تهذيب اللغة - ج ١٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

ويُقال : أَبْليت فلاناً ، إذا حَلَفْت له فطَيَّبت بها نَفْسَه ؛ وقال أَوْسُ بن حَجَر :

كأنّ جَدِيدَ الأَرْض يُبْلِيك عنهمُ

تَقِيَّ اليَمِين بعد عَهْدِك حالِفُ

يقول : كأنّ جديد أرض هذه الدار ، وهو وَجْهُها ، لَما عفا من رُسومها ، وامَّحى من آثارها ، حالِفٌ تقيّ اليمين يحلف لك أنه ما حَلّ بهذه الدار أحدٌ لدُروس معاهدها ومعالمها.

والبَلِيّة : الناقةُ تُعْقل عند قَبر صاحبها فلا تُعْلف حتى تَموت ، وجمعها : البَلَايا.

وكان أهل الجاهلية يَفعلون ذلك.

ويُقال : قامت مُبلّيات فلان يَنُحْن عليه ، وهن النِّساء اللَّواتي يَقُمْن حول راحلته فَيَنُحن إذا مات أو قُتل ؛ وقال أبو زُبيد :

كالبَلايا رُؤُوسها في الوَلَايَا

مانِحَاتِ السَّمُوم حُرَّ الخُدود

ويقال : ناقتك بَلْوُ سَفر ، إذا أَبْلاها السَّفَرُ.

ابن الأعرابي : أَبْلَى فلانٌ إذا اجتهد في صِفة كَرم أو حَرْب.

يُقال : أَبلى ذلك اليومَ بلاءً حَسَناً.

ومثله : بالى يُبالي مُبالاة ؛ وأَنشد :

ما لي أراك قائماً تُبَالِي

وأنتَ قد قُمْتَ من الهُزَالِ

قال : سَمِعه وهو يقول : أكلنا وشَربنا وفَعلنا ، يُعَدِّد المكارمَ ، وهو في ذلك كاذب.

الليث : بَلِيّ : حيٌّ من اليمين.

والنِّسْبة إليهم : بَلَوِيّ.

قال : ويقال : بُلي فلانٌ ، وابْتُلي ، إذا امْتُحن.

والبلاء ، في الخير والشر.

والله يُبلي العبدَ بلاءً حسناً ، ويُبليه بلاء سيِّئاً.

وأَبْليت فلاناً عُذْراً ، أي بَيّنت له وجهَ العُذر لأُزيل عنِّي اللَّوْم.

والبَلْوى ، اسم من بَلاء الله.

وفي حديث حُذَيفة : لَتَبْتَلُنّ لها إماماً أو لَتُصَلُّن وُحْداناً.

شَمِر : يقول : لتختارُنّ. وأَصْله : بلاه يَبلوه ، وابتلاه ، أي جَرَّبه.

ويُقال : اللهم لا تُبْلنا إلّا بالتي هي أحسن ، أي لا تَمْتحننا.

والاسم : البَلاء.

بال : ثَعْلب ، عن ابن الأعرابي : بالَى فلانٌ فلاناً ، إذا فاخَره.

وبالاه ، إذا نَاقَصَه.

وبالى بالشيء ، إذا اهْتَمّ به (١).

__________________

(١) مكانه هذا الكلام من أول المادة إلى هنا في «اللسان» (بلا) ، (إبياري).

٢٨١

غيره : البالُ : بالُ النَّفس ، وهو الاكتراث.

ومنه اشْتُقّ : بالَيت.

ولم يَخْطُر ببالي ذلك الأمر ، أي لم يَكْرِثْني.

والمصدر : البالَة.

ومن كلام الحَسن : لم يُبَالِهم الله بالَةً.

ويُقال : لم أُبال ، ولم أُبَلْ ، على القَصْر.

والبالُ أيضاً : رخاءُ العَيْش.

إنه رخيّ البال وناعمُ البال.

عمرو ، عن أبيه : البالُ : القَلْب.

والبال : جمع البالة ، وهي الجِرَاب الضَّخْم.

ابن نَجدة ، عن أبي زيد : من أسماء النَّفس : البَال.

ابن الأعرابي ، عن المفضل : بال الرَّجُل يَبُول بَوْلاً شريفاً فاخراً ، إذا وُلد له ولدٌ يُشْبهه.

والبال : القَلْب.

والبال : الحالُ.

والبال : جمع البالة وهي عَصاً فيها زُجٌّ يكون مع صَيّادي أَهل البَصْرة.

قال : والبال : جمع البالة وهي الجِراب الصَّغير.

شَمِر : البال : الحالُ والشَّأن ؛ وقال عُبيد :

* فبِتْنا على ما خَيَّلت ناعِمَيْ بال *

مُجاهد ، عن ابن عباس في قول الله عزوجل : (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) [محمد : ٢] ، أي : حالَهم في الدُّنيا.

والبال : الأَمَل ؛ يقال : فلانٌ كاسِف البال.

وكُسوف باله : أن يَضيق عليه أملُه.

وهو رَخِيّ البَال ، إذا لم يَشتدّ عليه الأمر ولم يَكْتَرث.

ورُوي عن خالد بن الوليد أنه قال : إن عمر استَعْملني على الشام وهو له مُهمّ ، فلما أَلْقى الشام بَوَانِيَه وصار بَثَنيّةً عَزلني واسْتَعْمل غَيْري. فقال رجلٌ : هذه والله الفِتنة! فقال خالد : أمَا وابن الخطّاب حيٌّ فلا ، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بَلَّى ، وذي بَلَّى.

ألقى بَوانِيَه ، أي قَرَّ قَرارُه واطمأن أَمْرُه.

وقوله : بذي بَلَّى ، وذي بَلَّى.

قال أبو عُبيد : أراد تفرُّق الناس وأن يكونوا طوائفَ من غير إمام يَجْمعهم.

وكذلك كُلّ من بَعُد عنك حتى لا تعرف موضعه ، فهو بذي بلّى.

وفيه لُغة أخرى : بذي بِلِيّان.

قال : وكان الكسائي يُنشد هذا البيت في رجل يُطيل النَّوم :

تنامُ ويَذْهَب الأقوامُ حتّى

يُقال أَتَوْا على ذي بِلّيانِ

يعني : أنه أطال النوم وذهب أصحابه في

٢٨٢

سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طُول نَومه.

وأخبرني المُنذري ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي : فلانٌ بذي بَلّى ، وذي بِلِيّان ، إذا كان ضائعاً بعيداً عن أَهله.

اللَّيث : بَلَى ، جواب استفهام فيه حرف نَفي ، كقولك : ألم تَفعل كذا؟ فيقول : بَلَى.

وقال المبرّد : بل حُكمها الاستدراك ، أينما وَقعت ، في جَحْد أو إيجاب.

قال : وبلى تكون إيجاباً للنفي لا غير.

سلمة ، عن الفراء : بلى تأتي بمعنيين : تكون إضراباً عن الأول ، وإيجاباً للثاني : كقولك ، له عندي دينار ، لا بل ديناران.

والمعنى الآخر : أنها تُوجب ما قبلها وتُوجب ما بعدها ، وهذا يُسمَّى : الاستدراك ؛ لأنه أراده فنَسيه ثم اسْتدركه.

