تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

قالَه أبو عُبيد.

وقال تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] ، أي : ما خَدعك عن ربّك الكريم والإيمان به.

وكذلك قوله : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [الحديد : ١٤] أي : خدعكم عن الله والإيمان به والطاعة له الشيطانُ.

وأخبرني المُنذري ، عن ثعلب ، عن سَلمة ، عن الفراء ، قال : سمعتُ رجلاً من العرب يَقُول : أرجو بذاك. فسأَلته ؛ فقال : أرجو ذاك.

وهو كما تقول : يُعجبني بأَنك قائم ، وأريد لأذهبَ ، معناه : أريد أَذْهب.

٤٤١

حرف الميم

[باب اللفيف من حرف الميم]

ميم ـ موم ـ موا ـ ميا ـ مأَى ـ ماء ـ وأم ـ أمْ ـ ما ـ أمّا ، إمّا ـ أمّ ـ يم ـ أما ـ مأ ـ آم ـ يوم ـ ويم ـ ماء.

قال الليث : قال أبو عبد الرحمن : قد فنيت العربّية فلم يَبق للميم إلا الَّلفيف.

ميم : قال الليث : الميم : حرف هجاء ، لو قصرت في اضطرار شِعْر جاز.

زعم الخليل أنه رأى يمانياً سُئل عن هجائه ، فقال : بابا ، مِمْ مِمْ.

قال : وأصاب الحكاية على اللَّفظ ، ولكن الذين مدّوا أَحْسنوا الحكاية بالمَدّة.

قال : والميمان ، هما بمنزلة النُّونين من «الجَلَمين».

قال : وكان الخليل يُسمِّي الميم مُطْبقة ، لأنّك إذا تَكلّمت بها أَطْبقت.

قال : والميم من الحروف الصِّحاح السّتة المُذْلَقة التي هي في حَيْزين : حَيز الفاء ، والآخر حيّز اللام.

وجعلها في التأليف الحرف الثالث للفاء والباء ، وهي آخر الحروف من الحيز الأول ، وهذا الحيّز شفويّ.

موم : الليث وغيره : المُوم : البِرْسَام.

يُقال : رجلٌ مَمُوم.

وقد مِيم يُمام مُوماً ومَوْماً.

ولا يكون «يموم» لأنه مفعول به ، مثل بُرْسِم ؛ قال ذو الرمة يصف صائداً :

إذا تَوجَّس رِكزاً من سَنابكها

أو كان صاحبَ أرض أو به المُومُ

ومعناه : أن الصّياد يُذهب نفسه إلى السماء ويفغر إليها أبداً لئلا يجد الوحشُ نَفْسَه فينفر ، وشَبّهه بالمُبَرْسَم ، والمَزكوم ، لأن البِرْسام مُفْغِرٌ والزَّكام مُفْغر.

الحراني ، عن ابن السكيت : مِيم ، فهو مَمُوم ، من «المُوم».

قال شمر ، قال ابن شُميل : المَوْماة : الفلاة التي لا مَاء بها ولا أنيس بها.

قال : وهي جماع أسماءَ الفلوات.

والمَوامِي : الجماعة.

ويُقال : علونا مَوْمَاةً.

وأرض مَوْمَاة.

وقال أبو عُبيد : المَوامِي ، مثل السَّباسِب.

وقال أبو خَيْرة : هي المَوْماء ، والمَوْماة.

٤٤٢

وبعضهم يقول : الهَوْمة ، والهَوْماة.

وهو اسم يَقع على جميع الفلوات.

وأخبرني المُنذريّ ، عن المبرّد ، أنه قال : يُقال لها : الموماة والبَوْباة ، بالميم والباء.

ومامَة : اسم أُمّ عَمرو بن مامة.

موا : الأصمعي : الماويّة : المِرآة ، كأَنها نُسِبت إلى الماء.

وقال اللّيث : الماوِيّة : البِلَّور.

ويُقال : ثلاث ماويّات.

ولو تُكلِّف منه فِعْل ، لقيل : مُمْوَاة.

قلت : ماويّة ، كانت في الأصل «مائية» ، فقُلبت المدّة واواً فقِيل : ماويّة.

ورأيت في البادية على جادّة البَصْرة مَنْهلة بين حَفَر أبي موسى ويَنْسوعةَ ، يقال لها : ماويّة.

وماويّة : من أسماء النِّساء ؛ وأنْشد ابن الأعرابي :

ماويَ يا ربّتما غارةٍ

شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ

أراد : ماويّة ، فرَخَّم.

ميا : الليث : ميّة : اسم امرأة.

وزعموا أنّ القِردة الأُنثى تسمى : مَيَّة.

ويقال : مَنَّة.

ويُقال في الاسم : مَيّ.

مأى : أبو زيد ، يقال : مأَوْت السِّقاء مَأْواً ، ومأَيته مأْياً : إذا وسَّعته فجعلتَه واسعاً.

وكذلك : الوعاء. ويُقال تمأَّى السِّقاء.

فهو يَتمأَّى تمئِّياً وتَمَوُّءًا ، إذا ما مددتَه فاتّسَع.

وقال الليث : المَأَى : النّميمة بين القَوم.

أبو عُبيد ، عن الأصمعي : مأَيت بين القوم : أَفْسدت.

الليث : مأَوت بينهم ، إذا ضربت بعضَهم ببعض.

ومأَيت ، إذا دَببت بينهم بالنَّميمة ؛ وأنْشد :

ومأَى بينهم أخُو نكراتٍ

لم يَزَلْ ذا نَمِيمةٍ مأَءَا

وامرأة مَأَّاءَة : نمّامة ، مثل : منَّاعة.

ومُستقبله : يَمْأَى.

الليث : المائة ، حُذفت من آخرها «واو».

وقيل : حرف لين لا يُدْرى : أ«واوٌ» هو أو «ياء»؟ والجميع : المِئُون.

ابن السِّكيت : أمأَت الدراهمُ ، إذا صارت مائةً.

وأمأَيْتها أنا.

قال : وتقول : ثَلثمائة.

ولو قلت : ثلاث مئين ، مثال «معين» كان جائزاً ، أَو ثلاث مِىءٍ ، مثال «مع» ؛ قال مُزَرّد :

وما زَوَّدُوني غَيْر سَحقِ عمامة

وخَمْسمىءٍ منها قَسِيّ وزائِفُ

٤٤٣

قال : ولو قلت : مئات ، بوزن «معاة» ، لجاز.

شَمر ، عن ابن الأعرابي : إذا تَمّمت القوم بنفسك مئة ، فقد مَأَيْتَهم. وهم مَمْئيّون.

