شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[تعريف النكرة]

قال ابن مالك : (والنّكرة ما سوى المعرفة).

______________________________________________________

معناه لا لبس فيها ، فيحتاج إلى الإزالة. وإنما ذكر ليعلم المخاطب أن المتكلم صاحب هذا الاسم ، أي الذي يطلق عليه هذا الاسم ؛ فإن المخاطب قد كان يعرف اسما ولا يدري من هو المراد به ، فأفاده المتكلم أنه هو المراد بذلك الاسم ، فالمخاطب إنما كان يجهل المراد بذلك الاسم ، ولم يجهل المتكلم أصلا ، وفي قوله تعالى : (قالَ أَنَا يُوسُفُ) بعد قول إخوة يوسف ـ عليه وعليهم‌السلام ـ : (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)(١) ما يشعر بما ذكرته.

قال ناظر الجيش : قال المصنف : «تمييز النكرة بعد عد المعارف بأن يقال : وما سوى ذلك نكرة ـ أجود من تمييزها بدخول رب والألف واللام ، لأن من المعارف ما تدخل عليه الألف واللام كفضل وعباس ، ومن النكرات ما لا يدخل عليه رب ولا الألف واللام ، كأين وكيف وعريب وديّار» انتهى (٢).

واعلم أن غير المصنف تعرض لذكر رتب الأسماء في التنكير ، كما ذكر رتبها في التعريف ، فقالوا : «أنكر النّكرات شيء ثمّ متحيز ثم جسم ثم نام ثم حيوان ثم ماش ثم ذو رجلين ثم إنسان ثم رجل». فهذه تسعة أشياء. وحكم ما يقابل كل واحد من هذه الأسماء حكم ما هو في مرتبته ؛ فأما شيء فليس له ما هو في مرتبته ؛ لأنه أعم النكرات ؛ ومتحيز في مرتبته غير متحيز ، وجسم في مرتبته هيئة ، ونام في مرتبته غير نام ، وحيوان في مرتبته جماد ، وماش في مرتبته سابح وطائر ، وذو رجلين في مرتبته [١ / ١٣٠] غير ذي رجلين ، وذو أرجل وإنسان في مرتبته بهيمة ، ورجل في مرتبته امرأة (٣).

قال ابن عصفور (٤) ـ لما رد على أبي القاسم (٥) تقسيمه ـ :

«والصحيح أنّ كلّ نكرة يدخل غيرها تحتها ولا تدخل هي تحت غيرها فهي ـ

__________________

(١) سورة يوسف : ٩٠.

(٢) شرح التسهيل (١ / ١١٧).

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ١٠٢) وقد نقل الشارح منه دون أن يشير.

(٤) شرح الجمل له : (٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) بتحقيق الشغار ويعقوب.

(٥) هو عبد الرحمن بن إسحاق المشهور بالزجاجي صاحب الجمل (سبقت ترجمته).

٤٤١

______________________________________________________

أنكر النّكرات ؛ فإن دخلت تحت غيرها ، ودخل غيرها تحتها ؛ فهي بالإضافة إلى ما يدخل تحتها أعمّ وبالإضافة إلى ما تدخل تحته أخصّ».

وقال ابن الضائع ـ ما معناه ـ : «إن قول النحاة : أنكر النكرات كذا ثم كذا ، إنما يكون في الأمور التي ينسب بعضها إلى بعض بالعموم والخصوص المطلق ، فالأمور المتباينة أو المتساوية في العموم والخصوص ، أو التي ينسب بعضها إلى بعض بالعموم والخصوص من وجه لا يكون فيها ذلك».

قال بعد تقسيم ذكره : «فمعنى قولهم : أنكر النكرات شيء ـ يعنون أنكر النكرات الداخل بعضها تحت بعض المتفاضلة في العموم والخصوص». قال : «ولذلك لا يرد عليهم أن يقال ليس شيء أنكر من موجود». ثم قال :

«فإن قيل : معلوم أنكر من شيء ؛ لأن المعلوم يقع على المعدوم.

