تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

فافْتَنَّهُنّ من السَّوَاء وماؤُه

بَثْرٌ وعانَدَه طَريقٌ مَهْيَعُ

وقال الكسائيّ : هذا شيء كثيرٌ بَثيرٌ بَذِيرٌ ، وبَحِيرٌ أيضاً.

وقال اللَّيْثُ : الماء البَثْر في الغَدِير إذا ذَهب وبقي على وَجه الأرض منه شيء قليلٌ ثم نَشّ وغَشَّى وجه الأرض منه شِبْه عِرْمِض ، يُقال : صار ماء الغَدِير بَثْراً.

أبو عُبَيد ، عن الكسائيّ : بَثِرَ وَجْهُه يَبْثَر بَثَراً. وهو وَجْه بَثِر ، من البَثَر. وبَثَر يَبْثُر بَثْراً ، وبَثرُ يَبْثُر بُثُوراً.

قلت : البُثُور : مِثل الجُدَرِيّ على الوَجْه وغيره مِن بَدَن الإنسان ؛ واحدها : بَثْرٌ.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : قال : البَثْرة ، تَصْغيرها : البُثَيِّرة. وهي النِّعمةُ التامّة.

ويُقال : ماءٌ باثِرٌ ، إذا كان بادياً من غير حَفْر. وكذلك ماء نابعٌ ونَبَعٌ.

قال : والباثِرُ : الحَسُود. والبَثْرُ والمَبْثُور : المَحْسُود. والمَبثُور : الغَنِيّ التامّ الغِنَى.

ربث : قال اللَّيْثُ : الرَّبْثُ : حَبْسُك الإنسانَ عن حاجَته وأَمْره بِعِلَلٍ.

تقول : رَبثَه عن أَمْره.

والاسم من ذلك : الرَّبِيثة.

وفي بعض الأخبار : إذا كان يوم الجمعة بعث إبليسُ شياطينه إلى الناس فأخَذُوا عليهم الرَّبائثَ ، أي ذكَّروهم بالحوَائج ليُرَبِّثوهم بها عن الجُمعة. ويقال :

* جَرْيَ كَرِيثٍ أَمْرُه رَبِيثُ *

الكَرِيثُ : المكْرُوث.

أبو عُبَيد ، عن الكسائيّ : الرِّبِيثَى ، من قولك : رَبثْتُ الرَّجُلَ أرْبُثُه رَبْثاً ، وهو أن تُثَبِّطه وتُبْطىء به ؛ وأنشد غيرُه :

بَينا تَرَى المَرْءَ في بُلَهْنِيةٍ

يَرْبُثُه من حِذارِه أمَلهُ

قال شَمِرٌ : رَبثه عن حاجته ، أي حَبَسه ، فَرَبِثَ ؛ وهو رابِثٌ : إذا أبطأ ؛ وأنشد لنُميْر بن جَرّاح :

تقول ابنةُ البَكْريّ ما ليَ لا أرَى

صَدِيقك إلّا رابثاً عنك وافِدُهْ

أي بَطيئاً.

ويقال : دنا فلانٌ ثم ارْبأَثَ ، أي احْتَبس ؛ وارْبأْثثْتُ.

وأرْبث القومُ : تَفرَّقُوا.

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : أرْبثَ أمْرُ بني فلانٍ إرْبَاثاً ، إذا انْتشر وتفرَّق ولم يلْتئم ؛ قال أبو ذُؤَيب :

رَمَيْناهُم حتى إذا ارْبثّ أمْرُهمْ

وصار الرَّصيعُ نُهْبَةً للمُقاتِل

قال الأصمعيّ : مَعناه : دَهِشُوا فقَلَبُوا قِسِيَّهم. والرَّصِيع : سَيْرٌ يُرْصَع ويُضفر.

والرُّصُوع : المَصْدر.

وقال ابن السِّكّيت : إنما قُلتُ ذلك رَبِيثةً

٦١

منِّي ، أي خَدِيعة.

وقد رَبَثْتُه أَرْبُثه رَبْثاً.

برث : ثَعلب ، عن ابن الأعْرابيّ : البُرْث : الرَّجُلُ الدَّليلُ الحاذق. جاء في باء التاء.

وقال شَمِرٌ : قال أبو عمرو : والبَرْثُ : الأرْضُ السَّهْلة.

قال : وسَمِعْتُ ابن الفَقْعَسِيّ يقول وسألته عن نَجْد ، فقال : إذا جاوَزْت الرَّمْلَ فصِرْتَ إلى تلك البِرَاثِ كأَنها السَّنام المُشَقَّق.

قال : وقال الأصمعيّ وابن الأعرابيّ : البَرْثُ : الأرض اللَّيّنة المُستوية تُنْبِتُ الشَّعَر ؛ قال رُؤْبة :

* مِن أَهْلها فالبُرَقُ البَرَارِث *

كان يَنْبغي أن يقول «بِرَاث» ، فقال : بَرَارِث.

ث ر م

ثمر ، ثرم ، رثم ، مرث ، رمث : مستعملات.

مثر : [مهمل](١).

ثمر : قال اللَّيْثُ : الثَّمَرُ : حَمْل الشَّجَرِ.

والوَالدُ : ثَمَرَةُ القَلْبِ. والثَّمَر : أنْواع المَالِ.

أبو عُبَيد ، عن أبي زيد : أَثْمر الشَّجَرُ : خَرج ثَمَرُه. وأَثْمر الزُّبْدُ : اجْتَمع.

وأَثْمَر الرَّجُلُ : كَثُر مالُه.

أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ : أَثْمر الشَّجَرُ ، إذا طَلَع ثَمَرُه قبل أن يَنْضَج ؛ فهو مُثْمِر. والثامِرُ : ما نَضَج. وقد ثَمَر الثَّمَرُ يَثْمُر ، فهو ثامِر.

وقال الله تعالى : (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) [الكهف : ٣٣ ، ٣٤].

قال الفَرّاء : حَدَّثني يَعْلَى ، عن ابن نُجَيح ، عن مُجاهد ، قال : ما كان في القُرآن من «ثُمُرٍ» فهو مال : وما كان من «ثَمَر» فهو الثِّمَار.

وأَخبرني المُنْذرِيّ ، عن الحُسين بن فَهم ، عن محمد بن سلام. قال : قال سلام أبو المُنْذِر القارىء في قوله (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) [الكهف : ٣٥] مفتوح : جمع : ثَمرَة ، ومن قرأ «ثُمُر» قال : من كُل المال. فأخبرت بذلك يونُسَ فلم يَقْبله ، كأنهما كانا عنده سواء.

قال : وسمعت أبا الهيثم يقول : ثَمرَة ، ثم ثَمرَ ، ثم ثُمُر ، جَمْع الجمع.

وقال : وبعضُهم يقول : ثَمَرَة ، ثم ثمَرَ ، ثم ثِمَار ، ثم ثُمُر.

وقال اللَّيْثُ : العَقل المُثْمر : عَقْل المُسْلم ؛ والعَقْل العَقِيم : عَقْل الكافر.

__________________

(١) أهمله الليث وكذا ابن منظور.

٦٢

ويقال : ثَمّر الله مالَك.

والثَّامِرُ : نَوْر الحُمّاضِ ، وهو أَحْمر ؛ وقال الرّاجز :

* مِن عَلَقٍ كثامِرِ الحُمَّاضِ*

ويُقال : هو اسْمٌ لِثَمرِه وحَمْله.

قلت : أراد به حُمْرَةَ ثمره عند إيناعِه ؛ كما قال :

كأنّما عُلِّقَ بالأَسْدانِ

يانعُ حُمَّاضٍ وأُرْجُوانِ

أبو عُبيد ، عن الأصمعي : إذا أَدْرك اللَّبن لِيُمْخَض فظهَر عليه تَحَبُّبٌ وزُبْدٌ ، فهو المُثْمِر.

وقال ابن شُمَيل : هو الثَّمير ، وذلك إذا مُخض فرُئي على أمثال الحَصَف في الجِلْد ، ثم يجتمع فيصير زبْداً. وما دامت صِغاراً ، فهو ثَمِير. وقد ثمَّر السِّقاء ، وأَثْمر ، وإنّ لَبَنك لَحَسن الثَّمر ، وقد أَثْمَر مِخَاضُك.

قلت : وهي ثَميرة اللَّبن أيضاً.

ورُوي عن ابن عبّاس أنه أَخذ بِثَمرة لِسانه وقال : قُل خَيْراً تَغْنَم ، أو أَمْسك عن سُوء تَسْلَم.

