وقال أَبُو النَّجْم :
* فاليَوْمُ يَوْمُ تفاضُلٍ وبَذَاء*
وقال اللَّيْثُ : بُذِىء الرَّجُل ، إذا ازْدُرِي.
وامْرأَة بَذيئة ، ورَجُل بَذِيٌ : بَيِّن البَذَاءة ؛ وأَنشد :
* هَذْرَ البَذيئةِ لَيْلَها لم تَهْجَع*
ويُقال : بَذَأَتْ عَيْني فلاناً تَبْذؤُه بذَاءة ، إذا لم تَقْبَله ورأَت منه حالاً كَرِهَتْها.
وقال الشَّعْبِي : إذا عَظُمت الحَلْقَةُ فإنّما هي بِذَاء ونِجَاء.
وقيل : البِذَاء : المُبَاذاة ، وهي المُفَاحشة.
يقال : باذَأْتُه بِذَاءً ومُباذأَة. والنِّجَاء : المُنَاجاة.
أَبو زَيد : بَذَأْتُه عَيْني بَذْءاً ، إذا أُطرِيَ لك وعِندك الشّيء ثم لم تره كذلك ، فإذا رأَيْتَه كما وُصف لك ، قُلْتَ : ما تَبْذَؤُه العَيْن.
بوذ : سَلمة ، عن الفَرّاء : باذ الرَّجُلُ ، إذا افْتَقَر ، وبَذُؤ ، إذا ساء خُلُقه.
ثَعلب ، عن ابن الأعرابيّ : باذ يَبُوذ بَوْذاً ، إذا تَعَدَّى على الناس.
[باب الذال والميم]
ذ م (وايء)
ذام ، ذأَم ، ذمى ، وذم ، مذي ، ومذ ، موذ ، ميذ.
ذيم : أَبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ : ذامَه يَذِيمه ذَيْماً ، إذا عابَه.
ذأم : قال أَبو عُبَيد : ذَأَمْت الرّجُلَ : جَزَيْتُه.
وقال ثَعلب : ذَأَمْته : عِبْتُه ، وذَأَمْته ، أَكثر من ذَممته.
الأصْمعِي : ذَأَمْته ، ودأَمته ، إذا حَقّرته وخَزَيته.
أَبو زَيْد : ذَأَمتُه ، أَذْأَمه ، إذا حَقّرتَه وذَمَمْته.
اللِّحياني : ذَأَمتُه وذَأَيْته ، إذا طَرَدتَه ؛ قال الله تعالى : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) [الأعراف : ١٧] قال : مَنْفِيّاً.
و (مَدْحُوراً) : مَطْرُوداً.
ذمى : أَبو عُبَيد : الذَّمَاء : بَقِيَّة النّفْس ؛ وقال أَبو ذُؤَيب :
فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنّ فهاربٌ |
بذَمَائه أَو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ |
قال : ويُقال مِن الذّمَاء : قد ذَمِي يَذْمَى ، إذا تَحَرَّك.
والذَّمَاء : الحَركة.
وقال شَمِرٌ : يُقال : الضَّبُّ أَطْوَلُ شَيْءٍ ذَمَاءً.
أَبو نَضْر ، عن الأصْمعيّ : ذَمَى العَلِيلُ يَذْمِي ذَمْياً ، إذا أَخذه النَّزْعُ فطال عليه عَلَزُ المَوْت ، فيُقال : ما أَطْوَلَ ذَمَاءَه.
قال : وذَمَى الحَبَشِيُّ في أَنْف الرَّجُل بصُنَانِه يَذْمِي ذَمْياً ، إذا آذَاه بذلك ؛ وأَنشد أَبو زيد :
يا رِيحَ بَيْنُونَةَ لا تَذْمِينا |
جِئْتِ بأَرْوَاحِ المُصَفَّرِينَا |
قال أَبُو زَيد : ذَمَتْه الرِّيحُ تَذْمِيه ذَمْياً ، إذا قَتَلَتْه.
وقال أَبُو مالك : ذَمَت في أَنْفِه الرِّيحُ ، إذا طارت إلى رأْسِه ، وأَنكر قولَ أَبي زَيْدٍ.
قال : ويُقال : ضَرَبه ضَرْبةً فَأَذْماه ، إذا أَوْقذَه وتَركه برَمَقِه.
ويُقال : أَذْمِي الرّامِي رَمِيَّته ، إذا لم يُصِب المَقْتَلَ فَيُعَجِّلَ قَتْلَه ؛ وقال أُسامةُ الهُذَليّ :
أَنابَ وقد أَمْسَى على المَاءِ قَبْله |
أُقَيْدِرُ لا يُذْمِي الرّمِيَّةَ راصد |
أَنابَ ، يَعني الحِمار أَتى الماءَ.
وقال آخَرُ :
وأَفْلَتَ زيدُ الخيلِ مِنّا بِطَعْنةٍ |
وقد كان أَذْماه فَتى غيرُ قُعْدُدِ |
أَبو عُبَيد ، عن الفَرّاء ، قال : الذَّميَان ، والقَدَيَان : الإسراعُ ؛ يقال : قَدَى يَقْدِي ، وَذَمَى يَذْمِي.
وقال ابْنُ الأنْبَاريّ : الذَّمَى : الرِّيحُ المُنْتِنَة ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالياء.
وَذَمَتْهُ ريحُ الجِيفَةِ ، تَذْمِيه ذَمْياً.
قال : والذَّمَاءُ : ضَرْبٌ من المشْيِ ، أَو السّيْرِ.
يُقال : ذَمَى يَذْمِي ذَماءً ، مَمْدُود.
قال خِدَاش بنُ زُهَير :
سيُخْبِرُ أَهلُ وَجٍّ مَن كَتَمْتُم |
وتَذْمِي مَن أَلَمّ بها القُبُورُ |
هذا مِن ذَمَاء رِيح الجِيفة ، إذا أَخَذَت بِنَفَسه.
وقال البَعِيثُ :
إذا البيضُ سافَتْه ذَمَى في أُنُونها |
صُنَانٌ ورِيحٌ من رُغَاوَة مُخْشِمِ |
قوله : ذَمَى ، أَي بَقي في أُنُوفها.
ومُخْشِم : مُنْتِن.
وذم : أَبو عُبَيْد ، عن الأصْمعيّ : يُقال للسُّيُور التي بَين آذان الدِّلَاء والعَرَاقِيّ : وَذَم.
قال : وقال الكِسَائيّ : وَذَمْتُ الدَّلْوَ ، إذا شَدَدْتَ وَذَمَها.
ابن بُزُرْجَ : دَلْوٌ مَوْذُومَةٌ : ذاتُ وَذَم.
وسَمِعْتُ العَرب تقول للدَّلْو إذا انْقَطعَ سُيور آذانها : قد وَذِمَت الدَّلْو تَوْذَم ؛ فإذا شَدُّوها إليها قالوا : أَوْذَمْتُها.
وفي حَديث عليّ عليهالسلام : لئن وَلِيت بني أُمَيَّة لأنْفَضَنَّهم نَفْضَ القَصّاب الوِذَامَ التَّربَة.
قال : والوِذَام ، واحدتها وَذَمَة ، وهي الحُزَّة مِن الكَرِشِ أَو الكَبِد.
قال : ومن هذا قِيل لسُيور الدِّلاء : وَذَم ؛ لأَنها مُقَدَّدة طِوَال.
قال : والتَّرِبَة : التي سَقَطت في التُّراب فَتَتَرَّبت ، فالقَصّاب يَنْفُضها.
قال : وقال أَبو عُبَيدة نحو ذلك ، قال : واحدة الوِذَام : وَذَمة ، وهي الكَرِش ، لأنها مُعَلَّقة.
ويُقال : هي غَيْرُ الكَرِش أَيضاً مِن البُطون.
وقال الأصمعيّ : الموَذّمة من النُّوق : التي يَخرج في حَيائها لَحْمٌ مِثْل الثآلِيل فَيُقطع ذاك منها ، فيقال : وَذّمْتُها.
قُلت : وسَمِعْتُ العَرب تقول لأشيَاء مِثل الثآليل تَخْرُج في حَياء النَّاقة فلا تَلْقَح مَعَها إذا ضَربها الفَحْل : الوَذَم ، فَيعْمد رَجُلٌ رفيقٌ ويأَخذ مِبْضَعاً لَطِيفاً ويُدْخِل يَدَه في حَيَائها فيَقْطع الوَذَم ، فيقال : قد وَذّمها. والذي يفعل ذلك مُوَذِّم ، ثم يَضربها الفَحْل بعد التّوْذيمِ فتَلْقَح.