قال الفراء : والعربُ تقول : بَلْ والله لا آتيك ، وبَنْ والله لا آتيك ، يجعلون اللام فيها نُوناً.

وقال : هي لغة بني سعد ولُغة كَلْب.

قال : وسمعتُ الباهليّين يقولون : لا بنْ ، بمعنى : لا بَلْ.

وأنشد ابن الأعرابي في الإبلاء بمعنى ، اليمين :

وإني لأُبلي في نساء سَواءها

فأمّا على لَيلى فإنّي لا أُبْلِي

يقول : أحلف على غير ليلى إني لا أُحب غيرها ، وأما على لَيلى فإِني لا أَحلف.

وقال بعضهم : لا أباليه بالة.

هو في الأصل : لا أباليه بالية ، اسم على فاعلة من البلاء ، كالعافية ، هي اسم من عافاه الله (١).

بال : الليث : البَئيل : الصَّغير النَّحِيف الضَّعيف ، مثل الضَّئِيل.

وقد بَؤُل يَبْؤل بآلَة.

اللحياني : هو ضَئِيل بَئيل.

وهي الضَّآلة والبآلة ، والضّؤولة والبُؤُولة.

أبو زيد : بَؤُل يَبْؤل ، فهو بَئِيل ، إذا صَغُر.

أبو عُبيد ، عن الأصمعي : أَنْشد قول أبي ذُؤيب :

كأنّ عليها بالةً لَطَمِيّةً

لها مِن خلال الدأْيَتَيْن أَرِيجُ

وقال : البالة ، الجراب ، وهي بالفارسية «بيلة» التي فِيها المِسك.

أبو سعيد : البالة : الرائحة والشَّمة.

وهي من قولهم : بلوته ، أي شَمَمْته واختبرته.

وإنما كان أصلها بَلَوة ، ولكنه قدّم الواو

__________________

(١) الكلام من قوله : «وروي عن خالد» في «اللسان» مادة (بلا) (إبياري).

٢٨٣

قبل اللام ، فصيّرها ألفاً ، وهو كقولك : قاعَ وقَعَا ، أَلا ترى قول ذي الرّمّة :

بأَصْفر وَرْدٍ آل حتى كأَنَّما

يَسُوف به البالي عُصَارة خَرْدَلِ

ألا تراه جعله : يَبْلُوه (١).

[باب اللام والميم]

ل م (وايء)

مال ، أمل ، ألم ، مال ، لأم (لوم) ، ملا ، أملى ، لما ، ولم.

أمل : الليث : الأَمَل : الرَّجاء.

ويقال : أَمَلْته آمُله ، وأَمَله يأْمُله.

والتّأمُّل : التَّثبُّت.

والأَمِيل : حَبل من الرَّمْل مُعْتَزل عن مُعْظَمه ؛ على تقدير مِيل ؛ وأَنْشد :

* كالبَرْق يَجْتَاز أَمِيلاً أَعْرَفَا*

وجمعه : أُمُل.

أبو عُبيد ، عن الأصمعي : الأَمِيل : حَبْل من الرَّمْل يكون عَرْضه نحواً من مِيل.

قلت : وليس قولُ مَن زعم أنهم أرادوا به الأَميل من الرمل : الأمْيل ، فخُفِّف ، بشيء ، ولا نَعلم في كلامهم ما يشبه هذا.

ويقال : ما أَطول إمْلته! من الأَمل.

ابن الأعرابي : الأَمَلة : أعوان الرَّجُل.

واحدهم : آمِل.

ميل : اللّيث : المالُ ، معروف ، وجمعه : أَمْوَال.

ومالُ أهل البادية : النّعَم.

وَرَجُلٌ مالَةٌ : ذو مال ، والفِعل : تَمَوَّل.

أبو زيد : المَيل ، معروف.

والمَيَلُ ، مصدر الأَمْيَل ، وهو المائل.

والفِعل : مَيِل يَمْيَل.

الليث : المَيْلاء من الرَّمْلِ : عُقْدة ضَخْمة مُعْتَزلة.

قلت : لا أعرف المَيْلاء ، في صِفة الرِّمَال ، وأحْسبه أَراد قول ذي الرُّمّة :

مَيْلَاءَ من مَعْدنِ الصِّيران قاصِيَةٍ

أَبْعَارُهُنّ على أَهْدافها كَثَبُ

وإنما أراد ها هنا ب «المَيْلا» : أرطاة ، ولها حينئذ مَعْنيان :

أحدهما : أَنه أَراد أنّ فيها اعْوجاجاً.

والثاني : أنه أراد أنها مُنْتَحِيةً مُتباعدة من مَعدن بَقر الوَحْش.

الليث : المِيلُ : مَنارٌ يُبْنى للمُسافر في أنْشاز الأرض وأَشْرافها.

قلتُ : المِيلُ ، في كلام العرب : قدر مُنتهى مدِّ البَصر من الأَرض.

وقيل للأعلام المَبنيّة في طَريق مكة :

__________________

(١) الكلام من قوله : «أبو عبيد عن الأصمعي» إلى هنا ، مكانه في «اللسان» مادة (بول) ، (إبياري).

٢٨٤

أميال ، لأنّها بُنيت على مقادير مَدَى البصر من الميل إلى الميل ، وكلّ ثلاثة أميال منها فَرْسخ.

أبو حاتم ، عن الأصمعي : قول العامّة المِيل لما تُكحل به العينُ ، خطأ ، إنما هو المُلْمُول.

الليث : المِيل : المُلْمُول.

قال : والأَمْيل من الرِّجال : الجبّار.

قال : وهو في تفسير الأعراب : الذي لا تُرس معه في الحَرب.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الأمْيل : الذي لا سَيْف له ، جمعه : مِيل ؛ قال الأعْشى :

* لا مِيلٌ ولا عُزُلُ*

وهذا هو الصَّحيح.

ويقال : تَمَوّل فلانٌ مالاً ، إذا اتّخذ قِنْية من المال ؛ ومنه قولُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «غير مُتموِّل مالاً ، وغير مُتأثِّل مالاً».

والمعنيان مُتَقاربان.

ويقال : مال الرَّجُل يَمَالُ : كَثُر مالُه.

وما أمْوَلَه! أي ما أكثر مالَه!

عمرو ، عن أبيه ، هي العَنكبوت ، والمُولَةُ ، والشَّبَتُ ، والْمِنَنة.

والمِشْطة المَيْلاء : مِشْطة معروفة ، وقد كرهها بعضُهم للنِّساء.

وجاء في الحديث في ذكر النِّساء : «مائلاتٌ مُميلات».

يقول : يَمِلْن بالخُيلاء ويُصْبِين قلوبَ الرِّجال.

وقيل : مائلات الخِمْرة ؛ كما قال الراجز :

* مائلة الخِمْرة والكَلَام*

وقيل : المائلات : المُتبرِّجات.

وقيل : مائلات الرُّؤوس إلى الرِّجال.

وفي حديث أبي مُوسى أنه قال لأنس : عُجِّلت الدُّنْيا وغُيِّبت الآخرة ، أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا مَيَّلوا.

