شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

الصفار من أن الحصر إنما يتبين بالقرائن ، لما أوجب النحاة تأخير المحصور بها ؛ لكنهم أوجبوا تأخير الفاعل إذا قصد حصره ، وكذلك تأخير المفعول أيضا ؛ فدل على أنهم لم يكتفوا بالقرائن.

وأما قول ابن عصفور : إنه لو كان من مواضع الانفصال لما جاء متصلا ، وقد قالت العرب : إنما أدافع عن أحسابهم فغير ظاهر ؛ لأن قائل هذا الكلام لم يقصد حصر الفاعل ، والفصل إنما يجب مع قصد الحصر ، وإنما قصد هذا المتكلم حصر المتعلق بالفعل ، أي : لا أدافع إلا عن أحسابهم لا عن شيء آخر.

أما كون غيره لا يدافع فلم يتعرض إليه. والظاهر أن الجماعة إنما حكموا بأن مذهب سيبويه أن الفصل ضرورة بقوله (١) : «هذا باب ما يجوز في الشّعر من إيّا ، ولا يجوز في الكلام ، فمن ذلك قول حميد الأرقط (٢) :

٢٤٥ ـ [أتتك عنس تقطع الأراكا]

إليك حتّى بلغت إيّاكا (٣)

وقال آخر :

٢٤٦ ـ كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (٤)

__________________

(١) انظر نص ذلك في الكتاب : (٢ / ٣٦٢).

(٢) سبقت ترجمته في هذا التحقيق.

(٣) البيتان من الرجز المشطور ، قائلهما حميد بن مالك الأرقط كما هنا وكما في مراجعهما ، وهما في الوصف والمدح.

اللغة : العنس : بفتح العين وسكون النون هي الناقة القوية. تقطع الأراكا : أي تقطع الأرض التي تنبت الأراك وهو شجر يستاك به.

والمعنى : جاءتك إبلنا مجهدة فلا تحرمها من عطائك وأنت كريم أيها الممدوح.

وشاهده : وضع الضمير المنفصل مكان المتصل في قوله : حتّى بلغت إيّاك.

قال ابن يعيش : وكان أبو إسحاق الزجّاج يقول : تقديره : حتّى بلغتك إيّاك ، وهذا التقدير لا يخرجه عن الضّرورة سواء أراد له التأكيد أو البدل ؛ لأن حذف المؤكّد أو المبدل منه ضرورة (شرح المفصل : ٣ / ١٠٢). والبيت في معجم الشواهد (ص ٥١٢) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٩) ، وكذلك هو في التذييل والتكميل (٢ / ٢١٩).

(٤) البيت سبق الاستشهاد به والحديث عنه ، وقد استشهد به هناك على وجوب فصل الضمير لوقوعه بعد إنما ، وهنا استشهد به على أن هذا الفصل ضرورة. وتأويل ذلك كله مذكور في الشرح بعد البيت ، قال ناظر الجيش بعد هذا التأويل : وهو محمل جيد.

٥٢١

______________________________________________________

وقد حمل المصنف الفصل في : إنما نقتل إيانا ـ على أنه ضرورة من وجه آخر غير الوجه الذي حمل الجماعة عليه وهو الذي أذكره :

قال المصنف : «وقد وهم الزمخشريّ في قوله : إنّما نقتل إيّانا ، فظنّ أنّه من وقوع المنفصل موقع المتصل (١) ، وليس كذلك ، لأنه لو أوقع هنا المتصل فقال : إنّما نقتلنا ، لجمع بين ضميرين متّصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى ، وذلك مما يختصّ به الأفعال القلبية. وغر الزمخشريّ ذكر سيبويه هذا البيت في باب : ما يجوز في الشّعر من إيّا ولا يجوز في الكلام ، فذكر البيت الّذي أوله كأنّا لا لأن ما فيه لا يجوز إلا في الشعر ، بل لأن إيّانا وقع فيه موقع أنفسنا فبينه وبين الأول يعني : حتى بلغت إياكا مناسبة من قبل أن إيا في الموضعين [١ / ١٦٢] واقعا موقعا غيره به أولى. لكن في الثّاني من معنى الحصر المستفاد بإنما ما جعله مساويا للمقرون بإلا ، فحسن وقوع إيا فيه كما كان يحسن بعد إلا وهذا مطّرد ، فمن اعتقد شذوذه فقد وهم» انتهى وهو محمل جيد (٢).

وقال الشيخ : «ما ذهب إليه المصنّف من تعيّن انفصال الضّمير بعد إنّما ـ خطأ فاحش وجهل بلسان العرب.

قال الله تعالى : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(٣) ، (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(٤) ، (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ)(٥) ، (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٦) ، ولو كان الأمر على ما زعم لكان التركيب إنّما ـ

__________________

(١) قال الزمخشري (المفصل : ص ١٢٧) : ولأنّ المتّصل أخصر لم يسوغوا تركه إلى المنفصل إلّا عند تعذّر الوصل ، فلا تقول ضرب أنت ولا ضربت إياك ، إلّا ما شذّ من قول حميد الأرقط : إليك حتّى بلغت إيّاكا وقول بعض اللصوص : كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا.

(٢) وملخص ما قيل في هذه القضية التي أثارها هذا البيت وهو قوله : إنّما نقتل إيّانا ـ أن سيبويه وتبعه الزمخشري جعلا البيت من الضرورة ؛ لأن الشاعر أوقع فيه الضمير المنفصل موقع المتصل ؛ لأن المتصل أخصر ولا يترك إلا عند تعذر الوصل ؛ فلا يجوز ضربت إياك ، وإنما الواجب ضربتك ، وذكر ابن مالك أن هذا باطل ، وإنما الواجب انفصال الضمير هنا ؛ لأنه لو قال نقتلنا لجمع بين ضميرين متصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى ، كما أن المقصود الحصر ، والحصر يوجب انفصال الضمير مع إنما حملا على إلا.

(٣) سورة يوسف : ٨٦.

(٤) سورة سبأ : ٤٦.

(٥) سورة النمل : ٩١.

(٦) سورة آل عمران : ١٨٥.

٥٢٢

______________________________________________________

يشكو بثّي وحزني إلى الله أنا (١) ، وإنّما يعظكم بواحدة أنا ، وإنّما أمر أن يعبد ربّ هذه البلدة أنا ، وإنّما يوفّى أجوركم أنتم» انتهى (٢).

ويا لله التعجب من الشيخ ، جهّل المصنف وخطّأه وقوّله ما لم يقل ، واعتقد فيه أنه يمنع من جواز ما لم يتوهم بشر منعه. لم يقل إن إنما لا يقع بعدها الضمير إلا منفصلا فيرد عليه بوقوعه متصلا ، إنما قال : إن الضمير المحصور بإنما يجب انفصاله ، فكيف يرد عليه بما لم يقصد فيه حصر الضمير.

أما الآيات الكريمة التي رد بها الشيخ على المصنف ، فلم يقصد في شيء منها حصر الفاعل ، إنما قصد حصر متعلق الفعل ؛ فمعنى الآية الأولى «لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله» أي لا أشكو إلى غيره (٣). ومعنى الآية الثانية «لا أعظكم إلا بواحدة» أي لا أعظكم بغيرها ، ومعنى الآية الثالثة «ما أمرت إلا أن أعبد رب هذه البلدة» ، ومعنى الآية الرابعة «لا توفون أجوركم إلا يوم القيامة» ، وهذا واضح ، ولا أعرف كيف خفي هذا على الشيخ رحمه‌الله تعالى.

