تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

تُرْفع فيه الأصوات ، ولا تُؤبن فيه الحُرم ، أي لا تُذكر فيه النّساء ، ويُصان مَجْلِسُه عن الرَّفَث وما يَقْبح نَشْرُه.

ورُوي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نهى عن الشِّعر إذا أُبِنَت فيه النِّساء.

قال شَمر : أبَنْت الرجُلَ بكذا وكذا ، إذا أزْنَنْته به.

وقال ابن الأعرابي : أبَنْت الرّجل آبِنه ، وآبنُه ، إذا رَمَيته بقبيح وقذفْته بسُوء.

قال : ومعنى «لا تؤبن فيه الحُرم» ، أي : لا تُرمى بسُوء ولا تُعاب ، ولا يُذكر منها القَبِيحُ وما لا يَنْبغي مما يُسْتَحْيا منه.

وقال ابن الأعرابي : الأَبِن ، غير ممدود الألف ، على «فَعِل» من الطَّعام والشَّراب : الغَلِيظ الثَّخِين.

والأُبنة : العَيب في الحَسب والعُود.

وقول رُؤبة :

* وامْدَح بلالاً غَيْر ما مُؤَبَّنِ *

قال ابن الأعرابيّ : مُؤَبَّن : مَعِيب.

وخالفه غيره.

وقيل للمَجْبُوس : مَأْبون ، لأنه يُزَنّ بالعَيْب القَبيح.

وكأنّ أصله من «أُبْنة» العصا ، لأنها عَيْبٌ فيها.

أبو عبيد ، عن أبي عمرو : أَبّنْت الرَّجُل تَأْبيناً ، إذا مَدَحْتَه بعد مَوته ؛ وقال مُتمِّم ابن نُوَيْرة :

لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأْبِين هالِكٍ

ولا جَزَعاً ممّا أَصَاب فأَوْجَعَا

قال أبو عبيد : قال الأصمعي : التّأبين : اقتفاء الأثر ؛ قال أَوْس :

يقول له الرّاؤُون هذاكَ راكبٌ

يُؤَبِّن شَخْصاً فوق عَلياء واقِفُ

يَصِف العَيْرَ.

وقيل لمادح المَيت : مؤبِّن ، لاتّباعه آثار فِعاله وصَنائعه.

وقال شَمر : التَّأبين : الثناء على الرّجل في المَوت والحياة.

وإبّان الشيء : وقته.

يقال : أتانا فلان إبّان الرُّطب ، وإبّان اخْتراف الثمار ، وإبّان الحَرّ أو البرد ، أي أتانا في ذلك الوقت.

وقال ذو الرُّمّة يَصِف عَيْراً وسَحِيلَه :

تُغنِّيه من بين الصَّبيّين أُبْنةٌ

نَهُومٌ إذا ما ارْتدّ فيها سَحِيلُها

تُغنِّيه ، يعني «العَيْر» بين الصّبّيين ، وهما طرفا اللَّحْى. والأُبْنة : العُقْدة ، وعَنى بها ها هنا : الغَلْصَمة. والنَّهُوم : الذي يَنْخِط ، أي يَزفر ؛ يقال : نَهَم ونَأم فيها في الأبْنة.

والسَّحِيل : الصَّوت.

وأَبَانَان : جبلان في البادية ، ذكرهما مُهْلهل ؛ وقال :

٣٦١

لو بأبَانَيْن جاء يَخْطُبها

رُمِّل ما أنْف خاطبٍ بِدَمِ

وأَبَان : اسمٌ.

ما يعرف بالابن والبنت

ابن الأعرابي : ابن الطِّين : آدم عليه‌السلام.

وابن مَلاط : العَضُد.

وابن مُخدِّش : رأس الكَتِف ؛ ويقال : إنه النُّغْض أيضاً.

وابن النَّعَامة : عَظْم السّاق.

وابن النَّعامة : عِرْق في الرِّجْل.

وابن النَّعامة : مَحَجَّة الطّريق.

وابن النّعامة : الفرسُ الفارِه.

وابن النَّعامة : الساقي الذي يكون على رَأس البِئر.

ويُقال للرَّجُل العالم هو :

ابن بَجْدتها ، وابن بُعْثُطها ، وابن سُرْسُورها ، وابن ثَراها ، وابن مَدِينتها ، وابن زَوْمَلتها ، أي العالِم بها.

وابن الفَأرة : الدِّرْص.

وابن السِّنَّور : الدِّرص أيضاً.

وابن الناقة : البابُوس. ذكره ابن أَحْمر في شِعْره.

وابن الخَلّة : ابن مَخاض.

وابن عِرْس : السُّرْعُوب.

وابن الجرَادة : السِّرْو.

وابن اللَّيْل : اللِّصّ.

وابن الطَّريق : اللِّصّ أيضاً.

وابن غَبْراء : اللِّصّ أيضاً.

وقيل في قول طَرفة :

* رأيتُ بني غَبْراء لا يُنْكرُونني*

إنّ بني غبراء اسمٌ للصَّعاليك الذين لا مالَ لهم ، سُمُّوا : بَني غَبْراء ، للزُوقهم بغَبْراء الأَرض ، وهو تُرابها.

أراد أنه مَشهور عند الفُقراء والأغْنياء.

وقيل : بنو غَبراء : هم الرُّفْقة يَتَناهدون في السَّفَر.

وابن إلَاهة ، وأَلَاهة : ضَوء الشمس ، وهو الضِّحّ.

وابن المُزْنة : الهلال ؛ ومنه قوله :

* رأيْتُ ابْنَ مُزْنَتها جانِحَا*

وابن الكَرَوان : اللَّيْل.

وابن الحُبَارى : النَّهار.

وابن تُمَّرة : طائر. ويقال : التُّمرَّة.

وابن الأرض : الغَدير.

وابن طامِر : البُرْغُوث.

وابن طامِر : الخَسيس من الناس.

وابن هَيَّان ، وابن بَيّان ، وابن هَيّ ، وابن بَيّ ، كُلّه الخَسِيس من الناس.

٣٦٢

وابن النّخلة : الدُّجى (١).

وابن اليَحْنة : السَّوْط. واليَحْنة : النَّخلة الطَّويلة.

وابن الأسد : الشَّيْع ، والحَفْص.

وابن القِردْ : الحَوْدَل ، والرُّبَّاح.

وابن البَرَاء : أول يَوْم من الشّهر.

وابن المازِن : النَّمْل.

وابن الغُراب : البُجّ.

وابن الفوالي : الجانّ. يعني : الحيّة.

وابن القاويّة : فَرخ الحمَام.

وابن الفاسِيَاء : القَرَنْبي.

وابن الحَرام : السَّلا.

وابن الكَرْم : القِطْف.

وابن المَسَرَّة : غُصن الرَّيْحان.

وابن جَلَا : السّيِّد.

وابن دَأْية : الغُراب.

وابن أَوْبر : الكَمْأة.

وابن قِتْرة : الحيّة.

وابن ذُكاء : الصُّبْح.

وابن فَرْتَنى ، وابن تُرْنَى : ابن البَغِيّة.

وابن أَحْذَار : الرَّجُل الحَذِر.

وابن أَقْوال : الرَّجُل الكثيرُ الكَلام.

وابن الفَلاة : الحِرْباء.

وابن الطَّوْد : الحَجر.

وابن حَجِير : الليل التي لا يُرى فيها الهِلال.

وابن آوى : سَبُعٌ.