أي : لم يَشكّوا ولم يترددوا.

تقول العرب : إني لأُميِّل بين ذَيْنك الأَمْرين ، وأُمايل بينهما ، أيّهما أركب ، وأُمايط بينهما ، وإني لأُمَيِّل وأُمايل بينهما أيّهما أفضل؟ وقال عِمْران بن حطّان :

لما رأوْا مَخْرجاً من كُفْر قَومهم

مَضَوْا فما مَيَّلوا فيه وما عَدَلُوا

أي لم يَشكّوا.

وإذا مَيّل الرَّجُل بين أَمْرين ، فهو شاكّ.

وقوله : ما عدلوا ، كما تقول : كما عَدلوا به أحداً.

أبو زيد : مَيل الحائطُ ، ومَيل سنامُ البعير ؛ ومَيِل الحوْضُ ، مَيَلاً.

ومال الحائطُ يَمِيل مَيْلاً.

ابن السِّكيت : في فلان مَيَلٌ علينا.

وفي الحائط مَيَلٌ.

٢٨٥

لأم ـ لوم : الليث : اللّوْم : المَلامة ، وقد لامَ يَلُوم.

ورَجُلٌ مَلُوم ومَلِيم : قد اسْتَحَقّ اللَّومَ.

قال : واللّوْماء : المَلامة.

واللّوْمَةُ : الشّهْدة.

قال : واللّامة ، بلا همز ، واللّامُ : الهَوْل ؛ قال المُتَلَمِّس :

* ويكاد من لامٍ يَطير فؤادُها*

قال : وقال أبو الدُّقَيْق : اللّام : القُرْب.

وقال أبو خيرة : اللّام ، من قول القائل : لامٍ ، كما يقول الصائتُ : أيا أيا ، إذا سمعت الناقةُ ذلك طارت من حدّة قلبها.

قال : وقول أبي الدُّقَيْش أوْفق لمعْنى المتنكِّس في البيت ؛ لأنه قال :

ويَكاد من لام يَطير فُؤادُها

إذ مَرَّ مُكّاءُ الضُّحَى المُتَنكِّسُ

ابن الأعرابي : اللّامُ : الشخص في بيت المتلمِّس.

يقال : رأيت لامَه ، أي شخصه.

ثعلب ، عنه : اللّوَمُ : كثرة اللّوْم.

وقال الفراء ، وأبو زيد : من العرب من يقول المَلِيم بمعنى : المَلُوم.

ومن قال مَلِيم بناه على لِيمَ.

أبو عُبيدة : لُمْت الرَّجُلَ ، وأَلَمْتُه. بمعنًى واحد ؛ ومنه قول مَعْقل بن خُويلد الهذلي :

حَمِدْتُ الله أن أَمْسى رَبِيع

بدار الهُون مَلْحِيّاً مُلامَا

ويُقال : قضى القومُ لُواماتٍ لهم ، وهي الحاجات.

واحدُها : لُوَامة.

أبو عبيد ، عن أبي عُبيدة : اللأمَةُ : الدِّرْع.

وجمعها : لُؤَم ، مثال فُعَل.

وقال : وهذا على غير قياس.

شَمر ، عن ابن الأعرابي : اللأمة : السِّلاح كُلّه.

يقال للسَّيف : لأْمَة ؛ وللرُّمح : لأْمَة.

وإنما سُمِّيت : لأْمة ، لأنها تُلائم الْجَسَد وتُلازمه.

قال : ويُقال : اسْتلأم الرّجُل ، إذا لبس ما عنده من عدَّة ودِرْع ومِغْفَر وسَيْف ونَبْل ؛ وقال عَنترة :

إن تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإنّني

طَبٌّ بأخْذ الفارس المُسْتَلْئِم

قال : وقال بعضهم : اللأمة ، الدِّرع الحصينة.

سُمّيت : لأْمَة ، لإحكامها وجَودة حلقها ؛ وقال ابن أبي الحُقيق فجعل اللأْمة البَيْضَ :

بِفَيْلَقٍ تُسْقِط الأحْبالَ رُؤيتُها

مُسْتَلْئِمي البَيْض من فوق السَّرابِيلِ

وقال الأعشى ، فجعل اللأمة السِّلَاح كُلّه :

٢٨٦

وقُوفاً بما كان من لأْمَةٍ

وهُنّ صِيَامٌ يَلُكْن اللُجُمْ

وقال غيرُه ، فجعل اللأمة الدِّرع وفُروجها بين يَدَيها ومن خَلفها :

كأنّ فُروج اللأمة السَّرْد شَكّها

على نفسِه عَبْلُ الذِّراعين مُخْدِرُ

أبو زيد : لَؤُم الرَّجل يَلْؤُم لُؤْماً ومَلأَمَةً ؛ فهو لَئِيم.

ويقال : قد أَلأم الرَّجُل ، إذا صَنَع ما يَدْعوه الناسُ عليه لَئِيماً ، فهو مُلْئِم.

ويقال : هذا رجل مِلأَمٌ ، وهو الذي يُعْذِر اللِّئام.

ابن الأعرابي : المُلْئِم : الذي يَلد اللِّئامَ.

قال : ويُقال للرجل إذا سُبّ : يا لُؤْمان ، ويا مَلأَمان ، ويا مَلأم.

قال : واستلأم فلانٌ الأبَ ، إذا كان له أبُ سَوْءٍ لَئِيم.

ويقال : هذا لِئْم هذا ، أي مِثْله.

والقوم أَلآم ؛ وأَنشد :

أتقعد العامَ لا تَجْني على أَحدٍ

مُجنَّدين وهذا الناسُ أَلآمُ

قال : واللأم : الاتِّفاق.

والمُلْئِم : الرَّجُل اللَّئِيم.

وتَلاءَم الشيئان ، إذا اجتمعا واتَّصَلا.

ويُقال : التأم الفَرِيقان والرَّجُلان ، إذا تصالحَا واجتمعا ؛ ومنه قولُ الأَعْشى :

يَظُن الناس بالمَلِكَيْ

ن أنّهما قد الْتأمَا

فإن تَسْمَع بَلأْمهما

فإن الأَمْرَ قد فَقِمَا

والتأم الجُرْحُ : التئاما ، إذا بَرأ والْتحم.

وهذا طعام يُلائمني ، أي يوافقني.

ولا تَقُل : يُلاومني.

ولاءَمْت بين الفريقين ، إذا أَصْلَحْتَ بينهما.

الليث : ألأْمت الجُرْحَ بالدَّواء.

وألأمت القُمْقُم ، إذا سَدَدْت صُدُوعَه.

ابن السِّكيت : اللُّؤْمة : السِّنّة التي تَحْرث بها الأرض.

فإذا كانت على الفَدّان ، فهي العِيَان.

وجمعها : عُيُن.

أبو عبيد ، عن الأصمعي : سَهْمٌ لأمٌ : عليه ريشٌ لُؤَامٌ ؛ وقال امرؤ القَيس :

نَطْعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجةً

لَفْتَكَ لأْميْن على نابِلِ

قال : وقال الكسائيّ : لأَمْتُ السهم ، مثل فَعَلْت : جَعلتُ له لُؤَاماً.

