، فهو القَرَن ، والقِرَان.
أبو عُبيد ، عن الأحمر : الأُرْوِيّة : الأُنثى من الوُعُول.
وثلاث أَرَاوِيّ ، إلى العَشر.
فإذا كثرت ، فهي الأَرْوَى.
وقال أبو زيد : يُقال للأُنْثى : أُرْوِيّة ؛
وللذَّكر : أُرْوية.
ويُقال للأُنثى : عَنْز ؛ وللذَّكر : وَعِل.
وهي من الشّاء لا من البَقر.
أبو عُبيد : يُقال : لنا عند فلانٍ رَوِيّة وأشْكَلَة ، وهما الحاجة.
ولنا قِبله صارّة ، مثله.
قال : وقال أبو زيد : بَقيت منه رَوِيّة ، أي بقيّة ، مثل التَّلِيَّة : وهي البَقيّة من الشيء.
ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : يُقال لسادة القوم : الرَّوَايَا.
قلت : وهي جمع راوية. شَبّه السيّد الذي تَحمَّل الدِّيات عن الحيّ بالبَعِير الرَّاوِية ؛ ومنه قول الراعي :
إذا نُدِبت رَوَايا الثِّقْل يَوْماً |
كَفَيْنا المُضْلِعات لمن يَلِينا |
أراد : ب «روايا الثِّقل» : حوامل ثِقْل الدِّيات. والمُضْلِعات : التي تُثْقل مَن حَمَلها. يقول : إذا نُدِب للدِّيات المُضْلعة حَمّالوها كنّا نحن المُجيبين لحَمْلها عمّن يَلِينا من دُوننا.
وقال رجلٌ من بني تَميم ، وذكر قوماً أغاروا عليهم : لقيناهم فقتلنا الرَّوايا ، وأبحْنا الزَّوايا. أي قتلنا السّادة وأبحنا البُيوت ، وهي الزَّوايا.
ابن السِّكيت : روَّيت رأسي بالدُّهْن ، ورَوّيْت الثّرِيد بالدَّسَم.
ورَوَّأت في الأمر ، مَهْموز.
وفلانٌ ليس له رَويّة في الأُمور ، بغير هَمر.
وقال الأصمعي : رَوَّأت في الأَمر ، وريَّأت : فكَّرت ، بمعنًى واحد.
في بَعض الحديث عن عَون أنه ذكر رجلاً فقال : تكلَّم فَجَمع بين الأرْوَى والنَّعام.
يريد أنه جَمع بين كَلمتين مُختلفتين ، لأن الأرْوَى يكون بِشَعف الجِبال ، وهي شاء الوَحْش ، والنَّعام يكون في الفَيافي والْحَضِيض.
يقال في المَثل : لا تَجمع بين الأرْوى والنَّعام.
رأى : قال اللّيث : الرَّأيُ : رَأْي القَلْب.
والجمع : الآرَاء.
ويقال : ما أضَلّ آرَاءهم! وما أَضلَ رَأْيَهم!
ويقال : رأيتُه بعينيّ رُؤْيةً.
ورأيتُه رَأي العَيْن ، أي حَيث يَقَع البَصَرُ عليه.
ويُقال من «رَأْي» القَلب : ارتأَيت ؛ وأَنشد :
ألا أيّها المُرْتَئِي في الأُمُورِ |
سَيَجْلو العَمَى عَنْك تِبْيانُها |
وقال الفَرّاء في قوله عزوجل : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] : إذا تَركت
العربُ الهمزة من الرُّؤْيا قالوا : الرُّويَا ، طَلَباً للخفّة ، فإذا كان من شأنهم تحويلُ الواو إلى الياء قالوا : «لا تَقْصُص رُيّاك» في الكَلام ، وأما في القُرآن فلا يَجُوز ؛ وأنشد أبو الجرّاح :
لَعِرْضٌ من الأعراضِ يُمْسي حَمامُه |
ويُضْحِي على أفْنانِه الغين يَهْتِفُ |
|
أحبّ إلى قَلبي من الدِّيك رُيَّةً |
وبابٍ إذا ما مال للغَلْقِ يَصْرِفُ |
أراد «رُؤْية» فلما ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تَحوّلت ياءً مشدَّدة ، كما قالوا : لَوَيته لَيّاً ، وكَوَيْته كَيّاً ، والأصل : لَوْياً ، وكَوْياً.
قال : وإن أشرت فيها إلى الضمة فقلت : رُيّاً ، فرفَعت الراء ، فجائز ، وتكون هذه الضَّمة مثل قوله : صُيِل ، وسُيِق ، بالإشارة.
وزعم الكسائي : أنه سمع أعرابيّاً يقرأ : «إن (١) كنتم للرُّيَّا تَعْبُرون».
وقال اللّيث : رأيت رُيّاً حَسنة.
قال : ولا تجْمع الرُّؤيا.
وقال غيره : تجمع الرُّؤيا : رُؤًى ، كما يُقال : عُلْياً ، وعُلًى.
قوله عزوجل : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم : ٧٤]. قُرِئت رِءْياً بوزن رِعْياً وقُرئت رِيّاً.
وقال الفرّاء : الرّئْيُ : المَنْظر.
وقال الأخفش : الرِّيّ ما ظهر عليه ممّا رأيت.