وقال شَمِرٌ : يُقال للدَّلْو : قد وَذِمَتْ ، إذا انقطع وَذَمُها ؛ وأَنْشد :
أَخَذِمَتْ أَمْ وَذِمَتْ أَم مالها |
أَم غالَها في بِئْرها ما غالَها |
قال : وامْرأَةٌ وَذْماء ، وفَرَسٌ وذَمْاء ، وهي العاقِر.
وقال أَبُو زَيْد ، وأَبُو عُبَيدة : الوَذَمة : قُرْنة الكَرِش ، وهي زاويةُ الكَرِش شِبْه الخَريطة.
قال : وقُرْنَةُ الرّحِم : المَكان الذي يَنْتهي إليه الماءُ في الرَّحِم.
قال : ويُقال في قَوله : «نَفْض القَصّاب التُّراب» : إنَّ أَصْل التُّراب ذِراع الشاة.
وأَراد بالقَصّاب السَّبُع. والسّبُع إذا أَخذ شاة قَبض على ذلك المكان فَنَفض الشاة.
قال : والوَذَمَة في حَيَاء الناقة : زيادةٌ في اللَّحم تَنْبُت في أَعلى الْحَيَاء عند قَرْء الناقة ، فلا تَلْقح إذا ضَرَبها الفَحْل.
ويقال للمَصِير أَيضاً : وَذَم.
قال : وقال أَبو سعيد : الكُروش كُلُّها تُسَمَّى تَرِبة. لأنها يَحْصُلُ فيها التُّراب مِن المَرْتع.
والوَذَمة : التي أُخمل باطنُها ، والكُروش وَذَمةٌ لأنها مُخْمَلة. ويُقال لِخَمْلِها : الوَذَم. فيقول : لَئن ولِيتُهُم لأطهِّرنَّهم من الدَّنَس ولا طَيِّبنَّهم بعد الْخَبَث.
ثَعلب ، عن ابن الأَعْرَابيّ : أَوْذَمْتُ يَمِيناً ، أَو أَبْدَعْتُها ، أي أَوْجَبْتُها ؛ وقال الرَّاجِزُ :
لا هُمّ إنْ عامِرَ بنَ جَهْمِ |
أَوْذَمَ حَجّاً في ثِيَابٍ دُسْمِ |
يَعْنِي أنه أَحرم بالحجّ وهو مُدَنَّسٌ بالذُّنُوب.
عمرٌو ، عن أبيهِ : الوَذيمة : الهَدْي ؛ وجَمْعُها : وذَائِم.
وقد أَوْذَم الهَدْيَ ، إذا عَلَّق عليه سَيْراً أو شيئاً يُعْلِمه به فَيُعْلَم أنّه هَدْيٌ فلا يُعْرَض له.
ورُوِي عن أَبي هُرَيرة أنّه سُئل عن صَيْد الكَلْب فقال : إذا وَذَّمْتَه أَرْسَلْتَه وذَكَرْت
اسْم الله عليه فكُلْ ما أَمْسك عليك.
وتَوْذِيم الكَلْب أن يُشَدّ في عُنُقه سَيْرٌ يُعْلَم به أنّه معلَّم مُؤدَّب.
وقيل : أراد بتَوْذِيمه أنْ لا يَطْلب الصَّيْدَ بغير إرسال ولا تَسْمِية ، وهو مَأْخُوذ من الوَذَم ، وهي السُّيُور التي تُقَدّ طُولاً.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : وَذَّمْتُ على الخَمسين ، وأوْذَمَت عليها ، إذا زِدْتَ عليها.
مذي : في حديث النَّبيّ صلىاللهعليهوسلم أَنه قال : «الغَيْرةُ من الإيمان والمِذَاء من النِّفَاق».
قال أبو عُبَيْدة : المِذَاء : أن يُدْخِل الرَّجُلُ الرِّجالَ على أَهله ، وهو مَأخُوذ من المَذْي.
يعني يَجْمع بين الرجال والنِّساء ثم يخَلِّيهم يُماذِي بعضُهم بعضاً مِذَاءً.
قال : وقال بعضُهم : أمْذَيْتُ فرسِي ، إذا أَرْسَلْتَه يَرْعَى ، ويقال : مَذَيْتُه.
ثَعلب ، عن ابن الأعرابيّ : أَمْذى الرَّجُل ، إذا قاد على أَهْلِه.
وأمْذَى ، إذا أَشْهد.
وهو المَذْي ، والمَذَى ، مثل العَمَى.
يقال : مَذَى ، وأمذَى ، ومذَّى ، والأول أَفْصحها ؛ ومنه حديثُ عليّ رضياللهعنه : كُنت رَجُلاً مَذَّاءً فاستَحَيْتُ أن أسأل النبيَّ صلىاللهعليهوسلم ، فأمرتُ المِقدادَ فسأله. فقال : «فيهِ الوُضُوء».
والمَذَّاء ، فَعَّال ، من مَذَى يَمْذِي ، لا من أَمذَى ، وهو الذي يَكْثُر مَذْيُه.
قال أبو سَعِيد فيما جاء في الحديث : هو المَذَاء بفتح الميم. قال والمَذَاء : الدِّيَاثة.
والدَّيُّوث : الذي يُدَيِّث نَفسه على أَهله فلا يُبالي ما يُنال منهم ؛ يقال : داث يَدِيث ، إذا فَعل ذلك ، يقال : إنه لدَيُّوث بَيّن المَذَاء. قال : وليس من المَذْي الذي يَخْرُج من الذَّكَر عند الشَّهوة.
قلت : كأنه من : مَذَيْت فرسي ، وأَمْذَيته ، إذا أَرْسلته يَرْعَى.
أبو عُبَيد ، عن الأموي : مَذيت وأمذيتُ ، وهو المَذِيّ ، مشدّد ، وَغَيره يُخَفِّف.
وقال أبو عُبَيدة : المَنيِّ ، وَحْدَه مُشدَّد ؛ والمَذْي والوَدْي ، مُخَفَّفان.
وقال ابن الأَعْرابيّ : هو الوَذِيّ والوَدِيّ ، وقد وَذى وأَوْذَى ووَذَّى ، وهو المَنَيّ والمَنْي.
قال : والمِذَى : المَرَايَا ؛ واحدتُها مَذْيَةٌ ؛ وتُجْمَع : مَذْياً ، ومَذَيات ، ومِذًى ، ومِذَاء.
وقال أبو كَبِير الهُذليّ في «المَذِيّة» ، فَجعلها على فَعِيلة :
وبَياضُ وَجْهِك لم تَحُلْ أَسْرَارُه |
مِثْلُ المَذِيّة أو كشَنْفِ الأنْضَرِ |
وقال في تَفسيره : المَذِيّة : المِرْآة.
ويُرْوَى : مِثل الوَذِيلة.
شَمِرٌ : قال أبو عَمْرو : الماذيّة من الدُّرُوع : البَيْضاء ؛ ومنه قيل : عَسَلٌ ماذِيّ ، إذا كان ليِّناً ، وسُمِّيت الخَمْرُ سُخَاميَّة ، لِلِينها أيضاً.
ويقال : شَعَرٌ سُخَامٌ ، إذا كان ليِّناً.
وقال ابن شُمَيل وأبو خَيْرة : الماذِيّ : الحَدِيدُ كُلُّه : الدِّرْع والمِغْفَر والسِّلاح أَجْمَع ، ما كان مِن حَديد فهو ماذيّ ؛ (دِرْعٌ ماذِيَّة) (١).
وقال عَنْتَرَة :
يَمْشُون والماذِيّ فَوْق رُؤُوسِهم |
يَتَوَقَّدون تَوَقُّد النَّجْمِ |
ويُقال : الماذِيّ : خالصُ الحَدِيد وجَيِّده.
وقال اللَّيْثُ : المَذْيُ : أَرَقُّ ما يَكون من النُّطْفَة.
ومذ : ثَعلب ، عن ابن الأعرابيّ : الوَمْذَة : البَياضُ النَّقِيّ.
موذ : وماذ ، إذا كَذَب.
والمائذُ : الكَذَّاب.
قال : والماذُ : الحَسنُ الخُلُقِ الفَكِه النّفْس الطَّيّب الكَلَام.
قال : والمادُ ، بالدال : الذَّاهب والجائي في خِفّة.
ميذ : وقال اللَّيْثُ : المِيذُ : جِيلٌ من الهِنْدِ ، بمنزلة التُّرْكِ يَغْزُون المُسْلِمين في البَحْر.