وأَمْئَاهم ، فهم مُمْؤُون. فإن أَتممَتهم بغيرك ، فقد أَمْأَيتهم. فهم مُمْأَوْن.

أبو عُبيد ، عن الكسائي : كان القوم تِسْعةً وتِسْعين فأمأيتُهم ، بالألف ، مثل : أفْعلتهم.

وكذلك في «الأَلْف» : آلفتهم.

وكذلك إذا صاروا هم كذلك ، قلتُ : قد أَمْأَوْا ، وألْفُوا ، إذا صارُوا مائةً وأَلْفاً.

ماء : اللحياني : ماءت الهِرّة تَمُوء ، مثل : ماعت تَمُوع. وهو الضُّغاء ، إذا صاحَت.

وقال : هِرّةٌ مَؤُوء ، بوزن «مَعُوع».

وصوتها : المُواء ، على «فُعال».

عمرو ، عن أبيه : أَمْوأَ : إذا صاح صِيَاح السِّنّور.

وقال ابن الأعرابي : هي المائِيّة ، بوزن «الماعيّة». يقال ذلك للسِّنَّوْر.

وأم : أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابي : الوَأْمة : المُوافَقَةَ. والويمة : التهمة. أبو عبيد ، عن أبي زيد : واءَمْتُه وئاماً ، ومُواءَمة ، وهي المُوافقة ، أنْ تَفعل كما يَفعل.

قال أبو عبيد : من أمثالهم في المُياسرة : لو لا الوِئام لهلك اللِّئام.

قال : والوئام : المُباهاة.

يقول : إن اللِّئام ليسوا يأتون الجميل من الأُمور على أنها أخلاقُهم ، وإنما يفعلونها مباهاة وتَشَبُّهاً بأهل الكرم ، ولو لا ذلك لهلكوا.

هذا قول أبي عُبيدة.

وأما غيره من عُلمائنا فيُفَسّرون «الوئام» : المُوافقة ، يقولون : لو لا مُوافقة الناس بعضهم بعضاً في الصُّحْبة والعِشرة لكانت الهَلَكة.

قال أبو عُبيد : ولا أحسب الأصل كان إلّا هذا.

ابن السّكيت (١) : يُقال لهما : تَوْأمان ؛ وهذا تَوأم. وهذه توأمة. والجميع : تَوائم ، وتُؤام.

وقد أتأمت المرأة ، إذا ولدت اثنين في بَطْن واحد. فهي مُتْئِم.

الليث : التَّوأم : ولدان معاً.

ولا يُقال : هما توأمان ، ولكن يُقال : هذا تَوأم هذه ، وهذه توأمتُه.

فإذا جُمعا ، فهما تَوْأم.

قلتُ : أخطأ اللَّيث فيما قال ، والقولُ ما قال ابن السِّكيت.

__________________

(١) أورد هذا ابن منظور في (تأم) وإلى هذا أشار الأزهري بعد قليل ، (إبياري).

٤٤٤

وهذا قول الفَرّاء والنَّحويين الذين يُوثق بعِلْمهم.

قالوا : يُقال للواحد : توأم.

وهما توأمان ، إذا ولدا في بَطن واحد ؛ قال عَنْترة :

بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه في سَرْحةٍ

يُحْذَى نِعال السِّبْت ليس بتَوْأم

قلتُ : وقد ذكرتُ هذا الحرف في كتاب التاء ، فأعدت ذِكْره لأعرِّفك أنّ التاء مُبْدلة من الواو.

ف «التوأم» وَوْأم ، في الأصل ، وكذلك : «التَّوْلج» ، في الأصل : وَوْلَج ، وهو الكِنَاس.

وأصل ذلك من «الوِئَام» ، وهو الوِفاق.

ويُقال : فلانٌ يُغَنِّي غِنَاءً مُتوائِماً ، إذا وافق بعضُه بعضاً ولم تَخْتلف ألحْانُه ؛ قال ابنُ أَحْمر :

أَرَى ناقتي حنَّت بلَيْلٍ وساقها

غِناءٌ كمَوْج الأعْجَم المُتَوائِمِ

وقال أبو عَمرو (١) : لَيَالٍ أُوَّمٌ ، أي : مُنكرة : وأَنْشد :

لمّا رأيت آخر اللَّيل غنَمْ

وأنّها إحْدى لَيالِيك الأُوَمْ

أبو عُبيد : المُؤَوَّم ، مثل «المعوَّم» : العظيم الرَّأس.

وأخبرني (٢) المُنذريّ ، عن الطُّوسي ، عن الخَرّاز ، عن ابن الأعرابيّ : و «يَوْأم» : قبيلة من الحَبش ؛ وأَنْشد :

وأنتم قبيلةٌ من يَوْأَمْ

جاءت بكُم سَفِينةٌ من اليمْ

قال المُوأَّم : المشوّه الخَلق.

وَأَمّه الله ، أي : شَوّه خَلْقه.

وقوله «من يَوْأم» ، أي : إنكم سُودان فَخَلْقكم مُشَوَّه.

آم : أبو عبيد : الأَيْم والأَيْن ، جميعاً : الحيّة.

قال شَمر : قال أبو خَيْرة : الأيْم والأيْن والثُّعْبان : الذكران من الحيات ، وهي التي لا تَضُرّ أحداً.

قال : وقال ابن شُميل : كل حيَّة أَيم ، ذكراً كانت أو أُنثى.

وربما شدد فقيل : أيِّم ، كما يُقال : هَيِّن وهَيْن.

وقال الله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢].

قيل في تفسيره : الحرائر.

والأيامى : القَرابات : الآبنة والخالة والأخت.

__________________

(١) أورد هذا ابن منظور في (أوم) ، (إبياري).

(٢) هذا مما أورده ابن منظور في (وأم) ، (إبياري).

٤٤٥

وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي العبّاس ، عن ابن الأعرابي ، يُقال للرجل الذي لم يتزوج : أَيّم ، وللمرأة أيّمة ، إذا لم تتزوَّج.

قال : والأيّم : البِكْر والثَّيِّب.

قال : ويقال : آم الرَّجُلُ يَئِيم أيْمةً ، إذا لم تكن له زَوْجة.

وكذلك المرأة ، إذا لم يكن لها زَوْج.

وفي الحديث إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يَتَعوَّذ من الأيْمة والعَيْمة ، وهي طول العُزْبة.

ابن السِّكيت : فلانة أَيِّم ، إذا لم يكن لها زوج ؛ ورجل أيِّم ، لا امرأة له ؛ والجمع : الأيَامى. والأصل : أيَايم ، فقُلبت الياء وجُعلت بعد الميم.

