تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

آثَرْتَ ضَيْفك باللَّوِيّة والذي

كانتْ له ولِمثْلِه الأذْخَار

وسمعت أعرابيّاً من بني كِلاب يقول لِقَعيدةٍ له : أين لَوَاياك وحَواياك؟ ألَا تُقدِّمينها إلينا؟

أراد : أين ما خبأت من شُحيمة وقَدِيدة وتمرة وما أشبهها من شيء يُدَّخر للحقُوق.

واللَّوِيّ : ما جَفّ من البَقْل.

وقد أَلْوَى البَقْلُ.

وجمع لواء الأمير : أَلْوِية ، وأَلْواء.

وجمع لِوَى الرَّمل : ألْوية ، وأَلْواء.

ولَوَى خَبَره ، إذا كَتمه.

والأَلْوَى : المُعتزل لا يزَال مُنْفرداً ؛ وأَنْشد :

حَصانٌ تُقْصِد الألْوى

بِعَيْنَيْها وبالْجِيدِ

قال : والأُنثى : لَيّاء.

ونسوة لِيّان ؛ وإن شئت : لَيَّاوات.

والرِّجال ألْوُون.

والتاء والنون في الجماعات لا يمتنع منهما شيء من أسماء الرِّجال ونعوتها ، وإن نعت قيل : يلوى لوى ، ولكنهم استغنوا عنه بقولهم : لَوَى رأسه.

ومن جعل تأليفه من لام واو ، قال : لَوى ؛ وقال الله تعالى في ذِكْر المنافقين : (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [المنافقون : ٥].

وقرىء : لَوَوْا.

الليث : يقال لَويتُ عن هذا الأمر ، إذا الْتَويْت عنه ؛ وأَنشد :

إذا الْتَوَى بي الأمر أَو لَوِيت

مِن أين آتي الأمْرَ إذ أُتِيت

ولُؤيّ بن غالب : أبو قُريش.

ابن السِّكيت وغيره : هو عامر بن لُؤيّ ، بالهمز.

وعوامّ الناس لا يَهْمزون.

ويقال : لَوَّى عليه الأمَر ، إذا عَوّصه.

ويقال : لوّأ الله بك ، بالهمز تَلْوِئةً ، أي شَق بك ؛ وأَنْشد ابن الأعرابي :

وكنت أرَجِّي بعد نَعْمانَ جابِراً

فلَوّأ بالعَيْنَيْن والوَجْه جابِرُ

ويقال : هذه والله الشَّوْهَة واللَّوْأة.

ويقال للرجل الشديد : ما يُلْوَى ظهرُه ، أي ما يَصْرعه أحد.

والمَلَاوي : الثَّنايا التي لا تَسْتقيم.

أبو عُبيد ، عن اليَزيديّ : أَلْوت الناقة بذَنَبها ، ولوت ذَنبهَا.

وأَلوى الرَّجُلُ برَأْسه ، ولَوى رأسَه.

وأَصَرّ الفرسُ بأُذنه ، وصَرّ أذُنَه.

ولى : أبو عُبيدة وغيره : الْوَلْيُ : القُرْب ، وأَنشد :

٣٢١

* وَشَطّ وَلْيُ النَّوى إنّ النَّوَى قَذَفٌ*

قال : وقال الأصمعيّ : الوَلْي ، مثل الرَّمْي : المطر الذي يأتي بعد المَطر.

يُقال : وُلِيت الأرْضُ وَلْياً.

فإذا أردت الاسم ، فهو الوَلِيّ ، مثل النَّعِيّ.

والنَّعيّ ، الاسم ؛ والنَّعْي ، المصدر.

وقال ذو الرُّمَّة :

لِنِي وَلْيَةً تُمْرعْ جَنَابِي فإنّني

لِما نِلْتُ من وَسْمِيِّ نُعْماكَ شاكِرُ

لِني ، أمْرٌ من الوَلْي ، أي أمطرني وَلْيةً منك ، أي مَعروفاً بعد مَعْروف.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الوَلِيّ : التابع المُحِبّ.

وقال في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كنت مَولاه فعليٌّ مولاه» ، أي من أحبّني وتولّاني فَلْيتولّه.

وقوله جلّ وعزّ : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤)) [القيامة : ٣٤].

قال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : هو تَهَدُّد ووَعِيد.

قال : وقال أبو نَصر : قال الأصمعي : (أَوْلى) معناه : قاربك ما تكره أي نزل بك يا أبا جهل ما تكره وقاربَك.

وأنشد الأصمعي :

فعادَى بين هادَيَتَيْن منها

وأَوْلَى أن يَزيد على الثَّلاثِ

أي : قارب أن يَزِيد.

قال أبو العباس : لم يقل أحد في أَوْلى لك ، أَحْسن ممّا قال الأصمعيّ.

قال : وقال غيرهما : أَوْلى ، يقولها الرَّجُل لآخر يُحَسِّره على ما فاته ، ويقول : يا مَحْروم ، أي شيء فاتك؟

وقوله عزّ اسمُه : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(١) [الأنفال : ٧٢].

قال الفراء : يُريد : ما لكم من مواريثهم من شيء.

قال : وكَسْر الواو هاهنا من وِلايتهم أعجبُ إليّ من فتحها ، لأنها إنما تُفتح أكثر ذلك إذا أريد بها النُّصرة.

وكان الكسائي يَفتحها ويَذهب بها إلى النُّصرة.

قلتُ : ولا أظنه عَلِم التَّفسير.

قال الفراء : ويختارون في وَلِيتُه وِلَاية : الكسر ، وقد سَمِعناهما بالفتح وبالكسر في مَعْنَييْهما جميعاً ؛ وأَنْشد :

دَعيهم فهم أَلْبٌ عليّ ولايةٌ

وحَفْرهمُ أن يَعْلموا ذاكَ دائِبُ

وقال أبو العباس نحواً مما قال الفرّاء.

وقال الزجاج : يُقرأ : (وَلايَتِهِمْ) ،

__________________

(١) في المطبوع : «ما لكم من (ولايتكم)».

٣٢٢

و (وِلَايتهم) ، بفتح الواو وكسرها ، فمن فتح جَعلها من : النُّصرة والنَّسب.

قال : والوِلاية ، التي بمنزلة الإمارة ، مكسورة.

قال : والوِلاية على الإيمان واجبة ، المؤمنون (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).

وَلِيٌ بَيِّن الوَلَاية.

ووالٍ بيِّن الوِلَاية.

والوليّ : وليّ اليتيم الذي يلي أَمره ويَقُوم بكِفايته.

ووليّ المرأة : الذي يَلي عَقْد النِّكاح عليها ولا يَدعها تَسْتَبِدّ بعَقْد النِّكاح دُونه.

ويقال : فلان أولى بهذا الأمر من فلان ، أي : أحقّ به.

وهما الأَوْليان ، أي : الأَحَقّان ؛ قال الله عَزّ وجلّ : من الّذين استحقّ عليهم الأوّلين [المائدة : ١٠٧].

