ويُقال : أَبْليت فلاناً ، إذا حَلَفْت له فطَيَّبت بها نَفْسَه ؛ وقال أَوْسُ بن حَجَر :
كأنّ جَدِيدَ الأَرْض يُبْلِيك عنهمُ |
تَقِيَّ اليَمِين بعد عَهْدِك حالِفُ |
يقول : كأنّ جديد أرض هذه الدار ، وهو وَجْهُها ، لَما عفا من رُسومها ، وامَّحى من آثارها ، حالِفٌ تقيّ اليمين يحلف لك أنه ما حَلّ بهذه الدار أحدٌ لدُروس معاهدها ومعالمها.
والبَلِيّة : الناقةُ تُعْقل عند قَبر صاحبها فلا تُعْلف حتى تَموت ، وجمعها : البَلَايا.
وكان أهل الجاهلية يَفعلون ذلك.
ويُقال : قامت مُبلّيات فلان يَنُحْن عليه ، وهن النِّساء اللَّواتي يَقُمْن حول راحلته فَيَنُحن إذا مات أو قُتل ؛ وقال أبو زُبيد :
كالبَلايا رُؤُوسها في الوَلَايَا |
مانِحَاتِ السَّمُوم حُرَّ الخُدود |
ويقال : ناقتك بَلْوُ سَفر ، إذا أَبْلاها السَّفَرُ.
ابن الأعرابي : أَبْلَى فلانٌ إذا اجتهد في صِفة كَرم أو حَرْب.
يُقال : أَبلى ذلك اليومَ بلاءً حَسَناً.
ومثله : بالى يُبالي مُبالاة ؛ وأَنشد :
ما لي أراك قائماً تُبَالِي |
وأنتَ قد قُمْتَ من الهُزَالِ |
قال : سَمِعه وهو يقول : أكلنا وشَربنا وفَعلنا ، يُعَدِّد المكارمَ ، وهو في ذلك كاذب.
الليث : بَلِيّ : حيٌّ من اليمين.
والنِّسْبة إليهم : بَلَوِيّ.
قال : ويقال : بُلي فلانٌ ، وابْتُلي ، إذا امْتُحن.
والبلاء ، في الخير والشر.
والله يُبلي العبدَ بلاءً حسناً ، ويُبليه بلاء سيِّئاً.
وأَبْليت فلاناً عُذْراً ، أي بَيّنت له وجهَ العُذر لأُزيل عنِّي اللَّوْم.
والبَلْوى ، اسم من بَلاء الله.
وفي حديث حُذَيفة : لَتَبْتَلُنّ لها إماماً أو لَتُصَلُّن وُحْداناً.
شَمِر : يقول : لتختارُنّ. وأَصْله : بلاه يَبلوه ، وابتلاه ، أي جَرَّبه.
ويُقال : اللهم لا تُبْلنا إلّا بالتي هي أحسن ، أي لا تَمْتحننا.
والاسم : البَلاء.
بال : ثَعْلب ، عن ابن الأعرابي : بالَى فلانٌ فلاناً ، إذا فاخَره.
وبالاه ، إذا نَاقَصَه.
وبالى بالشيء ، إذا اهْتَمّ به (١).
__________________
(١) مكانه هذا الكلام من أول المادة إلى هنا في «اللسان» (بلا) ، (إبياري).
غيره : البالُ : بالُ النَّفس ، وهو الاكتراث.
ومنه اشْتُقّ : بالَيت.
ولم يَخْطُر ببالي ذلك الأمر ، أي لم يَكْرِثْني.
والمصدر : البالَة.
ومن كلام الحَسن : لم يُبَالِهم الله بالَةً.
ويُقال : لم أُبال ، ولم أُبَلْ ، على القَصْر.
والبالُ أيضاً : رخاءُ العَيْش.
إنه رخيّ البال وناعمُ البال.
عمرو ، عن أبيه : البالُ : القَلْب.
والبال : جمع البالة ، وهي الجِرَاب الضَّخْم.
ابن نَجدة ، عن أبي زيد : من أسماء النَّفس : البَال.
ابن الأعرابي ، عن المفضل : بال الرَّجُل يَبُول بَوْلاً شريفاً فاخراً ، إذا وُلد له ولدٌ يُشْبهه.
والبال : القَلْب.
والبال : الحالُ.
والبال : جمع البالة وهي عَصاً فيها زُجٌّ يكون مع صَيّادي أَهل البَصْرة.
قال : والبال : جمع البالة وهي الجِراب الصَّغير.
شَمِر : البال : الحالُ والشَّأن ؛ وقال عُبيد :
* فبِتْنا على ما خَيَّلت ناعِمَيْ بال *
مُجاهد ، عن ابن عباس في قول الله عزوجل : (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) [محمد : ٢] ، أي : حالَهم في الدُّنيا.
والبال : الأَمَل ؛ يقال : فلانٌ كاسِف البال.
وكُسوف باله : أن يَضيق عليه أملُه.
وهو رَخِيّ البَال ، إذا لم يَشتدّ عليه الأمر ولم يَكْتَرث.
ورُوي عن خالد بن الوليد أنه قال : إن عمر استَعْملني على الشام وهو له مُهمّ ، فلما أَلْقى الشام بَوَانِيَه وصار بَثَنيّةً عَزلني واسْتَعْمل غَيْري. فقال رجلٌ : هذه والله الفِتنة! فقال خالد : أمَا وابن الخطّاب حيٌّ فلا ، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بَلَّى ، وذي بَلَّى.
ألقى بَوانِيَه ، أي قَرَّ قَرارُه واطمأن أَمْرُه.
وقوله : بذي بَلَّى ، وذي بَلَّى.
قال أبو عُبيد : أراد تفرُّق الناس وأن يكونوا طوائفَ من غير إمام يَجْمعهم.
وكذلك كُلّ من بَعُد عنك حتى لا تعرف موضعه ، فهو بذي بلّى.
وفيه لُغة أخرى : بذي بِلِيّان.
قال : وكان الكسائي يُنشد هذا البيت في رجل يُطيل النَّوم :
تنامُ ويَذْهَب الأقوامُ حتّى |
يُقال أَتَوْا على ذي بِلّيانِ |
يعني : أنه أطال النوم وذهب أصحابه في
سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طُول نَومه.
وأخبرني المُنذري ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي : فلانٌ بذي بَلّى ، وذي بِلِيّان ، إذا كان ضائعاً بعيداً عن أَهله.
اللَّيث : بَلَى ، جواب استفهام فيه حرف نَفي ، كقولك : ألم تَفعل كذا؟ فيقول : بَلَى.
وقال المبرّد : بل حُكمها الاستدراك ، أينما وَقعت ، في جَحْد أو إيجاب.
قال : وبلى تكون إيجاباً للنفي لا غير.
سلمة ، عن الفراء : بلى تأتي بمعنيين : تكون إضراباً عن الأول ، وإيجاباً للثاني : كقولك ، له عندي دينار ، لا بل ديناران.
والمعنى الآخر : أنها تُوجب ما قبلها وتُوجب ما بعدها ، وهذا يُسمَّى : الاستدراك ؛ لأنه أراده فنَسيه ثم اسْتدركه.