وقد آمت المرأة تَئِيم أَيْمةً وأَيْماً ؛ وتأيَّم الرّجُلُ زماناً ، وتأيَّمت المرأة ، إذا مَكَثا أيّاماً وزماناً لا يتزَوَّجان.

والحَرْبُ مَأْيَمة ، أي : تقتل الرِّجال وتدع النِّساء بلا أزواج.

ابن الأنباريّ : رجل أيِّم ، ورجلان أيِّمان ، ورجال أيِّمون ، ونساء أيِّمات.

وأُيَّمٌ : بَيِّن الأيُوم والأَيْمَة.

وقال ابن الأعرابي : الإيَام : الدُّخان ؛ وأَنْشد لأبي ذُؤيب :

فلما جَلَاها بالإيَام تَحيَّزت

ثُباتٍ عليها ذلُّها واكتئابُها

يقال : آم الدُّخانُ يَئيم إياماً.

قال : وأما الأُوام ، فهو شِدّة العَطَش ؛ وقد آم الرَّجُلُ يَؤُوم أوْماً.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الأوام : العطش ، ولم يَذكر له فِعْلاً.

والأيامى ، كان في الأصل : أيايم ، جمع «الأيّم» فقُلبت الياء جُعلت بعد الميم.

قاله ابن السِّكيت.

قال : ويُقال : ما له آمٌ وعامٌ ، أي : هَلكت امرأته.

وكان القياس أن يُقال : أيم ، فجعلت الياء ألفاً.

وقد آم يَئيم أَيْمة.

ومعنى «عامٌ» : هلكت ماشيته حتى يَعِيم إلى اللّبن.

وقال أبو زيد : يُقال رَجُلٌ أَيْمان ، وعَيْمان أَيْمان : هَلكت امرأته.

ابن السِّكيت : تأيّمت المرأة ، وتأيّم الرجلُ زماناً ، إذا مكَثا لا يَتزوَّجان.

قال : أَأَمْتُ المرأة ، مثل : أَعَمْتها ، فأنا أُئِيمها ، مثل أُعِيمها.

والحرب مَأْيَمة ، أي : تقتل الرِّجال وتَدع النِّساء بلا أزواج.

الليث : يُقال امرأة أيِّم ، وقد تأيّمت ، إذا كانت بغير زَوْج.

وقيل ذلك إذا كان لها زوج فمات عنها ،

٤٤٦

وهي تصلح للأزواج ، لأن فيها سُؤْرةٌ من شباب ؛ قال رُؤبة :

* مغايراً أو يَرْهب التّأْيِيما*

وقوله :

وكأنّما ينأى بجانب دفِّها الْ

وَحْشِي مِن هَزِج العَشِيّ مُؤَوَّمِ

أراد : من حادٍ هَزِج العَشيّ بحُدائه.

الليث : المُواءمة : المُباراة.

قال : ويُقال : فلانة تُوَائِم صَواحباتها ، إذا تكلّفت ما يتكلَّفن من الزِّينة ؛ قال المَرّار :

يَتواءَمْن بنَوْمات الضُّحى

حَسَنات الدَّلّ والأُنْس الخَفِرْ

أم : قال الفَرّاء : أَمْ ، في المعنى تكون ردّاً على الاستفهام على جِهَتَيْن :

إحداهما : أن تُفارق معنى «أم».

والأخرى : أن تَستفهم بها على جِهة النَّسق الذي يُنْوى بها الابتداءُ ، إلا أنه ابتداءٌ مُتَّصل بكلام.

فلو ابتدأت كلاماً ليس قبله كلام ، ثم استفهمت لم يكن إلا ب «الألف» أو ب «هل» ، من ذلك قوله جلّ وعزّ : (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ١ ، ٣] فجاءت «أم» وليس فيها استفهام ، فهذا دليل على أنه استفهام مبتدأ على كلام قد سبقه.

قال : وأما قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) [البقرة : ١٠٨].

فإن شئت جعلته استفهاماً مبتدأ قد سبقه كلام ، وإن شئت قلت : قبله استفهام فَرُد عليه ، وهو قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٦].

وكذلك قوله تعالى : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) [ص : ٦٢ ، ٦٣].

فإن شئت جعلته استفهاماً مُبتدأ على كلام قد سَبقه كلام.

وإن شئت جعلته مَرْدُوداً على قوله : (ما لَنا لا نَرى) [ص : ٦٢].

ومثله قوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١]. ثم قال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) [الزخرف : ٥٢].

فالتفسير فيهما واحد.

قال الفراء : وربما جعلت العرب «أم» إذا سَبقها استفهام ، ولا يصلح فيه «أم» على جهة «بل». فيقولون : هل لك قِبلنا حق أم أنت رجل معروف بالظلم؟

يُريدون : بل أنت رجُلٌ مَعْروف بالظُّلم ؛ وأَنشد :

فو الله ما أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَت

أم النَّوم أم كُلٌّ إليّ حَبِيبُ

٤٤٧

يريد : بَلْ كُلٌّ.

قال : ويَفعلون مثل ذلك ب «أو» ، وسنذكره في موضعه.

وقال الزجّاج : أم ، إذا كانت مَعْطوفة على لفظ الاستفهام ، فهي معروفة لا إشكال فيها ؛ كقولك : أزَيْدٌ أحسن أم عمرو؟ و: أكذا خير أم كذا؟

وإذا كانت لا تقع عطفاً على ألف الاستفهام ، إلا أنها تكون غير مبتدأة ، فإنها تؤذن بمعنى «بل» ، ومعنى «ألف الاستفهام».

ثم ذكر قول الله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) [البقرة : ١٠٨].

قال المعنى : بل أَتُريدون أن تسألوا.

وكذلك قوله تعالى : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ١ ، ٣].

المعنى : بل يقولون افتراه.

وقال الليث : أم ، حرف أحسن ما يكون في الاستفهام على أوله ، فيصير المعنى كأنه اسْتفهام بعد اسْتفهام.

قال : ويكون «أم» بمعنى «بل».

ويكون «أم» بمعنى «ألف الاستفهام» ، كقولك : أم عِندك غداء حاضرٌ؟ وهي لغة حسنة من لُغات العرب.

قلت : وهذا يجوز إذا سَبقه كلام.

قال الليث : وتكون «أم» مبتدأة للكلام في الخبر ، وهي (١) لغة يمانية ، يقول قائلهم : أم نحن خرجنا خيارَ الناس ، أم نُطعم الطعام ، أم نضرب السهام ؛ وهو يُخْبِر.