قال شَمِرٌ : يُريد أنه أَخذ بِطرف لِسَانه.

وكذلك ثمرة السَّوْط : طَرَفه.

وفي حديث عُمر أنه دَقّ ثمرة السَّوْط حتى آضت له مِخْفَقةً.

والثَّمراء : جَمع «الثَّمرة» ، مثل : الشجراء ، جمع «الشّجرة» ؛ وقال أبو ذُؤيب يصف النّخْل :

تَظَلُّ على الثَّمراء منها جَوارسٌ

مَراضِيعُ صُهْبُ الرِّيش زُغْبٌ رقَابُها

وقيل : «الثمراء» في بيت أبي ذُؤَيب : اسم جَبَل. وقيل : شَجَرة بعَيْنها ثمرَ الثّمَرُ ، إذا نَضجَ. وأَثْمَر الشجر ؛ إذا طَلع ثمَرُه.

في قوله تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) [الكهف : ٤٣] قال ابن عَرفة : أي ما ثُمِّر من مالٍ ؛ ومنه قوله تعالى : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) [الكهف : ٣٥].

فالثَّمَر : ما أَخْرجه الشجرُ.

والثُّمُرُ : المالُ.

ثرم : أبو زَيْد : أَثْرمْت الرَّجُلَ إثْرَاماً ، حتى ثَرِمَ ، إذا كسرت بَعض ثَنِيَّتِه.

ومثله : أَنْثَرتُ الكَبْشَ إنثاراً حتى نَثِر ، وأَعْوَرْتُ عَيْنه ؛ وأَعْضَبت الكَبْش حتى عَضب ، إذا كسَرْت قَرْنَه.

وقال اللَّيْثُ : الثّرْم : مَصدر «الأثرم».

وقد ثَرَمْت الرَّجُل فَثرم.

وقد ثَرَّمْتُ ثَنِيَّته ، فانْثَرَمَتْ.

رثم : قال اللَّيْثُ : تقول العَرَبُ : رَثَمْت فاه رَثْماً ، إذا كَسره حتى تَقَطَّر منه الدَّمُ.

والرَّثْمَ : بياضٌ على أنْف الفَرَس ، وهو أَرْثَم ، وقد رَثِمَ.

٦٣

قال : والرَّثْمُ : تَخْديشٌ وشَقٌّ من طرَف الأَنف حتى يَخْرج الدم فيَقْطر.

قال الرَّثْمُ : كَسْرٌ من طَرف مَنْسِم البَعير ؛ يقال : رَثِم مَنْسِمُه ، إذا دَمى وسال منه الدَّم ؛ وقال ذو الرُّمّة يَصف امْرأة :

ثَثْني النِّقابَ على عِرْنين أَرْنَبة

شَمَّاءَ مارِنُها بالمِسْك مَرْثُوم

وقال الأصمعيّ : الرَّثْم ، أصله : الكَسر ، فشَبّه أَنْفها مُلَغَّماً بالطِّيب بأنفٍ مَكْسور مُتَلطِّخ بالدَّم.

وقال لَبِيد في المَنْسِم :

* بِرَثِيم مَعِرٍ دامِي الأظَلّ*

مَنْسِم رَثِيم : أَدْمَتْه الحجارة. وحصًى رَثِيم ورَثمٌ ، إذا انكسر ؛ قال الطِّرِمّاح :

* رَثيم الحَصَى مِن مَلْكِها المُتَوَضِّح*

وقال أبو عُبيد ، في شِيَاتِ الفَرس : إذا كَان بجَحْفلة الفَرس العُلْيا بَيَاضٌ فهو أرْثَم ، وإن كان بالسُّفلى بياض فهو ألْمظ ، وهي الرُّثْمة ، واللُّمْظة.

وقلتُ : وكُل كَسْر : ثَرْمٌ ، ورَثْمٌ ، ورَتْمٌ ؛ وقال :

لأَصْبَح رَثْماً دُقَاق الحَصَى

مكان النبيّ من الكاتِبِ

مرث : قال اللَّيْثُ : المَرْثُ : مَرْسُك الشَّيء ثَمرتُه في ماءٍ وغَيره حتى يَتَفَرَّق فيه.

ثَعلب ، عن ابن الأعرابي : المَرْثُ : المَصُّ.

قال : والمَرْثةُ : مَصَّة الصَّبيّ ثدي أُمِّه مَصَّةً واحِدة.

وقد : مَرَث يَمْرُث مَرْثاً ، إذا مَصّ.

وقيل في حديث الزُّبَير : فكأنهم صِبْيانٌ يَمْرُثون سُخُبَهم ، مَرْث الصَّبيّ إذا عَضَّ بدُرْدُرِه.

وفي حديثٍ يُروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أَتى السِّقاية فقال : اسْقوني ؛ فقال العبّاس : إنهم قد مَرَّثوه وأفْسَدُوه.

قال شَمِرٌ : معنى : «مَرَّثوه» أي وَضَّروه بأَيديهم الوَضِرة.

قال : ومَرَّثه ، ووضَّره ، واحد.

قال : وقال لي ابن جُعَيل الكَلْبيّ : يقال للصبيّ إذا أخذ ولد الشاة : لا تَمْرثه بيدك فلا تُرْضِعَه أُمُّه. أي لا توضِّره بلَطْخ يدك ، وذلك أن أُمّه إذا شَمَّت رائحة الوَضَر نَفَرت منه.

وقال المُفَضَّل الضَّبِّي : يُقال : أَدْرِك عَنَاقَك لا يُمَرِّثُوها.

قال : والتَّمْريث : أن يَمْسحها القومُ بأَيديهم وفيها غَمَرٌ فلا تَرأَمها أُمها من رِيح الغَمَر.

ومرَّثْتُه تَمْرِيثاً ، إذا فَتَّتَّه ؛ وأَنْشد :

* قَرَاطِفُ اليُمْنَة لم تُمَرَّثِ *

ثَعلب ، عن ابن الأعرابيّ : المَرْث :

٦٤

الحِلْمُ.

ورَجُل مِمْرَثٌ : حَلِيم وَقور.

أبو عُبيد ، عن الأصمعي ، في باب المُبدل : مَرَث فلانٌ الخبز في الماء ، وَمَرَذَه.

وهكذا رواه لنا أبو بكر عن شَمِر ، بالتاء والذّال.

رمث : الرِّمْثُ ، واحدتها : رِمْثَة ، شَجَرةٌ مِن الحَمْض يَنْبَسطِ وَرَقُها مثل الأُشنان ، والإبلُ تُحَمِّض بها إذا شَبِعت مِن الخَلّة ومَلَّتْها.

أبو عُبَيد ، عن أبي زَيد : رَمِثَت الإبلُ تَرْمَثُ رَمَثاً ، إذا أكلت الرِّمْث فاشْتكت بُطُونَها.

وقال الكِسائيّ : يُقال : ناقة رَمِثة ، وإبلٌ رَماثَى.

والعَرب تَقُول : ما شجرةٌ أَعلَمَ لجَبَلٍ ، ولا أَضيْعَ لِسَابلة ، ولا أَبدنَ ولا أَرتَع مِن الرِّمْثَة.

قلت : وذلك أنّ الإبل إذا مَلّت الخَلّة اشْتهت الحَمْضَ ، فإن أصابت طَيِّب المَرْعَى ، مثل الرُّغْل والرِّمْث ، مَشَقت منها حاجَتها ، ثم عادت إلى الخَلّة فَحَسُن رَتعها واستَمرأَت رَعْيها ، وإن فَقدت الحَمْض ساء رَعيُها وهُزِلت.

وفي الحديث أن رجلاً أتَى النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّا نَركب أَرماثاً لنا في البحر ولا ماءَ معنا ، أفَنَتوضّأ بماء البحر؟ فقال : «هو الطّهُور ماؤُه الحِلُّ مَيْتَتُه».

قال أبو عُبَيد : قال الأصْمعِيّ : الأرْماث : خَشَبٌ يُضَم بعضه إلى بَعْض ويُشَدّ ثم يُركب عليه ؛ يقال واحدها : رَمَث ؛ وأَنشد لأبي صَخر الهُذليّ :

تمَنَّيْتُ من حُبِّي عُلَيّة أَنَّنا

على رَمَثٍ في الشَّرْمِ لَيس لنا وَفْر

أخبرني المُنذريّ ، عن أبي الحَسن الطُّوسيّ ، عن الخَرّاز ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : الرَّمَثُ : الحَبْل المُنْتَكِثُ.

