خطأ وغلط.
وقال غير واحد : نَوَيْت النَّوى ، وأَنْوَيته ، وذلك إذا أكلت التَّمر وَجمعت نَوَاه.
الليث : نَوَّت البُسرة ، وأَنْوَت ، إذا عَقَدت نَوَاتها. وثلاث نَوَيات. والجميع : النَّوَى.
قال : والنَّوَى : مَخْفِض الجارية ، وهو الذي يَبْقى من بَظْرها إذا قُطِع المُتْك.
وقالت أعرابّية : ما تَرَك النَّخْجُ لنا مِن نَوًى.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : إذا سَمِنت الناقة ، فهي ناوِية.
وقد نَوت تَنْوِي نَيًّا.
وهُن نُوقٌ نِوَاءٌ ؛ قال أبو النَّجم :
أَو كالمُكَسَّر لا تَؤُوب جِيادُه |
إلّا غَوانِمَ وهي غَيْرُ نِوَاء |
قال أبو الدُّقَيش : النِّيّ ، الاسم ، وهو الشَّحْمُ.
والنَّيّ ، هو الفِعل.
يقال : نَوت الناقة نَيًّا ، إذا كثر نِيّها.
وقال الليث : النَّيّ ، والنِّيّ.
وقال غيره : النِّيّ : اللحم ، بكسر النُّون.
والنَّيّ : الشَّحم.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : النَّوى : الحاجات. والوَنى : ضَعْف البَدن. وأَنْوَى الرَّجُل ، إذا كثرت أَسْفارُه. وأَنوى ، إذا تباعد.
وأَنْوَى ، ونَوَى ، ونَوَّى ، إذا أَلْقى النَّوى.
وأَنْوى ، ونَوَى ، ونَوَّى ، من النِّيّة.
وأَنْوى ، ونَوى ، ونَوَّى ، في السَّفَر.
وأَنْشد :
إنّك أَنت المَحْزون في أَثر الْ |
حَيّ فإن تَنْوِينّهم تُقِم |
قال ابن الأعرابي : قلت للمُفضَّل : ما تقول في هذا البيت؟ قال : فيه مَعنيان : أحدهما : يقول : قد نَوْوا فِراقَك فإن تَنْو كما نَوَوْا تُقم فلا تَطْلُبهْم.
والثاني : قد نَوَوْا السَّفَر ، فإن تَنْو كما نَوَوْا تُقِم صُدُور الإبل في طَلبهم ؛ كما قال الآخر :
* أقِم لها صُدورَها يا بَسْبَسُ*
وقال ابن الأعرابيّ : الوَنْوة : الاسترخاء في العَقل. والوَنى : الضَّعْف. والنَّنّ : الشَّعر الضَّعيف.
والوَنّ : الصَّنْج الذي يُضْرب بالأصابع ، وهو الونج ، مشتقّ من كلام العَجم.
أبو عُبيد (١) : وَنَيْت في الأمر : فَتَرت.
وأَوْنَيْت غيري.
وفي «نوادر الأعراب» : فلانٌ نَوِيّ القوم وناويهم ، ومُنْتويهم ، أي صاحب أَمرهم
__________________
(١) هذا مكانه : «ونى» ، (إبياري).
ورأيهم.
نون : قال الله جلّ وعزّ : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١)) [القلم : ١].
قال الفراء : لك أن تُدغم النون وتُظهرها ، وإظهارها أَعجب إليّ ، لأنَّها هِجاء والهِجاء كالموقوف عليه وإن اتَّصَل.
ومن أخفاها بناها على الاتِّصال.
وقد قرأ القُرَّاء بالوَجْهين جميعاً.
قال أبو إسحاق : جاء في التفسير أن «ن» الحُوت الذي دُحِيت عليه سَبْع أَرَضين.
وجاء في التفسير ، أن «ن» : الدَّواة.
ولم يجىء في التفسير كما فُسرت حروف الهجاء.
قلت : «ن وَالْقَلَمِ» لا يجوز فيه غير الهجاء ، ألا ترى أن كُتَّاب المصحف كتبوه «ن» ، ولو أريد به : الدواة والحوت ، لكُتب : نون.
وقال ابن الأنباريّ في باب إخفاء النّون وإظهارها : النّون ، مَجهورة ذات غُنّة ، وهي تخفى مع حروف الفم خاصة ، وتبين مع حروف الحلق عامة ، وإنما خفيت مع حروف الفم لقربها منها ، وبانت مع حروف الحلق لبُعدها منها.
وكان أبو عمرو يخفي النون عند الحروف التي تُقاربها ، وذلك أنها من حُروف الفم ، كقولك : من قال؟ ومن كان؟ ومن جاء؟ قال الله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) [الأنعام : ١٦٠] على الإخفاء.
وأما بيانها عند حروف الحلق السّتة ، فإن هذه الستة تباعدت من مَخرجها ولم تكن مِن قَبيلتها ولا من حيِّزها ، فلم تخف فيها كما أنها لم تُدْغم فيها.
وكما أن حروف اللسان لا تُدغم في حروف الحَلق لبُعدها منها ، وإنما أُخْفيت مع حروف الفم كما أُدغمت اللام وأخواتها ، كقولك : من أجلك ، من هنا ، من خاف ، (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) ، من عليّ ، من عليك.
قال : ومن العرب من يُجري الغين والخاء مجرى القاف والكاف في إخفاء النون معهما.
وقد حكاه النَّضر عن الخليل.
قال : وإليه ذهب سِيبويه.
قال الله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦)) [الرحمن : ٤٦] إن شئت أَخفيت ، وإن شئت أَبَنْت.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي : النُّونة : الكلمة مِن الصَّواب.
والنُّونة : النُّقْبة التي تكون في ذَقَن الصّبيّ الصَّغير.
وفي حديث عثمان أنه رأى صَبِيًّا مَلِيحاً فقال : وسِّموا نُونته ، أي : سَوِّدوها لئلا تُصيبه العَين.
وذو النون : سيفٌ كان لمالك بن زُهير ، أخي قيس بن زهير ، فقتله حَمل بن بَدْر وأخذ منه سيفَه «ذا النون» ، فلما كان يوم الهَباءة قتل الحارث بن زُهير حَمَل بن بدر وأخذ منه ذا النون ، وفيه يقول الحارث :
ويُخبرهم مكانُ النُّون منِّي |
وما أُعطيتُه عَرَق الخِلَالِ |
أي : ما أُعطيته مكافأة ولا مَودَّة ، ولكني قتلت حَملاً وأخذتُه منه قَسْراً.
وقول الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [الأنبياء : ٨٧] هو : يونس عليهالسلام ، سمّاه الله «ذا النون» لأنه حَبسه في جوف الحوت الذي التقمه.
والنُّون : الحُوت.
ويقال للسَّيف العَريض المعطوف طَرَفي الظُّبة : ذو النُّونَيْن ؛ ومنه قوله :
قَرَيْتُك في الشَّريط إذا التَقَيْنَا |
وذو النّونيْن يومَ الحَرْب زَيْني |
والتَّنْوين : تنوين الاسم إذا أَجْرَيته.