وقال الفَراء : أهل المدينة يَقْرءونها رِيّاً بغير هَمز ، وهو وجه جيّد ، من رأيت ، لأنه مع آيات لَسْنَ مَهْموزات الأواخر.
وذكر بعضهم أنه ذهب بالرِّيّ إلى رَوِيت إذا لم يَهْمز.
ونحو ذلك قال الزّجّاج.
قال : ومن قرأ رِيّاً بغير هَمْز فله تَفْسيران : أحدهما : أنّ مَنْظره مُرْتَوٍ من النِّعمة ، كأن النَّعيم بَيِّنٌ فيهم.
ويكون على تَرك الهَمزة من رأيت.
وقال الليث : الرَّئِيّ : جِنِّي يَعْرض للرّجل يُريه كهانةً وطِبّاً.
يُقال : مع فُلان رَئِيّ.
قال : والرُّوَاء : حُسن المَنْظر في البَهاء والجمال.
يقال : امرأة لها رُواء ، إذا كانت حسنة المَرْآة ، والمَرْأَى ، كقولك : المَنْظرة ، والمَنْظر.
والمِرآة : التي يُنْظر فيها.
وجمعها : المَرَائي.
__________________
(١) في المطبوع : «وإن».
ومن حَوّل الهمزة قال : المَرَايَا.
قال أبو زيد : إذا أمرت من رأيت قلت : ارْ زَيداً. كأنك قلت : ادْع زيداً.
فإذا أردت التخفيف قلت : رَ زيداً.
فَتُسْقط ألف الوَصل فتحرّك ما بعدها.
قال : ومن تَحقيق الهمز قولك : رأيت الرجل. فإذا أردت التخفيف قلت : رايت الرجل. فحركت الألف بغير إشباع همز ، ولم تسقط الهمزة لأنّ ما قبلها مُتحرك ، فتقول : الرّجُل يَرَى ذاك ، على التَّخفيف.
قال : وعامّة كلام العرب في : يرى ، وترى ، ونرى ، وأرى ، على التخفيف.
وقال بعضهم يخففه ، وهو قليل. فيقول : زيد يرأى رأياً حَسناً. كقولك : يَرْعَى رَعْياً حَسناً ؛ وأَنشد :
أُرى عَيْنَيّ ما لم تَرْأَياه |
كِلانا عالمٌ بالتُّرّهّاتِ |
وقال اللِّحياني : اجتمعت العربُ على همز ما كان من رأيت واسْترأيت وارتأيت وراءيت وما كان من رؤية العين.
وقال بعضهم بترك الهمزة ، وهو قليل.
قال : وكُل ما جاء في كتاب الله مَهْموز ، وأَنْشد فيمن خَفّف :
صاح هل رَيْت أو سَمِعت برَاعٍ |
رَدْ في الضَّرْع ما تَرَى في الحِلَابِ |
والكلام العالي الهمز ، فإذا جئت إلى الأفعال المُستقبلة التي في أولها الياء والتاء والنون والألف ، اجتمعت العربُ الذين يَهْمزون والذين لا يهمزون على ترك الهمزة ، كقولك : يَرى ، وتَرى ، وأرى ، ونرى ، وبه نزل القُرآن ، إلا تَيم الرِّباب فإنّها تَهمز فتقول : هو يرأى ، وترأى ، ونرأى ، وأرأى.
فإذا قالوا : متى نراك؟ قالوا : متى نرآك؟
مثل نَرْعاك.
وبعضٌ يقلب الهمزة ، فيقول : متى نَراؤُك؟
مثل : نَرَاعُك ؛ وأَنْشد :
ألا تلك جارَتُنا بالغَضَا |
تَقُول أتَرْأَيْنَه لن يضِيفَا |
وأنشد فيمن قَلَب :
ماذا نَراؤُك تُغْنِي في أخِي ثِقَةٍ |
من أُسْد خَفّان جَأْب الوَجه ذي لُبد |
قال : فإن جئت إلى الأمر ، فإِن أهل الحجاز يتركون الهمز فيقولون : رَ ذاك ؛ وللاثنين : رَيَا ذاك ؛ وللجميع : رَوا ذاك ؛ وللمرأة : رَيْ ذاك ، وللنِّسوة : رَيْن.
وتَميم تهمز في الأمر على الأصل ، فيقولون : ارْأ ذاك ، وارْأيا ، ولجماعة النِّسوة : ارْأَيْن.
قال : فإِذا قالوا : أَرَيْت فلاناً ما كان من أمره ، أَرَيْتكم فلاناً ، أفَريتكم فلاناً ؛ فإِن أَهل الحجاز يهمزونها ، وإن لم يكن مِن كلامهم الهَمْز.
فإذا عَدوت أهل الحجاز فإِنَّ عامّة العرب على ترك الهمزة ، نحو : أريت الذي يُكَذِّب ، أَرَيْتُكم. وبه قرأ الكسائي ، تَرَك الهمز فيه في جميع القرآن ؛ وأَنشد لأبي الأسود :
أرَيْتَ امْرَأ كنْتُ لم أَبْلُه |
أتانِي فقال اتَّخذني خَلِيلاً |
فترك الهمزَة.
وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب ، عن أبيه ، عن الفراء في قول الله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) [الأنعام : ٤٠].