وابن مَخاض ، وابن لَبُون : من أولاد الإبل.

ويُقال للسِّقاء : ابن الأَدِيم.

فإذا كان أكبر ، فهو : ابن أديمَين ، وابن ثلاثة آدِمة.

وأخبرني المنذريّ ، عن أبي الهيثم أنه قال : يقال : هذا ابنُك ، ويُزاد فيه الميم فيقال : هذا ابْنُمك. فإذا زيدت فِيه الميم أُعرب من مكانَيْن ، فقيل : هذا ابْنُمُك ، فضُمَّت النون والميم ، وأعرب بضَم النون وضم الميم ؛ ومررت بابْنِمِك وأريت ابْنَمَك ، تُتْبع النون الميم في الإعراب ، والألف مكسورة على كل حال.

ومنهم من يُعربه مِن مكانٍ واحد ، فيُعرب الميم لأنها صارت آخر الاسم ، ويدع النون مفتوحةً على كل حال ، فيقول : هذا ابْنَمُك ، وهذا ابْنَمُ زيد ، ومررت بابْنَم زيد ، ورأيت ابنَم زيد ؛ وأَنْشد :

وَلَدْنا بني العَنْقاء وابْني مُحرِّق

فأَكرِمْ بنا حالاً وأَكرم بنا ابْنَما

وزيادة الميم فيه كما زادوها في : شَدْقم ،

__________________

(١) «اللسان» : «الدنيء» ، (إبياري).

٣٦٣

وزُرْقم ، وشَجْعم ، لنوعٍ من الحيّات.

ويُقال فيما يعرف ببنات :

بَنات الدَّم : بنات أَحْمر.

وبنات المُسْنَد : صُروفُ الدَّهْر.

وبَنات مِعًى : البَعَر.

وبَنات اللَّبن : ما صَغُر منها.

وبنات النَّقَا : هي الحُلْكة ، تُشَبَّه بهن بَنان العَذَارى ؛ قال ذو الرُّمة :

* بَنات النّقَا تَخْفَى مِراراً وتَظْهرُ*

وبنات مَخْرٍ ، وبناتُ بَخْرٍ : سحائب يأتين قُبُل الصَّيف مُنْتَصبات.

وبنات غَير : الكَذِب.

وبنات بِئس : الدَّواهي ؛ وكذلك : بنات طَبق ، وبنات بَرح ، وبنات أَوْدَك.

وابنة الجَبْل : الصَّدَى.

وبنات أعْنق : النساء ، ويقال : خيل نُسِبت إلى فَحل يقال له : أَعْنق.

وبنات صَهَّال : الخَيْل.

وبَنات شَحّاج : البِغال.

وبنات الأخْدِريّ : الأُتْن.

وبنات نَعش : من الكواكب الشّماليَّة.

وبنات الأرض : الأنهار الصغيرة.

وبنات المنَى : اللَّيل.

وبنات الصَّدْر : الهُموم.

وبنات المِثال : النِّساء. والمِثال : الفِرَاش.

وبنات طارق : بَنات المُلوك.

وبَنات الدَّوّ : حَمير الوَحْش.

وهي بنات صَعْدة أيضاً.

وبنات عُرْجون : الشَّماريخ.

وبنات عُرْهون : الفُطْر.

[باب النون والميم]

ن م (وايء)

نمى ، نوم ، نيم ، منى ، مأن ، يمن ، ينم ، ونم ، أمن ، نأم ، منأ ، أنم ، منا ، مين ، إنما.

أنم : الليث : الأَنام : ما على ظَهر الأرض من جَميع الخَلْق.

قال : ويجوز في الشّعْر : الأَنِيم.

وقال المُفْسرون في قول الله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠)) [الرحمن : ١٠] هم : الجِنّ والإنس.

والدّليل على ما قالوا أن الله تَعالى قال بعقب ذِكره «الأنام» إلى قوله : (وَالرَّيْحانُ) [الرحمن : ١٢] : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)) [الرحمن : ١٣] ولم يَجْرِ للجنّ ذِكْرٌ قبل ذلك ، إنما ذَكر الجانّ بعده ، فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ

٣٦٤

كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥)) [الرحمن : ١٤ ، ١٥] الآية.

والجنّ والإنس ، هما الثَّقَلان.

وقيل : جاز مُخاطبة الثَّقَلين قبل ذِكرهما معاً ، لأنهما ذُكرا بعقب الخطاب ؛ كما قال المثقَّب العبديّ :

فما أَدري إذا يَمَّمتُ أَرْضاً

أُريد الخَيْرَ أيّهما يَلِيني

أالخير الذي أنا أَبْتَغيه

أم الشّر الذي هو يَبْتَغِيني

فقال : أيهما ، ولم يَجر للشرّ ذِكر إلا بعد تمام البيت.

نأم : أبو زيد : نأم الأَسدُ يَنْئِم نَئِيماً ، وزأر يَزْأر زَئِيراً.

والنَّئِيم ، أهون من الزَّئِير.

ابن السِّكيت : يقال : أَسْكت نَامَته ، مهموزة مخّففة الميم ، وهو من النّئِيم ، وهو الصوَّت الضَّعيف.

ويقال : نامّته بالتَّشديد ، فيجعل من المضاعف ، وهو ما يَنمّ عليه من حَركته.

ويقال : نأم البُوم أيضاً ؛ ومنه قول الشاعر :

* إلّا نَئِيم البُوم والضُّوَعا*

* مأن : أبو زيد : مأنْتُ الرَّجُلَ أمْأَنُه مَأْناً ، إذا أصَبت مأنَته ، وهو ما بين سُرّته وعانَته وشُرْسُوفه.

ويقال : ما مَأَنْت مَأْنه ، ولا شأنْت شأنَه ، ولا انْتبلت نَبْله ، أي ما انتبهت له ولا احتفلت به.

وقال الفراء : أتاني هذا الأَمْرُ وما شأنت شأنه ، ولا مأنت مأنه ، أي لم أُعْمل فيه.

وقال مرةً أخرى : أي ما عَلِمت عِلْمه.

قال : ومثلُه : ما رَبأت رَبْأه.

أخبرني المُنذريّ ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، يقال : ما شأنت شأنه ، ولا مَأَلت مأْله ، ولا هُؤْت هَوْأَه ، ولا ربأت ربأه ، ولا نَبَلْت نَبْله ، ولا مَأنت مَأْنه ، أي ما شَعرت به.

قال : والمأنة : أسفل السُّرة.

وقال أبو تراب : سمعت أعرابيًّا من بني سُليم يقول : ما مأنت مَأْنه ، أي ما عَلِمتُ عِلْمه. وهو بِمَأْنه ، أي بِعلْمه.

وقال شَمر ، قال الفرّاء : أتاني وما مَأنت مَأْنه ، أي : من غير أن تهيّأت ، ولا أَعْددت ، ولا عملت فيه.

ونحوَ ذلك قلت.

شَمر ، عن ابن الأعرابي : أنه أَنشده قولَ المَرّار :

فتهامَسوا شَيْئاً فقالوا عَرِّسوا

مِن غير تَمْئِنَةٍ لغير مُعرَّسِ

قال ابن الأعرابي : تَمْئنة : تهيئة ولا فِكْر ولا نَظر.

٣٦٥

وقد ذهب أبو عُبيد ب «التمَّئنة» في بيت المّرار إلى «المَئِنّة» التي في حديث ابن مسعود.

وقد ذكرته فيما تقدم وبيّنت وجه الصواب فيه (١).