أن : قال أبو زيد : أنّ الرّجُل يَئِن أَنِيناً ، وأَنَت يَأنِت أَنِيتاً ، ونَأَتَ يَنْئِت نَئِيتاً ، بمعنى واحد.
الليث : رَجُلٌ أُنَنَة : كثير الكلام والبَثّ والشُّكْوى. ولا يُشْتقّ منه فِعْل.
ومن «الأنين» يُقال : أنّ يَئِن أَنِيناً ، وأَنًّا ، وأَنَّةً.
وإذا أَمَرْت قُلت : إينَنْ ، لأن الهمزتين إذا الْتقتا فسَكنت الأخيرةُ اجْتمعوا على تَلْيِينها.
وأما في الأمر الثاني فإِنه إذا سكنت الهمزة بَقي النُّون مع الهمزة وذهبت الهمزة الأولى.
ويقال للمرأة : إنّي ، كما يُقال للرُّجل : اقْرِرْ ، وللمرأة : قِرّي.
أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابي : أنَ الماءَ يُؤنّه ، إذا صَبَّه.
وفي بعض أخبار العرب : أُنّ ماءً ثم أَغْلِه ، أي : صُبَّه وأَغْلِه.
ابن السِّكيت : يُقال : ما له حانّة ولا آنَّة ، أي ما له ناقة ولا شاة.
قال : ويقال : لا أفعله بما أنّ في السماء نَجْمٌ ، أي : ما كان في السماء نجم ؛ وما عَنّ في السماء نجم ، أي : ما عَرض ؛ وبما أنّ في الفُرات قَطرة ، أي : ما كان في الفُرات قطرة.
وفي حديث ابن مسعود : إنّ طول الصلاة وقِصَر الخُطْبة مَئِنّة من فِقْه الرَّجُل ، أي : بيان منه.
قال أبو زيد : إنه لَمِئّنة أَن يَفعل ذلك ، وإنها وإنهن لمِئَّنة أن يفعلوا ذلك ، بمعنى : لخليق أن يفعلوا ذلك : وأَنْشد :
ومَنزل من هَوَى جُمْلٍ نزلتُ به |
مَئِنّة من مَراصيد المَئِنّاتِ |
به تجاوزتُ عن أولى وكائِده |
إنّي كذلك رَكّاب الحَشِيّاتِ |
أولى ، حكاية عمرو ، عن أبيه.
الأنّة والمَئِنة ، والعَدْقة ، والشَّوّزب ، واحد ؛ وقال دُكَين :
يَسْقِي على دَرّاجة خَرُوس |
مَعْصُوبة بَين رَكايا شُوسِ |
|
* مَئِنَّة مِنْ قَلَتِ النّفوسِ* |
يقال : مكان من هَلاك النفوس. وقوله : مكان من هلاك النفوس : تفسير لِمئِنّة ، ودلّ ذلك على أنه بمنزلة «مَظِنّة» والخَروس : البَكْرة التي ليست بصافية الصَّوْت. والجَروس ، بالجيم : التي لها صوت.
وقال أَبو عبيد : قال الأصمعي : سألني شُعبة عن «مَئِنّة» ، فقلت : هو كقولك علامة ، وخليق.
قال أبو زيد : هو كقولك : مَخْلقة ، ومَجْدَرة.
وقال أبو عبيد : يَعني أن هذا مما يُعْرف به فِقه الرجل ويُستدلّ به عليه.
قال : وكل شيء دلّك على شيء فهو مَئِنَّة له ؛ وأَنشد للمَرّار :
فتَهامَسُوا سِرًّا فقالوا عَرِّسُوا |
من غَيْر تَمْئِنة لغير مُعَرَّسِ |
قلت : الذي رواه أبو عُبيد ، عن الأصمعي ، وأبي زيد ، في تفسير المَئِنّة ، صَحِيح ، وأما احتجاجه برأيه ببيت المَرّار في التَّمْئنة للمَئِنّة ، فهو غَلط وسَهو ؛ لأن الميم في «التمئنة» أصلية ، وهي في «مئنّة» مَفْعلة ليست بأَصلية.
وقد فسرت بيت المَرّار في باب «مأن».
وأما «مئنة» فإن اللحياني قال : هو مَئِنّة أن يفعل ذلك ، ومَظِنَّة أن يفعل ذلك ، وأَنْشد :
إنّ اكْتحالا بالنَّقِيِّ الأَبْلج |
ونَظَراً في الحاجِب المُزجَّجِ |
|
* مَئِنّة من الفَعال الأعْوج* |
فكان «مَئِنّة» عند اللّحياني مُبدل الهمزة فيها من الظاء في «المظنة» ، لأنه ذكر حروفاً تُعاقب فيها الظاء الهمزة ، منها قولهم : بيت حَسن الأَهْرة والظَّهرة ، وقد أَفر وظَفر ، أي : وَثب.
إن : قال الليث : قال الخليل : «إن» الثقيلة تكون منصوبة الألف ، وتكون مكسورة الألف ، وهي التي تَنْصب الأسماء.
قال : وإذا كانت مُبتدأة ليس قبلها شيءٌ يُعتمد عليه ، أو كانت مُستأنفة بعد كلام قديم ومَضى ، أو جاءت بعدها لام مؤكدة يُعْتمد عليها ، كُسرت الألف ، وفيما سوى ذلك تُنصب الألف.
وقال الفرّاء في «أنّ» إذا جاءت بعد القول وما تصرّف من القول ، وكانت حكايةً لم يقع عليها القولُ وما تصرف منه ، فهي
مكسورة ، وإن كانت تَفْسيراً للقول نَصَبتها ، وذلك مثل قول الله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس : ٦٥].
وكذلك المَعنى استئناف ، كأنه قال : يا محمد ، (إِنَ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً).
وكذلك (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [النساء : ١٥٧] كسرتها ، لأنها بعد القول على الحكاية.
قال : وأما قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] فإنك فَتحت الألف ، لأنها مُفَسّرة ل «ما» ، و «ما» قد وَقع عليها القولُ فنصبها ، وموضعها نَصْب.
ومثله في الكلام : قد قلت لك كلاماً حَسناً أنّ أباك شريفٌ ، وأنَّك عاقل ، فتحت «أنّ» لأنها فَسَّرت الكلام ، والكلام مَنْصوب.
ولو أردت تكرير القول عليها كَسَرْتها.
قال : وقد تكون «إنّ» بعد القول مفتوحة ، إذا كان القول يُرافعها ؛ من ذلك أن تقول : قولُ عبد الله مُذ اليوم أنّ الناس خارجون ، كما تقول : قولُك مُذ اليوم كلامٌ لا يُفْهم.
وقال الليث : إذا وقعت «إنّ» على الأسماء والصّفات فهي مُشدَّدة.
وإذا وقعت على فعل أو حرف لا يتمكن في صِفة أو تَصريف فخفِّفها ، تقول : بلغني أن قد كان كذا وكذا ، تخفّف من أجل «كان» ، لأنها فِعل ، ولو لا قد لم تَحْسن على حال من الفِعل حتى تعتمد على «ما» أو على «الهاء» ، كقولك : إنما كان زَيْدٌ غائباً ، وبلغني أنه كان أخو بكر غنِيًّا.
