شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

وهذا النوع قد يغني عنه التجريد وعطف مثله عليه وهو مع ذلك دال على أكثر من اثنين ، كقول جرير :

١٠٠ ـ إنّا أتيناك نرجو منك نافلة

من رمل يبرين إنّ الخير مطلوب

تخدي بنا نجب أفنى عرائكها

خمس وخمس وتأويب وتأويب (١)

وكقول الأفوه الأودي (٢) :

١٠١ ـ إنّ النّجاة إذا ما كنت ذا بصر

من ساحة الغيّ إبعاد فإبعاد (٣)

وقول الآخر :

١٠٢ ـ لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم

ميتا وأبعدهم عن منزل الذّام (٤)

__________________

(١) البيتان من بحر البسيط من قصيدة لجرير يمدح فيها أيوب بن سليمان بن عبد الملك وفيها يقول :

إنّ الإمام الّذي ترجى نوافله

بعد الإمام ولي العهد أيّوب

وانظر القصيدة والشاهد في الديوان.

اللغة : نافلة : يريد العطايا. يبرين : موضع في جزيرة العرب كثير الرمال. تخدي : تسرع يقال : خدت الناقة تخدي من باب ضرب أي أسرعت وروي تجري. نجب : جمع نجيبة وهي الناقة الكريمة. عرائكها : جمع عريكة وهي أسنمة الجمال. خمس وخمس : الخمس بكسر الخاء الإبل ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع. التأويب : الرجوع.

ويستشهد بالبيت على جواز تجريد الكلمة من التثنية وعطف مثلها عليها ، ويكون المعنى على التكثير.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٤٧) وشرح التسهيل (١ / ٦٤) ، والتذييل والتكميل (١ / ٢٥٠).

(٢) هو صلاءة بن عمرو من مذحج ويكنى أبا ربيعة شاعر جاهلي يماني كان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وهو أحد الكماة الشعراء في عصره. لقب بالأفوه لأنه غليظ الشفتين ظاهر الأسنان وهو القائل :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

له ديوان مطبوع أو بعض منه في كتاب الطرائف الأدبية. وانظرترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٢٢٩) الأعلام (٣ / ٢٩٨).

(٣) البيت من بحر البسيط من قصيدة للأفوه الأودي أكثرها في الحكم ومنها البيت الذي ذكر في ترجمته.

وانظر القصيدة في كتاب الطرائف الأدبية وفيه ديوان الأفوه ص ١٠. ويستشهد به على ما في البيت قبله.

والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (١ / ٦٤) ، والتذييل والتكميل (١ / ٢٥١).

(٤) البيت من بحر البسيط من مقطوعة قصيرة لعصام بن عبيد الزماني اليماني. من بني زمان ابن مالك ابن صعب وقبل بيت الشاهد قوله يعاتب رجلا يدعى أبا مسمع :

أبلغ أبا مسمع عنّي مغلغلة

وفي العتاب حياة بين أقوام

أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم

في الحقّ أن يدخلوا الأبواب قدّامي

٣٢١

______________________________________________________

وقد يغني في هذا النوع التكرير عن العطف : ومنه قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(١) أي دكّا بعد دك وصفّا بعد صف.

ومن المعرب كمثنى وهو في المعنى جمع : قوله تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(٢) وقوله عليه‌السلام : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا» (٣).

ومنه قول الشاعر :

١٠٣ ـ تلقى الأوزون في أكناف دارتها

تمشي وبين يديها البرّ منثور (٤)

أراد بين أيديها. انتهى كلام المصنف (٥).

ويمكن أن يكون بين أخويكم ، والبيعان بالخيار مثنيين حقيقة ؛ فلا يكونان من ـ

__________________

لو عدّ قبر وقبر ....

 ...................

إلخ انظر شعره وأخباره في معجم الشعراء (ص ١١٤) وديوان الحماسة (٣ / ١١٢٠). وهو في بيت الشاهد يقول : لو عد أصحاب القبور كنت أكرمهم أبا وأشرفهم بيوتا وأبعدهم عن منزل العيب والذم.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٦٤) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٥٠) ، وليس في معجم الشواهد.

(١) سورة الفجر : ٢١ ، ٢٢.

(٢) سورة الحجرات : ١٠.

(٣) الحديث في صحيح مسلم (٥ / ٩) كتاب البيوع. وهو أيضا في سنن ابن ماجه (٢ / ٧٣٦) كتاب التجارات. وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (٢ / ٤ ، ٩ ، ٣١١).

(٤) البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٧٦) ، وهو مما اكتشفت قائله.

وهو في البيت يصف أمامة ابنته وهي في دارها. ورواية الديوان :

تلقى الإوزّين في أكناف دارتها

بيضا وبين يديها التّبن منشور

اللغة : الأوزون : جمع أوزة وهي البط. دارة : هي الدار. البرّ : القمح ، واستشهد بالبيت هنا على أن المثنى قد يراد به الجمع وهو قوله : بين يديها كما استشهد به في موضع آخر وهو جمع إوزة جمع مذكر سالم. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٦٥) ، والتذييل والتكميل (١ / ٢٥١) ، وشرح المفصل (٥ / ٥) ، وليس في معجم الشواهد.

ترجمة النابغة : هو زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة نبغ في الشعر بعد ما كبر وهو من أحسن الشعراء ديباجة وأكثرهم رونقا ؛ فضله عمر بن الخطاب على الشعراء ببيت له. له في النعمان بن المنذر مدائح مشهورة وله فيه أيضا اعتذاريات مختلفة ، توفي قبل بعثة النبي عليه‌السلام سنة (٦٠٤ م).

له ديوان شعر مطبوع وعملت فيه كتب ومقالات كثيرة. انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (١ / ١٦٣).

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٦٥).

٣٢٢

______________________________________________________

القبيل الذي ذكره. وأما وبين يديها البر منثور : فاليدان فيه كناية عن الأمام ؛ إذ لا أيدي للأوز ، فليس ذلك مما ذكره في شيء.

ومن المحمول على المثنى أيضا : ما هو غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه : نحو الكلبتين لآلة الحداد ، ونحو البحرين والدونكين علمين لموضعين ؛ فإن هذه الكلمات غير صالحة للتجريد. ونحو القمرين والعمرين والأبوين فإنها وإن صلح كل منها للتجريد لا يصلح لعطف مثله عليه بل لعطف مباينه عليه. قال المصنف (١) :

«فإن قيل في نحوها مثنّى فبمقتضى اللّغة لا الاصطلاح ، كما يقال لاسم الجمع جمع». قال المصنف :

«ومن المعرب إعراب المثنى وليس مثنى في الاصطلاح لعدم الصلاحية للتجريد : اثنان واثنتان والمذروان وقول بعض العرب : جنبك الله الأمرّين : أي الفقر والعري ، وكفاك شر الأجوفين : أي البطن والفرج ، وأذاقك البردين : أي الغنى والعافية» انتهى (٢).

ودعواه أن المذروين والأمرّين ، والأجوفين ، والبردين غير صالح للتجريد ممنوعة ، ولا يلزم من عدم الاستعمال عدم الصلاحية [١ / ٨٦] والظاهر أن هذه الكلمات مثناة لا محمولة على المثنى. وقال المصنف أيضا :

ومن المعرب إعراب المثنى ما يصلح للتجريد ولا يختلف معناه : كحول وحوال. فتجريدهما كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ)(٣) وكقول الراجز :

١٠٤ ـ وأنا أمشي الدّألى حوالكا (٤)

__________________

(١) شرح التسهيل : (١ / ٧١).