أبو عبيد ، عن الكسائي : مأنت القومَ ، من : المَؤُونة.

ومن تَرك الهمز قال : مُنْتهم أَمُونهم.

قلت : وهذا يدل على أن «المؤونة» في الأصل مَهْموزة.

وقيل : المَؤونة «فَعُولة» من : مُنْته أمُونَه مَوْناً ، وهُمزت «مؤونة» لانْضمام واوها ، وهذا حسن.

وقال الليث : المائِنة : اسم ما يُموَّن ، أي يُتكلَّف ، من «المؤونة».

قال : ومأنة الصَّدر : لحمة سَمِينة أسفل الصَّدر كأنها لَحمةٌ فَضْلٌ.

وكذلك : مأنة الطِّفْطِفة.

قال شَمر : قال ابن الأَعرابي : المأنة : ما بين السُّرّة والعَانة.

ويُجمع : مأنات ، ومُؤُن : وأَنشد :

يُشَبَّهن السَّفِين وهُنّ بُخْتٌ

عِراضاتُ الأَباهِر والمُؤُن

أبو عبيد ، عن أبي زيد : المأنة : الطِّفْطِفة ؛ وأَنْشَد :

إذا ما كُنْتِ مُهْدِيةً فأَهْدِي

من المَأنات أو قِطَع السَّنَامِ

منأ : أبو عُبيد وغيره : المَنيئة ، على «فعيلة» : الجِلْدُ أوّل ما يُدْبغ ، ثم يكون أَفِيقاً ، ثم يكون أَدِيماً.

ومنأتُه : وافقتُه ، مثال «فعلته».

وقال الأصمعيّ والكسائيّ : المَنيئة : المَدْبَغَة.

ابن السِّكيت ، عن الأصمعيّ : المَنيئة الجِلْدُ ما كان في الدِّباغ.

وبَعثت امرأة من العَرب بِنْتاً لها إلى جارتها ، فقالت : تقول لك أُمّي : أعطني نَفْساً أو نَفْسين أَمْعَس به مَنيئتي فإنِّي أَفِدَة.

وأَنْشد ابن السِّكيت :

إذا أنت باكَرْتَ المَنيئَة باكَرَتْ

مَداكاً لها من زَعْفرانٍ وإئمِدَا

أمن : قال اللِّحيانيّ : أمِن فلانٌ يَأْمن أَمْناً ، وأَمَناً ، وأَمَاناً ، وأَمَنَةً.

فهو آمِن ؛ قال الله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) [الأنفال : ١١].

نصب «أَمَنة» لأنه مَفْعول له ، كقولك : فعلت ذلك حَذَر الشَّرّ.

قال ذلك الزجّاج.

وقال اللّحياني : رجل أُمَنَة ، للذي يأمنه

__________________

(١) بابه «أن» ، وسيأتي ، (إبياري).

٣٦٦

الناسُ ولا يَخافون غائلَته.

ويقال : رَجل أَمَنة ، بالفتح ، للذي يصدِّق بكُل ما يَسمع ولا يكذِّب بشيء.

ورُجل أَمَنةً أيضاً : إذا كان يَطمئن إلى كُل أحد.

قال : وسمعت أبا زياد يقول : أنت في أَمْن من ذاك ، أي : في أَمَان.

ويقال : آمن فلانٌ العدوَّ إيماناً. فأَمِنَ يَأْمَن. والعدوّ مُؤْمَن.

قال : وقرأ أبو جعفر المَدِنّي لستُ مؤمنا [النساء : ٩٤] أي : لا نُؤْمنُك.

قال : ويقال : ما كان فلان أمِيناً.

ولقد أمُن يَأْمُن أَمانةً.

وإنّه لرجلٌ أُمّانٌ ، أي : له دِينٌ ؛ وأَنْشد أبو عُبَيد :

ولقد شَهِدْت التاجرَ الأُمَّ

انَ مَوْرُوداً شَرابُه

قال اللِّحياني : رجُلٌ أَمِنٌ وأَمِينٌ : بمعنى واحد ، ومنه قول الله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)) [التين : ٣] ، وتأويله : الآمِن ؛ وأَنْشد :

أَلم تَعْلمي يا أَسْمَ وَيْحك أنّني

حَلَفْتُ يَميناً لا أخُون يَميني

يريد : آمِنِي.

قال شَمر : قال أبو نصر في قوله : «التاجر الأُمَّان» ، هو الأمِين.

وقال بعضهم : الأُمّان : الذي لا يكتب ، لأنه أُمِّيّ.

وقال بعضهم : الأُمّان : الزرّاع.

وأنشد ابن السِّكيت :

شَرِبْت من أَمْن دواء المَشْي

يُدْعَى المَشُوَّ طَعْمُه كالشرْيِ

وقرأت في «نوادر الأعراب» : أعطيت فلاناً مِن أَمْن مالي ، ولم يفسّر.

قلت : كأن معناه : من خالص مالي ، ومن خالص دوَاء المشي ؛ قال الحُوَيْدرة :

ونَقِي بآمِنِ مالِنا أَحْسَابَنا

ونُجِرّ في الهيَجا الرِّمَاحَ ونَدَّعِي

قلت : ونَقِي بآمِن مالنا ، أي : بخالص مالِنا.

الليث : ناقة أَمُون : وهي الأَمينة الوَثيقة.

قال : وهذا «فعول» جاء في موضع «مفعول» ، كما يقال : ناقة عَضُوب وحَلُوب.

وقال الزجّاج في قول القارىء بعد الفراغ من قراءة فاتحة الكتاب «آمين» : فِيه لُغتان : تقول العرب : أمين : بقصر الألف. وآمين : بالمد ؛ وأَنشد في لُغة مَن قَصر :

تباعَد مِنِّي فُطْحُلٌ إذ سألتُه

أَمِين فزاد اللهُ ما بيننا بُعْدَا

وأَنشد في لغة مَن مَدّ «آمين» :

٣٦٧

يا ربّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أَبَداً

ويَرْحَم الله عَبْداً قال آمِينَا

قال : ومعناهما : اللهم استجب ، وهما موضوعان في موضع اسم الاستجابة ، كما أن «صَهْ» موضوعٌ موضع «سُكوتاً».

قال : وحقّهما من الإعراب الوقف ، لأنهما بمنزلة الأصوات ، إذ كانا غير مشتقّين من فعل ، إلا أن النون فُتحت لالتقاء الساكنين ، ولم تكسر النون لثقل الكَسرة بعد الياء ، كما فتحوا : أين ، وكيف.

قلت : يُروى عن مجاهد أنه قال : أمين : اسم من أسماء الله.

وليس يَصِحّ ما قال عِند أهل اللغة أنّه بمنزلة : يا الله ، وأضمر : استجب لي ، ولو كان كما قال لَرُفع إذا أُجري ولم يكن منصوباً.

وحدثني المُنذري ، عن أبي بكر الخطابيّ ، عن محمد بن يوسف العضيضي ، عن المؤمل بن عبد الرحمن ، عن أبي أُمية ، عن سعيد المَقْبري ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : آمين : خاتَمُ ربّ العالمين على عباده المؤمنين.

قال أبو بكر : في تفسير قوله : «آمين خاتم رب العالمين» : معناه : أنّه طابع الله على عباده ، لأنه يدفع به عنهم الآفات والبلايا ، فكان كخاتم الكتاب الذي يَصُونه ويمنع من إفساده ، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به ، ووقوفه على ما فيه.