قال : وكذلك بلغني أنه كان كذا وكذا ، تشدِّدها إذا اعتمدَتْ.
ومن ذلك قولك : إنْ رُبّ رجل ، فتخفّف.
فإذا اعتمدَت قلت : إنه رُبّ رجُل ، شدَّدْت.
وهي مع الصّفات مشدّدة : إنّ لك ، وإنّ فيها ، وإنّ بك ، وأَشَباهها.
قال : وللعرب لغتان في «إنّ» المشددة : إحداهما التَّثقيل ، والأخرى التخفيف.
فأمّا من خَفّف فإنه يَرفع بها.
إلا أن ناساً من أهل الحجاز يخفِّفون ويَنصبون على توُّهم الثقيلة.
وقرىء : (وَإِنَ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١] خفَّفوا ونَصبوا.
وأنْشد الفَرّاء في تَخْفيفها مع المُضْمر :
فلو أَنْك في يوم الرَّخاء سأَلْتني |
فِراقَك لم أَبْخل وأنت صَدِيقُ |
وأنْشد القولَ الآخر :
لقد عَلِم الضَّيْفُ والمُرْمِلون |
إذا اغْبرّ أفْقٌ وهَبّت شَمالا |
|
بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ |
وقِدْماً هُناك تكون الثِّمالا |
وقال أبو طالب النّحوي ، فيما رَوى عنه المُنذري ، قال : أهلُ البصرة غير سيبويه وذَويه يقولون : إنّ العرب تخفِّف «أن» الشديدة وتُعملها ؛ وأَنشدوا :
ووَجْهٍ مُشْرق النَّحْر |
كأنْ ثَدْيَيه حُقّانِ |
أراد «كأنّ» فخفَّف وأَعمل.
وقال الفَرّاء : لم نسمع العرب تُخفّف «أن» وتُعملها إلّا مع المَكنّى ، لأنه لا يتبيّن فيه إعراب ، فأمّا في الظاهر فلا.
ولكن إذا خفّفوها رَفَعوا وأمّا من خَفف : (وَإِنَ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) فإنهم نَصبوا (كُلًّا) ب (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) ، كأنه قال : «وإن ليوفينهم كُلا».
قال : ولو رُفعت «كل» لصَلح ذلك ، تقول : إنْ زيدٌ لقائم.
وأما قول الله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] فإن أبا إسحاق النَّحوي اسْتَقصى ما قال فيه النَّحويون ، فحكيتُ كلامَه.
قال : وقرأ المدنيون والكوفّيون ، إلّا عاصماً : «إنّ هذان لساحران».
ورَوى عن عاصم أنه قرأ «إِنْ هذانِ» بتخفيف «إنْ».
ورُوي عن الخليل «إنْ هذا لساحران».
قال : وقرأ أبو عمرو : «إنّ هذين لساحران» ، بتَشديد «أنّ» ونصب «هذين» قال أبو إسحاق : والحجّة في «إنّ هذان لساحران» بالتشديد والرفع ، أن أبا عُبيدة روى عن أبي الخطّاب أنه لُغة لِكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : رأيت الزيدان.
وروى أَهل الكوفة والكسائي والفَراء أنها لُغة لبني الحارث بن كعب.
قال : وقال النحويّون القُدماء : هاهنا هاء مُضمرة ، المعنى : إنّه هذان لساحران.
قال : وقال بعضهم : «إن» في معنى «نعم» ، المعنى : نعم هذان لساحران ؛ وأنشد :
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا |
كَ وقد كَبِرْت فقلت إنَهْ |
وقال الفراء في هذا : إنهم زادوا فيها النون في التثنية ، وتركوها على حالها في الرفع والنصب والجر ، كما فعلوا في «الذين» فقالوا : الذين ، في الرَّفع والنَّصب والجر.
فهذا جميع ما قال النحويّون في الآية.
قال أبو إسحاق : وأجودها عندي أن ، «أن» وقعت موقع «نعم» ، وأن اللام
وقعت موقعها ، وأن المعنى : نعم هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذا في الجودة مَذْهب بني كنانة وبَلْحارث بن كعب.
فأمّا قراءة أبي عمرو فلا أُجيزها ، لأنها خلاف المُصْحف.
قال : وأَستحسن قراءة عاصم والخليل : «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ».
وقال غيره : العربُ تجعل الكلام مختصراً ما بَعْدَه على «إنّه» ، والمراد : إنه لكذلك ، وإنّه على ما تقول.
فأما «إن» الخفيفة ، فإن المنذريّ رَوى عن ابن اليَزيدي ، عن أبي زيد ، أنه قال : «إن» تقع في موضع من القرآن مَوْضِعَ «ما» ، ضَرْبُ قَوْله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [النساء : ١٥٩] ، معناه : ما من أهل الكتاب.
ومثله : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٧] أي : ما كنّا فاعلين.
قال : وتجيء «إن» في موضع «لقد» ، ضَرْبُ قوله تعالى : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨] ، المعنى ، لقد كان من غير شك من القوم.
ومثله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣] ، (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) [الإسراء : ٧٦].
وتجيء «إن» بمعنى «إذ» ، ضَرْبُ قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٧٨] المعنى : إذ كنتم مؤمنين.
وكذلك قوله تعالى : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [النساء : ٥٩] معناه : إذ كنتم.
قال : و «أن» بفتح الألف وتَخفيف النون ، قد تكون في موضع «إذ» أيضاً.
و «إن» بَخْفض الألف تكون موضع «إذا» ، من ذلك قولُه تعالى : (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا) [التوبة : ٢٣].
من خَفضها جعلها في موضع «إذا».
ومَن فتحها جعلها في موضع «إذ».
ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ في قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)) [الأعلى : ٩].
قال : «إن» في معنى «قد».
وقال أبو العبّاس ، العربُ تقول : إن قام زيد ، بمعنى قد قام زيد.
وقال الكسائي : سمعتُهم يقولونه فظننته شرطاً ، فسألتهم فقالوا : نريد : قد قام زيد ، ولا نريد : ما قام زيد.
وقال الفراء : «إن» الخفيفة أُمّ الْجَزاء ، والعرب تُجازي بحروف الاستفهام كُلّها وتجزم الفعلين : الشرط والجزاء ، إلا «الألف» و «هل» ، فإنهما يَرفعان ما يليهما.
وسئل ثَعلب : إذا قال الرّجل لامرأته : إن دخلت الدار ، إن كلمت أخاك ، فأنت طالق ، متى تَطْلُق؟ فقال : إذا فعلتهما جميعاً. قيل له : لِم؟ قال : لأنه قد جاء بشَرطين. قيل له : فإن قال لها : أنت طالق إن احمرّ البُسْر. فقال : هذه مسألةُ محال ، لأنّ البُسر لا بُدّ من أن يَحمرّ.
قيل له : فإن قال : أنت طالق إذا احْمَرّ البُسر. قال : هذا شرط صحيح ، تطلُق إذا احمرّ البُسر.
