آثَرْتَ ضَيْفك باللَّوِيّة والذي |
كانتْ له ولِمثْلِه الأذْخَار |
وسمعت أعرابيّاً من بني كِلاب يقول لِقَعيدةٍ له : أين لَوَاياك وحَواياك؟ ألَا تُقدِّمينها إلينا؟
أراد : أين ما خبأت من شُحيمة وقَدِيدة وتمرة وما أشبهها من شيء يُدَّخر للحقُوق.
واللَّوِيّ : ما جَفّ من البَقْل.
وقد أَلْوَى البَقْلُ.
وجمع لواء الأمير : أَلْوِية ، وأَلْواء.
وجمع لِوَى الرَّمل : ألْوية ، وأَلْواء.
ولَوَى خَبَره ، إذا كَتمه.
والأَلْوَى : المُعتزل لا يزَال مُنْفرداً ؛ وأَنْشد :
حَصانٌ تُقْصِد الألْوى |
بِعَيْنَيْها وبالْجِيدِ |
قال : والأُنثى : لَيّاء.
ونسوة لِيّان ؛ وإن شئت : لَيَّاوات.
والرِّجال ألْوُون.
والتاء والنون في الجماعات لا يمتنع منهما شيء من أسماء الرِّجال ونعوتها ، وإن نعت قيل : يلوى لوى ، ولكنهم استغنوا عنه بقولهم : لَوَى رأسه.
ومن جعل تأليفه من لام واو ، قال : لَوى ؛ وقال الله تعالى في ذِكْر المنافقين : (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [المنافقون : ٥].
وقرىء : لَوَوْا.
الليث : يقال لَويتُ عن هذا الأمر ، إذا الْتَويْت عنه ؛ وأَنشد :
إذا الْتَوَى بي الأمر أَو لَوِيت |
مِن أين آتي الأمْرَ إذ أُتِيت |
ولُؤيّ بن غالب : أبو قُريش.
ابن السِّكيت وغيره : هو عامر بن لُؤيّ ، بالهمز.
وعوامّ الناس لا يَهْمزون.
ويقال : لَوَّى عليه الأمَر ، إذا عَوّصه.
ويقال : لوّأ الله بك ، بالهمز تَلْوِئةً ، أي شَق بك ؛ وأَنْشد ابن الأعرابي :
وكنت أرَجِّي بعد نَعْمانَ جابِراً |
فلَوّأ بالعَيْنَيْن والوَجْه جابِرُ |
ويقال : هذه والله الشَّوْهَة واللَّوْأة.
ويقال للرجل الشديد : ما يُلْوَى ظهرُه ، أي ما يَصْرعه أحد.
والمَلَاوي : الثَّنايا التي لا تَسْتقيم.
أبو عُبيد ، عن اليَزيديّ : أَلْوت الناقة بذَنَبها ، ولوت ذَنبهَا.
وأَلوى الرَّجُلُ برَأْسه ، ولَوى رأسَه.
وأَصَرّ الفرسُ بأُذنه ، وصَرّ أذُنَه.
ولى : أبو عُبيدة وغيره : الْوَلْيُ : القُرْب ، وأَنشد :
* وَشَطّ وَلْيُ النَّوى إنّ النَّوَى قَذَفٌ*
قال : وقال الأصمعيّ : الوَلْي ، مثل الرَّمْي : المطر الذي يأتي بعد المَطر.
يُقال : وُلِيت الأرْضُ وَلْياً.
فإذا أردت الاسم ، فهو الوَلِيّ ، مثل النَّعِيّ.
والنَّعيّ ، الاسم ؛ والنَّعْي ، المصدر.
وقال ذو الرُّمَّة :
لِنِي وَلْيَةً تُمْرعْ جَنَابِي فإنّني |
لِما نِلْتُ من وَسْمِيِّ نُعْماكَ شاكِرُ |
لِني ، أمْرٌ من الوَلْي ، أي أمطرني وَلْيةً منك ، أي مَعروفاً بعد مَعْروف.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الوَلِيّ : التابع المُحِبّ.
وقال في قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من كنت مَولاه فعليٌّ مولاه» ، أي من أحبّني وتولّاني فَلْيتولّه.
وقوله جلّ وعزّ : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤)) [القيامة : ٣٤].
قال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : هو تَهَدُّد ووَعِيد.
قال : وقال أبو نَصر : قال الأصمعي : (أَوْلى) معناه : قاربك ما تكره أي نزل بك يا أبا جهل ما تكره وقاربَك.
وأنشد الأصمعي :
فعادَى بين هادَيَتَيْن منها |
وأَوْلَى أن يَزيد على الثَّلاثِ |
أي : قارب أن يَزِيد.
قال أبو العباس : لم يقل أحد في أَوْلى لك ، أَحْسن ممّا قال الأصمعيّ.
قال : وقال غيرهما : أَوْلى ، يقولها الرَّجُل لآخر يُحَسِّره على ما فاته ، ويقول : يا مَحْروم ، أي شيء فاتك؟
وقوله عزّ اسمُه : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(١) [الأنفال : ٧٢].
قال الفراء : يُريد : ما لكم من مواريثهم من شيء.
قال : وكَسْر الواو هاهنا من وِلايتهم أعجبُ إليّ من فتحها ، لأنها إنما تُفتح أكثر ذلك إذا أريد بها النُّصرة.
وكان الكسائي يَفتحها ويَذهب بها إلى النُّصرة.
قلتُ : ولا أظنه عَلِم التَّفسير.
قال الفراء : ويختارون في وَلِيتُه وِلَاية : الكسر ، وقد سَمِعناهما بالفتح وبالكسر في مَعْنَييْهما جميعاً ؛ وأَنْشد :
دَعيهم فهم أَلْبٌ عليّ ولايةٌ |
وحَفْرهمُ أن يَعْلموا ذاكَ دائِبُ |
وقال أبو العباس نحواً مما قال الفرّاء.
وقال الزجاج : يُقرأ : (وَلايَتِهِمْ) ،
__________________
(١) في المطبوع : «ما لكم من (ولايتكم)».
و (وِلَايتهم) ، بفتح الواو وكسرها ، فمن فتح جَعلها من : النُّصرة والنَّسب.
قال : والوِلاية ، التي بمنزلة الإمارة ، مكسورة.
قال : والوِلاية على الإيمان واجبة ، المؤمنون (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).
وَلِيٌ بَيِّن الوَلَاية.
ووالٍ بيِّن الوِلَاية.
والوليّ : وليّ اليتيم الذي يلي أَمره ويَقُوم بكِفايته.
ووليّ المرأة : الذي يَلي عَقْد النِّكاح عليها ولا يَدعها تَسْتَبِدّ بعَقْد النِّكاح دُونه.
ويقال : فلان أولى بهذا الأمر من فلان ، أي : أحقّ به.
وهما الأَوْليان ، أي : الأَحَقّان ؛ قال الله عَزّ وجلّ : من الّذين استحقّ عليهم الأوّلين [المائدة : ١٠٧].
