تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

باب المعتل من حرف النون

ن ف (وايء)

نفى ، ناف ، فنا ، فان ، إنف ، ينف ، أفن ، وفن ، فون ، فنو ، نفو ، إفن.

ينف : يَنُوف : اسمُ جَبلٍ في البادية.

نفى : اللّيث : نَفَيْت الرَّجُلَ وغيرَه نَفْياً ، إذا طَرَدْته ، فهو مَنْفِيّ : قال الله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة : ٣٣].

قال بعضهم : معناه : مَن قَتله فَدَمُه هَدَرٌ ، أي لا يُطالب قاتلُه بدَمِه.

وقيل : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) : يُقاتلون حينما تَوجَّهوا منها لا يُتْركون فارِّين.

وقيل : نَفْيهم ، إذا لم يقْتلوا ولم يأخُذوا مالاً ، أو يُخلَّدوا في السِّجن ، إلا أن يَتُوبوا قبل أن يُقْدَر عليهم.

ونَفْي الزَّاني الذي لم يُحْصِن : أن يُنْفَى من بلده الذي هو به إلى بلد آخَر سنةً.

وهو التَّغْرِيب الذي جاء في الحَديث.

ونَفْي المُخنَّث : أن يُطرد من مُدن المُسلمين ، كما أَمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بِنَفْي هِيتٍ وماتع ، وهما مُخَنّثان كانا بالمَدينة.

ويُقال : نفيت الشيء أَنْفِيه نَفْياً ونُفَاية ، إذا رَدَدْته.

والنُّفاية : المَنْفِيّ القَلِيل ، مثل : البُراية والنُّحاتة.

ونَفِيُ الماء ، ما انْتَضح منه إذا نُزع من البئر بالدَّلو والقِرَب ؛ ومنه قولُ الراجز :

كأنّ مَتْنَيْه من النَّفِيّ

من طُول إشْرافِي على الطَّوِيّ

مواقعُ الطّيْر على الصفيّ

وهذا ساقٍ كان أسود الجِلدة يَسْتَقِي من بئر مِلْح ، فكان يَبْيَضّ نَفِيّ الماء على ظَهِره إذا تَرَشَّش ، لملُوحته.

أبو زيد : النِّفْية ، والنِّفْوة ، هما اسم ما نُفي من شيء لِردَاءته.

ابن شُميل : يقال للدائرة التي في قُصاص الشَّعر : النَّافِية ؛ وقُصاص الشَّعر : مُقَدَّمه.

ابن الأعرابي : النَّفِيّة ، والنُّفْيَة : سُفرة مُدوَّرة تُتخذ من خُوص النَّخْل.

وعوام الناس بالحجازِ يسمّونها : النَّبِيّة ، وهي النَّفيّة.

اللحياني : النَّفِيّ والنَّثِيّ ، هو ما نَفاه الرِّشاءُ مِن الماء.

قال : والفَنَا والثَّنا : فِناء الدار.

الليث : نَفِيّ الرِّيح : ما نَفى من التراب في أُصول الحِيطان ونحوه.

٣٤١

وكذلك : نفيّ المَطر ؛ ونَفِيّ القِدْر.

أبو عُبيد : نَفَى الرجلُ عَن الأَرض.

ونَفَيْته أنا ؛ وقال القُطاميّ :

فأصْبح جاراكُم قَتِيلاً ونافِياً

أَصَمّ فَزَادوا في مَسامعه وَقْرَا

وقال الليث نَحْوَه.

يُقال : نَفَى الشيءُ يَنْفى نَفْياً ، أي تَنَحّى.

ومن هذا يُقال : نَفَى شَعَرُ فلان يَنْفِي ، إذا ثار واشْعانّ ؛ ومنه قول محمد بن كعب القُرظيّ لعمر بن عبد العزيز حين استُخْلف فرآه شَعِثاً ، فأدام النظر إليه ؛ فقال له عمر : ما لك تديم النظر إليّ؟ فقال : أنظر إلى ما نَفَى من شَعرك ، أي ثار وشَعِث.

ويقال : انتفى فلانٌ من ولده ، إذا نَفاه عن أن يكون له ولداً.

وانْتفى فلانٌ من فلانٍ ، وانْتَفل منه ، إذا رَغِب عنه أَنَفاً.

وانْتفى شَعرُ الإِنسان ، ونفَى ، إذا تساقط.

وانتفى ورقُ الشجر ، إذا تساقط.

ونَفَيان السَّحاب : ما نَفَى من مائه فأَسَاله ؛ وقال ساعدة الهُذليّ :

يَقْرُو به نَفيانُ كُلِّ عشيّة

فالماءُ فَوق مُتونه يَتصبَّبُ

وأما نَفيان السَّيْل ، فهو ما فاض من مُجتمعه كأنه يجتمع في الأنهار والإخاذات ، ثم يَفيض إذا مَلأها ، فذلك نَفَيانهُ.

الأصمعي : النَّفأ من النَّبت : القِطَع المتفرِّقة. واحدتها : نُفْأة.

ناف : ناف ، وأناف ، إذا أَشْرَف.

ومن «ناف» يقال : هذه مِئة ونَيِّف ، بتَشديد الياء ، أي زيادة.

وعوامّ الناس يخفّفون ويقولون : ونَيْف ، وهو لَحن عند الفُصحاء.

وقال أبو العبّاس : الذي حَصَّلناه من أقاويل حُذّاق البَصرِّيين والكوفيين أن «النَّيِّف» من واحدة إلى ثلاث.

قال : والبِضْع ، من أَربع إلى تِسْع.

ويقال : نَيَّف فلانٌ على السِّتِّين ونحوها ، إذا زاد عليها.

الليث : يقال : أنافت هذه الدراهم على مئة ، وأناف الجبل ؛ وأناف البِناء.

فهو جَبَلٌ مُنِيف.

وبناء مُنِيف ، أي طويل.

وناقة نِياف ، وجَمل نِيَافٌ ، أي طويل في ارتفاع.

قال : وبعضهم يقول : جمل نَيَّاف ، على «فَيْعال» إذا ارتفع في سَيْره ؛ وأَنْشد :

* يَتْبعن نيّاف الضّحى عَزاهِلَا*

ويُروي : زيّاف الضُّحى ، وهو عندي أصَحّ.

ابن الأعرابي : النَّوْف : السَّنام العالي. وبه

٣٤٢

سُمِّي نَوْفٌ البِكَالِيّ.

قال : والنَّوْف : بُظارة المرأة.

ويُقال لكل شيء مشرف على غيره : إنه لمُنِيف ؛ قال طرفة يصف الخيل :

وأنافتْ بهَوَادٍ تُلُعٍ

كَجذوعٍ شُذِّبت عنها القُشُرْ

ومنه يُقال : عشرون ونَيِّف ، لأنه زائد على العَقْد.

وكذلك : ألْف ونَيِّف.

ولا يُقال : نَيِّف ، إلا بَعد كُل عَقْد.

قال : وقال الأصمعي : النَّيِّف ، الفَضْل.

يُقال : ضَع النَّيِّفَ في مَوْضعه.

وقد نَيَّف العددُ على ما تَقُول.

المؤرّج : النَّوْف : المَصّ من الثَّدْي.

والنَّوْف : الصَّوْت.

يقال : نافت الضَّبُعة تَنُوف نَوْفاً.

قلت : وهذان الحرفان لا أَحفظهما ، ولا أدري من رواهما عنه.

أبو عُبيد ، عن الفراء : نَئِف يَنْأَف ، إذا أَكل. ويَصْلُح في الشُّرب.

قال : وقال أبو عمرو : نَئِف في الشَّراب إذا ارْتوى.

فين : الكسائي وغيره : الفَيْنة ، الوقت من الزَّمان.