وقال الشافعي : فيما أثْبت لنا عنه : إنْ قال الرَّجُل لامرأته : أنتِ طالق إن لم أُطلِّقك ، لم يَحْنث حتى يُعلم أنّه لا يُطلِّقها بموته أو بموتها.
وهو قول الكوفيّين.
ولو قال : إذا لم أطلّقك ، ومتى ما لم أُطلّقك ، فأنت طالق ، فسكت مُدّة يمكنه فيها الطلاق ، طُلّقت.
أنا : للعرب في «أنا» لُغات ، وأجودها : أنّك إذا وَقَفْت عليها قُلت : أنَا ، بوزن «عَنَا».
وإذا مَضَيت عليها قلت : أَنَ فَعَلْت ذاك ، بوزن : عَنَ فَعَلْت ذاك.
تُحرِّك النون في الوَصل وهي ساكنة من مثله في الأسماء غير المتمكِّنة ، مثل : «من» و «كم» إذا تَحرّك ما قبلها.
ومن العرب من يقول : أنا فعلت ذاك ، فيثبت الألف في الوصل ولا يُنوّن.
ومنهم من يسكّن النون ، وهي قليلة ، فيقول : أنْ قُلت ذاك.
وقُضاعة تَمُدّ الألف الأُولى : آنَ قُلته ؛ قال عَدِيّ :
يا لَيت شعري آنَ ذُو عَجّةٍ |
مَتَى أرى شَرْباً حوالَي أَصِيصْ |
وقال العُدَيل فيمن يُثبت الألف :
أنا عَدْل الطِّعان لمن بَغَانِي |
أنا العَدْل المُبيِّن فاعْرفونِي |
و «أنا» لا تَثْنية له من لفظه إلا ب «نحن» ، ويَصلح «نحن» في التّثنية والجمع.
فإن قيل : لمَ ثَنَّوا «أنت» فقالوا : أنتما ، ولم يثنوا «أنا».
قيل : لمَا لم تجز : أنا وأنا ، لرجُل آخر ، لم يُثنّوا.
وأما «أنت» فثنّوه «بأنتما» لأنك تُجيز أن تقولَ لرجلٍ : أنت وأنت ، لآخر معه ، فلذلك ثُنِّي.
وأما «إنّي» فتثنية «إنا» ، وكان في الأصل : إنّنا ، فكثرت النونات ، فحذفت إحداها ، وقيل : إنّا.
وقوله عزوجل : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) [سبأ : ٢٤]. المعنى : إنّنا وإنكم ، فعطف «إِيَّاكُمْ» على الاسم في قوله «إِنَّا» على النون والألف ، كما تقول : إني وإيّاك.
معناه : إنّي وإنّك ، فافهمه ؛ وقال :
إنّا اقْتَسمنا خُطّتَيْنا بعدكم |
فحملتُ بَرّة واحْتملت فجارِ |
«إنا» تثنية «إني» في البيت.
نينوى : اسم قرية مَعْروفة تُتاخم كَرْبلاء.
وين : الوَيْنة : العِنَبة السَّوداء. وجمعه : الوَيْن ؛ وأَنْشد :
* كأنه الوَيْن إذ يُجْنى الوَيْن *
يَصف شَعْر امرأَة.
يين : قال أبو عمرو : يَيَن : اسْم مَوضع.
النون : الليث : النُّون حرف فيه نونان بينهما واو ، وهي مدّة.
ولو قيل في الشعر : نن ، كان صواباً.
وقرأ أبو عمرو «نون» جزماً.
وقرأ أبو إسحاق «نون» : جرًّا.
وقال الفَراء (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] : لك أن تدغم النون الأخيرة وتُظهرها ، وإظهارها أعجب إليّ. لأنها هجاء ، والهجاء كالموقوف عليه ، وإن اتَّصل.
ومن أخفاها بناها على الآتصال.
وقد قرأ القُرّاء بالوَجهْين جميعاً.
وكان الأعمش وحمزة يُبِينانها ، وبعضهم يترك البيان.
وقال النحويون : «النّون» تزاد في الأسماء والأفعال.
أما في الأسماء فإنها تزاد أولاً في : تفعل ، إذا سُمِّي به.
وتُزاد ثانية في : جُنْدب ، وجَنْدل.
وتُزاد ثالثة في : حَبَنطى ، وسَرَندى ، وما أشْبهه.
وتُزاد رابعة في : خَلْبن ، وضَيْفن ، وعَلْجن ، ورَعْشن.
وتُزاد خامسة في : مثل : عثمان ، وسُلطان.
وتُزاد سادسة في : زعفران ، وكَيْذُبان.
وتُزاد سابعة في مثل : عُبَيْثران.
وتُزاد علامة للصَّرف في كل اسم منصرف.
وتُزاد في الأفعال ثقيلةً وخَفِيفة.
وتُزاد في التّثنية والجمع ، وفي الأمر في جماعة النِّساء.
حدثنا عبد الله ، عن حمزة ، عن عبد الرزاق ، عن معمر والثَّوري ، عن الأعمش ، عن أبي ظَبيان ، أن ابن عباس قال : أول ما خَلق الله خَلق القلم فقال له : اكتب ، فقال : إي رَبّ ، وما أكتب؟
فقال : القدر. قال : فكتب في ذلك اليوم ما هو كائن إلى قيام الساعة. ثم خلق النون ، ثم بسط الأرض عليها فاضطربَ النُّون فمادت الأرض ، فخلق الله الجِبال فأثْبتها بها. ثم قرأ ابن عبّاس : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١)) [القلم : ١].
وبالإسْناد عن الحَسن وقَتادة في قوله : (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] قالا : الدَّواة والقَلم. (وَما يَسْطُرُونَ) : ما يَكْتبون.
قال أبو تُراب : وأَنْشدني جماعةٌ من فُصحاء قيس وأَهل الصِّدْق منهم :
حاملةٌ دَلوك لا مَحمولَهْ |
مَلأى من الماء كعَين النُّونَهْ |
فقلت لهم : رواها الأصمعي «كعين الموله» فلم يَعْرفوها ، وقالوا : النونة : السّمكة.
وقال أبو عمرو : المُوله : العَنْكبوت.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حرف الفاء
قال ابن المُظَفّر : قال الخليل بن أحمد : ذهبت العربيّة مع الحروف التي مرت فلم يَبْق للفاء إلا اللّفيف وأحرف قليلة من المُعتل ، وهي :
فُمّ ، فأم ، فوم ، فَمٌ
فمّ : ومن المضاعف : ثُم وفُمّ ، في النَّسَق.
يُقال : رأيت عمراً فُمَ زيداً ، وثُمّ زيداً ، بمعنى واحد.
وقال الفَرّاء : فُمّ وثُم ، من حُروف النّسَق.
فأم : أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : الفِئام : وطاءٌ يكون للمَشاجِر.
وجمعه : فُؤُم ، على وزن فُعُم ؛ قال لَبِيد :
وأَرْبَد قارسُ الهَيْجَا إذا ما |
تَقعَّرت المَشاجِرُ بالفِئَامِ |
وقال غيره : هَوْدجٌ مُفَأَّم ، وُطِّىء بالفِئَام ؛ وأنشد قولَ زُهَير :
* على كُلِّ قَيْنيّ قَشِيب مُفْأَّمِ *
ورواه غيرُه : قشيب مُفْأَّم.