__________________
(١) ما بين القوسين متقدم على قول ابن شميل وأبي خيرة في «اللسان» (مذى) وفيه : «درعٌ ماذية : سهلة لينة ، وقيل : بيضاء».
باب لفيف حرف الذال
ذا ، ذأي ، وذا ، ذوى ، ذيت ، و (ذية) ، وذذ ، [أذى ، ذيا ، وذأ ، ذأذأ ، أذي].
ذا : قال أبو العبّاس أحمد بن يَحيى ، ومحمد بن يَزيد : ذا ، يكون بمَعْنى : هذا ؛ ومنه قوله تعالَى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥].
ويكون بمعْنى «الّذي».
قالا : ويُقَال : هذا ذو صَلاح ، ورَأيتُ هذا ذا صلاح ، ومَرَرْت بهذا ذي صَلاح ؛ ومَعْناه كلّه : صاحب صَلَاح.
وأَخْبرني المُنْذِريّ عن أبي الهَيْثَمِ أنه قال : ذا ، اسم كُلِّ مُشارٍ إليه مُعَايَنٍ يَراه المُتكلِّم والمُخاطَب.
قال : والاسم مِنها «الذال» وَحْدَها ، مَفْتوحة.
وقالوا : الذال وحدها هو الاسم المُشار إليه ، وهو اسم مُبْهم لا يُعْرف ما هو حتى يُفَسَّر بما بَعده ؛ كقولك : ذا الرَّجُل ، ذا الفَرس ، فهذا تفْسير «ذا». ونَصْبه ورَفْعه وخَفْضه سَوَاء.
قال : وجعلوا فتحة الذال فَرْقاً بين التَّذكير والتأنيث ، كما قالوا : ذا أخوك.
وقالوا للأنثى : ذي أختك ، فكسروا الذال في الأنثى. وزادُوا مع فتحة الذالِ في المذكَّر ألفاً ، ومع كَسرتها للأنثى ياءً ، كما قالوا : أنتَ وأنتِ.
وأفادني غيرُه عن أبي حاتم عن الأصمعيّ أنه قال : العربُ تقول : لا أُكلِّمك في ذي السَّنة ، وفي هذي السنة. ولا يُقال : في ذا السَّنَة ، وهو خطأ ، إنما يقال : في هذه السَّنة ، وفي هذي السنة ، وفي ذي السَّنة.
وكذلك لا يُقال : أدْخُل ذا الدار ، ولا ألبس ذا الجُبة ، إنما الصواب : أدخل ذِي الدَّار ، وأَلبس ذي الجُبّة.
ولا يكون «ذا» إلا لمذكَّر ؛ يقال : هذه الدار ، وذي المرأة.
ويقال : دَخَلْت تلك الدار ، وتيك الدار ؛ ولا يقال : ذيك الدار.
وليس في كلام العرب «ذيك» ألبتّة.
والعامة تُخطىء فيه فتقول : كيف ذيك المرأة؟ والصواب : كيف تيك المرأة ؛ وأَنْشد المُبرِّد :
أمِن زَيْنبَ ذي النّارُ |
قُبَيل الصُّبْح ما تَخْبُو |
|
إذا ما خَمَدت يُلقَى |
عليها المَنْدَلُ الرّطْبُ |
قال أبو العبّاس : ذي ، معناه : ذه ؛ يُقال : ذا عبد الله ، وذي أَمَة الله ، وذه أَمَة الله ، وته أَمَة الله ؛ وتا أَمَة الله.
قال : ويقال : هذي هِنْد ، وهاته هند ، وهاتا هند ، على زيادة «ها» التَّنبيه.
قال : وإذا صَغّرت «ذه» قلت : تيّا ، تَصْغير «ته» أو «تا» ؛ ولا تُصَغر «ذه» على لفظها ، لأنك إذا صَغّرت «ذا» قلت «ذيّا» ولو صغَّرت «ذه» لقلت «ذيّا» ، فالْتَبس المذكّر ، فصغروا ما يخالف فيه المؤنَّثُ المذكَّرَ.
قال : والمبهمات يُخالف تصغيرها تصغيرَ سائر الأسْماء.
تفسير ذاك ، وذلك
قال أبو الهَيْثم فيما أَخْبرني عنه المُنْذريّ : إذا بَعد المُشار إليه من المُخاطب ، وكان المُخاطب بعيداً ممّن يُشير إليه ، زادوا كافاً ، فقالوا : ذاك أخوك. وهذه الكاف ليست في موضع خَفْض ولا نَصْب ، إنما أشبهت كاف قولك «أخاك» و «عصاك» فتوهّم السامعون أن قَول القائل : ذاك أخوك ، كأنّها في مَوضع خَفْض لإشْباهها كاف «أخاك». وليس ذلك كذلك ، إنما تلك كاف ضُمّت إلى «ذا» لبُعد «ذا» من المُخاطب ، فلمّا دخل فيها هذا اللَّبس زادوا فيها لاماً ، فقالوا : ذلك أخوك ؛ وفي الجماعة : أولئك إخوتك. فإن اللام إذا دخلت ذهبت بمَعْنى الإضافة.
ويُقال : هذا أخوك ، وهذا أخ لك ، وهذا لك أخ ، فإذا أُدخلت اللام فلا إضافة.
قال أبو الهَيْثم : وقد أعلمتك أن الرفع والنَّصب والخفض في قوله : «ذا» سواء ، تقول : مررت بذا ، ورأيت ذا ، وقام ذا ، فلا يكون فيها علامة رَفْع الإعراب ولا خَفضه ولا نَصبه ، لأنه غير متمكِّن ، فلما ثَنَّوا زادوا في التَّثْنية نوناً فأبقوا الألف ، فقالوا ، ذان أخواك ، وذانك أخواك ؛ قال الله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) [النساء : ١٧٣].
ومن العرب من يُشَدِّد هذه النون فيقول : ذانِّك أخواك. وهم الّذين يَزيدون اللام في «ذاك» فيقولون : ذلك ، فجعلوا هذه التشديدة بدل اللام.
وأَخْبرني المُنْذريّ ، عن أبي العبّاس ، قال : قال الأخْفَش في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) [النساء : ١٧٣] قال : وقرأ بعضهم «فذانِّك برهانان» ، قال : وهم الذين قالوا : ذلك ، أدخلوا التثقيل للتأكيد ، كما أدخلوا اللام في «ذلك».
قال أبو العبّاس : وقال الفَرّاء : وشدّدوا هذه النّون ليُفْرق بينها وبين النُّون التي تَسْقط للإضافة ، لأنّ «هذان» و «هاتان» لا تُضاف.
وقال الكِسائيّ : هي من لغة من قال : هذا
أقال ذلك ، فزادوا على الألف ألفاً ، كما زادوا على النون نوناً ، ليفصل بينها وبين الأسماء المتمكِّنة.
وقال الفرّاء : اجتمع القُرّاء على تخفيف النون من «ذانك» ، وكثير من العرب يقول : فذانك قائمان ، وهذان قائمان ، واللَّذان قالا ذلك.
وقال أبو إسحاق : فذانك ، تثنية «ذاك» ، وذانَّك ، تثنية ذلك ، يكون بدل اللام في ذلك تشديد النون في «ذانك».
وقال أبو إسحاق : الاسم من «ذلك» : ذا ، و «الكاف» زيد للمخاطبة ، فلا حظّ لها في الإعراب.
قال سيبويه : لو كان لها حظٌّ في الإعراب لقلت : ذلك نَفْسك زيد ، وهذا خطأ.
ولا يجوز إلا : ذلك نفسه زيد ، وكذلك ذانك ، يشهد أن الكاف لا موضع لها ، ولو كان لها موضع لكان جرّاً بالإضافة ، والنون لا تدخل مع الإضافة ، واللام زيدت مع ذلك للتوكيد ، تقول : ذلك الحق ، وهذاك الحق. ويقبح : هذالك الحق ؛ لأن اللام قد أكدت مع الإشارة وكُسرت لالتقاء الساكنين ، أعني الألف من «ذا» ، واللام التي بعدها كان ينبغي أن تكون اللام ساكنة ، ولكنها كُسرت لما قلنا.
تفسير هذا
أخبرني المُنذريّ ، عن أبي الهَيْثم أنه سَمِعه يقُول : ها ، ألا ، حرفان يُفتتح بهما الكلام لا مَعنى لهما إلا افتتاح الكلام بهما ، تقول : هذا أخوك ، فها ، تنبيه ، وذا ، اسم المشار إليه ، وأخوك هو الخبر.