قال الفراء : والعربُ تقول : بَلْ والله لا آتيك ، وبَنْ والله لا آتيك ، يجعلون اللام فيها نُوناً.
وقال : هي لغة بني سعد ولُغة كَلْب.
قال : وسمعتُ الباهليّين يقولون : لا بنْ ، بمعنى : لا بَلْ.
وأنشد ابن الأعرابي في الإبلاء بمعنى ، اليمين :
وإني لأُبلي في نساء سَواءها |
فأمّا على لَيلى فإنّي لا أُبْلِي |
يقول : أحلف على غير ليلى إني لا أُحب غيرها ، وأما على لَيلى فإِني لا أَحلف.
وقال بعضهم : لا أباليه بالة.
هو في الأصل : لا أباليه بالية ، اسم على فاعلة من البلاء ، كالعافية ، هي اسم من عافاه الله (١).
بال : الليث : البَئيل : الصَّغير النَّحِيف الضَّعيف ، مثل الضَّئِيل.
وقد بَؤُل يَبْؤل بآلَة.
اللحياني : هو ضَئِيل بَئيل.
وهي الضَّآلة والبآلة ، والضّؤولة والبُؤُولة.
أبو زيد : بَؤُل يَبْؤل ، فهو بَئِيل ، إذا صَغُر.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : أَنْشد قول أبي ذُؤيب :
كأنّ عليها بالةً لَطَمِيّةً |
لها مِن خلال الدأْيَتَيْن أَرِيجُ |
وقال : البالة ، الجراب ، وهي بالفارسية «بيلة» التي فِيها المِسك.
أبو سعيد : البالة : الرائحة والشَّمة.
وهي من قولهم : بلوته ، أي شَمَمْته واختبرته.
وإنما كان أصلها بَلَوة ، ولكنه قدّم الواو
__________________
(١) الكلام من قوله : «وروي عن خالد» في «اللسان» مادة (بلا) (إبياري).
قبل اللام ، فصيّرها ألفاً ، وهو كقولك : قاعَ وقَعَا ، أَلا ترى قول ذي الرّمّة :
بأَصْفر وَرْدٍ آل حتى كأَنَّما |
يَسُوف به البالي عُصَارة خَرْدَلِ |
ألا تراه جعله : يَبْلُوه (١).
[باب اللام والميم]
ل م (وايء)
مال ، أمل ، ألم ، مال ، لأم (لوم) ، ملا ، أملى ، لما ، ولم.
أمل : الليث : الأَمَل : الرَّجاء.
ويقال : أَمَلْته آمُله ، وأَمَله يأْمُله.
والتّأمُّل : التَّثبُّت.
والأَمِيل : حَبل من الرَّمْل مُعْتَزل عن مُعْظَمه ؛ على تقدير مِيل ؛ وأَنْشد :
* كالبَرْق يَجْتَاز أَمِيلاً أَعْرَفَا*
وجمعه : أُمُل.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : الأَمِيل : حَبْل من الرَّمْل يكون عَرْضه نحواً من مِيل.
قلت : وليس قولُ مَن زعم أنهم أرادوا به الأَميل من الرمل : الأمْيل ، فخُفِّف ، بشيء ، ولا نَعلم في كلامهم ما يشبه هذا.
ويقال : ما أَطول إمْلته! من الأَمل.
ابن الأعرابي : الأَمَلة : أعوان الرَّجُل.
واحدهم : آمِل.
ميل : اللّيث : المالُ ، معروف ، وجمعه : أَمْوَال.
ومالُ أهل البادية : النّعَم.
وَرَجُلٌ مالَةٌ : ذو مال ، والفِعل : تَمَوَّل.
أبو زيد : المَيل ، معروف.
والمَيَلُ ، مصدر الأَمْيَل ، وهو المائل.
والفِعل : مَيِل يَمْيَل.
الليث : المَيْلاء من الرَّمْلِ : عُقْدة ضَخْمة مُعْتَزلة.
قلت : لا أعرف المَيْلاء ، في صِفة الرِّمَال ، وأحْسبه أَراد قول ذي الرُّمّة :
مَيْلَاءَ من مَعْدنِ الصِّيران قاصِيَةٍ |
أَبْعَارُهُنّ على أَهْدافها كَثَبُ |
وإنما أراد ها هنا ب «المَيْلا» : أرطاة ، ولها حينئذ مَعْنيان :
أحدهما : أَنه أَراد أنّ فيها اعْوجاجاً.
والثاني : أنه أراد أنها مُنْتَحِيةً مُتباعدة من مَعدن بَقر الوَحْش.
الليث : المِيلُ : مَنارٌ يُبْنى للمُسافر في أنْشاز الأرض وأَشْرافها.
قلتُ : المِيلُ ، في كلام العرب : قدر مُنتهى مدِّ البَصر من الأَرض.
وقيل للأعلام المَبنيّة في طَريق مكة :
__________________
(١) الكلام من قوله : «أبو عبيد عن الأصمعي» إلى هنا ، مكانه في «اللسان» مادة (بول) ، (إبياري).
أميال ، لأنّها بُنيت على مقادير مَدَى البصر من الميل إلى الميل ، وكلّ ثلاثة أميال منها فَرْسخ.
أبو حاتم ، عن الأصمعي : قول العامّة المِيل لما تُكحل به العينُ ، خطأ ، إنما هو المُلْمُول.
الليث : المِيل : المُلْمُول.
قال : والأَمْيل من الرِّجال : الجبّار.
قال : وهو في تفسير الأعراب : الذي لا تُرس معه في الحَرب.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الأمْيل : الذي لا سَيْف له ، جمعه : مِيل ؛ قال الأعْشى :
* لا مِيلٌ ولا عُزُلُ*
وهذا هو الصَّحيح.
ويقال : تَمَوّل فلانٌ مالاً ، إذا اتّخذ قِنْية من المال ؛ ومنه قولُ النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «غير مُتموِّل مالاً ، وغير مُتأثِّل مالاً».
والمعنيان مُتَقاربان.
ويقال : مال الرَّجُل يَمَالُ : كَثُر مالُه.
وما أمْوَلَه! أي ما أكثر مالَه!
عمرو ، عن أبيه ، هي العَنكبوت ، والمُولَةُ ، والشَّبَتُ ، والْمِنَنة.
والمِشْطة المَيْلاء : مِشْطة معروفة ، وقد كرهها بعضُهم للنِّساء.
وجاء في الحديث في ذكر النِّساء : «مائلاتٌ مُميلات».
يقول : يَمِلْن بالخُيلاء ويُصْبِين قلوبَ الرِّجال.
وقيل : مائلات الخِمْرة ؛ كما قال الراجز :
* مائلة الخِمْرة والكَلَام*
وقيل : المائلات : المُتبرِّجات.
وقيل : مائلات الرُّؤوس إلى الرِّجال.
وفي حديث أبي مُوسى أنه قال لأنس : عُجِّلت الدُّنْيا وغُيِّبت الآخرة ، أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا مَيَّلوا.
أي : لم يَشكّوا ولم يترددوا.