البحث الثاني :

ما ذكره المصنف هنا من تعين انفصال الضمير إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها ، هو مذهب البصريين ، ولم يوجب الكوفيون الإبراز إلا عند خوف اللبس (٤) ، واختار المصنف في باب المبتدأ مذهبهم ؛ فإطلاقه القول هنا بوجوب الانفصال إما للاتكال منه على ما ذكر في باب المبتدأ فيقيد به هذا الإطلاق ، وإما لأنه جرى هنا على مذهب البصريين ، ثم نبه على مختاره في باب المبتدأ (٥). ـ

__________________

(١) في نسخة (ب): «إنما أشكو ، وإنما أعظكم ، وإنما أمرت أن أعبد ، وإنما توفون» والذي أثبتناه من الأصل وهو الصحيح ، حتى يظهر الحصر المقصود في الكلام. وكذلك هو في شرح أبي حيان.

(٢) التذييل والتكميل (٢ / ٢٢١).

(٣) في تفسير الكشاف (٢ / ٣٣٩) قال الزمخشري : «ومعنى إنّما أشكو أي إني لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم ، إنّما أشكو إلى ربّي داعيا له وملتجئا إليه بشكايتي».

(٤) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ٥٨) وما بعدها ، ومن أمثلتها من الكلام : هند زيد ضاربته هي ، ومن الشعر قول ذي الرمة : غيلان ميّة مشغوف بها هو ... إلخ.

(٥) انظر شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٠٧ ، ٣٠٨) (تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، ود / المختون) يقول في الحديث عن الخبر عند جريانه على غير من هو له : «والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللّبس عند

٥٢٣

______________________________________________________

وقد استثنى الكوفيون أيضا صورة ثانية لا يجب فيها الإبراز ، وهي إذا تكررت الصفة نحو : زيد حسنة أمه عاقلة هي ، فلا يوجبون هي بعد عاقلة. وفي الحقيقة هذه الصورة داخلة تحت قولهم : لا يجب الإبراز عند أمن اللبس ، فلا حاجة إلى تخصيصها بالذكر.

وقد ذكر النحاة أن الضمير لا يبرز إذا كان لمثنى أو جمع ؛ لأن في تثنية اسم الفاعل وجمعه دلالة عليه ، وذلك نحو : مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين ، وقائم آباؤه لا قاعدين. استغنى في المثال الأول عن هما ، وفي المثال الثاني عن هم بتثنية اسم الفاعل وجمعه ، وسيأتي ذلك في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى.

البحث الثالث :

تقدم أنه يجب انفصال [١ / ١٦٣] الضمير إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع عند الاتفاق في الرتبة ، إلا إذا كانا للغيبة واختلفا لفظا ؛ فإنه قد يتصل الضمير الثاني.

وقد ذكر الشيخ أنه قد يؤتى بالثاني متصلا حال التكلّم والخطاب والغيبة دون الاختلاف لفظا فقال (١) :

«إذا اتفق الضميران في الرتبة فإما أن يكونا لمتكلم أو مخاطب أو غائب.

إن كان لمتكلم فلا اتصال نحو : منحتني إياي ، ويقبح الاتصال ، وإن كانا لمخاطب فالاختيار الانفصال ، ويجوز الاتصال ضعيفا نحو : أعطيتكما إياكما ، وأعطيتكما كما ، وأعطيتكم إيّاكم ، وأعطيتكم كم ، وأعطيتكن إيّاكن ، وأعطيتكن كنّ ، ومنع الاتصال الفراء (٢).

وإن كانا لغائب فإما أن يتحدا لفظا أو يختلفا (٣) : إن اتحدا فكضمير المخاطب (٤) فيكون الانفصال مختارا نحو : الدرهم أعطيته إياه ، ويجوز على ضعف : ـ

__________________

جريان رافع الضّمير على غير صاحب معناه ؛ ليجري الباب على سنن واحد. وخالفهم الكوفيّون فلم يلتزموا الإبراز إلّا مع اللّبس وبقولهم أقول لورود ذلك في كلام العرب كقول الشّاعر (من البسيط) :

قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت

بكنه ذلك عدنان وقحطان

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٨).

(٢) في شرح أبي حيان : هذا مذهب أصحابنا والكسائي ومنع الاتصال الفراء (المرجع السابق).

(٣) بأن كان أحدهما مفردا والآخر مثنى أو جمعا ، أو أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا.

(٤) في النسخ : فكضميري الغائب ، وما أثبتناه وهو الأسدّ من التذييل والتكميل.

٥٢٤

______________________________________________________

أعطيتهوه ، ومنع الفراء أيضا الاتصال.

وإن اختلفا فالفصل هو الكثير ، تقول : هند الدّرهم أعطيتها إيّاه ، وأعطيته إياها ، ويجوز : أعطيتهاه وأعطيتهوها» انتهى (١).

وفي كتاب سيبويه ما يقتضي منع الاتصال إذا كان الضميران للمتكلم (٢). وأما إذا كانا للغيبة فقال سيبويه : «فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب ، قلت : أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربيّ لا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنّهما كلاهما غائب ، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم ، والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه» انتهى كلام سيبويه (٣).

وأشعر قوله : والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه ـ أن القليل جواز الاتصال وإن اتفق اللفظان ؛ وعلى هذا لا يحسن قول المصنف فيما تقدم (٤) : إن لم يشتبها لفظا لإشعار كلام الإمام بخلافه.

البحث الرابع :

انتقد الشيخ على المصنف كونه مثّل للاتصال في الغائبين المختلفي اللفظ بما في بيت مغلس وهو (لضغمهماها) وبما روى الكسائي من (وأنضرهموها). قال : لأن أحد الغائبين مخفوض ، وأصحابنا ذكروا أنه لا يجوز فيه إلا الانفصال ، نحو قولك : هند زيد عجبت من ضربه إيّاها (٥).

قالوا : ولا يجوز من ضربهها إلّا في ضرورة ، وأنشدوا بيت مغلّس ؛ أو في ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٩).

(٢) يقول في كتابه (٢ / ٣٦٥) ـ بعد كلام عن أعطاهوك وأعطاهوني وأن العرب لم تتكلم به ـ : «ويدخل على من قال هذا أن يقول الرّجل إذا منحته نفسه : قد منحتنيني ، ألا ترى أنّ القياس قد قبح إذا وضعت ني في غير موضعها؟».

(٣) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٥).

(٤) المسألة أنه إذا اشتبه الضميران الغائبان فقد أوجب ابن مالك فصلهما ، تقول : مال زيد محمد أعطاه إياه. وقال سيبويه : الكثير أعطاه إياه ، على أن سيبويه عند ما مثل للاتصال مثل بضميرين مختلفين وهو أعطاهوها ، وهذا لا يمنعه ابن مالك حيث قال : وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا. كذا فليلاحظ.

(٥) في النسخ : هند عجبت ... إلخ ، بحذف زيد ، وما أثبتناه وهو الصحيح من التذييل والتكميل.