قال : وإن أخذت قولهم ، شَعَر فَيْنان ، من «الفَنَن» ، وهو الغُصن ، صَرَفته في حالي المَعرفة والنكرة ، وإن أخذته من «الفَيْنة» ، وهو الوقت من الزمان ، ألحقته بباب : فَعْلان وفَعْلانة ، فصرفْته في النكرة ، ولم تَصْرفه في المعرفة.

أبو زَيد : يَقال : إني لآتي فلاناً الفينةَ بعد الفَيْنة ، أي آتِيه : الحِين بعد الحين ، والوقت بعد الوقت ، ولا أَريم الاختلاف إليه.

فنا : الليث : الفَنَاء : نقيض البَقَاء ، والفِعْل : فَنَى يَفْنَى فَنَاءً ، فهو فانٍ.

غيره : فَنِي الرَّجُلُ يَفْنَى ، إذا هَرم وأَشْرف على المَوْت ؛ وقال لَبيد يَصف الإنسانَ وفَنَاءه :

حبائِلُه مَبْثوثةٌ بِسَبِيله

ويَفْنَى إذا ما أَخْطأته الحَبائِلُ

أي : يَهْرم فيموت ، لا بُد منه ، إذا أخطأته أسبابُ المَنايا في شبِيبته وقبل هَرَمه.

الفِناء : سَعةٌ أمَام الدَّار. وجمعه : الأَفْنِية.

ابن الأعرابي : بها أفْناء من الناس وأَعْناء ، أي أَخْلاط. الواحد : عِنْوٌ ، وفِنْوٌ.

وقال أبو حاتم وأبو الهَيْثم : يُقال : هؤلاء من أفْناء الناس. ولا يُقال في الواحد : رجُلٌ من أَفناء الناس.

وتفسيره : قوم من ها هنا وها هنا نُزَّاعٌ.

٣٤٣

ولم نَعْرف لها واحداً.

أبو عمرو : شجرة فَنْواء : ذات أَفَنانٍ.

أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : الفَنَاء ، مَقْصور : عِنَبُ الثَّعْلَب. ويُقال : نَبْت آخر ؛ وقال زُهَيْر :

كأنّ فُتات العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ

نَزَلْن به حَبُ الفَنا لم يُحَطَّم

ابن الأعرابي : أَنْشد قول الراجز في صِفة راعي غَنَم :

صُلْب العَصَا بالضَّرْبِ قد دَمَّاها

يَقُول لَيْت الله قد أَفْنَاهَا

فيه مَعْنيان : أحدهما : أنّه جَعل عَصاه صُلْبة ، لأنه يحتاج إلى تَقْويمها ، ودَعا عليها فقال : ليت ربِّي قد أَهْلكها ودمّاها ، أي سَيّل دَمَها بالضَّرب لخِلافها عليه.

والوجه الثاني في قوله «صُلب العصا» أي لا تُحوجه إلى ضربها ، فعصاه باقية. قوله «بالضرب قد دَمّاها» ، أي : كساها السِّمَن ، كأنه دَمَّمَها بالشَّحْم ، لأنه يُرَعِّيها كُلّ ضَرب من النَّبات.

وأما قوله «ليت الله قد أفناها» ، أي : أَنْبت لها الفَنَا ، وهو عِنَب الثَّعلب حتى تَغْزُر وتَسْمَن.

قال : والأفاني : نَبْت أصْفر وأحمر.

واحدته : أَفَانِية.

أبو عبيد ، عن أبي عمرو : وإذا يَبس الأفاني ، فهو الحَمَاط.

قلت : هذا غَلط ، لأن «الأفاني» : نَبْت من ذُكور البَقْل ، وإذا يَبِس تناثر وَرَقُه.

وأما الحَماط ، فهو الحَلَمة ولا هَيْج لها ، لأنها من الْجَنْبة.

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : الفَنَاة : البَقَرة.

وجمعها : فَنَوات.

قال : وقال الأمويّ : فانَيْتُه ، أي سَكَّنْتُه.

غيره : المُفاناة : المُداراة ؛ وأَنْشد :

* كما يُفَانِي الشُّمُوسَ رائِدُها*

أبو تراب ، عن أبي السَّمَيْدع : بنو فلان ما يُعانُونُ مالَهم ولا يُفَانُونه ، أي ما يقومون عليه ولا يُصْلِحونه.

أفن : أبو عُبيد ، عن أبي زيد : المَأفون ، والمأفوك ، جميعاً ، من الرِّجال : الذي لا زَوْرَ له ولا صَيُّور ، أي : لا رأيَ له يُرْجَع إليه.

وأخبرني أبو الحسن المَزنيّ ، عن أحمد ابن يحيى أنه قال : وُجْدان الرَّقِين تُعَفِّي عن أَفْن الأَفِين. معناه : أن الرَّقين يَسْتر حُمْق الأحْمق.

أبو عبيد ، عن الأصمعي : أَفَنْتُ الإبلَ أفْناً ، إذا حَلَبْت كُلّ ما في ضَرْعها ؛ وأَنْشَد للمُخبَّل :

٣٤٤

إذا أُفِنَت أَرْوى عِيالَك أَفْنُها

وإن حُيِّنتْ أَرْبى على الوَطْب حِينُها

والتَّحْيين : أن تُحْلب في كل يوم وليلة مرةً واحدة.

قلت : ومن هذا قيل للأحمق : مأفون ، كأنه نُزع عنه عَقْلُه كُلّه.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الأفْن : نَقْص اللَّبَن (١).

ويُقال : ما في فلانٍ آفِنةٌ ، أي خَصْلة تَأْفِن عَقْله ؛ وقال الكُمَيْت يمدح زياد بن مَعْقِل الأسَدِيّ :

ما حَوَّلَتْك عن اسم الصِّدْق آفِنَةٌ

من العُيُوب وما نَبّرْت بالسَّبَبِ

يقول : ما حوَّلتك عن الزيادة خصلة تنْقُصك ، وكان اسمه زياداً.

أبو زيد : أُفِن الرجلُ يُؤْفَن أفْناً ، فهو مَأفون ، وهو الذي لا خَيْر فيه.

أنف : الليث : الأَنْف ، معروف. وجمعه : أُنوف.

ورَجلَ حَمِيّ الأنْف ، إذا كان أنِفاً يَأَنَف أن يُضَام.

وقد أَنِف يَأْنَف أَنَفاً وأَنَفَةً.

وفي الحديث : كالجَمل الأنِف.

قال أبو عُبيد : هو الذي عَقر أنْفَه الخِطَامُ.

وإن كان من خِشَاش أو بُرَة أو خِزَامة في أنفه ، فهو لا يَمْتنع على قائده في شيء ، للوَجع الذي به.

قال : وكان الأصل في هذا أن يُقال له : مأنُوف ، لأنه مَفْعول به.

كما يقال : مَصْدور ومَبْطون ، للذي يَشتكي صَدْره أوْ بَطْنه.

قال : وقال بعضهم : الأنِفُ : الذَّلُول.

ولا أرى أصْله إلا من هذا.

الفَرّاء : أنَفْت الرَّجُلَ : ضربتُ أنْفَه.

وأَنَفه الماءُ ، إذا بَلَغ أنْفَه.

وقال بعض الكِلابيّين : أنِفَت الإبلُ ، إذا وقع الذُّبَابُ على أُنوفها وطَلَبت أماكِنَ لم تكن تَطْلُبها قبل ذلك.

وهو الأنَفُ ، والأنفُ يُؤْذيها بالنَّهار ؛ وقال مَعْقِل بن رَيْحان :

وقَرِّبُوا كُلّ مَهْري ودَوسَرَةٍ

كالفَحْلِ يَقْدَعُها التَّفْقِيرُ والأنَفُ

وقد أنِف البَعِيرُ الكَلأ ، إذا أجَمَه.