قرأ بها عليّ رضياللهعنه ، وبها قرأ أبو عمرو ونافع وكَثِير.
وقال الفراء : مَن قرأ الْأَوْلَيانِ أراد : وَليَّي المَوْرُوث.
وقال الزجّاج : الْأَوْلَيانِ ، في قول أكثر البصريين ، يَرتفعان على البدل ممّا في (يَقُومانِ). المعنى : فَلْيَقُم الأَوْليان بالميت مَقام هذين الجائيين.
ومن قرأ الأوَّلِين ردَّه على (الَّذِينَ) وكأن المَعنى : من الذين استَحقّ عليهم أيضاً الأوَّلين.
وهي قراءة ابن عبّاس ، وبها قرأ الكوفيون ، واحتجوا بقول ابن عبَّاس : أرأيت إن كان الأَوْليان صغيرَيْن ؛ وأنشد أبو زيد :
فلو كان أَوْلى يُطْعم القَوْمَ صِدْتُهم |
ولكنّ أَوْلَى يَتْرُك القَوْمَ جُوَّعَا |
قال : أَولى في هذا حكاية ، وذلك أنّه كان لا يُحسن أن يَرمي ، وأحبّ أن يُمتدح عند أصحابه ، فقال : أَوْلَى ، وضرب بيده على الأخرى ، وقال : أولى ، فحكي ذلك.
وقال الله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٤].
قال الفراء : هم وَرثة الرَّجل وبنو عَمِّه.
قال : والوَليّ والمَوْلى ، واحد في كلام العرب.
قلت : ومِن هذا قولُ النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أيما امرأةٍ نَكَحت بغير إذْن مولاها».
ورواه بعضهم وليها ، لأنّهما بمعنى واحد.
وأخبرني المُنذريّ ، عن ابن فَهم ، عن ابن سلام ، عن يونس ، قال : المولى ، له مواضع في كلام العرب :
منها : المولى في الدِّين : وهو الولي ، وذلك قولُ الله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)) [محمد : ١١].
ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «مَن كُنت مَولاه» ، أي وليّه.
قال : وقوله صلىاللهعليهوسلم : «مُزَينة وجُهينة وأَسْلَم وغِفار موالِي الله ورسوله» ، أي : أولياؤُهما.
قال : والمولى : العَصَبة ، ومنه قولُه عزوجل : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٥].
وقال اللِّهْبِيّ يُخاطب بني أُميّة :
مَهْلاً بَنِي عَمِّنا مَهْلاً مَوالِينا |
امْشُوا رُوَيْداً كما كنتم تكَونُونَا |
قال : والمولى : الحليف ، وهو من انضم إليك فعزّ بِعِزّك وامْتَنع بمَنَعتك.
والمَوْلى : المُعْتَق انْتسب بنَسبك ، ولهذا قيل للمُعْتقين : المَوالِي.
قال : قال أبو الهَيثم : المَوْلى على سِتّة أوْجه :
المولى. ابنُ العَمّ ، والعمُّ ، والأخُ ، والابْنُ ، والعَصَبات كلهم ، والمَوْلَى : الناصر ، والمَوْلَى : الذي يَلِي عليك أَمْرَك.
قال : ورجل وَلاء ، وقومٌ وَلاء ، في معنى : ولِيّ ، وَأَوْلِياء.
والوَلَاء ، مصدر.
والمَولى : مولى المُوالاة ، وهو الذي يُسلم على يدك ويُوالِيك.
والمولى : مولى النِّعمة ، وهو المُعْتِق أَنعم على عَبْده بعِتْقه.
والمولى : المُعْتَق ، لأنه ينزل منزلة ابن العم ، يجب علَيك أن تَنْصره ، وترَثه إن مات ولا وارِثَ له.
والتَّولية ، تكون إقبالاً ، ومنه قولُه جلّ عزّ : (فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] ، أي : وَجِّه وجهك نحوه وتلقاءَه.
وَكذلك قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨].
قال الفراء : هو مُسْتقبلها.
والتَّولية ، في هذا الموضع : إقْبال.
قال : والتّولية ، تكون انصرافاً ؛ قال الله تعالى : (ثُمَ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥].
وقال في موضع آخر : (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) [آل عمران : ١١١].
هي ، هاهنا : انصراف.
وقال أبو مُعاذ النّحوي : قد تكون «التَّوْلِية» بمعنى : التَّوَلِّي.
يقال : وَلّيت وتولّيت ، بمعنى واحد.
قال : وسمعت العرب تنشد بيتَ ذي الرُّمّة :
إذا حَوّل الظِّلُّ العَشِيَّ رَأيتَه |
حَنِيفاً وفي قَرْن الضُّحَى يَتَنَصَّرُ |
أراد : تَحوُّل الظِّل بالعَشِيّ.
وقوله : (هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨] أي : متولّيها ، أي مُتّبعها وراضِيها.
تولَّيت فلاناً : اتَّبعته ورَضِيت به.
ويقال للرُّطْب إذا أَخذ في الهَيْج : قد وَلى ، وتَولى.
وتَوَلِّيه : شُهْبَتُه.
والتَّوْلية في البَيع : أن تَشْتَري سِلْعةً بثمن مَعْلوم ثم تولّيها رجلاً آخر بذلك الثَّمن.
وتكون «التَّولية» مصدراً ، كقولك : ولَّيت فلاناً عمل ناحيته ، إذا قلدته وِلايَتها.
و «التَّوَلِّي» يكون بمعنى : الإعراض ، ويكون بمعنى : الاتّباع ؛ قال الله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد : ٣٨] ، أي : تُعرضوا عن الإسلام.
وأمّا قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) [التوبة : ٢٣] ، معناه : من يَتَّبعهم ويَنْصرهم.
وتوليت الأمر تولياً ، إذا وَليته ؛ قال الله تعالى : (تَوَلَّى كِبْرَهُ) [النور : ١١] أي : وَلي وِزر الإفك وإشاعته.
ابن الأعرابي : الموالاة : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصُّلح ، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه ، أي يُحابيه.
قال : والى فلان فلاناً ، إذا أَحَبَّه.
وللمُوالاة مَعنى ثالث ، سمعتُ العربَ تقول : والُوا حَواشِيَ نَعَمكم من الجِلّة ، أي اعزلوا صغارها عن كبارها.
واليْناها فتوالَت ؛ وأَنْشد بعضُهم :
وكُنّا خُلَيْطَى في الجِمالِ فأَصْبحت |
جِمالِي تُوالَي وُلَّهاً مِن جِمَالِكا |
ومنه قول الأعشى :
ولكنّها كانتْ نَوى أَجْنبيّةً |
تَوَالِيَ رِبْعيّ السِّقَابِ فأَصْحَبَا |
ورِبْعي السِّقاب : الذي نُتج في أول الربيع. وتواليه أَن يُفْصل عن أمّه فيشتد وَلَهُه إليها إذا فَقدها أوّل ما يُوالَى ، ثم يَسْتمر على المُوالاة. ويُصْحِب ، أي يَنْقاد ويَصْبر بعد شدَّة وَلهه لمُفارقته أُمّه.