(٢) المرجع السابق.

(٣) سورة البقرة : ١٧.

(٤) بيت من الرجز المشطور لشاعر مجهول ، قاله على لسان ضب يخاطب ابنه وقبله :

أهدموا بيتك لا أبا لكا

وزعموا أنّك لا أخا لكا

والدّألى : نوع من المشي فيه تثاقل.

وشاهده : تجريد حول من التثنية وإفادتها ما تفيده التثنية. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٦٥). والتذييل والتكميل (١ / ٢٥٢) ، ومعجم الشواهد (ص ٥١٢).

٣٢٣

______________________________________________________

وتلبسهما بعلم التثنية ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ حوالينا ولا علينا» (١).

وكقول الراجز :

١٠٥ ـ يا إبلي ما ذامه فتأبيه

ماء رواء ونصيّ حوليه (٢)

قال : وندر هذا الاستعمال في متمحض الإفراد كقول الشاعر :

١٠٦ ـ على جرداء يقطع أبهراها

حزام السّرج في خيل سراع (٣)

وكقول الآخر :

١٠٧ ـ تربّع وعس الأخرمين وأربلت

له بعد ما ضاقت جواء المكامن (٤)

__________________

(١) نصه في صحيح مسلم (٣ / ٢٥) كتاب الصلاة. باب الدعاء في الاستسقاء : مروي عن أنس بن مالك.

(٢) بيتان من الرجز المشطور قائلهما الزفيان السعدي يخاطب إبله :

اللغة : الذام : العيب. تأبيه : فعله أبى يأبى أي امتنع وهو مضارع منصوب مسند لياء المخاطبة. نصي :

النبت ما دام رطبا. والشاعر يدعو إبله إلى المرعى السهل من ماء ونبات.

واستشهد به هنا على أن حوليه مثنى حول وانظر اللسان (مادة : حول) والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٦١) ، وشرح التسهيل (١ / ٦٥).

ترجمة الشاعر : هو عطاء بن أسيد أحد بني عرافة بن سعد بن زيد مناة وسمي الزفيان لبيت قال فيه الفعل تزفى. وهو شاعر إسلامي رجاز (انظر ترجمته وأخباره في معجم الشعراء ص ١٥٩). وانظر أشعارا له في لسان العرب مواد : أبى. حول. سبد.

(٣) البيت من بحر الوافر ولم ينسب في مراجعه.

اللغة : الجرداء : الناقة التي لا شعر لها أو لها شعر ولكنه قليل. أبهراها : مثنى أبهر وهو عرق في الظهر وهو موضع الشاهد حيث وقع المثنى موقع المفرد ؛ لأن الدابة لها أبهر واحد. وهو في البيت يصف ناقته بشدة الإعياء. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٦٦) وفي معجم الشواهد (ص ٢٣٢).

(٤) البيت من بحر الطويل مجهول القائل ولم يرد في مراجع اطلعت عليها إلا في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٦٦).

اللغة : تربع : ترعى. الوعس : السهل اللين من الرمل. الأخرمين : مثنى أخرم وهو موضع. أربلت : يقال أربلت الأرض كثر ربلها وهو نوع من الشجر.

والشاعر يصف إبلا ترعى في مكان كثير النبات والشجر بعد ما ضاقت بأمكنة أخرى ولم تجد فيها ما تريده. وشاهده : قوله الأخرمين فهو مثنى مقصود به الواحد.

٣٢٤

______________________________________________________

والأبهر عرق والأخرم موضع فثنيا مجازا قال : وأنشد ابن سيده (١) :

١٠٨ ـ فجعلن مدفع عاقلين أيامنا

وجعلن أمعز رامتين شمالا (٢)

وقال : أراد عاقلا وهو جبل ، انتهى (٣).

وملخص ما ذكره المصنف أن المحمول على المثنى في الإعراب بالنسبة إلى المدلول :

ثلاثة أقسام : ما مدلوله واحد وما مدلوله اثنان وما مدلوله أكثر من اثنين.

فما مدلوله واحد : اسم جنس : كالمقصّين والجلمين والكلبتين وهذه لا تجرد ، والأبهرين وحواليكا ويجوز تجريدهما دون عطف. وعلم : وهو قسمان : قسم مسمى بلفظ المثنى كالبحرين. وقسم عرضت له التثنية لفظا بعد التسمية به مفردا ؛ كالأخرمين وعاقلين ؛ فالبحران كالمقصين في أنه لا يجرد ، والأخرمان وعاقلان كالأبهرين في أنهما يجردان دون عطف لعدم مثل يعطف.

وما مدلوله اثنان : كالقمرين والعمرين ويجردان دون عطف وكاثنين واثنتين ولا يصلحان للتجريد.

وما مدلوله أكثر من اثنين : نحو : (كَرَّتَيْنِ)(٤) وحنانيه و (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(٥). وهذا القسم صالح للتجريد والعطف.

ومن المحمول على المثنى في الإعراب أيضا : كلا وكلتا :

قال المصنف : «هما مفردا اللفظ مثنيا المعنى واعتبار اللفظ في خبرهما وضميرهما أكثر من اعتبار المعنى قال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(٦) ولو اعتبر المعنى لقال آتتا ، وقد جمع الشاعر الاعتبارين في قوله : ـ

__________________

(١) سبقت ترجمته.

(٢) البيت من بحر الكامل ولم ينسب في مراجعه. وهو يصف قافلة تسير جعلت مدفع عاقل ـ اسم جبل ـ ناحية اليمين وأمعز رامتين ـ جبل آخر ـ ناحية الشمال. وشاهده : كالذي قبله حيث ثني ما لا يثنى ضرورة. وانظر البيت في اللسان : (مادة : عقل) ، شرح التسهيل (١ / ٦٦) ، وليس في معجم الشواهد.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٦٦).

(٤) سورة الملك : ٤.

(٥) سورة الحجرات : ١٠.

(٦) سورة الكهف : ٣٣.

٣٢٥

______________________________________________________

١٠٩ ـ كلاهما حين جدّ الجري بينهما

قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (١)

وكونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى أعربا إعراب المفرد في موضع وإعراب المثنى في موضع إلا أن آخرهما معتل ؛ فلم يلق بهما من إعراب المفرد إلا المقدر فجعل ذلك لهما مضافين إلى ظاهر ؛ ليتخلص من اجتماع إعرابي تثنية في شيئين (٢) كشيء واحد وجعل الآخر لهما مضافين إلى المضمر ؛ لأن المحذور (٣) إذ ذاك مأمون.

وقد أجرته كنانة مجرى المثنى مع الظاهر أيضا : فيقولون : جاء كلا أخويك ، ورأيت كلي أخويك ، ومررت بكلي أخويك.