ورُوي حديثٌ آخر عن أبي هريرة أنه قال : آمين : درجة في الجّنة.

قال أبو بكر : معناه : أنه حرف يَكْتسب به قائلُه درجةً في الجنّة.

قال : وكان الحسن إذا سُئل عن تفسير «آمين» قال : هو : اللهم اسْتَجب.

وقيل : معنى «آمين» : كذلك تكون.

وأخبرني المُنذري ، عن الحرّاني ، عن ابن السكيت ، قال : الأَمِين : المؤتمن ؛ وأَنْشد :

* حلفت يميناً لا أخُون أَمِيني *

أي : الذي يَأْتمنني.

قال : وسمعت أحمد بن يحيى يقول : إذا دعوت قلت : آمين ، بقصر الألف ، وإن شئت طَوّلت.

وقال : وهو إيجاب ، رب افْعل.

ورُوي من عدة طُرق أن «الأمين» اسم من أسماء الله تعالى.

وأما «الإيمان» فهو مصدر : آمن يُؤمن إيماناً ؛ فهو مُؤمن.

واتفق أهل العلم من اللُّغويين وغيرهم أن «الإيمان» معناه : التَّصْديق ؛ وقال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤].

٣٦٨

وهذا موضع يَحتاج الناس إلى تفهّمه ، وأين يَنْفصل المُؤمن من المُسلم ، وأين يستويان؟

فالإسلام إظهار الخُضوع والقَبول لما أتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبه يُحقَن الدَّم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديقٌ بالقلب فذلك الإيمان ، الذي يُقال للموصوف به : هو مؤمن مسلم ، وهو المؤمن بالله ورسوله ، غير مرتاب ولا شاك ، وهو الذي يَرى أن أداء الفرائض واجبٌ عليه ، وأن الجهاد بنفسه وماله واجبٌ عليه ، لا يدخله في ذلك رَيب ، فهو المؤمن وهو المُسلم حقًّا ؛ كما قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)) [الحجرات : ١٥] أي : أولئك الذين قالوا إنّا مُؤْمنون ، فهم الصادقون.

فأما من أظهر قبول الشَّريعة واستسلم لدفع المكروه ، فهو في الظاهر مُسْلم وباطنُه غَير مصدِّق ، فذلك الذي يقول : أَسلمت ، لأن الإيمان لا بدّ من أن يكون صاحبه لا صدِّيقاً ، لأن قولك : آمنت بالله ، أو قال قائل : آمنت بكذا وكذا ، فمعناه : صَدّقت ، فأخرج الله تعالى هؤلاء من الإيمان ، فقال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] ، أي : لم تصدِّقوا إنما أَسْلمتم تعوُّذاً من القتل.

فالمؤمن مُبطن من التَّصديق مثل ما يُظهر ، والمُسلم التامّ الإسلام مُظْهرٌ الطاعة مؤمن بها ، والمسلم الذي أظهر الإسلام تعوُّذاً غيرُ مؤمن في الحقيقة ، إلا أنّ حُكمه في الظاهر حُكْم المُسلمين.

وقال الله تعالى حكايةً عن إخوة يوسف لأبيهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧]. لم يختلف أهل التفسير أن معناه : وما أنت بمصدِّق لنا.

والأصل في الإيمان الدُّخول في صِدْق الأمانة التي ائتمنه الله عليها ، فإذا اعتقد التَّصديق بقلبه كما صدَّق بلسانه ، فقد أدّى الأمانة وهو مؤمن ، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤدٍّ للأمانة التي ائتمنه الله عليها وهو مُنافق.

ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقَلب ، فإنه لا يَخلو مِن وجهين : أحدهما : أن يكون منافقاً يَنْضح عن المنافقين تأييداً لهم.

أو يكون جاهلاً لا يَعلم ما يَقوله وما يُقال له ، أَخرجه الجهل واللَّجاج إلى عِناد الحق وتَرك قَبُول الصواب.

أعاذنا الله من هذه الصفة وجعلنا ممن عَلم فاسْتعمل ما عَلِم ، أو جهل فتعلّم ممن علم ، وسلّمنا من آفات أهل الزَّيغ والبدع. و (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

٣٦٩

وفي قول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)) [الحجرات : ١٥] ما يبيّن لك أن «المؤمن» هو المُتضمن لهذه الصفة ، وأن من لم يتضمّن هذه الصفة فليس بمؤُمن ، لأن «إنما» في كلام العرب تجيء لتثبيت شيء ونفي ما خالفه. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال النضر : قالوا للخليل : ما الإيمان؟

فقال : الطُّمَأنينة.

قال : وقالوا للخليل : تقول : أنا مؤمن؟

قال : لا أقوله. وهذه تزكية.

والْمُؤْمِنُ : من أسماء الله تعالى ، الذي وَحَّد نَفْسه بقوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣] وبقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨].

وقيل : الْمُؤْمِنُ في صفة الله : الذي آمن الخَلْق من ظُلمه.

وقيل : الْمُؤْمِنُ : الذي آمن أولياءَه عذابَه.

قال ابن الأعرابي : وقيل : الْمُؤْمِنُ : الذي يصدق عبادَه ما وَعدهم.

وكُلّ هذه الصِّفات لله تعالى ، لأنه صَدَّق بقوله ما دعا إليه عبادَه من تَوحيد ، ولأنه آمَن الخَلْق من ظلمه ، وما وعدنا من البعث ، والجنة لمن آمن به ، والنار لمن كفر به ، فإنه مُصدِّق وَعده لا شريك له.

ويقال : استأمنني فلان.

فآمَنته أُومنه إيماناً.

وقُرىء في سَجدة بَراءة : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) [التوبة : ١٢].

فمن قرأ بكسر الألف ، فمعناه : إنهم إذا أجارُوا وآمَنُوا المُسلمين لم يَفُوا وغَدَروا.

والإيمان ، ها هنا : الإجارة والأمانة.

حدثنا السعدي ، حَدثنا البكائي ، حدثنا عبد الله ، عن أبي هلال ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عَهْد له».

ويقال : أمّن الإمام والدّاعي تَأْمِيناً ، إذا قال بعد الفراغ من أم الكتاب : آمِين.

وأما قول الله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأحزاب : ٧٢] فقد رُوي عن ابن عبَّاس وسَعيد بن جُبير ، أنهما قالا : الأمانة ، هاهنا : الفرائض التي افترضها الله على عِباده.

وقال ابن عمر : عُرضت على آدم الطاعة والمَعْصية ، وعُرِّف ثواب الطاعة وعقاب المَعْصية.

والذي عندي فيه : أن الأمانة ، هاهنا : النِّية التي يَعْتقدها الإنسان ، لأن الله ائتمنه عليها ولم يُظهر عليها أحداً من خَلقه ، فمن أَضْمر من التّوحيد والتصديق مثل ما أظهر ، فقد أدّى الأمانة ، ومن أَضْمر

٣٧٠

التكذيب وهو مصدِّق باللّسان في الظاهر ، فقد حمل الأمانة ولم يؤدّها ، وكُل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل.

والإنسان في قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الأحزاب : ٧٢] ، هو : الكافر الشاكّ الذي لا يُصدِّق ، وهو الظلوم (١) الجهول ، يدلّك على ذلك قوله تعالى : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)) [الأحزاب : ٧٣].

اللحياني : يقال : ما آمن أن يَجد صحابةً ، إيماناً ، أي : ما وثق.