وفي «نوادر الأعراب» : توالَيْتُ مالي ، وامْتَزْت مالِي ، وازْدَلْت مالِي ، بمعنى واحد.
جعلت هذه الأحرف واقِعَة ، والظاهر منها أنها لازمة.
والوليّة : البَرْذعة ، وجمعها : الوَلايا.
والمَوالاة : المُتابعة.
يُقال : والَى فلانٌ برُمْحه بين صَيْدين ، وعادى بينهما ، وذلك إذا تابع بينهما بطَعْنَتين مُتواليَتْين.
ويُقال : أصبته بثلاثة أَسهم وَلَاءً ، أي تِباعاً.
وتوالت إليّ كُتُب فلانٍ ، أي تَتابَعت ؛ وقد والاها الكاتبُ.
ابن الأعرابي في قول النَّمرِ بن تَولب يَصف ناقةً سمينة نَحرها :
عن ذاتِ أَوْلية أَسَاوِدَ رَيّها |
وكأنّ لونَ المِلْح فوق شِفَارِها |
قال : الأَوْلية : جمع الوليّة ، وهي البرْذعة. شَبّه ما تراكم عليها من الشحم بالوَلَايا ، وهي البَراذع.
وقال الأصمعي نَحْوَه.
وقال ابن السِّكيت : وقال بعضهم : أراد أَنها أكلت وليًّا بعد وليّ من المطر. أي : رَعت ما نَبَت عَنْها فَسَمِنت.
قلت : «الولايا» إذا جَعلتها جمع «الوليّة» ، وهي البَرذعة التي تَحت الرَّحْل ، فهي أَشْهر.
ومنه قول أبي ذُؤيب :
كالبلايَا رُؤُوسها في الولَايا |
مانحات السَّمُوم حُرَّ الخُدُودِ |
ويقال : اسْتبق الفارسان على فرسَيْهما إلى أَمَدٍ تسابَقا إليه ، فاستولى أحدُهما على الغاية ، إذا سَبق الآخر إليها : وقال النابغة :
* سَبْق الجواد إذا اسْتَوْلَى على الأَمَدِ*
واستيلاؤه على الأَمد : أن يَغْلب عليه بسَبْقه إليه.
ومن هذا يُقال : استولى فلانٌ على مالي ، إذا غلب عليه.
وكذلك : اسْتَوْمى عليه ، بمَعناه.
وهما من الحُروف التي تعاقب فيها اللام والميم ، ومنها قولهم : لو لا فَعَلْت كذا ، ولومَا فعلت كذا ، بمعنى «هلا» ؛ قال الله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)) [الحجر : ٧] ؛ وَقالَ عَبِيد :
لو مَا على حِجْر ابن أُمّ |
قَطَام تَبْكي لا عَلَيْنَا |
الأصمعيّ : خالَمْتُه وخالَلْتُه ، إذا صادقته ؛ وهو خِلِّي وخِلْمي.
أبو زيد : الرّوال ، والرّوام : اللُّغام.
ويقال : أوليت فلاناً شَرًّا ، وأوليته خيراً ، كقولك : سُمْتُه خيراً وشرًّا.
وأوليته معروفاً : أسْديته إليه.
ويل : وقال الله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)) [المطففين : ١] و (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)) [الهمزة : ١].
قال أبو إسحاق : وَيْلٌ ، رفع للابتداء ، والخبر «لِلْمُطَفِّفِينَ».
قال ولو كانت في غير القرآن لجاز «ويلا» على معنى : جعل الله لهم ويلاً ، والرفع أجود في القرآن والكلام ؛ لأن المعنى : قد ثَبَت لهم هذا.
قال : والويل : كلمةٌ تقال لكل من وقع في
عذاب أو هَلكة.
قال : وأصل «الوَيل» في اللغة : الهَلاك والعذاب.
ورُوي عن عَطاء بن يسار أنه قال : الوَيل : وادٍ في جَهنم لو أرسلت فيه الجبالُ لماعَتْ من حرّه قبل أن تبلغ قعره.
وقال الليث : الويل : حُلول الشّرِّ.
والوَيْلة : البَلِيّة والفضيحة.
وإذا قال القائل : يا ويلتاه ، فإنما يعني : يا فَضيحتاه.
وكذلك يُفسر قوله تعالى : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ) [الكهف : ٤٩].
وقد تجمع العرب «الويل» : الوَيْلات.
ويُقال : ويّلت فلاناً ، إذا أكثرت له من ذِكْر الوَيْل.
وهما يَتَوايلان.
ويقال : ويْلاً له وائلا ، كقولك : شغل شاغل.
وإذا قالت المرأة : وا وَيْلَها ، قلت : وَلولَت ؛ قال رُؤْبة :
كأنما عَوْلَتُه من التَّأقْ |
عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَت بعد المَأقْ |
وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب النَّحوي : أن «وَيلة» كان أصلها «وي» وصلت ب «له».
ومعنى : وي : حُزْن ، أُخْرج مُخرج النُّدبة.
قال : والعوْل : البكاء ، في قولهم ، وَيْلَه وعَوْلَه ، ونُصِبا على الذَّم والدُّعاء.
أول : قال (١) الليث : الأوائل : من «الأول».
فمنهم من يقول : تأسيس بنائه من هَمزة ، وواو ولام.
ومنهم من يقول : تأسيسه من واوين بعدهما لام.
ولكل حُجّة.
وقال في قوله :
* جَهَام تَحُثّ الوائلات أواخره*
قال : ورواه أبو الدُّقَيش «تحث الأوّلات».
قال : والأَوّل والأولى ، بمنزلة : أَفْعل ، وفُعْلى.
قال : وجمع «الأولى» : الأوليات.
قلت : ويجمع «الأوّل» : على «الأُوَل» مثل : الأَكبر ، والكُبَر ، وكذلك الأُولى.
ومنهم من شدّد الواو من «أُوّل» مجموعاً الليث : من قال : تأليف «أوّل» من همزة وواو ولام ، فَينبغي أن يكون «أفعل» منه : أأول ، بهمزتين ؛ لأنك تقول : آب يؤوب : أَأْوب.
__________________
(١) مكان هذا في «اللسان» (وأل) ، (إبياري).
واحتجّ قائل هذا القول أن الأصل كان «أَأْول» ، فقلبت إحْدى الهمزتين واواً ، ثم أُدْغمت في الواو الأخرى ، فقيل : أَوّل.
ومن قال ، إن أصل تأسيسه واوان ولام ، جعل الهمزة ألف «أفعل» ، وأَدغم إحدى الواوين في الأخرى وشَدَّدهما.
ويقال : رأيته عاماً أَوّل ، على بناء «أفعل».
الليث : ومن نَوّن حمَله على النّكرة ، ومن لم يُنون فهو بابُه.
ابن دريد : أوّل ، فَوْعَل.