قرأ بها عليّ رضي‌الله‌عنه ، وبها قرأ أبو عمرو ونافع وكَثِير.

وقال الفراء : مَن قرأ الْأَوْلَيانِ أراد : وَليَّي المَوْرُوث.

وقال الزجّاج : الْأَوْلَيانِ ، في قول أكثر البصريين ، يَرتفعان على البدل ممّا في (يَقُومانِ). المعنى : فَلْيَقُم الأَوْليان بالميت مَقام هذين الجائيين.

ومن قرأ الأوَّلِين ردَّه على (الَّذِينَ) وكأن المَعنى : من الذين استَحقّ عليهم أيضاً الأوَّلين.

وهي قراءة ابن عبّاس ، وبها قرأ الكوفيون ، واحتجوا بقول ابن عبَّاس : أرأيت إن كان الأَوْليان صغيرَيْن ؛ وأنشد أبو زيد :

فلو كان أَوْلى يُطْعم القَوْمَ صِدْتُهم

ولكنّ أَوْلَى يَتْرُك القَوْمَ جُوَّعَا

قال : أَولى في هذا حكاية ، وذلك أنّه كان لا يُحسن أن يَرمي ، وأحبّ أن يُمتدح عند أصحابه ، فقال : أَوْلَى ، وضرب بيده على الأخرى ، وقال : أولى ، فحكي ذلك.

وقال الله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٤].

قال الفراء : هم وَرثة الرَّجل وبنو عَمِّه.

قال : والوَليّ والمَوْلى ، واحد في كلام العرب.

قلت : ومِن هذا قولُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيما امرأةٍ نَكَحت بغير إذْن مولاها».

ورواه بعضهم وليها ، لأنّهما بمعنى واحد.

وأخبرني المُنذريّ ، عن ابن فَهم ، عن ابن سلام ، عن يونس ، قال : المولى ، له مواضع في كلام العرب :

منها : المولى في الدِّين : وهو الولي ، وذلك قولُ الله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى

٣٢٣

الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)) [محمد : ١١].

ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مَن كُنت مَولاه» ، أي وليّه.

قال : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مُزَينة وجُهينة وأَسْلَم وغِفار موالِي الله ورسوله» ، أي : أولياؤُهما.

قال : والمولى : العَصَبة ، ومنه قولُه عزوجل : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٥].

وقال اللِّهْبِيّ يُخاطب بني أُميّة :

مَهْلاً بَنِي عَمِّنا مَهْلاً مَوالِينا

امْشُوا رُوَيْداً كما كنتم تكَونُونَا

قال : والمولى : الحليف ، وهو من انضم إليك فعزّ بِعِزّك وامْتَنع بمَنَعتك.

والمَوْلى : المُعْتَق انْتسب بنَسبك ، ولهذا قيل للمُعْتقين : المَوالِي.

قال : قال أبو الهَيثم : المَوْلى على سِتّة أوْجه :

المولى. ابنُ العَمّ ، والعمُّ ، والأخُ ، والابْنُ ، والعَصَبات كلهم ، والمَوْلَى : الناصر ، والمَوْلَى : الذي يَلِي عليك أَمْرَك.

قال : ورجل وَلاء ، وقومٌ وَلاء ، في معنى : ولِيّ ، وَأَوْلِياء.

والوَلَاء ، مصدر.

والمَولى : مولى المُوالاة ، وهو الذي يُسلم على يدك ويُوالِيك.

والمولى : مولى النِّعمة ، وهو المُعْتِق أَنعم على عَبْده بعِتْقه.

والمولى : المُعْتَق ، لأنه ينزل منزلة ابن العم ، يجب علَيك أن تَنْصره ، وترَثه إن مات ولا وارِثَ له.

والتَّولية ، تكون إقبالاً ، ومنه قولُه جلّ عزّ : (فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] ، أي : وَجِّه وجهك نحوه وتلقاءَه.

وَكذلك قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨].

قال الفراء : هو مُسْتقبلها.

والتَّولية ، في هذا الموضع : إقْبال.

قال : والتّولية ، تكون انصرافاً ؛ قال الله تعالى : (ثُمَ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥].

وقال في موضع آخر : (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) [آل عمران : ١١١].

هي ، هاهنا : انصراف.

وقال أبو مُعاذ النّحوي : قد تكون «التَّوْلِية» بمعنى : التَّوَلِّي.

يقال : وَلّيت وتولّيت ، بمعنى واحد.

قال : وسمعت العرب تنشد بيتَ ذي الرُّمّة :

٣٢٤

إذا حَوّل الظِّلُّ العَشِيَّ رَأيتَه

حَنِيفاً وفي قَرْن الضُّحَى يَتَنَصَّرُ

أراد : تَحوُّل الظِّل بالعَشِيّ.

وقوله : (هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨] أي : متولّيها ، أي مُتّبعها وراضِيها.

تولَّيت فلاناً : اتَّبعته ورَضِيت به.

ويقال للرُّطْب إذا أَخذ في الهَيْج : قد وَلى ، وتَولى.

وتَوَلِّيه : شُهْبَتُه.

والتَّوْلية في البَيع : أن تَشْتَري سِلْعةً بثمن مَعْلوم ثم تولّيها رجلاً آخر بذلك الثَّمن.

وتكون «التَّولية» مصدراً ، كقولك : ولَّيت فلاناً عمل ناحيته ، إذا قلدته وِلايَتها.

و «التَّوَلِّي» يكون بمعنى : الإعراض ، ويكون بمعنى : الاتّباع ؛ قال الله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد : ٣٨] ، أي : تُعرضوا عن الإسلام.

وأمّا قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) [التوبة : ٢٣] ، معناه : من يَتَّبعهم ويَنْصرهم.

وتوليت الأمر تولياً ، إذا وَليته ؛ قال الله تعالى : (تَوَلَّى كِبْرَهُ) [النور : ١١] أي : وَلي وِزر الإفك وإشاعته.

ابن الأعرابي : الموالاة : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصُّلح ، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه ، أي يُحابيه.

قال : والى فلان فلاناً ، إذا أَحَبَّه.

وللمُوالاة مَعنى ثالث ، سمعتُ العربَ تقول : والُوا حَواشِيَ نَعَمكم من الجِلّة ، أي اعزلوا صغارها عن كبارها.

واليْناها فتوالَت ؛ وأَنْشد بعضُهم :

وكُنّا خُلَيْطَى في الجِمالِ فأَصْبحت

جِمالِي تُوالَي وُلَّهاً مِن جِمَالِكا

ومنه قول الأعشى :

ولكنّها كانتْ نَوى أَجْنبيّةً

تَوَالِيَ رِبْعيّ السِّقَابِ فأَصْحَبَا

ورِبْعي السِّقاب : الذي نُتج في أول الربيع. وتواليه أَن يُفْصل عن أمّه فيشتد وَلَهُه إليها إذا فَقدها أوّل ما يُوالَى ، ثم يَسْتمر على المُوالاة. ويُصْحِب ، أي يَنْقاد ويَصْبر بعد شدَّة وَلهه لمُفارقته أُمّه.