وكذلك المرأة ، والناقة والفرس ، تَأَنَف فَحْلَها ، إذا تبيّن حَمْلُها فكرهَتْه ؛ وقال رُؤْبة :

__________________

(١) بعده في المطبوع : «قال : والأنف السيد» ، وهو كلام مقحم وستأتي العبارة في موضعها في المادة الآتية من قول ابن الأعرابي (ص ٣١٤).

٣٤٥

حتى إذا ما أنِفَ التّنُّومَا

وخَبَطَ العِهْنَةَ والقَيْصُومَا

ابن الأعرابي : أنِفَ : أجَم ؛ ونَئِف : كَرِه ؛ قال ذو الرُّمّة :

رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرَةً

وصَمْعَاء حتى آنَفَتْها نِصَالُها

أي : صيّرت النِّصالُ هذه الإبلَ إلى هذه الحالةَ تَأْنف رَعي ما رَعَتْه ، أي تَأْجِمه.

وسمعتُ أعرابيًّا يقول : أنِفَتْ فرسي هذه البلدة ، أي اجْتَوت كَلأها فهُزِلَت.

ابن السِّكيت : رَجُلٌ أُنَافِيٌ : عَظِيم الأنْف.

وقال : أنَفَت الإبلُ ، إذا وَطِئت كلأً أُنُفاً ، وهو الذي لم يُرْعَ. يقال : رَوْضَةٌ أُنُف.

وكأس أُنُف : لم يُشْرب بها قبل ذلك ؛ كأنّه استُؤْنِف الشُّرْبُ بها.

وأَنَفْتُه ، إذا ضربتَ أنْفَه.

ويقال : هاج البُهْمَى حتى آنَفَتِ الرَّاعيةَ نِصَالُها ، وذلك أن يَيْبَس سَفَاها فلا تَرْعاها الإبلُ ولا غيرُها ، وذلك في آخر الحَرّ ، فكأنها جعَلتْها تأنف رَعْيها ، أي تَكْرهه.

ويقال : ائْتَنفتُ الأمْرَ ، واستأنفته ، إذا اسْتَقْبَلته.

وهو من : أنْف الشيء.

وأَنْف كُلّ شيء : أوَّلُه.

يُقال : هذا أَنْف الشدّ ، أي أوّله.

وأنف البرد : أوّلُه.

وأنف المطرِ : أول ما أَنْبت ؛ وقال امرؤ القَيس :

قد غَدا يَحْملني في أَنْفِه

لاحِقُ الأيْطل مَحْبُوكٌ مُمَرّ

وأَنّف خُفّ البَعير : طَرف مَنْسمه.

ابن السّكيت : أَنْف الجَبل : نادِرٌ يَشْخَص منه.

وأنْف الناب : طرفُه حين يَطْلُع.

وأنْف البرد : أشدّه.

وأنْف الشّد : أَشَدّه.

والعرب تُسمِّي «الأنف» : أنفان ؛ وقال ابنُ أحمر :

يَسُوف بأَنْفَيْه النِّقاع كأنَّه

عن الرَّوْض من فَرْط النَّشَاط كَعِيمُ

أبو زيد : أَنِفْت من قولك أشَدَّ الأنَف ، أي كَرِهتُ ما قُلْت لي.

ابن الأعرابي : الأَنْف : السيّد.

وقال في قول الله جَلّ وعزّ : (ما ذا قالَ آنِفاً) [محمد : ١٦] ، أي : مُذْ سَاعة.

وقال الزجّاج : أي : ماذا قال الساعة.

قال : ومعنى «آنِفاً» ، من قولك : استأنفتُ الشيء ، إذا ابْتدأتَه.

فالمعنى : ماذا قال في أوّل وَقْتٍ يَقْرُب منَّا.

الليث : أتيت فلاناً آنفاً ، كما تقول : من

٣٤٦

ذي قُبُل.

وقال غيرُه : أَنَّف فلانٌ مالَه تأنيفاً ، وآنَفها إينافاً ، إذا رَعاها أُنُف الكَلأ ؛ وأَنشد :

لستُ بذي ثَلَّة مُؤَنَّفةٍ

آقِط ألبانَها وأَسْلَؤُها

وقال حُميد الأرْقط :

ضَرائِرٌ ليس لهنّ مَهْرُ

تَأَنِيفهنّ نَفَلٌ وأَفْرُ

أي : رَعْيُهنّ الكَلأ الأنف ، هذان الضربان من العدو والسَّير.

ويُقال : أرض أَنِيفة ، إذا بَكَّر نباتُها.

وهذه آنَفُ بلاد الله ، أي : أَسْرعها نَبَاتاً.

الأصمعي : رَجُلٌ مِئْنَافٌ : يُرَعِّي مالَه أُنُفَ الكَلأَ.

ويُقال للمرأة إذا حمَلت فاشتد وَحَمُها وتَشَهّت على أهلها الشيءَ بعد الشيء : إنها لتتأنَّف الشّهواتِ تأنُّفاً.

ويقال للحديد الليِّن : أَنِيفُ وأَنِيث.

ويقال : فلانٌ يَتَّبع أَنْفَه ، إذا كان يَتشمَّم الرائحة فَيَتْبعها.

وإذا نَسبوا إلى بني أنف الناقة ، وهم بَطْن من بني سَعْد بن زَيد مناة ، قالوا : فلانٌ الأنْفيّ ، سُمُّوا : أَنْفِيّين ، لقول الحُطيئة لهم :

قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غَيْرُهُم

ومن يُسوِّي بأنْف الناقة الذَّنَبَا

وفن : ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الوَفْنَة : القِلّة في كُل شيء.

والتّوفُّن : النَّقْص في كُل شيء.

فون : وقال : التّفَوُّن : البَركة وحُسْن النَّمَاء.

فنو : والفَنْوة : المرأة العربيّة.

وأَفْنى الرَّجُلُ ، إذا صَحِب أَفْناء النَّاس.

نفو : النّفْوة : الخَرْجَة من بَلد إلى بَلد.

افن : وقال أبو عمرو : أتَيْتُه على إفّان ذلك ، وقِفّان ذلك ، وغِفّان ذلك ، أي على حين ذلك.

قال : والغَين ، في بَني كِلاب.

[باب النون والباء]

ن ب (وا يء)

نبأ ، ناب ، أنب ، وبن ، بني ، بان ، أبن.

وبن : اللِّحياني : ما في الدَّار وابِنٌ ، أي ما فيها أحد.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الوَبْنة : الأذَى.

والوَبْنة : الجَوْعَة.

أنب : وقال : الأناب : ضَرْبٌ مِن العِطْر يُضاهي المِسْك ؛ وأَنْشد :

فَعُلّ بالعَنْبر والأَنَابِ

كَرْماً تَدَلَّى مِن ذَرَى الأعْنَابِ

يعنى : جاريةً تَعُلّ شَعَرها بالأناب.

٣٤٧

قال : والأنَب : الباذِنْجان.

ابن السِّكيت : أنَّب فلانٌ فلاناً ، إذا عَنَّفه ، تَأْنِيباً.

غيره : التّأنيب ، والتَّوبيخ ، والتَّثْريب : أشد العَذْل.

الليث (١) : الأُنْبُوب : ما بين العُقْدتَين في القَصب والقَنَاة.