قال وكان في الأصل «وَوّل» فقُلبت الواو الأُولى همزة ، وأُدغمت إحدى الواوين في الأخرى ، فقيل : أوّل.
وقال الزجّاج في قول الله تعالى : (إِنَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦].
قال : «أوّل» في اللغة ، على الحقيقة : ابتداء الشيء.
قيل : وجائز أن يكون المبتدأ له آخر ، وجائز ألّا يكون له آخِر.
فالواحد أوّل العدد ، والعدد غيرُ مُتناهٍ ؛ ونعيم الجنة له أوّل ، وهو غير مُنْقطع.
وقولك : هذا أوّل مالٍ كسبته ، جائز ألّا يكون بعده كَسْب ، ولكن أراد : بل هذا ابتداء كَسْبي.
قال : ولو قال قائل : أوّل عبدٍ أملكه حُرّ ، فَمَلك عَبْداً ، لَعَتَق ذلك العبد ، لأنه قد ابتدأ المِلْك.
فجائز أن يكون قول الله تعالى : (إِنَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ٩٦] هو البيت الذي لم يكَن الحجّ إلى غيره.
وجاء في خبر مرفوع إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، بإسناد حسن ، في تفسير «الأوّل» في صفة الله عزوجل : «إنه الْأَوَّلُ ليس قبله شيء ، (وَالْآخِرُ) ليس بعده شيء».
ولا يجوز أن نَعْدُوَ هذا التَّفسير.
قلت : وقد قال بعض اللُّغويين في اشتقاق «الأول» : إنه «أفعل» ، من : آل يؤول ؛ و «أُولى» فُعْلى منه ، فكأنه «أول» في الأصل : أَأْول ، فقُلبت الهمزة الثانية واواً ، وأُدغمت في الواو الأُخرى ، فقيل : أوّل.
وعُزي هذا القولُ إلى سيبويه.
وكأنه من قولهم : آل يؤول ، إذا نجا وسَبَق.
ومثله : وأل يَئل ، بمعناه.
أبو زيد ، يُقال : لَقِيتُه عامَ الأوَّل ، ويوم الأوَّل ، جرّ آخره.
وهو كقولك : أتيتُ مسجدَ الجامِع.
قلت : وهذا من باب إضافة الشيء إلى نَعْته.
أبو زيد : يقال : جاء فلان في أَوّليّة الناس ، إذا جاء في أوّلهم.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد : أوّل يكون على ضربين : يكون اسماً. ويكون نَعْتاً موصولاً به «من كذا».
فأما كونه نعتاً ، فقولك : هذا رجلٌ أوّلُ منك ، وجاءني زيدٌ أوّل من مجيئك ، وجئتك أوّلَ من أمس.
وأمّا كَوْنُه اسماً ، فقولك : ما تركت أوّلاً ولا آخِراً. كما تقول : ما تركت له قديماً ولا حديثاً.
وعلى أي الوجهين سمّيت به رجلاً انصرف في النكرة ، لأنه في باب الأسماء بمنزلة «أفكل» ، وفي بال النُّعوت بمنزلة «أحمر».
وقال أبو الهيثم : تقول العربُ : أوّلُ ما أطلع ضَبٌّ ذَنَبه.
يُقال ذلك للرجل يَصنع الخَيْر ولم يكن صَنعَه قبل ذلك.
قال : والعرب ترفع «أوّل» ، وتَنصب «ذنبه» ، على معنى : أوّلُ ما أَطلع ذَنبه.
قال : ومنهم من يرفع «أول» ويرفع «ذنبه» ، على معنى : أَول شيء أطلعه ذنبُه.
قال : ومنهم من يَنْصب «أول» وينصب «ذنبه» ، على أن يجعل «أول» صفة.
قال : ومنهم مَن يَنصب «أول» ويرفع «ذنبه» ، على معنى : في أوَّل ما أَطلع ضَبٌّ ذَنبه ، أي في أوّل ذلك.
وأمّا «التأويل» ، فقيل : من أوّل يُؤوِّل تأويلاً.
وثُلاثية : آل يَؤول ، أي رَجع وعاد.
وسُئل أحمد بن يحيى عن «التأويل» فقال : التأويل والتَّغيير ، واحد.
قلت : أُلْت الشيءَ : جَمَعْتُه وأَصْلَحته ، فكأن «التأويل» جَمْع معانٍ مُشكلة بلفظ واضح لا إشكال فيه.
وقال بعضُ العرب : أَوَّل الله عليك أمْرَك ، أي جَمعه.
وإذا دَعوا عليه قالوا : لا أَوّل الله عليك شَمْلَك.
ويُقال في الدُّعاء للمُضِلّ : أَوّل الله عليك ، أي رَدّ الله عليك ضالَّتك وجَمَعها لك.
ويُقال : تأوّلت في فلانٍ الأَجْرَ ، أي تَحرَّيته وطَلَبْتُه.
اللَّيث : التأوّل والتأويل : تفسير الكلام الذي تَختلف معانيه ، ولا يصح إلا ببيان غير لفظه ؛ وأنشد :
نحن ضَرَبناكم على تَنْزيله |
فاليومَ نَضْرِبْكم على تَأْوِيله |
وأما قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف : ٥٣].
قال أبو إسحاق : معناه : هل ينظرون إلّا ما يَؤول إليه أمرهم مِن البَعث.
قيل : وهذا التَّأويل هو قوله جلّ وعزّ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] ، أي : لا يعلم متى يكون أَمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧] ، أي : آمنّا بالبَعث. والله أعلم.
قلت : وهذا الذي قاله حَسن.
وقال غيره : أعلم الله جلّ ثناؤه أنّ في الكتاب الذي أَنزله (آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) لا تَشابه فيه ، فهو مفهوم معلوم ، وأنزل آياتٍ أُخَر متشابهات تكلَّم فيها العلماء مُجتهدين ، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يَعلمه إلا الله ، وذلك مثل المُشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها وتكلَّم فيها من تكلَّم ، على ما أدّاه الاجتهاد إليه.
وإلى هذا مال أبو بكر بن الأنباريّ.
وأخبرني المُنذري ، عن أبي الهيثم ، يقال : إنما طعام فلان القَفْعاء والتَّأْويل.
قال : والتأويل : نَبْت يَعْتلفه الحِمار ، والقَفْعاء : شجرة لها شَوْك. ويُضرب هذا للرّجُل إذا اسْتَبْلد فَهْمُه. وشُبِّه بالحمار في ضَعف عَقله.
وقال أبو سعيد : العرب تقول : أنت في ضَحائك بين القَفْعاء والتَّأْويل. وهما نَبْتان مَحمودان من مَراعي البَهائم ، فإذا أَرادوا أن يَنْسبوا الرَّجُلَ إلى أنّه بَهيمة ، إلا أنه مُخصب مُوسَّع عليه ، ضَربوا له هذا المثل.