والرَّمَثُ : الحَلَبُ.

يُقال : رَمِّثَ ناقَتك ، أي أَبْقِ في ضَرْعها شَيْئاً.

والرَّمَث : الطَّوْف ، وهو هذا الخشب.

ورَوى سَلمة عن الفَرّاء ، قال : الرَّمْثُ : السَّرِقَة.

يُقال : رَمَث يَرْمِثُ : ورَمَث يَرْمُث رَمْثاً ، فيهما ، إذا سَرَق.

قال : والرَّمَث : الطّوْف.

والرَّمَثُ : ما يَبْقى في الضَّرْع من اللّبن.

وفي «نوادر الأعراب» : لفلان على فلانٍ رَمَثٌ ، أي مَزِيّة ؛ وكذلك : له عليه فَوْرٌ ، ومُهْلةٌ ، ونَفَلٌ.

ويُقال : رَمَّث فلانٌ على الأَرْبعين ، أي زاد.

٦٥

باب الثاء واللام

ث ل ن

نثل ، لثن.

نثل : قال اللَّيْثُ : يُقال للدِّرْع السَّابغة : نَثْلة ، ونَثْرة.

وقد نَثلها عليه ، أي صَبَّها.

أبو عُبَيد ، عن الأحمر : يُقال للحافر : ثَلَّ ، ونَثَل ؛ وأَنْشد :

* مِثَلٌّ على آرِيِّه الرَّوْثَ مِنْثَلُ *

يَصف بِرْذَوناً.

قلت : أراد بِالحافِر كُلَّ دابّة ذات حافرٍ مِن الخَيل والبِغال والحَمِير.

وقوله : ثَلّ ، ونَثل ، أي راثَ.

وقال أبو عُبيد : قال أبو زَيد : نَثَلْت البِئر أَنْثِلُها نَثْلاً ، إذا أَخْرَجْتَ تُرابَها.

واسم ذلك التّراب : النَّثِيلة ، والنُّثالة أيضاً.

قال أبو الجَرّاح : هي ثَلّة البِئر ونَبِيثُها.

وقال الأصمعيّ في قول ابن مُقْبل يَصف ناقةً :

مسامِيةً خَوْصَاءَ ذات نَثِيلةٍ

إذا كان قَيْدامُ المَجَرّة أَقْوَدَا

قال : مُسامية : تُسامي خطامَها الطَّرِيقَ تنظرُ إليه. وذاتُ نَثيلة ، أي ذات بَقيّة من شِدَّة. وقَيْدام المَجرّة : أوّلُها وما تقدّم منها. والأقود : المُسْتَطيل.

وفي الحديث : «أيُحب أحدكم أن تُؤْتى مَشْرُبَتُه فيُنْتَثَل ما فِيها»؟ النَّثْل : نَثْرك الشيء بمرّة واحدة.

يُقال : نَثَل ما في كِنَانته ، إذا صَبَّها ونَثَرها.

لثن : أخبرني محمّد بن إسحاق السّعْديّ ، عن عليّ بن حَرْب المَوْصِلِيّ أنه قال : لَثِنٌ ، أي حُلْو ، بلغة أهل اليمن.

وقد جاء في المَبْعَث في شِعْر :

بُغْضُكُمُ عِندنا مُرٌّ مَذَاقَتُه

وبُغْضُنا عِنْدكم يا قَوْمنا لَثِنُ

قال عليّ بن حَرب ، وكان مُعْرِباً : لَثِنٌ ، أي حُلْو ، بلغة أهل اليمن.

قلتُ : ولم أسْمعه لِغَيره ، وهو ثَبْت.

ث ل ف

اسْتُعمل من وجوهه : ثفل.

ثفل : قال اللَّيْثُ : الثَّفْل : نَثْرَك الشيء كُلّه بمَرّة.

والثُّفْلُ : ما رَسَب خُثارته وعَلا صَفْوه من الأشْياء كُلّها.

ثُفْل القِدْر ؛ وثُفْل الْحَبّ ، ونحوه.

قلت : وأهل البَدو إذا أصابوا من اللَّبن ما يَكْفيهم لقُوتهم فهم مُخْصبون لا يختارون عليه غِذَاء مِن تَمر وزَبيب أو حَبّ ؛ فإذا أَعوزهم اللّبَنُ وأصابوا من الحَبّ والتَّمر ما يَتَبَلّغون به فهم مُثافلون. ويُسمون كُلَ

٦٦

ما يُؤْكل من لَحم أو خُبز أو تمر ثُفْلاً.

ويُقال : بَنُو فلان مُثافلون ، وذلك أشَدّ ما تكون حالُ البدويّ.

أبو عُبَيد : وغيره : الثِّفَال : الجِلْد الذي يُبْسط تحت رَحَا اليَد لِيَقيَ الطَّحِينَ من التُّراب ؛ ومنه قولُ زُهير يَصف الْحَرب :

فَتَعْرككم عَرْكَ الرَّحَا بثِفَالِها

وتَلْقَح كِشَافاً ثم تُنْتَجْ فَتُتْئِم

أبو عُبيد : سَمِعْتُ الكِسائي يقول : بعير ثَفَالٌ : أي بَطِيء.

قلت : وفي حَديث حُذيفة أنه ذكر فتنةً فقال : تكون فيها مِثل الجَمل الثَّفَال الذي لا يَنْبَعث إلا كَرْهاً.

وفي حديث ابن عُمر : أنه أَكل الدَّجْرَ ، وهو اللُّوبِياء. ثم غَسَل يده بالثِّفَال.

قال ابن الأعرابيّ : الثِّفَال : الإبْريق.

أبو تُراب ، عن بعض بني سُليم : في الغِرارة ثُفْلة من تَمْر ، وثُمْلة مِن تَمْر ، أي بقيَّة منه.

ث ل ب

ثلب ، ثبل ، [بثل] ، لبث.

ثلب : قال اللَّيْثُ : الثِّلْب البَعيرُ الهَرِم.

والثِّلْب : الشَّيخ ، بلغة هُذَيل.

أبو عُبيد : الأَثْلب : الْحَجر.

وقال شَمِرٌ : الأَثْلبُ ، بلغة أهل الحجاز : الحجر ؛ وبلُغة بني تميم : التّراب.

وقال الفرَّاء : يُقال : بفِيه الإثْلبُ.

والكلامُ الكثير : الأَثْلب ، وهو التراب والحجارة ؛ قال رُؤبة :

وإن تُنَاهبه تَجدْه مِنْهَبا

تَكْسُو حُروفَ حاجِبَيْه الأثْلَبا

وهو التُّراب تَرْمي به قوائمُها على حاجبَيْه.

أبو عُبيد ، عن الفَرّاء : ثَلَبْتُه أَثْلِبه ثَلْباً ، إذا عِبْتَه وقُلتَ فيه.

وقال غيره : المثَالِبُ ، منه.

ويُقال : مَثالِبُ الأمِير والقاضي : معايِبُه.

ويُقال : ثَلَبْت الرَّجُل ، أي طَرَدْتُه.

وقال اللَّيْثُ : الثّلْب : شِدَّة اللّوْم والأخْذ باللِّسان.

وهو المِثْلَب يَجْري في العُقُوبات ونحوها.

سَلَمة ، عن الفَرَّاء : ثَلِب جِلْدُه ثَلَباً ، ورَدِن يَرْدَن رَدَناً ، إذا تَقَبَّض ولانَ ؛ وقَفَل يَقْفُل ، إذا يَبِس.

أبو عُبَيد : الثَّلِبُ : الرُّمْح المُتَثلِّم ؛ وقال أبو العِيَال :

ومُطَّرِدٌ مِن الخَطِّ

يّ لا عارٍ ولا ثَلِبُ

ثبل ـ بثل : أهملهما اللَّيْثُ.

ورَوى أبو العبّاس ، عن ابن الأعْرابي أنه قال : الثُّبْلَة : البَقِيَّة ؛ والبُثْلة : الشُّهْرة.

٦٧

قلت : وهما حَرفان عربيَّان ، جعل الثَّبلة بمنزلة «الثُّملة».

لبث : قال اللَّيْثُ : اللَّبْثُ : المُكث.

والفِعل : لَبِث ، قال الله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣)) [النبأ : ٢٣].

سَلَمة ، عن الفَرَّاء : والناسُ يَقْرَؤون (لابِثِينَ).

ورُوي عن عَلْقمة أنه قرأها «لَبِثين».