قال : وقال بعضُهم : «ها» ، تنبيه تفتح العرب الكلام به ، بلا مَعنى سوى الافتتاح ، ها إن ذا أخوك ، وألا إن ذا أخوك.
قال : وإذا ثَنّوا الاسم المبهم قالوا : تان أختاك ، وهاتان أختاك ، فرجعوا إلى «تا».
فلما جمعوا قالوا : أولاء إخوتك ، وأولاء أخواتك ، ولم يفرقوا بين الأنثى والذكر بعلامة.
قال : وأولاء ، ممدودة مقصورة : اسم لجماعه : ذا ، وذه ، ثم زادوا «ها» مع أولاء ، فقالوا : هؤلاء إخوتك.
وقال الفَرّاء في قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) [آل عمران : ١١٩] : العَربُ إذا جاءت إلى اسم مَكنيّ قد وُصف بهذا وهذان وهؤلاء ، فَرّقوا بين «ها» ، وبين «ذا» وجعلوا المكنيّ بينهما ، وذلك في جهة التَّقْريب لا في غيرها ، ويقُولون : أين أنت؟ فيقول القائل : ها أنا ذا. فلا يكادون يقولون : ها أنا ، وكذلك التَّنْبيه في الجمع.
ومنه قوله عزّ وجَلّ : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)
[آل عمران : ١١٩] ، وربما أعادوها فوصلوها ب : ذا ، وهذا ، وهؤلاء ، فيقولون : ها أنت ذا قائما ، وها أنتم هؤلاء.
قال الله تعالى في سورة النِّساء : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [١٠٨].
قال : فإذا كان الكلام على غير التَّقريب ، أو كان مع اسم ظاهر ، جَعلوها مَوْصولةً ب «ذا» ، فيقولون : ها هو ، وهذان هما ، إذا كان على خبر يَكْتفي كُلُّ واحد منهما بصاحبه بلا فِعل ، والتَّقْريب لا بُدّ منه من فِعل لنُقْصانه ، وأَحَبّوا أن يُفرّقوا بذلك بين التَّقريب وبين مَعْنى الاسم الصَّحيح.
وقال أبو زيد : بنو عُقيل يقولون : هؤلاء ـ ممدود مُنوَّن مَهْموز ـ قومك ، وذهب أمسٍ بما فيه ، بتنوين.
وتميم تقول : هؤلاء قومُك ، ساكِن.
وأهل الحجاز يقولون : هؤلاء قومك ، مَمدود مَهْموز مَخْفوض.
قال : وقالوا : كِلْتَاتَيْن ، وهاتَين ، بمَعنى واحد.
وأما تأنيث «هذا» فإنّ أبا الهيثم قال : يُقال في تأنيث «هذا» هذه ، مُنطلقة ، فَيصلون ياء بالهاء.
وقال بعضُهم : هذي ، مُنطلقة ، وتِي ، مُنْطلقة ، وتا ، مُنْطلقة.
وقال كَعب الغَنَوِيّ :
وأنْبَأْتُمانِي أنّما الموتُ بالقُرَى |
فكيف وهاتَا رَوْضةٌ وكَثِيبٌ |
يُريد : فكيف وهذه؟
وقال ذو الرُّمَّة في «هذا» و «هذه» :
فهذي طَواها بُعْد هَذِي وهذه |
طَواها لهَذِي وَخْدُها وانْسِلَالُها |
قال : وقال بعضُهم : «هذاتُ» ، مُنطلقة ، وهي شاذّة مَرْغوب عنها.
قال : وقالوا : تيك ، وتلك ، وتالك ، مُنطلقة ؛ وقال القُطاميّ :
تعَلّم أنّ بعد الغَيّ رُشْداً |
وأنّ لتالك الغُمرَ انْقِشَاعا |
فصيّرها «تالك» ، وهي مقُولة.
وإذا ثَنّيت «تا» ، قلت : تانِك فَعَلَتا ذلك ، وتانِّك فَعَلتا ذاك ، بالتَّشديد.
وقالوا في تَثنية «الذي» : اللّذانِ واللّذانّ ، واللّتانِ واللتانّ.
وأما الجمع فيقال : أولئك فَعلوا ذلك ، بالمدّ ، وأولاك ، بالقَصْر ، والواو ساكنة فيهما.
تَصْغير ذا ، وتا ، وجمعهما
أَهْل الكوفة يُسمُّون : ذا ، وتا ، وتلك وذلك ، وهذا ، وهذه ، وهؤلاء ، والّذي والذين ، والتي ، واللاتي : حُروفَ المُثُل.
وأَهْلُ البَصرة : يُسمّونها حُروفَ الإِشارة ،
والأَسْماء المُبْهمة.
فقالوا في تَصْغير «هذا» : ذَيّا ، مثل تصغير «ذا» ، لأن «ها» تَنبيه ، و «ذا» إشارة وصفةٌ ومِثالٌ لاسم مَن تُشير إليه.
فقالوا : وتصغير «ذلك» : ذيّا ، وإن شئت : ذيّالك. فمن قال : «ذيّا» زعم أن اللام ليست بأصلية ، لأن معنى «ذلك» : ذاك ، والكاف كاف المُخاطب. ومن قال : ذيّالك ، صَغَّر على اللفظ.
وتَصغير «تلك» : تيّا ، وتَيّالك.
وتصغير «هذه» : تَيّا.
وتصغير «أولئك» : أُوليّا.
وتصغير «هؤلاء» : هؤليّا.
قال : وتصغير «اللاتي» مثل تصغير «التي» ، وهي : اللّتَيَّا.
وتصغير «اللاتي» : اللّوَيّا.
وتصغير «الذي» : اللّذَيّا ؛ و «الذين» : اللّذَيُّون.
وقال أبو العبّاس أحمدُ بنُ يحيى : يُقال للجماعة التي واحدتها مؤنّثة : اللاتي ، واللائي ، والجماعة التي واحدها مذكّر : اللائي ، ولا يُقال : «الّلاتي» إلا للتي واحدتها مؤنثة ؛ يقال : هُنّ الّلاتي فَعَلْن كذا وكذا ، والّلائي فعلن كذا ؛ وهم الرجال الّلائي والّلاءُون فَعَلوا كذا وكذا ، وأَنشد الفَرّاء :
همُ الّلاءُون فَكَّوا الغُلَّ عنِّي |
بِمَرْو الشّاهِجانِ وهُمْ جَنَاحِي |
وقال الله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) [النساء : ١٥].
وقال في مَوضع آخر : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤].
ومنه قولُ الشاعر :
من الّلائي لم يَحْجُجْنَ يَبْغِين حِسْبَةً |
ولكنْ ليَقْتُلْنَ البَرِيء الْمُغَفَّلَا |
وقال العجَّاج :
بَعْدَ اللّتَيَا واللَّتّيّا والّتي |
إذا عَلتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ |
يُقال : إذا لَقِيَ منه الجَهد والشِّدة. أراد : بعد عَقَبة من عِقاب الموت مُنْكرة ، إذا أَشْرَفت عليها النفس تردَّت ، أي هَلكت.
وقَبْله :
إلى أَمَارٍ وأَمَارِ مُدَّتي |
دافَع عنِّي بنَقير مَوْتتِي |
|
بَعد اللتيّا واللَّتّيّا والتي |
إذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَردَّتِ |
|
فارتاح ربِّي وأراد رَحْمتي |
ونِعمةً أتمّها فتمَّتِ |
وقال اللَّيْثُ : «الذي» تعريف «لذْ» و «لِذَى» فلما قصُرَت قَوّوا الّلام بلامٍ أُخرى.
ومن العَرب مَن يحذف الياء فيقول : هذا اللَّذْ فَعل كذا ، بتسكين الذال ؛ وأَنشد :
* كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصْطِيدا*
والاثنين : هذان اللذان ، وللجميع : هؤلاء الذين.
قال : ومنهم من يقُول : هذان اللّذا.
فأما الذين أَسكنوا الذال وحذفوا الياء التي بعدها فإنّهم لما أَدخلوا في الاسم لام المَعرفة طَرحوا الزّيادة التي بعد الذال وأُسكنت الذال ، فلما ثَنَّوْا حذفوا النون فأدخلوا على الاثنين لحذف النُّون ما أَدخلوا على الواحد بإسكان «الذال» ، وكذلك الجميع.