والإيمان ، عنده : الثقة.

ابن الأنباري : رجل مؤمن : مصدِّق بالله ورُسُله.

وآمنت بالشيء ، إذا صدّقت به ، قال الله تعالى : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٦١]. وأَنشد :

ومن قَبْل آمنَّا وقد كان قَوْمُنا

يُصلُّون للأوثان قبلُ محمَّدا

معناه : ومن قبل آمنّا محمدا ، أي : صدّقناه.

قال : والمسلم : المُخلص لله العبادة.

نمى : روينا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «ليس بالكاذب من أَصلح بين الناس ، فقال خيراً ونَمَى خَيْراً».

قال أبو عبيد : قال الأصمعي : يقال : نَميت حديث فلان إلى فلانٍ ، أَنْميه ، إذا بلّغته على وجه الإصلاح وطلب الخير.

قال : ومعنى قوله : ونمى خيراً ، أي أَبلغ خيراً ورَفع خيراً.

وكُل شيء رَفَعْته ، فقد نَمَيْته ؛ ومنه قولُ النابغة الذُّبياني :

* وانْمِ القَتُود على عَيْرانةٍ أُجُدِ*

قال : ولهذا قيل : نَمَى الخِضابُ في اليد والشَّعر ، إنما هو ارتفع وعلا وزاد ، فهو يَنْمي.

وزعم بعض الناس أن «ينمو» لغة.

قال الأصمعي : وأمّا التَّنْمية ، فمن قولك : نَمَّيت الحديث أُنَمِّيه تَنْميةً ، بأن يُبَلِّغ هذا عن هذا على وجه الإفساد والنَّميمة.

وهذه مذمومة ، والأُولى مَحمودة.

والعرب تفرّق بين «نميت» مخففة ، وبين «نميت» مشدّدة ، بما وصفت ، ولا اختلاف بين أهل اللغة فِيه.

ويقال : انتْمَى فلانٌ إلى فلان ، إذا ارتفع إليه في النّسَب.

ونماه جَدُّه ، إذا رَفع إليه نسبه ؛ ومنه قوله :

* نَماني إلى العَلْياء كُلُّ سَمْيَدع*

__________________

(١) في المطبوع : «المظلوم».

٣٧١

وكُلّ ارتفاع : انْتماء.

يقال : انتمى فلانٌ فوق الوسادة ؛ ومنه قولُ الجَعْدي :

إذا انْتَميا فوق الفِراش عَلَاهما

تضوُّعُ رَيّا رِيحِ مِسْكٍ وعنَبْرِ

ابن الأعرابي : عن المفضّل ، قال : يقال للكَرمة : إنها لكثيرة النّوامي ، وهي الأَغْصَان. واحدتها : نامية.

وإذا كانت الكرمة كثيرة النوامي ، فهي : عاطِبَة.

وفي حديث ابن عباس : إن رجلاً أتاه فقال له : إني أرمي الصّيْد فأُصْمِي وأُنْمِي.

فقال : كُلْ ما أَصْمَيت ودَع ما أَنْمَيْت.

والإصماء : أن يَرْميه فيَقتله على المكَان بعينه قبل أن يَغِيب عنه. والإنماء : أن يرميه فيَغيب عن عين الرّامي ويموت وهو لا يراه ، فيجده ميتاً ، ولا يجوز أكله لأنّه لا يؤمَن أن يكون قتله غيرُ سَهمه الذي رماه به.

يقال : أَنْميت الرّميّةَ.

فإن أردت أن تجعل الفعل للرّمِيّة ، قلت : قد نَمَت تَنْمى ، أي : غابت وارتفعت إلى حيث لا يراها الرّامي.

قلت : قال امرؤ القَيس :

فَهو لا تَنْمِي رَمِيّته

ما له لا عُدّ مِن نَفَرِهْ

وقال الليث : نَمَيْت فلاناً في النسب ، أي رَفَعْته.

فانتمى في نَسَبه.

وتنمّى الشيءُ تَنمِّياً ، إذا ارتفع ؛ قال القُطَامِيّ :

فأَصْبح سَيْل ذلك قدت تنَمّى

إلى مَن كان مَنْزِله يَفَاعَا

قال : والأشياء كلّها على وجه الأرض : نامٍ وصامت.

فالنامِي : مثل : النبات والشجر ونحوه.

والصامت : كالحجر والجَبل ونحوه.

والنّامية من الإبل : السَّمينة.

يُقال : نَمَت الناقةُ ، إذا سَمِنت.

سَلمة ، عن الفرّاء ، قال : النامية : الخَلْق ؛ ومنه الحديث : «لا تُمثِّلوا بنامية الله» ، أي بخَلْقه.

وقال غيرُه : يقال : أَنْميتُ لفلان ، وأَمْدَيت له ، وأمْضيت له ، وتفسير هذا : تَرْكه في قليل الخطأ حتى يبلغ به أقصاه ، فيُعاقب في موضع لا يكون لصاحب الخطأ فيه عُذْر.

أبو عُبيد (١) ، عن الأصمعيّ : النُّمِّيّ : الفَلس ، بالرّومية ؛ وقال النابغة الذُّبْيَاني :

__________________

(١) الكلام من هنا إلى آخر المادة ساقه ابن منظور في «اللسان» (نم) ، (إبياري).

٣٧٢

وقارَفَتْ وَهْي لم تَجْرَبْ وباعَ لها

مِن الفَصَافِص بالنُّمِّيّ سِفْسِيرُ

وقال شَمر : النُّمِّي : فُلوسٌ مِن رَصَاص.

وقال بعضهم : ما كان من الدَّراهم فيه رَصاص أو نُحاس ، فهو نُمِّي.

وكانت بالحِيرة على عَهد النُّعمان بن المُنذر.

ونُمِّيّ الرَّجُل : نُحاسه وطَبْعه ؛ قال أبو وَجْزة :

ولو لا غيره لَكَشَفْتُ عنه

وعن نُمِّيِّه الطَّبع اللَّعِين

نوم : يُقال : نام الرَّجُلُ يَنَام نَوْماً. فهو نائم ، إذا رَقَد.

ونامت الشاة وغيرُها من الحيوان ، إذا ماتَت.

وفي حديث علي : إنه حثّ على قتال الخوارج فقال : إذا رأيتُموهم فأَنيموهم ، أي : اقْتُلوهم.

قال الفراء : النائمة : المَيتة.

والنامية : الجُثّة.

أبو عبيد ، عن أبي زيد : نامت السُّوق وحَمُقت ، إذا كَسَدت.

وقال غيره : نام الثَّوْب والفَرْوُ ، إذا أَخْلَق.

والمَنامة : القَطِيفة.

والمَنام : مصدر : يَنام نَوماً ومَناماً.

وجمع «النائم» : نِيام ، ونُوّام ، ونُوَّم ، ورجل نَوْمٌ ، وقوم نَوْمٌ ، وامرأة نَوْمٌ ، ورَجُلٌ نَوْمانُ : كثير النَّوْم ، ورَجُلٌ نُوَمةٌ : ينام كثيراً ، ورَجُلٌ نُوَمة ، إذا كان خامِل الذِّكْر.

وفي الحديث : إنّما يَنْجُو من شَرّ ذلك الزَّمان كُلُّ مؤمن نُوَمة ، أولئك مَصابِيح العُلماء.

قال أبو عُبيد : النُّوَمة : الخامِلُ الذِّكْر الغامِض في النّاس ، الذي لا يَعْرف الشَّرَّ ولا أَهْلَه.