قال : وأجود الوَجْهين (لابِثِينَ) لأن (لابِثِينَ) إذا كانت في مَوضِع تقع فتَنْصب كانت بالألف ، مثل : الطامع والباخِل.

قال : واللَّبِث : البَطيء.

وهو جائز ، كما يقال : رجُلٌ طامِعٌ وطَمِع ، بمعنًى واحد ؛ ولو قلت : هو طَمِع فيما قَبلَك ، كان جائزاً.

قلت : يُقال : لَبث لُبْثاً ولَبْثاً ولُبَاثاً ، كل ذلك جائز ، وتَلَبَّث تَلَبُّثاً ، فهو مُتَلَبِّث.

ث ل م

ثلم ، ثمل ، مثل ، ملث ، لثم.

ثلم : الحرّاني ، عن ابن السِّكِّيت : في الإناء ثَلْمٌ ، إذا انْكسر مِن شَفَته شَيءٌ.

وفي السَّيْف ثَلْمٌ.

قال : والثَّلَمُ : ثَلْم الوادِي ، وهو أن يَنْثَلم جُرْفُه.

قلتُ : ورأَيتُ بناحية الصّمَّان موضعاً يقال له : الثّلَم ؛ وأَنشدني أَعْرابيٌّ :

* تَرَبَّعَتْ جوَّ خُوَيٍ فالثَّلَم *

والثَّلْمَةُ : الموضعُ الذي قد انْثَلَم ؛ وجَمْعها : ثُلَم. وقد انْثَلم الحائط ، وتَثَلَّم.

وقال عَنْترة :

* بالحَزْن فالصَّمَّان فالمُتَثَلَّم *

ويُقال : ثَلَمْتُ الحائط أَثْلِمه ثَلْماً ، فهو مَثْلُوم.

ثمل : أبو عُبيد ، عن أَصحابه : الثَّميلةُ : البَقِيَّة من الطَّعام أو الشَّراب تَبْقَى في البَطْن ؛ وقال ذو الرُّمَّة يَصِف عَيْراً وأُتُنَه :

وأَدْرَك المُتَبَقَّى من ثَمِيلته

ومن ثَمَائِلها واسْتُنْشِىءَ الغَرَبُ

يعني : ما بَقي في أَمْعَائها وأَعْضائها من الرُّطْب والعَلَف.

وكذلك يُقال لِبَقيَّة الماء في الغِدْران والحَفِير : ثَمِيلة ، وثَمِيل ؛ قال الأَعْشى :

بِعَيْرانةٍ كأَتَان الثَّمِيل

تُوافِي السُّرى بعد أَيْنٍ عَسِيرَا

تُوافي السُّرَى : أي تُوفِّيها.

أبو عُبيد : الثُّمْلَةُ : الحَبُّ والسَّوِيق والتَّمْر في الوعاء ، يكون نِصْفَه فما دُونَه.

قال : والثُّمْلَة : أيضاً : ما أَخْرجت مِن أسفَل الرّكِيّة من الطِّين.

قالهما أبو زَيد.

والمِيم في هذين الحَرْفَين ساكنة والثاء مَضْمومة.

٦٨

وأما الثَّمَلَة ، بتحريك الميم ، فهي الصُّوفة التي يُهْنأ بها الجَرَب ؛ وأنشد :

مَمْفُوثَة أَعْراضُهم مُمَرْطَله

كما تُلاث بالهَناء الثّمَلَهْ

أبو عُبَيد : الثُّمالة : بقيَّة الماء وغَيْره.

وقال ابن الأَعرابي : تقول العَربُ في كلامها : قالت اليَنَمة : أنا اليَنَمة ، أَغْبُق الصَّبِيَّ قبل العَتَمة ، وأَكُبّ الثُّمالَ فوق الأكَمَة.

أراد بالثُّمَال : جمع الثُّمَالة ، وهي الرَّغوة.

واليَنَمة : بَقْلَةٌ طَيِّبة.

وقال أبو عُبيد : الثَّمَالُ : السُّمّ المُنْقَع ، وهو المُثَمّل.

وقال ابن بُزُرْجَ : ثَمَلْت القَوْمَ ، وأنا أَثْمِلُهم ، وأَثْمُلهم.

قلت : مَعْناه أن يكون ثِمَالاً لهم ، أي غِيَاثاً يَفْزَعون إِليه.

ابن السِّكّيت ، عن يُونس ، يقال : ما ثَمَلْتُ شَرابي بشيءٍ من طَعام.

ومعناه : ما أَكَلْت قبل أنْ أَشْرَبَ طعاماً.

وذلك يُسَمَّى : الثَّمِيلة.

الأصْمعي : ثَمِل الرّجُلُ يَثْمَل ثَمَلاً ، إذا سَكِر. فهو : ثَمِلٌ.

ويُقال : سَقَاه المُثَمَّلَ ، أي سَقاه السُّمّ.

ونُرَى أنه الذي أُنْقِع فَبَقِي وثَبَتَ.

قال : والثّمَل : المُقَام والخَفْضُ.

يقال : ثَملَ فلانٌ فما يَبْرح.

واختار فلانٌ دارَ الثَّمَل ، أي دار الخَفْض والمُقَام.

ويقال : فلانٌ ثِمالٌ لبني فلانٍ ، إذا كان لهم غياثاً وقواماً يَقُوم بأمْرهم.

يقال : هو يَثْمِلُهم.

وقال أبو طالب يَمدح النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

* ثِمَال اليتَامى عِصْمة للأرَامل*

ويقال : أَثلَمت [أكلت] الماشية من الكلأ ما يَثْمل ما في أَجوافها من الماء ، أي يكون سواءً لما شَرِبَت من الماء.

ويقال : ما ثَمَلْت طَعامي بشيء من شراب ، أي ما شرِبت بعد الطعام شَراباً.

وقول ابن مُقْبِل :

لمن الدّيارُ عَرَفتُها بالسّاحِل

وكأنّها ألواحُ سَيْفٍ شامِلِ

قال الأصمعيّ : الثامل : القديم العَهد بالصِّقال ، كأنه بَقِي في أَيدي أصحابه زماناً ؛ من قولهم : ارْتحل بنو فلان.

وثَملَ فلانٌ في دارِهم ، أَي بقِي.

والثَّمْلُ : المُكْثُ.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : قال : المُثمَّلُ : السُّمّ المُقَوَّى بالسَّلَع ، وهو شجرٌ مُرٌّ.

والمَثْمَلُ : أَفْضل العشيرة.

شَمِرٌ : المُثَمَّلُ من السُّمّ : المُثَمَّنُ المجموع ، وكل شيء جمعته ، فقد ثمَّلْته

٦٩

وثمَّنْته. وثمَلْتُ الطعامَ : أَصْلَحْتُه.

وثمَلْته : سَترتُه وغَيَّبْته.

وثُمالة : بَطن من الأزد ، وإليهم يُنسَب المبَرّد.

وفي حديث عبد الملك أَنه كتب إلى الحجاج : أمّا بعد : فقد وَلّيتُك العِراقَيْن صَدْمَةً فسِرْ إليها مُنطوي الثميلة خَفيف الخَصيلة.

الثميلة ، أصلُها : ما يَبقى من العَلف في بَطن الدابة. أراد : سِرْ إليها مُخِفّا.

والخَصيلة : لَحمة الساق. أراد : سِرْ إليها نجيب السّاق.

مثل : قال اللَّيْثُ : المثَلُ : الشّيْءُ الذي يُضرب مَثلاً فيُجْعل مِثْلَه.

والمثَلُ : الحديثُ نَفْسُه.

وقال الله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الرعد : ٣٧].

قال : مَثَلُها ، هو الخبَرُ عنها.

أبو عُبيد ، عن الفرّاء : يقال : مَثَلٌ ومِثْل ، وشَبَه وشِبه ، بمعنًى واحد.

وأخبرني المُنذرِيّ عن ابن فَهم ، عن ابن سلام ، قال : أخبرني عُمر ابن أبي خليفة ، قال : سمعت مُقاتل صاحب التفسير يسأل أبا عمرو بن العَلاء عن قول الله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الرعد : ٣٥] : ما مَثلها؟ قال : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ). قال : ما مثَلها؟ فسكَت أبو عمرو. قال : فسألت يونس عنها ، فقال : مَثَلُها صِفَتُها.

قال محمّد بن سلام : ومثل ذلك قولُه تعالى : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) [الفتح : ٢٩] أي صِفتهم.

قلت : ونَحو ذلك رُوي عن ابن عبّاس.