قيل : ربّ شيء ليس بمعلوم لنا ؛ فلفظة معلوم من حيث هي فقط لا بالنظر إلى العالم ليست بأعم من شيء على الإطلاق. ولا يرد علينا أن كلّ شيء معلوم لله تعالى ؛ فإن من الأشياء ما هو مجهول عندنا فيصدق عليه أنه ليس بمعلوم. فلفظة معلوم إضافية لا ينبغي أن تقرن بما هو موضوع على ذاته من حيث هي تلك الذات لا بالنظر إلى غيرها» انتهى كلام ابن الضائع (١).

واعلم أن مذهب سيبويه (٢) أن النكرة أول والمعرفة بعدها وطارئة عليها ؛ وزعم الكوفيون وابن الطراوة (٣) أن الأمر ليس على ما ذهب إليه سيبويه ، قالوا : «لأن من الأسماء ما التعريف فيه قبل التنكير ، نحو مررت بزيد وزيد آخر ، ومنها ما لا يفارقه التعريف كالمضمرات ، ومنها ما التنكير فيه قبل التعريف ، كما قال سيبويه ؛ فضم الجميع إلى هذا الضرب الواحد غير صحيح». ـ

__________________

(١) انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن الضائع ، مخطوط بدار الكتب (رقم ١٩ نحو ، جزء ٢ ، ورقة ١٠) وقد نقله صاحب التذييل والتكميل (٢ / ١٠٤) دون أن يشير إلى ابن الضائع.

(٢) انظر الكتاب : (١ / ٢٢). وفيه يذكر سيبويه بحوثا طريفة يبين فيها أن الاسم أخف على لسان العرب من الفعل ، والنكرة أخف عليهم من المعرفة. والواحد أخف من الجمع ، والمذكر أخف من المؤنث.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ١٠٥) ، والهمع (١ / ٥٥).

٤٤٢

[اختلاف النحويين في ترتيب المعارف]

قال ابن مالك : (وليس ذو الإشارة قبل العلم ؛ خلافا للكوفيّين ، ولا ذو الأداة قبل الموصول ، ولا من وما المستفهم بهما معرفتين ؛ خلافا لابن كيسان في المسألتين).

______________________________________________________

قال الأستاذ أبو علي الشلوبين : «لم يلتفت سيبويه هنا في التعريف والتنكير إلا إلى حال الوجود لا إلى ما تخيله الكوفيون ، وإذا نظر إلى حال الوجود كان التنكير قبل التعريف صحيحا ؛ لأن الأجناس هي أول ثم الأنواع ووضعها على التنكير ؛ إذ كان الجنس لا يختلط بالجنس ، والنوع لا يختلط بالنوع ، والأشخاص هي التي حدث فيها التعريف لاختلاط بعضها ببعض. فالذي قاله سيبويه صحيح لا اعتراض عليه» (١).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : «اسم الإشارة عند الكوفيين أعرف من العلم ، ولهم في ذلك شبهتان (٣) :

إحداهما : أن اسم الإشارة ملازم للتعريف غير قابل للتنكير ، والعلم بخلاف ذلك ؛ فكان تعريفه دون تعريف اسم الإشارة (٤).

والثانية : أن تعريف اسم الإشارة حسي وعقلي ، وتعريف العلم عقلي لا غير. وتعريف من جهتين أقوى من تعريف من جهة واحدة.

والجواب عن الأولى أن يقال [١ / ١٣١] :

لزوم الشيء معنى لا يوجب له مزية على ما له ذلك المعنى دون لزوم. بل قد تثبت المزية لغير ذي اللزوم على ذي اللزوم كما تثبت لنقيضك على غيرك مزية ، فيتعرف بالإضافة مع عدم لزومه لها ، ولم يتعرف غيرك بها مع لزومه لها. وكما يثبت للجميع مزية على الجماء في قولهم : جاءوا الجماء الغفير ، بحيث عد الجميع ـ

__________________

(١) المرجعان السابقان.

(٢) شرح التسهيل : (١ / ١١٧).

(٣) انظر إلى قول الشارح هنا : قال المصنف : اسم الإشارة عند الكوفيين أعرف من العلم ، ثم قوله قبل عند ما ذكر أعرف المعارف فقال : وقيل : أعرفها العلم وعزي إلى الكوفيين والصيمري ؛ والذي ذكر هنا هو الصحيح لأن كلمة عزي التي وردت هنا وفي الهمع : (١ / ٥٦) تدل على الشك في النسبة.