فإن قال قائلٌ : ألا قالوا : اللَّذُو ، في الجمع بالواو؟ فقُل : الصواب في القياس ذلك ؛ ولكن العرب اجتمعت على «الذي» بالياء ، والجر والنصب والرفع سواء.
وأنشد :
إنّ الذي حانتْ بفَلْجٍ دِماؤُهم |
همُ القومُ كلُّ القوم يا أمَّ خالدِ |
وقال الأخْطل :
أَبَنِي كُلَيْبٍ إن عَمَّيَّ اللّذا |
قتَلا الملوكَ وفكّكَا الأغْلَالا |
وكذلك يقولون : اللّتا ، والتي. وأنشد :
* هما اللّتا أَقْصَدني سَهْماهُما*
وقال الخليلُ وسِيبَويه ، فيما رواه أبو إسحاق لهما : إنهما قالا : «الذين» لا يَظهر فيها الإعراب ، تقول في النَّصب والرفع والجر : أتاني الذين في الدار ، ورأيت الذين في الدار ، ومررت بالذين في الدار ، وكذلك : الذي في الدار.
قالا : وإنّما مُنِعا الإعراب لأنّ الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء ، و «الذي» و «الذين» مُبهمان لا يَتِمّان إلا بصِلاتهما ، فلذلك مُنِعا الإعراب. وأصل «الذي» : «لذ» ـ فاعلم ـ على وزن «عم».
فإن قال قائل : فما بالك تقول : أتاني اللذان في الدار ، ورأيت الذين في الدار ؛ فتُعرب ما لا يُعْرب في الواحد في تَثْنِيَته ، نحو : هذان ، وهذين ؛ وأنت لا تُعربُ «هذا» و «لا هؤلاء»؟
فالجواب في ذلك أن جميع ما لا يُعْرب في الواحد مُشَبَّه بالحرف الذي جاء لمعنًى ، فإن ثَنَّيْته فقد بَطَل شَبَهُ الحَرْف الذي جاء لمعنى ، لأنّ حروف المعاني لا تُثَنّى.
فإن قال قائلٌ : فلِمَ مَنَعتْه الإعراب في الجمع؟.
قلتُ : لأنّ الجَمْع ليس على حدّ التَّثْنية كالواحد ، ألا تَرى أنّك تَقُول في جَمْع «هذا» : هؤلاء يا فتى ، فجعلته اسماً للجمع ، فَتبْنيه كما بَنَيْتَ الواحد.
ومَن جَمع «الذين» على حد التَّثْنية قال : جاءني الَّذُون في الدار ، ورأيتُ الّذين في الدّار. وهذا لا يَنبغي أن يقع ؛ لأنّ الجَمع يُسْتَثنى فيه عن حدّ التَّثْنية ، والتَّثْنية
ليس لها إلا ضَرْبٌ واحد.
ثَعلب ، عن ابن الأعْرابيّ : الأُلَى : في معنى «الذين» ؛ وأَنشد :
* فإن الأُلَى بالطَّفّ مِن آلِ هاشِمِ*
قال ابنُ الأنباريّ : قال ابن قُتَيْبة في قوله عَزّ وجلّ : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧] مَعْناه : كَمثل الّذين اسْتَوْقَدُوا ناراً ؛ ف «الذي» قد يأتي مُؤدِّياً عن الْجَميع في بعض المواضع ؛ واحْتَجّ بقوله :
* إنّ الذي حانَتْ بفَلْج دِماؤهم*
قال أبو بَكر : احْتجاجُه على الآية بهذا البيت غَلَطٌ ؛ لأن «الَّذِي» في القُرآن اسمٌ واحد ربما أَدَّى عن الجَمع فلا واحدَ له ، و «الذي» في البيت جَمْعٌ واحدُه «اللَّذ» وتَثْنيته «اللذا» وجمعه «الذي».
والعرب تقول : جاءني الّذي تكلَّموا.
وواحد «الذي» : اللَّذ ؛ وأَنْشد :
يا ربّ عَبْس لا تُبارِكْ في أَحَدْ |
في قائمٍ منهم ولا فيمن قَعَدْ |
إلّا الذي قامُوا بأَطْراف المَسَدْ
أراد : الّذين.
قال أبو بكر : و «الَّذِي» في القرآن واحد ليس له واحد : و «الذي» في البيت جَمعٌ له واحد ؛ وأنشد الفَراء :
فكنتُ والأمْر الّذي قد كِيدَا |
كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيةً فاصْطِيدَا |
وقال الأخْطل :
أَبني كُلَيب إنّ عَمَّيّ اللَّذا |
قَتَلَا المُلُوكَ وفَكَّكَا الأَغْلَالا |
قال : و «الذي» يكون مؤدِّياً عن الجمع.
وهو واحد لا واحد له في مثل قَوْل الناس : أُوصي بمالي للذي غَزَا وحَجّ.
معناه : للغازين والحجّاج.
وقال الله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام : ١٥٤].
قال الفَرّاء : مَعْناه : تماماً للمُحْسنين ، أي تماماً للّذين أَحْسنوا. يَعْني أنّه تمَّمَ كتُبَهم بكتابه.
ويجوز أنْ يكون المَعنى : تماماً على ما أَحْسن ، أي تماماً للذي أَحْسَنه مِن العِلْم وكُتُب الله القديمة.
قال : ومَعْنى قوله تعالَى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧] أي مَثَلُ هؤلاء المُنافقين كَمثل رَجُلٍ كان في ظُلْمة لا يُبْصر من أَجلها ما عن يَمينه وشِماله وورائه وبَين يَدَيه ، وأَوْقد ناراً فأَبْصر بها ما حَوله من قذًى وأذًى ، فبينا هو كذلك طَفِئت نارُه فرجَع إلى ظُلْمته الأُولى ، فكذلك المُنافقون كانُوا في ظُلمة الشِّرْك ثم أَسْلموا فعرَفوا الخَيْر والشَّرَّ بالإسلام ، كما عَرف المُستوقد لما طفِئت نارُه ورَجع إلى أَمْره الأَوّل.
تفسير ذو ، وذات
قال : اللَّيْثُ : «ذُو» اسْم ناقص : وتَفسيره : صاحب ذلك ، كقولك : فلانٌ ذو مال ، أي صاحب مال ، والتَّثْنية : ذَوَان ، والجمع : ذَوُون.
قال : وليس في كلام العرب شيءٌ يكون إعرابُه على حَرْفين غير سَبع كلمات ، وهنّ : ذو ، وفو ، وأخو ، وأبو ، وحمو ، وامرؤ ، وابنم.
فأما «فو» فإنك تقول : رأيت فَا زَيْدٍ ، وهذا فُو زَيْدٍ.
ومنهم مَن يَنْصب «الفا» في كُلّ وَجْه ، قال العجّاجَ يَصف الخَمر :
* خالَط مِن سَلْمَى خَياشِيمَ وفَا*
وقال الأصمعيّ : قال بِشْر بن عُمر : قلتُ لذي الرُّمَّة : أرأيت قَوْلَه :
* خالَط مِن سَلْمَى خياشِيمَ وفَا*
قال : إنّا لنقولها في كلامنا : قبح الله ذافَا قال أبو مَنْصور : وكلامُ العرب هو الأوّل ، وذا نادِرٌ.
قال اللَّيْثُ : وتقول في تأنيث «ذو» : ذات ، تقول : هي ذات مالٍ ؛ فإذا وقفت فمنهم مَن يَدع التاء على حالها ظاهرَة في الوقُوف ، لكثرة ما جَرَت على اللِّسان ؛ ومنهم من يَرُدّ الفاء إلى هاء التأنيث ، وهو القياس.
وتقول : هي ذاتُ مالٍ ، وهما ذواتا مالٍ ، ويجوز في الشِّعر : ذاتا مالٍ ، والتَّمام أحسن ؛ قال الله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨)) [الرحمن : ٤٨]. وتقول في الجمع : الذّوُون.
قال اللَّيْثُ : وهم الأدْنَون والأوْلَوْن ؛ وأنشد للكُمَيت :
* وقد عَرَفت مَواليها الذّوِينَا*
أي الأخَصِّين ، وإنما جاءت النُّون لِذهاب الإضافة.
وتقول في جمع «ذو» : هُم ذَوُو مالٍ ، وهُنّ ذوات مال ، ومثله : أُولو مال ، وهن أُلَات مالٍ.
وتقول العربُ : لقيتُه ذا صباحٍ ؛ ولو قيل : ذاتَ صَباح ، مِثْلَ : ذاتَ يومٍ ، لَحَسُن ، لأنَّ «ذا» و «ذات» يُراد بهما وَقت مُضاف إلى اليوم والصَّباح.