وفي «نوادر الأعراب» : توالَيْتُ مالي ، وامْتَزْت مالِي ، وازْدَلْت مالِي ، بمعنى واحد.

جعلت هذه الأحرف واقِعَة ، والظاهر منها أنها لازمة.

والوليّة : البَرْذعة ، وجمعها : الوَلايا.

والمَوالاة : المُتابعة.

يُقال : والَى فلانٌ برُمْحه بين صَيْدين ، وعادى بينهما ، وذلك إذا تابع بينهما بطَعْنَتين مُتواليَتْين.

ويُقال : أصبته بثلاثة أَسهم وَلَاءً ، أي تِباعاً.

٣٢٥

وتوالت إليّ كُتُب فلانٍ ، أي تَتابَعت ؛ وقد والاها الكاتبُ.

ابن الأعرابي في قول النَّمرِ بن تَولب يَصف ناقةً سمينة نَحرها :

عن ذاتِ أَوْلية أَسَاوِدَ رَيّها

وكأنّ لونَ المِلْح فوق شِفَارِها

قال : الأَوْلية : جمع الوليّة ، وهي البرْذعة. شَبّه ما تراكم عليها من الشحم بالوَلَايا ، وهي البَراذع.

وقال الأصمعي نَحْوَه.

وقال ابن السِّكيت : وقال بعضهم : أراد أَنها أكلت وليًّا بعد وليّ من المطر. أي : رَعت ما نَبَت عَنْها فَسَمِنت.

قلت : «الولايا» إذا جَعلتها جمع «الوليّة» ، وهي البَرذعة التي تَحت الرَّحْل ، فهي أَشْهر.

ومنه قول أبي ذُؤيب :

كالبلايَا رُؤُوسها في الولَايا

مانحات السَّمُوم حُرَّ الخُدُودِ

ويقال : اسْتبق الفارسان على فرسَيْهما إلى أَمَدٍ تسابَقا إليه ، فاستولى أحدُهما على الغاية ، إذا سَبق الآخر إليها : وقال النابغة :

* سَبْق الجواد إذا اسْتَوْلَى على الأَمَدِ*

واستيلاؤه على الأَمد : أن يَغْلب عليه بسَبْقه إليه.

ومن هذا يُقال : استولى فلانٌ على مالي ، إذا غلب عليه.

وكذلك : اسْتَوْمى عليه ، بمَعناه.

وهما من الحُروف التي تعاقب فيها اللام والميم ، ومنها قولهم : لو لا فَعَلْت كذا ، ولومَا فعلت كذا ، بمعنى «هلا» ؛ قال الله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)) [الحجر : ٧] ؛ وَقالَ عَبِيد :

لو مَا على حِجْر ابن أُمّ

قَطَام تَبْكي لا عَلَيْنَا

الأصمعيّ : خالَمْتُه وخالَلْتُه ، إذا صادقته ؛ وهو خِلِّي وخِلْمي.

أبو زيد : الرّوال ، والرّوام : اللُّغام.

ويقال : أوليت فلاناً شَرًّا ، وأوليته خيراً ، كقولك : سُمْتُه خيراً وشرًّا.

وأوليته معروفاً : أسْديته إليه.

ويل : وقال الله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)) [المطففين : ١] و (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)) [الهمزة : ١].

قال أبو إسحاق : وَيْلٌ ، رفع للابتداء ، والخبر «لِلْمُطَفِّفِينَ».

قال ولو كانت في غير القرآن لجاز «ويلا» على معنى : جعل الله لهم ويلاً ، والرفع أجود في القرآن والكلام ؛ لأن المعنى : قد ثَبَت لهم هذا.

قال : والويل : كلمةٌ تقال لكل من وقع في

٣٢٦

عذاب أو هَلكة.

قال : وأصل «الوَيل» في اللغة : الهَلاك والعذاب.

ورُوي عن عَطاء بن يسار أنه قال : الوَيل : وادٍ في جَهنم لو أرسلت فيه الجبالُ لماعَتْ من حرّه قبل أن تبلغ قعره.

وقال الليث : الويل : حُلول الشّرِّ.

والوَيْلة : البَلِيّة والفضيحة.

وإذا قال القائل : يا ويلتاه ، فإنما يعني : يا فَضيحتاه.

وكذلك يُفسر قوله تعالى : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ) [الكهف : ٤٩].

وقد تجمع العرب «الويل» : الوَيْلات.

ويُقال : ويّلت فلاناً ، إذا أكثرت له من ذِكْر الوَيْل.

وهما يَتَوايلان.

ويقال : ويْلاً له وائلا ، كقولك : شغل شاغل.

وإذا قالت المرأة : وا وَيْلَها ، قلت : وَلولَت ؛ قال رُؤْبة :

كأنما عَوْلَتُه من التَّأقْ

عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَت بعد المَأقْ

وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب النَّحوي : أن «وَيلة» كان أصلها «وي» وصلت ب «له».

ومعنى : وي : حُزْن ، أُخْرج مُخرج النُّدبة.

قال : والعوْل : البكاء ، في قولهم ، وَيْلَه وعَوْلَه ، ونُصِبا على الذَّم والدُّعاء.

أول : قال (١) الليث : الأوائل : من «الأول».

فمنهم من يقول : تأسيس بنائه من هَمزة ، وواو ولام.

ومنهم من يقول : تأسيسه من واوين بعدهما لام.

ولكل حُجّة.

وقال في قوله :

* جَهَام تَحُثّ الوائلات أواخره*

قال : ورواه أبو الدُّقَيش «تحث الأوّلات».

قال : والأَوّل والأولى ، بمنزلة : أَفْعل ، وفُعْلى.

قال : وجمع «الأولى» : الأوليات.

قلت : ويجمع «الأوّل» : على «الأُوَل» مثل : الأَكبر ، والكُبَر ، وكذلك الأُولى.

ومنهم من شدّد الواو من «أُوّل» مجموعاً الليث : من قال : تأليف «أوّل» من همزة وواو ولام ، فَينبغي أن يكون «أفعل» منه : أأول ، بهمزتين ؛ لأنك تقول : آب يؤوب : أَأْوب.

__________________

(١) مكان هذا في «اللسان» (وأل) ، (إبياري).

٣٢٧

واحتجّ قائل هذا القول أن الأصل كان «أَأْول» ، فقلبت إحْدى الهمزتين واواً ، ثم أُدْغمت في الواو الأخرى ، فقيل : أَوّل.

ومن قال ، إن أصل تأسيسه واوان ولام ، جعل الهمزة ألف «أفعل» ، وأَدغم إحدى الواوين في الأخرى وشَدَّدهما.

ويقال : رأيته عاماً أَوّل ، على بناء «أفعل».

الليث : ومن نَوّن حمَله على النّكرة ، ومن لم يُنون فهو بابُه.

ابن دريد : أوّل ، فَوْعَل.