وأَنُبوب القَرْن : ما فوق العُقد إلى الطَّرف ؛ وأَنْشد :

* بسَلِبٍ أُنْبوبه مِدْرَى*

قال : ويقال لأَشراف الأَرض إذا كانت رَقَاقاً مُرْتفعة : أنَابيب ؛ وقال العجّاج يَصف وُرود العَيْر الماءَ :

* بكُلّ أُنْبوب له امْتِثالُ*

وقال ذو الرُّمّة :

إذا احْتَقّت الأَعْلامُ بالآل والْتَقَتْ

أَنابيبُ تَنْبُو بالعُيون العَوارِفِ

أي : تُنكرها عَين كانت تَعْرفها.

الأصمعي : يُقال : الْزم الأُنْبُوب. وهو الطَّريق.

والزم المَنْحَر ، وهو القَصْد.

نبا : أبو زيد : نَبا : ارْتفع.

وربَا الْخُرَاج ونَبا ، إذا وَرِم.

الليث : نَبا بَصره عن الشيء نُبُوًّا ، ونَبْوةً ، مرّةً واحدةً.

ونَبا السَّيْفُ عن الضَّريبة ، إذا لم يَحِكْ فيها.

ونَبا فلانٌ عن فلانٍ ، إذا لم يَنْقَد له.

ونَبا بفلان منزلُه ، إذا لم يُوافقه ، وأَنْشد :

* وإِذا نَبا بك مَنْزِلٌ فَتَحوَّل*

وإذا لم يَسْتمكن السَّرْجُ أو الرَّحْل على الظَّهر ، قيل : نَبَا ؛ وأَنشد :

* عُذَافِرُ يَنْبو بأَحْناء القَتَبْ*

ابنُ بُزرْج : أَكَل الرَّجُلُ أَكْلَةً إن أَصْبح منها لَنَابِياً. ولقد نَبَوْت من أَكْلَةٍ أَكلتُها ، أَي سَمِنْت منها.

وأَكل أَكلةً ظَهر منها ظَهْرهُ ، أي سَمِن منها.

ابن شُميل : نَبا بي فلانٌ ، إذا جَفانِي.

والنَّبْوة : الجَفْوة.

ويُقال : فلانٌ لا يَنْبُو في يدَيك إنْ سأَلْته ، أي لا يَمْنَعك.

ونَبت بي تلك الأَرْضُ ، أي لم أَجد بها قَراراً.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : النَّبْوة : الارْتفاع. والنَّبْوة : الجَفْوة. والنَّبْوة : الإقامة.

ابن السِّكيت : النَّبِيّ ، هو : مَن أنْبأ عن الله ، فترك هَمزه.

__________________

(١) مكان الكلام من هنا إلى آخر المادة في «اللسان» (نب) ، (إبياري).

٣٤٨

قال : وإن أخذته من «النَّبْوة» و «النَّباوة» ، وهي الارتفاع من الأرض لارتفاع قدره ولأنه شَرف على سائر الخلق ، فأصله غير الهَمز.

وقال في قول أوس بن حَجَر :

لأَصْبح رَتْماً دُقاقَ الحَصى

مكانَ النَّبِيّ من الكاثِبِ

قال : النَّبي : المكان المُرتفع. والكاثب : الرمل المُجْتمع.

وقيل : النَّبِيّ : ما نَبا من الحِجارة إذا نَجَلتها الحَوافر.

وقال الكسائي : النَّبِيّ : الطَّريق.

والأَنبياء : طُرق الهُدى.

وقال الزجّاج : القراءة المُجْتمع عليها في «النَّبيين» و «الأنبياء» طَرْح الهمزة ، وقد همز جماعةٌ من أَهل المدينة جَميع ما في القُرآن من هذا ، واشتقاقه من «نبأ» و «أنبأ» ، أي أخبر.

قال : والأجود ترك الهمز ، لأن الاستعمال يُوجب أن ما كان مهموزاً من «فعيل» فجمعه : فعلاء ، مثل : ظَريف وظُرفاء.

فإذا كان من ذوات الياء فَجمعه «أفعلاء» ، نحو : غَنِيّ وأغنياء ، ونبيّ وأنبياء ، بغير همز.

فإِذا همزت ، قلت : نبيء ونُبَآء ، كما تقول في الصحيح ، وهو قليل.

قالوا : خميس وأَخمساء ، ونَصيب وأَنصباء.

فيجوز أن يكون «نبي» من «أنبأت» مما تُرك همزة لكثرة الاستعمال.

ويجوز أن يكون من : نبا ينبو ، إذا ارتفع ، فيكون «فعيلا» من «الرِّفعة».

قال أبو معاذ النَّحويّ : سمعت أَعرابيًّا يقول : من يدُلني على النَّبِيّ؟ أي الطّريق.

حدثنا ابن منيع : قال : حدثنا عليّ بن سهل ، عن أبي سَلمة التَّبوذكيّ. قال : سَمِعْت أبا هلال يقول : ما كان بالبصرة رجُلٌ أعلم من حُميد بن هلال ، غَير أنّ النَّباوة أضَرَّت به.

قلت : كأنه أراد : أنّ طَلب الشَّرف أضَرّ به.

والنَّباوة : موضعٌ بالطائف أيضاً ، معروف : وفي الحديث : خَطَب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوماً بالنّبَاوة من الطائف.

ومن مهموزه

نبأ : قال أبو زيد : يقال : نَبَأتُ على القَوم أَنْبَأُ نَبْئاً ، إذا طَلعت عليهم.

ويُقال : نَبَأْتُ من أرضٍ إلى أرض أُخرى ، إذا خرجت منها إليها ؛ قال عَديّ بن زيد يَصِف فرساً :

٣٤٩

وله النَّعْجةُ المَرِيّ تُجاه الرَّ

كْبِ عِدْلاً بالنَّابِىء المِخْرَاقِ

أراد ب «النابىء» : الثور ، خرج مِن بَلدٍ إلى بَلد.

الليث : النَّبأ : الخَبر. وإنّ لفلان نَبأ ، أي خبراً.

والفِعل : نبّأته ، وأَنْبأته ، واسْتَنْبَأْته.

والجَميع : الأَنْبَاء.

قال اللّيث : والنَّبْأة : الصَّوتُ ليس الشّديد ؛ وأنشد :

آنَسَتْ نَبْأةً وأَفْزعها القَنَّ

اصُ قَصْراً وقد دَنا الإمْسَاءُ

أردت : آنست صاحبَ نَبْأة.

ويُقال : نَابأْت الرَّجُلَ ونَابأنِي ، إذا أَخبرتُه وأَخبرك ؛ قال ذو الرُّمة يَهْجو قوماً :

زُرْقُ العُيون إذا جاوَرْتَهم سَرَقُوا

ما يَسْرِقُ العَبْدُ أَو نَابأْتَهم كَذَبُوا

وقيل : نابأتهم : تركتُ جِوارهم وتباعَدْتُ عنهم.

ويقال : تنبّأ الكذّاب ، إذا ادّعَى النُّبوة.

وليس بنبيّ ، كما تَنَبّأ مُسَيْلِمة الكذّاب وغيره من الدجَّالين الكذَّابين المُتنبِّئين.

وقول الله تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦)) [القصص : ٦٦].

قال الفَرَّاء : يقول القائل : قال الله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧)) [الصافات : ٢٧] كيف قال ها هنا : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ)؟ قال أهل التَّفسير : إنه يقول : عَمِيت عليهم الْحُجَج يومئذ فسكتوا ، فذلك قوله : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ).

قلت : الحُجَج أنباء ، وهي جمع «النبأ» ، لأن الحجج أنباء عن الله تعالى.

نيب ـ نوب : الليث : النَّاب : مُذكَّر ، من الأسنان ؛ والجمع : أنْياب. والناب : الناقةُ المُسِنّة.

ويُجمع : نِيَباً وأنْياب.

والناب : سَيِّد القوم وكبيرُهم.

والنائبة : النازِلة.