وأما قولُ الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال : ١] ، فإنّ أبا العبّاس أحمد بن يحيى قال : أراد الحالة التي للبَيْن ، وكذلك أتيتُك ذاتَ العِشاء ، أراد الساعة التي فيها العِشاء.
وقال أبو إسحاق : مَعْنى : (ذاتَ بَيْنِكُمْ) : حقيقة وَصْلكم ، أي اتّقوا الله وكونُوا مجتمعين على أمر الله ورسوله.
وكذلك معنى : اللهم أصلح ذاتَ البَين ، أي أَصلح الحال التي يَجْتمع بها المُسلمون.
أبو عُبَيد ، عن الفَرّاء : يقال : لَقِيتُه ذاتَ يَوْم ، وذاتَ لَيْلة ، وذات العُوَيْم ، وذات الزُّمَيْن ، ولقيتُه ذا غَبُوق ، بغير تاء ، وذا صَبُوح.
ثَعلب ، عن ابْن الأعْرابيّ : تقول : أتيتُه ذات الصَّبُوح ، وذاتَ الغَبُوق ، إذا أَتَيته غُدْوَةً وعَشِيَّة ، وأتيته ذا صباح وذا مَساء.
قال : وأتيتُهم ذات الزُّمَيْن ، وذات العُوَيم ، أي مذ ثلاثة أزمان وأَعْوام.
وذات الشيء : حقيقتُه وخاصته.
وقال اللَّيْثُ : يُقال : قلّت ذاتُ يدِه.
قال : و «ذات» هاهنا : اسمٌ لما مَلَكت يداه ، كأنّها تَقع على الأَموال.
وكذلك : عَرَفه من ذات نَفْسه : كأنه يَعْني سَرِيرتَه المُضْمَرة.
قال : و «ذات» ناقصةٌ ، تمامُها : ذواتٌ ، مثل : نَواة ، فحذفوا منها الواو ، فإذا ثَنَّوا أَتَمُّوا فقالوا : ذواتان ، كقولك : نواتان ، وإذا ثلّثوا رَجَعوا إلى «ذات» فقالوا : ذَوَات ، ولو جَمعوا على التّمام لقالوا : ذَوَيَات ، كقولك : نَوَيات ، وتصغيرها : ذُوَيّة.
وقال ابن الأَنباريّ في قوله عَزّ وجَلّ : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [المائدة : ٨] مَعْناه : بحَقيقة القُلوب من المُضْمرات ، فتَأنيث «ذات» لهذا المَعْنى ، كما قال : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال : ٧] فأنَّث على مَعْنى «الطائفة» كما يُقال : ذاتَ يوم ، فيُؤنِّثون لأنّ مَقْصدهم : لقيته مَرَّةً في يوم.
وقوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) [الكهف : ١٧] ، أُريد «بذات» : الجهة ، فلذلك أنّثها ؛ أَراد : جِهة ذات يمين الكَهْف وذات شِماله.
باب : ذو وذوى مضافين إلى الأفعال
قال شَمِرٌ : قال الفَرّاء : سمعتُ أعرابيّاً يقول : بالفَضْل ذو فَضَّلكم الله ، والكَرامة ذاتُ أكرمكم الله بها. فيَجْعلون مكان «الذي» : ذو ، ومكان «التي» : ذات ، ويرفعون التاء على كُلّ حال.
قال : ويَخْلطون في الاثنين والجمع ، وربما قالوا : هذا ذو يَعْرِفُ ، وفي التثنية : هاتان ذوَا يَعْرِف ، وهَذان ذوا تَعْرف ؛ وأَنشد الفرّاء :
وإنّ الماءَ ماءُ أَبِي وجَدِّي |
وبِئْرِي ذُو حَفَرْت وذو طوَيْتُ |
قال الفَرّاء : ومنهم من يُثنِّي ويَجمع ويؤنّث ، فيقول : هذان ذَوا قالا ذلك ، وهؤلاء ذوُو قالوا ذلك ، وهذه ذات قالت ؛ وأَنشد الفَرّاء :
جَمَعْتُها من أَيْنُق سَوابِقِ |
ذواتُ يَنْهَضْنَ بغَيْرِ سائِقِ |
وأَخبرني المُنْذريّ ، عن الحَرَّانيّ ، عن ابن السِّكِّيت : العرب تقولُ : لا بِذِي تَسْلَمُ ما كان كذا وكذا ، وللاثنين : لا بذي تَسْلمان ، وللجماعة : لا بذي تَسْلمون ، وللمؤنث لا بذي تَسْلَمين ، وللجماعة : لا بذي تَسْلَمْنَ. والتأويل : لا والله يُسَلِّمك ما كان كذا وكذا ، لا وَسَلامتك ما كان كذا وكذا.
وقال أبو العبَّاس المُبَرِّد : ممَّا يُضاف إلى الفعل «ذو» في قولك : افْعَل كذا بذي تَسْلَم ؛ وافْعَلَاه بذي تَسْلمان.
معناه : بالذي يُسلِّمك.
ورَوَى أبو حاتم ، عن الأصمعي : تقول العَرب : والله ما أَحْسَنْت بذي تَسْلَم.
قال : معناه : والله الذي يُسلِّمك من المَرْهوب.
قال : ولا يَقُول أحد : بالذي تَسلم.
قال : وأمَّا قَوْل الشاعر :
* فإنّ بَيْت تَمِيم ذو سَمِعْتَ به*
فإنَّ «ذو» ها هنا بمعنى : الذي ، ولا تكون في الرَّفع والنَّصب والجرّ إلا على لَفْظٍ واحد. وليست بالصِّفة التي تُعرب ، نحو قولك : مررت برَجُل ذي مال ، وهو ذو مال ، ورأيت رجلاً ذا مال.
قال : وتقول : رأيت ذو جاءك ، وذو جاآك ، وذو جاءُوك ، وذو جاءتْك ، وذو جِئْنك ، بلفظ واحد للمذكَّر والمؤنّث.
قال : وَمَثَلٌ للعرب : أتَى عليه ذو أَتَى على النَّاس ، أي الذي أَتَى.
قلتُ : وهي لُغة طيِّىء ، و «ذو» بمعنى : الذي.
وقال اللَّيْثُ : تقول : ماذا صَنَعْتَ؟ فيقول : خيرٌ ، وخيراً ، الرفع على معنى : الذي صَنَعْتَ خَيْرٌ ، وكذلك رَفع قول الله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٧] ، أي الّذي تُنْفِقُون هو العَفو من أَمْوالكم ، فإيّاه فأَنْفِقوا ؛ والنَّصْب للفِعْل.
وقال أَبو إسْحاق : مَعنى قوله : (ما ذا يُنْفِقُونَ) على ضَرْبين : أحدهما أن يكون «ذا» في معنى «الذي» ، ويكون «يُنْفِقُونَ» من صفته. المعنى : يسألون أي شيء يُنْفِقون؟ كأنه بَيَّن وَجْه الذي يُنْفِقون ، لأنَّهم يَعلمون ما المُنْفَق ، ولكنَّهم أرادوا عِلْم وَجْهه.
ومثل جَعْلهم «ذا» في معنى «الذي» قولُ الشاعر :
عَدَسْ ما لِعَبَّاد عَلَيْكِ إمارةٌ |
نَجَوْت وهذا تَحْمِلين طَليقُ |
المعنى : والذي تحملين طَلِيق ، فيكون «ما» رَفْعاً بالابتداء ، ويكون «ذا» خبرها.
قال : وجائز أن يكون «ما» مع «ذا» بمنزلة اسمٍ واحد ، ويكون الموضع نصباً ب «يُنْفِقُونَ». المعنى : يسألونك أي شيء
يُنفقون؟.
قال : وهذا إجماع النَّحويين ، وكذلك الأوَّل إجماعٌ أيضاً.
ومثل : جَعْلهم «ما» و «ذا» بمنزلة اسم واحد ، قولُ الشاعر :
دَعِي ماذا عَلِمْتُ سأتّقيه |
ولكنْ بالمُغَيَّبَ نَبِّئِينِي |
كأنّه بمعنى : دَعِي الذي عَلِمت.
أبو زَيد : جاء القوم من ذي أَنْفُسهم ، ومن ذات أَنفُسهم ؛ وجاءت المرأةُ من ذي نَفْسها ، ومن ذات نفسها ، إذا جاءَا طائعَيْن.