وروى ابن اليزيدي ، عن أبي حاتم ، قال : قال أبو زيد : «أم» تكون زائدةً ، لغة لأهل اليمن ؛ وأَنْشد :

يا دَهْن أم ما كان مَشْيِي رَقَصَا

بل قد تكون مِشْيَتي ترقُّصَا

أراد يا دَهناء ، فرَخَّم ، و «أم» زائدة ؛ أراد : ما كان مَشيي رَقَصاً ، أي : كنت أترقَّص وأنا في شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتّى صار مَشيي رَقَصا.

وقال غيره : تكون «أم» بلغة أهل اليمن بمعنى : الألف واللام.

وفي الحديث : «ليس من امْبِرّ امْصِيامٌ في امْسَفَر».

أي : ليس من البرّ الصيام في السَّفر.

قلت : والألف فيها ألف وصل ، تُكتب ولا تُظهر إذا وُصلت ، ولا تُقطع كما تُقطع ألف «أم» التي قدّمنا ذكرها ؛ وأَنْشد أبو عُبيد :

ذاك خَلِيلي وذو يُعاتِبُني

يَرْمي وَرائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَهْ

__________________

(١) في المطبوع : «هم» والمثبت في «العين» (٨ / ٤٣٥).

٤٤٨

ألا تَراه كيف وَصل الميم باللَّام ، فافهمه.

قلت : والوجه ألّا تثبت الألف في الكتابة ، لأنّها ميم جُعلت بدل الألف واللام ، للتَّعْريف.

ما : قال أهل العربيّة : «ما» إذا جُعِلت اسماً هي لغير المُميِّزين من الجِنّ والإنس ؛ و «من» تكون للمميِّزين.

ومن العرب من يَستعمل «ما» في موضع «من» ، من ذلك قولُه تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] التقدير : لا تَنكحوا مَن نكح آباؤكم.

وكذلك قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] ، معناه : من طاب لكم.

وروى سَلمة ، عن الفَراء ، قال الكسائي : تكون «ما» اسماً ، وتكون جَحْداً ، وتكون استفهاماً ، وتكون شَرْطاً ، وتكون تعجُّباً ، وتكون صِلَةً ، وتكون مَصْدراً.

قال محمد بن يزيد : وقد تأتي «ما» تمنع العاملَ عمله ، وهو كقولك : كأنما وَجهك القمر ، وإنما زَيْد صديقنا.

قلت : ومنه قولْه تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ربّ : وضعت للأسماء ، فلما أُدخلت فيها «ما» جُعلت للفِعْل.

وقد توصل «ما» ب «رب» و «ربت» فتكون صلةً ؛ كقوله :

ماوِيّ يا رُّبَّتما غارةٍ

شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيَسمِ

يُريد : يا ربّت غارة.

وتجيء «ما» صلة يُراد بها التأكيد ، كقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥]. المعنى : بِنَقْضهم ميثاقهم.

وتكون مصدراً ؛ كقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] أي : فاصدع بالأَمر.

وكقوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ، وَما كَسَبَ (٢)) [المسد : ٢] أي : وكَسْبه.

و «ما» التَّعجب ؛ كقوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥].

والاستفهام ب «ما» كقولك : ما قَولك في كذلك؟

والاستفهام ب «ما» مِن الله لعباده على وَجهين : هو للمُؤمن تَقْرير ؛ وللكافر تَقْريع وتَوْبيخ.

فالتَّقرير ، كقوله تعالى لمُوسى عليه‌السلام : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ) [طه : ١٧ و١٨] قَرَّره الله أنها عَصىً كراهية أن يَخافها إذا حَوَّلها حَيَّة.

والشَّرط ؛ كقوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) [فاطر : ٢].

والجحد ؛ كقوله تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦].

٤٤٩

وتجيء «ما» بمعنى «أي» ؛ كقوله تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) [البقرة : ٦٩] المعنى : يبين لنا أيّ شيء لونها؟ و «ما» في هذا الموضع رَفع ، لأنه ابتداء ، ومُرافعها قوله «لونها».

الفراء : و (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح : ٢٥] تَجعل «ما» صلة فيما تَنْوي به مذهب الجزاء ، كأنه : من خطيئاتهم ما أُغرقوا.

وكذلك رأيتها في مُصحف عبد الله ، وتأخرها دليل على مذهب الجزاء.

ومثلها في مصحفه : «أي الأجلين ما قَضيتَ».

ألا ترى أنك تقول : حيثما تكن أكن ، ومهما تقل أقُل.

وقوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] وُصل الجزاء ب «ما» ، فإِذا كان استفهاماً لم يوصل ب «ما» ، وإنما يُوصل إذا كان جزاء ؛ أَنْشد ابن الأعرابيّ قولَ حسّان :

إن يكُن غَثّ مِنْ رَقَاشِ حَدِيثٌ

فبما يأكل الحديثُ السَّمينَا

قال : فبما ، أي : ربما.

قلت : وهو مَعروف في كلامهم قد جاءَ في شعر الأعشى وغيره.

أما : وقال الليث «أمَا» استفهام جحود ؛ كقولك : أما تستحي من الله؟

قال : وتكون «أما» تأكيد للكلام ولليمين ، كقولك : أما إنه لرجل كَرِيم.

وفي اليمين كقولك : أمَا والله لئن سَهرت كُل ليلة لأدَعنّك نادماً ؛ أما لو علمتُ بمكانك لأزعجنّك منه.

إما وأما : وافتراقهما

أبو العباس ، عن سَلمة ، عن الفراءِ ، قال : قال الكسائي في باب «إمّا» و «أمّا» :

إذا كنت آمراً ، أو ناهياً ، أو مُخبراً ، فهي «أمّا» مفتوحة.

وإذا كنت مُشترطاً أو شاكاً أو مخيِّراً أو مختاراً ، فهي «إمّا» بكسر الألف.

قال : وتقول من ذلك في الأول : أما الله فاعْبد ، وأما الخَمر فلا تَشْربها ، وأمّا زيد فقد خَرج.

قال : وتقول في النوع الثاني ؛ إذا كنت مُشترطاً : إمّا تَشْتمنّ زيداً فإنه يَحْلُم عنك.

وتقول في الشكّ : لا أَدْري من قام إمَّا زيدٌ وإمّا عمرو.

وتقول في التَّخيير : تعلّم إمّا الفِقه : وإمّا النَّحو.

وتقول في المختار : لي بالكوفة دارٌ وأنا خارج إليها فإمّا أن أَسْكنها وإمّا أن أبِيعها.