قال : العرب لها في أرأيت لغتان ومَعنيان : أحدهما أن يسأل الرجُل الرجلَ : أرأيت زَيداً بعينك؟ فهذه مَهموزة.
فإِذا أوقعتها على الرّجل منه قلت : أرأيتَك على غير هذه الحال؟ يُريد هل رأيت نَفْسك على غير هذه الحال. ثم تُثنّي وتَجمع ، فتقول للرَّجُلين : أَرَأيْتُماكما ، وللقوم : أرأيتُموكم ، وللنِّسْوة : أرأتنّ كنّ ، وللمرأة : أرأيتِك ، بخفض التاء ، لا يجوز إلا ذلك.
والمعنى الآخر ، أن تقول : أرأيْتَك.
وأنت تقول : أَخْبرني ، فتهمزها وتنصب التاء منها ، وتترك الهمز إن شئت ، وهو أكثر كلام العرب ، وتترك التاء موحّدة مَفتوحة للواحد والواحدة والجميع ، في مؤنثه ومذكره ، فتقول للمرأة : أرأيتَك زيداً ، هل خَرج؟ وللنِّسوة : أرأَيتكنّ زيداً ما فعل؟
وإنما تركت العربُ التاء واحدةً لأنّهم لم يُريدوا أن يكون الفِعل منها واقعاً على نفسها ، فاكتفوا بذكرها في الكاف ، ووجّهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذا لم يكن الفِعل واقعاً.
ونحو ذلك قال الزّجاج في جميع ما قال.
ثم قال : واخْتلف النّحويّون في هذه الكاف التي في (أَرَأَيْتَكُمْ).
فقال الفرّاء والكسائيّ : لفظها لَفْظ نَصب ، وتأويلها تَأويل رَفْع.
قال : ومثلها الكاف التي في دونك زيداً ، لأن المعنى : خُذْ زَيداً.
قال أبو إسحاق : وهذا القول لم يَقُله النّحويّون القُدماء ، وهو خطأ ، لأن قولك : أرأيتَك زَيْداً ما شأنُه؟ يُصَيِّر أرأيت قد تعدّت إلى الكاف ، وإلى زيد ، فتَصير أرأَيْت اسْمَيْن ، فيَصير المَعْنى : أرَأيتَ نَفْسَك زَيداً ما حاله؟
قال : وهذا مُحَالٌ. والذي يَذْهب إليه النَّحويون الموثوق بعلمهم أن الكاف لا موضع لها ، وإنما المعنى : أرأيت زيد ما حاله؟ وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب ، وهي المعتمد عليها في الخطاب. فتقول للواحد المذكر : أرأَيْتَك
زيداً ما حاله؟ بفتح التاء والكاف ، وتقول في المؤنث : أرأيتك زيداً ما حاله يا مَرأة؟ فتفتح التاء على أصل خطاب المذكر وتكسر الكاف ، لأنّها قد صارت آخر ما في الكلمة والمنبئة عن الخطاب ، فإن عَدَّيت الفاعل إلى المَفْعُول في الباب صارت الكاف مفعولة ، تقول : رأَيْتني عالماً بفُلان.
فإذا سألت عن هذا الشَّرط قلت للرَّجل ، أَرَأَيْتَك عالماً بفلان؟
وللاثنين : أرأَيْتماكما عالِمَيْن بفلان؟
وللجميع : أرأيْتُموكم؟ لأن هذا في تأويل : أَرأيتم أنْفُسكم؟
وتقول للمرأة : أرأيتِك عالمةً بفُلان؟
بكسر التاء.
وعلى هذا قياس هذين البابين.
أَخبرني المُنذريّ ، عن أبي العباس ثعلب ، قال : أَرأَيْتَك زَيْداً قائماً؟ إذا اسْتخبر عن زيد تَرَك الهَمْز ، ويجوز الهَمْز.
وإذا استخبر عن حال المخَاطب كان الهَمز الاختيار ، وجاز تَرْكه ، كقولك : أرَأَيْتَك نَفْسَك؟ أي ما حالُك ، ما أَمْرُك؟
ويجوز : أَرَيْتَك نَفْسك؟
وذكر شَمر حديثاً بإسناد له أن أبا البَخْتريّ قال : تراءَيْنَا الهلال بذات عِرْق فسألنا ابن عبّاس ، فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مَدَّه إلى رُؤيته ، فإنْ أُغمِي عليكم فَأكْمِلوا العِدَّة.
قال شَمِر : قوله : تراءينا الهلال ، أي تكلَّفنا النَّظر إليه ، هل نَراه أم لا؟
قال : وقال ابن شُميل : انْطلقْ بنا حتى يُهلّ الهِلال ، أي نَنْظر أنَراه؟
وقد تراءينا الهِلال : أي نَظرناه.
وقال الفراء : العرب تقول : راءَيت ، ورَأَيْت.
وقرأ ابن عبّاس : (يُراؤُنَ النَّاسَ) [النساء : ١٤٢].
وقد رَأَّيْتُ تَرْئِية ، مثل : رَعَّيت تَرْعِية.
قال : وقال ابن الأعرابي : أَرَيْتُه الشيءَ إراءةً ، وإراية ، وإرْءَاءةً.
قال : وقال أبو زيد : تراءَيت في المِرآة تَرائِياً.