الأصمعيّ ، وأبو عُبيدة : من الرِّيش : اللُّؤَام ، وهو ما كان بَطْن القُذّة منه يَلي ظَهر الأُخرى ، وهو أجود ما يكون ، فإذا التقى بَطْنان ، أو ظَهران ، فهو لُغَاب ولَغْب ؛ وقال أَوْس بن حَجَر :

٢٨٧

يُقَلِّب سَهْماً راشه بمَناكِبٍ

ظُهارٍ لُؤامٍ فهو أَعْجفُ شاسِفُ

ويقال : استلام الرجل إلى ضَيْفه ، إذا فعل ما يُلام عليه ؛ وقال القُطاميّ :

ومَن يَكُن اسْتلام إلى ثَوِيٍ

فقد أَحْسنتُ يا زُفَر المَتَاعَا

لمى : أبو عبيد ، عن الكسائي : تزوّج فلانٌ لُمَتَه من النِّساء ، أي مِثْله.

ورُوي أن شيخاً تزوَّج جاريةً شابّة زَمن عُمر بن الخطاب ، فَفَرِكَتْه وَقَتَلتْه ، فلما بلغ عُمَرَ الخبرُ قال : يا أيها الناس ، لِيتزوج كُلّ رَجُل لُمَته ، أي امرأته على قَدْر سِنّه ، ولا يتزوّج الشيخ حدثةً يشقّ عليها تَزَوّجه.

ورُوي عن فاطمة البَتول أنها خرجت في لُمَة من نِسائها تتوطّأ ذَيْلَها حتى دَخَلت على أبي بكر الصّديق ، أي : في جماعة من نِسائها.

وقيل : اللُّمَة من الرّجال : ما بين الثّلاثة إلى العَشرة.

ويُقال : لك فيه لُمَة ، أي : أُسْوة ؛ وأَنْشد ابن الأعْرابيّ :

قَضاء الله يَغْلب كُلَّ حَيِ

ويَنْزل بالجَزْوع وبالصَّبُورِ

فإن نَغْبُر فإنّ لنا لُمَاتٍ

وإنْ نَغْبُر فنحن على نُذُورِ

أي : نَذَرنا أنّا سنموت لا بُدّ لنا من ذلك.

قال : واللُّمَات : المُتوافقون من الرِّجال.

يقال : أنت لي لُمَة ، وأنا لك لُمة.

وقال في مَوضع آخر : اللُّمَى : الأتراب.

قلت : جعل النّاقِص من اللُّمَة واواً أو ياء ، فجمعها على اللُّمَى.

قال : واللّمْي : الشِّفاه السُّود.

وفي «نوادر الأعراب» : اللُّمَة في المحراث : ما يَجُرّ به الثَّور يُثير به الأرض.

وهي : اللُّومة ، والنَّورج.

أبو زيد : تَلَمّأت الأرضُ على فلانٍ تَلَمُّؤاً ، إذا هي استوت عليه فوارتْه ؛ وأَنشد في ذلك :

وللأَرْض كم مِن صالِحٍ قد تَلَمَّأت

عليه فوارتْه بلمّاعةٍ قَفْرِ

ويُقال : قد ألمأتُ على الشيء ، إذا احتويتَ عليه.

غيره : يُقال : ما أَدري أين أَلمأَ مِن بلاد الله؟ أي ذَهَب.

ويقال : كان في الأرض مَرعى وزَرع فهاجت الرِّياح فألْمأَتْها ، أي تَركتها صَعِيداً.

ابن كُثْوة : ما يَلْمَأ فَمُه بكلمة ، وما يَجْأَى فَمُه ، بمَعْناه.

٢٨٨

وما يلمأ فَمُ فلان بكلمة ، معناه : لا يَسْتعظم شيئاً تَكَلَّم به مِن قَبيح.

الليث : اللَّمى ، مَقصور ، من الشَّفة اللّمْياء ، وهي اللَّطيفة القليلة الدَّم.

والنعت ، أَلْمى ولَمْياء.

وكذلك : لَثة لَمياء : قليلة اللّحم.

وقال أبو نصر : سألت الأصمعي عن اللّمى مرةً ، فقال : هي سُمْرة في الشّفَة.

ثم سألته ثانيةً ، فقال : هو سَواد يكون في الشّفتين ؛ وأَنشد :

يَضْحكن عن مَثْلوجة الأثلاج

فيها لَمًى مِن لُعْسَةِ الأدْعاج

وظِلٌ أَلْمى : كثيف أَسْود ؛ قال طرفة :

وتَبْسِم عن أَلْمَى كأنّ مُنَوَّراً

تَخَلَّل حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ له نَدِي

أراد : عن ثَغْر ألْمى اللِّثات ، فاكتفى بالنَّعت عن المَنْعوت.

وقال أبو الجَرّاح : إنّ فلانة لَتُلَمِّي شَفَتَيْها.

وقال بعضهم : الأَلْمى : البارد الرِّيق.

وظِلٌ ألْمى : بارِد.

وجَعل ابن الأعرابيّ : اللّمَى سَواداً.

ألم : أبو عُبيد : عن ابن السِّكيت : أَلِمْتَ بَطْنَك ، ورَشِدْت أَمْرَك.

قال : وانتصاب بَطْنك وأَمْرك على التّفسير ، وهو مَعرفة ، والمُفَسرات نكرات ؛ كقولك : قَرِرْت به عَيْناً ، وضِقْت به ذَرْعاً. وقد مَرّ تفسيرُه.

والأَلَم : الوَجع.

وقد أَلِم الرَّجُل يَأْلَم ، أَلَماً ، فهو أَلِم.

ويُجمع الأَلم : آلاماً.

فإذا قلت : عذاب أليم ، فهو بمعنى مُؤْلم.

ومنه : رَجُلٌ وَجِع ، وضَرْب وَجِع ، أي مُوجع.

وتألّم فلانٌ من فلانٍ ، إذا تشكَّى منه وتوجَّع.

أبو زيد : يقال : ما أجد أَيْلَمةً ولا ألماً ، وهو الوَجع.

ابن الأعرابي : ما سمعت له أَيْلمةً ، أي صَوتاً.

شمر ، عنه : ما وجدت أَيْلمةً ولا أَلماً ، أي وجعاً.

وقال أبو عمرو : الأَيْلمة : الحَركة ؛ وأَنْشد :

فما سمعتُ بعد تلك النَّأَمَهْ

منها ولا مِنْه هُناك أَيْلَمهْ

وأَلُومَة : موضع ، وقال صَخْر الغَيّ :

ويَجْلُبوا الخَيْلَ من أَلُومةَ أو

مِن بَطْن عَمْقٍ كأنها البُجُدُ

ملا ـ أملى : أبو حاتم : حُبٌ مَلآن ، وقِرْبة مَلأَى ، وحِبَابٌ مِلَاء.

وإن شِئت خَفّفت الهمزة فقلت : مَلاً.

٢٨٩

والمِلْء : ما أَخذ الإناءُ من الماء.

وقد امتلأ الإناء.

وإناء مَلآن.