اللَّيث : رجل نَوِيمٌ ونُوَمَة ، أي : مُغَفَّل.

ويقال : اسْتَنام فلانٌ إلى فلان ، إذا أَنِس به واطمأَنّ إليه ، فهو مُسْتَنِيم إليه.

وقال بعضهم : يقال : نامَ إليه ، بهذا المَعْنى.

وأقرأني المُنذريّ ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي أنّه أَنشده :

فقلت تَعَلَّم أنّني غيرُ نائم

إلى مُسْتَقِلٍّ بالخيانة أَنْيبَا

قال : غير نائم ، أي : غير واثق به.

والأَنْيب : الغَليظ الناب ، يخاطب ذِئْباً.

وقال غيره : استنام الرَّجُلُ ، بمعنى : تناوم شَهْوةً للنَّوم ؛ وأَنْشد :

* إذا اسْتنام راعه النَّجِيّ*

قال شَمِر : رُوي عن ابن عباس أنه قال لعلي : ما النُّوَمة؟ فقال : الذي يَسْكُن في

٣٧٣

الفِتْنة فلا يَبْدو منه شيء.

قال : وقال ابن المبارك : هو الغافل عن الشَّرّ.

وقيل : هو العاجز عن الأُمور.

وقيل : هو الخامل الذّكر الغامِض في الناس.

قال شَمِر : وكُلّ شيء سَكن ، فقد نام.

وما نامت السّماءُ الليلة مَطراً.

واسْتَنام أيضاً ، إذا سَكن ؛ قال العجّاج :

* إذا اسْتنام راعه النَّجِيّ (١) *

ونام الماء ، إذا دام وقام.

ومنامه ، حيث يَقُوم.

نيم (٢) : عمرو ، عن أبِيه : النِّيم : النّعْمة التامّة.

والنِّيم : ضَرْبٌ من العِضاه ؛ قال الهُذليّ :

ثم يَنُوش إذا أَدَّ النَّهارُ له

بعد التّرقُّب من نِيمٍ ومن كَتَمِ

والنِّيم والكَتَم : شجرتان من العِضَاه.

أبو عُبيد : عن أبي الحسن الأعرابي ، قال : النِّيم : الفَرْو.

والنِّيم أيضاً : الدَّرَج الذي في الرِّمال إذا جرت عليه الرّيح ؛ وأَنشد لذي الرُّمّة :

حتّى انْجلى اللَّيْلُ عنّا في مُلَمَّعةٍ

مِثْل الأَدِيم لها مِن هَبْوَةٍ نِيمُ

ويقال : أَخذه نُوَام ، وهو مثل السّبات يكون من داءٍ به.

أبو نصر : النِّيم : الفَرْو القَصِير إلى الصَّدْر.

قيل له : نِيم ، أي : نِصف فرو ، بالفارسية ، قال رُؤبة :

وقد أرَى ذاك فلن يَدومَا

يُكْسَيْن من لِينِ الشَّبَابِ نِيمَا

وفُسِّر أنه الفَرْو.

وقيل : النِّيم : فَرْوٌ يُسَوَّى من جُلود الأرانب ، وهو غالي الثَّمن.

ويُقال : فلانٌ نِيمِي ، إذا كنت تَأْنس به وتَسْكُن إليه.

وقال الليث : في قول الله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) [الأنفال : ٤٣]. أي : في عَيْنك.

وقال الزجّاج : رُوي عن الحسن أن معناها : في عَيْنك التي تَنام بها.

قال : وكثير من أهل النحو ذَهَبُوا إلى هذا.

ومعناه عندهم : إذ يُريكهم الله في مَوضع مَنامك ، أي : في عَيْنك ، ثم حذف

__________________

(١) مر هذا قبل ذلك بقليل ، وفي مكانه الأول أورده ابن منظور (إبياري).

(٢) جمع ابن منظور بين (نوم) و (نيم) وذكره كله في الأول (إبياري).

٣٧٤

«الموضع» وأقام «المنام» مُقامَه.

وهذا مَذْهَبٌ حَسَنٌ. ولكن قد جاء في التفسير أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآهم في النَّوم قليلاً ، وقَصّ الرُّؤيا على أَصحابه ، فقالوا : صدقت رُؤْياك يا رسول الله.

قال : وهذا المَذهب أَسْوغ في العَرَبيّة ، لأنه قد جاء : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤] فدلّ هذا على أنّ هذا رُؤية الالتقاء وأنّ تلك رُؤْية النَّوم.

ابن الأعرابي : نام الرجل ، إذا تَواضع لله.

يمن : الليث : اليُمْن ، نظير «البَرَكة».

يقال يَمُن الرَّجُلُ ، فهو مَيْمُون.

وأخبرني المُنذري ، عن أبي الهيثم أنه قال : روى سَعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قال في (كهيعص (١)) [مريم : ١] هو : كافٍ هادٍ يَمينٌ عزيزٌ صادقٌ.

قال أبو الهيثم : فجعل قولَه «كاف» أول اسم الله «كافٍ» ، وجعل «الهاء» أول اسمه «هاد» ، وجعل «الياء» أول اسمه يمين ، من قولك : يَمَن اللهُ الإنْسَانَ يَيْمُنه يَمْناً ويُمْناً ، فهو مَيْمون.

قال : فاليمين واليامن ، يكونان بمعنى واحد ، كالقدير والقادر ؛ وأنشد قولَ رؤبة :

* بَيْتَك في اليامن بَيْت الأيْمَن *

فجعل اسم اليمين مشتقاً من «اليمن» ، والله أعلم.

قال : وجعل «العين» : عزيزاً ، و «الصاد» : صادقاً.

قلت : واليَمين ، في كلام العرب ، على وجوه : يقال لليد اليُمنى : يَمين.

واليمين : القوة ؛ ومنه قولُ الشّماخ :

رأيتُ عَرابَة الأَوْسِيّ يَسْمُو

إلى الخَيْرات مُنْقَطع القَرِين

إذا ما رايةٌ رُفِعت لِمَجْدٍ

تلّقاها عرابةُ باليَمينِ

أي : بالقُوة.

وقال : بمنزلة حَسَنة.

ويقال : قَدِم فلانٌ على أَيْمن اليَمِين ، يَعْني : اليُمْن.

قال : وقوله «تلّقاها عرابة باليمين» ، أراد : باليُمْن.

وقيل : أراد : باليَد اليُمْنى.

وقيل : أراد : بالقُوة والحقّ.

وأما قوله تعالى : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات : ٢٨].

قال الزجّاج : هذا قَول الكُفَّار الذين أضلّوهم ، أي : كنتم تَخْدعوننا بأقوى الأسباب ، فكنتم تأتوننا من قِبل الدِّين فتُروننا أنّ الدّين والحق ما تُضلوننا به.

٣٧٥

وكذلك قيل في قوله تعالى : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] : مِن قِبَل دِينهم.

وقال بعضهم : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) ، أي : لأُغْوينهم حتى يكذّبوا بما تقدّم من أُمور الأُمم السابقة ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ، حتى يكذبوا بأمر البَعث ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) ، أي : لأُضّلنهم فيما يعلمون لأَمْر الكَسب ، حتى يُقال فيه : ذلك بما كسبت يداك ، وإن كانت اليَدان لم تَجْنيا شيئاً ، لأن اليدَين الأصل في التصرّف ، مثلاً لجميع ما عُمِل بغيرهما.