قال وكان في الأصل «وَوّل» فقُلبت الواو الأُولى همزة ، وأُدغمت إحدى الواوين في الأخرى ، فقيل : أوّل.

وقال الزجّاج في قول الله تعالى : (إِنَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦].

قال : «أوّل» في اللغة ، على الحقيقة : ابتداء الشيء.

قيل : وجائز أن يكون المبتدأ له آخر ، وجائز ألّا يكون له آخِر.

فالواحد أوّل العدد ، والعدد غيرُ مُتناهٍ ؛ ونعيم الجنة له أوّل ، وهو غير مُنْقطع.

وقولك : هذا أوّل مالٍ كسبته ، جائز ألّا يكون بعده كَسْب ، ولكن أراد : بل هذا ابتداء كَسْبي.

قال : ولو قال قائل : أوّل عبدٍ أملكه حُرّ ، فَمَلك عَبْداً ، لَعَتَق ذلك العبد ، لأنه قد ابتدأ المِلْك.

فجائز أن يكون قول الله تعالى : (إِنَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ٩٦] هو البيت الذي لم يكَن الحجّ إلى غيره.

وجاء في خبر مرفوع إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بإسناد حسن ، في تفسير «الأوّل» في صفة الله عزوجل : «إنه الْأَوَّلُ ليس قبله شيء ، (وَالْآخِرُ) ليس بعده شيء».

ولا يجوز أن نَعْدُوَ هذا التَّفسير.

قلت : وقد قال بعض اللُّغويين في اشتقاق «الأول» : إنه «أفعل» ، من : آل يؤول ؛ و «أُولى» فُعْلى منه ، فكأنه «أول» في الأصل : أَأْول ، فقُلبت الهمزة الثانية واواً ، وأُدغمت في الواو الأُخرى ، فقيل : أوّل.

وعُزي هذا القولُ إلى سيبويه.

وكأنه من قولهم : آل يؤول ، إذا نجا وسَبَق.

ومثله : وأل يَئل ، بمعناه.

أبو زيد ، يُقال : لَقِيتُه عامَ الأوَّل ، ويوم الأوَّل ، جرّ آخره.

وهو كقولك : أتيتُ مسجدَ الجامِع.

قلت : وهذا من باب إضافة الشيء إلى نَعْته.

٣٢٨

أبو زيد : يقال : جاء فلان في أَوّليّة الناس ، إذا جاء في أوّلهم.

وقال أبو العباس محمد بن يزيد : أوّل يكون على ضربين : يكون اسماً. ويكون نَعْتاً موصولاً به «من كذا».

فأما كونه نعتاً ، فقولك : هذا رجلٌ أوّلُ منك ، وجاءني زيدٌ أوّل من مجيئك ، وجئتك أوّلَ من أمس.

وأمّا كَوْنُه اسماً ، فقولك : ما تركت أوّلاً ولا آخِراً. كما تقول : ما تركت له قديماً ولا حديثاً.

وعلى أي الوجهين سمّيت به رجلاً انصرف في النكرة ، لأنه في باب الأسماء بمنزلة «أفكل» ، وفي بال النُّعوت بمنزلة «أحمر».

وقال أبو الهيثم : تقول العربُ : أوّلُ ما أطلع ضَبٌّ ذَنَبه.

يُقال ذلك للرجل يَصنع الخَيْر ولم يكن صَنعَه قبل ذلك.

قال : والعرب ترفع «أوّل» ، وتَنصب «ذنبه» ، على معنى : أوّلُ ما أَطلع ذَنبه.

قال : ومنهم من يرفع «أول» ويرفع «ذنبه» ، على معنى : أَول شيء أطلعه ذنبُه.

قال : ومنهم من يَنْصب «أول» وينصب «ذنبه» ، على أن يجعل «أول» صفة.

قال : ومنهم مَن يَنصب «أول» ويرفع «ذنبه» ، على معنى : في أوَّل ما أَطلع ضَبٌّ ذَنبه ، أي في أوّل ذلك.

وأمّا «التأويل» ، فقيل : من أوّل يُؤوِّل تأويلاً.

وثُلاثية : آل يَؤول ، أي رَجع وعاد.

وسُئل أحمد بن يحيى عن «التأويل» فقال : التأويل والتَّغيير ، واحد.

قلت : أُلْت الشيءَ : جَمَعْتُه وأَصْلَحته ، فكأن «التأويل» جَمْع معانٍ مُشكلة بلفظ واضح لا إشكال فيه.

وقال بعضُ العرب : أَوَّل الله عليك أمْرَك ، أي جَمعه.

وإذا دَعوا عليه قالوا : لا أَوّل الله عليك شَمْلَك.

ويُقال في الدُّعاء للمُضِلّ : أَوّل الله عليك ، أي رَدّ الله عليك ضالَّتك وجَمَعها لك.

ويُقال : تأوّلت في فلانٍ الأَجْرَ ، أي تَحرَّيته وطَلَبْتُه.

اللَّيث : التأوّل والتأويل : تفسير الكلام الذي تَختلف معانيه ، ولا يصح إلا ببيان غير لفظه ؛ وأنشد :

نحن ضَرَبناكم على تَنْزيله

فاليومَ نَضْرِبْكم على تَأْوِيله

وأما قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف : ٥٣].

٣٢٩

قال أبو إسحاق : معناه : هل ينظرون إلّا ما يَؤول إليه أمرهم مِن البَعث.

قيل : وهذا التَّأويل هو قوله جلّ وعزّ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] ، أي : لا يعلم متى يكون أَمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧] ، أي : آمنّا بالبَعث. والله أعلم.

قلت : وهذا الذي قاله حَسن.

وقال غيره : أعلم الله جلّ ثناؤه أنّ في الكتاب الذي أَنزله (آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) لا تَشابه فيه ، فهو مفهوم معلوم ، وأنزل آياتٍ أُخَر متشابهات تكلَّم فيها العلماء مُجتهدين ، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يَعلمه إلا الله ، وذلك مثل المُشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها وتكلَّم فيها من تكلَّم ، على ما أدّاه الاجتهاد إليه.

وإلى هذا مال أبو بكر بن الأنباريّ.

وأخبرني المُنذري ، عن أبي الهيثم ، يقال : إنما طعام فلان القَفْعاء والتَّأْويل.

قال : والتأويل : نَبْت يَعْتلفه الحِمار ، والقَفْعاء : شجرة لها شَوْك. ويُضرب هذا للرّجُل إذا اسْتَبْلد فَهْمُه. وشُبِّه بالحمار في ضَعف عَقله.

وقال أبو سعيد : العرب تقول : أنت في ضَحائك بين القَفْعاء والتَّأْويل. وهما نَبْتان مَحمودان من مَراعي البَهائم ، فإذا أَرادوا أن يَنْسبوا الرَّجُلَ إلى أنّه بَهيمة ، إلا أنه مُخصب مُوسَّع عليه ، ضَربوا له هذا المثل.