وأما جَواب أبي عمرٍو لمُقاتل حين سأَله : ما مثلها؟ فقال : (فِيها أَنْهارٌ). ثم تَكريره السُّؤال : ما مَثَلُها؟ وسُكوت أبي عمرو عنه. فإنّ أبا عمرو أجابه جواباً مُقْنِعاً ، ولما رأى نَبْوة فَهم مُقاتِل عما أجابه سَكت عنه ، لما وقف عليه من غِلَظ فَهْمه ، وذلك أنّ قول الله عزوجل : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الرعد : ٣٧] تَفْسِير لقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الحج : ١٤] ففسّر جلّ وعزّ تلك الأنهار فقال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) مما قد عرفتموه في الدُّنيا مِن جَنّاتها وأَنهارها جَنَة (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) وأنهار من كذا.

ولما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الحج : ١٤] وصَف تلك الجنات فقال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) [الرعد : ٣٧] أي صفتَها.

وكذلك قوله تعالى : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي

٧٠

التَّوْراةِ) [الفتح : ٢٩] أي ذلك صِفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التوراة. ثم أَعْلم أنّ صِفتهم (فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ).

قلتُ وللنّحْوييّن في قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الرعد : ٣٧] قولٌ آخر قاله محمّد بن يَزيد الثُّماليّ في كتاب «المُقتضب» ، قال : التقدير : فيما يُتْلى عليكم مَثَلُ الجَنة ، ثم فيها وفيها.

قال : ومن قال : إنّ مَعناه : صِفة الجَنّة.

فقد أَخطأَ ، لأن «مَثَل» لا يُوضع في موضع صِفَة ، إنما يُقال : صِفة زَيد أنّه ظريف ، وأنّه عاقل ، ويُقال : مَثَلُ فلانٍ : المثَلُ مأخوذ من : المثال والحذو ، والصفة تَحْلِيةٌ ونَعْتٌ.

وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) [الحج : ٧٣] وذلك أنهم عَبَدُوا مِن دُون الله ما لا يَسْمع ولا يُبْصر وما لم تَنْزل به حُجَّة ، فأَعلمهم الله الجوابَ مما جَعلوه لله مَثَلاً ونِدّاً ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣].

يقول : كيف تكون هذه الأصنام أَنْدَاداً وأمثالاً لله ، وهي لا تَخْلق أَضْعف شيء ممّا خلق الله. ولو اجْتمعوا كُلّهم له ، وإن يَسْلُبهم الذباب الضعيفُ شيئاً لم يُخلِّصوا المَسْلُوب منه.

ثم قال : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج : ٧٣].

وقد يكون «المَثَل» بمعنى : العِبْرة : ومنه قولُ الله تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)) [الزخرف : ٥٦] فمعنى «السلف» أنّا جعلناهم مُتَقَدِّمين يَتَّعِظُ بهم الغابرُون. ومعنى قوله تعالى : (وَمَثَلاً) ، أي عِبْرة يَعْتبر بهم المُتأَخِّرون.

ويكون «المثل» بمعنى : الآية ، قال الله تعالى في صفة عِيسى : (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الزخرف : ٥٩] أي آية تدلُّهم على نُبُوّته.

وأمّا قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)) [الزخرف : ٥٧] جاء في التّفسير : أنّ كفَّار قريش خاصمت النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما قيل لهم : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨)) [الأنبياء : ٩٨] قالوا : قد رَضِينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى ابنِ مريم والملائكة الذين عُبِدوا مِن دُون الله.

فهذا معنى ضَرب المَثل بعيسى.

ويُقال : تمثَّل فلان ، إذا ضَرَب مَثَلاً.

والمِثَالُ ما جعل مِثْلُه.

حَدّثنا عبدُ الرحمن بن علي ، قال : حدّثنا محمد بن حُميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن أُمّ مُوسى أُمّ ولد الحُسين بن علي ، قالت : زَوّج عليُّ بن أبي طالب

٧١

رَضي الله عنه شابّين وابني منهم ، فاشترى لكُلّ واحد منهما مِثَالَيْن.

قال جريرٌ : قلتُ للمُغيرة : ما مِثالان؟

قال : نَمطَان.

والنمط : ما يُفترش مِن مَفارِش الصُّوف الملوَّنة.

وقال الإياديّ : سُئِل أبُو الهَيْثم عن مَلِك قال لِرَجُل : ائتِني بقومك ؛ فقال : إنَّ قومي مُثُلٌ.

قال أبو الهَيْثم : يُريد أنّهم ساداتٌ ليس فوقهم أَحَد.

والمِثال : الفِراش ، وجَمْعها : مُثُل ؛ ومنه قوله : وفي البَيت مِثَالٌ رَثٌّ ، أي فِرَاشٌ خَلَق ؛ وقال الأعْشى :

بكُلّ طُوَالِ السَّاعِدَيْنِ كأَنَّما

يَرى بسُرَى اللَّيْل المِثَالَ المُمَهّدَا

والتّمثال : اسم للشيء المَصْنوع مُشَبَّهاً بِخَلْقٍ مِن خَلْق الله ؛ وجمعه : التّماثِيل.

وأصله من : مَثَّلت الشيءَ بالشيء ، إذا قَدَّرْتَه على قَدْره.

ويكون تَمثيل الشيء بالشَّيء تَشْبِيهاً له.

واسم ذلك المُمثَّل : تِمْثَال.

وأمّا التَّمْثَال ، بفتح التاء : فهو مَصْدر : مَثَّلْت تَمْثِيلاً ، وَتَمْثَالاً.

ويُقال : فلان أمْثل من فلان ، أي أَفْضَل مِن فُلانٍ.

وقال الله تعالى حكايةً عن فِرْعون إنه قال : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [طه : ٦٣].

قال الأخْفش : المُثْلَى ، تَأْنيث : الأمْثل.

وقال أبو إسحاق : معنى «الأمثل» : ذو الفَضل الذي يَسْتحق أن يُقال له ، هو أَمْثَلُ قومه.

وقال الفَرّاء : المُثْلى ، في هذه الآية ، بمنزلة : الأسماء الحُسْنى ، وهو نَعت للطَّريقة ، وهم الرّجال الأشراف : جُعلت «المثلى» مؤنثة لتأنيث «الطريقة».

وقال ابن شُميل : قال الخَلِيل : يُقال : هذا عبد الله مِثْلك ، وهذا رَجُلٌ مِثْلك ؛ لأنّك تقول : أخوك الذي رأيته بالأمس ، ولا يكون ذلك في «مَثَل».

ويُقال : امْتثلت مِثَال فلان ، أي احتذيت حَذْوَه وسَلَكْت طَرِيقته.

وقول الله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الرعد : ٦] يقول : يَسْتَعْجلونك بالعَذاب الذي لم أُعاجِلْهم به ، وقد عَلِموا ما نزَل من عقوبتنا بالأمم الخالية ، فلم يعتبروا بهم.

والعَرب تقول للعُقوبة : مَثُلة ، ومُثْلَة.

فمن قال : «مَثُلة» جمعَها على : مَثُلات ، ومن قال «مُثْلَة» جمعَها على : مُثُلات ، ومُثَلات : ومُثْلات ، بإِسكان الثاء.

يقول : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) ، أي يطلبون

٧٢

العَذاب في قولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢]. وقد تقدّم مِن العذاب ما هو مُثْلة وما فيه نَكَال لهم ، لو اتَّعظوا.

ويقال : مَثَل به يَمْثُل مَثْلاً.

والمُثْلَة ، الاسْم.

وكأنّ «المَثْلَ» مأخوذ من «المَثَل» ، لأنه إذا شَنَّع في عُقوبته جعله مَثَلاً ، أي عَلَماً.

ويقال : امْتثل فلانٌ من قوم أماثِلَهم ، إذا اختار فاضِلَهم.

والواحد : أَمْثل.

يقال : هو أَمْثل القوم ، وهَؤلاء مُثل القوم. وأَماثلهم ، يكون جمع «أمثال» ، ويكون جمع «الأمْثل».

وفي الحديث : نَهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يُمثَّل بالدّوابّ وأن تُؤْكل المَمْثُول بها ، وهو أن تُنْصب فتُرْمَى.

ويُقال : امْتثلتُ مِن فلان امْتثالاً ، أي اقْتَصَصْت منه ، ومنه قولُ ذي الرُّمّة :

رَبَاعٍ لها مُذْ أَوْرَق العُودُ عنده

خُمَاشاتُ ذَحْلٍ ما يُراد امْتِثالُها

أي ما إن يُقْتصّ منها ، هي أذلّ من ذلك ، أو هِي أَعزّ عليه من ذلك.