وأَنشد غيره لأبي وَجْزة :
عَزْب المراتع نَظّارٌ أَطاع له |
مِن كُلّ رابيةٍ مَكْرٌ وتَأْوِيلُ |
ورأيت في تفسيره أَنّ «التأويل» : اسم بقَلة يُولع بها بَقر الوحش تَنْبُت في الرَّمْل.
قلت : المَكْر والقَفْعاء ، معروفان ، قد رأيتهما في البادية ، وأما «التأويل» فما سَمِعته إلّا في شعر أبي وَجْزة هذا ، وقد رَعاه.
وقال أبو عُبيد في قول الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) [آل عمران : ٧].
التأويل : المَرجع والمَصير ، مأخوذ من : آل يَؤُول إلى كذا ، أي صار إليه.
وأوّلته : صَيَّرته إليه.
وكان أبو عُبيد يُنشد بيتَ الأَعشى :
على أنّها كانت تَأَوّل حُبّها |
تأوّل رِبْعِيّ السِّقاب فأَصْحَبَا (١) |
يعني : أنّ حبها كان صغيراً فآل إلى العِظَم ، مثل السَّقْب يكون صغيراً ثم يَشُب
__________________
(١) تقدم هذا البيت في ص (٢٩٤) باختلاف في لفظه.
حتى يصير مثل أُمّه.
قلت (١) : إِلَةُ الرَّجل : أهل بيته الذين يَئل إليهم ، أي يَلجأ إليهم.
وإلة ، حرف ناقص ، أصله : وِئْلة ، مثل : «صِلة» و «زنة» ، أصلهما : «وِصْلة» و «وِزْنة».
وأمّا : إيلة الرجل ، فهم أصله الذين يَؤول إليهم ، وكان أصله : إولة ، فقبلت الواو ياء.
أو يجوز أن يكون الأصل «إيلة» ، فخففت.
وأَيلْة : قرية عربيّة ، كأنها سُميت : أيلة ، لأن أهلها يَؤُولون إليها.
وأمّا : إيلة الرَّجُل ، فقراباتُه.
وكذلك : وَلْيته.
ابن السِّكيت : في أسنانه يَلل وأَلَل ، وهو أن تُقبل الأَسنان على باطن الفم.
ابن الأعرابيّ : الأيَلُ : الطويل الأسنان.
والأيَلّ : الصَّغِير الأسنان ، وهو من الأضداد ؛ وقال لَبِيد :
* تُكْلح الأرْوق منها والأيَلّ (٢) *
لا : ابن الأعرابي : لاواه ، إذا خالفه.
سَلمة ، عن الفراء : لاوَيْت ، أي قلت : لا.
قال : وقال ابن الأعرابي : لَوْلَيْت ، بهذا المعنى.
وقال غيرُه : العربُ إذا أرادوا تقليل مُدّة فِعل ، أو ظُهور شيء خَفِيّ ، قالوا : كان فِعْله كَلَا.
وربما كرّروا فقالوا : كلا ولا ؛ ومنه قول ذي الرُّمة :
أصاب خَصاصةً فبدا كَلِيلاً |
كلا وانْفَلّ سائِرُه انْفِلَالا |
وقال آخر :
* يكون نُزول القوم فيها كلَا ولَا*
اللِّحياني ، عن الكسائي : لَوَّيت لاءً حَسنةً ، بالمد ، ومَوَّيت ماءً حسنةً ، إذا كتبتَهما.
قال : وهذه لاءٌ مُلوّاة ، أي مَكْتوبة.
وقال أبو عمرو بن العلاء في قوله :
أبي جُودُه لا البُخْلَ واسْتَعْجلت نَعَمْ |
به مِن فتى لا يَمْنع الجُوعَ قاتِلَهْ |
قال : أراد : أبَى جُودُه «لا» التي تُبَخِّل الإنسان ، كأنه إذا قيل له : لا تُسْرف ولا تبذِّر أبى جُودُه قولَ «لا» هذه ، واسْتَعْجلت به «نعم» فقال : نعم أفعل ولا أترك الجُودَ.
حكى ذلك الزّجّاج لأبي عمرو ، ثم قال :
__________________
(١) الكلام على (إلة) مكانه في «اللسان» (وأل) ، (إبياري).
(٢) مر مثل هذا في (أل) ، (إبياري).
وفيه قولان آخران ، على رواية مَن رَوى «أَبى جودُه لا البخل ...» :
أحدهما : أن معناه : أبى جُودُه البُخْلَ ، وتجعل «لا» صِلة ، كقول الله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١١] ، ومعناه : ما منعك أن تَسْجد.
قال : والقول الثاني ، وهو عندي حَسن ، قال : أرى أن تكون «لا» غير لَغو ، وأن يكون «البخل» منصوباً بدلاً من «لا».
المعنى : أبى جُوده لا ، التي هي للبُخل ، فكأنك قلت : أبى جُوده البخل ، وعجّلت به نَعم.
أيلول : وأَيْلول : اسم الشهر ، أحسبه رُوميًّا.
إيلياء : وإيلياء : مدينة بيت المقدس ، ومنهم من يقصر فيقول : إيليا ؛ وكأنهما روميّان.
يليل : ويَلْيَل : اسم جبل مَعروف في البادية.
ولول : وولول : اسم سيفٍ كان لعتّاب بن أَسِيد ، وابنُه القائل يوم الجمل :
* أَنا ابن عَتّابٍ وسَيْفي وَلْوَلْ *
تلو : وقوله عزوجل : (أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا) [النساء : ١٣٤].
قرأ عاصم وأبو عمرو : (وَإِنْ تَلْوُوا) بواوين ، من : لوى الحاكم بقضيّته ، إذا دافع بها.
وأما قراءة من قرأ «وإن تلوا» بواو واحدة ، ففيه وجهان :
أحدهما : أنّ أصله «تَلْوُوا» بواوين ، كما قرأ أبو عمرو وعاصم ، فأبدل من الواو المضمومة همزة ، فصارت تلْؤا ، بإِسكان اللام ، ثم طُرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام ، فصارت : تلُو ، كما قيل في أَدوُر : أَدْؤر ، ثم طرحت الهمزة ، فقيل أدُر.
والوجه الثاني : أن يكون «تلوا» من الولاية ، لا من «الليّ». والمعنى أن تلوا الشهادة فتُقيموها.
وهذا كله صحيح في قول البصريّين.
الألف واللام
وقال ابن الأنباريّ : العربُ تُدخل الألف واللام على الفِعل المُسْتقبل على جهة الاختصاص والحِكاية ؛ وأَنْشد للفرزدق :
ما أَنْت بالحَكم الْتُرْضَى شَهادَتُه |
ولا الأصِيل ولاذي الرَّأْي والجَدَل |
قال : وأَنشد الفرّاء في مثله :
أخْفن اطِّنائي إن سَكَتُّ وإنّني |
لفي شُغل عن ذَحْلها اليُتَتَبَّعُ |
فأدخل الألف واللام على «يتتبع» ، وهو فِعل مُسْتقبل ، لما وَصَفنا.