وشابٌ مَالِئُ العين ، إذا كان فخماً حَسَناً ؛ قال الراجز :

* بِهَجْمة تَمْلأ عَيْن الحاسِدِ*

ويقال : أَمْلأ فلانٌ في قَوْسه ، إذا أَغْرق في النَّزْع.

ومَلأ فلانٌ فُروج فَرسه ، إذا حَمله على أشَدّ الحُضْر.

أبو عُبيد : مُلِئ فلانٌ ، فهو مَمْلوء.

والاسم : المُلاءة ، وهو الزُّكام.

وقد أمْلَأَه الله ، إذا أَزْكَمه.

الليث : المُلأَة : ثِقَلٌ يأخذ في الرأس كالزُّكام من امتلاء المَعِدة.

والمَلَأ ، مهموز مقصور : أشراف الناس ووُجوههم ؛ قال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ) [البقرة : ٢٤٦] و (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩].

ورُوي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سَمع رجلاً من الأنصار مَرْجِعَه من غَزوة بَدْر يقول : ما قتلنا إلا عجائزَ صُلْعاً. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أولئك المَلَأ من قُريش لو حَضرت فِعالَهم لاحْتَقرت فِعْلك.

والمَلَأ أيضاً : الخُلق : يقال : أحْسِنْ مَلأَك أيها الرجل ، وأحسنوا أمْلاءَكم.

وفي حديث أبي قتادة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تكابُّوا على الماء في تِلك الغَزاة لِعَطشٍ نالهم ، قال : «أَحْسنوا أَمْلاءكم فكُلّكم سَيَرْوَى».

أي : أَحْسِنُوا أَخلاقكم.

ومنه قوله :

تَنادَوْا آل بُهْثة إذ رَأَوْنَا

فقُلْنا أحْسِني مَلأً جُهَيْنَا

أي : أحسني خُلقاً يا جُهَينة.

ويُقالُ : أراد : أحسني مُمَالَأة ، أي معاونةً ، من قولك : مَالَأتُ فلاناً ، أي عاونتُه وظاهرتُه.

وفي حديث عمر أنه قَتل سبعة نفر بصبيّ قتلوه غِيلةً ، وقال : لو تَمَالَأَ عليه أهل صَنعاء لقتلتُهم به.

يقول : لو تضافَروا واجتمعوا عليه حتى قتلوه.

وقال أبو إسحاق : رجُلٌ مَلِيء ، مهموز : بَيِّنُ المَلَاء.

والمَلأ : الرُّؤساء ، سُمّوا بذلك لأنهم مِلَاءٌ بما يُحتاج إليه.

قال : والمَلأ : الخَلْق.

قال : وهما مَهموزان مَقْصُوران.

وأما المَلَا : المُتَّسع من الأرض ، فهو غير مهموز ، يكتب بالألف وبالياء ، والبَصريون يكتبونه بالألف ؛ وأنشد :

٢٩٠

أَلا غَنِّياني وارْفَعا الصَّوتَ بالمَلَا

فإنّ المَلَا عِنْدي يَزيد المَدى بُعْدَا

أبو زيد : مَلُؤ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلاءة.

فهو : مَلىء.

الليث : المُلَاءة : الرَّيْطة.

والجمع : المُلَاء.

قال : وقوم مِلَاء.

قال : ومَن خَفّف قال : قومٌ مِلًى.

ابن الأعرابي : المُلَى : الرّمَاد الحارّ.

والمُلَى : الزَّمانُ مِن الدَّهْر.

وقال ابن السِّكيت ، في قول الشاعر :

وتَحَدَّثوا مَلأً لِتُصْبح أُمّنا

عَذْراء لا كَهْلٌ ولا مَوْلُودُ

أي : تَشاوروا وتَحَدَّثوا مُتمالئين على ذلك ليقتُلونا أجمعين فتُصبح أمّنا كالعَذراء التي لا وَلد لها.

أبو عبيد : يُقال للقوم إذا تتابعوا برأيهم على أَمْر : قد تَمَالَئُوا عليه.

وقال ابن السِّكيت : تَمَلَّأْتُ من الطعام تَمَلُّؤاً.

مَلْوَة من الدهر ، ومُلْوَة ، ومِلْوَة ، ومَلاوَة ؛ وهُذيل تقول : مَلاوَة ؛ وبعضُ العرب يقول : مُلاوَة ، كله من الطُّول.

ابن الأعرابي : مَلاوَة من الدهر ، ومُلاوَة ، ومِلاوَة ، أي حينٌ من الدّهْر.

الليث : إنه لفي مَلاوَة من عَيْش ، أي قد أُمْلِيَ له.

والله يُمْلِي من يشاء فيؤجّله في الخَفض والسَّعة والأَمْن ؛ قال العجّاج :

مُلاوَةً مُلِّيتُها كأنِّي

ضاربُ صَنْجٍ نَشْوةٍ مُغَنِّي

الأصمعي : أَمْلَى عليه الزَّمنُ ، أي طال عليه.

وأَمْلَى له ، أي طوّل له وأَمْهله.

ومَلَا البَعيرُ يَمْلُو مَلْواً ، إذا سار سَيْراً شديداً ؛ وقال مُلَيح الهُذليّ :

فأَلْقوا عليهنّ السّياط فشَمَّرت

سعالَى عليها المَيْسُ تَمْلُوا وتَقْذِفُ

شَمر : يقال : فلان أَمْلأ لعيني من فلان ، أي أتمّ في كل شيء منظراً وحُسْناً.

وهو رجل مَالِئٌ للعَين ، إذا أَعجبك حُسْنه وبَهْجته.

ابن الأعرابي : مَالَأَه ، إذا عاونه ؛ ولامأه ، إذا صحبه أشباهُه.

مأل : ابن الأعرابي : رَجُلٌ مَئِلٌ ، وامرأة مَئِلة ، أي ضَخْمٌ تارٌّ.

وقد مَئِلت تَمْأَل ، ومَؤُلت ، تَمْؤُل.

ولم : وقال أبو العباس : الوَلْمة : تمام الشيء واجْتماعه.

وأَوْلَم الرَّجُلُ : اجتمع خَلْقُه وعَقْلُه.

قال : والوَلَمُ : الحَبْلُ الذي يُشدّ من التَّصْدير إلى السِّنَاف لئلّا يَقْلقا.

٢٩١

والوَلْم : القَيْد.

أبو عُبيد ، عن أبي زيد : يُسمَّى الطَّعام الذي يُصْنع عند العُرس : الوَلِيمة.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرحمن بن عوف ، وقد جمع إِليه أهله : «أَوْلِم».

أي : اصْنع وَلِيمةً.

وأصْل هذا كله من الاجتماع.

ابن هانىء ، عن أبي زيد : رجلٌ وَيْلُمّة : داهيةٌ أيّ داهية.

٢٩٢

باب لفيف حرف اللام

[لام ، لو ، لا ، لات ، إمالا ، ألا ، إلا ، إلى ، لي ، ألى ، ألا ، آل ، ةأل ، ليل ، لوى ، ولى ، أول ، أيلول ، إيليا ، ولول ، تلو

نَبدأ أولاً بالحروف التي جاءت لمعانٍ من باب اللّام لحاجة الناس إلى معرفتها ، فمنها :

لام : اللام التي توصل بها الأسماء ، والأفعال ، ولها معانٍ شتّى ، فمنها :

لام الملك

كقولك : هذا المالُ لِزيد ، وهذا الفرسُ لِعَمرو.