يقال : ناب هذا الأمرُ نوبةً : نَزَل.

ونابَتْهم نوائبُ الدَّهْر.

ونَابَ عنّي فلان في هذا الأمر نِيَابةً ، إذا قام مقامَك.

وأناب فلانٌ إلى الله إنابة ، فهو مُنيب ، إذا تاب ورجع إلى الطاعة.

وتَناوَبْنا الخَطْبَ والأَمْرَ نَتناوبه ، إذا قُمْتُما به نَوْبةً بعد نَوبة.

وانتاب الرَّجُل القَوْم ، إذا أتاهم مرةً بعد مَرّة.

ويقال : المَنايا تَتناوبنا ، أي تأتي كُلًّا منّا لنَوْبته.

وجمع النَّوْبة : نُوَب.

٣٥٠

وقال غيره في قول أبي ذُؤَيب :

إذا لَسَعْته النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها

وحالَفها في بَيْت نُوبٍ عواسِلِ

لم يَرْج : لم يُبالِ. قال أبو عُبَيد.

قال : والنُّوب : جمع نائب ، من النَّحل ، لأنها تعود إلى خَلِيّتها.

وقيل : الدَّبْر يُسمَّى : نُوباً ، لسَوادها ، شُبِّهت بالنُّوبة ، وهم جِنْس من السُّودان.

وأَنْشد أبو بكر قولَ جَميل :

رَمَى الله في عَيْنَي بُثَيْنة بالقَذَى

وفي الغُرّ من أَنْيابها بالقَوادح

قال : أنيابها : ساداتُها ، أي : رمى الله بالهَلاك والفساد في أنْياب قومها وساداتها ، إذ حالوا بينها وبين زيارتي.

وقوله :

* رَمى الله في عَيني بُثَينة بالقَذَى*

كقولك : سُبحان الله ما أحسن عينيها!

ونحوٌ منه : قاتله الله ما أشجعه! وهوت أُمّه ما أرْجَله!

وقالت الكِندية تَرْثي إخوتها :

هَوت أُمهم ما ذامُهم يومَ صُرِّعُوا

بِنَيْسان من أَنْياب مَجْدٍ تَصَرَّمَا

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : النَّوْبُ : ما كان منك مَسِيرةَ يوم وليلة.

وقال ابن الأعرابيّ ، فيما رَوى شَمر عنه : النَّوْب : القَرَبُ يَنُوبها يَعهد إليها يَنالها.

قال : والقَرَب ، والنّوب ، واحد.

أبو عمر : والقَرَب ، أن يأتيها في ثلاثة أيام مَرّةً.

وقال ابن الأعرابي : النَّوْب ، أن يَطْرد الإبل باكراً إلى الماء فيُمسي على الماء يَنْتابه ؛ ومنه قولُ لَبيد :

إحدى بَني جَعْفر كَلِفْتُ بها

لم تُمْسِ نَوْباً منِّي ولا قَرَبَا

وقال ابن السِّكيت : النَّوْب ، القُرْب ؛ وأنشد لأبي ذؤيب :

أرِقْتُ لذِكره من غير نَوْبٍ

كما يَهْتاج مَوْشِيٌّ نَقِيبُ

أراد ب «الموشيّ» : الزمّارة من القَصب المُثقَّب.

قال : والنُّوب : النَّحْل : جمع : نائب.

ويُقال : أصبحت لا نَوْبة لكَ ، أي لا قُوة لك.

وكذلك : تركتُه لا نَوْبَ له ، أي لا قوّة له.

النَّضْر : يُقال للمطر الجَوْد : مُنِيب.

وأصَابنا رَبِيعٌ صِدْقٌ مُنيبٌ حَسَنٌ ، وهو دُون الجَوْد.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : نابَ فلانٌ ، إذا لَزم الطاعةَ.

وأناب ، إذا تاب فرجع ؛ قال الله تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) [الزمر : ٥٤].

٣٥١

ابن شُميل : يقال للقوم في السَّفر : يتناوبون ويَتنازلون ، ويَتطاعمون ، أي يأكلون عند هذا نُزْلَة وعند هذا نزلةً.

والنُّزْلة : الطَّعام يَصنعه لهم حتى يَشْبعوا.

يقال : كان اليوم على فلانٍ نُزْلتنا ، وأكلنا عنده نُزْلتنا ، وكذلك النَّوْبة.

والتَّناوُب على كل واحد منهم نَوْبة يَنُوبها ، أي طَعام يَوْم.

وجمع ، النَّوْبة ، نُوَب.

بنى : الليث : بَنَى البَنّاء البِنَا بَنْياً ، وبِنَاءً ، وبِنًى ، مَقْصور.

والبِنْية : الكعبة ؛ يقال : لا وربّ هذه البِنْية.

قال : والبُنوّة ، مصدر «الابن».

ويقال : تَبَنّيته ، إذا ادَّعَيْت بُنُوّته.

والنّسبة إلى «الأبناء» : بنوي وأَبناوي ، نحو الأَعْرابي ، ينسب إلى «الأعراب».

وقال أبو العباس ثعلب : العربُ تقول : هذه بِنْت فلان ، وهذه ابنة فلان ، لغتان ، وهما لُغتان جيدتان.

ومن قال : ابْنة فلان ، فهو خطأ ولحن.

وقال الزجّاج : «ابن» كان في الأصل : بنْوٌ ، أو بَنَوٌ ، والألف ألف وصل في «الابن».

يقال : ابن بَيِّن البُنُوّة.

ويُحتمل أن يكون أصله : بَنَياً.

قال : والذين قالوا : بَنون ، كأنهم جمعوا «بَنياً» : بَنُون ؛ وأبناء ، جَمع «فِعْل» أو «فَعَل».

قال : و «بنت» تدُل على أنه يستقيم «فِعْلاً».

ويجوز أن يكون «فَعَلاً» نُقلت إلى «فِعْل» كما نُقلت أُخت من «فَعَلَ» إلى «فعل».

فأما «بنات» فليس بجمع «بنْت» على لَفظها ، إنما رُدّت إلى أصلها ، فجمعت : بَنَات.

على أن أصل «بنت» : فَعَلَة ، مما حذفت لامُه.

قال : والأخفش يختار أن يكون المحذوف من «ابن» الواو.

قال : لأنه أكثر ما يُحذف الواو لِثقَلها ، والياء تحذف أيضاً لأنها تثقل.

والدليل على ذلك أن «يَداً» قد أجمعوا على أن المحذوف منه الياء ، ولهم دليل قاطع على الإجماع ؛ يقال : يَديت إليه يَداً. و «دَمٌ» محذوف منه الياء.

و «البُنُوّة» ليس بشاهد قاطع للواو ، لأنهم يقولون : الفُتُوَّة ، والتَّثْنِيَة : فَتَيان.

ف «ابن» يجوز أن يكون المحذوف منه الواو أو الياء ، وهما عندنا مُتساويان.

قال شَمر : أنشدني ابن الأعرابي لرجُلٍ من بني يَرْبُوع :

٣٥٢

مَنْ يَك لا ساءَ فقد ساءني

تَركُ أُبَيْنِيك إلى غير راعِ

إلى أبي طَلْحة أو واقِدٍ

ذاك عَمْري فاعْلَمَنْ للضَّياع

قال أُبْيني ، تصغير «بنين».

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أُبَيْنى لا تَرمُوا جَمْرة العَقَبة حتى تَطْلُع الشَّمْس».

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : البِنَى : الأبْنيَة من المَدَر والصُّوف.