ابن هانىء ، عن أبي زيد ، يقال : هذا اليَضرِبك ، ورأيت اليضربك : يريد : الذي يَضربك. وهذا الْوَضَع الشِّعر ، يريد : الذي وَضع الشِّعْر ؛ وأنشد المفضل :
يَقول الخَنا وأَبْغض العُجم ناطقاً |
إلى ربِّنا صوتُ الحِمار اليُجَدَّعُ |
يريد : الذي يُجَدَّع.
آخر حرف اللام
كتاب حرف النون
أبواب المضاعف منه
[باب النون والفاء]
ن ف
[نف ، فن : مستعملة].
نف : أخبرني المُنذريّ ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عمرويه ، عن المُثنَّى ، عن المؤرِّج : نَفَفْتُ السَّوِيقَ وسَفِفْتُه ، وهو النَّفِيف والسَّفيف ، لِسَفِيف السَّويق ؛ وأنشد لرجل من أَزْد شَنُوءة :
وكان نَصِيري مَعْشَراً فطَحَا بهم |
نَفِيفُ السَّوِيق والبُطونُ النَّوافِقُ |
وقال : إذا عَظُم البطن وارتفع المَعَدُّ ، قيل لصاحبه : ناتق.
الليث : النَّفْنَف : الهواء.
وكل شيء بينه وبين الأرض مَهْوًى ، فهو نَفْنف ؛ وقال ذو الرُّمَّة :
ترى قُرْطَها من حُرّة اللِّيث مُشْرِفاً |
على هَلَكٍ في نَفْنف يَتطوَّحُ |
أبو عبيد ، عن الأصمعي : النَّفْنَف : مَهْواةُ ما بَين كُلّ جَبَلَيْن.
ابن شُميل : نَفانف الكَبِد : نَواحِيها.
ونَفانِف الدار : نواحِيها.
شَمِر ، عنه : صُقْع الجبل ، الذي كأنّه جدارٌ مَبْنِيٌّ مُسْتَوٍ : نَفْنَف.
قال : والنَّفْنف أيضاً : أسناد الجَبل التي تَعْلوه منها وتَهْبط منها.
قال : والركيّة من شَفتها إلى قَعْرِها : نَفْنَف.
ونفَانِف الجَبل لا تُنبت شيئاً ، لأنها خشنة غليظة بعيدة من الأرض.
ابن الأعرابي : النَّفْنَف : ما بين أَعلى الحائط إلى أسفل ، وبين السماء والأرض ، وأعلى البِئر إلى أسفل.
فن : الليث : الفَنّ : الحال.
قال : والفُنون : الضُّروب ؛ يقال : رَعَينا فُنون النَّبات ، وأَصبنا فُنون الأَمْوال ؛ وأنشد :
قد لَبِسْت الدَّهْر من أَفْنانِه |
كل فنٍ ناعمٍ منه حَبِرْ |
قال : والرجلُ يفنِّن الكلام ، أي يشتقّ في فنٍ بعد فَنّ.
قال : والتفنُّن ، فِعْلك.
قال : والتَّفنين : فِعْلُ الثوب إذا بَلِي فَتَفَزَّر
بعضُه من بعض من غير تَشَقُّق.
قال : والفَنَنُ : الغُصْن المُستقيم طُولاً وعرضاً ؛ وقال العجاج :
* والفَنَنُ الشّارِقُ والغَرْبِيّ*
وقال عِكرمة في قول الله جلّ وعزّ : (ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨)) [الرحمن : ٤٨].
قال : ظِلّ الأغْصان على الحِيطان.
وقال أبو الهيثم : فسّره بعضُهم ، ذواتا أَغْصان ؛ وفَسّره بعضُهم : ذواتا ألوان.
واحدها حينئذ : فَنّ وفَنَن ، كما قالوا : سَنٌّ وسَنَن ، وعَنٌّ وعَنَن.
وقال غيره : واحد «الأفنان» بمعنى «الألوان» فَنّ.
وإذا أردت «الأغصان» ، فواحدها : فَنَن.
أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : شجرة فَنْواء : ذات أفنان.
قال أبو عُبيد : وكان يَنبغي في التقدير : فَنّاء.
وأخبرني المُنذري ، عن أحمد بن يحيى : شجرة فنّاء وفَنْواء : ذات أفْنان.
وأما : شجرة قَنْواء ، بالقاف ، فهي الطَّويلة.
وفي حديث أهل الجنة : مُرْدٌ مُكَحَّلون أولُو أفانِين.
يريد : أولو شُعور وجُمَم.
وأفانين : جمع أفنان ؛ وأفنان : جمع فَنَن ، وهو الخُصْلة من الشّعر ، شُبِّه بالغُصن ؛ قال الشاعر :
* يَنْفُضن أفنان السّبِيب والعُذَر*
يصف الخيل ونَفْضها خُصل شَعر نواصيها وأَذنابها.
وقال المرّار :
أعلاقةً أمَّ الوَليد بعد ما |
أَفْنانُ رأسِك كالثَّغام المُخْلِسِ |
يعني : خُصل جُمّة رأسه حين شَاب.
أبو زيد : الفَيْنان : الشَّعر الطويل الحَسن.
قلت : هو «فيعال» من «الفنن» ، والياء زائدة.
ويقال : فَنّن فلانٌ رَأْيَه ، إذا لَوّنه ولم يَثْبت على رأي واحد.
ورَجَلٌ مِفَنٌ مِعَنٌّ : ذو فُنون من الكلام واعتراض وعنَن ؛ وأنشد أبو زيد :
إنّ لنا لكَنَّهْ |
مِعَنَّةٌ مِفَنَّهْ |
أبو زيد : المُفَنِّنة : المرأة الكبيرة السيِّئة الخُلق.
ورَجُلٌ مُفَنِّن.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي : التَفْنين : البُقعة السَّخيفة السّمجة في الثَّوب الصَّفِيق ، وهو عَيْب.
وفي قول أبَان بن عثمان : مَثَل اللَّحن في الرَّجُل السَّرِيّ كالتَّفْنين في الثَّواب.
ابن الأعرابي : الأُفنون : الحَيّة.
والأُفنون : العجوز المُسِنَّة. والأُفنون : الغُصن المُلتفّ. والأُفنون : الجَرْيُ المُختلط ، من جَرْي الفرس والناقة.
والأُفنون : الكلام المُثَبَّج ، من كلام الهِلْبَاجَة.
والعرب تقول : كنت بحالة حسنة فَنَّةً من الدهر ، وفَيْنةً من الدهر ، وضَرْبةً من الدَّهر ، أي طَرفاً من الدهر.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الفَنّ : العَنَاء.
فَنَنْتُ الرَّجُلَ : أفُنّه فنًّا ، إذا عَنَّيْته ؛ وقال الراجز :
لأَجْعَلَنْ لابْنة عمروٍ فَنًّا |
حتى يكونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا |
أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : الفَنّ : الطَّرْدُ.
وهو يَفُنّ الإِبلَ.