وأَنشد غيره لأبي وَجْزة :

عَزْب المراتع نَظّارٌ أَطاع له

مِن كُلّ رابيةٍ مَكْرٌ وتَأْوِيلُ

ورأيت في تفسيره أَنّ «التأويل» : اسم بقَلة يُولع بها بَقر الوحش تَنْبُت في الرَّمْل.

قلت : المَكْر والقَفْعاء ، معروفان ، قد رأيتهما في البادية ، وأما «التأويل» فما سَمِعته إلّا في شعر أبي وَجْزة هذا ، وقد رَعاه.

وقال أبو عُبيد في قول الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) [آل عمران : ٧].

التأويل : المَرجع والمَصير ، مأخوذ من : آل يَؤُول إلى كذا ، أي صار إليه.

وأوّلته : صَيَّرته إليه.

وكان أبو عُبيد يُنشد بيتَ الأَعشى :

على أنّها كانت تَأَوّل حُبّها

تأوّل رِبْعِيّ السِّقاب فأَصْحَبَا (١)

يعني : أنّ حبها كان صغيراً فآل إلى العِظَم ، مثل السَّقْب يكون صغيراً ثم يَشُب

__________________

(١) تقدم هذا البيت في ص (٢٩٤) باختلاف في لفظه.

٣٣٠

حتى يصير مثل أُمّه.

قلت (١) : إِلَةُ الرَّجل : أهل بيته الذين يَئل إليهم ، أي يَلجأ إليهم.

وإلة ، حرف ناقص ، أصله : وِئْلة ، مثل : «صِلة» و «زنة» ، أصلهما : «وِصْلة» و «وِزْنة».

وأمّا : إيلة الرجل ، فهم أصله الذين يَؤول إليهم ، وكان أصله : إولة ، فقبلت الواو ياء.

أو يجوز أن يكون الأصل «إيلة» ، فخففت.

وأَيلْة : قرية عربيّة ، كأنها سُميت : أيلة ، لأن أهلها يَؤُولون إليها.

وأمّا : إيلة الرَّجُل ، فقراباتُه.

وكذلك : وَلْيته.

ابن السِّكيت : في أسنانه يَلل وأَلَل ، وهو أن تُقبل الأَسنان على باطن الفم.

ابن الأعرابيّ : الأيَلُ : الطويل الأسنان.

والأيَلّ : الصَّغِير الأسنان ، وهو من الأضداد ؛ وقال لَبِيد :

* تُكْلح الأرْوق منها والأيَلّ (٢) *

لا : ابن الأعرابي : لاواه ، إذا خالفه.

سَلمة ، عن الفراء : لاوَيْت ، أي قلت : لا.

قال : وقال ابن الأعرابي : لَوْلَيْت ، بهذا المعنى.

وقال غيرُه : العربُ إذا أرادوا تقليل مُدّة فِعل ، أو ظُهور شيء خَفِيّ ، قالوا : كان فِعْله كَلَا.

وربما كرّروا فقالوا : كلا ولا ؛ ومنه قول ذي الرُّمة :

أصاب خَصاصةً فبدا كَلِيلاً

كلا وانْفَلّ سائِرُه انْفِلَالا

وقال آخر :

* يكون نُزول القوم فيها كلَا ولَا*

اللِّحياني ، عن الكسائي : لَوَّيت لاءً حَسنةً ، بالمد ، ومَوَّيت ماءً حسنةً ، إذا كتبتَهما.

قال : وهذه لاءٌ مُلوّاة ، أي مَكْتوبة.

وقال أبو عمرو بن العلاء في قوله :

أبي جُودُه لا البُخْلَ واسْتَعْجلت نَعَمْ

به مِن فتى لا يَمْنع الجُوعَ قاتِلَهْ

قال : أراد : أبَى جُودُه «لا» التي تُبَخِّل الإنسان ، كأنه إذا قيل له : لا تُسْرف ولا تبذِّر أبى جُودُه قولَ «لا» هذه ، واسْتَعْجلت به «نعم» فقال : نعم أفعل ولا أترك الجُودَ.

حكى ذلك الزّجّاج لأبي عمرو ، ثم قال :

__________________

(١) الكلام على (إلة) مكانه في «اللسان» (وأل) ، (إبياري).

(٢) مر مثل هذا في (أل) ، (إبياري).

٣٣١

وفيه قولان آخران ، على رواية مَن رَوى «أَبى جودُه لا البخل ...» :

أحدهما : أن معناه : أبى جُودُه البُخْلَ ، وتجعل «لا» صِلة ، كقول الله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١١] ، ومعناه : ما منعك أن تَسْجد.

قال : والقول الثاني ، وهو عندي حَسن ، قال : أرى أن تكون «لا» غير لَغو ، وأن يكون «البخل» منصوباً بدلاً من «لا».

المعنى : أبى جُوده لا ، التي هي للبُخل ، فكأنك قلت : أبى جُوده البخل ، وعجّلت به نَعم.

أيلول : وأَيْلول : اسم الشهر ، أحسبه رُوميًّا.

إيلياء : وإيلياء : مدينة بيت المقدس ، ومنهم من يقصر فيقول : إيليا ؛ وكأنهما روميّان.

يليل : ويَلْيَل : اسم جبل مَعروف في البادية.

ولول : وولول : اسم سيفٍ كان لعتّاب بن أَسِيد ، وابنُه القائل يوم الجمل :

* أَنا ابن عَتّابٍ وسَيْفي وَلْوَلْ *

تلو : وقوله عزوجل : (أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا) [النساء : ١٣٤].

قرأ عاصم وأبو عمرو : (وَإِنْ تَلْوُوا) بواوين ، من : لوى الحاكم بقضيّته ، إذا دافع بها.

وأما قراءة من قرأ «وإن تلوا» بواو واحدة ، ففيه وجهان :

أحدهما : أنّ أصله «تَلْوُوا» بواوين ، كما قرأ أبو عمرو وعاصم ، فأبدل من الواو المضمومة همزة ، فصارت تلْؤا ، بإِسكان اللام ، ثم طُرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام ، فصارت : تلُو ، كما قيل في أَدوُر : أَدْؤر ، ثم طرحت الهمزة ، فقيل أدُر.

والوجه الثاني : أن يكون «تلوا» من الولاية ، لا من «الليّ». والمعنى أن تلوا الشهادة فتُقيموها.

وهذا كله صحيح في قول البصريّين.

الألف واللام

وقال ابن الأنباريّ : العربُ تُدخل الألف واللام على الفِعل المُسْتقبل على جهة الاختصاص والحِكاية ؛ وأَنْشد للفرزدق :

ما أَنْت بالحَكم الْتُرْضَى شَهادَتُه

ولا الأصِيل ولاذي الرَّأْي والجَدَل

قال : وأَنشد الفرّاء في مثله :

أخْفن اطِّنائي إن سَكَتُّ وإنّني

لفي شُغل عن ذَحْلها اليُتَتَبَّعُ

فأدخل الألف واللام على «يتتبع» ، وهو فِعل مُسْتقبل ، لما وَصَفنا.