وبهذه اللغة التي رواها الفراء معزوة إلى كنانة (٤) يتبين صحة قول من جعل كلا من المعرب [١ / ٨٧] بحرف لا بحركة مقدرة. فإن القائل : إن كلا معرب بحركة مقدرة يزعم أن انقلاب ألفه ياء مع المضمر هو كانقلاب ألف لدى وإلى وعلى ، ولو كان الأمر كما قال لامتنع انقلاب ألفها مع الظاهر في لغة كنانة كما يمتنع عندهم وعند غيرهم انقلاب ألف لدى وإلى وعلى مع الظاهر ، على أن مناسبة كلا للمثنى أقوى من مناسبته للدى وعلى وإلى. ومراعاة أقوى المناسبتين أولى من مراعاة أضعفهما. وأيضا فإن تغير ألف كلا حادث عن تغير عامل وتغير ألف لدى وإلى ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط قاله الفرزدق : ديوانه (١ / ٣٤) مطبعة الصاوي نشر المكتبة التجارية ، وليس في طبعة بيروت المشهورة ؛ وذلك لأن محقق الديوان ذكر في مقدمته أنه حذف أبيات الهجاء الفاحشة.

قال صاحب الدرر (١ / ١٧) : الضمير في كلاهما ... إلخ لعضيدة بنت جرير وزوجها الأبلق ولم يصب من جعله لفرسين لأن الشعر للفرزدق يعير به جريرا بتزويج ابنته للأبلق.

وشاهده : عود الضمير من خبر كلا إليها مرة مثنى مراعاة لمعناها ومرة مفردا مراعاة للفظها ؛ ومثله قول الأسود بن يعفر (من الكامل).

إنّ المنية والحتوف كلاهما

يوفي المخارم يرقبان سوادي

وبيت الشاهد في شرح التسهيل (١ / ٦٧) ومعجم الشواهد (ص ٦٢).

(٢) هما المضاف : (كلا وكلتا) والمضاف إليه : (الاسم الظاهر بعدهما).

(٣) وهو اجتماع إعرابي تثنية في شيئين كشيء واحد.

(٤) قال السيوطي في الهمع (١ / ٤١) : بعد أن حكى اللغة المشهورة في إعراب كلا وكلتا : وبعض العرب يجريهما مع الظاهر مجراهما مع المضمر في الإعراب بالحرفين وعزاها الفراء إلى كنانة ، وبعضهم يجريهما معهما بالألف مطلقا. وانظر أيضا التذييل والتكميل (١ / ٢٥٩).

٣٢٦

______________________________________________________

وعلى حادث بغير تغير عامل فتباينا ، وامتنع أن يلحق أحدهما بالآخر» انتهى (١).

ونقل الشيخ : أن الفراء زعم أنهما قد يضافان إلى مضمر ويكونان بالألف على كل حال. وأن كلا في قول العرب : كلاهما وتمرا في موضع نصب (٢).

قال : فعلى هذا يكون في كلا وكلتا ثلاث لغات :

إلحاقهما بالمقصور مطلقا ، إلحاقهما بالمثنى مطلقا. التفرقة بين أن يضافا إلى ظاهر فيكونان بالألف أو إلى مضمر فتنقلب ألفه ياء في حالتي النصب والخفض. انتهى (٣).

ثم ما ذكره المصنف من أنهما مفردا اللفظ مثنيا المعنى هو مذهب البصريين.

وذهب الكوفيون إلى أنهما مثنيان لفظا كما أنهما مثنيان معنى ، واعتذر عن سلامة الألف في : رأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك (٤) بأن الكلمة شبهت بالواحد (٥).

وقال البغداديون : إنّ كلتا قد نطق لها بمفرد (٦) وهو قول الشاعر :

١١٠ ـ في كلت رجليها سلامى واحده

كلتاهما قد قرنت بزائده (٧)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٦٨).

(٢) قوله : كلاهما وتمرا ... مثل من أمثال العرب وأصله : أن رجلا أضر به العطش والجوع فنزل عند كريم مضياف وكان عنده زبد وتمر وتامك (لحم سنام) فدنا منه الجائع وقال له : أطعمني من هذا الزبد والتامك فقال له الكريم : نعم كلاهما وتمرا فذهب قوله مثلا. وقد روي المثل برفع كلاهما أي لك كلاهما ونصب تمرا على معنى أزيدك تمرا. وروي بنصبه (كلاهما ـ كليهما) على معنى أطعمك كليهما وتمرا. وانظر المثل وقصته في مجمع الأمثال : (٢ / ٣٨).

(٣) انظر التذييل والتكميل : (١ / ٢٥٩) وما قبلها.

(٤) في نسخ المخطوطة : ومررت بكلي أخويك وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه.

(٥) انظر المسألة بالتفصيل وحجج كل من الفريقين في الإنصاف (١ / ٤٣٩).

(٦) في قول البغداديين هذا دليل للكوفيين على أن كلا وكلتا مثنيان لفظا ومعنى. ووجه الدليل في البيت : أنه قد نطق لهما بمفرد أي بدون ألف فظهر أن ألفهما للتثنية كألف الزيدان. وهو مردود بعدم الانقلاب في حالتي النصب والجر عند الإضافة إلى الظاهر.

(٧) بيتان من الرجز المشطور في وصف نعامة ولم أقف على قائلهما فيما وردا من مراجع.

والسلامى : عظام تكون بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع من اليد والرجل.

والشاهد فيهما واضح من الشرح. وانظرهما في معجم الشواهد (ص ٤٦٤) والتذييل والتكميل (١ / ٢٥٧).

٣٢٧

______________________________________________________

وردّ بأن هذا من الحذف بالضرورة ، كقول الآخر :

١١١ ـ درس المنا بمتالع فأبان

[فتقادمت بالحبس فالسّوبان](١)

أراد المنازل.

واعلم أن الأكثرين على أن كلا وكلتا لم يعربا بالحروف أصلا ، وأنهما حال إضافتهما إلى المضمر معربان بحركات مقدرة كحالهما إذا أضيفا إلى مظهر ، وأن ألفهما إنما انقلبت ياء مع المضمر تشبيها لها بألف لدى وعلى وإلى ولهذا قال سيبويه (٢) : «وسألت الخليل عمن قال : رأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك ثم قال : مررت بكليهما ورأيت كليهما ، فقال : جعلوها بمنزلة عليك في الجرّ والنّصب».

ثم اعتذر الخليل عن كونهم لم يقلبوا الألف في الرفع فيقولوا قام كليهما بأن قال : «إنما تستعمل لدى وعلى مجرورين أو منصوبين يعني تقول : من لديه ومن عليه وقعدت لديه ونزلت عليه ولا تقول يعجبني لديه ولا عليه».

فلم يشبه كلاهما حال الرفع بل أجريت على أصلها من سلامة الألف.

وقد علمت أن المصنف لم يرتض ذلك ، وأنه قد رده بما جاءت به لغة كنانة من القلب مع الظاهر ، وبما ذكره من العلة المقتضية لمنع الإلحاق ومن مناسبة كلا وكلتا للمثنى دون لدى وعلى. وقد نقل الشيخ عن صاحب الإفصاح أنه قال (٣) : «فأمّا كون كلا يقلب آخره مع الظّاهر (٤) ، فلا أعرف للبصريين اعتذارا عنه». ـ

__________________

(١) البيت من بحر الكامل مطلع قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة كلها من الغريب المعقد كشعر لبيد كله ، وهي في وصف الأطلال والصحراء والظباء والطرد (انظر الديوان ص ٢٠٦).