والتَّفْئيم : تَوسيع الدَّلْو.
يُقال : أفأمت الدَّلْو ، وأَفْعمته ، إذا مَلأْتَه.
ومَزَادةٌ مُفَأَّمة ، إذا وُسِّعت بِجلْد ثالث.
الحرّاني ، عن ابن السِّكيت : عند فلان فِئامٌ من الناس ، والعامة تقول : فِيام ، وهم الجماعة ؛ وأنشد غيره :
* فِئَامٌ يَنْهضُون إلى فِئَام *
وقال أبو عمرو : فأَمْت وصأمْت ، إذا رَوِيتَ من الماء.
وروى ابن الفرج لابن الأعرابيّ في باب الصاد والفاء : فَئِبْت وصَئِبْت ، إذا رويتَ من الماء.
قال أبو عمرو : التفاؤم : أن تملأ الماشية أَفواهَها من العُشب ؛ وأنشد :
ظلَّت برَمْلٍ عالجٍ تَسَنَّمُهْ |
في صِلِّيانٍ ونَصِيٍ تَفْأمُهْ |
وقال أبو تراب : سمعتُ أبا السَّميدع يقول : فئِمت في الشَّراب وصَئِمت ، إِذَا كَرعت فيه نَفَساً.
قلت : وكأنّه من : فأمت الإناء ، إذا أَفْعمته ومَلأته.
وأخبرني المُنذري ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي : فَئِب وصَئِب ، إذا رَوِي من الماء.
قلت : وهي كُلها لغات ، القاف والفاء والميم.
فام : ابن شُميل ، يُقال : قَطعوا الشاة فُوماً فُوماً ، أي قِطَعاً قِطَعاً.
الليث : الفامِيّ : السُّكرىّ.
قلت : ما أراه عَربيّاً مَحْضاً.
وقال الفراء في قول الله تعالى : (وَفُومِها وَعَدَسِها) [البقرة : ٦١].
قال : الفُوم ، فيما يذكرون : لغةٌ قديمة ، وهي الحِنْطة والخُبز ، جميعاً قد ذُكِرَا.
قال : وقال بعضهم : سمعتُ العرب من أهل هذه اللُّغة يقولون : فَوِّموا لنا ، بالتَّشديد ، يُريدون : اخْتبزوا لنا.
قال : وهي في قراءة عبد الله «و» بالثاء.
وكأنه أشبه المعنيين بالصّواب ، لأنه مع ما يُشاكله من العَدس والبَصل.
والعرب تُبدل الفاء ثاء فيقولون : جَدَف وجدث ، للقَبْر ؛ ووقع في عافور شّر ، وعاثور شّر.
وقال الزجّاج : الفوم : الحِنْطة.
ويقال : الحُبوب.
لا اختلاف بين أهل اللُّغة أنّ «الفوم» : الحِنطة ، وسائر الحُبوب التي تُختبز يَلْحقها اسمُ الفُوم.
قال : ومن قال «الفوم» ها هنا : الثُّوم ، فإن هذا لا يُعرف. ومُحال أن يَطلب القومُ طعاماً لا بُرّ فيه ، وهو أَصْل الغذاء. وهذا يَقطع هذا القول.
وقال اللِّحياني : هو الثُّوم والفُوم ، للحِنْطة.
قلت : إن كان قرأ ابن مسعود بالثاء فمعناه : الفُوم ، وهو الحِنْطة.
فم : ابن السّكيت (١) : قال الفرّاء : يُقال : هذا فمٌ ، مفتوح الفاء مخفف الميم.
وكذلك في النَّصب والخَفض : رأيت فماً ، ومررت بِفَمٍ.
ومنهم من يقول : هذا فُمٌ ، ومررت بفُم ، ورأيت فُماً.
فيَضم الفاء في كل حال ، كما يَفتحها في كل حال.
وأمَّا تَشديد الميم فإنه يَجوز في الشعر ؛ كما قال :
* يا ليتها قد خَرَجت من فُمّه *
ولو قال : من فَمِّه ، لجاز.
قال : وأمّا : فُو ، وفي ، وفا ، فإنما يقال في الإضافة ، إلا أن العجّاج قال :
__________________
(١) أورد «اللسان» هذا كله في مادتي (فم) ، و (فوه) ، (إبياري).
* خالط من سَلْمى خياشِيم وفا*
قال : وربما قالوا ذلك في غير الإضافة ، وهو قليل.
الليث : أمّا : فو ، وفا ، وفي ، فإن أصل بنائها «الفَوْه» حذفت الهاء من آخرها.
وحُملت الواو على الرفع والنَّصب والجرّ ، فاجترت الواو صُروفَ النحو إلى نفسها ، فصارت كأنها مدّة تَتبع الفاء.
وإنما يستحسنون هذا اللفظ في الإضافة ، أما إذا لم تُضف فإن الميم تُجعل عماداً للفاء ، لأن الياء والواو والألف يَسْقطن مع التَّنوين ، فكرهوا أن يكون اسم بحرف مغلق ، فعمِّدت الفاء بالميم ، إلا أن الشاعر قد يضطر إلى إفراد ذلك بلا ميم ، فيجوز في القافية ؛ كقوله :
* خالط مِن سَلْمى خياشيمَ وفا*
قلت : وممّا يَدُلّ على أن الأصل في : فم ، وفو ، وفا ، وفي ، «هاء» حُذفت من آخرها : قولُهم للرّجُل الكثير الأكل : فَيِّهٌ ، وامرأة فَيِّهةٌ.
ابن السِّكيت : رَجُلٌ أَفْوه : عظيم الفَم طويل الأسْنان.
وكذلك : مَحالَة فوهاء ، إذا طالت أسنانها التي يَجري الرِّشاء فيها.
ورَجُلٌ مُفَوَّه ، وفَيِّهٌ : حَسن الكلام.
سلَمة ، عن الفَرّاء : أَلْقَيت على الأديم دَبْغةً ، والدَّبْغة : أن تُلْقِي عليه فماً مِن دباغ خَفِيفة ، أي : فَماً من دِبَاغ ، أي نَفْساً.
ودَبَغْتُه نَفْساً ، ويُجمع : أنْفُساً ، كأنْفُس النّاس ، وهي المرّة.
أخبرني المُنْذري ، عن ثَعلب عنه ، قال أبو زُبيد يصف شِبْلين :
ثم اسْتفاها فلم يَقْطع رَضَاعَهما |
عن التَّصَبُّب لا شَعْبٌ ولا قَدْعُ |
اسْتَفاها : اشتدّ أكلُها. والتَّصَبُّب : اكتساء اللَّحم للسِّمن بعد العِظام ، والتَّحلُّم ، مثله. والقَدْع : أن تُدفَع عن الأمر تُريده ؛ يقال : قَدَعته فقُدع قَدْعاً.
ورَجُلٌ فَيّه : جَيِّد الأكل. وقد اسْتفاه.
وهي مُسْتَفِيه.
قال أبو عُبيد : قال أبو زيد : من أمثالهم في الدُّعاء على الرَّجُل قولُهم : فاهَا لفيك ؛ تريد : فَا الدّاهية.