وكذلك : البِنَى من الكَرَم ؛ وقال الحُطيئة يَمدح قوماً :

أولئك قَوْمي إن بَنَوْا أَحْسَنُوا البِنَى

وإن عاهَدُوا أَوْفَوْا وإن عَقَدُوا شَدُّوا

وقال غيره : يقال بِنْية وبِنَى ، مثل رِشوة ورِشا ، كأنّ البِنْية : الهيئة التي بُني عليها ، مثل المِشْية والرِّكْبَة.

أبو عُبيد ، عن الفراء : من القِسي : البانِيَة ، وهي التي بَنَت على وترها ، وذلك أن يكاد يَنْقطع وترها في بَطْنها من لُصوقه بها.

وطّيىء تقول : قوسٌ باناة ، يُريدون : بانِيَة ؛ وأَنشد :

عارضٍ زَوْرَاءَ مِن نَشمٍ

غَيْرَ بانَاةٍ على وَتَرِهْ

قال الفراء : وأما «البائنة» ، فهي التي بانت من وترها ، وكلاهما عَيْب.

والباني : العَرُوس الذي بَنى على أهله ؛ وقال :

* يَلوح كأنّه مِصْباح بانِي *

أبو عبيد ، عن أبي عمرو : والبَوانِي : أضلاع الزَّوْر.

قال أبو عُبيد : ويُقال : ألقى فلان أرْواقه.

وألقى بَوانِيه ، وألقى عصاه ، إذا أقام بالمكان واطمأنّ.

قلت : والأَرْواق : جمع «رَوْق» البيت ، وهو رِوَاقه.

وأما «البواني» في قوله «أَلقى الشام بَوانيه».

فإِن ابن جبلة : هكذا رواه عن أبي عبيد ، النون قبل الياء ، ولو قيل «بوائنه» الياء قبل النون ، كان حسناً.

والبوائن : جمع «البُوَان» ، وهو اسم كُل عمود في البَيت ما خلا وَسَط البيت ، الذي له ثلاث طرائق.

ابن السِّكيت : يقال : بَنى فلان على أهله ، وقد زَفّها ، وازْدَفّها.

والعامة تقول : بنى بأهله ، وليس من كلام العَرب.

ويقال : أَبْنَيتُ فلاناً بَيْتاً ، إذا أعطيته بيتاً يَبْنيه ؛ ومنه قولُ الشاعر :

لو وَصَل الغيثُ أَبْنَيْن امْرءاً

كانت له قُبّة سَحْقَ بِجَاد

٣٥٣

قال ابن السّكيت : قوله «وَصل الغيث» ، أي : لو اتصل الغيث لأَبْنَين امْرءاً سَحْق بِجاد ، بعد أن كانت له قُبّة.

يقول : يُغِرن عليه فيُخَرِّبنه فيتّخذ بناءً من سَحق بِجاد ، بعد أن كانت له قُبّة.

وقيل : يَصف الخيل فيقول : لو سَمّنها الغيثُ بما يُنبت لها الكلأ لأَغَرْت بها على ذوي القباب فأخذت قبابَهم حتى تكون البُجُد لهم أبنيةً بعدها.

والعرب تقول : إنّ المِعْزَى تُبْهي ولا تُبْنِي.

المعنى : أنها لا ثَلّة لها حتى تُتّخذ منها الأبْنية.

وقيل : المعنى أنها تَخْرق البُيوت بوثْبها عليها ، ولا تُعين على الأبنية.

ومِعْزى الأعراب جُرْدٌ لا يَطول شعرها فيُغْزَل ، وأما مِعْزى بلاد الصَّرْد وأهل الرِّيف فإنها تكون وافية الشُّعور ، والأكراد يُسَوُّون بُيوتَهم من شعرها.

والبانَةُ (١) : شجرةٌ لها ثمرة تُرَبَّب بأفاويه الطِّيب ثم يُعْتَصر دُهْنها طِيباً.

وجمعها : البانُ.

أبو عُبيد : المِبْناة النِّطْع. ويقال : مَبْناة.

قال : وقيل المِبْنَاة : العَيْبة.

وقال شُريح بن هانىء : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : لم يكن من الصلاة شيء أحْرى أن يُؤَخِّرها من صلاة العشاء. قالت : وما رأيتُه مُتَّقِياً الأرض بشيء قطّ إلا أني أذكر يوَم مَطَرٍ فإنا بَسَطْنا له بِنَاءً.

قال شَمِر : قولها «بناء» ، أي : نِطْعاً ، وهو مُتّصل بالحديث.

قال : وقال أبو عَدنان : يُقال للبيتِ : هذا بِناء.

أخبرني عن الهَوازني ، قال : المَبْناة : من أدم كهيئة القُبّة تجعلها المرأة في كِسْر بَيْتها تسكُن فيها ، وعسى أن يكون لها غنم فَتقْتصر بها دون الغنم لنفسها وثيابها.

ولها إزار في وسط البيت من داخل يُكنّها من الحرّ ومن واكِف المطر ، فلا تُبلَّل هي وثيابها.

قال شَمِر : وأقرأنا ابنُ الأعرابي للنابغة :

على ظَهر مَبْناةٍ جَدِيد سُيورُها

يَطُوف بها وَسْط اللَّطيمة بائِعُ

قال : المَبْناة : قُبّة من أَدم.

وقال الأصمعي : المَبناة : حصير ، أو نطْع يَبْسطه التاجر على بَيْعه. فكانوا يجعلون الحُصُرَ على الأَنطاع يَطُوفون بها ، وإنما سُمّيت : مَبْناة : لأنها تُتَّخذ من أدم يُوصل بعضُها إلى بعض ؛ وقال جرير :

__________________

(١) ذكرها «اللسان» في (بين) ، (إبياري).

٣٥٤

رَجعتْ وفودهمُ بتَيْمٍ بعد ما

خَرَزُوا المَبانِي في بَنِي زَدْهَامِ

قال أبو الهيثم : في قولهم : المِعزى تُبْهي ولا تُبني ، أي لا تعطي من الثلّة ما يُبْنى منها بَيْتٌ.

قال : وأبنيت فلاناً بيتاً ، أي أعطيته ما يَبْني بيتاً.

وروى شَمِر أن مُخنّثاً قال لعبد الله بن أبي أُمية : إن فتح الله عليكم الطائف فلا تُفْلتنّ منك باديةَ بنت غَيْلان ، فإنها إذا جَلست تَبَنَّت ، وإذا تكلّمت تَغَنَّتْ ، وإذا اضطجعت تَمنَّت ، وبين رجليها مِثل الإناء المُكْفأ.

قال شَمر : سمعتُ ابن الأعرابيّ يقول في قوله : «إذا قعدت تَبَنَّت» ، أي : فرَّجت بين رِجْلَيها.

قلت : كأنه يَجعل ذلك من «المَبْناة» ، وهي القُبة من الأَدم ، إذا ضُربت ومُدَّت الأَطناب فانفرجت.

وكذلك هذه إذا قَعَدت تَربَّعت وفرّجت رِجْلَيها.

وقوله «بين رِجْليها مثل الإناء المُكْفأ» ، يعني : ضِخَم رَكَبها ونُهوده كأنه إناء مَكْبُوب.

وقال أبو زيد : يقال بنى لَحْمَ فلانٍ طعامُه ، يَبْنيه بِناءً ، إذا عَظُم من الأكل ؛ وأَنْشد :

بَنَى السَّوِيقُ لَحْمَها واللَّتُ

كما بَنَى بُخْتَ العِراق القَتُ

قلت : وجائز أن يكون معنى قول المخنّث «إنها إذا قَعدت تَبَنّت» من قولهم. بَنى لحمَ فلانٍ طعامُه ، إذا سَمّنه وعَظَّمه.

وكان الرجل إذا جَمع إليه أهله ضَرب عليها بَيْتاً ، ولذلك قيل : بَنى فلانٌ على أَهْله.