وأما قوله تعالى : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣)) [الصافات : ٩٣] ، ففيه أقاويل : أحدهما : بيَمينه ، وقيل : بالقُوّة.

وقيل : وبيَمينه التي حَلف حين قال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)) [الأنبياء : ٥٧].

قال اليزيدي : ويَمَنْت أصحابي : أَدْخلْتُ عليهم اليُمن.

وأنا أيْمنهم يُمْناً ويُمْنَةً.

وشَأمتُ أصحابي : أَدْخلتُ عليهم الشُّؤْمَ.

وأنا أَشْأَمهم شُؤْماً ، وشَئِمت عليهم ، وأنا مَشْؤوم عليهم.

قال : وشأمتهم : أخذت على شَمائلهم.

ويَسرتهم : أخذت على يَسارهم ، يَسْراً.

وفي حديث عُمر حين ذكر ما كان فيه من القَشَف والقِلّة في جاهليَّته وأنّه وأُخْتاً له خَرَجا يَرْعيان ناضِحاً لهما ، وأنّ أُمّهما زَوَّدَتْها بِيُمَيْنَتَيْها من الهَبيد كُلّ يوم.

قال أبو عُبيد : وَجه الكلام : بيُمَيِّنَيْها بالتشديد ؛ لأنه تَصغير «يمين» ، لكن قال : يُمَيْنَيْها ، على تصغير التّرخيم.

وإنما قال : يُمَيْنَيها ، ولم يقل : يَديها ، ولا كَفَّيها ، لأنه لم يُرد أنها جَمعت كَفَّيها ثم أعطتهما بجميع الكفّين ، ولكنه إنما أراد أنها أَعطت كُلّ واحد كفًّا واحداً بِيَمينها ، فهاتان يَمِينان.

وقال شمر : قال غير أبي عُبيد : إنما هو يُمَيِّنَيْها.

قال : وهكذا سمعتُ من يَزيد بن هارون.

قال شَمر : والذي أختاره بعد هذا : يُمَيْنَتَيْهَا ، لأن «المينة» إنما هي فِعل : أَعطى يَمْنةً ويَسْرةً.

قال : وسمعتُ من لَقيت من غَطَفان يتكلّمون فيقولون : إذا أَهْوَيت بيَمينك مَبْسوطةً إلى طعام أو غيره فأعْطيت بها ما حَملته مَبْسوطة فإنك تقول : أَعطاه يَمْنةً من الطَّعام ؛ فإن أعطاه بها مَقْبوضةً قال : أعطاه قَبْضةً من الطعام ؛ وإن حَثَى له بيده ، فهي الحَثْيَة ، والْحَفْنَة.

قلت : والصواب عندي ما رَواه أبو عُبيد : يُمَيْنَتَيْها.

٣٧٦

وهو صحيح كما رَوى ، وهو تصغير «يَمْنَتَيْها» أراد : أنها أعطت كُلَّ واحد منهما بِيَمينها يمنةً ، فصغّر «اليمنة» : يُمَيْنة ، ثم ثناها فقال : يُمَيْنتين.

وهذا أحسن الوجوه مع السّماع.

وفي حديث عُروة بن الزّبير أنه قال : لَيْمُنُك لئن كنت ابْتليت لقد عافَيْت ، ولئن كُنت أَخَذْت لقد أَبْقَيت.

قال أبو عُبيد : قوله لَيْمُنُك ، وأيْمُنُك ، إنما هي يَمين ، وهي كقولهم : يمين الله ، كان يحلفون بها.

قال امرؤ القَيس :

فقلتُ يَمينُ الله أَبْرح قاعِداً

ولو ضَرَبُوا رأسِي لَدَيْك وأَوْصالِي

فحلف بيمين الله.

ثم تجمع «اليمين» أَيْمناً ؛ كما قال زُهير :

فتُجْمع أيمُنٌ منّا ومِنكم

بمُقْسَمة تَمُور بها الدِّمَاءُ

ثم يحلفون بأَيْمن الله فيقولون : وأيمن الله أفعل كذا وكذا ، وأَيْمُنك يا رب ، إذا خاطب ربَّه.

فعلى هذا قال عُروة : لَيْمُنُك.

هذا هو الأصل في «أَيمن الله» ثم كثر في كلامهم وخفّ على ألسنتهم حتى حَذفوا النون كما حذفوها من «لم يكن» ، فقالوا : «لم يك» ، وكذلك قالوا : أَيم الله.

وفيها لغات سواها.

قلت : أحسن أبو عبيد في جميع ما قال ، إلا أنه لم يُفَسّر قوله : «أيْمُنُك» ، لم ضُمّت النون.

قال : والعلّة فيها كالعلّة في قولهم : لعمرك ، كأنه أُضمر فيها يَمينٌ ثان ، فقيل : وأَيْمُنك فلأَيمنكَ عَظِيمة ، وكذلك : لَعَمْرك فَلَعَمْرك عَظِيم.

قال : قال ذلك الفراء والأحمر.

وقال أحمد بن يحيى في قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ) [النساء : ٨٧] كأنه قال : والله الذي لا إله إلا هو ليجمعنَّكم.

وقال غيره : العرب تقول : أيم الله ، وهيم الله.

الأصل : أيمن الله ، وقَلبت الهمزة هاء ، فقيل : هَيم الله.

وربما اكتفوا بالميم وحَذفوا سائر الحروف ، فقالوا : مُ الله ليفعلنّ كذا.

وهي لغات كلّها ، والأصل : يمين الله ، وأَيْمن الله.

وقال بعضهم : قيل للحلف : يمين ، باسم : يمين اليد ، وكانوا يَبْسطون أيمانهم إذا حَلفوا ، أو تحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا ، ولذلك قال عُمر لأبي بكر : ابْسُط يدك أبَايعْك.

قلت : وهذا صحيح ، وإن صح أن «يميناً»

٣٧٧

من أسماء الله ، كما روي عن ابن عباس ، فهو الحلف بالله.

غير أني لم أسمع «يميناً» في أسماء الله إلا ما رواه عطاء بن السائب ، عن ابن جُبير ، عنه ، والله أعلم.

والعرب تقول : أخذ فلان يميناً وأخذ يساراً ، وأخذ يَمْنة وأَخذ يَسْرة.

وأصحاب الميمنة في كتاب الله : أصحاب اليَمين.

وتَيامن فلان : أَخذ ذاتَ اليمين.

وتياسر : أخذ ذات اليَسار.

الحرّاني ، عن ابن السّكيت ، يقال : يامِن بأصحابك ، وشائِم بهم ، أي : خُذ بهم يميناً وشمالاً.

ولا يقال ، تيامن بهم ، ولا تَياسر بهم.

ويُقال : تيامن القومُ وأَيْمَنُوا ، إذا أَتَوا اليَمن.

ابن الأنباريّ : العامّة تغلط في معنى «تيامن» فتظن أنه أَخذ عن يَمينه ، وليس كذلك معناه عند العرب ، إنما يقولون : تيامَن ، إذا أَخذ ناحية اليمن ، وتشاءم ، إذا أخذ ناحية الشام ، ويامن ، إذا أخذ عن يمينه ، وشاءم ، إذا أخذ عن شماله.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا نَشأت بَحْرِيّةً ثم تشاءَمت فتلك عَيْنٌ غُدَيْقَة».

أراد : إذا ابتدأت السّحابة من ناحية البَحر ثم أخذت ناحية الشّام.