تقول العرب : إني لأُميِّل بين ذَيْنك الأَمْرين ، وأُمايل بينهما ، أيّهما أركب ، وأُمايط بينهما ، وإني لأُمَيِّل وأُمايل بينهما أيّهما أفضل؟ وقال عِمْران بن حطّان :
لما رأوْا مَخْرجاً من كُفْر قَومهم |
مَضَوْا فما مَيَّلوا فيه وما عَدَلُوا |
أي لم يَشكّوا.
وإذا مَيّل الرَّجُل بين أَمْرين ، فهو شاكّ.
وقوله : ما عدلوا ، كما تقول : كما عَدلوا به أحداً.
أبو زيد : مَيل الحائطُ ، ومَيل سنامُ البعير ؛ ومَيِل الحوْضُ ، مَيَلاً.
ومال الحائطُ يَمِيل مَيْلاً.
ابن السِّكيت : في فلان مَيَلٌ علينا.
وفي الحائط مَيَلٌ.
لأم ـ لوم : الليث : اللّوْم : المَلامة ، وقد لامَ يَلُوم.
ورَجُلٌ مَلُوم ومَلِيم : قد اسْتَحَقّ اللَّومَ.
قال : واللّوْماء : المَلامة.
واللّوْمَةُ : الشّهْدة.
قال : واللّامة ، بلا همز ، واللّامُ : الهَوْل ؛ قال المُتَلَمِّس :
* ويكاد من لامٍ يَطير فؤادُها*
قال : وقال أبو الدُّقَيْق : اللّام : القُرْب.
وقال أبو خيرة : اللّام ، من قول القائل : لامٍ ، كما يقول الصائتُ : أيا أيا ، إذا سمعت الناقةُ ذلك طارت من حدّة قلبها.
قال : وقول أبي الدُّقَيْش أوْفق لمعْنى المتنكِّس في البيت ؛ لأنه قال :
ويَكاد من لام يَطير فُؤادُها |
إذ مَرَّ مُكّاءُ الضُّحَى المُتَنكِّسُ |
ابن الأعرابي : اللّامُ : الشخص في بيت المتلمِّس.
يقال : رأيت لامَه ، أي شخصه.
ثعلب ، عنه : اللّوَمُ : كثرة اللّوْم.
وقال الفراء ، وأبو زيد : من العرب من يقول المَلِيم بمعنى : المَلُوم.
ومن قال مَلِيم بناه على لِيمَ.
أبو عُبيدة : لُمْت الرَّجُلَ ، وأَلَمْتُه. بمعنًى واحد ؛ ومنه قول مَعْقل بن خُويلد الهذلي :
حَمِدْتُ الله أن أَمْسى رَبِيع |
بدار الهُون مَلْحِيّاً مُلامَا |
ويُقال : قضى القومُ لُواماتٍ لهم ، وهي الحاجات.
واحدُها : لُوَامة.
أبو عبيد ، عن أبي عُبيدة : اللأمَةُ : الدِّرْع.
وجمعها : لُؤَم ، مثال فُعَل.
وقال : وهذا على غير قياس.
شَمر ، عن ابن الأعرابي : اللأمة : السِّلاح كُلّه.
يقال للسَّيف : لأْمَة ؛ وللرُّمح : لأْمَة.
وإنما سُمِّيت : لأْمة ، لأنها تُلائم الْجَسَد وتُلازمه.
قال : ويُقال : اسْتلأم الرّجُل ، إذا لبس ما عنده من عدَّة ودِرْع ومِغْفَر وسَيْف ونَبْل ؛ وقال عَنترة :
إن تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإنّني |
طَبٌّ بأخْذ الفارس المُسْتَلْئِم |
قال : وقال بعضهم : اللأمة ، الدِّرع الحصينة.
سُمّيت : لأْمَة ، لإحكامها وجَودة حلقها ؛ وقال ابن أبي الحُقيق فجعل اللأْمة البَيْضَ :
بِفَيْلَقٍ تُسْقِط الأحْبالَ رُؤيتُها |
مُسْتَلْئِمي البَيْض من فوق السَّرابِيلِ |
وقال الأعشى ، فجعل اللأمة السِّلَاح كُلّه :
وقُوفاً بما كان من لأْمَةٍ |
وهُنّ صِيَامٌ يَلُكْن اللُجُمْ |
وقال غيرُه ، فجعل اللأمة الدِّرع وفُروجها بين يَدَيها ومن خَلفها :
كأنّ فُروج اللأمة السَّرْد شَكّها |
على نفسِه عَبْلُ الذِّراعين مُخْدِرُ |
أبو زيد : لَؤُم الرَّجل يَلْؤُم لُؤْماً ومَلأَمَةً ؛ فهو لَئِيم.
ويقال : قد أَلأم الرَّجُل ، إذا صَنَع ما يَدْعوه الناسُ عليه لَئِيماً ، فهو مُلْئِم.
ويقال : هذا رجل مِلأَمٌ ، وهو الذي يُعْذِر اللِّئام.
ابن الأعرابي : المُلْئِم : الذي يَلد اللِّئامَ.
قال : ويُقال للرجل إذا سُبّ : يا لُؤْمان ، ويا مَلأَمان ، ويا مَلأم.
قال : واستلأم فلانٌ الأبَ ، إذا كان له أبُ سَوْءٍ لَئِيم.
ويقال : هذا لِئْم هذا ، أي مِثْله.
والقوم أَلآم ؛ وأَنشد :
أتقعد العامَ لا تَجْني على أَحدٍ |
مُجنَّدين وهذا الناسُ أَلآمُ |
قال : واللأم : الاتِّفاق.
والمُلْئِم : الرَّجُل اللَّئِيم.
وتَلاءَم الشيئان ، إذا اجتمعا واتَّصَلا.
ويُقال : التأم الفَرِيقان والرَّجُلان ، إذا تصالحَا واجتمعا ؛ ومنه قولُ الأَعْشى :
يَظُن الناس بالمَلِكَيْ |
ن أنّهما قد الْتأمَا |
|
فإن تَسْمَع بَلأْمهما |
فإن الأَمْرَ قد فَقِمَا |
والتأم الجُرْحُ : التئاما ، إذا بَرأ والْتحم.
وهذا طعام يُلائمني ، أي يوافقني.
ولا تَقُل : يُلاومني.
ولاءَمْت بين الفريقين ، إذا أَصْلَحْتَ بينهما.
الليث : ألأْمت الجُرْحَ بالدَّواء.
وألأمت القُمْقُم ، إذا سَدَدْت صُدُوعَه.
ابن السِّكيت : اللُّؤْمة : السِّنّة التي تَحْرث بها الأرض.
فإذا كانت على الفَدّان ، فهي العِيَان.
وجمعها : عُيُن.
أبو عبيد ، عن الأصمعي : سَهْمٌ لأمٌ : عليه ريشٌ لُؤَامٌ ؛ وقال امرؤ القَيس :
نَطْعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجةً |
لَفْتَكَ لأْميْن على نابِلِ |
قال : وقال الكسائيّ : لأَمْتُ السهم ، مثل فَعَلْت : جَعلتُ له لُؤَاماً.