ورَأَّيْتُ الرَّجُل تَرْئِيَةً ، إذا أَمْسكتَ له المِرآة لِيَنْظُر فيها.
واسْتَرْأيت الرجل في الرأي ، أي اسْتَشَرتُه.
وراءيته ، وهو يُرائيه ، أي يُشاوره ؛ وقال عِمران بن حَطّان :
فإنْ تكُن حين شَاوَرْناك قلْتَ لنا |
بالنُّصح منك لنا فيما نُرائِيكَا |
أي : نَسْتَشيرك.
قُلت : وأمّا قول الله عزوجل : (يُراؤُنَ النَّاسَ) [النساء : ١٤٢] وقوله : (يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)) [الماعون : ٦ و٧]
فليس من المُشاورة ، ولكن مَعناه ، إذا أَبْصرهم النّاس صَلّوا ، وإذا لم يَرَوهم تَركوا الصَّلاة.
ومن هذا قول الله عزوجل : (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) [الأنفال : ٤٧].
وهو المُرائي ، كأنّه يُرِي الذي يَراه أنه يَفْعل ولا يفعل بالنيّة.
وأما قول الفَرزدق يهجو قوماً ويَرمي امرأَةً مِنهم بغير الجَمِيل :
وبَات يُراآها حصاناً وقد جَرَتْ |
لنا بُرَتاها بالّذي أنا شَاكره |
قوله : يُراآها : يظن أنها كذا. وقوله : لنا بُرتاها ، معناه : أنها أَمكنته من رِجْلَيها.
قال شَمر : العرب تقول : أرى الله بفلانٍ ، أي أرى الله الناسَ بفُلَانِ العذابَ والهلاك ، ولا يقال ذلك : إلا في الشر ؛ وقال الأعشى :
وعَلِمت أنّ الله عَمْ |
داً خَسَّها وأَرَى بها |
قال ابن الأعرابي : أرى الله بها أعداءها ما يَسُرهم ؛ وأنشد :
* أرانا الله بالنَّعَم المُنَدَّى*
وقال أبو حاتم نحوَه.
ورُوي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا تَراءى نارَاهُما».
قال أبو عُبيد : معناه : أنّ المُسلم لا يَحلّ له أن يَسْكن بلاد المُشركين فيكون معهم بقَدْر ما يَرى كُلُّ واحدٍ منهم نار صاحبه.
ويقال : تراءينا ، أي تلاقينا فرأيتُه ورآني.
وقال : أبو الهيثم في قوله : لا تراءى ناراهما ، أي لا يَتَّسم المُسلم بِسمة المُشْرك ولا يَتَشَبَّه به في هَدْيه وشَكله ، ولا يتخلّق بأخلاقه ، من قولك : ما نارُ بَعِيرك؟ أي ما سِمَته؟
ويقال : داري تَرى دار فلان ، أي تقابلها ؛ وقال ابن مُقْبِل :
سَلِ الدّارَ مِن جَنْبَي حَبِيرٍ فواحِفٍ |
إلى ما رَأى هَضْبَ القَلِيب المصَبَّح |
أراد : إلى ما قابَله.
قال الأصمعي : رأسٌ مُرْأى ، بوزن مُرْعًى ، إذا كان طويل الخَطم فيه شَبيه بالتَّصْويب ، كهيئة الإبْريق.
وقال ذو الرُّمّة :
وجَذْب البُرَى أَمْرَاس نجران رُكِّبت |
أواخِيُّها بالمُرْأَيات الزَّواحِف |
يعني أواخيّ الأمراس ، وهذا مَثل.
والرّاية : العَلم ، لا تهمزها العربُ ، وتجمع : رايات ، وأصلها الهَمز.
ويقال : رأيت رايتَه ، أي رَكَزتُها.
وبعضهم يقول : أَرْأَيتها ، وهما لُغتان.
وقال اللَّيث : الراية ، من رايات الأعلام.
وكذلك الراية التي تجعل في العُنق.
وهما من تأليف ياءين وراء.
وتصغير الرَّاية : رُيَيَّهْ.
والفعل : رَيَّيْت رَيّاً ، ورَيَّيْت تَرِيَّةً.
والأمر بالتخفيف ارْيهْ ، والتشديد ريِّهْ.
وعلمٌ مَرِيّ ، بالتخفيف.
وإن شئتَ بَيَّنت الياءات فقُلت. مَرْئِيٌ ، بِبَيان الياءات.
والعرب تقول : أَرى اللهُ بفلانٍ ، أي أَرْأَى به ما يَشمِت به عدوّه ؛ ومنه قول الأعشى :
وعلمت أنّ الله عَمْ |
داً خَسَّها وأَرَى بها |
يَعني قبيلةً ذكرها ، أي أَرَى الله عدوَّها ما شَمِت به (١).
وقال النّضر : الإرآء : انتكاب خطم البعير على حَلْقه.
يقال : جمل مُرْأى ، وجِمالٌ مُرْآة.
أبو عُبَيد ، عن أبي زيد : إذا استبان حمل الشاة من المعز والضأن وعَظُم ضَرْعها قيل : أَرْأَت ، تقديره أَرْعَت.
ورمّدت تَرْمِيداً ، مثله.