ومن النحويين من يُسَمِّيها لام الإضافة.

سُمِّيت لام الملك لأنّك إِذا قلت : هذا لِزَيْد ، عُلم أنه مِلْكُه.

وإذا اتَّصلت هذه اللام بالمكْنِيّ عنه نُصبت ، كقولك : هذا المال له ، ولَنا ، ولكَ ، ولَها ، ولَهما ، ولَهم.

وإنما فُتحت مع الكِنايات لأن هذه اللام في الأصل مفتوحة ، وإِنما كسرت مع الأسماء لِيُفْصل بين لام القسم وبين لام الإضافة ، ألا ترى أنك لو قُلت : إن هذا المال لِزيد ، عُلم أنه مِلْكه ، ولو قلت : إنّ هذا لَزَيْدٌ ، عُلم أن المُشار إليه هو زَيد فكُسرت ليُفرق بينهما.

وإذا قلت : المالُ لكَ ، فتحت ؛ لأنّ اللَّبس قد زال.

وهذا قولُ الخليل والبَصْريّين.

لام كي

هي كقولك : جئتُ لِتَقُومَ يا هذا.

سُمِّيت لام كي لأنّ معناها : جئتُ لكي تَقُومَ.

ومعناها : معنى لام الإضافة ، ولذلك كُسرت ؛ لأن المعنى : جئت لِقيامك.

وقال الفَراء في قوله تعالى : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) [يونس : ٨٨] : هي لام كي.

المعنى : يا ربّ أَعْطَيتهم ما أعطيتهم ليضلّوا عن سَبيلك.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : الاختيار أن تكون هذه اللام وما أشبهها بتأويل الخَفْض. المعنى : آتيْتهم ما آتَيْتهم لضلالهم.

وكذلك قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) [القصص : ٨] معناه : لِكَوْنه ، لأنه قد آلت الحال إلى ذلك.

٢٩٣

قال : والعربُ تجعل لام كي في مَعنى لام الخفض ، ولام الخفض في معنى لام كي لتقارُب المعَنى.

قال الله تعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) [التوبة : ٩٥].

المعنى : لإعراضكم عنهم ، وهم لم يحلفوا لكي تُعرضوا ، وإنما حلفوا لإعراضهم عنهم ؛ وأَنْشد :

سَمَوْت ولم تكن أهلاً لِتَسْمُو

ولكنّ المُضَيَّع قد يُصابُ

أراد : لم تكن أهلاً للسّمُوّ.

وقال أبو حاتم في قوله تعالى : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) [التوبة : ١٢١] : اللام في (لِيَجْزِيَهُمُ) لام اليمين ، كأنه قال : ليجزينّهم ، فحذف النون وكسر اللام ، وكانت مفتوحة ، فأشبهت في اللفظ لام كي ، فنَصبوا بها كما نصبوا ب «لام كي».

قال : وكذلك قولُه تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ١ و٢].

المعنى ليغفرنّ الله لك.

وقال ابن الأنباري : هذا الذي قاله أبو حاتم غَلط ، لأن لام القَسم لا تُكسر ولا يُنصب بها ، ولو جاز أن يكون معنى (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) : ليجزينّهم ، لقُلنا : والله ليقومَ زيد ، بمعنى ليقومنّ ، وهذا مَعدوم في كلام العرب.

واحتج أبو حاتم بأن العرب تقول في التعجُّب : أَظْرِفْ بزَيْد! فيَجْزمونه لشبهه بلفظ الأمر. وليس هذا بمنزلة ذلك ؛ لأن التعجّب عُدل إلى لفظ الأمر ، ولام اليمين لم تُوجد مكسورة قطّ في حال ظهور اليمين ، ولا في حال إضمارها.

قال أبو بكر : وسألت أبا العبّاس عن اللام في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ٢] ، فقال : هي لام كي. معناه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) لكي يَجتمع لك مع المغفرة تمامُ النّعمة في الفتح ، فلما انضمّ إلى المغفرة شيء حادث واقع حَسُن معنى كي.

وكذلك قولُه تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سبأ : ٤] هي : لام كي ، تتصل بقوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) [سبأ : ٣] إلى قوله تعالى : (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٣] أحصاه عليهم لكي يَجْزِي المُحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.

لام الأمر

وهو كقولك : لِيضْرب زيْدٌ عمراً.

قال أبو إسحاق : أصلها نَصْب ، وإنما كُسرت ليفرّق بينها وبين لام التوكيد ، ولا يبالي بشبهها بلام الجر ؛ لأنّ لام الجر لا تقع في الأفعال ، وتقع لام التوكيد في الأفعال ، ألا ترى أنك لو قلت : لِيضرب ، وأنت تأمر ، لأشبه لامَ التوكيد ،

٢٩٤

إذا قلت : إنك لَتضربُ زيداً.

وهذه اللام في الأمر أكثر ما تُستعمل في غير المُخاطب ، وهي تجزم الفِعل ، فإن جاءت للمُخاطب لم يُنْكر.

وقال الفراء : رُوي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في بعض المشاهد : «لِتأخذُوا مَصَافّكم».

يريد : خُذوا مَصافّكم.

وقال الله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٨٥].

أكثر القُرّاء قرءوا بالياء.

ورُوي عن زَيد بن ثابت : (فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨]. يريد أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، أي ممّا يَجمع الكُفّار.

وقوّى قراءةَ أُبيّ «فَافْرَحُوا» وهو البِناء الذي خُلق للأَمر إذا واجَهْت به.

قال الفراء : وكان الكسائيّ يَعيب قولهم فَلْتفرحوا ، لأنه وَجده قليلاً فجعله عَيْباً.

وقرأ يعقوب الحَضْرميّ ، بالتاء ، وهي جائزة.

اللام التي هي للأمر في تأويل الجزاء

من ذلك قول الله تعالى : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢].

قال الفراء : هو أمر فيه تأويل الجزاء ، كما أن قوله تعالى : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] نَهْيٌ في تأويل الجَزاء ، وهو كثير في كلام العرب ؛ وأنشد :

فقلت ادْعِي وأَدْعُ فإنّ أَنْدَى

لِصَوْتٍ أن يُنَادِي داعِيان

أي : ادْعِي ولأَدعُ ، فكأنه قال : إن دعوتِ دعوتُ.

ونحوَ ذلك قال الزّجاج.

وقال : يُقرأ قوله : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] بسكون اللّام وبكسرهما ، وهو أمرٌ في تأويل الشَّرط.

المعنى : إن تَتّبعوا سَبيلنا حَملنا خطاياكم.

لام التوكيد

وهي تَتصل بالأسماء والأفعال التي هي جوابات القَسَم وجواب إنّ.

فالأسماء كقولك : إنّ زيداً لكريم.

والأفعال كقولك : إنّه ليذُبّ عنك.

وفي القسم : والله لأصلّين ، ورَبّي لأصُومَنّ.