اللغة : المنا : قيل : إنه المنازل وحذف الشاعر منه الزاي واللام ، وقيل : لا حذف فيه وهو كذلك اسم موضع. متالع وأبان : اسما جبلين وكذا الحبس. السوبان : كطوفان واد لبني تميم.

ومعنى البيت وكذا ما بعده : أن منازل الأحباب قد درست وتقادم عليها العهد وصارت أطلالا مثل الكتابة على العسب التي مضى عليها الزمن فهي غير واضحة.

ويستشهد بالبيت على الحذف من الكلمة دون ترخيم أو غيره للضرورة. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٤١٠). والتذييل والتكميل (١ / ٢٥٧).

(٢) انظر : الكتاب (٣ / ٤١٣). وقد نقل الشارح اعتذار الخليل المؤخر بالمعنى.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٥٧).

(٤) أي في لغة كنانة التي تجري الإضافة إلى الظاهر كالإضافة إلى الضمير في إعرابهما بالحروف.

٣٢٨

______________________________________________________

ثم إن الشيخ جعل اختيار المصنف غير مذهب البصريين وغير مذهب الكوفيين ؛ لأنه وإن وافق البصريين في كونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى ، فقد خالفهم في جعلهما معربين بالحروف حال الإضافة إلى المضمر. وإن وافق الكوفيين في كونهما معربين بالحروف فقد خالفهم في الحكم عليهما بالإفراد لفظا (١) [١ / ٨٨].

واعلم أن لام كلا واو قلبت تاء في كلتا عند سيبويه ، فألفها عنده للتأنيث ، والتاء بدل من لام الكلمة ، والأصل كلوى (٢). وعللوا إبدالها تاء بأن في التاء علم التأنيث ، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر ، فتخرج من علم التأنيث فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث.

وقال الجرمي : «التّاء ملحقة والألف لام الكلمة ووزنها عنده فعتل» (٣).

وردّ قوله بأنهم يقولون في النسبة إليه : كلوي فيسقطون التاء فدل ذلك على أنها كتاء أخت حيث قالوا فيها : أخوي. ولو كان الأمر كما قال الجرمي لقالوا فيها كلتوي.

قال الشيخ : «الذي يقطع ببطلان مذهب المصنف في دعواه أن كلا وكلتا معربان بالحروف مع أنهما مفردان في اللفظ ، أنه كان يلزم على قوله قلب ألفهما ـ

__________________

(١) فتلخص أن المذاهب في معنى وإعراب كلا وكلتا ثلاثة :

مذهب البصريين : أن كلا وكلتا مفردان لفظا مثنيان معنى ، وأنهما يعربان في كل الأحوال بحركات مقدرة كالمقصور ، وأما انقلاب ألفهما في حالتي النصب والجر مع المضمر فلأنها أشبهت ألف لدى وعلى التي تنقلب ياء أيضا في هاتين الحالتين.

مذهب الكوفيين : أنهما مثنيان لفظا ومعنى وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر ، وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر.

مذهب ابن مالك : أنهما مفردان لفظا مثنيان معنى (مذهب البصريين) وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر (مذهب الكوفيين) وهذا المذهب هو المشهور وهو الذي يسير عليه النحاة والمعربون. وحاول إبطاله أبو حيان (التذييل والتكميل : ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٧) ولكن هل يستطيع أحد أن يطفئ نور الشمس؟

(٢) انظر الكتاب : (٣ / ٣٦٤) وفيه يقول : «ومن قال : رأيت كلتا أختيك فإنّه يجعل الألف ألف تأنيث فإن سمّى بها شيئا لم يصرفه في معرفة ولا نكرة وصارت التاء بمنزلة الواو في شروى».

(٣) قال في الهمع (١ / ٤١) في حديث عن التاء : «وذهب بعضهم إلى أنّ التاء زائدة للتأنيث بدليل حذفها في النسب وقولهم كلوي كما يقال في أخت أخوي وردّ بأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير ألف. وذهب آخرون إلى أنّها زائدة للإلحاق والألف لام الكلمة وعليه الجرمي».

٣٢٩

[حكم العطف دون التثنية]

قال ابن مالك : (ولا يغني العطف عن التّثنية دون شذوذ أو اضطرار إلّا مع قصد التّكثير أو فصل ظاهر أو مقدّر).

______________________________________________________

حالة التثنية فتنقلب ألف كلا إلى الواو كما تنقلب ألف عصا ، وتنقلب ألف كلتا إلى الياء (١) كما تنقلب ألف ذكرى فكنت تقول : قام الزيدان كلواهما ورأيتهما كلويهما ومررت بهما كلويهما ، وقامت الهندان كلتياهما ورأيت الهندين كلتييهما ومررت بهما كلتييهما» انتهى (٢).

والجواب : أنه إنما كان يلزم ذلك أن لو ادعى أن كلا وكلتا قد ثنيا ؛ وهو لا يدعي ذلك ، وإنما حكم عليهما بأنهما مثنيان معنى مع أنهما مفردان لفظا.

ثم إن المصنف قد قام عنده الدليل بلغة كنانة وبغيرها أن الأعراب بالحروف ؛ فوجب له القول به ؛ وهذا الإلزام المذكور إن تم إنما كان يلزم العرب لا المصنف.

والعجب أن الشيخ ألزم ذلك في لغة كنانة ولا أدري كيف يلزم أصحاب اللسان.

قال ناظر الجيش : استعمال التثنية بدلا من العطف تخفيف يشبه الإعلال الملتزم ؛ فكما لا يراجع التصحيح في مثل أعان واستعان إلا في شذوذ واضطرار (٣) ، كذا لا يراجع العطف بعد التثنية إلا في شذوذ واضطرار كقول الراجز :

١١٢ ـ كأنّ بين فكّها والفكّ

فأرة مسك ذبحت في سكّ (٤)

__________________

(١) في الأصل : إلى التاء وهو خطأ.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٦٠). وكلمة انتهى ساقطة من نسخة (ب) ، (ج).

(٣) مثال الشذوذ قولهم : استحوذ واستنوق الجمل وأعول الرجل (كثرت عياله) وأغيلت المرأة إذا أرضعت طفلها وهي حامل. ومثال الاضطرار قول عمر بن أبي ربيعة (من الطويل) :

صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم

(٤) البيتان من الرجز المشطور في وصف امرأة بطيب رائحة الفم نسبا لمنظور بن مرثد شاعر إسلامي (انظر ترجمته وأخباره في معجم الشعراء ص ٢٨١) وقد وجدتهما أيضا منسوبين لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص ١٩١).

٣٣٠

______________________________________________________

أراد بين فكيها ، فجاء بالأصل المتروك إما شذوذا بحيث لو كان في غير شعر لم يمتنع ، وإما لضرورة إقامة الوزن.

ومثله قول الآخر :

١١٣ ـ كأنّ بين خلفها والخلف

كشّة أفعى في يبيس قفّ (١)

وقول الآخر :

١١٤ ـ ليث وليث في محلّ ضنك

[كلاهما ذو أنف ومحك](٢)

وقول الآخر :

١١٥ ـ [بين ابن مروان قريع الإنس

وبنت عباس قريع عبس]

أنجب عرس ولدا وعرس (٣)

__________________

اللغة : فأرة المسك : رائحته أو وعاؤه. ذبحت : شقت : السّك : بالضم نوع من الطيب.