بين ـ بون : يُقال : بان الحقّ يَبين بَيَاناً ؛ فهو بائِن.

وأبان يُبين إبانة ؛ فهو مُبين ، بمعناه ؛ ومنه قولُه تعالى : (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)) [الزخرف : ١ ، ٢].

وقيل : (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)) هو مُبين كُلّ ما يُحتاج إليه.

وقال الزجّاج في قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).

يُقال : بان الشيءُ وأبان ، بمعنى واحد.

قال : ويقال : بان الشيءُ ، وأَبَنْتُه.

فمعنى «مبين» مبيِّن ، أي إنه مُبين خيره وبركته ، ومُبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، ومُبين أن نُبوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقّ ، ومُبين قصص الأنبياء.

قلت : ويكون «المُستبين» أيضاً ، بمعنى «المُبين».

يُقال : بان الشيء ، وبَيّن ، وأبان ،

٣٥٥

واسْتبان ، بمعنى واحد ؛ ومنه قوله تعالى : (آياتٍ مُبَيِّناتٍ) [النور : ٣٤] بكسر الياء وتشديدها ، بمعنى : مُتَبَيِّنات.

ومن قرأ «مُبَيَّنات» بفتح الياء ، فالمعنى : إن الله بَيَّنها.

ومن أمثال العرب : قد بَيَّن الصُّبح لذي عَينين ، أي تَبيَّن.

وقال الزجّاج في قوله الله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)) [الرحمن : ٣ ، ٤].

قيل : إنه عَنى ب «الإنسان» هاهنا : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ، أي : علّمه القُرآن الذي فيه بيانُ كلّ شيء.

وقيل : الإنسان ، هاهنا : آدم عليه‌السلام.

ويجوز في اللغة أن يكون «الإنسان» اسماً لجنس الناس جميعاً ، ويكون على هذا المعنى : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ، جعله مميزاً حتى انفصل الإنسان ببَيانه وتَمييزه من جميع الحيوان.

قلت : و «الاستبانة» يَكون واقعاً.

يقال : استبنتُ الشيء ، إذا تأمّلته حتى تبَيَّن لك : قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)) [الأنعام : ٥٥] ، المعنى : (وَلِتَسْتَبِينَ) أنت يا محمد (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) ، أي لتزداد استبانة ؛ وإذا بان سَبيل المجرمين فقد بان سَبِيل المؤمنين منهم.

وأكثر القُرّاء قرءوا (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).

والاستبانة ، حينئذ ، تَكون غير واقع.

ويقال : تبيّنت الأمر ، أي : تأملته وتوسّمته ؛ وقد تبيّن الأمر ، يكون لازماً وواقعاً.

وكذلك : بَيَّنته فَبَيَّن ، أي تَبيَّن ، لازم ومُتعدّ.

وقوله جلّ وعزّ : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩] ، أي : بُيِّن لك فيه كُلّ ما تحتاج إليه أنت وأمّتك من أمر الدِّين.

وهذا من اللّفظ العامّ الذي أُرِيد به الخاص.

والعرب تقول : بَيَّنت الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً ، بكسر التاء.

و «تِفعال» بكسر التاء يكون اسماً في أكثر كلام العَرب.

فأما المصدر فإنه يجيء على «تَفعال» ، بفتح التاء ، مثل : التَّكذاب ، والتَّصْداق ، وما أشبهه.

وجاء في المصادر حرفان نادران ، وهما تِلْقاء الشيء ، والتِّبيان ، ولا يُقاس عليهما.

والبَيْن ، في كلام العرب ، جاء على وَجْهين مُتضادَّين :

٣٥٦

يكون «البَين» بمعنى : الفِراق ؛ ويكون بمعنى : الوَصْل.

قال الله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٩٤].

قرأ نافع وحَفص ، عن عاصم والكسائي : «بَيْنَكُمْ» ، نَصْباً.

وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو ، وابن عامر وحمزة «بَيْنُكم» رفعاً.

وقال أبو عمرو : لَقد تَقَطَّع بَيْنُكم ، أي وَصْلُكم.

ومن قرأ «بَيْنَكُمْ» فإن أبا العباس رَوى عن ابن الأعرابي أنه قال : معناه : تَقَطَّع الذي كان بينكم.

وقال الزجّاج : من فتح فالمَعنى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ) ما كنتم فيه من الشَّركة بَيْنَكُمْ.

ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأ : «لقد تقطّع ما بَيْنكم».

واعتمد الفَرّاء وغيرُه من النحويين قِراءة ابن مسعود ، لمن قرأ «بَيْنَكُمْ».

وكان أبو حاتم يُنكر هذه القراءة ويقول : من قرأ «بَيْنَكُمْ» لم يَجُز إلا بموصول ، كقولك : ما بَينكم.

قال : ولا يجوز حَذف الموصول وبقَاء الصلة ، ولا يُجِيز العربُ : إنّ قام زيدٌ ، بمعنى : إنّ الذي قام زيد.

قلت : أجاز الفَراء ، وأبو إسحاق النحويّ النَّصْب ، وهما أعلم بالنَّحو من أبي حاتم.

والوجه في ذلك أن الله خاطب بما أَنزل في كتابه قوماً مشركين ، فقال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤].

أراد : لقد تقطع الشِّرك بينكم ، فأضمر «الشرك» لِمَا جَرى من ذكْر الشُّركاء ، فافْهمه.

ويقال : بين الرَّجُلين بَيْن بَعيد ، وبَوْنٌ بَعيد.

وأما قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) [الكهف : ٥٢].

فإنّ الزجاج قال : معناه : جعلنا بينهم من العذاب ما يُوبقهم ، أي يُهلكهم.

وقال الفراء : معناه : (جَعَلْنا بَيْنَهُمْ) ، أي : تواصُلَهم في الدُّنيا (مَوْبِقاً) لهم يوم القيامة ، أي : هلكاً. وتكون «بين» صفة بمعنى : وسط ، وخِلال.

ويقال : بانت يد الناقة عن جنبها تبِين بُيوناً.

وبان الخليطُ يَبين بَيْناً وبَينُونة ؛ قال الطّرْماح :

* أآذَن الثاوي بِبَيْنُونة*

أخبرني المُنذري ، عن أبي الهيثم ، أنه

٣٥٧

قال : الكواكب البابانيات ، هي التي لا تَنزل بها شَمس ولا قَمر ، إنما يُهْتَدى بها في البَر والبحر ، وهي شآميّة ، ومهبُّ الشمال منها ، أوّلها القُطب ، هو كوكب لا يَزُول ، والجَدي والفَرْقدان ، وهو بَيْن القُطب ، وفيه بَنات نَعش الصُّغرى.

وقال أبو عمرو : سمعت المبرد يقول : إذا كان الاسم الذي يجيء بعد «بينا» اسماً حقيقيّاً رفعتَه بالابتداء. وإن كان اسماً مَصْدريًّا خَفضته ، وتكون «بينا» في هذه الحال بمعنى «بين».

قال : فسألت أحمد بن يحيى عنه أُعْلمه ، فقال : هذا الدّر ، إلّا أن من الفُصحاء مَن يرفع الاسم الذي بعد «بينا» وإن كان مصدريًّا ، فيُلحقه بالاسم الحقيقي ؛ وأنشد بيت الخليل بن أحمد :

بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجتِه

ذَهَب الغِنى وتَقَوَّض البَيْتُ

وجائز : وبَهْجتُه.

قال : وأما «بينما» فالاسم الذي بعده مرفوع ، وكذلك المَصْدَر.

وقال الليث : البَيِّن من الرجال : الفَصيح.

والبَيان : الفَصاحة.

كلام بَيِّن : فَصيح.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا إن التَّبْيين من الله والعَجلة من الشَّيطان فتَبَيَّنوا».