وروى ابن هانىء عنه : أرأت العَنْزُ خاصّة ، ولا يُقال للنّعجة : أَرأت ، ولكن يُقال : أَثْقلت ، لأنّ حياءها لا يَظهر.
وقال الليث : يقال من الظن : رِيتُ فُلاناً أخاك.
ومن همز قال : رُؤِيت.
فإذا قُلت : أرى وأخواتها ، لم تهمز.
قال : ومَن قلب الهمزة من رأى قال : راء ، كقولك : نأى ، وناء.
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه بدأ بالصّلاة قبل الخُطْبة يوم العيد ثم خَطب فرُئِي أنه لم يُسمع النِّساء فأتاهن ووعَظهن.
وقال الفراء : قرأ بعض القُرّاء : وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى [الحج : ٢] فنصب الراء من تُرى.
قال : وهو وَجه جيّد ، يُريد مثل قولك : رُئيتُ أنك قائم ، ورُئِيتك قائماً ، فيجعل سكارى في موضع نَصب ، لأن ترى تحتاج إلى شيئين ، تَنْصبهما ، كما تحتاج ظَنّ.
قلت : رُئيت ، مقلوب ، الأصل فيه : أُريت ، فأخّرت الهمزة ، وقيل : رُئيت ، وهو بمَعنى الظّنّ.
وقال الليث : يقال : فلانٌ يتراءى برأي فلان ، إذا كان يَرى رأيه ويَميل إليه ويَقْتدي به.
ويقالُ : منازلهم رئاءٌ ، على تقدير رِعَاء ، إذا كانت متحاذية ؛ وأَنْشد :
__________________
(١) معنى نحو من هذا ، (إبياري).
ليالي يَلْقَى سِرْبُ دَهْما سِرْبَنا |
ولَسْنا بجيرانٍ ونحن رِئَاءُ |
ابن بُزُرْج : التَّرْئية ، بوزن التَّرْعِية : الرجُلُ المُخْتال.
وكذلك : التّرائية ، بوزن التّراعِية.
الليث : التَّرِيّة ، مشدّدة الياء ، والتَّرِيَة ، خفيفة الياء بكسر الراء ، والتَّرْية ، بجزم الراء ، كلها لُغات ، وهي ما تراه المرأة من بقيّة حَيضها من صُفرة أو بَياض.
قلت : كأنّ الأصل فيه تَرئية ، وهي تفعلة من رأيت فخفّفت الهمزة ، فقيل : تَرْيِية ، ثم أُدغمت الياء في الياء فقيل : تَرِيّة.
وقال : ويقال للمرأة : ذاتُ التَّرِيّة ، وهي الدمُ القليل.
وقد رأت تَرِيَّة ، أي دماً قلِيلاً.
وفي حديث النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّ أَهل الجنَّة ليتراءَوْن أهْلَ عِلِّيّين كما تَرَوْن الكوكب الدُّرِّي في كَبِدِ السَّماء».
قال شمر : يَتراءَوْن : يتفاعلون ، من رأيت كقولك : تراءَيْنا الهِلَال.
وقال : معناه : يَنْظُرون.
وقال غيره : معنى يتراءون أي : يرون ، يدُل على ذلك قوله : كما تَرَوْن.
أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : يُقال لكل ساكن لا يَتَحَرَّك : ساجٍ وَرَاهٍ (١) وَرَاءٍ.
قال شمر : لا أعرف راءٍ بهذا المعنى إلا أن يكون أراد راه فجعل بدل الهاء ياء.
وقال ابن الأنباري : رِئِيٌ من الجِنّ ، بوزن رِعِيّ وهو الذي يَعْتاد الإنسان من الجِنّ.
قال : الرِّئْيُ ، بوزن الرِّعْي بهمزة مُسكَّنة : الثوبُ الفاخر الذي يُنْشر ليُرَى حُسْنه ؛ وأَنْشد :
* بذي الرِّئْي الجَمِيل من الأَثاث*
أبو العباس ، عن ابن الأعرابي : أَرْأَى الرَّجل ، إذا كَثرت رُؤَاه ، بوزن رُعَاه وهي أحلامه ، جمع الرُّؤْيا.
اللَّحياني : على وَجْهه رَأْوة الحُمق ، إذا عَرفت الحُمق فيه قبل أن تَخْبُره.
ويُقال : إنّ في وَجهه لرَأْوَةً ، أي نَظْرةً ودَمامَة.
قال : وأرْأَى ، إذا تَبَيَّنت الرَّأْوَةُ في وَجْهه ، وهي الحَماقة.
وأَرْأَى ، إذا تراءى في المِرآة.
وأرأى ، إذا صار له رَئيّ مِن الجِنّ.
ويقال : أَرْأَى الرَّجُل ، إذا أظهر عَملاً صالحاً رِيَاءً وسُمْعة.
وأَرْأَى ، إذا اشْتكى رِئَته ، وأرأى ؛ إذا اسْودّ ضَرْعُ شاتِه.
وأَرْأى : إذا حَرّك بعَينيه عند النظر تَحْريكاً كثيراً ، وهو يُرأْرِي بعَينَيه.
__________________
(١) في المطبوع : «راءٍ» والتصويب من «اللسان» (رأى).