واستشهد به على أن أصل المثنى العطف بالواو ولذلك يرجع إليه للضرورة والأصل : بين فكيها.

وانظر الشاهد في شرح التسهيل (١ / ٦٨) والتذييل والتكميل (١ / ٢٦١) ومعجم الشواهد (ص ٥١١).

(١) البيتان من الرجز المشطور أيضا يشبه فيهما الشاعر صوتا بصوت.

اللغة : كشة أفعى : كشيش الأفعى صوتها من جلدها لا من فيها ويقال فيه : كش يكش وكشكش.

اليبس : ما كان رطبا فجف. القفّ : يقال قف العشب قفوفا إذا يبس ويقال قف أيضا إذا انضم بعضه إلى بعض ومن معاني القف : الشجرة العالية اليابسة (القاموس : ١ / ١٩٢). وشاهده كالذي قبله.

وانظر البيت في شرح التسهيل : (١ / ٦٨) وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٦١).

(٢) البيتان من الرجز المشطور أيضا قيل هما لواثلة بن الأسقع. والصحيح أنهما لجحدر بن مالك الحنفي قالهما مع أبيات أخر في قصة رواها صاحب الدرر (١ / ١٨) وملخصها أن الحجاج بن يوسف أطلق ليثا على جحدر حين تجرأ عليه وعصاه ، ويروى أن جحدرا ضرب الليث بالسيف ففلق هامته ، فعفا عنه الحجاج.

اللغة : الضنك : الضيق. الأشر : الأنف والاستكبار. المحك : بالسكون اللجاج.

وشاهده : عطف الليث على الليث والمقصود بأحدهما الإنسان وبالآخر الحيوان والشاعر لو لا الضرورة لقال ليثان. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٥١٤) والتذييل والتكميل (١ / ٢٦١).

(٣) الأبيات من الرجز المشطور وهي في الشعر والشعراء (٢ / ٥٩٩) منسوبة لرؤبة يعلم فيها ابنه الشعر

٣٣١

______________________________________________________

ولا يستعمل العطف في موضع الجمع ؛ لأنه أشق من استعماله في التثنية ولأن الجمع ليس محدودا فتذكر آحاده معطوفا بعضها على بعض كما فعل بالمثنى [١ / ٨٩] فلو كان الجمع مدلولا عليه ببعض ألفاظ العدد جاز استعمال العطف في موضعه.

كقول الشاعر :

١١٦ ـ ولقد شربت ثمانيا وثمانيا

وثمان عشرة واثنتين وأربعا (١)

وكقول الآخر :

١١٧ ـ وردن اثنتين واثنتين وأربعا

يبادرن تغليسا ثمال المداهن (٢)

ومثال قصد التكثير ما تقدم من قول الشاعر : لو عدّ قبر وقبر ... البيت ، وما ذكر معه من الأبيات. ـ

__________________

وليست في ديوانه. وهي في المديح ومعناها : إن هذا الخليفة أبوه عبد الملك بن مروان ، وأمه ولادة ابنة عباس العبسية.

وعرس الرجل امرأته وهو أيضا عرسها لأنهما اشتركا في الاسم لمواصلة كل واحد منهما صاحبه وإلفه إياه. ومعنى أنجب عرس وعرس أي أنجب رجل وامرأة حيث ولدا هذا الرجل الممدوح.

وبيت الشاهد رواه صاحب اللسان (مادة عرس) وذكر أن تثنية الفعل تدل على أن ما عطف بالواو بمنزلة ما جاء في لفظ واحد ؛ لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف. وضبط بعضهم : ولدا بالتنوين (التذييل والتكميل : ١ / ٢٦٢) وهو خطأ لأن الكلمة فعل مسند إلى ألف الاثنين.

وبيت الشاهد في التذييل والتكميل : (١ / ٢٦٢) ، وفي معجم الشواهد (ص ٤٨٧).

(١) البيت من بحر الكامل نسبته مراجعه إلى الأعشى (معجم الشواهد ص ٢١٤) وليس في ديوانه وليست له قصيدة عينية من بحر الكامل مما يشكك في نسبته إليه ، وإن كان فيه روح الأعشى في كثرة شرب الخمر ، ومجموع ما شربه وحدثنا به في هذا البيت أربعون مرة.

واختلف الاستشهاد بهذا البيت : فصاحب اللسان (ثمن) على أنه يكتفى بالكسرة في ثمان عن الياء.

وحاشية الصبان : (٤ / ٧٢) على أنه يجوز الفتح بعد حذف الياء في الموضع نفسه.

أما هنا فشاهده غير ذلك وهو استعمال العطف في موضع الجمع لأنه مدلول عليه بألفاظ العدد.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٦٩) ، والتذييل والتكميل (١ / ٢٦٣) ، ومعجم الشواهد (ص ٢١٤).

(٢) البيت من بحر الطويل ولم يرد في معجم الشواهد وورد في شرح التسهيل (١ / ٦٩) ، والتذييل والتكميل (١ / ٢٦٣) ، غير منسوب ولم أقف على قائله.

اللغة : الثمال : بالضم جمع ثمالة وهو الماء القليل في الحوض أو في أي مكان. المداهن : جمع مدهن بضمتين ومن معانيه مستنقع الماء.

والشاعر يصف في البيت ركبا من الإبل يشرب على فترات من ماء قليل. واستشهد به على ما في البيت قبله.

٣٣٢

[تعريف جمع المذكر السالم]

قال ابن مالك : (والجمع جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين كما سبق بتغيير ظاهر أو مقدّر وهو التّكسير أو بزيادة في الآخر مقدّر انفصالها لغير تعويض وهو التّصحيح).

______________________________________________________

ومثال الفصل الظاهر : قولك : مررت بزيد الكريم وزيد البخيل ولو ثنيت وأخرت الصفتين مفترقتين لجاز.

ومثال الفصل المقدر قول الحجاج (١) وقد نعي له في يوم واحد محمد أخوه ومحمد ولده : سبحان الله محمّد ومحمّد في يوم (٢) وإياهما قصد الفرزدق بقوله :

١١٨ ـ إن الرّزيّة لا رزيّة مثلها

فقدان مثل محمّد ومحمّد (٣)

قال ناظر الجيش : قد تقدم بيان مراد المصنف بالجعل وأن المعني به : «تجديد ـ

__________________

(١) هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي أبو محمد قائد داهية سفاك ، خطيب مفوه ، ولد بالطائف سنة (٤٠ ه‍) ، وتدرج في المناصب حتى قلده عبد الملك بن مروان أمر عسكره وأمره بقتال عبد الله بن الزبير فقتله ، ثم ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف والعراق فأمات الفتنة في تلك البلاد وثبتت له الإمارة عشرين سنة ، أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. أجاب نداء امرأة مسلمة سبيت في الهند حتى حررها. ومات سنة (٩٥ ه‍) بمدينة واسط التي بناها بين البصرة والكوفة ، وكتبت في سيرته وحياته كتب كثيرة ومدحه الشعراء. (انظر ترجمته في الأعلام ٢ / ١٧٥).

(٢) انظر القصة في الكامل للمبرد : (١ / ٣٠٣) ونصها : أن الحجاج رأى في منامه أن عينيه قلعتا فطلق زوجته (سماها المبرد) فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد.