ويقول الرّجُل للحاكم : أَمْثِلْني من فلانٍ ، أي أَقِصَّني منه.

وقد أَمْثله الحاكم منه.

قال أبو زَيد : والمِثَالُ : القِصَاص.

أبو عُبَيد ، عن أبي عَمرو : والماثِلُ : القائم. والماثل : اللاطىء بالأرْض.

قال : وسمعتُه يقول : كان فلانٌ عندنا ثم مَثَل ، أي ذَهَب.

وقال لَبِيد في «الماثل» بمعنى القائم المُنتصب :

ثم أَصْدَرْناهما في وارِدٍ

صادِرٍ وَهْمٍ صُوَاه كالمَثَلْ

أي انْتَصب.

والماثِل : الدّارِس. وقد مَثَل مُثُولاً.

وقيل : إن قولَهم : تماثَل المَريض ، من : المُثُول والانتصاب ، كأنه هَمّ بالنُّهوض والانتصاب.

ويقال : المريضُ اليومَ أَمْثَلُ ، أي أَحْسن مُثولاً وانتصاباً. ثم جُعل صفةً للإقْبال.

قلتُ : معنى قولهم : المريضُ اليوم أَمْثل : أي أَفْضل حالاً من حالةٍ كانت قَبلها ، وهو من قولهم : هو أَمْثل قَوْمه ، أي أَفْضَل قومه.

والأمْثال : أَرَضون ذاتُ جِبَال يُشْبه بعضُها بعضاً ، ولذلك سُمِّيت أمْثالاً ، وهي من البَصرة على لَيْلتين.

وقوله تعالى : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢)) [يس : ٤٢].

قال قَتادة : السُّفن.

وقال الحَسن : هي الإبل ، فكأنّهم قالوا

٧٣

للإِبل سُفُن البَرّ ، من هاهُنا.

وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] أي ليس مِثْله شيء ، والكاف مؤكّدة.

ملث : ابن السكيت : المَلْثُ : أن يَعِد الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِدَةً لا يُريد أن يَفِيَ بها.

وقد مَلَثه يَمْلُثه مَلْثاً ، ومَلَذَه يَمْلُذه مَلْذاً ، مثله ، إذا طَيَّبه بكَلَامٍ لا وَفَاءَ له.

أبو عمرو : أتَيْتُه مَلَثَ الظَّلام ، ومَلَسَ الظلام ، وهو اخْتِلَاطُه.

وقال أبو عمرو الجَرْميّ ، عن أبي زَيد : مَلْث الظلام : اخْتِلاط الضَّوْء بالظُّلْمة ، وهو عند العِشاء ، وعند طلوع الفجر.

وقال ابن الأعرابيّ : المَلْثَة ، والمَلْث : أوّل سَواد اللَّيل.

والمَلْث : وقت العِشاء الآخرة.

قال : فقولهم : اخْتلط المَلس بالمَلث.

فالمَلث : أوّل سَوادِ المَغرب. فإِذا اشتدّ حتى يأتي وقت العشاء الأخيرة فهو المَلَس فلا يُميّز هذا من هذا ، لأنه قد دَخل المَلث في المَلس.

ومثله : اخْتلط الزُّبَاد بالخائِر.

لثم : أبو عُبَيد ، عن أبي زَيْد ، قال : تَميم تَقُول : تَلَثَّمْتُ على الفَم ؛ وغيرهم يقول : تَلَفَّمْتُ.

وقال الفَرّاء : إذا كان على الفَم فهو اللِّثام ، وإذا كان على الأنف فهو اللِّفَام.

قال : ويُقال من اللِّثام : لَثَمْت أَلْثِمُ.

فإذا أردت التَّقْبِيل قلت : لَثِمْت أَلْثَمُ.

وأَنشد غيرُه :

فَلثِمْتُ فاهَا آخِذاً بقُرونِها

ولَثِمْتُ مِن شَفَتَيْه أَطْيَبَ مَلثَمِ

باب الثاء والنون

ث ن ف

ثفن ، نفث.

ثفن : الثَّفِنَاتُ من البَعير : ما وَلِي الأرْضَ منه عند بُرُوكه.

والكِركرة : إِحدى الثَّفنات ، وهي خَمْسٌ بها ، وقال الشاعر يَصف ناقةً :

ذات انتِباذٍ عن الحادِي إذا بَركت

خوَّت على ثَفِناتٍ مُحْزئِلّاتِ

وقال عُمر بن أبي رَبيعة يَصف أَرْبع رَواحِلَ وبُرُوكَها :

على قَلْوصَيْن مِن رِكَابِهمُ

وعَنْتَرِيسَيْن فيهما شَجَعُ

كأَنَّما غادرت كَلَاكِلُهَا

والثَّفناتُ الخِفافُ إذ وَقَعُوا

مَوْقِعَ عِشْرينَ مِن قَطاً زُمَرٍ

وَقَعْنَ خمساً خمساً معاً شِبَعُ

قال ابْنُ السِّكِّيت : الثّفِنة : مَوْصِل الفَخِذ في السّاق مِن باطِن ، وموصلُ الوَظيف في

٧٤

الذِّراع ، فشبّه آثارَ كراكرها وثَفِناتها بمَجاثم القَطَا ، وإنما أراد خِفّة برُوكهنّ.

وقال العجّاج :

خَوَى على مُسْتَوياتٍ خَمْسِ

كِرْكرةٍ وثَفِنَاتٍ مُلْسِ

وقال ذو الرّمّة ، فجعل الكِرْكِرة من الثَّفنَات :

كأنّ مُخَوّاها على ثَفِنَاتِها

مُعَرّسُ خَمْسٍ مِن قَطاً مُتَجَاور

وَقَعْن اثْنَتَيْن واثْنَتَيْن وفرْدَةً

جريداً هي الوُسْطى لتَغْليس حائر

ويقال : ثافنتُ فلاناً أُثافنه مُثافَنة ، إذا جاثَيْتَه تُحادثه وتُلازمه وتكلِّمه.

وقال أبو عُبيد : المُثَافِن والمُثَابر ، والمُواظِب ، واحِدٌ.

ثعلب ، عن ابن الأَعرابيّ : الثَّفَنُ : الثِّقَل.

وقال غيره : الثَّفْن : الدّفْع.

وقد ثَفَنه ثَفْناً ، إذا دَفَعه.

وقال أبو سَعيد : ثَفَنْت الرَّجُل أَثْفُنه ، إذا أَتَيْته من خَلْفه.

وقال أبو زيد : ثافَنْت الرَّجُل مُثافنة ، أي صاحَبْتُه حتى لا يَخْفَى عليّ شيءٌ من أَمْره ، وذلك أن تَصْحبه حتى تَعلمَ أَمْره.

نفث : رُوي عن النَّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّ رُوح القُدس نَفَث في رُوعي» وقال : «إنّ نَفْساً لن تَمُوت حتى تَسْتَوْفي رِزْقها ، فاتقُوا الله وأَجْمِلوا في الطَّلَب».

قال أبو عُبيد : هو كالنَّفْث بالفم ، شبيهٌ بالنّفْخ.

وأما التَّفْل ، فلا يكون إلّا ومَعه شيءٌ من الرِّيق.

وأمّا الحديث الآخر في افتتاح الصَّلاة : «اللهم إنّي أعُوذ بك من الشَّيْطان الرَّجيم من هَمْزه ونَفْثه ونَفْخه».

فقد مَرَّ تَفْسِير الهَمْز والنّفْخ في مَوْضعهما من الكتاب.

وأمّا «النّفْث» فتفسيرُه في الحديث : أنه الشِّعْر.

قال أبو عُبيد : وإنما سُمِّي الشِّعْر نَفْثاً ، لأنه كالشَّيء يَنْفُثه الإنسان من فِيه مثل الرقية. وقوله عزوجل : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)) [الفلق : ٤] هن السواحر.

ونُفاثةُ السِّواك : ما يَتَشَظَّى منه فَيَبْقَى في الأسْنان فيَنْفُثه صاحبُه.

وقيل : مَعْنَى قوله : «نَفَث في رُوعي» ، أي أَوْحَى إليّ.

ث ن ب

ثبن ، بنث ، بثن.

ثبن : في حديث عُمر : أنه قال : إذا مَرّ أحدُكم بحائط فَلْيَأْكُل منه ولا يَتَّخِذْ ثُبَاناً.