أبو الحسن اللَّحياني : يقال : إنه لخَبيثٌ ولو ترى ما فلان؟ ولو تَرَ ما فلان؟ رَفْعٌ وجَزْم.
وكذلك : لا تر ما فلان؟ ولا ترى ما فلان؟
فيها جميعاً وجهان : الجزم والرفع.
فإِذا قالوا : إنه لخبيث ، ولم تر ما فلان ، قالُوا بالجزم.
وفلان في كُله رفْع.
وتأويلها : ولا سيما فلانٌ.
حُكي ذلك كُله عن الكسائي.
رأرأ : عمرو بن أبي عمرو ، عن أبيه : الرَّأرأة : تَقْليب الهَجُول عَيْنَيها لطالبها.
يقال : رأرأت ، وجَحظت ، ومَرْمَشت ، بعَيْنَيها.
ورأيته جاحظاً مِرْماشاً.
وقال اللّحياني : يقال : رَأْرأٌ ، ورَأْرَاءٌ ، إذا كان يُكْثر تَقْليب حدقَتَيه.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : رَأْرأت بالغنم رَأْرأة ، تقديره رَعْرَعت رعرعة ، وطَرْطَبْت بها طَرْطَبة ، إذا دَعَوْتها.
وهذا في الضأن والمَعز.
قال : والرّأْرأة ، مثْلها : إشْلَاؤُكها إلى الماء.
قال : والطّرطبة ، بالشَّفَتين.
ويقال : رَجُل رَأرَاء ؛ وامرأة رَأراء ، بغير هاء ، ممدود ؛ وقال :
* شِنْظيرةُ الأخلاق رَأْراء (١) العَيْن*
ويُقال : رأرأتِ الظِّباءُ بأَذْنابها ، ولألأت ، إذا بَصْبَصت.
راء : أبو عُبيد ، عن الأَصْمعي : من نبات السَّهل : الرَّاء ، والواحدة : راءَة.
وقال أبو الهَيثم : الرّاء : زَبَدُ البَحْر.
والمَظّ : دم الأخوين ، وهو دمُ الغزال وعُصارة عُروق الأرْطى ، وهي حُمر ؛ وأَنشد :
كأنّ بنَحْرها وبِمِشْفَريْها |
ومَخْلِج أَنفها راءً ومَظَّا |
والمَظّ : رُمّان البَرّ.
أرر ـ * أير ـ أدر : الحرّاني ، عن ابن السِّكيت : آر الرَّجُل حَلِيلته يَؤُورها.
وقال غيره : آرها يَئِيرها أيْراً ؛ إذا جامَعها.
وقال الفَراء ، فيما رَوى عنه أبو عُبيد : أَرَرْتُ المرأة أَؤُرُّها أرّاً ، إذا نكحتَها.
وفيما أقرأني الإيادي ، عن شَمر لأبي عُبيد : رَجُلٌ مِئَرٌّ ، إذا كان كثير النِّكاح.
مأخوذ من الأير. هكذا قرأت عليه.
__________________
(١) في «اللسان» (شنظر): «جهراء العين» ، أورده ابن منظور في (رأرأ).
وهو عندي تصحيف ، والصواب : رَجُلٌ مِيئر ، بوزن مِيعر فيكون حينئذ مِفْعلاً من : آرها يئيرها أيْراً.
وإن جعلته من الأرّ قلت : رجلٌ مئَرٌّ ؛ وأَنْشد أبو بكر محمد بن دُريد قولَ الرّاجز :
بَلّت به عُلابِطاً مِئَرَّا |
ضَخْم الكراديس وأى زِبِرَّا |
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : آر الرَّجُل ، إذا شَفْتَن ؛ وأنشد :
* وما النّاس إلا آئِرٌ ومَئِير*
قلت : جعل أرّ وآرَ بمعنى واحد.
أبو عبيد ، عن الأصمعي : من أسماء الصَّبا : إير ، وهِير ؛ وأَيْر ، وهَيْر ؛ وأَيِّر ، وهَيِّر ، على مثال فَيْعل.
ابن السكيت ، عن الفرّاء في باب فِعْل وفَعْل ، يقال للشمأل : إير وأَير ، وهِير وهَيْر.
قال : وقال غيره : هي الصَّبا.
أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : الإيرُ : رِيحُ الجَنْوب.
وجمعه : إِيَرَة.
قال : والآرُ : العارُ.
والإيَار : اللُّوح ، وهو الهواء.
أخبرني المُنذريّ ، عن ثعلب ، عن سَلمة ، عن الفَرّاء أنه قال : يُقال لرِيح الشَّمال : الجِرْبِيَاء ، بوزن رَجُلٌ نِفْرِجَاء وهو الجَبان.
ويقال للشَّمال : إيرٌ ، وأَيْر ، وأَيِّر ، وأَوُور.
قال : وأَنشَدَ في بعض بني عُقَيل :
* شآميّة جُنْحَ الظَّلام أَوُور*
وقال : الأوُور ، على فعول.
وقال الأصمعيّ : من أسماء الصَّبا : إير ، وأَيْر ، وهِير وهَيْر ، وأَيِّر وهَيِّر ، على مثال فَيْعِل.
اللحياني عن أبي عمرو : ويقال للصّبا : إير وهِير ، وأَير وهَير ، وأيِّر وهَيِّر.