قال : ومن العرب من يَجعل «إمّا» بمعنى : إمّا الشرطية. قال : وأنشد الكسائي

٤٥٠

لصاحب هذه اللغة ، إلا أنه أبدل إحدى الميمين ياءً :

يا ليت ما أُمّنا شالت نعامتها

إيما إلى جَنّة إيما إلى نارِ

وقال المبرّد : إذا أتيت ب «إمّا» و «أما» فافتحها مع الأسماء واكسرها مع الأفعال ؛ وأَنْشد :

إمّا أقمت وأمّا أنت ذا سَفر

فالله يَحْفظ ما تأتي وما تَذَرُ

كسرت «إما أقمت» مع الفعل ، وفتحت «وأما أنت» لأنها وليها الاسم. وقال :

* أبا خُراشة أمّا أنْت ذا نَفر*

المعنى : إذا كنت ذا نفر. قاله ابن كَيسان.

وقال الزجّاج : «إما» التي للتَّخيير شُبهت ب «إن» التي ضمّت إليها «ما» ، مثل قوله تعالى : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف : ٨٦].

كتبت بالألف لما وصفنا ، وكذلك «إلا» كتبت بالألف ، لأنها لو كُتبت بالياء لأَشْبهت «إلى».

قال البَصريون : «أمّا» هي «أن» المفتوحة ضُمت إليها «ما» عوضاً من الفعل ، وهي بمنزلة «إذ» ، المعنى : إذ كنت قائماً فإِني قائم معك ؛ ويُنْشدون :

* أبا خُراشة أمّا أنت ذا نفر*

قالوا : فإن ولي هذه الفعل كُسرت ، فقيل : إمّا انطلقت انْطلقت معك ؛ وأَنْشدوا :

* إمّا أقمت وأمّا أَنْت مُرتحلا*

فكَسر الأُولى وفتَح الثانية.

فإن ولي هذه المكسورة فعل مُستقبل أحدثت فيه النون ، فقلت : إمّا تذهبنّ فإنّي معك.

فإن حَذفت النون جَزمت ، فقلت : إمّا يَأْكُلك الذئب فلا أَبكيك.

وقال الفراء في قول الله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)) [الإنسان : ٣].

قال «إمّا» ها هنا تكون جزاء ، أي : إن شكر وإن كَفر.

قال : ويكون على «إمّا» التي في قوله تعالى : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٦] فكأنه قال : خَلَقناه شقيّاً أو سعيداً.

أم : أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابي : الأُم : امرأة الرَّجل المُسِنّة.

والأم ، الوالدة من كل الحَيوان.

ويُقال : ما أَمِّي وأَمُّه؟ وما شَكلي وشَكله؟

أي : ما أَمْري وأَمْره لبُعده منّي ، فلمَ يتعرّض لي؟ ومنه قول الشاعر :

فما أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا

تَفَرَّع في ذُؤابَتِي المَشِيبُ

٤٥١

وقال ابن بُزُرْج : قالوا ما أَمّك وأمّ ذات عِرْق؟ أي : أَيْهات منك ذات عِرْق؟

قال الليث : الأُم ، هي الوالدة ؛ والجمع الأُمَّهات.

وقال غيره : تُجمع «الأُم» من الآدميّات : أمّهات ؛ وتجمع من البهائم : أُمّات ؛ قال :

لقد آليْت أُعْذَر في خِداع

وإن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ

الليث : يقال : تأمّم فلان أُمّاً ، أي : اتخذها لنفسه أُمّاً.

وتفسير «الأم» في كل معانيها : أمّة ، لأن تأسيسه من حَرْفين صحيحين ، والهاء فيه أصلية ، ولكن العرب حذَفت تلك الهاء إذا أمنوا اللَّبْس.

قال : ويقول بعضُهم في تَصغير «أُمّ» : أمَيْمة.

والصواب : أُمَيْهة ، تُرد إلى أصل تأسيسها.

ومن قال «أُميمة» صغّرها على لفظها ، وهم الذين يقولون «أمّات» ؛ وأَنشد :

إذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ

فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا

قال ابن كيسان : يُقال : أُمّ ، وهي الأصْل ؛ ومنهم من يقول : أُمّة ؛ ومنهم من يقول : أُمّهة ؛ وأَنْشد :

تَقَبَّلْتها عن أُمَّةٍ لك طالما

تُنوزع في الأَسواق عنها خِمارُها

يُريد : عن أُم لك ، فألحقها هاء التأنيث.

وقال آخر :

* أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي*

فأمّا الجمع فأكثر العرب على «أمّهات» ومنهم من يقُول : أُمّات.

وقال المبرّد : الهاء من حروف الزّيادة ، وهي مزيدة في «الأُمهات» والأصل «الأُم» وهو : القَصْد.

قلت : وهذا هو الصواب ، أن «الهاء» مزيدة في «الأمهات».

وقال الليث : من العرب مَن يَحذف ألف «أم» كقول عديّ بن زيد :

* أيّها العائب عندي مّ زَيْد*

واعلم أن كل شيء يُضم إليه سائر ما يليه فإن العرب تسمِّي ذلك الشيء : أُمًّا ، من ذلك : أُم الرأس ، وهو الدِّماغ ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم ؛ والشجّة الآمّة : التي تبلغ أُمَ الدِّماغ.

والأَميم : المَأْموم.

قال والأُمَيْمة : الحجارة التي تُشْدخ بها الرُّؤوس ؛ قال :

ويومَ جَلَّينا عن الأهاتم

بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ

٤٥٢

المكنىّ بالأم

قال : وأُم التّنائف : المفازة البعيدة.

وأم القُرَى : مَكَّة.

وكُل مدينة ، هي أُم ما حولها من القُرى.

وأُم الكِتَاب : كُل آية محكمة من آيات الشرائع والأحكام والفرائض.

وجاء في الحديث : «إن أُم الكتاب هي فاتحة الكتاب» ، لأنها هي المتقدّمة أمام كل سُورة في جميع الصلوات ، وابتدى بها في المُصحف فقدّمت ، وهي القرآن العظيم.

وأما قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِ الْكِتابِ لَدَيْنا) [الزخرف : ٤]. فقال : هي اللوح المحفوظ.

قال قتادة : أُم الكتاب : أَصل الكتاب.

وعن ابن عبّاس : أُمّ الكتاب ، القرآن من أوله إلى آخره.

وقوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)) [القارعة : ٩] أي : أُمه التي يأوي إليها ، كما يأوي الرجل إلى أُمه ، هاوية ، وهي النار يهوي فيها من يدخلها ، أي : يَهلك.

وقيل : فأم رأسه هاوية فيها ، أي : ساقطة.

وأُم الرُّمْح : لواؤُه وما لُفّ عليه من خِرقة ؛ ومنه قول الشاعر :

وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمّه

مِن يَدِ العاصِي وما طالَ الطِّوَلْ

وأخبرنا عبد الملك ، عن الربيع ، عن الشافعي ، قال : العربُ تقول للرجل يلي طعام القوم وخدمتهم : هو أُمتهم ؛ وأَنْشد للشَّنْفرى :

وأُمّ عيال قد شهدت تَقُوتهم

إذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت

قال : ويُقال للمرأة التي يأوي إليها الرَّجُلُ : هي أُم مَثْواه.