وقال غيرُه : جاء فلانٌ من أيّة نفسه ، بهذا المعنى.
والعربُ تقول : لاها الله ذا ، بغير ألف في القسم. والعامة تقول : لا الله إذا. وإنما المعنى : لا والله هذا ما أُقسم به ، فأَدخل اسم الله بين «ها» و «ذا».
وتقول العرب : وضعتِ المرأةُ ذات بَطنها ، إذا ولدت ؛ والذّئْب مَغْبوط بذي بَطْنه : أي بِجَعْوِه ؛ وأَلْقى الرّجُلُ ذا بَطْنه ، إذا أَحْدَث.
ويقال : أتينا ذا يَمن ، أي أَتينا اليَمَن.
وسَمِعْتُ غيرَ واحدٍ من العرب يقول : كُنّا بموضع كذا وكذا مع ذي عَمْرٍو ، وكان ذو عَمْرٍو بالصَّمَّان ، أي كنّا مع عمرو ، ومعنا عمرو. و «ذو» كالصّلة عندهم ، وكذلك «ذوى».
قال : وهو كَثير في كلام قَيْس ومَن جاوَرَهم.
و «ذا» يُوصل به الكلام ؛ وقال :
تَمَنى شَبِيبٌ مِيتَةً سَفَلَتْ به |
وذا قَطَرِيِّ لَفَّه منه وائلُ |
يُريد : قطريّاً. و «ذا» صلة.
وقال الكُميت :
إليكم ذَوِي آل النبيّ تَطَلَّعت |
نوازعُ من قلْبي ظِمَاءٌ وأَلْبُبُ |
أراد : بنات القلب وهُمومه.
وقال آخر :
إذا ما كُنتُ مِثْلَ ذوي عُوَيْفٍ |
ودِينارٍ فقام عَلَيّ ناعِي |
وقال أبو زيد : يُقال : ما كلّمت فلاناً ذاتَ شَفة ، ولا ذات فَمٍ ، أي لم أُكلّمه كلمةً.
ويقال : لا ذا جَرَمَ ، ولا عن ذا جَرمَ ، أي لا أعلم ذاك ها هنا ، كقولهم : لاها الله ذا ، أي لا أَفعل ذلك.
وتقول : لا والّذي لا إله إلا هو ، فإنها تملأ الفَمَ وتَقطع الدم لأفعلنّ ذلك.
وتقول : لا وَعَهد الله وعَقْده لا أَفعل ذلك.
تفسير إذ وإذا وإذن
قال اللَّيْثُ : تقول العربُ : «إذ» لما
مَضى ، و «إذا» لما يستقبل الوَقْتين من الزمان.
قال : و «إذا» جواب تَأكيد للشرط ، ينوّن في الاتصال ، ويُسكن في الوقف.
وقال غيره : العرب تَضع «إذ» للمُستقبل ، و «إذا» للماضي.
قال الله عَزّ وجَلّ : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) [سبأ : ٥١] ، معناه : ولو تَرَى إذ يَفْزعون يومَ القيامة.
وقال الفَرّاء : إنما جاز ذلك لأنّه كالواجب ، إذ كان لا يُشك في مَجيئه ، والوجه فيه «إذا» ، كما قال عَزّ وجل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) [الانشقاق : ١](إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)) [التكوير : ١].
وتأتي «إذا» بمعنى : «إن» الشرطية ، كقولك : أُكْرمك إذا أَكْرَمتني ، معناه : إن أَكْرمتني.
وأما «إذا» المَوْصولة بالأَوقات ، فإن العرب تصلها في الكتابة بها في أوقات مَعْدودة ، في : حينئذ ، ويَومئذ ، ولَيلَتئذ ، وغَدَاتئذ ، وعَشِيَّتَئذ ، وساعَتئذ ، وعامَئذ.
ولم يقُولوا : الآنئذِ ، لأنّ «الآن» أقْرب ما يكون في الحال ، فلما لم يتحوّل هذا الاسم عن وَقت الحال ، ولم يتباعد عن ساعَتِك التي أنت فيها لم يتمكّن ، ولذلك نُصبَ في كُلّ وجه.
ولمّا أرادوا أن يُباعدوها ويُحولّوها من حال إلى حال ولم تَنْقدْ ، كقولك : أن تقولُوا الآنئذ ، عَكسوا ليُعْرَف بها وقتُ ما تَبَاعد من الحال ، فقالُوا : حينئذ ، وقالوا : الآنَ ، لساعتك في التقريب ؛ وفي البعد : حينئذ ، ونُزِّل بمنزلتها الساعةُ ، وساعتئذ ، وصار في حدّهما : اليوم ، ويومئذ.
والحُروف التي وَصفناها على ميزان ذلك مَخْصوصةٌ بتوقيت لم يُخَصّ به سائر أزمان الأزمنة ، نحو : لَقيته سنةَ خَرج زَيْدٌ ، ورأيته شَهْرَ تَقَدَّم الحَجّاجُ ، وكقوله :
* في شَهْر يَصْطَادُ الغُلامُ الدُّخَّلَا*
فمن نَصب «شهراً» فإنه يجعل الإضافة إلى هذا الكلام أجمع ، كما قالوا : زمَنَ الحجاج أَمِيرٌ.
قال اللَّيْثُ : فإن وَصَلت «إذا» بكلام يكون صلة أَخْرجتها مِن حَدّ الإضافة ، وصارت الإضافة إلى قولك : إذ تقول ، ولا تكون خبراً كقوله :
* عَشِيّة إذ تَقُول يُنَوِّلُونِي*
كما كانت في الأصل ، حيث جَعَلْتَ «تقول» صلةً أَخْرجتها مِن حَدّ الإضافة وصارت الإضافة «إذ تقول» جُملة.
قال الفَرّاء : ومن العَرب من يقول : كان كذا وكذا وهو إذ صَبِيٌّ ، أي هو إذ ذاك صَبِيّ.
وقال أبو ذُؤَيْب :
نَهَيْتُك عَن طِلَابك أُمَّ عَمْرٍو |
بعافِيةٍ وأنت إذٍ صَحِيحُ |
قال : وقد جاء : أَوَانئذ ، في كلام هُذَيل ؛ وأَنشد :
دلَفْتُ لها أَوَانئِذٍ بسَهْم |
نَحِيضٍ لم تُخَوِّنْه الشُّرُوجُ |
قال ابن الأَنْبَاريّ في «إذ» و «إذا» : إنما جاز للماضي أن يكون بمعنى المُستقبل إذا وقَع الماضي صِلَةً لمُبْهم غير مُؤَقت ، فجرَى مَجْرَى قَوْله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الحج : ٢٥] معناه : إنّ الذين يكْفُرون ويَصُدّون عن سَبِيل الله ؛ وكذلك قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٣٤] معناه : إلّا الذين يَتُوبون.
قال : ويُقال : لا تَضْرب إلا الذي ضَرَبك إذا سَلّمت عليه ، فتَجيء «إذا» ، لأن «الذي» غير مُؤقَّت ، فلو وَقّتَه فقال : اضْرب هذا الذي ضَرَبك إذا سَلّمت عليه ، لم يجز في هذا اللفظ ؛ لأنّ توقيت «الذي» أَبطل أن يكون الماضي في مَعْنى المُستقبل.
وتقول العربُ : ما هَلك امْرؤٌ عَرَف قَدْرَه ، فإذا جاءُوا ب «إذا» قالوا : ما هلك امرؤٌ إذا عَرَف قَدْرَه ؛ لأنّ الفِعل حَدَثٌ عن مَنكور يُراد به الجِنْس ؛ كأنّ المتكلمِ يُريد : لا يَهلك كُلُّ امْرىء إذا عَرف قَدْرَه ، ومتى عَرَف قدره ؛ ولو قال : إذا عَرَف قدره ، لَوَجب تَوْقيت الخبر عنه ، وأن يُقال : ما هَلك امْرؤٌ إذا عَرف قدره ؛ ولذلك يُقال : قد كنتُ صابراً إذا ضربْت ، وقد كنت صابراً إذ ضربت ، تذهب ب «إذا» إلى ترديد الفعل ، تُريد : قد كنت صابراً كُلّما ضَرَبت. والذي يقول : إذ ضربت ، يذهب إلى وقت واحد وإلى ضَرْب مَعْلوم مَعْروف.
وقال غيره : «إذ» إذا ولي فِعْلاً أو اسْماً ليس فيه ألف ولام ، إن كان الفِعل ماضياً أو حرفاً مُتحرِّكاً فالذال منها ساكنة ، فإذا وليت اسماً بالألف واللام جُرّت الذال ، كقولك : إذ القومُ كانوا نازِلين بكاظِمَة ، وإذ النَّاس مَن عَزَّ بَزَّ.