الأصمعيّ ، وأبو عُبيدة : من الرِّيش : اللُّؤَام ، وهو ما كان بَطْن القُذّة منه يَلي ظَهر الأُخرى ، وهو أجود ما يكون ، فإذا التقى بَطْنان ، أو ظَهران ، فهو لُغَاب ولَغْب ؛ وقال أَوْس بن حَجَر :
يُقَلِّب سَهْماً راشه بمَناكِبٍ |
ظُهارٍ لُؤامٍ فهو أَعْجفُ شاسِفُ |
ويقال : استلام الرجل إلى ضَيْفه ، إذا فعل ما يُلام عليه ؛ وقال القُطاميّ :
ومَن يَكُن اسْتلام إلى ثَوِيٍ |
فقد أَحْسنتُ يا زُفَر المَتَاعَا |
لمى : أبو عبيد ، عن الكسائي : تزوّج فلانٌ لُمَتَه من النِّساء ، أي مِثْله.
ورُوي أن شيخاً تزوَّج جاريةً شابّة زَمن عُمر بن الخطاب ، فَفَرِكَتْه وَقَتَلتْه ، فلما بلغ عُمَرَ الخبرُ قال : يا أيها الناس ، لِيتزوج كُلّ رَجُل لُمَته ، أي امرأته على قَدْر سِنّه ، ولا يتزوّج الشيخ حدثةً يشقّ عليها تَزَوّجه.
ورُوي عن فاطمة البَتول أنها خرجت في لُمَة من نِسائها تتوطّأ ذَيْلَها حتى دَخَلت على أبي بكر الصّديق ، أي : في جماعة من نِسائها.
وقيل : اللُّمَة من الرّجال : ما بين الثّلاثة إلى العَشرة.
ويُقال : لك فيه لُمَة ، أي : أُسْوة ؛ وأَنْشد ابن الأعْرابيّ :
قَضاء الله يَغْلب كُلَّ حَيِ |
ويَنْزل بالجَزْوع وبالصَّبُورِ |
|
فإن نَغْبُر فإنّ لنا لُمَاتٍ |
وإنْ نَغْبُر فنحن على نُذُورِ |
أي : نَذَرنا أنّا سنموت لا بُدّ لنا من ذلك.
قال : واللُّمَات : المُتوافقون من الرِّجال.
يقال : أنت لي لُمَة ، وأنا لك لُمة.
وقال في مَوضع آخر : اللُّمَى : الأتراب.
قلت : جعل النّاقِص من اللُّمَة واواً أو ياء ، فجمعها على اللُّمَى.
قال : واللّمْي : الشِّفاه السُّود.
وفي «نوادر الأعراب» : اللُّمَة في المحراث : ما يَجُرّ به الثَّور يُثير به الأرض.
وهي : اللُّومة ، والنَّورج.
أبو زيد : تَلَمّأت الأرضُ على فلانٍ تَلَمُّؤاً ، إذا هي استوت عليه فوارتْه ؛ وأَنشد في ذلك :
وللأَرْض كم مِن صالِحٍ قد تَلَمَّأت |
عليه فوارتْه بلمّاعةٍ قَفْرِ |
ويُقال : قد ألمأتُ على الشيء ، إذا احتويتَ عليه.
غيره : يُقال : ما أَدري أين أَلمأَ مِن بلاد الله؟ أي ذَهَب.
ويقال : كان في الأرض مَرعى وزَرع فهاجت الرِّياح فألْمأَتْها ، أي تَركتها صَعِيداً.
ابن كُثْوة : ما يَلْمَأ فَمُه بكلمة ، وما يَجْأَى فَمُه ، بمَعْناه.
وما يلمأ فَمُ فلان بكلمة ، معناه : لا يَسْتعظم شيئاً تَكَلَّم به مِن قَبيح.
الليث : اللَّمى ، مَقصور ، من الشَّفة اللّمْياء ، وهي اللَّطيفة القليلة الدَّم.
والنعت ، أَلْمى ولَمْياء.
وكذلك : لَثة لَمياء : قليلة اللّحم.
وقال أبو نصر : سألت الأصمعي عن اللّمى مرةً ، فقال : هي سُمْرة في الشّفَة.
ثم سألته ثانيةً ، فقال : هو سَواد يكون في الشّفتين ؛ وأَنشد :
يَضْحكن عن مَثْلوجة الأثلاج |
فيها لَمًى مِن لُعْسَةِ الأدْعاج |
وظِلٌ أَلْمى : كثيف أَسْود ؛ قال طرفة :
وتَبْسِم عن أَلْمَى كأنّ مُنَوَّراً |
تَخَلَّل حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ له نَدِي |
أراد : عن ثَغْر ألْمى اللِّثات ، فاكتفى بالنَّعت عن المَنْعوت.
وقال أبو الجَرّاح : إنّ فلانة لَتُلَمِّي شَفَتَيْها.
وقال بعضهم : الأَلْمى : البارد الرِّيق.
وظِلٌ ألْمى : بارِد.
وجَعل ابن الأعرابيّ : اللّمَى سَواداً.
ألم : أبو عُبيد : عن ابن السِّكيت : أَلِمْتَ بَطْنَك ، ورَشِدْت أَمْرَك.
قال : وانتصاب بَطْنك وأَمْرك على التّفسير ، وهو مَعرفة ، والمُفَسرات نكرات ؛ كقولك : قَرِرْت به عَيْناً ، وضِقْت به ذَرْعاً. وقد مَرّ تفسيرُه.
والأَلَم : الوَجع.
وقد أَلِم الرَّجُل يَأْلَم ، أَلَماً ، فهو أَلِم.
ويُجمع الأَلم : آلاماً.
فإذا قلت : عذاب أليم ، فهو بمعنى مُؤْلم.
ومنه : رَجُلٌ وَجِع ، وضَرْب وَجِع ، أي مُوجع.
وتألّم فلانٌ من فلانٍ ، إذا تشكَّى منه وتوجَّع.
أبو زيد : يقال : ما أجد أَيْلَمةً ولا ألماً ، وهو الوَجع.
ابن الأعرابي : ما سمعت له أَيْلمةً ، أي صَوتاً.
شمر ، عنه : ما وجدت أَيْلمةً ولا أَلماً ، أي وجعاً.
وقال أبو عمرو : الأَيْلمة : الحَركة ؛ وأَنْشد :
فما سمعتُ بعد تلك النَّأَمَهْ |
منها ولا مِنْه هُناك أَيْلَمهْ |
وأَلُومَة : موضع ، وقال صَخْر الغَيّ :
ويَجْلُبوا الخَيْلَ من أَلُومةَ أو |
مِن بَطْن عَمْقٍ كأنها البُجُدُ |
ملا ـ أملى : أبو حاتم : حُبٌ مَلآن ، وقِرْبة مَلأَى ، وحِبَابٌ مِلَاء.
وإن شِئت خَفّفت الهمزة فقلت : مَلاً.
والمِلْء : ما أَخذ الإناءُ من الماء.
وقد امتلأ الإناء.
وإناء مَلآن.