ابن هانىء ، عن أبي زيد ، يقال : هذا اليَضرِبك ، ورأيت اليضربك : يريد : الذي يَضربك. وهذا الْوَضَع الشِّعر ، يريد : الذي وَضع الشِّعْر ؛ وأنشد المفضل :

٣٣٢

يَقول الخَنا وأَبْغض العُجم ناطقاً

إلى ربِّنا صوتُ الحِمار اليُجَدَّعُ

يريد : الذي يُجَدَّع.

آخر حرف اللام

٣٣٣

كتاب حرف النون

أبواب المضاعف منه

[باب النون والفاء]

ن ف

[نف ، فن : مستعملة].

نف : أخبرني المُنذريّ ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عمرويه ، عن المُثنَّى ، عن المؤرِّج : نَفَفْتُ السَّوِيقَ وسَفِفْتُه ، وهو النَّفِيف والسَّفيف ، لِسَفِيف السَّويق ؛ وأنشد لرجل من أَزْد شَنُوءة :

وكان نَصِيري مَعْشَراً فطَحَا بهم

نَفِيفُ السَّوِيق والبُطونُ النَّوافِقُ

وقال : إذا عَظُم البطن وارتفع المَعَدُّ ، قيل لصاحبه : ناتق.

الليث : النَّفْنَف : الهواء.

وكل شيء بينه وبين الأرض مَهْوًى ، فهو نَفْنف ؛ وقال ذو الرُّمَّة :

ترى قُرْطَها من حُرّة اللِّيث مُشْرِفاً

على هَلَكٍ في نَفْنف يَتطوَّحُ

أبو عبيد ، عن الأصمعي : النَّفْنَف : مَهْواةُ ما بَين كُلّ جَبَلَيْن.

ابن شُميل : نَفانف الكَبِد : نَواحِيها.

ونَفانِف الدار : نواحِيها.

شَمِر ، عنه : صُقْع الجبل ، الذي كأنّه جدارٌ مَبْنِيٌّ مُسْتَوٍ : نَفْنَف.

قال : والنَّفْنف أيضاً : أسناد الجَبل التي تَعْلوه منها وتَهْبط منها.

قال : والركيّة من شَفتها إلى قَعْرِها : نَفْنَف.

ونفَانِف الجَبل لا تُنبت شيئاً ، لأنها خشنة غليظة بعيدة من الأرض.

ابن الأعرابي : النَّفْنَف : ما بين أَعلى الحائط إلى أسفل ، وبين السماء والأرض ، وأعلى البِئر إلى أسفل.

فن : الليث : الفَنّ : الحال.

قال : والفُنون : الضُّروب ؛ يقال : رَعَينا فُنون النَّبات ، وأَصبنا فُنون الأَمْوال ؛ وأنشد :

قد لَبِسْت الدَّهْر من أَفْنانِه

كل فنٍ ناعمٍ منه حَبِرْ

قال : والرجلُ يفنِّن الكلام ، أي يشتقّ في فنٍ بعد فَنّ.

قال : والتفنُّن ، فِعْلك.

قال : والتَّفنين : فِعْلُ الثوب إذا بَلِي فَتَفَزَّر

٣٣٤

بعضُه من بعض من غير تَشَقُّق.

قال : والفَنَنُ : الغُصْن المُستقيم طُولاً وعرضاً ؛ وقال العجاج :

* والفَنَنُ الشّارِقُ والغَرْبِيّ*

وقال عِكرمة في قول الله جلّ وعزّ : (ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨)) [الرحمن : ٤٨].

قال : ظِلّ الأغْصان على الحِيطان.

وقال أبو الهيثم : فسّره بعضُهم ، ذواتا أَغْصان ؛ وفَسّره بعضُهم : ذواتا ألوان.

واحدها حينئذ : فَنّ وفَنَن ، كما قالوا : سَنٌّ وسَنَن ، وعَنٌّ وعَنَن.

وقال غيره : واحد «الأفنان» بمعنى «الألوان» فَنّ.

وإذا أردت «الأغصان» ، فواحدها : فَنَن.

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : شجرة فَنْواء : ذات أفنان.

قال أبو عُبيد : وكان يَنبغي في التقدير : فَنّاء.

وأخبرني المُنذري ، عن أحمد بن يحيى : شجرة فنّاء وفَنْواء : ذات أفْنان.

وأما : شجرة قَنْواء ، بالقاف ، فهي الطَّويلة.

وفي حديث أهل الجنة : مُرْدٌ مُكَحَّلون أولُو أفانِين.

يريد : أولو شُعور وجُمَم.

وأفانين : جمع أفنان ؛ وأفنان : جمع فَنَن ، وهو الخُصْلة من الشّعر ، شُبِّه بالغُصن ؛ قال الشاعر :

* يَنْفُضن أفنان السّبِيب والعُذَر*

يصف الخيل ونَفْضها خُصل شَعر نواصيها وأَذنابها.

وقال المرّار :

أعلاقةً أمَّ الوَليد بعد ما

أَفْنانُ رأسِك كالثَّغام المُخْلِسِ

يعني : خُصل جُمّة رأسه حين شَاب.

أبو زيد : الفَيْنان : الشَّعر الطويل الحَسن.

قلت : هو «فيعال» من «الفنن» ، والياء زائدة.

ويقال : فَنّن فلانٌ رَأْيَه ، إذا لَوّنه ولم يَثْبت على رأي واحد.

ورَجَلٌ مِفَنٌ مِعَنٌّ : ذو فُنون من الكلام واعتراض وعنَن ؛ وأنشد أبو زيد :

إنّ لنا لكَنَّهْ

مِعَنَّةٌ مِفَنَّهْ

أبو زيد : المُفَنِّنة : المرأة الكبيرة السيِّئة الخُلق.

ورَجُلٌ مُفَنِّن.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : التَفْنين : البُقعة السَّخيفة السّمجة في الثَّوب الصَّفِيق ، وهو عَيْب.

وفي قول أبَان بن عثمان : مَثَل اللَّحن في الرَّجُل السَّرِيّ كالتَّفْنين في الثَّواب.

٣٣٥

ابن الأعرابي : الأُفنون : الحَيّة.

والأُفنون : العجوز المُسِنَّة. والأُفنون : الغُصن المُلتفّ. والأُفنون : الجَرْيُ المُختلط ، من جَرْي الفرس والناقة.

والأُفنون : الكلام المُثَبَّج ، من كلام الهِلْبَاجَة.

والعرب تقول : كنت بحالة حسنة فَنَّةً من الدهر ، وفَيْنةً من الدهر ، وضَرْبةً من الدَّهر ، أي طَرفاً من الدهر.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الفَنّ : العَنَاء.

فَنَنْتُ الرَّجُلَ : أفُنّه فنًّا ، إذا عَنَّيْته ؛ وقال الراجز :

لأَجْعَلَنْ لابْنة عمروٍ فَنًّا

حتى يكونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : الفَنّ : الطَّرْدُ.

وهو يَفُنّ الإِبلَ.