فقال : هذا والله تأويل رؤياي ثم قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، محمّد ومحمّد في يوم.

ثم قال : من يقول شعرا يسلّيني به؟ فأنشده الفرزدق بيت الشاهد الآتي وغيره.

(٣) البيت من بحر الكامل أول بيتين يرثي بهما الفرزدق محمد بن الحجاج بن يوسف ومحمد بن يوسف أخا الحجاج وقد ماتا في جمعة والبيت الثاني هو قوله (وانظر الديوان ج ١ ص ١٦١) :

ملكين قد خلت المنابر منهما

أخذ المنون عليهما بالمرصد

وقد استشهد به على أن العطف أغنى عن التثنية لوجود فاصل مقدر ؛ لأن المعنى : فقدان مثل محمد بن الحجاج ومحمد أخيه. وذهب أبو حيان إلى أن العطف فيه للضرورة وأنه أصله التثنية كما قال : إن أكثر أصحابنا ذهبوا إلى أنه لم يثن لأنه باق على علميته. وانظر البيت في التذييل والتكميل (١ / ٢٦٤) ، وفي شرح التسهيل (١ / ٦٩) ، وفي معجم الشواهد (ص ١٣٦).

٣٣٣

______________________________________________________

الناطق حالة للاسم لم يوضع عليها ابتداء». قال : «وبهذا تخرج أسماء الجموع ونحوها» وقد تقدم أن ذلك ليس بجيد ، فالأولى أن يراد بالجعل ما تقدم (١).

وأما أسماء الجموع فتخرج بقوله بعد : بتغيير وبزيادة.

ونبه بالقابل على أن من الأسماء ما لا يجمع كما أن منها ما لا يثنى. ولا شك أن ما لا يقبل التثنية لا يقبل الجمع وقد تقدم ذكره (٢).

نعم أجمع وجمعاء يجمعان ، وإن كانا على مذهب البصريين لا يثنيان.

وقوله : دليل ما فوق اثنين تحرز من التثنية وفي ذلك إشارة إلى أن أقل الجمع ثلاثة.

فإن استعمل لفظ الجمع في أقل منها فليس جمعا بل هو مثنى أو مفرد استعير له لفظ الجمع نحو : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(٣) ، (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ)(٤).

وقوله : كما سبق إشارة إلى أن حكم اتفاق الأسماء الدالة على ما فوق اثنين في اللفظ والمعنى على نحو ما ذكر في التثنية ، وقد تقدم في ذلك بما فيه غنية (٥).

ونظير قولهم القمران في التثنية (٦) : الخبيبون في خبيب وأصحابه وخبيب لقب ـ

__________________

(١) الذي تقدم هو أن مراده بالجعل : الوضع لا تصرف الناطق بمعنى أن المثنى والمجموع من قبيل الكلمات المفردة المعتبر فيها الوضع.

(٢) وذكر هناك أن المانع من تثنية بعض الأسماء وجمعها أسباب منها : عدم الفائدة لو ثني نحو كل وبعض ، الاستغناء عن تثنية الكلمة بغيرها نحو أجمع وجمعاء فقد استغني عن ذلك بكلا وكلتا ، أن هناك لفظا يدل على هذا المعنى فلا داعي للتثنية أو الجمع كأسماء العدد ، مشابهة ما لا يثنى ولا يجمع كأفعل التفضيل المجرد ، الاستثقال لو ثني وجمع كما في المثنى والمجموع ، كون الكلمة مطلوبة الحكاية ، أن الكلمة لا تشبه المفرد ، أن المفردات مختلفة اللفظ كما في القمرين ، أو مختلفة المعنى كما في الخبيبين.

(٣) سورة التحريم : ٤.

(٤) سورة الحجر : ٢٣ وأولها : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ ...) إلخ.

(٥) وقد ذكر أن من شرط المثنى أن يكون مفرداه متفقي اللفظ كرجلين ، وأما اتفاق المعنى ففيه خلاف : ذهب الجمهور إلى اشتراطه ، وذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه وإليه جنح ابن مالك.

(٦) أي مما مفرداه مختلفا اللفظ ، فالقمران مثنى شمس وقمر وكذا العمران ... إلخ.

وقد حكم ابن مالك على هذا وأمثاله بأنه مثنى ولا يضر اختلاف لفظ مفرديه. ثم رجع قائلا : والحق أن القمرين ليس بمثنى في الاصطلاح وإنما هو مثنى بمقتضى اللغة. انظر : شرح التسهيل (١ / ٦٠).

٣٣٤

______________________________________________________

عبد الله بن الزبير (١) رضي‌الله‌عنهما. قال الراجز :

١١٩ ـ قدني من نصر الخبيبين قدي

[ليس الإمام بالشّحيح الملحد](٢)

يروى بكسر الباء على ما ذكر وبفتحها على أن المراد خبيب وأخوه مصعب رحمهما‌الله تعالى (٣). ـ

__________________

(١) هو عبد الله بن الزبير بن العوام قرشي أسدي فارس قريش في زمنه ومن خطبائها المعدودين ، أول مولود في المدينة بعد الهجرة ، شهد فتح إفريقية في زمن عثمان بن عفان. وبويع له بالخلافة تسع سنين عقب وفاة يزيد بن معاوية فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام وجعل قاعدة ملكه المدينة وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة حتى سيروا إليه الحجاج الثقفي في أيام عبد الملك بن مروان فانتقل إلى مكة وعسكر الحجاج في الطائف ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل عبد الله بن الزبير سنة ٧٣ ه‍.

له في كتب الحديث ثلاثة وثلاثون حديثا.

انظر ترجمته في الأعلام (٤ / ٢١٨).

(٢) البيتان من الرجز المشطور وقائلهما يذم عبد الله بن الزبير وأصحابه ويمدح الخليفة عبد الملك ابن مروان ، ووجه الذم أن الشاعر يقول : حسبي من نصرة عبد الله أي لا أنصره بعد ذلك ، وسألجأ إلى عبد الملك بن مروان الكريم الذي لم ينتهك حرمة البيت الحرام.

اللغة : قدني وقدي : قال ابن هشام (المغني : ١ / ١٧٠) : تحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء وأن تكون اسم فعل مرادفة ليكفي. وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح وتحتمل الثاني على أن النون حذفت للضرورة.

الخبيبين : مثنى خبيب وأراد به عبد الله بن الزبير وابنه خبيبا أو عبد الله وأخاه مصعبا ، وقيل : إنه جمع والمراد عبد الله وأصحابه وهو موضع الشاهد وقد ذكر ذلك كله الشارح. كما استشهد به النحاة في باب إلحاق نون الوقاية لأسماء الأفعال مثل قد وقط.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٤٦٦) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٦٨) ، وشرح التسهيل (١ / ٧١).

قائل البيتين وترجمته : نسب هذا الشعر في مراجعه لأكثر من شاعر فقيل لحميد بن ثور وقيل : أبو نخيلة واسمه يعمر وسمي كذلك لأن أمه ولدته بجانب نخلة وكانت بينه وبين العجاج منافرة (انظر ترجمته وأخبارا عنه في الشعر والشعراء : ٢ / ٦٠٦).