قال : ومَعناه : الخَيبةُ لك.
قال أبو عُبيد : وأصله أنه يُريد : جَعل الله بفيك الأرضَ.
وكما يقال : بفيك الأرض ، يُقال : بفيك الأثلب والحَجر ؛ وأَنْشد :
فقلت لها فاها لفيك فإنها |
قلُوص امرىء قارِيك ما أَنت حاذِرُهْ |
وقال سيبويه : فاهَا لفيك ، غير مُنوّن ، إنما يريدون : الدَّاهية ، وصار بدلاً من اللفّظ ، بقوله : دَهاك الله ، يدلّك على ذلك قوله :
وداهية مِن دَواهي المَنو |
ن يَرْهَبها الناسُ لا فَالها |
فجعل للدّاهية : فماً.
وقال آخر :
لئن مالكٌ أَمْسى ذليلاً لطالما |
سَعَى للتي لا فَالها غَيْر آئِبِ |
أراد : لا فَم لها ، أي : للداهية.
وأنْشد شَمر للكُميت :
ولا أقول لذي قُربَى وآصِرة |
فاهَا لفِيك على حالٍ من العَطَبِ |
وقال شَمر : قال ابن الأعرابي : فاهاً بفيك ، منوّنة ، أي : ألصق الله فاك بالأرض.
قلت : وقد مَرّ الحرف مشبعاً في كتاب الهاء.
باب حروف اللفيف من الفاء
فاء ـ فأى ـ فأفأ ـ فيف ـ فوف ـ فو ـ في ـ وفا ـ آف ـ أفّ.
فاء : قال الله تعالى : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ٢٢٦].
وقال الله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ) [النحل : ٤٨].
وقال الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) [الحشر : ٧].
«فالفيء» في كتاب الله تعالى على ثلاثة معان ، مَرجعها إلى أصل واحد ، وهو الرُّجوع.
قال تقدّس ذِكره في المُولين من نسائهم ، (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وذلك أن المولي حَلف ألَا يطأَ امرأتَه ، فجعل الله له مُدّة أربعة أشهر بعد إيلائه ، فإن جامعها هي في الأربعة الأشهر فقد فاء ، أي : رجع عمّا حَلف عليه مِن ألّا يُجامعها إلى جِماعها ، وعليه لِحْنثه كفّارةُ يَمين ، وإن لم يُجامعها حتى تَنقضي أربعة أشهر من يوم آلَى ، فإن ابن عباس وجماعةً من الصحابة أوقعوا عليها تطْليقةً ، وجَعلوا عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر. وخالفهم الجماعة الكثيرة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغيرهم من أهل العِلم ، وقالوا : إذا آنقضت أَربعة أشهر ولم يُجامعها وُقِّفَ المُولي ، فإمّا أن يَفيء ، أي يجامعها ويكفِّر ، وإما أن يُطلِّق.
فهذا هو الفيء من الإيلاء ، وهو الرُّجوع إلى ما حَلف عليه ألا يَفعله.
وأما قول الله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) [النحل : ٤٨] فإِنْ التَّفيّؤ ، تفاعل من «الفيء» ، وهو الظل بالعشيّ.
وتَفّيؤ الظلال : رُجوعها بعد انتصاف النّهار ، وانتعال الأشياء ظِلالَها.
وأخبرني المنذري ، عن أبي طالب النحوي ، أنه قال : التفيَّؤ لا يكون إلّا بالعشي ، والظّل بالغداة ، وهو ما لم تَنَلْه الشمس.
والفيء بالعَشي : ما انصرفت عنه الشَّمس.
قال : وقد بَيَّنه الشاعر فقال :
فلا الظِّلّ مِن بَرْد الضُّحَى تَسْتَطيعه |
ولا الفَيء مِن بَرْد العَشِيّ تَذوقُ |
وأخبرني المُنذري ، عن الحراني ، عن ابن السكيت نحوَه.
قال : وجمع «الفيء» : أفياء ، وفُيوء ؛ وأنشد :
لعمري لأنت البيت أُكْرِم أَهْلَه |
وأقْعُد في أَفْيائه بالأَصائِلِ |
قال : والظل : ما نَسخَتْه الشمس.
والفيء : ما نَسخ الشمسَ.
ابن الأعرابي عن المفضّل ، يقال للقِطْعة من الطَّير : فَيْءٌ ، وعَرِقة ، وصَفّ.
وأما قول الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [الحشر : ٧].
فإن «الفيء» : ما ردّ الله تعالى على أَهل دِينه من أَموال مَن خالف أَهل دينه بلا قِتال ، إمّا بأن يُجْلَوا عن أوطانهم ويُخَلّوها للمُسلمين ، أو يُصالحوا على جِزية يُؤَدّونها عن رُؤوسهم ، أو مالٍ غير الجزية يَفْتدون به من سَفك دمائهم.
فهذا المال ، هو «الفيء» في كتاب الله.
قال الله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) [الحشر : ٦] أي : لم تُوجفوا عليه خيلاً ولا ركاباً.
نزلت في أموال بَني النّضير حين نَقضوا العَهد وجَلَوْا عن أوطانهم إلى الشام ، فقسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أموالهم من النخيل وغيرها في الوُجوه التي أراه الله أن يَقْسمها فيها.
وقِسمة الفيء غيرُ قِسمة الغَنيمة ، التي أوْجف الله عليها بالخيل والرِّكاب.
وقد بَيّنت جماع ذلك فيما مَرّ من الكتاب.
وأصل «الفيء» : الرجوع ، كما أعلمتك ، سُمّي هذا المال : فيئاً ، لأنه رجع إلى المسلمين من أموال الكُفّار عَفْواً بلا قتال.
وكذلك قوله تعالى في قِتال أهل البَغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩] أي : تَرجع إلى الطاعة.
ويقال لنَوى التَّمر ، إذا كان صُلْباً : ذو فَيْئة ، وذلك أنه تُعْلَفه الدّوابّ فتأكله ، ثم يَخرج من بُطونها كما كان نَدِيًّا ؛ وقال علقمة بن عَبدة يَصف فرساً :
سُلَّاءة كعَصا النَّهديّ غُلّ لها
ذو فَيْئَة من نَوى قُرّان مَعْجُومُ
ويفسّر قوله : «... غُلّ لها ذو فَيْئة ...» تفسيرَيْن : أحدهما : أنه أَدخل جَوْفَها نَوى من نَوى نَخِيل قُرّان حتى اشتدَ لَحْمُها.
والثاني : أنه خُلِق لها في بَطن حوافرها نُسورٌ صِلابٌ كأنّها نوى قُرّان.
ويقال : تفيأَت المرأةُ لزوجها ، إذا تكسّرت له تدلُّلاً ؛ ومنه قول الراجز :
تَفّيأَت ذات الدَّلال والخَفْر |
لعابسٍ جافي الدَّلالَ مُقْشَعِرّ |
قال النضر (١) : الأَفَى : القِطَع من الغيم ، وهي الفِرَق يَجِئْن قِطَعاً كما هي.
قلت : الواحدة : أَفَاة.