(٤) مثال تنكير العلم أن تقول : مررت بسيبويه وسيبويه آخر ؛ فالثاني من الاسمين نكرة لا خلاف في ذلك ؛ حتى قالوا : إنه إذا نكر العلم في مثل هذا وجب تنوينه ويسمى تنوين التمكين (حاشية الصبان : ١ / ٣٤).

٤٤٣

______________________________________________________

معرفة غير مؤولة بنكرة مع عدم لزوم الألف واللام ، وأول الجماء الغفير بنكرة مع لزوم الألف واللام.

والجواب عن الثانية أن يقال : المعتبر في كون المعرفة معرفة الدلالة المانعة من الشياع ، سواء حصل ذلك من جهة أو جهتين. والمعتبر في ترجيح التعريف قوة منع الشياع وزيادة الوضوح. ومعلوم أن اسم الإشارة وإن عين المشار إليه فحقيقته لا تستحضر به على التمام ، وذلك لا يستغني غالبا عن صفة تكمل دلالته ؛ بخلاف العلم ، لا سيما علم لم تعرض فيه شركة كإسرافيل وطالوت وأدد ونزار ومكة ويثرب.

وذهب ابن كيسان (١) إلى أن ذا الأداة أعرف من الموصول ؛ وشبهته أن ذا الأداة يوصف بالموصول كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى)(٢) والموصوف به إما مساو وإما دون الموصوف ؛ ولا قائل بالمساواة ، فثبت كون الذي أقل تعريفا من الكتاب.

والجواب أن يقال : لا نسلم كون الذي في الآية صفة بل هو بدل أو مقطوع على إضمار فعل ناصب أو مبتدأ ، وعلى تقدير كون الذي صفة ، فالكتاب علم بالغلبة ؛ لأن المعنيين بالخطاب بنو إسرائيل ، وقد غلب استعمال الكتاب عندهم مرادا به التوراة ، فالتحق في عرفهم بالأعلام ، فلا يلزم من وصفه بالذي جواز وصف غيره مما يلحق بالأعلام.

وبالجواب الأول يجاب من أورد نحو قوله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى)(٣). وقد تقدمت الإشارة إلى أن الموصول قد تتضح صلته وضوحا يجعله في رتبة العلم ، ولا يكون ذلك في ذي الأداة غالبا ، إلا إذا عرض له ما عرض للنجم والصّعق من الغلبة الملحقة ـ

__________________

(١) الكلام لابن مالك في شرح التسهيل (١ / ١١٨) ، وانظر الهمع (١ / ٥٦).

(٢) سورة الأنعام : ٩١.

(٣) نحو قوله تعالى : زيادة من شرح التسهيل (لابن مالك) (١ / ١١٨). والآيات رقم ١٥ إلى ١٨ من سورة الليل. والجواب هو أن يعرب اسم الموصول بدلا أو مقطوعا على إضمار فعل ناصب أو مبتدأ ؛ وعلى الرأي المشهور بأن الموصول وذا الأداة متحدان في الرتبة ، يكون الموصول نعتا لذي الأداة.

٤٤٤

______________________________________________________

بالأعلام الخاصة. انتهى (١).

وهذا الجواب الذي أجاب به المصنف ابن كيسان ـ يدل منه على أن الموصول ليس مساويا في التعريف ذا الأداة ؛ بل رتبة الموصول أعلى.

قال الشيخ :«ثبت في بعض نسخ هذا الكتاب أن ذا الأداة بعد الموصول ؛فصارت المذاهب ثلاثة :

أحدها : أن الموصول وذا الأداة سواء.

الثاني : أن الموصول أعرف.

الثالث : أن ذا الأداة أعرف» (٢).