وقيل : القائل : حميد بن مالك الأرقط وهو شاعر إسلامي مجيد ، شعره جزل يمتلئ بالغريب ؛ وسمي بالأرقط لآثار كانت بوجهه وكان بخيلا قال أبو عبيدة : بخلاء العرب أربعة : الحطيئة ، وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان. انظر ترجمة حميد وشعرا له في معجم الأدباء (١١ / ١٣).

(٣) يشير إلى أن لفظ خبيب يحتمل التثنية والجمع على نحو ما ذكرناه في الشاهد وقوله : وكذا قولهم الأشاعثة ... إلخ معناه أنه غلب لفظ واحد من الجماعة ثم جمع مقصودا به تلك الجماعة مع أن أسماءهم مختلفة.

٣٣٥

______________________________________________________

وكذا قولهم : الأشاعثة في الأشعث وقومه (١) ، والمهالبة في المهلّب وبنيه (٢).

والباء في قوله : بتغيير متعلقة بدليل ما فوق اثنين ليفيد الكلام أن الدلالة المذكورة إذا كان الجمع مكسرا إنما يكون بالتغيير بخلاف ما إذا كان الجمع مصححا ؛ فإن الدال على جمعيته إنما هي الزيادة التي في آخره كما سنذكره.

فعلى هذا لا يدخل نحو مصطفين ومصطفيات في حد المكسر وإن حصل فيهما تغيير وهو الحذف والقلب (٣) ؛ لأن تغيرهما ليس هو المشعر بالجمعية بل المشعر بها الزيادة اللاحقة ؛ إذ لو قدر انفرادها ولا حذف ولا قلب لم تجهل الجمعية. ولو قدر العكس لجهلت الجمعية ؛ بخلاف تغيير رجل حين قيل فيه رجال ؛ فإن الجمعية لا تدرك إلا به وهذا هو التغيير الظاهر.

والتغيير المقدر كفلك فإنه يقع على الواحد والجمع ؛ فإذا كان واحدا فهو كقفل وإذا كان جمعا فهو كبدن [١ / ٩٠] فيقدر زوال الضمة الكائنة في الواحد وتبدلها ـ

__________________

(١) هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي أبو محمد أمير كندة في الجاهلية والإسلام ، كانت إمامته في حضر موت ، وقد وفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ظهور الإسلام في جمع من قومه فأسلم ثم حسن إسلامه بعد ذلك.

وشهد الوقائع وأبلى بلاء حسنا مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق. ولما آل الأمر إلى علي كان الأشعث معه يوم حنين على راية كندة ، ثم استقر في الكوفة وتوفي فيها على أثر اتفاق الحسن ومعاوية سنة (٤٠ ه‍) بعد ثلاثة وستين عاما عاشها. وقد روى له البخاري تسعة أحاديث. انظر ترجمته في الأعلام : (١ / ٣٣٤).

(٢) هو المهلب بن أبي صفرة وبنوه هم يزيد وزياد ومدرك وقد ولدوا في سنة واحدة وقتلوا في سنة واحدة وكانت أعمارهم لا تتجاوز ثمانية وأربعين عاما وهو من العجائب.

وأبوهم وهو المهلب يدعى ظالم بن سراق الأزدي أمير جواد نشأ بالبصرة وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر وولى إمارة البصرة لمصعب بن الزبير ، وانتدب لقتال الأزارقة وكانوا قد غلبوا على البلاد ، وشرط له أن كل بلد يجليهم عنه يكون له التصرف في خراجه ، فأقام يحاربهم تسعة عشر عاما لقي فيها منهم الأهوال وأخيرا تم له الظفر بهم فقتل منهم الكثير وشرد بقيتهم في البلاد ، ثم ولاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان سنة (٧٩ ه‍). ومات فيها سنة (٨٣ ه‍) ، وكان مولده سنة (٧ ه‍). انظر ترجمته في الأعلام (٨ / ٢٦٠).

(٣) الحذف في مصطفين : وأصله مصطفيون ـ بعد قلب الواو ياء ـ حذفت لام الكلمة بعد حذف حركتها والتقائها ساكنة مع الواو.

والقلب في مصطفيات : وأصله مصطفوات قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة فأكثر بعد فتح (دراسات صرفية في الإبدال والإعلال والإدغام ص ٥٥) ولا يجوز جمع مصطفى على مصطفيات إلا بعد إطلاق المفرد على مؤنث.

٣٣٦

______________________________________________________

بضمة مشعرة بالجمع هذا هو مذهب سيبويه (١).

ومثل فلك دلاص وهجان ؛ فإن كلّا منهما واحد وجمع فالتغيير فيهما حال الجمعية مقدر.

وقوله : أو بزيادة معطوف على بتغيير فهو متعلق بدليل ما فوق اثنين.

وقيد الزيادة في جمعي التصحيح بقيدين :

أحدهما : أن تكون مقدرة الانفصال واحترز بذلك من زيادة نحو صنوان (٢) فإنها كزيادة زيدين في زيادة النظم معها إلا أن زيادة زيدين مقدر انفصالها لوجهين :

أحدهما : أن نونه تسقط للإضافة.

والثاني : أنه لو سمي به ونسب إليه لحذفت المدة والنون ؛ وزيادة صنوان ونحوه بخلاف ذلك القيد.

الثاني (٣) : أن تكون لغير تعويض واحترز بذلك من سنين ونحوه.

قال المصنف : فإنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى الصحيح ، ومعنى التعويض فيه أنّ واحده منقوص يستحق أن يجبر بتكسير كما جبر يد ودم حين قيل فيهما : أيد ودماء ، فزيدت آخره زيادتا جمع التصحيح عوضا من الجبر الفائت بعدم التكسير ؛ لأنهما يجعلانه شبيها بفعول لو كسرا عليه. ولكون هذا النوع تكسيرا في ـ

__________________

(١) في الكتاب لسيبويه : (٣ / ٥٧٧) قال : «وقد كسّر حرف منه (من فعل) على فعل وذلك قولك للواحد هو الفلك فتذكّر وللجميع هي الفلك وقال الله عزوجل : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الشعراء : ١١٩] فلما جمع قال : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) [البقرة : ١٦٤].

وقوله : ومثل ذلك دلاص وهجان ... إلخ قال سيبويه : (٣ / ٦٣٩) «قالوا : درع دلاص وأدرع دلاص ويدلك على أن دلاص وهجان جمع لدلاص وهجان وأنه كجواد وجياد ليس كجنب قولهم : هجانان ودلاصان فالتثنية دليل في هذا النّحو» انتهى.

والدرع الدلاص : الملساء اللينة ، والإبل الهجان : البيض منها. ويمثل لهما في حال الإفراد بكتاب وفي حال الجمع برجال.

(٢) ذكر في القرآن في قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) [الرعد : ٤]. وقيل في تفسيره : الصنوان : المجتمع. وغير الصنوان : المتفرق. وفي اللسان (صنو). وقال أبو زيد : هاتان نخلتان صنوان ، ونخيل صنوان وأصناء.

(٣) أي القيد الثاني من قيود زيادة جمعي التصحيح.

٣٣٧

______________________________________________________

الحكم غير فاؤه غالبا فقيل في سنة سنون بكسر السين وقد روي ضمها. انتهى (١).