وأما «إذا» فإنها إذا اتَّصلت باسم مُعَرَّف بالألف واللام ، فإن ذالها تُفْتح إذا كان مُسْتَقْبلاً ، كقول الله عَزَّ وجَلّ : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)) [التكوير : ١ ، ٢] لأن مَعْناها : إذا.
قال ابن الأَنْباري : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) [الانشقاق : ١] بفتح الذال وما أَشْبَهها ، أي تنشق ، وكذلك ما أَشْبَهها ، وإذا انكسرت الذال فَمَعْناها : «إذ» التي للماضي ؛ غير أن «إذ» تُوقع مَوْقع «إذا» و «إذا» موقع «إذ».
قال الله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي
غَمَراتِ الْمَوْتِ) [الأنعام : ٩٣] معناه : إذا الظالمون ، لأن هذا الأمر مُنْتظر لم يَقَع ؛ وقال أَوْسٌ في «إذا» بمعنى «إذ» :
الحافظُون الناسِ في تَحُوطَ إذا |
لم يُرسِلُوا تَحْتَ عائذٍ رُبَعا |
أي إذ لم يُرْسِلوا ؛ وقال على إثره :
وَهبَّت الشاملُ البَلِيلُ وإذْ |
باتَ كَميعُ الفَتاة مُلْتَفِعَا |
وقال آخر :
ثم جَزاه الله عنّا إذ جَزَى |
جَنَّاتِ عَدْنٍ والعَلالِيّ العُلَا |
أَراد : إذا جزَى.
ورَوى الفَرّاء عن الكِسائيّ أنّه إذا قال : «إذاً» مُنوَّنة ، إذا خلت بالفعل الذي في أوله أَحد حروف الاستقبال نَصَبَتْه ، تقول مِن ذلك : إذاً أُكْرِمَك ، فإذا حُلْتَ بينها وبينه بحرف رَفَعْت ونَصَبت ، فقُلْت : فإذاً لا أُكْرِمُك ، ولا أكْرِمَك ؛ فمن رفع فيها لحائل ، ومن نَصب فعلَى تَقْدير أن يكون مُقدَّماً ، كأنك قلت : فلا إذاً أكْرِمَك ، وقد خَلت بالفعل بلا مانع.
قال أبو العبّاس أَحمد بن يحيى : وهكذا يَجُوز أن يُقرأ : (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء : ٥٢] بالرَّفع والنَّصْب.
قال : وإذا حُلْت بينها وبين الفعل باسمٍ فارْفَعه : تقول : إذاً أخوك يُكْرِمُك ، فإن جَعلت مكان الاسم قَسَماً نَصَبْتَ ، فقلت : إذاً والله تنامَ ، فإن أَدخلت اللام على الفِعل مع القَسم رَفَعْت ، فقلت : إذاً والله لتَنْدَمُ.
وقال سِيبويه : والّذي نَذهب إليه ونَحكيه عنه أنَّ «إذاً» نَفْسها الناصبة ، وذلك لأن «إذاً» لما يُسْتقبل لا غَير في حال النَّصْب ، فجعلها بمنزلة «أنْ» في العمل كما جُعلت «لكن» نظيرة «أنّ» في العَمل في الأَسْماء.
قال : وكِلَا القَوْلَيْن حسَنٌ جَميل.
وقال الزّجّاج : العامل عِندي النَّصْب في سائر الأفعال «أنْ» ، إمّا أن تقع ظاهرةً أو مُضْمَرة.
قال أبو العبّاس : يُكتب ، كَذَى وكذَى ، بالياء ، مثل. زَكَى وخَسى.
وقال المُبَرّد : كذا وكذا ، يكتب بالألف ؛ لأنه إذا أُضيف قيل : كذاك.
فأُخْبر ثعلبٌ بقوله ، فقال : فتًى ، يكتب بالياء ، ويضاف فيُقال : فَتَاك.
وأَجمع القُرّاء على تَفْخِيم : ذا ، وهذه ، وذاك ، وذلك ، وكذا ، وكذلك ؛ لم يُمِيلُوا شَيْئاً من ذلك.
أذى : قال اللَّيْثُ : الأذَى : كُلُّ ما تَأَذَّيْتَ به.
ورَجُلٌ أَذِيٌ ، إذا كان شَديدَ التأَذِّي ، فِعْلٌ له لازِمٌ.
وقولُه : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] الأذَى ، هو ما تَسْمعه من
المَكروه.
ومنه (وَدَعْ أَذاهُمْ) [الأحزاب : ٤٨] أي دَع أَذَى المُنافِقِين لا تُجازِهِم عليه إلى أَنْ تُؤْمَر فيهم بأَمْر.
وفي الحديث : «أَميطوا عنه الأذَى» ، يَعْني الشَّعَر الذي يَكون على رأس المَولود حين يُولَد.
أبو عُبَيدة ، عن الأمويّ : بَعِيرٌ أَذِ ، وناقةٌ أَذِيةٌ ، إذا كانا لا يَقَرّان في مكان واحد ، عن غَير وجع ولكنْ خِلْقةً.
ويُقال : آذَيْتُه إيذاءً وأَذِيَّة.
وقد تأَذَّيت به تأَذِّياً.
وأَذِيت آذَى أذًى.
ذأى : قال اللَّيْثُ : يقال : ذأَى يَذأَى ويَذْءُو ، ذَأْياً وذَأْواً ، وهو ضَرْبٌ من عَدْو الإبل.
وحمار مِذْأًى ، مَقْصور بهَمْزة.
أبو عُبَيد ، عن الفَرّاء : الذَأْوُ : سَيْرٌ عَنِيف ؛ يُقال : ذَأى الإبلَ يَذْآها ويَذْؤُوها ، ذَأْياً وذَأْواً.
وقال غيرُه : حِمَارٌ مِذْأًى : طَرَّادٌ لأتُنه ؛ وقال أَوْسُ بنُ حَجَر :
فَذَأوْنَه شَرَفاً وكُنَّ له |
حتّى تَفَاضَلَ بَينها جَلَبَا |
وقد ذَآها يَذْآها ، ذَأْياً وذَأْواً ، إذا طَرَدها.
ذيا : قال أبُو زَيْدٍ : ذَيَّأتُ اللَّحْمَ ، إذا أَنْضَجْتَه حتى يَسْقُط عن عَظْمه.
وقد تَذَيّأ اللَّحْمُ تَذَيُّؤاً ، إذا انْفَصل عن العَظْمِ بِفَسَادٍ أو طَبْخٍ.
أبو عُبَيد ، عن الأصمَعيّ : إذا فَسَدَت القُرْحَةُ وتَقَطَّعت ، قيل : قد تَذَيأَت تَذَيُّؤاً ، وتَهَذأَت تَهَذُّؤاً ؛ وأنشد شَمِرٌ :
تَذَيَّأ منها الرَأْسُ حتّى كأنّه |
مِن الحَرِّ في نَارٍ يَبِضُّ مَلِيلُها |
وذأ : في حَديث عُثْمان ، رَحمه الله : أنّه بينما هو يَخْطُب ذاتَ يَوْمٍ فقام رَجُلٌ فنالَ منه ، فَوَذَأه ابْنُ سَلَام فاتَّذأ. فقال له رَجُلٌ : لا يَمْنَعنك مكانُ ابن سَلَام أنْ تَسُبّه فإنّه مِن شِيعَته.
قال أبو عُبيد : قال الأمَوِيّ : يُقال : وَذَأْتُ الرَّجلَ ، إذا زَجَرْتَه ، فاتَّذَأ ، أي انْزَجر.
وقال أبو زَيد : وَذَأت الرُّجل أذؤُه وَذْءاً ، إذا أَنْت حَقَرْته.
وقال أبو مالك : ما به وَذْأةٌ ولا ظَبْظَابٌ ، أي لا عِلّة به ، بالهَمْز.
وذا : رَوى أَبُو عُبَيد ، عن الأصمَعيّ : ما به وَذْيَة.
ورَوى أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ : ما به وَذْيَة ، وهو مثل حَزّة.
وقيل : ما به وَذْيَةٌ ، أي ما به عِلّةٌ.
وقال : الوُذِيُ : هي الْخُدُوش.
ابن السِّكّيت : قالت العامِرِيّة : ما به وَذْيَةٌ ، أي ليس به جِرَاح.