وناقش المصنف في قوله : ولا قائل بالمساواة ؛ قال : فإن مذهب أصحابنا أن الموصول من قبيل ما عرف باللام فيجوز أن [١ / ١٣٢] يوصف كل منهما بالآخر لتساويهما. فمن وصف ذي الأداة بالموصول الآيات الكريمة التي ذكرت ، ومن قول الشاعر :

١٨٢ ـ أأنت الهلاليّ الّذي كنت مرّة

[سمعنا به والأرحبيّ المعلّق](٣)

ومن وصف الموصول بذي الأداة قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ...)(٤) الآيات. فوصف الذين بقوله : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ) ـ

__________________

(١) شرح التسهيل : (١ / ١٢٩). والنجم : كوكب الثريا ، والصعق : صفة تقع على كل من أصابه الصعق ؛ ولكنه غلب عليه حتى صار بمنزلة زيد وعمر علما كالنجم (اللسان : صعق).

(٢) انظر التذييل والتكميل : (٢ / ١٢٢).

والأول : مذهب الجمهور ، وهو المشهور بدليل جواز وصف أحدهما بالآخر ، كما جاء في القرآن.

والثاني : مذهب ابن مالك بدليل أنه أبطل ما ذهب إليه ابن كيسان القائل بالعكس.

والثالث : مذهب ابن كيسان الذي خطأه المصنف ثم رد عليه.

(٣) البيت من بحر الطويل ، وقد ورد في مراجعه دون نسبة وهو في المدح.

وشاهده قوله : أأنت الهلالي الذي ، حيث وصف المقترن بأل بالموصول ؛ فدل ذلك على تساويهما في التعريف ولأن الموصول قد وصف بالمقترن بأل ، كما سيذكره في الشرح.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٧) برواية : والأرحبي المهلب و (ص ٢٤٥) برواية : والأرحبي المعلق ، وهو في التذييل والتكميل : (٢ / ١٢٤).

(٤) الآيات : ١٥ ـ ١٧ من سورة آل عمران ، وهي قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ...) إلخ.

٤٤٥

______________________________________________________

(وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) انتهى (١).

وألحق ابن كيسان (٢) بالمعارف من وما الاستفهاميتين نظرا إلى أن جوابهما يكون معرفة ، والجواب مطابق للسؤال. فإذا قيل : من عندك؟ فجوابه : زيد ونحوه ؛ وإذا قيل : ما دعاك إلى كذا؟ فجوابه : لقاؤك أو نحوه ؛ فدل تعريف الجواب على تعريف المجاب.

قال المصنف : «وهذا ضعيف لوجهين :

أحدهما : أن تعريف الجواب غير لازم ؛ إذ لمن قيل له : من عندك؟ أن يقول : رجل من بني فلان ، ولمن قيل له : ما دعاك إلى كذا؟ أن يقول : أمر مهم.

والثاني : أن من وما في السؤالين قائمان مقام أي إنسان وأي شيء وهما نكرتان ؛ فوجب تنكير ما قام مقامهما ، والتمسك بهذا أقوى من التمسك بتعريف الجواب ؛ لأن تطابق شيئين قائم أحدهما مقام الآخر ، ألزم وآكد من تطابق الجواب السؤال. وأيضا فالتعريف فرع ؛ فمن ادعاه فعليه الدليل بخلاف ادعاء التنكير» (٣).

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ١٢٤).

(٢) التذييل والتكميل (٢ / ١٢٥) ، والهمع (١ / ٥٥) ، وشرح التسهيل (١ / ١١٩).

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١٩).

٤٤٦

الباب السابع

باب المضمر

*[تعريف الضمير]

قال ابن مالك : (وهو الموضوع لتعيين مسمّاه مشعرا بتكلّمه أو خطابه أو غيبته).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لما ذكر المعارف مجملة شرع في إيرادها مفصلة.

وإنما أخر المنادى والمضاف فذكرهما في أثناء الكتاب ؛ لأن الأول منصوب ، والثاني يجر ما بعده ؛ فناسب ألا يذكرا إلا بعد الدخول في أبواب المعربات وذكر المرفوعات والمنصوبات. وبدأ المصنف بالمضمر ؛ لأنه الأعرف (١).