وقال الله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧١] أي : ممّن أَظهر الإيمان لَمن يُبطِّىء عن القِتال.

قال الزّجاج : اللام الأولى التي في قوله (لَيُبَطِّئَنَ) لام القسم ، و «من» موصولة بالجالب للقسم ، كأنّ هذا لو كان كلاماً لقلت : إنّ منكم لَمن أحْلِف بالله والله ليبطِّئنّ.

قال : والنَّحويون مجمعون على أن «ما»

٢٩٥

و «من» و «الذي» لا يُوصَلْن بالأمر والنّهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر ، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أَشبهه لفظه مضمرٌ معها ومنها :

اللامات التي تؤكّد بها حُروف المجازاة

وتُجاب بلام أُخرى توكيداً ، كقولك : لئن فَعَلْت كذا لتندمَنّ ، ولئن صَبَرت لَتَرْبَحَنّ.

ومنها قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١].

أخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب النَّحوي ، أنه قال : المَعنى في قوله : «لَما آتَيْتُكُمْ» : لمَهما آتيتكم ، أي : أَيّ كتاب آتيتكم (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ).

قال : وقال أحمد بن يحيى : قال الأخفش : اللام التي في (لَما آتَيْتُكُمْ) اسم ، والذي بعدها صلة لها ، واللام التي في (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) لام القَسم ، كأنه قال : والله لتؤمننّ ، فوكّد في أول الكلام وفي آخره. وتكون «من» زائدة.

وقال أبو العبّاس : هذا كلّه غلط. اللام التي تدخل في أوائل الجزاءات تُجاب بجوابات الأَيمان ، تقول : لَمَن قام لآتينّه.

فإذا وقع في جوابها «ما» و «لا» عُلم أنّ اللام ليست بتوكيد ، لأنك تَضع مكانها «لا» و «ما». وليست كالأولى ، وهي جواب للأُولى.

قال : وأما قوله : (مِنْ كِتابٍ) فأَسْقط «من» فهذا غلط ، لأن «من» التي تدخل وتخرج لا تقع إلا مواقع الأسماء ، وهذا خبر ، ولا تقع في الخبر ، إنما تقع في الجَحد والاستفهام والجزاء ، وهو قد جعل «لَما» بمنزلة : لَعَبد الله والله لقائمٌ ، ولم يجعله جزاءً.

ومن اللامات التي تَصحب إنْ

فمرةً تكون بمعنى «إلا» ، ومرة تكون صلة وتوكيداً ، كقول الله تعالى : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨].

فمن جَعل «إن» جحداً جَعل اللام بمعنى «إلّا».

المعنى : ما كان وَعْد ربِّنا إلا مَفْعولاً.

ومن جعل «إن» بمعنى «قد» جعل اللام توكيداً.

المعنى : قد كان وَعْد ربّنا مفعولاً.

ومثله قوله تعالى : (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦] ، يجوز فيها المَعْنيان.

لام التعجب ولام الاستغاثة

أخبرني المنذري ، عن المبرّد : إذا استُغيث بواحد وبجماعة ، فاللام مفتوحة ، تقول : يا للرِّجال! يا لَلْقوم ، يا لَزيد!

٢٩٦

وكذلك إذا كنت تَدْعوهم.

فأما «لام» المدعو إليه فإنها تُكسر ، تقول : يا للرّجال لِلْعَجب! ويا لَلرّجال لِلماء! وأَنْشد :

يا لَلرّجال لِيوم الأربعاء أمَا

ينفكّ يُحْدِث بعد النَّهي لي طَرَبَا

وقال الآخر :

تكنّفني الوُشاةُ فأَزْعجوني

فيا لَلنّاس للواشي المُطَاعِ

وتقول : يا لِلْعجب ، إذا دعوت إليه ، كأنك قلت : يا لَلنّاس لِلعجب.

قال : ولا يجوز أن تقول : يا لَزيد ، وهو مقبل عليك ، إنما تقول ذلك لِلْبعيد.

كما لا يجوز أن تقول : يا قَوماه ، وهم مقبلون عليك.

فإن قلت : يا لَزيد ، ولِعَمْرو ، كسرت اللام في لعمرو ، وهو مدعوّ ، لأنك إنما فتحت اللام في زيد للفَصل بين المدعوّ والمدعوّ إليه ، فلما عَطفت على زيد استغنيت عن الفعل ، لأن المعطوف عليه في مِثل حاله ؛ وأنشد :

* يا لَلْكَهول وللشبّان لِلْعجب*

والعرب تقول : يَا لَلْعَضيهة ، ويا لَلْلأَفِيكة ، ويا لَلْبَهِيتَةِ.

وفي اللامات التي في هذه الحروف وجهان :

فإن أردت بها الاستغاثة نَصَبتها.

وإن أردت أن تدعو إليها بمعنى التّعجب كسرتها ، كأنَّك أردت : يا أيها الرجل اعْجب لِلْعضيهة ، ويا أيّها الناس اعجبُوا للأَفيكة.

ومن اللامات :

لام التّعقيب

للإضافة ، وهي تدخل مع الفعل الذي معَناه الاسم ، كقَولك : فلان عابرُ الرُّؤْيا ، وعابرٌ للرؤْيا ؛ وفلان راهبُ ربّه ، وراهبٌ لربّه.

ومن ذلك قول الله تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤].

وقال عزوجل : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣].

قال أحمد بن يحيى : إنما دخلت اللام تَعْقيباً للإضافة.

المعنى : الذين هم راهبون لرَبّهم ، ورهبُوا ربَّهم ، ثم أدخلوا اللام على هذا المعنى لأنها عَقّبت الإضافة.

اللام التي بمعنى «إلى» وبمعنى «أجل»

وقد تجيء اللام بمعنى «إلى» وبمعنى «أجل».

قال الله جلّ وعزّ : (أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] أي : أوحى إليها.

٢٩٧

وقال عزوجل : (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٦١] ، أي : وهم إليها سابقون.

وقيل : في قوله تعالى : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] ، أي خَرُّوا من أجله سُجَّداً ، كقولك : أكْرَمت فلاناً لك ، أي : من أَجلك.

وقال الله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) [الشورى : ١٥] ، أي : إلى ذلك فادْع.

لام التعريف

قال الزّجاج وغيره : لام التعريف التي تصحبها الألف ، كقولك : القومُ خارجون ، والناس طاعنون الفرس والحمار ، وما أَشبههما.

اللام الزائدة

ومنها : اللام الزائدة في الأسماء والأفعال ، كقولك : فَعْمَلٌ للفَعْم ، وهو المُمتلىء ، وناقةٌ عَنْسل لِلْعَنس الصُّلْبَة.

وفي الأفعال ، كقولك قَصْمَلَه ، أي : كَسره ، والأصل : قَصمه.

وقد زِيدت في «ذاك» ، فقالوا : ذلك ، وفي أولاك فقالوا : «أولالك».

اللام التي في «لقد»

وأما اللام التي في «لقد» فإِنها دخلت تأكيداً ل «قد» ، فاتصلت بها كأنها منها.

وكذلك اللام التي في «لَمَا» مخفّفة.