قال أبو عُبَيد : قال أبو عَمْرو : والثُّبَان :

٧٥

الوِعَاءُ الذي يُحْمَل فيه الشَّيْءُ ، فإِن حَمَلْته بين يَدَيك ، فهو ثُبَانٌ. وقد ثَبَنْت ثُبَاناً.

فإِن جَعَلْته في حِضْنك ، فهو خُبْنَة.

يَعني بالحَديث : المُضْطَرّ الجائع يَمُرّ بحائط رَجُلٍ فيأكُل من ثمر نَخْله ما يَرُدّ جَوْعَته.

وقال شَمِرٌ : قال ابن الأَعْرابي وأبُو زَيد : الثُّبَان : واحدُها : ثُبْنَة ، وهي الحُجْزة تُحْمل فيها الفاكهةُ وغيرُها ؛ وقال الفَرَزْدق :

ولا نثَر الجانِي ثُباناً أمامها

ولا انتَقَلَتْ مِن رَهْبَةِ سَيْلٍ مِذْنَبِ

قال : وقال أبو سعيد : ليس الثُّبَان بالوعاء ، ولكن ما جُعل فيه من التمر فاحتُمل في وعاءٍ أو غيره ، فهو ثُبان ، وقد يَحْمل الرجل في كُمِّه فيكون ثُبانَه.

ويقال : قدم فلانٌ بثُبَانٍ في ثوبه.

وما أَدْري ما هو؟

وثَبَنه في ثَوبه.

ولا تكون ثُبْنة إلا ما حَمَل قُدَّامه وكان قليلاً. فإذا عَظُم فقد خَرج مِن حدِّ الثُّبان.

بنث : ثعلبَ : عن ابن الأعرابي ، قال : البَيْنِيث : ضربٌ من سَمَك البحر.

نبث : أبو عُبَيد : هي ثَلّة البئر ونَبِيثها ، وهي ما يُسْتَخرَج من تُراب البئر إذا حُفِرت ؛ وقد نُبِثَت نَبْثاً.

وقال غيره : يقال : ما رأيتُ له عيْناً ولا نَبْثاً ، كقولك : ما رأيتُ له عَيناً ولا أثَراً ؛ وقال الراجز :

فلا تَرى عيْناً ولا أَنْباثاً

إلا مَعَاث الذِّئْب حين عاثا

فالأنْباث : جمع نَبَث : وهو ما أُثِير وحُفِرَ واسْتنْبِث.

وقال زُهير يَصف عَيْراً وأُتُنَه :

يَخِرُّ نَبِيثُها عن جانبيه

فليس لوَجْهه منها وِقاءُ

وقال ابن الأعرابي : نَبِيثها : ما نُبِث بأَيديها ، أي حَفرت من التراب.

قال : وهو النَّبيثُ ، والنَّبيذ ، والنَّحيتُ ، كلُّه واحد.

بثن : في حديث خالد بن الوليد : أنّه خَطب فقال : إنَّ عُمَرَ اسْتَعملَنِي عَلَى الشام وهو له مُهِمٌّ ، فلما أَلْقَى الشامُ بَوانِيَه وصار بَثَنِيَّةً وعَسَلاً عَزلني واستَعمل غيري.

قال أبو عُبَيد : قولُه : صار بَثَنِيَّةً وعَسلاً ، فيه قولان : يقال : البَثِنيّةُ : حِنْطةٌ منْسُوبة إلى بلدة معروفة بالشام ، من أَرض دِمَشق يقال لها البَثَنِيَّة.

والقول الآخر : أنّ البَثنيّة : الرّمْلة اللَّيِّنة ، وذلك أنّ الرّمْلة اللّيّنة يقال لها : بَثْنَة ، وتصغيرُها : بُثَيْنَة.

٧٦

وأراد خالد أنَّ الشّام لمّا سَكن وذهَبت شَوْكته وصار ليِّناً لا مَكْرُوه فيه خِصْباً كالحِنطة والعَسَل عَزَلني.

أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : البَثْنَة : الزُّبْدة ، والبَثْنة : النَّعْمَة في النِّعمة ، والبَثْنة : الرَّمْلة اللَّيِّنة ، والبَثْنة : المرأة الحَسْناء البَضَّة الناعمة.

قال : ومعنى قول خالد : أنها صارت كأنّها زُبْدة ناعمة.

وقرأت بخط شَمِر وتَقييده ، قال : البِثْنة ، بكسر الباء : الأَرض اللَّيّنة ، وجمعها : بُثُن.

ويُقال : هي الأَرْض الطَّيِّبة.

وقيل : البُثُن : الرِّيَاضُ ؛ وأَنشد قولَ الكُمَيْت :

مَباؤُكَ في البُثُن النَّاعِما

تِ عَيْناً إذا رَوَّحَ المُؤْصِلُ

يقول : رِياضُكَ تَنْعَم أَعْينَ الناس ، أي تُقِرّ عُيونهم إذا أَراح الرَّاعي نَعمه أصِيلاً.

والمَبَاءُ ، والمَباءة : المَنْزِل.

قال شَمِرٌ : قال الغَنَوِيّ : بَثَنِيّة الشام : حِنْطَةٌ أو حَبَّة مُدَحْرَجَة.

قال : ولم أجد حَبَّةً أَفضل منها ، وقال ابنُ رُوَيْشد الثَّقَفِيّ :

فأدْخَلْتُها لا حِنْطَةً بثَنِيَّةً

تُقَابِلُ أَطْرَافَ البُيُوتِ ولا حُرْفا

وقال : بَثَنِيَّة : مَنْسُوبة إلى قرية بالشام بين دِمَشق وأَذْرِعات.

ث ن م

ثمن ، مثن ، نثم.

ثمن : أبو عُبَيد ، عن الأَصْمعِيّ : الثّمانِي : نَبْتٌ ، والأَفانِي : نَبْتٌ ، واحدته : أَفَانِيَة.

وقال الكسائيّ : أَثْمَنْت الرَّجُلَ متاعَه ، وأَثَمَنْت له ، بمعنًى واحد.

أبو عُبَيد : الثُّمْنُ والثَّمِينُ : واحد ؛ وأَنْشَد أبو الجَرّاح :

وألْقَيْتُ سَهْمِي وَسْطَهم حين أَوْخَشُوا

فما صار لِي في القَسْمِ إلا ثَمِينُها

وقال اللّيْث : ثمَنُ كُلِّ شيءٍ : قِيمَتُه.

وقال الفَراء في قول الله عزوجل : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٤١] : كلّ ما كان في القُرآن من هذا الذي قد نُصِب فيه «الثمن» وأُدْخلت الباء في المَبيع أو المُشْتَرى ، فإنّ ذلك أكثر ما يأتي في الشَّيْئين لا يكونان ثَمَناً مَعْلوماً ، مثل الدّنانير والدَّراهم ؛ فمن ذلك : اشترَيْت ثوباً بكساء ، أيّهما شِئْت تَجعله ثمناً لصاحبه ، لأنه ليس من الأثمان. وما كان ليس من الأثمان مثل الرَّقيق والدُّور وجَميع العُروض ، فهو على هذا ، فإذا جِئت إلى الدّراهم ، والدنانير وَضَعْت الباء في الثمن ، كما قال في سُورة يُوسف :

٧٧

(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ) [يوسف : ٢٠] ، لأنّ الدّراهم ثمنٌ أبداً ، والباء إنما تَدْخل في الأَثمان.

وكذلك قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [التوبة : ١٠] أي اشْتَروا الحياة الدّنيا بالآخرة (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) ، فأَدْخل الباء ، في أي هذين شِئْتَ حتى تصير إلى الدَّراهم والدنانير ، فإِنك تُدْخل الباء فيهن مع العُروض ، فإذا اشتريت أحَد هذين ، يعني الدنانير والدراهم ، بصاحبه أَدخلت الباء في أيّهما شِئْت ، لأن كل واحد منهما في هذا الموضع مَبيع وثمَن ، فإن أحْبَبَت أن تعرف فَرْق ما بين العُروض والدراهم ، فإنك تعلم أنّ من اشترى عبداً بألف دِرْهم مَعْلُومة ، ثم وَجد به عَيْباً فردّه ، لم يكن على المُشْتري أن يأخذ ألْفَه بعينها ولكن ألفاً ، ولو اشْترى عبداً بجارية ثم وَجَد بها عيباً لم يَرْجع بجارية أُخرى مِثلها ، فذلك دليلٌ على أنّ العروض ليست بأثْمَانٍ.