٥٢٥

[مواضع جواز الاتصال والانفصال]

قال ابن مالك : (وإن اختلفا رتبة جاز الأمران ، ووجب في غير ندور تقديم الأسبق (١) رتبة مع الاتّصال ؛ خلافا للمبرّد ولكثير من القدماء ، وشذّ إلّاك فلا يقاس عليه).

______________________________________________________

نادر كلام ، وذكروا ما رآه الكسائي (٢).

وظاهر كلام سيبويه ينفي ما انتقده الشيخ على المصنف ، فإنه قال بعد قوله : والكثير في كلامهم أعطاه إياه : على أنّ الشّاعر قد قال (٣) :

٢٤٧ ـ وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

 ... البيت المذكور

البحث الخامس :

اعلم أن المصنف لما ذكر وجوب انفصال الضمير (٤) ـ إنما ذكر المواضع التي يمكن فيها الاتصال ، أما ما لم يمكن فيه ذلك فلم يذكره ؛ لأن الانفصال فيه ضروري ، ولهذا لم يتعرض إلى ما ذكره غيره من أن الضمير يجب فصله إذا كان مبتدأ أو خبرا للمبتدأ أو خبرا لإن.

لكن ذكر ابن عصفور صورة يجب فيها [١ / ١٦٤] الانفصال ، ولم يذكرها المصنف وهي (٥) ما إذا كان الضمير منصوبا بمصدر مضاف إلى الفاعل ، ومثل لذلك بقوله : عجبت من ضرب زيد إياك ، ومن ضربك إياه.

وأقول : أما ضرب زيد إياك فظاهر فيها وجوب الانفصال (٦) ، وأما ضربك إياه فالاتصال فيها جائز كما سيأتي (٧).

قال ناظر الجيش : لما انقضى الكلام على مواضع الانفصال شرع في ذكر مواضع الاتصال والانفصال وأشار إلى ضابطها بقوله : وإن اختلفا رتبة جاز الأمران أي ـ

__________________

(١) في نسخة الأصل : تقديم غير الأسبق وهو خطأ ، والصحيح ما أثبتناه لما سيذكر في الشرح.

وكذلك هو في متن التسهيل (ص ٢٧).

(٢) التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٩).

(٣) كتاب سيبويه (٢ / ٣٦٥).

(٤) وهي المواضع الاثنا عشر الماضية.

(٥) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ١٠٧) (بتحقيق الشغار ويعقوب).

(٦) إنما وجب الانفصال هنا للفصل بين الضمير وعامله بظاهر.

(٧) في هامش الأصل كتب هنا : بلغت قراءة أي على المؤلف كما في غيره.

٥٢٦

______________________________________________________

الاتصال والانفصال في الثاني من الضميرين.

واعلم أن المواضع التي يجوز فيها الأمران ستة ، وهي ما كان فيه الضميران منصوبين وتحته قسمان ؛ لأن النصب فيهما إما بفعل غير قلبي كأعطيتكه ، وإما بفعل قلبي كخلتكه ، وما كان فيه أول الضميرين مجرورا وتحته ثلاثة أقسام ؛ لأن الجر إما بإضافة اسم فاعل نحو : الدرهم (زيد) (١) معطيكه ، أو بإضافة مصدر. والمجرور إما فاعل به وإما مفعول نحو : فراقيها ومنعكها (٢).

وما كان فيه أول الضميرين مرفوعا ؛ وهو والمنصوب بعده مبتدأ وخبر في الأصل نحو : كنته (٣) ، وإذا كان كذلك فينبغي ألا يكون الضمير في اختلفا عائدا على ما تقدم ذكره ؛ إذ يلزم فيه أن تكون الإشارة إلى الضميرين المنصوبين خاصة ، بل يكون الضمير المذكور عائدا على الضميرين غير مقيدين بالقيد المتقدم. أي : وإن اختلف الضميران رتبة جاز الأمران ، وهذا هو الذي يقتضيه كلام المصنف في الشرح.

وأما كون أول الضميرين المختلفي الرتبة منصوبا أو مجرورا أو مرفوعا بالقيود التي ذكرت فيعلم من كلامه بعد ، ثم مع الفصل تقدم أي الضميرين شئت ، فتقول : الدرهم أعطيتك إياه وأعطيته إياك ، وهذا مستفاد بطريق المفهوم من قول المصنف : ووجب في غير ندور تقديم الأسبق رتبة مع الاتّصال.

وأما مع الاتصال فعند سيبويه يجب تقديم الأسبق رتبة ، فتقول : أعطيتكه ، ولا يجوز أعطيتهوك ، وأجاز كثير من قدماء النحويين (٤) ووافقهم المبرد ـ تقديم غير الأسبق مطلقا (٥). وأجازه الفراء إذا كان الضمير لمثنى أو لجماعة مذكرين ، نحو : ـ

__________________

(١) ما بين القوسين من عندنا ، ومكانه في النسخ أما ولا معنى له.

(٢) يشير بفراقيها ومنعكها إلى بيتين من الشعر يذكران بعد.

(٣) وعليه فالمواضع الستة كالآتي : (١) باب أعطيتكه. (٢) باب خلتكه. (٣) باب معطيكه. (٤) باب فراقيها. (٥) باب منعكه. (٦) باب كنته. وكل باب من الستة له أحكام تخصه تذكر الآن.

(٤) إلى هنا انتهى الجزء الأول من النسخة (ج) ؛ بدار الكتب ، والتي تحت رقم ٣٤٩ نحو. وليس ذلك نهاية الجزء الأول حقيقة ، وإنما الباقي منه ضائع ، أما نهايته الصحيحة فهي وسط الحديث عن الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر ، بدليل أن الجزء الثاني من النسخة المذكورة والموجودة بالدار يبدأ من تلك النهاية.

(٥) يقصد بمطلقا أي مع الاتصال والانفصال ، وعليه فيجوز أعطيتهوك أو أعطيته إياك. انظر التذييل والتكميل (١ / ٤٩٤) ، وشرح التصريح (١ / ١٠٨).

٥٢٧

______________________________________________________

الدرهمان أعطيتهماك ، والغلمان أعطيتهموك ، وأجاز الكسائي ما أجازه الفراء وزاد عليه أن يكون الضمير للإناث ، نحو : الدراهم أعطيتهن كن ، والذي ورد به السماع مذهب سيبويه ، ومن أجاز غير ذلك فإنما أجازه قياسا (١).

قال سيبويه : «فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال أعطاكني ، أو بدأ بالغائب قبل المخاطب فقال أعطاهوك ، فهذا قبيح لا تتكلّم به العرب ، ولكنّ النّحويّين قاسوه» (٢).