وفي الحديث : «اتقوا الخمر فإنها أُم الخبائث».

وقال شمر : أم الخبائث : التي تجمع كُل خبيث.

قال : وقال : الفصيح في أعراب قَيس : إذا قيل : أُمّ الشر ، فهي تَجمع كل شَرّ على وَجه الأرض.

وإذا قيل أُمّ الخير ، فهي تَجمع كُلّ خَير.

قال : وقال ابن شميل : الأم لكُل شيء ، هي المجَمع له والمَضَمّ.

وأُم الرأس ، هي الخريطة التي فيها الدِّماغ.

وأمُ النُّجوم : المَجَرّة.

وأمُ الطَّريق : مُعظمها ، إذا كان طريقاً عظيماً وحوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطريق.

٤٥٣

وأمّ اللُّهَيْم : هي المَنِيّة.

وأمّ خَنُّور : الخِصْب.

وأمّ جابر : الخُبز (١).

وأمّ صَبَّار : الحَرَّة.

ورُوي عن عَمرو ، عن أبيه ، أنه قال : أمّ عُبَيد : هي الصَّحراء.

وأمّ عَطِيّة : الرَّحَى.

وأمّ شَمْلة : الشَّمْس.

وأمّ الخُلْفُف : الدَّاهية.

وأمّ رُبَيْق : الحرب.

وأمّ ليْلى : الخَمْرُ. وليلى : النَّشوة.

وأمّ دَرْز : الدُّنيا.

وأمّ بَحنة : النَّخلة.

وأمّ سِرياح : الجرادة.

وأمّ عامر : المَقْبُرة.

وأمّ جابر : السُّنْبلة.

وأمّ طِلْبة : العُقاب.

وكذلك : أمّ شَعْواء.

وأمّ حباب : هي الدُّنيا ؛ وهي أمّ وافرة.

وأمّ زافرة : البَيْن.

وأمّ سَمْحة : العَنْز.

ويُقال لِلْقِدْر : أمّ غِياث ، وأمّ عُقْبة ، وأمّ بيضاء ، وأمّ دسمة ، وأمّ العِيَال.

وأمّ جِرْذَان : النَّخلة ، وإذا سَمَّيت رجلاً بأُم جِرذان لم تَصْرفه.

وأمّ خَبِيص ، وأمّ سُويد ، وأمّ عَقاق ، وأمّ عَزمة ، وأمّ طبيخة ، وهي أمّ تسعين.

وأمّ حِلْس : الأثان.

وأمّ عمرو ، وأمّ عامر : الضَّبُع.

ابن هانىء ، عن أبي زيد ، يقال : إنه لحسن أمّة الوَجْه ، يعنون : سُنَّته وصُورته.

وإنه لقبيح أمّة الوَجه.

وأخبرني المنُذري ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : يُقال للرجل العالم : أُمّة.

قال : والأُمّة : الجماعة.

والأُمّة : الرجل الجامع للخَيْر.

والأُمة : الطاعة.

وأُمّة الرَّجُل : وَجهه وقامَتُه.

وأُمّة الرَّجل : قَوْمُه.

والإمّة ، بالكسر : العيش الرَّخِيّ.

وقال أبو الهيثم : فيما أخبرني عنه المنذري ، قال : الأُمَّة : الحِين.

وقال الفراء في قوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥].

قال : بعد حينٍ من الدَّهْر.

قال أبو الهيثم : والأُمّة : الدِّين.

__________________

(١) ستأتي هذه الكنية بمعنى : «السُّنبلة».

٤٥٤

والأُمّة : المُعلِّم.

وقال الفراء في قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً) [النحل : ١٢٠].

قال : أُمّة معلِّما للخير.

وروى سَلمة ، عن الفراء : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢] ، وهي مثل : السُّنّة والمِلّة.

وقرىء «على إمّة» ، وهي الطريقة ، من : أَمَمْت.

يقال : ما أحسن إمّته!

قال : والإمّة أيضاً : الملك والنَّعيم ؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد :

ثم بعد الفَلاح والمُلك والإمّ

ة وارتْهمُ هناك القُبور

قال : أراد : إمامة المُلك ونعيمه.

وقال أَبو إسحاق في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) [البقرة : ٢١٣] ، أي : كانو على دين واحد.

قال : والأُمّة : في اللغة أشياء ، فمنها ؛ أن الأُمُّة : الدين ، وهو هذا.

والأُمّة : القامة ؛ وأنشد :

وإن مُعاوية الأَكْرمي

ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ

أي : طوال القَامات.

قال : والأُمّة ، من الناس ، يُقال : قد مَضَت أُمم ، أي : قرون.

والأُمّة : الرجل الذي لا نَظير له ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٠].

وقال أَبو عُبيدة : معنى قوله «كانَ أُمَّةً» أي : كان إمَاماً. والأُمّة : النِّعمة.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : هو في إمّة من العَيش ؛ وآمة ، أي : خِصْب.

قال شمر. وآمة ، بتخفيف الميم : عَيْب ؛ وأُنْشد :

مَهلاً أَبيت اللّعْن مَهْ

لاً إنّ فيما قُلت آمَهْ

وذكر أبو عمرو الشَّيباني أن العرب تقول للشيخ إذا كان باقي القُوة : فلان بإِمّةٍ ، راجع إلى الخير والنّعمة ، لأن بقاء قُوته من أعظم النِّعمة.

قال : وأَصل هذا الباب كله من «القَصْد».

يقال : أممت إليه ، إذا قَصدته.

فمعنى «الأمّة» في الدّين ، أن مَقصدهم مقصدٌ واحد.

ومعنى «الإمّة» في النِّعمة ؛ إنما هو الشيء الذي يَقْصده الخلق ويَطْلُبونه.

ومعنى «الأمة» في الرجُل المُنفرد الذي لا نَظير له : أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سائر الناس ؛ قال النابغة :

* وهل يَأْثمن ذو أُمّة وهو طائع*

ويُروى : ذو إمّة.

٤٥٥

فمن قال : ذو أمّة ، فمعناه : ذو دِين.

ومن قال : ذو إمّة ، فمعناه : ذو نعمة أُسديت إليه.

قال : ومعنى «الأُمّة» : القامة ، سائر مَقْصَد الجسد.

فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى «أممت» ، أَي : قصدت.

ويقال : إمامنا هذا حَسن الإمّة ، أي : حسن القيام بإمامته إذا صلّى بنا.