ابن هانىء ، عن أبي زيد : الفَنّ : المَطْل.
ابن الأعرابي : فَنْفَن الرّجُل : إذا فَرَّقَ إبلَه كسلاً وتوَانِياً.
أبو عُبَيد : اليَفَن : الكَبِير ؛ وقال الأعْشى :
وما إن أرَى الدَّهْر فيما مَضى |
يُغادر مِنْ شَارِفٍ أو يَفَنْ |
ابن الأعرابي : من أسماء البقرة : اليَفَنَة ، والعَجوز ، واللِّفْت ، والطَّغْيَا.
الليث : اليَفَن : الشَّيخ الفاني.
وقال : «الياء» فيه أَصْلية.
وقال بعضُهم : بل هو على تقدير «يفعل» ، لأنّ الدهر فنَّه وأَبْلاه.
[باب النون والباء]
ن ب
[نب ، بن : مستعملان].
نب : الليث : نَبّ التَّيسُ يَنِبُ نَبِيباً.
وقال عُمَرُ لِوَفْدِ أهل الكُوفة ، حين شَكَوا سعداً : ليكلِّمْني بعضُكم ولا تَنِبُّوا عندي نَبِيبَ التُّيُوس.
عمرو ، عن أبيه : نَبَّب الرَّجُل ، إذا هَذَى عند الجِماع.
ونَبْنَب ، إذا طَوّل عَمَله وحَسَّنه.
بن : الليث : البَنَّة : ريحُ مَرابض الغَنَم والبَقر والظِّباء.
تقول : أجد لهذا الثَّواب بَنَّة طَيِّبة من عَرْف تُفّاح أو سَفَرْجل.
أبو عبيد ، عن أبي عمرو : البَنّة : الرِّيح الطيِّبة. وجمعها : بِنَان.
أبو حاتم ، عن الأصمعي : «البَنَّة» ، تُقال في الرِّيح الطيِّبة وغَير الطيِّبة.
الليث : الإبْنان : اللُّزوم.
يقال : أَبَنَّت السَّحابةُ ، إذا لَزِمت ودامت.
أبو عبيد : أَبْنَنْت بالمكان : أقمت به ؛ وقال ذو الرُّمَّة :
* أبَنَ بها عَوْدُ المبَاءة طَيِّبٌ*
ويقال : رأيت حيًّا مُبِنًّا بمكان كذا ، أي مُقِيماً.
وقال أبو إسحاق في قول الله تعالى : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ بَنانٍ) [الأنفال : ١٢].
قال : واحد «البَنان» : بَنَانة.
ومعناه هاهنا : الأصابع وغَيْرها من جميع الأعضاء.
قال : وإنما اشْتقاق «البنان» من قولهم : «أَبَنَ» بالمكان.
والبَنان به يُعْتمل كُلّ ما يكون للإقامة والحياة.
الليث : البَنان : أَطراف الأصابع من اليدَين والرِّجْلَين.
و «البَنان» في كتاب الله : الشَّوى ، وهي الأَيدي والارْجُل.
قال : والبَنانة : الإصبع الواحدة ؛ وأَنشد :
لا هُمّ أَكْرمت بَني كِنَانَه |
لَيس لِحَيٍّ فوقهم بَنَانَهْ |
أي ليس لأحد عليهم فَضل قِيسَ إصْبع.
قال : وبُنَانة : حيٌّ من اليَمن.
عمرو ، عن أبيه : البَنانة : الرَّوضة المُعْشِبة.
وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي الهَيثم : البَنانة : الإِصْبَع كُلها.
وتُقال للعُقدة العُلْيا من الإصْبع ؛ وأَنْشد :
* يُبلّغنا منها البَنانُ المُطَرَّفُ*
والمُطرّف : الذي طرِّف بالحِنّاء.
قال : وكل مَفْصل : بَنانة.
عمرو ، عن أبيه : البَنْبَنَة : صوت الفُحش والقَذَع.
ابن الأعرابي : بَنْبَن الرَّجُل ، إذا تكلّم بكلام الفُحش ، وهي البَنْبَنة.
وأَنشد شَمر :
فصار ثَناها في تَمِيم وغيرهم |
عَشِيّة يأتيها بِبَنْبَان عِيرُها |
يعني : ماءً لبني تميم يقال له : بَنْبَان.
قال : والتَّبْنين : التَّثْبيت في الأمر.
والبَنِين : المُتثبِّت العاقِل.
الفراء : البِنّ : الطِّرْق من الشَّحم.
يُقال للدابة إذا سَمنت : رَكبها طِرْق وبِنٌ على بِنّ.
والبِنُ : الموضع المُنْتن الرّائحة.
ورُوي عن عمر أنه قال : حتى تكونوا بَنَاناً واحداً.
قال أبو عُبيد : قال ابن مَهدي : يعني شيئاً واحداً.
قال أبو عُبيد : وذاك الذي أراد عمر ، ولا أحسب الكلمة عربيّة ، ولم أسمعها إلا في هذا الحديث.
[باب النون والميم]
ن م
نم ، من : [مستعملان].
نم : قال الليث : النَّمِيمة ، والنَّمِيم ، هما الاسم.
والنَّعْت : نمّام.
والفِعل : نَمَ يَنِمّ نَمًّا ونَمِيماً ونَمِيمةً.
قال : والنَّمِيمة : صوتُ الكِتابة.
ويُقال : هو وَسْواس هَمْس الكَلام ؛ ومنه قولُه :
ونَمِيمة من قانِصٍ مُتلبِّب |
في كفّه جَشْءٌ أَجْشّ وأَقْطَعُ |
وقال الأصمعي : إنه سمع ما نَمّ على القانِص.
وقال غيره : النَّميمة : الصوتُ الخفِيّ مِن حركة شيء أو وَطْء قَدَم.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : نَمّ يَنِمّ ويَنُمّ.
الفرّاء مِثله.
والأصل بالضّم.
الليث : النّمْنَمة : خطُوط مُتَقاربة قِصَارٌ شِبْهَ ما تُنَمْنِم الرِّيحُ دُقَاقَ التُّراب.
قال : ولكُل وَشْي نَمْنَمَةٌ.
قال : والنِّمْنمُ : البَياضُ الذي يكون على أَظْفار الأحْداث.
الواحدة : نِمْنِمة ؛ قال رُؤبة يصف قَوْساً رُصِّع مَقْبِضُها بسُيُور مُنَمْنَمة :
* رَصْعا كَسَاها شِيَةً نَمِيمَا*
أي : نَقَشها.
وكتابٌ مُنَمْنَم : مُنَقَّش.
ابن الأعرابيّ : النَّمةُ : اللّمْعة من بَياض في سَواد ، أو سَواد في بَياض.
والنِّمَة : القَمْلة.
من : قال الله عزوجل : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَ) [الأعراف : ١٦٠].
قال الليث : المنّ كان يَسْقط على بَنِي إسرائيل من السّماء ، إذ هم في التِّيه ، وكان كالعَسل الحامِس حلَاوةً.