قال المصنف [١ / ١٦٥] : «قلت : ولا يعضد قول من أجاز القياس في ذلك قول العرب : عليكني ؛ لكون الكاف فيه متقدمة على الياء ؛ لأن الكاف في عليك فاعل في المعنى ، فينزل تقدمها على الياء منزلة تقدم التاء في قولك : أكرمتني ، فلا يجوز أن يجري مجراها كاف ليس لها حظ في الفاعلية ، نحو كاف أعطاك ، ولكن يعضد قول من أجاز القياس في ذلك بما روى ابن الأثير في غريبه من قول عثمان رضي‌الله‌عنه : «أراهمني الباطل شيطانا» ، فقدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم المتصل» انتهى (٣). ـ

__________________

(١) قال أبو حيان في شرح هذا الموضع : «ولا يخلو الذي يلي الفعل من أن يكون أقرب من الآخر أو أبعد ، فإن كان أقرب جاز في الثاني الاتصال والانفصال ، نحو : زيد ظننتك إيّاه والدّرهم أعطيتك إياه ، وزيد ظننتكه ، والدرهم أعطيتكه ، ثم قال : وإن كان الذي يلي الفعل أبعد من الآخر ، ففي ذلك أربعة مذاهب : أحدها : مذهب سيبويه : وهو أنه لا يجوز إلا الانفصال ، نحو زيد ظننته إياك ، والدرهم أعطيته إياك ، ولا يجيز ظننتهوك ولا أعطيتهوك.

الثاني : مذهب طائفة من قدماء النحويين وتبعهم أبو العباس : وهو أنه يجوز الانفصال والاتصال ، والانفصال أحسن.

الثالث : مذهب الفراء : وهو أنه لا يجوز عنده إلا الانفصال ، إلا أن يكون ضمير مثنى ، أو ضمير جماعة من المذكرين ، فيجوز إذ ذاك الاتصال والانفصال.

والانفصال أحسن ، نحو : الدرهمان أعطيتهماك ، والغلمان أعطيتهموك ، والزيدان ظننتهما كما ، والزيدون ظننتهموكم.

الرابع : مذهب الكسائي : وهو كمذهب الفراء ، إلا أن الكسائي يجيز الاتصال إذا كان الأول ضمير جماعة في المؤنثات ، نحو قولك : الدراهم أعطيتهن كن. والذي ورد به السماع وتكلمت به العرب ، هو ما ذهب إليه سيبويه. التذييل والتكميل (٢ / ٢٣١).

(٢) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٣ ، ٣٦٤).

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٥٢). وانظر في كلام عثمان رضي‌الله‌عنه : النهاية في غريب الحديث والأثر (٢ / ١٧٨).

٥٢٨

______________________________________________________

قلت : لم يكن المصنف ليحتاج إلى الاعتذار عن تقدم الكاف على الياء في عليكني ؛ وذلك أن الكلام إنما هو في ضميرين قد سلط عليهما عامل واحد ، ولا شك أن على وإن عمل في الكاف ـ ليس عاملا في الياء ، بل لما عمل في الكاف جعل المجموع من الجار والمجرور عاملا في الياء ، فلا يقال إن الكاف تقدمت على الياء.

وأيضا فإنما يقال بتقدم واحد من الضميرين على آخر ، حيث يتصور تقدم ذلك الآخر عليه ، وها هنا لا يتصور تقدم الياء على الكاف ، أعني في عليكني ونحوه.

وأما لفظ عثمان رضي‌الله‌عنه فعنه احترز بقوله : في غير ندور. وهذا الاحتراز ليس بجيد ؛ فإنه لو قدم ضمير المتكلم في هذا الكلام على ضمير الغيبة ، لانعكس المراد من مقصود المتكلم كما تقدم ، وإنما الواجب أن كان يؤتى بالضمير الثاني منفصلا ، فيقال : أراهم إياي. فالشذوذ إنما هو في الإتيان بالضمير متصلا لا في تقدم ضمير الغيبة على ضمير المتكلم.

وأشار المصنف بقوله : وشذ إلّاك فلا يقاس عليه ـ إلى قول الشاعر :

٢٤٨ ـ وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (١)

قال : «فالأكثرون على أن الاتصال فيه لم يستبح إلا لضرورة ؛ لأنّ حقّ الضّمير بعد إلا الانفصال اعتبارا بأن إلا غير عاملة ، ومن حكم على إلا بأنها عاملة (٢) لم يعدّ هذا من الضرورات ، بل جعله مراجعة لأصل متروك ، ويعتذر عن مثل : قاموا إلا إيّاك ، بكون الاستعمال استمر بالانفصال ، والأولى به الاتصال».

__________________

(١) البيت من بحر البسيط قال عنه صاحب الخزانة (٥ / ٣٨٠) :

«وهذا البيت قلّما خلا منه كتاب نحويّ ، والله أعلم بقائله».

اللغة : نبالي : نهتم ونكترث وأكثر استعمالاته في النفي. ديّار : أحد ، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام ووزنه فيعال وأصله ديوار من الدار.

واستشهدوا به على شذوذ وقوع الضمير المتصل بعد إلا. وخرجه آخرون على أن الرواية : ألا يجاورنا سواك ، أو ألا يجاورنا حاشاك ، كما أجاز ابن الأنباري وقوع المنفصل بعد إلا.

اقرأ ذلك كله في مراجع البيت الكثيرة المذكورة في معجم الشواهد (ص ١٦٤) ، والبيت أيضا في شرح التسهيل (١ / ١٥٢) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٣٣).

(٢) هم بعض الكوفيين والمبرد والزجاج من البصريين ذهبوا إلى أن العامل في المستثنى هو إلا ، وذهب البصريون إلى أن العامل فيه هو الفعل أو معناه بواسطة إلا. انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (١ / ٣٥٨).

٥٢٩

[المختار في مواضع جواز الاتصال والانفصال]

قال ابن مالك : (ويختار اتّصال نحو هاء أعطيتكه ، وانفصال الآخر من نحو فراقيها ومنعكها وخلتكه ، وكهاء أعطيتكه هاء كنته ، وخلف ثاني مفعولي نحو : أعطيت زيدا درهما في باب الإخبار).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لما ذكر ضابط ما يجوز فيه الاتصال والانفصال ، وكان بعضه مختار الاتصال وبعضه مختار الانفصال ، أخذ في بيان ذلك ، وقد تقدم أن الأمرين جائزان في ستة أبواب ذكر المصنف منها في المتن خمسة (١). والسادس ذكره في الشرح : وهو ما كان فيه أول الضميرين مجرورا (٢) ، وهما معمولان لاسم فاعل.

وأما ما فيه خلف ثاني المفعولين في باب الإخبار فهو من فروع باب أعطيتكه ، فلا يعد قسما زائدا.

وأشار بنحو هاء أعطيتكه (٣) إلى ما كان ثانيا من ضميرين [١ / ١٦٦] منصوبين بفعل غير قلبي ، فإنه جائز فيه الاتصال والانفصال ، واتصاله أجود ؛ ولذلك لم يأت في القرآن إلا متصلا كقوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ)(٤).

قال المصنف (٥) : «وظاهر كلام سيبويه أنّ الاتصال لازم (٦) ويدلّ على عدم ـ

__________________

(١) في نسخة (ب) : ذكر المصنف منها خمسة في المتن.

(٢) في النسخ : مجرور (بالرفع) والصحيح ما أثبتناه (خبر كان). وما ذكره مسألة ستأتي مشروحة.

(٣) هذا هو الباب الأول من الستة التي وعد بشرحها.

(٤) سورة الأنفال : ٤٣.

(٥) شرح التسهيل (١ / ١٥٣).