لو : قال الليث : لو : حرف أُمْنيّة ، كقولك : لو قَدم زَيد : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) [البقرة : ١٦٧] ، فهذا قد يُكْتفى به عن الجَواب.

قال : وقد تكُون «لو» مَوْقوفة بين نَفْي وأُمْنِيَّة ، إذا وُصلت ب «لا».

وقال المبرّد : «لو» تُوجب الشيء من أجل وُقوع غيره.

ولو لا : تمنع الشيء من أَجل وُقوع غيره.

سَلمة ، عن الفراء : تكون «لو» ساكنة الواو ، إذا جعلتها أداة ، فإذا أَخرجتها إلى الأسماء شَدَّدت واوها وأَعربتها ؛ ومنه قوله :

عَلِقَتْ لوّاً تُكَرِّرُه

إنّ لَوّاً ذاك أَعْيَانَا

وقال الفراء : لو لا ، إذا كانت مع الأسماء فهي شَرط ، وإذا كانت مع الأفعال ، فهي بمعنى «هَلّا» ، لَوْمٌ على ما مَضَى وتَحْضيض لِما يأتي.

قال : و «لو» تكون جَحْداً وتمنِّياً وشَرْطاً.

فإذا كانت شرطاً كانت تخويفاً ، وتَشْويقاً ، وتَمْثيلاً ، وشَرطاً لا يَتِمّ.

وقال الزّجاج : «لو» : يَمتنع بها الشيء لامتناع غيره ، تقول : لو جاءني زيدٌ لجِئته. والمعنى : أنّ مَجِيئي امتنع لامتناع مجيء زَيد.

ابن الأعرابي : اللَّوَّة : السَّوْأة.

تقول : لَوَّةً لفلان بما صَنع ، أي سَوْأة.

٢٩٨

قال : والتَّوة : الساعة من الزَّمان.

والحَوّة : كلمةُ الحَقّ.

وقال : اللَّيّ ، واللَّوّ : الباطل.

والحَوّ ، والحيّ : الحقّ.

يقال : فلانٌ لا يَعرف الحوَّ من اللَّوّ ، أي لا يَعرف الكلام البَيِّن من الخَفِيّ.

لا : لا : حرفٌ يُنْفَى به ويُجْحَد به.

وقد تجيء زائدةً مع اليمين ، كقولك : لا أُقْسم بالله.

وقال أبو إسحاق في قول الله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١)) [القيامة : ١] وأَشكَالِها في القرآن ، لا اختلاف بين الناس أن معناها : أُقْسم بيوم القيامة.

واختلفوا في تَفْسير «لا» :

فقال بعضهم : «لا» لَغْوٌ ، وإن كانت في أول السُّورة ؛ لأن القُرآن كلّه كالسُّورة الواحدة ، لأنه مُتَّصل بعضُه ببعض.

وقال الفَرّاء : «لا» رَدٌّ لكلامٍ تقدَّم ، كأنه قيل : ليس الأمر كما ذُكِر.

ثم قال : وكان كثيرٌ من النَّحويين يقولون : «لا» صِلَةٌ.

قال : ولا يُبْتدأ بِجَحْد ، ثم يُجعل صلة يُراد بها الطَّرْح ؛ لأن هذا لو جاز لم يُعرف خَبَرٌ فيه جَحْد من خبر لا جحد فيه ، ولكن القرآن نزل بالرّد على الذين أَنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالرّد عليهم في كثير من الكلام المُبتدأ منه وغير المُبتدأ ، كقولك في الكلام : لا والله لا أفعل ذاك ، جعلوا «لا» وإن رأيتها مبتدأةً ، رَدّاً لكلام قد مَضى.

فلو أُلْغِيَت «لا» مما يُنوى به الجوابُ لم يكن بين اليَمين ، التي تكون جواباً ، واليَمين التي تُستأنف ، فَرْقٌ.

وقال الليث : العرب تَطْرح «لا» وهي مَنْويّة ، كقولك : والله أضربُك ، تُريد : والله لا أضربك ؛ وأَنشد :

وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ

وأسأل نائحةً ما لَها

أي : لا آسَى ، ولا أسأل.

وأفادني المُنذريّ ، عن اليزيديّ ، عن أبي زيد في قول الله عزوجل : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٥] قال : مخافة أن تضلّوا ، ولو كان : يُبَيِّن الله لكم ألّا تَضِلّوا ، لكان صَواباً.

قلت : وكذلك : ألّا تضل ، وأن تَضِلّ ، معناهما واحد.

ومما جاء في القُرآن من هذا قولُه جلّ وعزّ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] يُريد : ألّا تَزولا.

وكذلك : قولُه تعالى : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢] ، أي : ألّا تحبط.

٢٩٩

وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) [الأنعام : ١٥٦] معناه : ألّا تقولوا.

قال : وقولك : أسألك بالله ألّا تقوله ، وأن تقوله.

فأما : ألّا تقوله : فجاءت «لا» لأنك لم تُرد أن يَقُوله.

وقوله : أسألك بالله أن تقوله : سألتك هذا ، في مَعْنى النَّهْي.

ألا ترى أنك تقول في الكلام : والله أقول ذاك أبداً ، والله لا أقول ذاك أبداً.

«لا» ها هنا طَرْحُها وإدخالُها سواء ، وذلك أن الكلام له إباء وإنعام ، فإذا كان من الكلام ما يجيء من باب الإنعام موافقاً للإباء ، كان سواء ، وما لم يكن لم يكن ، ألا ترى أنك تقول : آتيك غداً ، وأقول معك ، فلا يكون إلا على مَعنى الإنعام.

فإذا قلت : والله أقول ذاك ، على معنى : والله لا أقول ذاك ، صَلَح.

وذلك لأن الإنعام : والله لأقولنّه ، والله لأذهبنّ معك ، ولا يكون : والله أذهب معك ، وأنت تُريد أن تَفْعل.

قال : واعلم أن «لا» لا تكون صلة إلّا في معنى الإباء ، ولا تكون في معنى الإنْعام.

قلت : وافق قولُ أبي إسحاق قولَ الفَرّاء في تَفسير «لا أُقْسِمُ».

وقال الفرّاء : العربُ تَجعل «لا» صلة إذا اتّصلت بجَحْد قبلها ؛ قال الشاعر :

ما كان يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم

والأَطْيبان أبو بَكر ولا عُمَرُ

أراد : [والطيبان](١) أبو بكر وعُمر.

وقال في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الحديد : ٢٩].

العربُ : تَجعل «لا» صلة في كُل كلام دَخل في أوله جَحد ، أو في آخره جَحْد غيرُ مُصرّح ، فهذا ممّا دخل آخِرَه الجحدُ ، فجعلت «لا» في أوّله صلة.

قال : وأمّا الجحدُ السابق الذي لم يُصرّح به ، فقولك : ما مَنعك أن لا تَسْجد ، وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)) [الأنبياء : ٩٥].

وفي «الحرام» معنى جَحْد ومَنْع ، وفي قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) مثله.

فلذلك جُعلت «لا» بعده صِلة ، معناها : السُّقُوط من الكلام.

قال : وقد قال بعض مَن لا يعرف

__________________

(١) زيادة في «اللسان» (لا).

٣٠٠