وشابٌ مَالِئُ العين ، إذا كان فخماً حَسَناً ؛ قال الراجز :
* بِهَجْمة تَمْلأ عَيْن الحاسِدِ*
ويقال : أَمْلأ فلانٌ في قَوْسه ، إذا أَغْرق في النَّزْع.
ومَلأ فلانٌ فُروج فَرسه ، إذا حَمله على أشَدّ الحُضْر.
أبو عُبيد : مُلِئ فلانٌ ، فهو مَمْلوء.
والاسم : المُلاءة ، وهو الزُّكام.
وقد أمْلَأَه الله ، إذا أَزْكَمه.
الليث : المُلأَة : ثِقَلٌ يأخذ في الرأس كالزُّكام من امتلاء المَعِدة.
والمَلَأ ، مهموز مقصور : أشراف الناس ووُجوههم ؛ قال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ) [البقرة : ٢٤٦] و (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩].
ورُوي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه سَمع رجلاً من الأنصار مَرْجِعَه من غَزوة بَدْر يقول : ما قتلنا إلا عجائزَ صُلْعاً. فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أولئك المَلَأ من قُريش لو حَضرت فِعالَهم لاحْتَقرت فِعْلك.
والمَلَأ أيضاً : الخُلق : يقال : أحْسِنْ مَلأَك أيها الرجل ، وأحسنوا أمْلاءَكم.
وفي حديث أبي قتادة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما تكابُّوا على الماء في تِلك الغَزاة لِعَطشٍ نالهم ، قال : «أَحْسنوا أَمْلاءكم فكُلّكم سَيَرْوَى».
أي : أَحْسِنُوا أَخلاقكم.
ومنه قوله :
تَنادَوْا آل بُهْثة إذ رَأَوْنَا |
فقُلْنا أحْسِني مَلأً جُهَيْنَا |
أي : أحسني خُلقاً يا جُهَينة.
ويُقالُ : أراد : أحسني مُمَالَأة ، أي معاونةً ، من قولك : مَالَأتُ فلاناً ، أي عاونتُه وظاهرتُه.
وفي حديث عمر أنه قَتل سبعة نفر بصبيّ قتلوه غِيلةً ، وقال : لو تَمَالَأَ عليه أهل صَنعاء لقتلتُهم به.
يقول : لو تضافَروا واجتمعوا عليه حتى قتلوه.
وقال أبو إسحاق : رجُلٌ مَلِيء ، مهموز : بَيِّنُ المَلَاء.
والمَلأ : الرُّؤساء ، سُمّوا بذلك لأنهم مِلَاءٌ بما يُحتاج إليه.
قال : والمَلأ : الخَلْق.
قال : وهما مَهموزان مَقْصُوران.
وأما المَلَا : المُتَّسع من الأرض ، فهو غير مهموز ، يكتب بالألف وبالياء ، والبَصريون يكتبونه بالألف ؛ وأنشد :
أَلا غَنِّياني وارْفَعا الصَّوتَ بالمَلَا |
فإنّ المَلَا عِنْدي يَزيد المَدى بُعْدَا |
أبو زيد : مَلُؤ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلاءة.
فهو : مَلىء.
الليث : المُلَاءة : الرَّيْطة.
والجمع : المُلَاء.
قال : وقوم مِلَاء.
قال : ومَن خَفّف قال : قومٌ مِلًى.
ابن الأعرابي : المُلَى : الرّمَاد الحارّ.
والمُلَى : الزَّمانُ مِن الدَّهْر.
وقال ابن السِّكيت ، في قول الشاعر :
وتَحَدَّثوا مَلأً لِتُصْبح أُمّنا |
عَذْراء لا كَهْلٌ ولا مَوْلُودُ |
أي : تَشاوروا وتَحَدَّثوا مُتمالئين على ذلك ليقتُلونا أجمعين فتُصبح أمّنا كالعَذراء التي لا وَلد لها.
أبو عبيد : يُقال للقوم إذا تتابعوا برأيهم على أَمْر : قد تَمَالَئُوا عليه.
وقال ابن السِّكيت : تَمَلَّأْتُ من الطعام تَمَلُّؤاً.
مَلْوَة من الدهر ، ومُلْوَة ، ومِلْوَة ، ومَلاوَة ؛ وهُذيل تقول : مَلاوَة ؛ وبعضُ العرب يقول : مُلاوَة ، كله من الطُّول.
ابن الأعرابي : مَلاوَة من الدهر ، ومُلاوَة ، ومِلاوَة ، أي حينٌ من الدّهْر.
الليث : إنه لفي مَلاوَة من عَيْش ، أي قد أُمْلِيَ له.
والله يُمْلِي من يشاء فيؤجّله في الخَفض والسَّعة والأَمْن ؛ قال العجّاج :
مُلاوَةً مُلِّيتُها كأنِّي |
ضاربُ صَنْجٍ نَشْوةٍ مُغَنِّي |
الأصمعي : أَمْلَى عليه الزَّمنُ ، أي طال عليه.
وأَمْلَى له ، أي طوّل له وأَمْهله.
ومَلَا البَعيرُ يَمْلُو مَلْواً ، إذا سار سَيْراً شديداً ؛ وقال مُلَيح الهُذليّ :
فأَلْقوا عليهنّ السّياط فشَمَّرت |
سعالَى عليها المَيْسُ تَمْلُوا وتَقْذِفُ |
شَمر : يقال : فلان أَمْلأ لعيني من فلان ، أي أتمّ في كل شيء منظراً وحُسْناً.
وهو رجل مَالِئٌ للعَين ، إذا أَعجبك حُسْنه وبَهْجته.
ابن الأعرابي : مَالَأَه ، إذا عاونه ؛ ولامأه ، إذا صحبه أشباهُه.
مأل : ابن الأعرابي : رَجُلٌ مَئِلٌ ، وامرأة مَئِلة ، أي ضَخْمٌ تارٌّ.
وقد مَئِلت تَمْأَل ، ومَؤُلت ، تَمْؤُل.
ولم : وقال أبو العباس : الوَلْمة : تمام الشيء واجْتماعه.
وأَوْلَم الرَّجُلُ : اجتمع خَلْقُه وعَقْلُه.
قال : والوَلَمُ : الحَبْلُ الذي يُشدّ من التَّصْدير إلى السِّنَاف لئلّا يَقْلقا.
والوَلْم : القَيْد.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : يُسمَّى الطَّعام الذي يُصْنع عند العُرس : الوَلِيمة.
وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لعبد الرحمن بن عوف ، وقد جمع إِليه أهله : «أَوْلِم».
أي : اصْنع وَلِيمةً.
وأصْل هذا كله من الاجتماع.
ابن هانىء ، عن أبي زيد : رجلٌ وَيْلُمّة : داهيةٌ أيّ داهية.
باب لفيف حرف اللام
[لام ، لو ، لا ، لات ، إمالا ، ألا ، إلا ، إلى ، لي ، ألى ، ألا ، آل ، ةأل ، ليل ، لوى ، ولى ، أول ، أيلول ، إيليا ، ولول ، تلو
نَبدأ أولاً بالحروف التي جاءت لمعانٍ من باب اللّام لحاجة الناس إلى معرفتها ، فمنها :
لام : اللام التي توصل بها الأسماء ، والأفعال ، ولها معانٍ شتّى ، فمنها :
لام الملك
كقولك : هذا المالُ لِزيد ، وهذا الفرسُ لِعَمرو.