وقال أبو إسحاق : قالوا في معنى الآية غيْرَ قولٍ.

قال بعضهم : كان الناس فيما بين آدم ونوح كُفَّاراً (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنار.

وقال آخرون : كان جميع مَن مع نوح في السَّفِينة مُؤمناً ثم تَفرّقوا من بعده عن كُفْر ، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ).

قال : وقال آخرون : الناس كانوا كفّاراً (فَبَعَثَ اللهُ) إبراهيم و (النَّبِيِّينَ) من بعده.

قلت : و «الأمّة» فيما فسروا ، يَقع على الكفّار وعلى المُؤمنين.

وقال الله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) [البقرة : ٧٨].

قال أبو إسحاق : معنى «الأمي» في اللغة : المنسوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمّه ، أَي : لا يكتب ، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه. وارتفع «أميون» بالابتداء ، و «منهم» الخبر.

وقال غيره : قيل للذي لا يكتب : أُمي ، لأن الكتابة مكتسبة ، فكأنه نُسب إلى ما وُلد عليه ، أي : هو على ما ولدته أُمه عليه.

وكانت الكتابة في العرب في أهل الطائف تعلّموها من رجل من أهل الحيرة ، عن أَهل الأنبار.

قال أبو زيد : الأمّي من الرجال : العَيِيّ القليل الكلام الجافي الجلْف ؛ وأَنشد :

ولا أَعُود بعدها كَرِيّا

أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا

* والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا*

قيل له : أمّي ، لأنه على ما وَلدته أُمه عليه من قلة الكلام وعُجْمة اللّسان.

وقيل للنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الأُمي ، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب ، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المُعجزة ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات ، وقصص مؤتلفات ، ومواعظ حكيمات ، تارة بعد أخرى ، بالنَّظم الذي أُنزل عليه ، فلم يغيّره ولم يبدِّل ألفاظه.

وكان الخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها زاد فيها ونَقص ، فَحفِظه الله

٤٥٦

جلّ وعزّ على نبيّه كما أَنزله ، وأَبانه من سائر مَن بعثه إليهم بهذه الآية التي بايَن بينه وبينهم بها ، وفي ذلك أَنزل الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) [العنكبوت : ٤٨].

يقول جلّ وعزّ : لو كنت تتلو من الكتاب ، أو تخط لارتاب المُبطلون الذين كفروا ، ولقالوا إنه وَجد هذه الأقاصيص مكتوبة فحفظها من الكتب.

الليث : كُل قوم نُسبوا إلى نبي فأُضيفوا إليه ، فهم : أُمّته.

وقيل : أُمة محمد : كُل من أَرسل إليه ممَّن آمن به أَو كفر.

قال : وكل جيل من الناس ، فهم : أُمة على حِدة.

وقال غيره : كل جنس من الحيوان غير بني آدم أُمّة على حدة ؛ قال الله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] الآية.

ومعنى قوله : «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» في معنى دون معنى.

يريد : والله أَعلم : أَن الله خلقهم وتعبّدهم بما شاء أن يتعبَّدهم به من تَسبيح وعبادة عَلِمها منهم ولم يُفقِّهنا ذلك.

وجاء في الحديث : «لو لا أَن الكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها ، ولكن اقْتُلوا منها كُلَّ أَسْود بَهيم».

الليث : الإمّة : الائتمام بالإمام.

يُقال : فلان أَحقّ بإِمّة هذا المسجد من فلان ، أَي : بالإمامة.

قلت : الإمّة : الهيئة في الإمَامة والحالة.

يُقال : فلان حَسن الإمّة ، أي : حسن الهيئة إذا أمّ الناس في الصلاة.

والإمام : كل من ائتم به قومٌ كانوا على الصّراط المستقيم أو كانوا ضالّين.

والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمَام أُمته ، وعليهم جميعاً الائتمام بسُنَّته التي مَضى عليها.

والخليفة : إمَام رَعيّته.

والقرآن : إمَام المُسلمين.

وإمَام الغُلام في المَكتب ، ما يتعلّمه كُلَّ يوم.

وقال ابن الأعرابيّ في قول الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] قالت طائفة ، بإِمامهم. وقالت طائفة : دينهم وشَرعهم.

وقيل : بكتابهم الذي أحصى فيه عملهم.

وقول الله تعالى : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) [التوبة : ١٢] أي : قاتلوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الذين ضُعَفاؤُهم تَبع لهم.

وقرىء قوله تعالى : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) على حَرْفين.

٤٥٧

فأكثر القُراء قرؤوا : أيِمة ؛ بهمزة واحدة.

وقرأ بعضهم : أَئِمَّةَ ، بهمزتين.

وكل ذلك جائز.

وقال أبو إسحاق : إذا فَضلنا رجلاً في الإمامة قلنا : هذا أَوَمُّ من هذا.

وبعضهم يقول : هذا أَيَمّ من هذا.

قال : والأصل في «أئمة» : أأْمِمَة ، لأنه جمع «إمام» مثله : مثال وأَمثلة.

ولكن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى في الثانية ، وأُلقيت حركتها على الهمزة ، فقيل : أَئمّة ، فأبدلت العرب من الهمزة المكسورة الياء.

قال : ومن قال : هذا أَيَمّ من هذا ، جعل هذه الهمزة كلّما تحركت أَبدل منها ياءً.

والذي قال : فلان أَوَمُ من هذا ، كان عنده أَصلها «أَأَمّ» ، فلم يمكنه أن يبدل منه ألفاً لاجتماع الساكنين ، فجعلها واواً مفتوحة ؛ كما في جمع «آدم» : أوادم.

وهذا هو القياس.

قال : والذي جعلها ياء قال : قد صارت الياء في «أَيمّة» بدلاً لازماً.

وهذا مذهب الأخفش.

والأول مذهب المازنيّ ، وأظنه أَقيس المذهبين.

فأما «أئمة» باجتماع الهمزتين ، فإنما يُحكى عن أبي إسحاق : فإِنه كان يجيز اجتماعهما ، ولا أَقول إنها غير جائزة.

والذي بدأنا به هو الاختيار.

وقال الفَرّاء في قوله تعالى : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) [الحجر : ٧٩] يقول : في طريق لهم يَمُرون عليها في أَسْفارهم. فجعل الطَّريقَ إمَاماً ، لأنه يُؤَمّ ويُتّبع.

الليث : الأمام ، بمعنى : القُدّام.

وفلان يَؤُم القوم ، أي : يَقْدُمهم.

ويقال : صَدرك أمامُك ، بالرفع ، إذا جعلته اسْماً.

وتقول : أخوك أمامَك ، بالنصب ، لأنه صِفة.