(٦) هذا هو نص كلام سيبويه والرأي كما حكاه المصنف عنه يقول (الكتاب : ٢ / ٣٦٣): «فإذا كان المفعولان اللّذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطبا وغائبا فبدأت بالمخاطب قبل الغائب ، فإن علامة الغائب العلامة الّتي لا تقع موقعها إيّا ، وذلك قولك : أعطيتكه وقد أعطاكه ، وقال عزوجل : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [هود : ٢٨] ، فهذا هكذا إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب ، وإنما كان المخاطب أولى بأن يبدأ به من قبل أنّ المخاطب أقرب إلى المتكلّم من الغائب ، فكما كان المتكلّم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطب ، كان المخاطب الّذي هو أقرب إلى الغائب أولى بأن يبدأ به من الغائب».

«فإن بدأت بالغائب فقلت أعطاهوك فهو في القبح ، وإنّه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطب إذا بدئ بهما قبل المتكلّم». كتاب سيبويه (٢ / ٣٦٤).

٥٣٠

______________________________________________________

لزومه قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإنّ الله ملّككم إيّاهم ، ولو شاء ملّكهم إيّاكم» (١).

وقال الشيخ : «لم يذكر سيبويه في هذا إلّا الاتصال (٢) وحكى غيره «الانفصال».

وقال السيرافي : «لا يجيز سيبويه فيه الانفصال» وقال الأستاذ أبو علي : «الانفصال فيه أفصح» (٣) وتأول كلام سيبويه.

وأشار بالآخر من نحو فراقيها ومنعكها (٤) إلى ما كان من الضمائر منصوبا بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل أو مفعول أول.

وأدرج المصنف هنا ما كان منصوبا باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول (٥).

فالمنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير هو فاعل كقول الشاعر :

٢٤٩ ـ تعزّيت عنها كارها فتركتها

وكان فراقيها أمرّ من الصّبر (٦)

والمنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير هو مفعول أول كقوله : ـ

__________________

(١) لم أجده في مظانّه من كتب الأحاديث ، وهو في شرح التصريح : (١ / ١٠٧). قال : ومن الفصل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ثم ذكر الحديث. وذكره الأشموني مجردا (١ / ١٧).

وهو في التذييل والتكميل (١ / ٤٩٨) ، منسوبا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك في شرح التسهيل (١ / ١٥٣).

(٢) لم يذكره الشيخ صراحة ، وإنما نقل جزءا من كلام سيبويه السابق ، وصدره بكلام المصنف ، وعلى كل فرأي سيبويه هو ما حكى عنه (التذييل والتكميل : ١ / ٤٩٨).

(٣) المرجع السابق.

(٤) هذا هو الباب الثاني والثالث من الستة التي ما زال يشرحها.

(٥) في النسخ : هو اسم مفعول أول ، وقد حذفنا كلمة اسم ؛ لأنه لا فائدة بها ، وهذا هو الباب الرابع من الستة ، وانظر شرح التسهيل (١ / ١٧٠).

(٦) البيت من بحر الطويل ، قاله يحيى بن طالب الحنفي كما في مراجعه.

اللغة : تعزّيت : من العزاء وهو الصبر والتأسي. فراقيها : أي فراقي إياها وبعدي عنها.

واستشهد به على جواز الفصل والوصل إذا كان عامل الضمير مصدرا سواء أكان الأول فاعلا والثاني مفعولا كما هنا أم كانا مفعولين كما في البيتين بعده.

وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ١٧٤) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٣٧) ، وشرح التسهيل (١ / ١٥٣).

٥٣١

______________________________________________________

٢٥٠ ـ فلا تطمع أبيت اللّعن فيها

ومنعكها بشيء يستطاع (١)

والمنصوب باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول كقول الشاعر :

٢٥١ ـ لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى

واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا (٢)

والمختار في هذه الثلاثة ونحوها الانفصال.

وإذا كان الضمير كهاء خلتكه (٣) في كونه ثاني مفعولي أحد أفعال القلوب فالانفصال به أولى. قال المصنف : «لأنّه خبر مبتدأ في الأصل ، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر» انتهى (٤).

وقال سيبويه : «وتقول : حسبتك إيّاه وحسبتني إيّاه ؛ لأنّ حسبتنيه قليل في الكلام» (٥).

ومن الانفصال قول الشاعر :

٢٥٢ ـ أخي حسبتك إيّاه وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحن (٦)

__________________

(١) البيت من بحر الوافر رابع أبيات لرجل من بني تميم يدعى عبيدة بن ربيعة ، كما نسب إلى شاعر يدعى قحيف العجلي ، وقد طلب منه ملك من الملوك فرسا عزيزة عليه يقال لها سكاب ، فمنعه الرجل إياها ، ثم أرسل إليه هذه الأبيات (شرح ديوان الحماسة : ١ / ٢١٢) بيت الشاهد آخرها ، وأولها قوله :

أبيت اللّعن إنّ سكاب علق

نفيس لا تعار ولا تباع

وانظر أيضا خزانة الأدب (٥ / ٢٩٩).

وشاهده قوله : ومنعكها ، حيث اتصل بالمصدر ضميران مفعولان الأول منهما مجرور بإضافة المصدر إليه والثاني منصوب ، وفاعل المصدر ياء المتكلم محذوف ، وأصله : ومنعيك إياها ، وضمير المخاطب للملك وضمير الغيبة للفرس.

انظر البيت في معجم الشواهد (ص ٢٢٥) ، وشرح التسهيل (١ / ١٥٣) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٣٨).

(٢) البيت من بحر البسيط ، لم ينسب في مراجعه القليلة المذكورة وهو واضح المعنى والمفردات.

والشاهد فيه كما في البيت قبله ، إلا أن العامل هنا اسم فاعل وما قبله كان مصدرا.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٥٣) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٣٨) ، ومعجم الشواهد (ص ٣٨٣).

(٣) هذا هو الباب الخامس من الستة المذكورة.

(٤) شرح التسهيل (١ / ١٥٤).

(٥) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٥). ونصه : «لأنّ حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم».

(٦) البيت من بحر البسيط ولم ينسب في مراجعه.

اللغة : أرجاء صدرك : نواحيه ، جمع رجا كعصا. الأضغان : جمع ضغن وهو الحقد. الإحن : جمع إحنة وهي الحقد أيضا. ومعناه : كنت أظنك أخا فإذا أنت عدو لي.

وإعراب أخي : إما مبتدأ والجملة بعده خبر ، وإما مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، ولا يصح أن ـ

٥٣٢

______________________________________________________

ومن وروده متصلا قول الآخر :

٢٥٣ ـ بلّغت صنع امرئ برّ إخالكه

إذ لم تزل لاكتساب المجد مبتدرا (١)

وأشار بقوله : وكهاء أعطيتكه هاء نحو كنته (٢) يعني أنه يختار فيها الاتصال على الانفصال وهذا هو اختيار المصنف.

قال الشيخ : «واتّبع فيه الرّمّاني وابن الطّراوة» (٣).