ومن النحويين من يُسَمِّيها لام الإضافة.
سُمِّيت لام الملك لأنّك إِذا قلت : هذا لِزَيْد ، عُلم أنه مِلْكُه.
وإذا اتَّصلت هذه اللام بالمكْنِيّ عنه نُصبت ، كقولك : هذا المال له ، ولَنا ، ولكَ ، ولَها ، ولَهما ، ولَهم.
وإنما فُتحت مع الكِنايات لأن هذه اللام في الأصل مفتوحة ، وإِنما كسرت مع الأسماء لِيُفْصل بين لام القسم وبين لام الإضافة ، ألا ترى أنك لو قُلت : إن هذا المال لِزيد ، عُلم أنه مِلْكه ، ولو قلت : إنّ هذا لَزَيْدٌ ، عُلم أن المُشار إليه هو زَيد فكُسرت ليُفرق بينهما.
وإذا قلت : المالُ لكَ ، فتحت ؛ لأنّ اللَّبس قد زال.
وهذا قولُ الخليل والبَصْريّين.
لام كي
هي كقولك : جئتُ لِتَقُومَ يا هذا.
سُمِّيت لام كي لأنّ معناها : جئتُ لكي تَقُومَ.
ومعناها : معنى لام الإضافة ، ولذلك كُسرت ؛ لأن المعنى : جئت لِقيامك.
وقال الفَراء في قوله تعالى : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) [يونس : ٨٨] : هي لام كي.
المعنى : يا ربّ أَعْطَيتهم ما أعطيتهم ليضلّوا عن سَبيلك.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : الاختيار أن تكون هذه اللام وما أشبهها بتأويل الخَفْض. المعنى : آتيْتهم ما آتَيْتهم لضلالهم.
وكذلك قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) [القصص : ٨] معناه : لِكَوْنه ، لأنه قد آلت الحال إلى ذلك.
قال : والعربُ تجعل لام كي في مَعنى لام الخفض ، ولام الخفض في معنى لام كي لتقارُب المعَنى.
قال الله تعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) [التوبة : ٩٥].
المعنى : لإعراضكم عنهم ، وهم لم يحلفوا لكي تُعرضوا ، وإنما حلفوا لإعراضهم عنهم ؛ وأَنْشد :
سَمَوْت ولم تكن أهلاً لِتَسْمُو |
ولكنّ المُضَيَّع قد يُصابُ |
أراد : لم تكن أهلاً للسّمُوّ.
وقال أبو حاتم في قوله تعالى : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) [التوبة : ١٢١] : اللام في (لِيَجْزِيَهُمُ) لام اليمين ، كأنه قال : ليجزينّهم ، فحذف النون وكسر اللام ، وكانت مفتوحة ، فأشبهت في اللفظ لام كي ، فنَصبوا بها كما نصبوا ب «لام كي».
قال : وكذلك قولُه تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ١ و٢].
المعنى ليغفرنّ الله لك.
وقال ابن الأنباري : هذا الذي قاله أبو حاتم غَلط ، لأن لام القَسم لا تُكسر ولا يُنصب بها ، ولو جاز أن يكون معنى (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) : ليجزينّهم ، لقُلنا : والله ليقومَ زيد ، بمعنى ليقومنّ ، وهذا مَعدوم في كلام العرب.
واحتج أبو حاتم بأن العرب تقول في التعجُّب : أَظْرِفْ بزَيْد! فيَجْزمونه لشبهه بلفظ الأمر. وليس هذا بمنزلة ذلك ؛ لأن التعجّب عُدل إلى لفظ الأمر ، ولام اليمين لم تُوجد مكسورة قطّ في حال ظهور اليمين ، ولا في حال إضمارها.
قال أبو بكر : وسألت أبا العبّاس عن اللام في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ٢] ، فقال : هي لام كي. معناه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) لكي يَجتمع لك مع المغفرة تمامُ النّعمة في الفتح ، فلما انضمّ إلى المغفرة شيء حادث واقع حَسُن معنى كي.
وكذلك قولُه تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سبأ : ٤] هي : لام كي ، تتصل بقوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) [سبأ : ٣] إلى قوله تعالى : (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٣] أحصاه عليهم لكي يَجْزِي المُحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.
لام الأمر
وهو كقولك : لِيضْرب زيْدٌ عمراً.
قال أبو إسحاق : أصلها نَصْب ، وإنما كُسرت ليفرّق بينها وبين لام التوكيد ، ولا يبالي بشبهها بلام الجر ؛ لأنّ لام الجر لا تقع في الأفعال ، وتقع لام التوكيد في الأفعال ، ألا ترى أنك لو قلت : لِيضرب ، وأنت تأمر ، لأشبه لامَ التوكيد ،
إذا قلت : إنك لَتضربُ زيداً.
وهذه اللام في الأمر أكثر ما تُستعمل في غير المُخاطب ، وهي تجزم الفِعل ، فإن جاءت للمُخاطب لم يُنْكر.
وقال الفراء : رُوي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في بعض المشاهد : «لِتأخذُوا مَصَافّكم».
يريد : خُذوا مَصافّكم.
وقال الله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٨٥].
أكثر القُرّاء قرءوا بالياء.
ورُوي عن زَيد بن ثابت : (فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨]. يريد أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، أي ممّا يَجمع الكُفّار.
وقوّى قراءةَ أُبيّ «فَافْرَحُوا» وهو البِناء الذي خُلق للأَمر إذا واجَهْت به.
قال الفراء : وكان الكسائيّ يَعيب قولهم فَلْتفرحوا ، لأنه وَجده قليلاً فجعله عَيْباً.
وقرأ يعقوب الحَضْرميّ ، بالتاء ، وهي جائزة.
اللام التي هي للأمر في تأويل الجزاء
من ذلك قول الله تعالى : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢].
قال الفراء : هو أمر فيه تأويل الجزاء ، كما أن قوله تعالى : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] نَهْيٌ في تأويل الجَزاء ، وهو كثير في كلام العرب ؛ وأنشد :
فقلت ادْعِي وأَدْعُ فإنّ أَنْدَى |
لِصَوْتٍ أن يُنَادِي داعِيان |
أي : ادْعِي ولأَدعُ ، فكأنه قال : إن دعوتِ دعوتُ.
ونحوَ ذلك قال الزّجاج.
وقال : يُقرأ قوله : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] بسكون اللّام وبكسرهما ، وهو أمرٌ في تأويل الشَّرط.
المعنى : إن تَتّبعوا سَبيلنا حَملنا خطاياكم.
لام التوكيد
وهي تَتصل بالأسماء والأفعال التي هي جوابات القَسَم وجواب إنّ.
فالأسماء كقولك : إنّ زيداً لكريم.
والأفعال كقولك : إنّه ليذُبّ عنك.
وفي القسم : والله لأصلّين ، ورَبّي لأصُومَنّ.