ابن هانىء ، عن أبي زيد : الفَنّ : المَطْل.

ابن الأعرابي : فَنْفَن الرّجُل : إذا فَرَّقَ إبلَه كسلاً وتوَانِياً.

أبو عُبَيد : اليَفَن : الكَبِير ؛ وقال الأعْشى :

وما إن أرَى الدَّهْر فيما مَضى

يُغادر مِنْ شَارِفٍ أو يَفَنْ

ابن الأعرابي : من أسماء البقرة : اليَفَنَة ، والعَجوز ، واللِّفْت ، والطَّغْيَا.

الليث : اليَفَن : الشَّيخ الفاني.

وقال : «الياء» فيه أَصْلية.

وقال بعضُهم : بل هو على تقدير «يفعل» ، لأنّ الدهر فنَّه وأَبْلاه.

[باب النون والباء]

ن ب

[نب ، بن : مستعملان].

نب : الليث : نَبّ التَّيسُ يَنِبُ نَبِيباً.

وقال عُمَرُ لِوَفْدِ أهل الكُوفة ، حين شَكَوا سعداً : ليكلِّمْني بعضُكم ولا تَنِبُّوا عندي نَبِيبَ التُّيُوس.

عمرو ، عن أبيه : نَبَّب الرَّجُل ، إذا هَذَى عند الجِماع.

ونَبْنَب ، إذا طَوّل عَمَله وحَسَّنه.

بن : الليث : البَنَّة : ريحُ مَرابض الغَنَم والبَقر والظِّباء.

تقول : أجد لهذا الثَّواب بَنَّة طَيِّبة من عَرْف تُفّاح أو سَفَرْجل.

أبو عبيد ، عن أبي عمرو : البَنّة : الرِّيح الطيِّبة. وجمعها : بِنَان.

أبو حاتم ، عن الأصمعي : «البَنَّة» ، تُقال في الرِّيح الطيِّبة وغَير الطيِّبة.

الليث : الإبْنان : اللُّزوم.

يقال : أَبَنَّت السَّحابةُ ، إذا لَزِمت ودامت.

أبو عبيد : أَبْنَنْت بالمكان : أقمت به ؛ وقال ذو الرُّمَّة :

* أبَنَ بها عَوْدُ المبَاءة طَيِّبٌ*

٣٣٦

ويقال : رأيت حيًّا مُبِنًّا بمكان كذا ، أي مُقِيماً.

وقال أبو إسحاق في قول الله تعالى : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ بَنانٍ) [الأنفال : ١٢].

قال : واحد «البَنان» : بَنَانة.

ومعناه هاهنا : الأصابع وغَيْرها من جميع الأعضاء.

قال : وإنما اشْتقاق «البنان» من قولهم : «أَبَنَ» بالمكان.

والبَنان به يُعْتمل كُلّ ما يكون للإقامة والحياة.

الليث : البَنان : أَطراف الأصابع من اليدَين والرِّجْلَين.

و «البَنان» في كتاب الله : الشَّوى ، وهي الأَيدي والارْجُل.

قال : والبَنانة : الإصبع الواحدة ؛ وأَنشد :

لا هُمّ أَكْرمت بَني كِنَانَه

لَيس لِحَيٍّ فوقهم بَنَانَهْ

أي ليس لأحد عليهم فَضل قِيسَ إصْبع.

قال : وبُنَانة : حيٌّ من اليَمن.

عمرو ، عن أبيه : البَنانة : الرَّوضة المُعْشِبة.

وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي الهَيثم : البَنانة : الإِصْبَع كُلها.

وتُقال للعُقدة العُلْيا من الإصْبع ؛ وأَنْشد :

* يُبلّغنا منها البَنانُ المُطَرَّفُ*

والمُطرّف : الذي طرِّف بالحِنّاء.

قال : وكل مَفْصل : بَنانة.

عمرو ، عن أبيه : البَنْبَنَة : صوت الفُحش والقَذَع.

ابن الأعرابي : بَنْبَن الرَّجُل ، إذا تكلّم بكلام الفُحش ، وهي البَنْبَنة.

وأَنشد شَمر :

فصار ثَناها في تَمِيم وغيرهم

عَشِيّة يأتيها بِبَنْبَان عِيرُها

يعني : ماءً لبني تميم يقال له : بَنْبَان.

قال : والتَّبْنين : التَّثْبيت في الأمر.

والبَنِين : المُتثبِّت العاقِل.

الفراء : البِنّ : الطِّرْق من الشَّحم.

يُقال للدابة إذا سَمنت : رَكبها طِرْق وبِنٌ على بِنّ.

والبِنُ : الموضع المُنْتن الرّائحة.

ورُوي عن عمر أنه قال : حتى تكونوا بَنَاناً واحداً.

قال أبو عُبيد : قال ابن مَهدي : يعني شيئاً واحداً.

قال أبو عُبيد : وذاك الذي أراد عمر ، ولا أحسب الكلمة عربيّة ، ولم أسمعها إلا في هذا الحديث.

[باب النون والميم]

ن م

نم ، من : [مستعملان].

٣٣٧

نم : قال الليث : النَّمِيمة ، والنَّمِيم ، هما الاسم.

والنَّعْت : نمّام.

والفِعل : نَمَ يَنِمّ نَمًّا ونَمِيماً ونَمِيمةً.

قال : والنَّمِيمة : صوتُ الكِتابة.

ويُقال : هو وَسْواس هَمْس الكَلام ؛ ومنه قولُه :

ونَمِيمة من قانِصٍ مُتلبِّب

في كفّه جَشْءٌ أَجْشّ وأَقْطَعُ

وقال الأصمعي : إنه سمع ما نَمّ على القانِص.

وقال غيره : النَّميمة : الصوتُ الخفِيّ مِن حركة شيء أو وَطْء قَدَم.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : نَمّ يَنِمّ ويَنُمّ.

الفرّاء مِثله.

والأصل بالضّم.

الليث : النّمْنَمة : خطُوط مُتَقاربة قِصَارٌ شِبْهَ ما تُنَمْنِم الرِّيحُ دُقَاقَ التُّراب.

قال : ولكُل وَشْي نَمْنَمَةٌ.

قال : والنِّمْنمُ : البَياضُ الذي يكون على أَظْفار الأحْداث.

الواحدة : نِمْنِمة ؛ قال رُؤبة يصف قَوْساً رُصِّع مَقْبِضُها بسُيُور مُنَمْنَمة :

* رَصْعا كَسَاها شِيَةً نَمِيمَا*

أي : نَقَشها.

وكتابٌ مُنَمْنَم : مُنَقَّش.

ابن الأعرابيّ : النَّمةُ : اللّمْعة من بَياض في سَواد ، أو سَواد في بَياض.

والنِّمَة : القَمْلة.

من : قال الله عزوجل : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَ) [الأعراف : ١٦٠].

قال الليث : المنّ كان يَسْقط على بَنِي إسرائيل من السّماء ، إذ هم في التِّيه ، وكان كالعَسل الحامِس حلَاوةً.