وفرق المصنف بين هاء خلتكه وهاء كنته ، وإن اشتركا في أن كلّا منهما خبر مبتدأ في الأصل ـ بأن هاء خلتكه حجزه عن الفعل منصوب آخر بخلاف هاء كنته ، فإنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع ، والمرفوع كجزء من الفعل ، فكأن الفعل مباشر له ؛ فكان مقتضى هذا ألا ينفصل كما لا ينفصل هاء ضربته إلا أنه أجيز الانفصال فيه مرجوحا لا راجحا ؛ خلافا لسيبويه ومن تبعه (٤). ـ

__________________

ـ يكون منادى ؛ لأن المعنى على الإخبار لا على النداء والعتاب.

وشاهده واضح من الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٥٥) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٣٩) ، ومعجم الشواهد (ص ٤٠١).

(١) البيت من بحر البسيط لم يعز إلى قائل في مراجعه.

اللغة : بلّغت : بلغني الناس. برّ : صادق. إخالكه : أظنك إياه. وهمزة إخال مكسورة وقياسها الفتح.

إذ : تعليلية بمعنى لأنك. مبتدرا : مسرعا. والمعنى : بلغني عنك أنك رجل كريم صادق في وعودك وعطاياك تبحث عن ما يكسبك الحمد والشرف.

انظر البيت في شرح التسهيل (١ / ١٥٥) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٣٩) ، ومعجم الشواهد (ص ١٤٣).

(٢) هذا هو الباب السادس والأخير.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢٣٩) ، شرح التصريح (١ / ١٠٨).

وقد سبقت ترجمة ابن الطراوة. وأما الرماني فهو : أبو الحسن علي بن عيسى بن علي ، كان إماما في العربية في طبقة الفارسي والسيرافي ، أخذ عن الزّجّاج وابن السراج وابن دريد ، وله شرح كتاب سيبويه (رسالة دكتوراه بكلية اللغة ، د / متولي الدميري) وله شرح أصول ابن السراج ، وشرح المقتضب ، ومعاني الحروف ، وبعضها مفقود. توفي سنة (٣٨٤ ه‍).

ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ١٨٠) ، الأعلام (٥ / ١٣٤).

(٤) معناه : أن قولك لرجل شجاع : الفارس كنته ـ كثير عند ابن مالك ؛ لأنه شبيه بضربته وأما كنت إياه فقليل. وعند سيبويه ومن معه : العكس ، فالفارس كنت إياه كثير تشبيها بأخي حسبتك إياه ؛ لأن كلا الضميرين أصلهما المبتدأ والخبر وأما كنته فقليل.

وقد أخذ رأي سيبويه هذا من قوله في كتابه (٢ / ٣٥٨): «ومثل ذلك كان إيّاه ؛ لأنّ كانه قليل ،

٥٣٣

______________________________________________________

دليلنا على ذلك من وجهين :

أحدهما : أن المشار إليه ضمير [١ / ١٦٧] منصوب بفعل لا حاجز له إلا ما هو كجزء منه ؛ فأشبه مفعولا لم يحجزه من الفعل إلا الفاعل ، فوجب له من الاتصال ما وجب للمفعول الأول ؛ فإن لم يساوه في وجوب الاتصال فلا أقل من كون اتصاله راجحا.

الوجه الثاني : أن الوجهين مسموعان فاشتركا في الجواز إلا أن الاتصال ثابت في النثر والنظم. والانفصال لم يثبت في غير استثناء إلا في نظم ؛ فرجح الاتصال لأنه أكثر في الاستعمال.

ومن الوارد منه متصلا في النظم دون ضرورة قول الشاعر :

٢٥٤ ـ كم ليث اغترّبي ذا أشبل غرثت

فكانني أعظم اللّيثين إقداما (١)

فقال : كانني مع تمكنه من أن يقول فكنته أعظم الليثين ، على جعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له (٢) كما قالوا : اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم. ـ

__________________

ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا ، لا تقول كانني وليسني ولا كانك فصارت إيّا هاهنا بمنزلتها في ضربي إيّاك. وتقول : أتوني ليس إيّاك ، ولا يكون إيّاك ؛ لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء ها هنا ؛ فصارت إيّا بدلا من الكاف والهاء في هذا الموضع». ثم قال : «وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون : ليسني وكذلك كانني».

(١) البيت من بحر البسيط ، لم يرد في معجم الشواهد ، ولم أعثر على قائله في مراجعه ، وهو في الفخر بالشجاعة والقوة.

اللغة : اغترّ بي : أي ظن ضعفي وقوته ، وروي مكانه : اعتن بي أي اعترض طريقي. ذا أشبل. جمع شبل ، وهو ابن الأسد ، ونصب ذا على التعظيم. غرثت : جاعت ، وذلك أدعى لقوة الأسد وبأسه.

فكانني : أي فكان هو أنا ، أي كنا عظماء وكنت أعظم منه ، بدليل الإبدال بعده. إقداما : شجاعة وقوة.

والبيت يستشهد به ابن مالك على أن الاتصال في كنته أرجح. والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٥٤) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٣٠) ، (٢ / ٢٤٠).

(٢) قال أبو حيان : «لو لا أن سيبويه نقل جواز الاتصال قليلا ، لكان هذا البيت يدّعى فيه أنه ضرورة ؛ لأنه لا يتزن إلا كذا ، وأما قول المصنف : إنه متمكن من أن يقول : فكنته أعظم ، فكل ضرورة هكذا يمكن أن يبدّل بها الشاعر لفظا آخر لا يكون ضرورة. وليس حكم الضرورة في اصطلاح النحاة هذا الذي ذكره».

«وأما قوله : فكنته أعظم ، وجعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له ، فهذه مسألة خلاف ، والجمهور لا يجيزون أن يكون البدل مفسرا للضّمير» التذييل والتكميل (٢ / ٢٤٤).

٥٣٤

______________________________________________________

ومن الوارد منه في النثر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضي‌الله‌عنها «إيّاك أن تكونيها يا حميراء» (١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر رضي‌الله‌عنه في ابن صياد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (٢).

ومن ذلك قول بعض العرب عليه رجل ليسني ، وقال سيبويه : «وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنّهم يقولون : ليسني ، وكذلك كانني» (٣).

هذا نصه ، ولم يحك في الانفصال نثرا إلا قولهم في الاستثناء : «أتوني ليس إيّاك ، ولا يكون إيّاك» (٤). وهذا يتعين انفصاله في غير الضرورة ؛ لأن ليس و (لا يكون) فيه واقعان موقع إلا ؛ فعومل الضمير بعدهما معاملته بعدها ، فلا يقاس على ذلك ما ليس مثله.

والاتصال في قوله :

٢٥٥ ـ [عددت قومي كعديد الطّيس]

إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٥)

من الضرورات ؛ لأنه استثناء ، ولو لم يكن استثناء لكان الاتصال أولى من الانفصال كما تقرر. انتهى كلام المصنف واستدلاله (٦).

وقد تكلم الشيخ هنا في جانب المصنف بكلام غير مناسب ، وجعله مكابرا ومكاذبا لسيبويه ، واعتذر عنه بأنه «قليل الإلمام بكتاب سيبويه ، وأنه يلمح شيئا ـ

__________________

(١) لم أره في كتب الأحاديث ، ولم أعثر عليه ، وهو في لسان العرب (حمر : ٢ / ٩٩٠) ، ومعنى يا حميراء أي يا بيضاء.