وقال لَبيد ، فجعله اسْماً :

فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه

مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها

يصف بقرةً وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت ، وكِلا فَرْجَيها ، وهما أمامها وخلفها ، تحسب أنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها ، أي : وليّ مَخافتها.

قال أبو بكر : معنى قولهم : فلانٌ يؤُمّ أي : يتقدّمهم.

أُخذ من «الأمام» ، يقال : فلان إمام القوم ، إذا تَقدَّمهم.

وكذلك قولهم : فلان إمام القوم ، معناه : هو المتقدِّم لهم.

ويكون الإمام رئيساً ، كقولك : إمام

٤٥٨

المُسلمين.

ويكون : الكتاب ؛ قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١].

ويكون «الإمام» : الطريق الواضح ، قال الله تعالى : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) [الحجر : ٧٩]. ويكون «الإمام» : المثال ، وأنشد :

أبوه قبله وأبو أبيه

بنَوا مجد الحياة على إِمامِ

معناه : على مثال ؛ وقال لَبيد :

* ولكُلّ قَومٍ سُنَّة وإمامُها*

الحرّاني ، عن ابن السِّكيت ، قال : الأَمُ ، هو القَصْد.

يقال : أممته أؤُمه أمّاً ، إذا قَصَدْت له.

وأَمَمته أَمًّا : إذا شَجَجْته.

وشَجَّة آمَّةٌ.

قال : والأَمَم ، بين القريب والبَعيد.

ويقال : ظَلَمت ظلماً أَمَماً ؛ قال زُهير :

كأن عَيْني وقد سال السَّلِيلُ بهم

وَجِيرة ما هُمُ لو أنهم أَمَمُ

ويقال : هذا أمر مُؤَامٌ ، أي : قَصْدُ مُقَارِب.

وأَنشد : الليث :

تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا

لو أنها تَطْلب شَيئاً أَمَمَا

أراد : لو طلبت شيئاً يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها ، فأما أن تطلُب بالبلد القَفر السَّلْجم ، فإنه غير مُتَيَسِّر ولا أَمَم.

ويقال : أَمَمْتُه أمًّا ، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا ، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.

قال : ولا يَعرف الأصمعيّ «أَمَّمْته» بالتّشديد.

ويُقال : أَمَمْتُه ، وأَمَّمْته ، وتأَمَّمْته ، وتَيَمَّمته ، بمعنى واحد ، أي : توخيته وقَصَدْتُه.

والتَيمُّم بالصَّعيد ، مأخوذ من هذا.

وصار «التيمّم» عند عوام الناس المَسْح بالتراب ، والأصل فيه ، القَصْد والتوخِّي ؛ قال الأعشى :

تَيَمَّمت قيساً وكم دُونه

من الأرض من مَهْمَهٍ ذي شَزَنْ

اللّحياني ، يقال : أَمّوا ، ويَمُّوا ، بمعنى واحد ، ثم ذكر سائر الُّلغات.

الليث : إذا قالت العرب للرجل : لا أُم لك ، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.

وقال أبو عُبيد : زَعم بعضُ العلماء أن قولهم : لا أبا لك ، ولا أب لك : مدح ؛ وأن قولهم : لا أُمَ لك : ذمّ.

قال أبو عُبيد : وقد وجدنا قولهم : لا أُمّ لك ، قد وُضع موضع المَدح ؛ قال كَعْب الغَنويّ :

هَوت أُمّه ما يَبْعث الصُّبح غادياً

وماذا يُؤَدّي الليلُ حين يُؤوبُ

٤٥٩

قال أبو الهيثم : وأين هذا ممّا ذهب إليه أبو عُبيد ، وإنما معنى هذا كقولهم : ويح أُمه ، ويل أمّه ، وهَوت أُمه ، والوَيل لها ، وليس في هذا من المدح ما ذَهب إليه ، وليس يُشبه هذا قولهم : لا أُم لك ، لأن قوله : لا أم لك ، في مذهب : ليس لك أُمٌ حرة ، وهذا السبّ الصريح ، وذلك أن بني الإماء عند العرب مَذْمُومون لا يَلحقون ببني الحرائر ، ولا يقول الرَّجلُ لصاحبه : لا أُم لك ، إلا في غضبه عليه مُقصِّراً به شاتماً له.

قال : وأما إذا قال : لا أَبا لك ، فلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئاً.

يم : الليث : اليَمُ : البَحر الذي لا يُدْرك قَعْره ولا شَطّاه.

ويقال : اليَمُ : لُجّته.

ويُمَ الرَّجُل ، فهو مَيْمُوم ، إذا وقع في البَحر وغَرِق فيه.

ويُقال : يُمَ الساحلُ ، إذا طَما عليه البحرُ فغَلَب عليه.

قلت : اليَمّ : البَحر ، وهو معروف ، وأصله بالسُّريانية ، فعرّبته العرب ، وأصله : «يَماً».

ويقع اسم «اليم» على ما كان ماؤه مِلْحاً زُعافاً ، وعلى النَّهر الكبير العَذْب الماء.

وأُمرت أُم مُوسى حين وَلدتْه وخافت عليه فِرعون أن تجعله في تابوت ثم تَقذفه في اليَمّ ، وهو نَهر النّيل بمصر ، وماؤه عَذب ؛ قال الله تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ بِالسَّاحِلِ) [طه : ٣٩] فجعل له ساحلاً ؛ وهذا كله دليلٌ على بُطلان قول الليث في «اليم» : إنه البحر الذي لا يُدرك قَعْره ولا شَطَّاه.

وأما «اليمام» من الطَّير ، فإن أبا عُبيد قال : سمعتُ الكسائي يقول : اليمَام : من الحَمام التي تكون في البُيوت ، والحمام : البرّي.

قال : وقال الأصمعي : اليمام : ضَرْب من الحمام ؛ بَرِّي.

وأما «الحمام» فكُل ما كان ذا طَوق ، مثل القُمْريّ والفاختة.

وقال غيره في «اليمامة» وهي القرية التي قَصبتها : حَجْر ، يقال : إن اسمها فيما خَلا كات «جَوًّا» فسُمِّيت : يمامة باسم امرأة كانت تَسكنها ، واسمها «يمامة» ، والله أعلم.

أما : قال الليث : الأمَة : المرأة ذاتُ العُبوديّة.

وقد أَقرّت بالأُمُوَّة.

وقال غيره : يُقال لجمع «الأمة» : إماء ، وإمْوان ، وثلاث آمٍ ، وأَنْشد :

تَمْشي بها رُبدُ النَّعا

مِ تَماشِيَ الآم الزَّوافِر

٤٦٠