ويقال : هَفاة ، أيضاً.
وقال أبو زيد : يقال : أفأتُ فلاناً على الأَمْر ، إفاءةً ، إذا أراد أمراً فَعدلْتَه إلى أمر غيره.
وقال الليث : المَفْيؤة ، وهي المَقْنؤة ، من الفيء.
وقال غيره : يقال : مَقْنأة ، ومقْنُؤة ، للمكان الذي لا تَطْلُع عليه الشَّمس.
ولم أَسمع «مفيؤة» بالفاء ، لغير الليث ، وهو يُشبه الصَّواب.
أبو زيد : يقال : فِئت إلى الأمر فَيْئاً ، إذا رَجَعت إليه.
وأفأت على القوم فيئاً ، إذا أخذت لهم سَلَب قوم آخرين فجِئْتهم به.
وأفأت عليهم فيئاً ، إذا أخذت لهم فيئاً أُخذ منهم.
وقال النَّضر : يُقال لِلْحَديدة إذا كَلّت بعد حِدّتها : قد فاءَتْ.
فأى : أبو زيد : فَأَوْت رأسَ الرَّجُل ، إذا فَلَقتَه بالسَّيف.
وكذلك : فَأَيْته.
وقال أبو عُبيد : الفَأْوُ : ما بين الجَبَلْين ؛ قال ذو الرُّمّة :
* حتى انْفأَى الفَأْوُ عن أَعْناقها سَحَرا*
قوله : انْفأَى ، أي : انكشف. والفَأو ، في بَيت ذي الرُّمة : طريق بين قارَتين بناحية الدَّوّ بينهما فَجٌّ واسِعٌ ، يقال له : فأو الرَّيّان ؛ وقد مَرَرْتُ به.
والفِئة ، بوزن «فِعَة» : الفِرْقة من النّاس.
مأخوذة من : فأيت رأسه ، أي : شَققته.
وكانت في الأصل فِئْوة ، بوزن «فِعْلة» فنُقص.
وجمع «الفئة» : فِئُون ، وفِئَات.
الليث : يُقال فأوت رأسه ، وفأَيْته ، وهو ضَرْبك قِحْفَه حتّى يَنْفرج عن الدِّماغ.
والانْفِياء : الانفْراج.
__________________
(١) مكان ما قاله النضر في «اللسان» (أفى) ، (إبياري).
قال : ومنه اشتُق اسم «الفِئة» ، وهم طائفة من الناس.
فأفأ : الليث : الفَأْفأة ، في الكلام كأنّ الفاء تَغْلب على اللِّسان.
تقول : فَأْفأ فلانٌ في كلامه ، فَأْفأةً.
ورَجُلٌ فَأْفاء ، وامرأة فَأفاءة.
وقال المبرّد : الفَأْفأة : التَّرْديد في «الفاء».
اللّحيانيّ ، يُقال : رَجُلٌ فأْفأ وفَأْفَاء ، يُمدّ ويُقْصر.
فيف : الليث : الفَيْف : المَفازة التي لا ماء فيها ، مع الاسْتواء والسَّعة.
وإذا أُنِّثت ، فهي : الفَيْفاء.
وجمعها : الفَيافي.
وجمع «الفيف» : فُيوف ، وأَفْياف.
قلت : وبالدَّهناء مَوضعٌ يقال له : فَيْف الرِّيح.
قال شَمر : وقال المؤرِّج : الفَيْف من الأرض : مُختلَف الرِّياح ؛ وأَنشد لِعَمْرو ابن مَعْديكرب :
أَخْبر المُخْبِرُ عنكم أنّكم |
يومَ فَيْف الرِّيح أُبْتُمْ بالفَلَج |
ويُقال : فيف الريح : موضعٌ معروف ؛ قال ذو الرّمة :
والرَّكْب يعْلُو بهم صُهْبٌ يَمانِيةٌ |
فَيْفاً عليه لِذيل الرِّيح نِمْنِيمُ |
وقال غيره : الفيفاء : الصحراء المَلْساء ؛ وجمعها : الفَيافي.
وقال أبو عمرو : كُلّ طريق بين جَبَلين : فَيْفٌ ؛ وأَنْشد :
* مَهِيلُ أَفْيافٍ لها فُيوف *
وقال ذو الرُّمّة :
ومُغْبَرّة الأَفياف مَسْحولة الحَصَا |
دَيامِيمها مَوْصُولة بالصَّفاصِفِ |
وقال أبو خَيْرة : الفَيْفاء : البعيدةُ من الماء.
وقال شمر : والقَول في «الفَيْف» «والفيفاء» ما ذكره المُؤرّج من مُخْتَلف الرِّياح.
فوف : الليث : الأفواف : ضربٌ من عُصْب البُرود.
يُقال : بُرْدٌ أفواف ، وبُرْد مُفَوّف.
قال : والفَوْف ، مصدر : الفُوفة.
يقال : ما فافَ عنِّي بخَيْرٍ ولا زَنْجَر.
وذلك أن تسأل رجلاً فيقول بظُفر إبهامه على ظُفر سبّابته : ولا مثل ذا.
والاسم منه : الفُوفة.
وأمّا «الزَّنجرة» فما يأخُذ بَطْنُ الظُّفر من طرف الثنية إذا أخذْتها به.
ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الفُوفة : القِشْرة الرَّقيقة تكون على النَّواة.
قال : وهي القِطْمير أيضاً.
قال : والفُوف ثيابٌ رِقاقٌ من ثِياب اليَمن
مُوشّاة.
ونحوَ ذلك حكى شَمِرٌ عنه.
وعن أبي حاتم : الفُوف ، بضم الفاء ، وبُرد مُفَوَّف.
قلت : وروى أصحابُ أبي عُبيد عنه ، عن الفراء : الفُوف : البَياض الذي يكون في أظفار الأَحْداث.
ومنه قيل : بُرْدٌ مُفَوَّف.
وقال شَمر : هو الفُوف ، بالضّم.
قال : وسألت ابن الأعرابي عن «الفُوف» فلم يعرفه ؛ وأَنشد :
* وأنت لا تُغْنين عني فُوفَا*
فو : الليث : الفُوَّة : عُروق تُسْتَخرج من الأرض تُصْبغ بها الثياب.
يقال لها بالفارسية : رُوبِين.
ولفظها على تقدير : خُوّة ، وقُوّة.
ولو وَصفت بها أرضاً لا يُزرع فيها غيرُه ، قلت : أرضٌ مَفْواة ، من المَفَاوِي.
وثَوْبٌ مُفَوَّى ، لأن الهاء التي في «الفُوَّة» ليست بأصليّة ، بل هي هاء التأنيث.
في : الليث : «في» حرفٌ من حُروف الصِّفَات.
وقال غيره : «في» تأتي بمعنى «وسط» ، وتأتي بمعنى «داخل» ، كقولك : عبدُ الله في الدار ، أي : داخل الدار ، ووَسط الدار.
وتجيء «في» بمعنى ، على ، قال الله جلّ وعزّ (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١].
المعنى : على جُذوع النخل.
وقال ابن الأعرابي في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) [نوح : ١٦] ، أي : معهن.