وقال الزَّجّاج : جُملة «المنّ» في اللُّغة : ما يَمُن الله به ممّا لا تَعب فيه ولا نَصَب.

قال : وأهل التَّفسير يقولون : إنّ المنّ شيء كان يَسْقط على الشجر حُلْوٌ يُشْرب.

ويقال : إنه التُّرَنْجَبيِن.

ورُوي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكَمْأة من المَنّ».

ومعنى «المَنّ» ما وصفنا : أنه ممّا مَنّ الله به من غير تَعَب.

وقال أبو عُبيدة : المعنى في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الكمأةُ من المنّ» : إنما شَبّهها بالمَنّ الذي كان يَسْقط على بني إسرائيل ، لأنه كان يسقط على بني إسرائيل عفواً بلا عِلاج ، إنما يُصْحبون وهم بأَفْنِيَتهم فَيَتناولُونه ، وكذلك الكَمأة لا مَؤُونةَ فيها بَبذرٍ ولا سَقْىٍ.

وأمّا قول الله جلّ وعزّ : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] ف «المَنّ» هاهنا : أن تَمُنّ بما أَعْطيت وتعتدّ

٣٣٨

به ، كأنك إنما تقصد به الاعْتداد.

والأَذى : أن تُوبِّخ المُعْطَى ، فأَعْلم الله أنّ المَنّ والأذى يُبْطلان الصَّدقة.

قال الله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)) [المدثر : ٦] أي : لا تُعْطِ شيئاً مُقدَّراً لتأخُذَ به ما هو أكثر منه.

وقوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [فصلت : ٨] ، أي لا يُمَنّ به عليهم.

وقيل : غير مَقْطُوع.

قلت : فالمَنّ : الذي يَسْقُط من السّماء.

والمَنّ : الاعْتِداد. والمَنّ : العَطَاء.

والمَنّ : القَطْع.

ومن صفات الله تعالى : المَنّان. ومعناه : المعطي ابتداء. ولله المِنَّة على عباده ولا مِنّة لأحد منهم عليه.

عمرو ، عن أبيه : المَنين من الرِّجال : الضَّعِيف. والمَنين : القوي. وحَبْلٌ مَنِين ، أي أَخْلَق وتَقَطَّع ؛ وأَنْشد :

* ولم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِين *

والمَنِين : الغُبَار. ويُقال للثَّوب الخَلق : مَنِين. والمُنَّة : القُوّة والمِنّة : العَطِيّة.

والمِنّة : الاعْتِداد.

أبو عمرو : المَمْنُون : الضَّعِيف.

والمَمْنون : القَوِيّ.

غيره : المَنّ ، لغة في «المَنَا» ، الذي يُوزن به. وجمعه : أَمْنان.

ومن قال «مَنَا» ، جمعَه : أَمْنَاء.

سَلمة ، عن الفَراء ، عن الكسائي ، قال : «من» تكون اسماً ، وتكون جَحْداً ، وتكون اسْتفهاماً ، وتكون شرطاً ، وتكون معرفة ، وتكون نكرة ، وتكون للواحد ، وتكون للاثنين ، وتكون خصوصاً ، وتكون للإنْس والملائكة والجن ، وتكون للبهائم إذا خُلطت بغيرها.

وأنشد الفَرّاء فيمن جَعلها اسماً :

فَضَلوا الأنامَ ومَن بَرا عُبْدانَهُمْ

وبَنَوْا بمكَّة زَمْزَماً وحَطيما

قال : موضع «من» خَفض ، لأنه قَسم ، كأنه قال : فَضَل بنو هاشم سائر الناس ، والله الذي بَرى عُبْدَانَهُمْ.

قلت : هذه الوُجوه التي ذكرها الكسائي مَوْجُودة في الكتاب.

أما الاسم المعرفة : فكقولك : والسّماء ومَنْ بناها. معناه : والذي بَناها.

والجَحد كقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] ، المَعْنى : لا يَقْنَط.

والاستفهام كقولك : مَن تَعْني بما تقول؟

والشرط كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧)) [الزلزلة : ٧] فهذا شرط ، وهو عام.

ومن الجماعة كقوله تعالى : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم : ٤٤].

٣٣٩

وكقوله تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) [الأنبياء : ٨٢].

وأمّا الواحد ، فقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢].

وللاثنين كقوله :

تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لا تَخونُني

تَكُنْ مِثْلَ من ياذِئبُ يَصْطَحِبَانِ

قال الفَرّاء : ثنَّى «يصطحبان» وهو فعل ل «مَن» لأنّه نَواه ونَفْسه.

وقال في جميع النساء : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [الأحزاب : ٣١].

سَلمة ، عن الفراء : تكون «من» ابتداء غاية ، وتكون بعضاً ، وتكون صِلَة.

قال الله عزوجل : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) [يونس : ٦١] ، أي : ما يَعْزب عن عِلمه وَزْنُ ذَرّة ؛ وأَنشد لداية الأحنف فيه :

والله لو لَا حَنَفٌ بِرجْلِه

ما كان في فِتْيانِكم مِنْ مِثْلِه

قال الفراء : من «صلة» هاهنا.

قال : والعرب تدخل «مِن» على جميع المَحالّ ، إلّا على اللّام والياء.

وتُدخل «من» على «عن» ، ولا تدخل «عن» عليها ؛ لأن «عن» اسم ، و «من» ، أداة ؛ قال القَطاميّ.

* مِن عَن يَمين الحُبَيَّا نَظْرةٌ قَبَلُ*

أبو عُبيد : العربُ تَضع «مِن» موضع «مُذْ» يُقال : ما رأيته من سنة ، أي مُذْ سنة ؛ وقال زُهير :

لمن الدِّيار بقُنّة الحِجْر

أَقْوَيْن مِن حِجَجٍ ومِن دَهْرٍ

أي : مُذ حِجَجٍ.

وتكون «من» بمعنى : اللام الزائدة ؛ قال الشاعر :

* أَمِن آل لَيْلَى عَرَفْت الدِّيَارَا*

أَراد : الآل لَيْلى؟

وتكون «من» بمعنى البَدل ، قال الله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)) [الزخرف : ٦٠].

مَعناه : ولو شئنا لجعلنا بدلكم.

وقال الفَراء : «المَنون» تُذكَّر وتُؤنث ، فمن ذكّره أَراد بها الدَّهر ، ومن أَنَّث أَراد بها المَنِية ؛ قال أبو ذؤيب :

* أمن المَنُون ورَيْبها تَتَوجَّعْ*

قال : والمَنون : المرأة تَتَزَوّج على مالها ، فهي أبداً تَمُنّ على زَوْجها. وهي المّنانة أيضاً.

وقال بعض العرب : لا تَتَزوّجَنّ حنّانةً ولا مَنّانة.

أبو عمرو : المِنَنَةُ : العَنْكَبُوت.

ولم يَبْق للثلاثيّ الصّحيح كلمة مُسْتعملة في حَرْف النون.

٣٤٠