وقال الله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧١] أي : ممّن أَظهر الإيمان لَمن يُبطِّىء عن القِتال.
قال الزّجاج : اللام الأولى التي في قوله (لَيُبَطِّئَنَ) لام القسم ، و «من» موصولة بالجالب للقسم ، كأنّ هذا لو كان كلاماً لقلت : إنّ منكم لَمن أحْلِف بالله والله ليبطِّئنّ.
قال : والنَّحويون مجمعون على أن «ما»
و «من» و «الذي» لا يُوصَلْن بالأمر والنّهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر ، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أَشبهه لفظه مضمرٌ معها ومنها :
اللامات التي تؤكّد بها حُروف المجازاة
وتُجاب بلام أُخرى توكيداً ، كقولك : لئن فَعَلْت كذا لتندمَنّ ، ولئن صَبَرت لَتَرْبَحَنّ.
ومنها قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١].
أخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب النَّحوي ، أنه قال : المَعنى في قوله : «لَما آتَيْتُكُمْ» : لمَهما آتيتكم ، أي : أَيّ كتاب آتيتكم (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ).
قال : وقال أحمد بن يحيى : قال الأخفش : اللام التي في (لَما آتَيْتُكُمْ) اسم ، والذي بعدها صلة لها ، واللام التي في (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) لام القَسم ، كأنه قال : والله لتؤمننّ ، فوكّد في أول الكلام وفي آخره. وتكون «من» زائدة.
وقال أبو العبّاس : هذا كلّه غلط. اللام التي تدخل في أوائل الجزاءات تُجاب بجوابات الأَيمان ، تقول : لَمَن قام لآتينّه.
فإذا وقع في جوابها «ما» و «لا» عُلم أنّ اللام ليست بتوكيد ، لأنك تَضع مكانها «لا» و «ما». وليست كالأولى ، وهي جواب للأُولى.
قال : وأما قوله : (مِنْ كِتابٍ) فأَسْقط «من» فهذا غلط ، لأن «من» التي تدخل وتخرج لا تقع إلا مواقع الأسماء ، وهذا خبر ، ولا تقع في الخبر ، إنما تقع في الجَحد والاستفهام والجزاء ، وهو قد جعل «لَما» بمنزلة : لَعَبد الله والله لقائمٌ ، ولم يجعله جزاءً.
ومن اللامات التي تَصحب إنْ
فمرةً تكون بمعنى «إلا» ، ومرة تكون صلة وتوكيداً ، كقول الله تعالى : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨].
فمن جَعل «إن» جحداً جَعل اللام بمعنى «إلّا».
المعنى : ما كان وَعْد ربِّنا إلا مَفْعولاً.
ومن جعل «إن» بمعنى «قد» جعل اللام توكيداً.
المعنى : قد كان وَعْد ربّنا مفعولاً.
ومثله قوله تعالى : (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦] ، يجوز فيها المَعْنيان.
لام التعجب ولام الاستغاثة
أخبرني المنذري ، عن المبرّد : إذا استُغيث بواحد وبجماعة ، فاللام مفتوحة ، تقول : يا للرِّجال! يا لَلْقوم ، يا لَزيد!
وكذلك إذا كنت تَدْعوهم.
فأما «لام» المدعو إليه فإنها تُكسر ، تقول : يا للرّجال لِلْعَجب! ويا لَلرّجال لِلماء! وأَنْشد :
يا لَلرّجال لِيوم الأربعاء أمَا |
ينفكّ يُحْدِث بعد النَّهي لي طَرَبَا |
وقال الآخر :
تكنّفني الوُشاةُ فأَزْعجوني |
فيا لَلنّاس للواشي المُطَاعِ |
وتقول : يا لِلْعجب ، إذا دعوت إليه ، كأنك قلت : يا لَلنّاس لِلعجب.
قال : ولا يجوز أن تقول : يا لَزيد ، وهو مقبل عليك ، إنما تقول ذلك لِلْبعيد.
كما لا يجوز أن تقول : يا قَوماه ، وهم مقبلون عليك.
فإن قلت : يا لَزيد ، ولِعَمْرو ، كسرت اللام في لعمرو ، وهو مدعوّ ، لأنك إنما فتحت اللام في زيد للفَصل بين المدعوّ والمدعوّ إليه ، فلما عَطفت على زيد استغنيت عن الفعل ، لأن المعطوف عليه في مِثل حاله ؛ وأنشد :
* يا لَلْكَهول وللشبّان لِلْعجب*
والعرب تقول : يَا لَلْعَضيهة ، ويا لَلْلأَفِيكة ، ويا لَلْبَهِيتَةِ.
وفي اللامات التي في هذه الحروف وجهان :
فإن أردت بها الاستغاثة نَصَبتها.
وإن أردت أن تدعو إليها بمعنى التّعجب كسرتها ، كأنَّك أردت : يا أيها الرجل اعْجب لِلْعضيهة ، ويا أيّها الناس اعجبُوا للأَفيكة.
ومن اللامات :
لام التّعقيب
للإضافة ، وهي تدخل مع الفعل الذي معَناه الاسم ، كقَولك : فلان عابرُ الرُّؤْيا ، وعابرٌ للرؤْيا ؛ وفلان راهبُ ربّه ، وراهبٌ لربّه.
ومن ذلك قول الله تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤].
وقال عزوجل : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣].
قال أحمد بن يحيى : إنما دخلت اللام تَعْقيباً للإضافة.
المعنى : الذين هم راهبون لرَبّهم ، ورهبُوا ربَّهم ، ثم أدخلوا اللام على هذا المعنى لأنها عَقّبت الإضافة.
اللام التي بمعنى «إلى» وبمعنى «أجل»
وقد تجيء اللام بمعنى «إلى» وبمعنى «أجل».
قال الله جلّ وعزّ : (أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] أي : أوحى إليها.
وقال عزوجل : (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٦١] ، أي : وهم إليها سابقون.
وقيل : في قوله تعالى : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] ، أي خَرُّوا من أجله سُجَّداً ، كقولك : أكْرَمت فلاناً لك ، أي : من أَجلك.
وقال الله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) [الشورى : ١٥] ، أي : إلى ذلك فادْع.
لام التعريف
قال الزّجاج وغيره : لام التعريف التي تصحبها الألف ، كقولك : القومُ خارجون ، والناس طاعنون الفرس والحمار ، وما أَشبههما.
اللام الزائدة
ومنها : اللام الزائدة في الأسماء والأفعال ، كقولك : فَعْمَلٌ للفَعْم ، وهو المُمتلىء ، وناقةٌ عَنْسل لِلْعَنس الصُّلْبَة.
وفي الأفعال ، كقولك قَصْمَلَه ، أي : كَسره ، والأصل : قَصمه.
وقد زِيدت في «ذاك» ، فقالوا : ذلك ، وفي أولاك فقالوا : «أولالك».
اللام التي في «لقد»
وأما اللام التي في «لقد» فإِنها دخلت تأكيداً ل «قد» ، فاتصلت بها كأنها منها.
وكذلك اللام التي في «لَمَا» مخفّفة.