والوضع قد تقدم تفسيره (٢). وأما التعيين فقد قال المصنف المراد به : «جعل المفهوم معاينا أو في حكم المعاين» قال : فذكره مخرج للنكرات ، وذكر الوضع مخرج للمنادى والمضاف وذي الأداة ، وذكر الإشعار بالتكلم أو الخطاب أو الغيبة ـ مخرج للعلم واسم الإشارة والموصول ؛ لأن كل واحد منها (لا يختص بواحدة من الأحوال الثلاث ؛ بل هو صالح لكل واحدة منها) (٣) على سبيل البدل ؛ بخلاف المضمرات فإن المشعر منها بإحدى الأحوال الثلاث لا يصح لغيرها ، هذا كلام المصنف.

وفيه بحثان :

الأول :

كونه ذكر الوضع مخرجا للمنادى وما ذكر معه ، ليس لأن الثلاثة غير موضوعة كما فهمه الشيخ (٤) ؛ بل المراد به أنه لم يكن المقصود بوضعها تعيين مسماها إنما ـ

__________________

(١) يسميه البصريون المضمر والضمير ؛ والكوفيون : الكناية والمكني.

(٢) تقدم تفسيره ؛ ومعناه : تخصيص شيء بشيء بحيث يفهم المراد من ذلك الشيء.

(٣) ما بين القوسين ساقط من النسخة الأصلية ونسخة (ج) وهو من نسخة (ب).

(٤) يقول أبو حيان فيه : «وليس الوضع مخرجا للمنادى والمضاف وذي الأداة كما زعم المصنف. بل يا رجل وغلام زيد والرجل موضوعات لتعيين المسمّى. والمسمّى في هذا التركيب وضع له هذا اللفظ المركب ، وكل من هذه التراكيب تفيد تعيين المسمّى ، وكأن الوضع عند المصنف بالمفرد قبل التركيب ؛ وليس كما زعم». (التذييل والتكميل : ٢ / ١٢٩).

٤٤٧

______________________________________________________

المقصود شيء آخر. وتعيينها المسمى إنما حصل بطريق التبع.

فالمقصود بالنداء : طلب إقبال المنادى ، ويلزم من قصده بالطلب التعيين [١ / ١٣٣].

والمقصود بالإضافة : إفادة الملك أو الاختصاص ؛ ويلزم منها إذا كانت إلى معرفة ـ التعيين.

والمقصود بالأداة : الإحالة على شيء للمخاطب به شعور إما خارجي أو ذهني ، فينجر التعيين بوساطة ذلك الشيء المشعور به.

الثاني :

ما شرح به المصنف كلامه يقتضي أن يكون التعيين جنسا ، والوضع فصلا ؛ وقد اعتمد هذا وهو جعل المذكور في مرتبة الجنس فصلا ، وما يليه جنسا في بعض الحدود المذكورة في هذا الكتاب (١). ولا يضره ذلك ؛ إذ ليس فيه غير تقديم فصل في الذكر على الجنس ؛ ولو جعل المصنف الوضع جنسا والتعيين فصلا لاستقام ، وذلك بأن قوله : الموضوع : يشمل النكرة والمعرفة ؛ وقوله : لتعيين مسماه يخرج النكرة والمعارف الثلاثة التي هي المنادى والمضاف وذو الأداة.

أما النكرة فلأنها موضوعة دون تعيين. وأما الثلاثة فإنها وإن عينت لم توضع لتعيين ، أي ليس القصد من وضعها التعيين بل أمر آخر كما تقدم (٢). بخلاف بقية المعارف ؛ فإنها وضعت لتعيين المسمى.

وأما جعله التعيين مخرجا مع جعله إياه جنسا ، فمن حيث صلاحيته لأن يكون فصلا ساغ فيه ذلك.

__________________

(١) وبفصل ابن مالك هذا فتح على نفسه كثيرا من المعارك ، هذا أبو حيان يقول فيه : إن عادة المصنف أنه أصبح يذكر الجنس في الحدود للاحتراز (التذييل والتكميل : ٢ / ١٢٩).

وسبب ذلك أن ابن مالك حاول خلق تعريفات جديدة خاصة به مخالفة للنحاة ؛ فمثلا لو عرف الضمير كما عرفه ابن الحاجب ـ وتبعه الرضي ـ حين قال : والمضمر ما وضع لمتكلم أو مخاطب أو غائب تقدم ذكره لفظا أو معنى أو حكما (شرح الرضي : ٢ / ٣) لسلم من أبي حيان وغيره.