وقال الزَّجّاج : جُملة «المنّ» في اللُّغة : ما يَمُن الله به ممّا لا تَعب فيه ولا نَصَب.
قال : وأهل التَّفسير يقولون : إنّ المنّ شيء كان يَسْقط على الشجر حُلْوٌ يُشْرب.
ويقال : إنه التُّرَنْجَبيِن.
ورُوي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «الكَمْأة من المَنّ».
ومعنى «المَنّ» ما وصفنا : أنه ممّا مَنّ الله به من غير تَعَب.
وقال أبو عُبيدة : المعنى في قوله صلىاللهعليهوسلم «الكمأةُ من المنّ» : إنما شَبّهها بالمَنّ الذي كان يَسْقط على بني إسرائيل ، لأنه كان يسقط على بني إسرائيل عفواً بلا عِلاج ، إنما يُصْحبون وهم بأَفْنِيَتهم فَيَتناولُونه ، وكذلك الكَمأة لا مَؤُونةَ فيها بَبذرٍ ولا سَقْىٍ.
وأمّا قول الله جلّ وعزّ : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] ف «المَنّ» هاهنا : أن تَمُنّ بما أَعْطيت وتعتدّ
به ، كأنك إنما تقصد به الاعْتداد.
والأَذى : أن تُوبِّخ المُعْطَى ، فأَعْلم الله أنّ المَنّ والأذى يُبْطلان الصَّدقة.
قال الله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)) [المدثر : ٦] أي : لا تُعْطِ شيئاً مُقدَّراً لتأخُذَ به ما هو أكثر منه.
وقوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [فصلت : ٨] ، أي لا يُمَنّ به عليهم.
وقيل : غير مَقْطُوع.
قلت : فالمَنّ : الذي يَسْقُط من السّماء.
والمَنّ : الاعْتِداد. والمَنّ : العَطَاء.
والمَنّ : القَطْع.
ومن صفات الله تعالى : المَنّان. ومعناه : المعطي ابتداء. ولله المِنَّة على عباده ولا مِنّة لأحد منهم عليه.
عمرو ، عن أبيه : المَنين من الرِّجال : الضَّعِيف. والمَنين : القوي. وحَبْلٌ مَنِين ، أي أَخْلَق وتَقَطَّع ؛ وأَنْشد :
* ولم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِين *
والمَنِين : الغُبَار. ويُقال للثَّوب الخَلق : مَنِين. والمُنَّة : القُوّة والمِنّة : العَطِيّة.
والمِنّة : الاعْتِداد.
أبو عمرو : المَمْنُون : الضَّعِيف.
والمَمْنون : القَوِيّ.
غيره : المَنّ ، لغة في «المَنَا» ، الذي يُوزن به. وجمعه : أَمْنان.
ومن قال «مَنَا» ، جمعَه : أَمْنَاء.
سَلمة ، عن الفَراء ، عن الكسائي ، قال : «من» تكون اسماً ، وتكون جَحْداً ، وتكون اسْتفهاماً ، وتكون شرطاً ، وتكون معرفة ، وتكون نكرة ، وتكون للواحد ، وتكون للاثنين ، وتكون خصوصاً ، وتكون للإنْس والملائكة والجن ، وتكون للبهائم إذا خُلطت بغيرها.
وأنشد الفَرّاء فيمن جَعلها اسماً :
فَضَلوا الأنامَ ومَن بَرا عُبْدانَهُمْ |
وبَنَوْا بمكَّة زَمْزَماً وحَطيما |
قال : موضع «من» خَفض ، لأنه قَسم ، كأنه قال : فَضَل بنو هاشم سائر الناس ، والله الذي بَرى عُبْدَانَهُمْ.
قلت : هذه الوُجوه التي ذكرها الكسائي مَوْجُودة في الكتاب.
أما الاسم المعرفة : فكقولك : والسّماء ومَنْ بناها. معناه : والذي بَناها.
والجَحد كقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] ، المَعْنى : لا يَقْنَط.
والاستفهام كقولك : مَن تَعْني بما تقول؟
والشرط كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧)) [الزلزلة : ٧] فهذا شرط ، وهو عام.
ومن الجماعة كقوله تعالى : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم : ٤٤].
وكقوله تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) [الأنبياء : ٨٢].
وأمّا الواحد ، فقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢].
وللاثنين كقوله :
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لا تَخونُني |
تَكُنْ مِثْلَ من ياذِئبُ يَصْطَحِبَانِ |
قال الفَرّاء : ثنَّى «يصطحبان» وهو فعل ل «مَن» لأنّه نَواه ونَفْسه.
وقال في جميع النساء : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [الأحزاب : ٣١].
سَلمة ، عن الفراء : تكون «من» ابتداء غاية ، وتكون بعضاً ، وتكون صِلَة.
قال الله عزوجل : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) [يونس : ٦١] ، أي : ما يَعْزب عن عِلمه وَزْنُ ذَرّة ؛ وأَنشد لداية الأحنف فيه :
والله لو لَا حَنَفٌ بِرجْلِه |
ما كان في فِتْيانِكم مِنْ مِثْلِه |
قال الفراء : من «صلة» هاهنا.
قال : والعرب تدخل «مِن» على جميع المَحالّ ، إلّا على اللّام والياء.
وتُدخل «من» على «عن» ، ولا تدخل «عن» عليها ؛ لأن «عن» اسم ، و «من» ، أداة ؛ قال القَطاميّ.
* مِن عَن يَمين الحُبَيَّا نَظْرةٌ قَبَلُ*
أبو عُبيد : العربُ تَضع «مِن» موضع «مُذْ» يُقال : ما رأيته من سنة ، أي مُذْ سنة ؛ وقال زُهير :
لمن الدِّيار بقُنّة الحِجْر |
أَقْوَيْن مِن حِجَجٍ ومِن دَهْرٍ |
أي : مُذ حِجَجٍ.
وتكون «من» بمعنى : اللام الزائدة ؛ قال الشاعر :
* أَمِن آل لَيْلَى عَرَفْت الدِّيَارَا*
أَراد : الآل لَيْلى؟
وتكون «من» بمعنى البَدل ، قال الله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)) [الزخرف : ٦٠].
مَعناه : ولو شئنا لجعلنا بدلكم.
وقال الفَراء : «المَنون» تُذكَّر وتُؤنث ، فمن ذكّره أَراد بها الدَّهر ، ومن أَنَّث أَراد بها المَنِية ؛ قال أبو ذؤيب :
* أمن المَنُون ورَيْبها تَتَوجَّعْ*
قال : والمَنون : المرأة تَتَزَوّج على مالها ، فهي أبداً تَمُنّ على زَوْجها. وهي المّنانة أيضاً.
وقال بعض العرب : لا تَتَزوّجَنّ حنّانةً ولا مَنّانة.
أبو عمرو : المِنَنَةُ : العَنْكَبُوت.
ولم يَبْق للثلاثيّ الصّحيح كلمة مُسْتعملة في حَرْف النون.