وقال اللَّيث : إيرٌ وهِيرٌ : موضعٌ بالبادية ؛ وقال الشماخ :
على أَصلاب أَحْقب أَخْدَرِيٍ |
مِن اللَّائِي تَضَمَّنَهُن إِيرُ |
ويقال : رجل أُيارِيٌ ، إذا كان عظيم الأَيْر.
ورَجُلٌ أُنافيّ : عظيم الأنف.
ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه أنه تَمَثَّل يوماً فقال : من يَطُلْ أَيْرُ أَبيه يَنْتَطِق به. معناه : أنه من كَثُرت ذُكور وَلد أبِيه شدَّ بعضُهم بَعضاً.
ومن هذا المعنى قولُ الشاعر :
فلو شاء ربِّي كان أَير أبيكمُ |
طويلاً كأَير الحارث بن سَدُوس |
وقال اللَّيث : الإرَار : شِبه ظُؤْرة يَؤُرّ بها
الرّاعي رَحِم الناقة إذا ما رَنَت فلم تَلْقَح.
وتفسير قوله : يَؤُرّ بها الراعي هو أن يُدخل يدَه في رَحمها فيَقْطع ما هُناك ويُعَالجه.
قال : والأيْر : أن يأخذ الرَّجُل إراراً ، وهو غُصن من شَوك القتاد وغيره ، فيضربه بالأرْض حتى تلينَ أطرافُ شَوكه ، ثم يبُلّه ثم يَذُرّ عليه مِلْحاً مَدقوقا فيؤَرّ به ثَفْر الناقة حتى يُدْمِيها ، وذلك إذا ما رَنَت فلم تَحمل.
قال : والأرير : حكايةُ صوت الماجِن عند القِمار والغَلَبة ، يقال : أرّ يأرّ أرِيراً.
أبو زيد : ائْتَرّ الرجل ائْتراراً ، إذا استَعْجل.
قلت : لا أدري أبالزاي هو أم بالراء؟
يرر : وقال اللّيث : اليَرَرْ ، مصدر «الأيَرّ».
يقال : صَخرة يَرّاء ، وحَجرٌ أَيَرّ.
قال : وقال أبو الدُقَيْش : إنّه لحارٌّ يارٌّ.
عَنى رَغيفاً أُخْرج من التَّنُّور.
وكذلك إذا حَمِيت الشمسُ على حَجر أو شيء غيرِه صُلْب فلزمَتْه حرارةٌ شديدةٌ ، يُقال : إنّه حارٌّ يارٌّ.
ولا يُقال لماءٍ ولا طِين إلّا لشيءٍ صُلْب.
والفِعْل منه : يَرّ يَيَرّ يَرَراً.
ولا يُوصف به على نَعْت أفعل وفَعْلان إلا الصَّخر والصّفا ، يقال : صَفاةٌ يَرّاء ، وصَفاً أَيَرُّ.
ولا يُقال : إلّا مَلَّةٌ حارّة يارّة.
وكل شيء من نحو ذلك إذا ذكروا اليارّ لم يذكروه إلا وقَبْله حارّ.
ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه ذكر الشُّبْرمَ فقال : «إنه حارٌّ يارٌّ».
قال أبو عُبيد : قال الكسائيّ : حارٌّ يارٌّ.
قال : وقال بعضهم حارّ جارّ ، وحَرّان يَرّان ، إتباع ، ولم يَخُصّ شيئاً دون شيء.
وقال العجَّاج يصف الغَيْث :
وإن أصاب كَدَراً مَدَّ الكَدَرْ |
سنابِكُ الخَيْل يُصَدِّعْن الأَيَرّ |
[أير] : قال أبو عمرو : الأيَرّ : الصَّفا الشَّديد الصَّلابة.
وقال بعده :
مِن الصَّفا القاسِي ويَدْهَسْن الغَدَرْ |
عَزَازةً ويَهْتَمِرْن ما انْهَمَرْ |
يَدْهَسْن الغَدَرَ ، أي يَدَعْن الجِرْفَةَ وما تعادَى من الأَرض دَهاساً.
وقال بعده :
* من سَهْلةٍ ويَتَأَكَّرْن الأُكَرْ*
يعْنِي ، الخيلَ وضَرْبها الأرض العَزَاز بحوافرها.
أبو عُبيد ، عن الأمويّ : الحجر الأيَرّ ، على مثال الأَصَمّ : الصُّلْب.
رير : أبو عُبيد ، عن اليزيدي : مُخّ رارٌ ، ورَيْرٌ ، ورِيرٌ ، للذَّائِب.
وقال الفراءُ مِثلَه.
اللَّحياني ، عن أبي عمرو : مُخٌ رِيرٌ ، ورَيْرٌ ، للرَّقِيق.
ورر : سلمة ، عن الفرّاء : الوَرْوَرِي : الضَّعيف البَصَر.
وكذلك قال ابْن الأعْرابيّ.
قال : والوَرّ : الوَرِك.
وقال في موضع آخر : الوَرّة ، بالهاء : الوَرِك.
ومن رباعيه
[فرنب] : الفِرْنِب : وهو الفأر. قاله ابن الأعرابيّ.
آخر كتاب الراء
كتاب اللام من «تهذيب اللغة»
أبواب المضاعف منه
[باب اللام والنون]
ل ن
لن ، نل.