ويقال : أشأم الرَّجُل وأيمن ، إذا أَراد اليمين! قال : ويامن وأيمن أيضاً ، إذا أراد اليمَنَ.

ويقال : لناحية اليَمن : يَمين ، ويَمَن.

وإذا نَسبو إلى «اليمين» قالوا : يَمينيّ.

وإذا نسبوا إلى «اليمن» قالوا : يَمانٍ.

قال : واليُمْنة ، واليَمنة : ضربٌ من بُرود اليمين.

وقيل لناحية اليمن : يَمَنٌ ، لأنها تلي يمين الكَعبة.

كما قيل لناحية الشام : شام ، لأنها عن شِمال الكعبة.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مُقبل من تَبوك : «الإيمان يَمانٍ والْحِكْمة يمانِية».

قال أبو عُبيد : إنما قال ذلك لأَن الإيمان بَدا من مكة ، لأنها مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومبعثه ، ثم هاجر إلى المدينة.

ويقال : إن مكة من أرضِ تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا سُمّي ما ولي مكة من أرض اليمين واتصل بها : التهائم.

فمكة على هذا التفسير يمانية ، فقال : الإيمان يمانٍ ، على هذا.

وفيه وجه آخر : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عَنى بهذا القول الأَنصار ، لأنهم يَمانُون ، وهم نَصروا الإيمان ، فنُسب الإيمان إليهم.

٣٧٨

وهو أحسن الوُجوه عندي.

قال : ومما يُبيِّن ذلك حديثُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لمّا وَفد عليه وَفْدُ اليمن : «أتاكم أهلُ اليَمن ، هم أَلْين قلوباً وأرَق أفئدة ، الإيمان يَمانٍ والحكمة يمانِية».

وقولهم : رَجُل يمانٍ ، منسوب إلى «اليَمن».

كان في الأصل ، يمنيّ ، فزادوا ألفاً قبل النون ، وحذفوا ياء النِّسْبة.

وتهامة ، كانت في الأصل تَهَمة ، فزادوا ألفاً ، فقالوا تهَام.

وهذا قول الخليل وسيبويه.

ويقال : فلٌا يُتَيمّن برأيه ، أي يُتبرَّك به.

والتَّيَمُّن : المَوت.

يقال : تَيمَّن فلانٌ تَيَمُّناً ، إذا مات.

والأصل فيه أنّه يُوَسَّد يمينَه إذا ماتَ في قَبره ؛ وقال الجعديّ :

إذا ما رأيت المرء عَلْبَى وجِلْدَه

كضَرْحٍ قديمٍ فالتيمُّن أَرْوَحُ

عَلْبى : اشتدّ عِلباؤُه وامتدّ. والضَّرْح : الجِلْد.

وجمع «الميمون» : ميامِين ، وقد يَمنَه الله يُمناً ، فهو مَيْمُون.

والله اليامن ، وجمع الميمنة : مَيامن.

ينم : اليَنَمة : عُشْبة.

والعرب تقول : قالت اليَنَمة : أنا اليَنَمه ، أَغْبُق الصَّبِيّ بعد العَتَمه ، وأكُبّ الثُّمال فوق الأَكَمه.

اليَنَمة : عُشْبة إذا رَعَتها الماشيةُ كَثُرت رَغْوة ألبانها في قِلّة.

(١) مأن : أبو سعيد : يقال : امْأن مَأْنك ، أي : اعْمل ما تُحْسن.

ويقال : أنا أمأنه ، أي : أحسنه.

وكذلك : أشْأَنْ شَأَنك ؛ وأَنْشد :

إذا ما عَلِمْتُ الأَمْر أقْرَرْتُ عِلْمَه

ولا أَدَّعي ما لَسْتُ أَمْأَنُه جَهْلَا

كفى بامْرىءٍ يوماً يقول بعِلْمه

ويَسْكُت عمّا ليس يَعْلَمه فَضْلَا

مين : المَيْن : الكَذِب ، يُقال : مان يَمين مَيْناً ، فهو مائن ، أي كاذب.

وفلان مُتماين الوُدّ ، إذا كان غير صادق الخُلّة ؛ ومنه قول الشاعر :

رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ ما ثَدْي أُمِّهم

إلينا ولكن وُدّهم مُتمايِنُ

ويروى : مُتَيامن ، أي : مائل إلى اليَمن.

ويُقال (٢) : مان فلانٌ أهلَه يَمُونهم مَوْناً ، إذا عالهم.

__________________

(*) تابعة تكملة لمادة (مأن) السابقة (ص : ٣٣٠).

(١) هذا من الواوي ، وكذا ذكره ابن منظور ، (إبياري).

٣٧٩

ومِين فلانٌ يُمَان ، فهو مَمُون.

ابن الأعرابي : مان ، إذا شَقّ الأرْض للزَّرع.

وقال أبو عمرو : المانُ : السِّكة التي يُحرث بها.

وقال ابن الأعرابي : التموُّن : كثرة النَّفقة على العِيال.

والتَّومُّن : كثرة الأَولاد.

وقال الفَرّاء (١) : المِيناء : جَوْهر الزُّجَاج الذي يُعمل الزّجاج منه ، مَمْدُود.

والمينا : الموضع الذي تُرْفأ إليه السُّفن ، يُمد ويُقصر ، والقصر فيه أكثر ؛ وأنْشد في المَدّ :

فلما اسْتقلت مِ المَناخ جِمالُها

وأَشْرَفْن بالأَحْمال قُلْتُ سَفِينُ

تأطَّرن بالمِيناء ثم جَزَعْنه

وقد لَحّ من أَحمالهنَّ شُحُونُ

وقال الفراء : والمينى ، مقصور ، الموضع الذي تُرفأ إليه السفن ، يكتب بالياء.

منى : والمَنَا : بفتح الميم مقصور : الذي يُوزن به ، يُكتب بالأَلف ، ويثنّى ، فيقال : مَنَوان.

قاله ابن السّكيت.

قال : ويقال : هو مِنّي بمَنَى مِيل ، أي بقَدْرِ ميل.

وحكى الفراء : داري بِمَنَى داره ، أي بحِذائها.

قال : والمَنَى ، بالياء : القَدَر.

وقد مَنَى الله لك ما يَسُرّك ، أي قَدّر الله لك ما يَسُرّك ؛ قال صَخر الغَيّ :

لعمرو أَبِي عمرو لقد ساقه المَنَى

إلى جَدَثٍ يُوزَى له بالأَهاضِبِ

أي ، ساقه القَدَر.

وقد مَنَى اللهُ لك المَوت يَمْنيه ؛ وأَنْشد :

ولا تقولَنْ لشيءٍ سوف أَفْعَله

حتى تُلاقِيَ ما يَمْنِي لك المَانِي

أي : ما يقُدِّر لك القادر.

وقال الآخر :

مَنَتْ لك أن تُلاقِيَني المَنَايَا

أُحادَ أُحادَ في الشَّهر الحَلالِ

أي : قدرت لك الأقْدار.

ابن الأنباري : أخبرني ثَعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : قال الشَّرقي بن القُطامي :

المَنايا : الأَحداث. والحِمامُ : الأَجَل.

والحَتْف : القَدَر. والمَنون : الزَّمان.

الليث : المَنا : الموت. وكذلك : المَنِيّة.

اللِّحياني : مَناه الله بحُبّها يمنيه ويَمْنوه ،

__________________

(١) مكان هذا في «اللسان» : «ونى» ، (إبياري).

٣٨٠