قال أبو عبيدة : قال الكسائي وغيره : التَّبْيين : التثّبت في الأمر والتأنّي فيه.

وقُرىء قول الله تعالى : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء : ٩٤].

وقرىء : «فتثبَّتوا» ، والمعنيان مُتقاربان.

وكذلك قوله تعالى في سَجدة (١) الحُجُرات (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات : ٦] ، و «تَثَبَّتوا» ، قُرىء بالوجهين أيضاً.

شَمِر ، قال ابن شُميل : البَيِّن من الرِّجال : السَّمْح اللِّسان ، الفصيح الظَّريف ، العالي القليل الرَّتَج.

وقوم أَبيناء ؛ وأنشد شَمر :

قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبِيُّ ويَلْتَئِي

على البَيِّن السَّفّاك وهو خَطِيبُ

قوله : يلتئي ، أي : يُبطىء ، من «اللأي» ، وهو الإبطاء.

ورُوي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن من البَيان لَسِحْراً».

قال أبو عُبيد : البيان ، هو : الفهم وذكاء القَلب مع اللَّسَن.

قال : ومعناه : أنه يَبلغ من بيان ذي الفَصاحة أنه يَمدح الإنسان فيُصدَّق فيه حتى يَصْرِف القُلوب إلى قوله وحُبّه ، ثم يَذُمّه فيصدَّق فيه حتى يصرف القلوب إلى

__________________

(١) كذا في المطبوع ، وسيكرر ذلك في (ص ٣٣٥): «سجدة براءة».

٣٥٨

قوله وبُغضه ، فكأنه سَحر السامعين بذلك ، وهو وجه قوله : «إن من البيان لسِحْراً».

وعَدن أَبْين : اسم قرية على سِيف البحر ناحِية اليمن.

ابن السّكيتُ : البَيْن : الفِراق.

والبِين : القِطْعة من الأرض قدر مَدّ البَصر ؛ وأنشد لابن مُقْبل :

مِن سَرْوِ حِمْير أبوالُ البِغال به

أنّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذلك البِينا

وقال أبو مالك : البِين : الفَصل بين الأَرضين ، يكون المكان حَزناً وبقُربه رمل وبينهما شيء ليس بَحزن ولا سهل.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : البِينُ : الناحية.

والبِين : قَدر مدّ البَصر مِن الطَّريق.

وقال الباهليّ : وفَصْل بَيْن كل أَرْضَين يُقال له : بِين.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الحَياء والعِيّ شُعْبتان من الإيمان ، والبَذاء والبَيان شُعْبتان من النِّفاق».

وقال غيره في قوله :

يا رِيحَ بَيْنُونة لا تَذْمِينا

جئْتِ بأَلْوان المُصَفَّرِينا

بَيْنونة : موضعٌ بين عُمان والبَحرين ، وَبِيء.

وقال أبو مالك : بِئْرٌ بَيُونٌ ، وهي التي لا يُصيبها رشاؤها ، وذلك لأن جِراب البِئر مُسْتقيم.

وقال غيره : البَيُون : البِئر الواسعة الرأس الضَّيقة الأسفل ؛ وأنشد :

إنّك لو دَعَوْتني ودُوني

زَوْرَاءُ ذاتُ مَنْزع بَيُونِ

* لقلتُ لَبَّيهْ لِمن يَدْعُوني*

فجعلها : زَوْراء ، وهي التي في جرابها عَوَج. والمَنْزع : الموضع الذي يَصْعد فيه الدَّلْو إذا نُزع من البئر ، فذلك الهواء هو المَنزع.

وقال بعضهم : بِئْرٌ بَيُون ، وهي التي يُبين المُسْتقى الحَبْلَ في جِرابها لعَوَجٍ في جُولها ؛ قال جرير يصف خَيْلاً وصَهيلها :

يَشْنِفْن للنَّظر البَعيد كأنّما

إرنانُها ببَوائِن الأشْطَانِ

أراد : كأنها تَصهل في بئر دَحُول ، وذاك أغلظ لِصَهيلها.

أبو زيد ، يقال : طلب فلان البائِنَة إلى أبَوَيْه ، وذلك إذا طلب إليهما أن يُبِيناه بمالٍ ، فيكون له على حِدَةٍ.

قال : ولا تكون البائنة إلّا من الوالدين ، أو أحدهما.

وقد أَبانه أبواه إبانةً.

حتى بان هو بذلك ، يَبينُ بيوناً.

٣٥٩

حدّثنا عبد الله بن عُروة ، عن يوسف ، عن جَرير ، عن مُغيرة ، عن الشَّعبي : قال : سمعتُ النُّعمان بن بَشِير يقول : سمعتُ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطَلَبَتْ عَمْرةُ إلى بَشِير بن سَعد أن يُنْحِلَنِي نَخْلاً من ماله ، وأن يَنْطَلِق بي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيُشْهده ، فقال : «هل لك معه وَلَدٌ غيره؟ قال : نعم. قال : فهل أَبَنْت كُلَّ واحدٍ منهم بمثل الذي أَبَنْت هذا؟ فقال : لا. قال : فإنّي لا أَشْهد على هذا ، هذا جَوْرٌ ، أَشْهِد على هذا غيري ، اعْدلوا بين أولادكم في النَّخْل كما تحبّون أن يَعْدِلوا بَيْنكم في البِرّ واللّطف».

قوله : هل أَبَنْت كُلّ واحد؟ أي : هل أعطيت كُلَّ واحد مالاً تُبينه به ، أي : تُفْرده.

والاسم : البائنة.

ابن شُميل : يُقال للجارية إذا تزوَّجت : قد بانَتْ.

وهُنّ قد بِنَ ، إذا تزوَّجْنَ.

وبَيَّن فلانٌ بِنْته ، وأبانها ، إذا زوَّجها وصارت إلى زَوْجها.

أبو العبَّاس ، عن ابن الأعرابيّ : البَوْنة : البِنْت الصَّغِيرة.

والبَوْنَة : الفَصِيلة.

والبَوْنَة : الفِرَاق.

ومن أمثال العرب : اسْتُ البائن أعرف ؛ وقيل : أَعْلم.

أي : من وَلِي أمراً ومارَسَه فهو أعلم به ممّن لم يُمَارِسْه.

والبائن : الذي يَقوم على يَمين الناقة إذا حَلَبها. والجميع : البُيَّن.

والبائن والمُسْتَعلي ، هما الحالبان اللّذان يَحْلُبان الناقة ، أحَدُهما حالِبٌ والآخر مُحْلِب. والمُعِين هو المُحْلِب.

والبائن ، عن يمين الناقة يمسك العُلْبة.

والمُسْتَعلي : الذي عن شمالها ، وهو الحالب.

يرفع البائنُ العُلْبة إليه ؛ قال الكُميت :

يُبَشِّر مُسْتَعْلِياً بائنٌ

من الحالبَيْن بأنْ لا غِرَارَا

أبن : الليث : يُقال : فلانٌ يُؤْبَن بخَيْرِ وبِشَرٍّ ، أي : يُزَنّ به. فهو مَأبُون.

قال : والأُبنة : عُقدة في العَصَا. وجمعها : أُبَن.

ويُقال : ليس في حَسَب فلانٍ أُبْنَة ؛ كقولك : ليس فيه وَصْمة.

عمرو ، عن أبيه : يقال : فلانٌ يُؤْبَن بخَيْر ، ويُؤْبن بشَرّ.

فإذا قلت : يُؤْبن ، مجرَّداً ، فهو في الشرّ لا غَيْر.

وفي حديث ابن أبي هالة في صفة مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مجلسُه مجلس عِلْم وحياء لا

٣٦٠