لو : قال الليث : لو : حرف أُمْنيّة ، كقولك : لو قَدم زَيد : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) [البقرة : ١٦٧] ، فهذا قد يُكْتفى به عن الجَواب.
قال : وقد تكُون «لو» مَوْقوفة بين نَفْي وأُمْنِيَّة ، إذا وُصلت ب «لا».
وقال المبرّد : «لو» تُوجب الشيء من أجل وُقوع غيره.
ولو لا : تمنع الشيء من أَجل وُقوع غيره.
سَلمة ، عن الفراء : تكون «لو» ساكنة الواو ، إذا جعلتها أداة ، فإذا أَخرجتها إلى الأسماء شَدَّدت واوها وأَعربتها ؛ ومنه قوله :
عَلِقَتْ لوّاً تُكَرِّرُه |
إنّ لَوّاً ذاك أَعْيَانَا |
وقال الفراء : لو لا ، إذا كانت مع الأسماء فهي شَرط ، وإذا كانت مع الأفعال ، فهي بمعنى «هَلّا» ، لَوْمٌ على ما مَضَى وتَحْضيض لِما يأتي.
قال : و «لو» تكون جَحْداً وتمنِّياً وشَرْطاً.
فإذا كانت شرطاً كانت تخويفاً ، وتَشْويقاً ، وتَمْثيلاً ، وشَرطاً لا يَتِمّ.
وقال الزّجاج : «لو» : يَمتنع بها الشيء لامتناع غيره ، تقول : لو جاءني زيدٌ لجِئته. والمعنى : أنّ مَجِيئي امتنع لامتناع مجيء زَيد.
ابن الأعرابي : اللَّوَّة : السَّوْأة.
تقول : لَوَّةً لفلان بما صَنع ، أي سَوْأة.
قال : والتَّوة : الساعة من الزَّمان.
والحَوّة : كلمةُ الحَقّ.
وقال : اللَّيّ ، واللَّوّ : الباطل.
والحَوّ ، والحيّ : الحقّ.
يقال : فلانٌ لا يَعرف الحوَّ من اللَّوّ ، أي لا يَعرف الكلام البَيِّن من الخَفِيّ.
لا : لا : حرفٌ يُنْفَى به ويُجْحَد به.
وقد تجيء زائدةً مع اليمين ، كقولك : لا أُقْسم بالله.
وقال أبو إسحاق في قول الله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١)) [القيامة : ١] وأَشكَالِها في القرآن ، لا اختلاف بين الناس أن معناها : أُقْسم بيوم القيامة.
واختلفوا في تَفْسير «لا» :
فقال بعضهم : «لا» لَغْوٌ ، وإن كانت في أول السُّورة ؛ لأن القُرآن كلّه كالسُّورة الواحدة ، لأنه مُتَّصل بعضُه ببعض.
وقال الفَرّاء : «لا» رَدٌّ لكلامٍ تقدَّم ، كأنه قيل : ليس الأمر كما ذُكِر.
ثم قال : وكان كثيرٌ من النَّحويين يقولون : «لا» صِلَةٌ.
قال : ولا يُبْتدأ بِجَحْد ، ثم يُجعل صلة يُراد بها الطَّرْح ؛ لأن هذا لو جاز لم يُعرف خَبَرٌ فيه جَحْد من خبر لا جحد فيه ، ولكن القرآن نزل بالرّد على الذين أَنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالرّد عليهم في كثير من الكلام المُبتدأ منه وغير المُبتدأ ، كقولك في الكلام : لا والله لا أفعل ذاك ، جعلوا «لا» وإن رأيتها مبتدأةً ، رَدّاً لكلام قد مَضى.
فلو أُلْغِيَت «لا» مما يُنوى به الجوابُ لم يكن بين اليَمين ، التي تكون جواباً ، واليَمين التي تُستأنف ، فَرْقٌ.
وقال الليث : العرب تَطْرح «لا» وهي مَنْويّة ، كقولك : والله أضربُك ، تُريد : والله لا أضربك ؛ وأَنشد :
وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ |
وأسأل نائحةً ما لَها |
أي : لا آسَى ، ولا أسأل.
وأفادني المُنذريّ ، عن اليزيديّ ، عن أبي زيد في قول الله عزوجل : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٥] قال : مخافة أن تضلّوا ، ولو كان : يُبَيِّن الله لكم ألّا تَضِلّوا ، لكان صَواباً.
قلت : وكذلك : ألّا تضل ، وأن تَضِلّ ، معناهما واحد.
ومما جاء في القُرآن من هذا قولُه جلّ وعزّ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] يُريد : ألّا تَزولا.
وكذلك : قولُه تعالى : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢] ، أي : ألّا تحبط.
وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) [الأنعام : ١٥٦] معناه : ألّا تقولوا.
قال : وقولك : أسألك بالله ألّا تقوله ، وأن تقوله.
فأما : ألّا تقوله : فجاءت «لا» لأنك لم تُرد أن يَقُوله.
وقوله : أسألك بالله أن تقوله : سألتك هذا ، في مَعْنى النَّهْي.
ألا ترى أنك تقول في الكلام : والله أقول ذاك أبداً ، والله لا أقول ذاك أبداً.
«لا» ها هنا طَرْحُها وإدخالُها سواء ، وذلك أن الكلام له إباء وإنعام ، فإذا كان من الكلام ما يجيء من باب الإنعام موافقاً للإباء ، كان سواء ، وما لم يكن لم يكن ، ألا ترى أنك تقول : آتيك غداً ، وأقول معك ، فلا يكون إلا على مَعنى الإنعام.
فإذا قلت : والله أقول ذاك ، على معنى : والله لا أقول ذاك ، صَلَح.
وذلك لأن الإنعام : والله لأقولنّه ، والله لأذهبنّ معك ، ولا يكون : والله أذهب معك ، وأنت تُريد أن تَفْعل.
قال : واعلم أن «لا» لا تكون صلة إلّا في معنى الإباء ، ولا تكون في معنى الإنْعام.
قلت : وافق قولُ أبي إسحاق قولَ الفَرّاء في تَفسير «لا أُقْسِمُ».
وقال الفرّاء : العربُ تَجعل «لا» صلة إذا اتّصلت بجَحْد قبلها ؛ قال الشاعر :
ما كان يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم |
والأَطْيبان أبو بَكر ولا عُمَرُ |
أراد : [والطيبان](١) أبو بكر وعُمر.
وقال في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الحديد : ٢٩].
العربُ : تَجعل «لا» صلة في كُل كلام دَخل في أوله جَحد ، أو في آخره جَحْد غيرُ مُصرّح ، فهذا ممّا دخل آخِرَه الجحدُ ، فجعلت «لا» في أوّله صلة.
قال : وأمّا الجحدُ السابق الذي لم يُصرّح به ، فقولك : ما مَنعك أن لا تَسْجد ، وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)) [الأنبياء : ٩٥].
وفي «الحرام» معنى جَحْد ومَنْع ، وفي قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) مثله.
فلذلك جُعلت «لا» بعده صِلة ، معناها : السُّقُوط من الكلام.
قال : وقد قال بعض مَن لا يعرف
__________________
(١) زيادة في «اللسان» (لا).