أبو حاتم ، عن الأصْمعي ، يقال : ثمانية رجال ، وثماني نِسوة ، ولا يقال : ثمانُ ؛ وأنشد الأصمعيُّ :

لها ثنايا أَرْبعٌ حِسانُ

وأربعٌ فثَغْرُها ثمانُ

وقال : هذا خطأ.

وقال : هنَ ثمانيَ عَشْرة امرأةً ، مفتوحة الياء ، هُما اسمان جُعلا اسماً واحداً ففُتحت أواخرها.

وكذلك : رأيت ثمانيَ عشْرة امرأةً ، ومررتُ بثمانيَ عَشْرة امرأةً.

قلت : وقولُه :

فلقد شَرِبْتُ ثمانياً وثمانِياً

وثمانِي عَشْرةَ واثْنَتين وأَرْبَعا

فوجهُ الكلام : ثمانِ عشرة ، بكسر النون لتدُلّ الكسرةُ على الياء وتدل فتحة الياء على لُغة من يقول : رأيت القاضي ، كما قال الشاعر :

* كأنّ أَيديهنَّ بالقاع القَرِق*

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : الْمِثْمنَة : المِخْلاة ؛ والمِثْملة : خِرْقة يهنأ بها البَعير ؛ والمِنْثَلة : الزَّنْبِيل.

وقال شمر : ثمَّنت الشيءَ : إذا جمعتَه ، فهو مُثَمَّن.

وكِساء ذو ثمانٍ : عُمِلَ من ثماني جِزَاتٍ ؛ وقال الشاعر :

سيَكْفيكِ المُرَحَّلُ ذو ثمانٍ

خَصِيفٌ تُبْرِمين له جُفَالا

نثم (١) : قال أبو زَيد ، فيما عُزي إلى ابن السكيت ، ولا أدري ما صحَّته : أنشدَني أبو عَمرٍو لمنْظُور الأسدي :

__________________

(١) تقدم ذكر هذه المادة بالتاء «نتم».

٧٨

قد انْتَثَمت عَلَيَّ بقول سَوْءٍ

بُهَيْصِلَةٌ لها وَجهٌ دَميمُ

حَليلةُ فاحِشٍ وانٍ لَثيم

مُزَوْزِكةٌ لها حَسبٌ ذَمِيم

قال : انتَثَمت : انفرجَت بالقول القَبيح.

قلت : كأنّه افْتعل من «نثم» ، كما يقال من «نثر» : انتَثر ، على «افْتَعَل».

مثن : قال الليث : المَثَانةُ ، معروفةٌ.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد ، قال : الأمثَن ، الذي لا يَسْتَمْسك بَوْلُه في مثانتِه.

والمرأةُ : مَثْنَاء ، مَمْدُود.

وفي حديث عمّار بن ياسِر أنه صلَّى في تُبّان ، وقال : إني مَمثُون.

قال أبو عُبَيد : قال الكِسَائيّ : المَمْثُون : الذي يَشْتَكِي مَثَانَته.

يقال منه : رَجُلٌ مَثِنٌ ومَمْنُون.

قال أبو عُبَيد : وكذلك إذا ضَرَبْته على مَثَانته قُلْت : مَثَنْته أَمْثُنه وأَمْثِنه مَثْناً ، فهو مَمْثُون.

أبو عُبَيد ، عن الأُمويّ : مَثَنْتُه بالأَمر مَثْناً ، إذا غَتَتَّه به غَتّاً.

وأَخبرني الإياديّ عن شَمِر أنه قال : لم أَسْمع ، مَثَنْته ، بهذا المَعْنى إلّا هُنا.

قلت : أَحْسبه : مَتَنْته ، بالتاء ، من : المُمَاتنة في الأمْرِ.

ورَوى ابن هانىء ، عن أبي زَيد : مَثِنَ الرَّجُلُ يَمْثَن مَثَناً ، وهو رَجُل أَمْثن ، إذا اسْتَمسك بولُه في مثانته ؛ وامْرأة مَثْناء.

قلتُ : وهذا خلافُ ما رَواه أبو عُبَيد عَنه.

ورَوى أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ : يُقال لمِهْبِل المرأة : المَحْمل والمُسْتَوْدع ، وهو المثانة أيضاً ؛ وأَنشد :

وحاملةٍ مَحْمُولةٍ مُسْتَكِنَّةٍ

لها كُلُّ حافٍ في البلادِ وناعِلِ

يَعني : المثانة ، التي هي المُسْتَودَع.

هذا لَفْظه.

قلت : والمَثَانة عند عَوَامّ الناس موضعُ البَوْل ، وهي عنده مَوْضع الوَلد من الأُنْثى.

أبو بكر ، عن شَمِر : المَثِن ، والمَمْثُون : الذي يَشْتَكي مَثَانته.

قال : ومثله : طَحِل ومَطحُول.

وقال بعضُهم : المَثِن : الذي يَحْبِس بَوْلَه.

وقالت امرأة لِزَوْجها من العَرب : إنّك لَمِثنٌ خَبِيث.

قيل لها : وما المَثِن؟ قالت : الذي يُجامع عند السَّحَر عند اجتماع البَول في مَثانته.

قال : والأَمْثن ، مثل «المَثن» في حَبْس البَوْل.

ث ف ب

مهمل.

ث ف م

مهمل.

٧٩

أبواب الثلاثي المعتل من الثاء

[باب الثاء والراء]

ث ر (وايء)

ثرى ، وثر ، ورث ، أرث ، رثأ ، راث ، رثى ، أثر ، ثأر ، ثار.

ثور ـ ثير : أبو العبّاس ، عن ابن الأَعْرابيّ : الثائِر : الغَضْبان.

يقال : ثَار ثائرُه ، وفار فائرُه ، إذا غَضِبَ.

الأصْمعيّ : رأيتُ فلاناً ثائرَ الرَأْس ، إذا رأيتَه قد اشْعَانّ شَعَرُه ، أي انْتَشر وتَفَرَّق.

ويُقال : ثارت نَفْسُه ، إذا جَشَأت ، أي ارْتَفَعت وجاشَت ، أي فارَتْ.

ويقال : مَرَرْتُ بأَرَانِب فأَثَرْتُها.

وأثار التُّراب إثارةً ، إذا بَحثَه بقَوائِمه ؛ وأَنشد أبو عَمْرو بن العَلَاء :

يُثير ويُذْرِي تُرْبَها ويُهِيلُه

إثارَةَ نَبَّاث الهَواجِر مُخْمس

قال الأصْمعي : أراد بقوله : «نباث الهواجر» يَعْني الرَّجُل الذي إذا اشتدّ عليه الحرُّ يُثِير التُّراب لِيَصل إلى بَرْده ، وكذلك يَفعل الثَّوْرُ الوَحْشِيّ في شدّة الحر.

وفي حديث عبد الله : أَثِيرُوا القُرْآن فإِنّ فيه خَبَر الأوَّلين والآخِرين.

وفي حديث آخر : مَن أراد العِلْم فَلْيُثَوِّر القُرْآن.

قال شَمِرٌ : تَثْوِير القرْآن : قِراءته ومُفاتشة العُلَماء به في تَفْسيره ومَعَانيه.

وقال أبو عَدْنان : قال لي محاربٌ صاحبَ الخليل : لا تَقْطَعنا فإِنّك إذا جِئْت أَثَرت العَربيّة ؛ ومنه قولُه :

* يُثَوِّرها العَيْنان زَيْدٌ ودَغْفَلُ*

ويُقال : مَرَرْتُ بِثَيَرَةٍ ، لجماعة الثوْر.

ويُقال : هذه ثِيَرَة مُثِيرة ، أي تُثير الأَرْض.

وقال الله تعالى في صفَة بقرة بني إسرائيل : (تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١].

أَرْض مُثارة ، إذا أُثيرت بالسّنّ ، وهي الحَديدةُ التي تَحْرُث بها الأَرْض.

ابن نَجْدة ، عن أبي زَيْد ، قال : ثَوْرٌ أَطْحل : جَبَلٌ بناحية الحِجَاز.

قال : والثَّوْرُ : القِطْعة من الأَقِط.

والثَّوْر : ثَوَرَانُ الحَصْبة.

وكل ما ظَهر ، فقد : ثار يَثُور ثَوْراً وثَوَرَاناً.

ويُقال : ثَوَّر فلانٌ عليهم شَرّاً ، أي هَيَّجه.

٨٠