وقال ابن السِّكيت : جاءت «في» بمعنى : «مع» ؛ قال الجَعْديّ :
ولَوْحُ ذراعَيْن في بِرْكةٍ |
إلى جُؤْجُؤٍ رَهِلِ المَنْكِبِ |
وقال أبو النَّجْم :
يَدْفع عنها الجُوعَ كُلَّ مَدْفَع |
خَمْسون بُسْطاً في خَلايا أَرْبَعِ |
أراد : مع خلايا.
وقال الأصمعي في قول عَنْترة :
بَطَلٌ كأنّ ثِيابه في سَرْحَةٍ |
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْت ليس بِتَوْأَمِ |
قال : معناه : كأن ثيابه على سَرحةٍ.
وقال الفراء في قول الله تعالى : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] أي : يكثركم به ؛ وأنشد :
وأَرْغبُ فيها عن عُبَيدٍ ورَهْطه |
ولكن بها عن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ |
أي : أرغب بها.
وقيل في قوله تعالى : (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨] أي : بُورِكَ مَن على النَّار ، وهو الله جَلّ وعَزّ.
وفا : الليث : يُقال : وَفَا يَفِي وَفَاءً ؛ فهو وافٍ.
ووَفى رِيشُ الجناح ، فهو وافٍ. وكل شيء بَلغ تمام الكمال ، فقد وَفَى وتَمّ.
وكذلك : دِرْهم وافٍ ، يَعني : أنه دِرْهم يَزِن مِثْقالاً. وكَيْلٌ وافٍ.
وقال شَمر : بلغني عن ابن عُيينة ، قال : الوافِي : دِرْهمٌ ودانِقَان.
وقال غيره : هو الذي وفَى مِثْقالاً.
ورَجُلٌ وَفِيٌ : ذو وَفاء.
قال أبو بكر : قولهم : لَزِم الوَفاء : معنى «الوفاء» في اللغة : الخُلق الشَّريف العالي الرَّفيع من قولهم : وَفى الشَّعَرُ فهو وافٍ ، إذا زاد.
قال ذلك أبو العبّاس.
قال : وَوَفَيْت له بالعهد أَفِي ، ووافَيْت أُوافِي.
وارْضَ من الوفاء باللَّفاء ، أي : بدون الحق ؛ وأَنْشد :
* ولا حَظِّي اللَّفاء ولا الخَسِيس*
والمُوافاة : أن تُوافي إنْساناً في المِيعاد.
تقول : وافَيْتُه.
ويُقال : أَوْفيته حَقَّه ، ووفَّيته أَجْره.
وأوْفَيْت على شَرف مِن الأرض ، إذا أشْرَفْت عليه. فأنا مُوفٍ.
والميفاة : الموضع الذي يُوفِي فوقه البازي ، لإيناس الطَّير أو غيره.
وإنه لَمِيفاء على الأشراف ، إذا لم يَزل يُوفي على شرف ؛ قال رُؤبة :
* أبلغ مِيفاء رُؤس فوره*
والوفاة : المَنِيّة. وتُوفي فلان. وتوفّاه الله ، إذا قَبض نَفْسه.
وقال غيره : تَوَفِّي الميت ، بمعنى : اسْتيفاء مُدَّته التي كُتبت من عَدد أَيّامه وشُهُوره وأعوامه في الدّنيا.
ويُقال : تَوَفَّيْت المالَ منه ، واسْتوْفيته ، إذا أخذته كُلّه.
وتَوفَّيْت عَدد القوم ، إذا عَدَدْتَهم كلهم ؛ وأَنْشد أبو عُبيدة لِمَنظور الوَبْريّ :
إنّ بني الأَدْرم لَيسوا من أَحد |
ولا تَوفّاهم قُريْشٌ في العَدَدْ |
أي : لا تجعلهم قريشٌ تمام عددهم ، ولا تستوفي بهم عَدَدَهم.
ومن هذا قولُ الله جلّ وعزّ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر : ٤٢] أي : يستوفي مُدد آجالهم في الدُّنْيا.
وقيل : يَستوفي تمامَ عَدَدِهم إلى يوم القيامة.
وأمّا تَوَفِّي النائم ، فهو اسْتيفاء وقت عَقله وتمييزه إلى أن نام.
وقال الزجّاج في قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] هو من : تَوْفية العَدَد.
تأويله : أَن يَقْبض أَرواحكم أجمعين فلا ينقُص واحد منْكم.
كما تقول : قد اسْتوفيت من فلان ، وتوفَّيت منه ما لي عليه. تأويله : لم يَبْق عليه شيء.
أبو عُبيد ، عن الكسائي وأبي عُبيدة : وَفَيت بالعهد ، وَأَوْفيت به ، سواء.
وقال شَمر : يُقال : وَفَى ، وأَوْفَى.
من قال «وَفَى» فإنه يقول : تَمّ ، كقولك : وَفَى لنا فلانٌ ، أي : تَمّ لنا قولُه ولم يَغْدر.
ووَفَى هذا الطَّعَام قَفِيزاً ، أي : تم قفيزاً ؛ وقال الحُطيئة :
* وَفى كَيْل لا نِيبٍ ولا بَكَرات*
أي : تَمَّ.
ثم قال : ومن قال : «أوفى» فمعناه : أوفاني حقَّه ، أي : أتَمَّه ولم يَنْقُص منه شيئاً.
وقال أبو الهيثم فيما رَدّ على شَمر : الذي قال شَمر في «وفى» و «أوفى» باطلٌ لا معنى له ، إنما يُقال : أوفيت بالعهد ، ووَفَيت بالعهد.
وكل شيء في كتاب الله تعالى من هذا فهو بالألف ؛ قال الله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] و (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) [الإسراء : ٣٤].
ويُقال : وَفى الكيلُ ، ووَفَى الشيءُ ، أي : تَمّ.
وأوْفَيته أنا : أَتْمَمْتُه ؛ قال الله تعالى : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) [الشعراء : ١٨١].
قال : ويُرْوى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنكم وَفَيتم سَبْعين أُمّةً أنتم خَيرها وأَكْرمها على الله» ، أي تمت العِدّة سَبعين أُمّة بكم.
قال : وأما قولهم : وفى لي فلانٌ بما ضَمِن لي.
فهذا من باب : أوفيت له بكذا وكذا ، ووَفَّيت له بكذا ؛ قال الأَعْشى :
* وقبلك ما أَوْفى الرُّقَادُ بجارَةٍ*
وقال الفَرّاء في قول الله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)) [النجم : ٣٧] ، أي : بلّغ.
يريد : بلّغ أن لَيْست تَزر وازرةٌ وِزْرَ أُخرى ، أي : لا تحمل الوازرة ذَنْب غيرها.
وقال الزّجاج : وفّى إبراهيم ما أُمِر به ، وما امْتحن به من ذَبح ولده ، فعزم على ذلك حتى فَداه الله بذبح عظيم ، وامْتُحن بالصَّبر على عَذاب قَومه ، وأُمر بالاختتان فاخْتَتن.
قيل : وَفَّى ، وهي أبلغ من «وَفى» ، لأن الذي امتحن به من أعظم المِحَن.