وقد عرف أن جمع التكسير هو جعل الاسم القابل (٢) دليل ما فوق اثنين بتغيير ظاهر أو مقدر. وأن جمع التصحيح هو جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين بزيادة في آخره مقدرة الانفصال لغير تعويض. ثم جعل التصحيح نوعين لمذكر ولمؤنث كما سيذكره.

وهاهنا أبحاث :

الأول :

أورد الشيخ على قول المصنف : جعل الاسم ... الجمع الذي لم ينطق له بواحد كعباديد (٣) ، قال : لأنه ليس فيه جعل ؛ إذ الجعل يستدعي وجود المجعول.

وجوابه : أنه لا يلزم من عدم التلفظ بشيء عدم تقديره ؛ فالاسم الذي هذا جمعه مقدر وكم من مقدر في أبواب النحو يحكم له بحكم الملفوظ.

الثاني :

قال المصنف : التغيير الظاهر إما بزيادة كصنو وصنوان (٤) أو بحذف كتخمة وتخم أو بتبدل شكل كأسد وأسد ؛ أو بزيادة وتبدل شكل كرجل ورجال أو بنقص وتبدل شكل كقضيب وقضب ؛ أو بزيادة ونقص وتبدل شكل كغلام وغلمان (٥).

ونقل الشيخ أن أصل هذا التقسيم للجرمي فإنه قال (٦) :

«التغيير ثلاثة أقسام : قسم فيه زيادة كعبد وعباد ، وقسم فيه نقص كرغيف ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧١).

(٢) كلمة المقابل هنا وفي تعريف جمع التصحيح بعده ساقطة من النسخ وهو خطأ.

(٣) نص الاعتراض قال أبو حيان : التذييل والتكميل (١ / ٢٦٦) : ويرد عليه أنه يوجد جمع التكسير بدون جعل الجاعل الاسم القابل إلى آخر ما شرط فيه وذلك الجمع المكسر الذي لم ينطق له بواحد نحو عباديد (الفرق من الناس) وشماطيط (الجمع المتفرقون).

(٤) في اللسان : (٤ / ٢٥١٣) ، مادة : صنا ، الصنو : الأخ الشّقيق والعم والابن والجمع أصناء وصنوان. وفيه أيضا : الصنو : المثل وجمعه صنوان.

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧٤).

(٦) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٦٩).

٣٣٨

______________________________________________________

ورغف ، وقسم لا زيادة فيه ولا نقص بل تغير حركات كأسد وأسد».

واعترض ذلك الأستاذ أبو علي بأنه يقتضي أن تغيير الحركات ليس في الأولين وليس كذلك ؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد ففي التقسيم تداخل.

قال أبو علي : «وإصلاحه أن يقول في الثالث : وقسم لا زيادة فيه ولا نقص» ، ثم يقول : وجميع هذه الأقسام لا بدّ فيه من تغيير الحركات (١).

الثالث :

قال المصنف : «الذي دعا سيبويه إلى القول بجمعية نحو فلك [١ / ٩١] وأنه مغير تقديرا ، أنهم قالوا في تثنيته فلكان فعلم أنهم لم يقصدوا به ما قصدوا بجنب ونحوه مما أشرك فيه بين الواحد وغيره حين قالوا : هذا جنب وهذان جنب ؛ وهؤلاء جنب ؛ فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وبين ما لا يقدر تغييره مما لفظه في الإفراد والجمع واحد : التثنية وعدمها» (٢).

الرابع :

قال الشيخ : «لا يحتاج المصنف إلى الاحتراز بقوله : مقدّر انفصالها عن زيادة صنوان ؛ لأن الحركات التي في جمع التكسير غير الحركات التي في المفرد فليس صنوان أصله صنو زيد عليه ألف ونون» انتهى (٣). ـ

__________________

(١) انظر نصه في التذييل والتكميل (١ / ٢٦٩) وانظر في كلام أبي علي : الإيضاح له (ص ١٣١) ، في التغيير بين المفرد والجمع.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧٠).

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٦٩) ، قال أبو حيان في بقية الاعتراض : وقد رد هو ـ أعني المصنف ـ على من زعم أن رفع المثنى والمجموع على حده بلا علامة وإن ترك العلامة علامة بوجوه منها قوله : إنا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو عندي اثنان وعشرون للألف والواو فيهما قبل التركيب. كما نقدر مغايرة الحركات في مواضع مختلفة. ونقدر كذلك ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد.

ثم قال : وإذا كان المصنف قد قدر مغايرة الحروف على حسب ما وقعت في الأماكن المختلفة وقدر مغايرة الحركات فكذلك نقول في هذا إن حركات صنوان الجمع غير حركات صنو المفرد.

ثم قال : وليس كذلك الجعفرون والهندات لا يعتقد أن الحركات فيهما حين جمعا غير الحركات التي في المفرد. انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٦٩) بتصرف واختصار.

٣٣٩

______________________________________________________

يعني أن دلالة صنوان على الجمعية ليست بالزيادة فقط حتى يحترز منها ؛ إنما هي بالزيادة وبتغيير الحركات. وهذا صحيح إلا أن الدال على الجمعية في الصورة إنما هو الزيادة ؛ فلذلك احترز عنها.

وقد يمنع المصنف أن الحركات في جمع التكسير غير الحركات في الواحد ، ولا يلزمه نحو فلك لأنه يقول : إنما قدر تغيير الحركات فيه لضرورة تميز الجمع عن الواحد.

الخامس :

ناقش الشيخ المصنف في الكلام على سنين في شيئين :

أحدهما : قوله : إنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى التصحيح ، قال : «لأنه من حيث هو جمع تكسير ينبغي أن يكون معربا بالحركات» (١).

الثاني : أن في كلامه تناقضا وذلك أنه بعد أن جعله جمع تكسير نفى ذلك عنه بقوله : بعد أن فعل به ذلك (٢) عوضا من الجبر الفائت بعدم التكسير. انتهى (٣).

أما المناقشة الأولى فغير لازمة ؛ إذ لا منافاة بين كونه جمع تكسير وكونه حمل في الإعراب على جمع التصحيح.

وأما الثانية فظاهرة إلا أن يقال إنما أراد بنفي التكسير عنه نفي مجيئه على الصيغ المعروفة للتكسير لا نفي كونه مكسرا في نفسه.

فحاصله : أنه مكسر لكنه لم يجئ على صيغة من صيغ التكسير المخصوصة ويدل على أن مراده هذا قوله (٤) : ولكون هذا النوع مكسرا في الحكم غير فاؤه ... ولا شك أن كلام المصنف هنا غير ناصع.

وذكر ابن الباذش (٥) أن مذهب سيبويه في سنين أنّه جمع سلامة بالواو والنّون ـ

__________________

(١) انظر : كلام المصنف في شرح التسهيل (١ / ٧٠) وكلام أبي حيان في التذييل والتكميل (١ / ٢٧٥).

(٢) الإشارة إلى أنه زيد في آخره زيادتا جمع التصحيح.

(٣) انظر المرجعين السابقين.

(٤) أي قول ابن مالك. انظر : شرح التسهيل (١ / ٧١).

(٥) ذكر أبو حيان في التذييل والتكميل (١ / ٢٧٦) ، أنه الأستاذ أبو جعفر ابن الأستاذ أبي الحسن بن الباذش.

وعليه فهو أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي النحوي ابن النحوي عارف بالآداب

٣٤٠