(٢) الحديث بنصه في صحيح مسلم (٨ / ١٨٩) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، تحت باب ذكر ابن صياد : وأصله أن ابن صياد هذا آذى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلام ، فقال النبي : «اخسأ فلن تعدو قدرك». فقال عمر بن الخطاب : ذرني يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال له الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله».

وهو أيضا بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٢ / ١٤٨) ولكن بفصل الضمير أي : إن يكن هو ، وإلا يكن هو.

(٣) نصه في كتاب سيبويه (٢ / ٣٥٩).

(٤) المرجع السابق (الكتاب : ٢ / ٣٥٨).

(٥) البيتان من الرجز المشطور ، وقد سبق الحديث عنهما في الحديث عن نون الوقاية.

وشاهده هنا : اتصال ضمير النصب الواقع خبرا لليس بها ، وهو ضرورة عند ابن مالك ، والواجب انفصاله لأنه فعل استثناء.

(٦) شرح التسهيل (١ / ١٥٥).

٥٣٥

______________________________________________________

منه ببادئ النّظر ، فيستدل به من غير تتبّع لما قبله ولما بعده. وكم شيء فاته من علم سيبويه لقلّة إلمامه به» انتهى كلام الشيخ (١).

ولم يرد على المصنف بشيء غير أنه قال : إن سيبويه يقول : إنّ كلام العرب على الانفصال ، وإنّ الاتّصال قليل.

والمصنف لم يجهل أن سيبويه قال ذلك ، ولو جهله لم يصرح في الشرح بخلافه ؛ حيث قال : «خلافا لسيبويه ومن تبعه». ولكن هذه عادة الشيخ مع المصنف.

٢٥٦ ـ وهبني قلت هذا الصّبح ليل

أيعمى العالمون عن الضّياء (٢)

ولقد أجاد القائل في قوله :

٢٥٧ ـ لا تضع من عظيم قدر وإن كن

ت مشارا إليه بالتّعظيم

فالشّريف الكريم ينقص قدرا

بالتّحري عن الشّريف الكريم

ولع الخمر بالعقول رمى الخم

ر بتنجيسها وبالتّحريم (٣)

[١ / ١٦٨] وقد علم مما تقدم أن الاتصال يختار في بابين وهما باب أعطيتكه وباب كنته ، وأن الانفصال يختار في أربعة أبواب ، وهي باب خلتكه ، وباب فراقيها ، وباب منعكه ، وباب معطيكه (٤). ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٤٣).

(٢) البيت من بحر الوافر من قصيدة لأبي الطيب المتنبي يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي (الديوان : ١ / ٩) والبيت جيء به هنا لمعناه : وهو أن الواضح من الأمور لا يحتاج إلى دليل وإن أنكره بعض الناس.

(٣) الأبيات من بحر الخفيف ، قائلها الحيص بيص ، كما في معجم الشواهد (ص ٣٧٧) ، وشرح المفصل : (١ / ٥).

وقد أتى بها الشارح هنا لمعناها : وهو أن شأن الواثق من نفسه وشأن الرجل العظيم ، أن يترفع عن كل نقيصة ، ومن هذه النقائص تحريه وبحثه عن عيوب العظماء أمثاله ليأخذها عليهم.

ترجمة الحيص بيص : هو سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ، شاعر مشهور من أهل بغداد ، كان يلقب بأبي الفوارس ، نشأ فقيها وغلب عليه الأدب والشعر ، وكان يلبس زي أمراء البادية ويتقلد سيفا ولا ينطق بغير العربية الفصحى ، توفي ببغداد عن اثنين وثمانين عاما وذلك سنة (٥٧٤ ه‍).

ترجمته في الأعلام (٣ / ١٣٨).

(٤) تلك هي اختيارات ابن مالك ، وأما غيره فقد عكس في بعضها كما رأيت في الشرح.

٥٣٦

[فصل الضمير الواجب الاتصال]

قال ابن مالك : (ونحو : ضمنت إيّاهم الأرض ، ويزيدهم حبّا إليّ هم ـ من الضّرورات).

______________________________________________________

وجعل المصنف خلف ثاني مفعولي نحو : أعطيت زيدا درهما في باب الإخبار كهاء أعطيتكه (١) ، فيكون الاتصال فيه مختارا. ومثال ذلك : الذي أعطيته زيدا درهم ، هذا على الاتصال ؛ وإن جئت به منفصلا مراعاة للترتيب الأصلي قلت :

الذي أعطيت زيدا إياه درهم ، والاتصال رأي أبي عثمان المازني. قال المصنف : «وباختياره أقول ؛ لأنّ الاتصال هو الأصل ؛ فإذا أمكن بلا محذور ، فلا عدول عنه عند مراعاة الأولى ؛ فلو كان بدل الدرهم مفعول لا يعلم كونه ثانيا إلا بالتأخر نحو : أعطيت زيدا عمرا فأخبر عنه ـ تعيّن انفصاله لأن وصله بالفعل يوهم كونه أولا ؛ فلو عضد بهذا قول غير المازنيّ (٢) لاعتضد ، فيقال : إذا تعيّن الانفصال في بعض صور الإخبار فليلتزم في جميعها ، ليجري الباب على سنن واحد كما فعل في غيره» (٣).

قال ناظر الجيش : لما اقتصر المصنف على ذكر مواضع انفصال الضمير ، ومواضع اتصاله وانفصاله ـ علم أن ما سكت عنه يجب فيه الاتصال ، فصار كأنه قال : «وما عدا ما ذكر من مواضع وجوب الانفصال ومواضع جواز الأمرين ـ يجب اتصاله» ولهذا ساغ له أن يحكم بالضرورة على ما أنشده والضمير فيه منفصل.

أما ضمنت إياهم الأرض فمن قول الفرزدق :

٢٥٨ ـ بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير (٤)

__________________

(١) هذه هي مسألة الإخبار الملحقة بالباب الأول «أعطيتكه» الذي اختار فيه ابن مالك الاتصال. وانظر في المسألة أيضا : التذييل والتكميل.

(٢) في الأصل : فلو عضد بهذا قول المازني لاعتضد ، وما أثبتناه من نسخة (ب) ، وهو الصحيح ؛ لأن غير المازني يختار الانفصال في باب : أعطيت زيدا درهما أيضا.

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٥٦).

(٤) البيت من بحر البسيط من قصيدة للفرزدق يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ، ويهجو يزيد بن المهلب (ديوان الفرزدق : ١ / ٢١٣).

٥٣٧

______________________________________________________

فلولا الضرورة لقال ضمنتهم.

وأما يزيدهم حبّا فمن قول الشاعر :

٢٥٩ ـ وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم (١)

فهم الآخر فاعل يزيد. قال المصنف : «وظن بعضهم أنّ هذا جائز في غير الشعر ؛ لأن قائله لو قال يزيدونهم لصح. فيجعل المتّصل وهو الواو فاعلا والمنفصل توكيدا ، وهذا وهم ؛ لأنّ ذلك جمع بين ضميرين متصلين لمسمى واحد أحدهما فاعل والآخر مفعول ، وذلك لا يكون في غير فعل قلبي» انتهى (٢).