نل : أَهمله الليث.
ابن الأعرابي : النُّلْنُل : الشَّيخ الضَّعِيف.
لن : قال النّحويون : «لن» تَنْصب المُسْتقبل ، واختلفوا في علّة نَصْبها إيّاه.
فقال أبو إسحاق : رُوي عن الخليل فيه قولان :
أحدهما : أنها (١) نَصبت كما نصبت «أن» ، وليس «ما» بعدها بصلة ، لأنّ «لَن تفعل» نَفْيُ «سيفعل» ، فيقدّم ما بعدها عليها ، نحو قولك : زيداً لن أضرب ، كما تقول : زيداً لم أَضْرب.
ورَوى سيبويه عن الخليل : الأَصل في «لن» : «لا أن» ، ولكنّ الحَذف وَقع اسْتخفافاً.
قال : وزَعم سيبويه أنّ هذا ليس بجيّد ، ولو كان كذلك لم يَجز : زيداً لن أَضرب ، وهو جائز على مذهب سيبويه عن الخليل وجميع النحويين البَصْريين.
وحكى هِشام عن الكسائي مِثْلَ هذا القول الشاذّ عن الخليل ، ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابُه.
الليث ، عن الخليل في «لن» أنه «لا أن» فوُصلت لكثرتها في الكلام ، ألا تَرى أنها تُشبه في المَعْنى «لا» ولكنها أَوْكد ، تقول : لن يُكرمَك زيدٌ. معناه : كأنه كان يَطمع في إكرامه ، فَنَفَيْت ذاك ووكَّدت النَّفْي ب «لن» فكانت أوجب من «لا».
[باب اللام والفاء]
ل ف
لف ، فل.
لف : اللَّيث : اللَّفَف : كثرةُ لحم الخَدَّين والفَخِذَين.
وهو في النّساء نَعت ، وفي الرِّجال عَيْب.
تقول : رَجُلٌ ألفّ : ثَقيل.
واللَّفيف : ما اجتمع من الناس من قبائل
__________________
(١) في المطبوع : «أنها».
شتَّى ليس أَصْلُهم واحداً.
يقال : جاءوا بلَفّهم ولَفِيفهم.
عمرو ، عن أبيه : اللَّفيف : الجمع العظيم من أَخْلاط شَتّى ، فمنهم الشَّريف والدَّنيء ، والمُطِيع ، والعاصي ، والقويّ والضَّعيف.
الليث : اللَّفيف من الكلام : كُل كلمة فيها مُعتلّان ، أو مُعتلّ ومُضاعف.
قال : واللَّفَف ما لفّفوا من هاهنا وها هنا ، كما يُلفّف الرجلُ شهادةَ الزُّور.
أبو العباس ، عن الأخفش ، في قوله جلّ وعزَّ : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)) [النبأ : ١٦] واحدها : لفّة.
وقال أبو العبَّاس : لم نَسمع شجرة لَفَّة ، ولكن واحدها : لَفَّاء ، وجمعها : لُفٌ ، وجمع لُفّ : أَلْفاف.
وقال أبو إسحاق «أَلْفافاً» أي : وبساتين مُلْتَفّة.
ابن الأعرابي : عن المفضَّل : اللفّ : الصِّنْف من الناس ، من خَير أو شَر.
واللَّفّ : الأَكْل.
واللَّفّ : الشَّوابل من الجواري ، وهن السِّمَان الطِّوال.
وفي حديث أُمّ زرع : إن أكل لَفَ.
قال أبو عُبيد : اللَّف في المَطعم : الإكثار منه مع التخليط من صُنوفه ، لا يُبقي منها شيئاً.
ابن الأعرابي : اللَّفَف : أَن يَلْتوي عِرْقٌ في ساعد العامل فيُعَطِّله عن العَمل.
غيره : الألفّ : عِرقٌ يكون بين وَظيف اليَد وبين العُجاية في باطن الوَظيف ؛ وأَنشد :
يا رَيَّها إنْ لم تَخُنِّي كَفِّي |
أو يَنْقطع عِرْقٌ من الألَفّ |
ابن الأعرابي : لَفْلَف الرَّجُلُ ، إذا اضطرب ساعدُه من الْتواء عِرْق فيه.
وهو اللَّفَف ؛ وأَنشد :
الدَّلْو دَلْوِي إنْ نجت من اللَّجَفْ |
وإن نجا صاحبُها من اللَّفَفْ |
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الألَفّ : العَيِيّ.
قال الأصمعيّ : هو الثقيل اللِّسان.
المبرّد : اللَّفيف : إدخال حَرف في حَرف.
الليث : ألَفّ الرجلُ رَأسَه ، إذا جَعله تحت ثَوبه.
وألَفّ الطائر رأسَه ، إذا جعله تحت جناحه.
وقال أُميّة بن أبي الصَّلْت :
ومنهم مُلِفٌ رأسَه في جَناحه |
يكاد لذِكْرَى ربِّه يَتَفَصَّدُ |
ابن الأعرابي : لَفْلَف الرَّجُل ، إذا اسْتَقْصى الأكل والعَلْف.
قال : ولَفْلَف : موضعٌ.
ويقال : تلفّف الرَّجُل بثَوْبه ، والتَفَ به.