قال الشيخ : الذي ظنه هذا الظّان صحيح ، وما ردّ به المصنف فاسد ؛ لأنه اعتقد أنّ الفاعل بيزيد هو المفعول به ، وليس كذلك ، بل الفاعل بيزيد عائد على قوم. وهم المتصل بيزيد عائد على من سبق ذكره في الشّعر من الّذين فارقهم. فاختلف مدلول الفاعل والمفعول. انتهى (٣). ـ

__________________

ـ ونسب إلى أمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه. وشاهده واضح من الشرح ، ودهر الدهارير معناه الزمن الطويل.

وهو في شرح التسهيل (١ / ١٥٦) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٤٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ١٨٣).

(١) البيت من بحر البسيط ، وقد اختلف في قائله ، فقيل : زياد بن حمل ، وقيل : زياد بن منقذ ، وهو من قصيدة طويلة في مدح قوم بالكرم والوفاء والأخلاق ، وهي في شرح ديوان الحماسة (٣ / ١٣٨٩) ، وفي الشعر والشعراء (٢ / ٧٠١) بعض أبياتها.

وبعد بيت الشاهد قوله :

كم فيهم من فتى حلو شمائله

جمّ الرماد إذا ما أحمد البرم

والبرم : هو الذي يتجنب الناس في الأكل والشراب لبخله.

ومعنى البيت : أنه لم يخالط أحدا بعد فراقه هؤلاء الأحباب من قومه ، فيذكر قومه لهم ـ إلا أثنوا عليهم ، وبالغوا في مدحهم ، فيزيده ذلك تعلقا بأهله حين يعرف أنهم أفضل الناس.

وقد روي الشاهد برواية أخرى وهي :

لم ألق بعدهم حيّا فأخبرهم

إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم

ومعناه : ما عرفت جماعة فانكشف لي سوء أخلاقهم إلا ازددت تعلقا بقومي لحبهم مكارم الأخلاق.

والشاهد في البيت والتعليق عليه واضح من الشرح.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٤٦) ، وهو في شرح التسهيل (١ / ١٥٦) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٤٨).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٥٦).

(٣) التذييل والتكميل (١ / ٥٠٨ ، ٥٠٩).

٥٣٨

[مفسّر ضمير الغائب وتقديمه]

قال ابن مالك : (فصل : الأصل تقديم مفسّر ضمير الغائب ، ولا يكون غير الأقرب إلّا بدليل ، وهو إمّا مصرّح بلفظه ، أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسّا أو علما أو بذكر ما هو له جزء أو كلّ أو نظير أو مصاحب بوجه ما).

______________________________________________________

والذي ذكره الشيخ حق ، وقد كان وقع لي هذا عند قراءة هذا الموضع ، ولكن لما ذكره الشيخ تعين إسناده إليه.

قال ناظر الجيش : ما دل على الحضور وهو ضمير المتكلم والخطاب مستغن عن المفسر [١ / ١٦٩] اكتفاء بالمشاهدة المقارنة الدالة على المراد به.

وأما ضمير الغائب فليس له مشاهدة مقارنة فاحتاج لذلك إلى مفسر.

والأصل أن يكون المفسّر مقدما على ما يفسره ، ولا يكون مؤخرا إلا في أبواب محصورة (١) ، فقول المصنف : الأصل تقديم مفسّر ضمير الغائب يفهم منه شيئان :

أحدهما : أن ضمير الغائب لا بد له من مفسر ، ويفهم منه أن ضمير الحضور مستغن عن ذلك.

والثاني : أن الأصل في المفسّر أن يكون مقدما على الضمير المفسّر.

وذكر المصنف والشيخ أن ضمير الحضور مفسر بالمشاهدة ، والأمر في ذلك قريب والظاهر ما ذكرته (٢).

ثم إذا تقدم على الضمير شيئان صالح كل منهما للتفسير ـ فالمفسّر هو الأقرب نحو : أكرمت زيدا وعمرا في داره ، فالضمير لعمرو لقربه.

ولا يكون المفسّر غير الأقرب ، إلا إن دل على ذلك دليل ، ومثّله الشيخ بقوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ)(٣) ، ـ

__________________

(١) ستأتي مسائل تأخير المفسر جوازا ومسائل تأخيره وجوبا.

(٢) الخلاف بين ناظر الجيش وبين ابن مالك وأبي حيان لفظي : وما ذكره ناظر الجيش أن ضميري المتكلم والخطاب مستغنيان عن المفسر اكتفاء بالمشاهدة المقارنة الدالة على المراد بهما. وما ذكره الآخران أن ضميري التكلم والخطاب تفسرهما المشاهدة. شرح التسهيل (١ / ١٥٦) ، التذييل والتكميل : (٢ / ٢٥٢).

(٣) سورة العنكبوت : ٢٧.

٥٣٩

______________________________________________________

فالضمير في ذريته عائد على إبراهيم لا على إسحاق ولا على يعقوب صلوات الله عليهم أجمعين ؛ لأن المحدث عنه من أول القصة إلى آخرها هو إبراهيم (١).

قال المصنف : «جعلوا تقديم مفسر الغائب خلفا عمّا فاته من مقارنة المشاهدة ؛ ومقتضى هذا القصد تقديم الشعور بالمفسر كما يتقدم الشعور بذات يصلح أن يعبر عنها بضمير حاضر.

واللائق بالمفسر لكونه كجزء المفسر (٢) في تكميل وضوحه أن يتصل به ؛ فلذلك إذا ذكر ضمير واحد بعد اثنين فصاعدا ، جعل للأقرب ولا يجعل لغيره إلا بدليل من خارج» انتهى (٣).

ولكون الضمير لا يعود إلا على الأقرب ، قال الشيخ : «استدلّ ابن حزم على تحريم جميع الخنزير لحما وشحما وجلدا وغيرها بقوله تعالى : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ)(٤) بعد قوله تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) لما ألزم أن يقول بتحليل شحم الخنزير. فجعل الضمير في (فَإِنَّهُ) عائدا على الخنزير ؛ لأنّه أقرب مذكور ، وإنما ذكر اللحم أولا لأنه هو المعهود أكله لمن يأكله لا على جهة حصر التحريم فيه» انتهى (٥).

ثم المفسّر قد يستغنى عن ذكره ، ويدل عليه ما يفهم من سياق الكلام ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسّا أو علما.

والأكثر كونه مذكورا ، وقد يستغنى عن ذكره بذكر ما يدل عليه مما بينه وبينه نسبة للجزئية أو الكلية أو غيرهما كما سيأتي. ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٥٢).

(٢) في شرح التسهيل (لابن مالك) : لكونه جزء المفسر ، ولا فرق بينهما.

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٥٧).

(٤) سورة الأنعام : ١٤٥. وأولها قوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ.)

(٥) التذييل والتكميل (٢ / ٢٥٣). وقال أبو حيان في تفسيره المسمى بالبحر المحيط (٤ / ٢٤١) : عند تفسير هذه الآية : «والظّاهر أنّ الضّمير في (فَإِنَّهُ) عائد على (لَحْمَ خِنزِيرٍ ،) وزعم أبو محمد بن حزم ، فقال : إنه عائد على (خِنزِيرٍ) فإنه أقرب مذكور ، فإذا احتمل العودة على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح. وعورض بأن المحدّث عنه إنما هو اللّحم ، وجاء ذكر الخنزير على سبيل الإضافة إليه لا أنّه هو المحدّث عنه المعطوف».

٥٤٠