(٢) وهو أن المقصود بالنداء طلب الإقبال ؛ والمقصود بالإضافة إفادة الملك أو الاختصاص ؛ والمقصود بالأداة الإحالة على شيء للمخاطب به شعور خارجي أو ذهني.

٤٤٨

[مواضع استتار الضمير وجوبا]

قال ابن مالك : (فمنه واجب الخفاء وهو المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النّون ، وبفعل أمر المخاطب ، ومضارعه ، واسم فعل الأمر مطلقا).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : اعلم أن المضمر إما مستكن وإما بارز ، والبارز قسمان : متصل ومنفصل ، والمستكن قسمان : واجب الاستكنان وجائزه.

وبدأ المصنف بالكلام على المستكن ، وبدأ منه بما يجب استكنانه ؛ فكأنه قال من المضمر مستكن ؛ بدليل قوله بعد : ومنه بارز ؛ ثم قال : فمنه ، أي فمن المستكن واجب الخفاء ؛ والمراد بالواجب الخفاء : ما لا يزال مستكنّا ولا يغني عنه ظاهر ولا مضمر بارز.

وذكر أن الخفاء واجب في مواضع خمسة (١) وهي :

المضارع ذو الهمزة والنّون كأفعل ونفعل ، وفعل أمر المخاطب كافعل.

وأراد بالمخاطب المفرد المذكر ؛ فاستغنى عن التقييد باللفظ ؛ فلو كان فعل الأمر لمؤنث أو مثنى أو جمع ، برز الضمير كافعلي وافعلا وافعلوا. ومضارع المخاطب (٢) والمراد المفرد المذكر أيضا كتفعل واسم فعل الأمر كنزال.

قال المصنف : «فكلّ واحد من هذه الأمثلة الخمسة رافع اسم استغنى بمعناه عن لفظه ؛ فإن قصد توكيده جيء بالبارز المطابق له ، وهو أنا بعد أفعل ، ونحن بعد نفعل ، وأنت بعد افعل وتفعل ونزال يا زيد» انتهى (٣).

فعلى هذا أنت في قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ)(٤) توكيد ؛ ولو كان فاعلا لما قيل في خطاب الاثنين والجمع اسكنا أنتما واسكنوا أنتم ؛ بل كان يقال اسكن أنتما واسكن أنتم.

وذكر مطلقا بعد اسم الفعل تنبيها على أنه يستوي فيه خطاب الواحد المذكر ـ

__________________

(١) في نسخة (ب) : في خمسة مواضع. وهما سيان.

(٢) هذا هو الموضع الرابع من الخمسة التي يجب فيها خفاء الضمير ؛ والخامس ما ذكره بعد ، واسم فعل الأمر كنزال.

(٣) شرح التسهيل (لابن مالك): (١ / ١٢٠) إلا أن كلمة يا زيد غير موجودة في النسخة المحققة.

(٤) سورة البقرة : ٣٥ ، والأعراف : ١٩ ، وانظر في هذا الإعراب تفسير الكشاف (١ / ٢٧٣) ، والتبيان للعكبري (١ / ٥٢).

٤٤٩

______________________________________________________

والمؤنث ومثناهما ومجموعهما. ولم يذكر (مطلقا) مع فعل أمر المخاطب ومضارعه ؛ تنبيها على أن وجوب خفاء مرفوعهما مخصوص بالإفراد والتذكير [١ / ١٣٤].

واستدرك الشيخ على المصنف قسما سادسا يجب فيه خفاء الضمير ، وهو اسم الفعل المضارع للمتكلّم نحو أوّه بمعنى أتوجع وأفّ بمعنى أتضجر ونحوهما (١).

والحق أن اسم الفعل مستغنى عن ذكره ؛ لأن حكمه في وجوب الاستتار وعدمه حكم الفعل الذي هو بمعناه ، فكان ذكر الفعل كافيا.

وإنما خص المصنف اسم فعل الأمر بالذكر لمخالفته حكم فعله ؛ وذلك أن فعله إنما يجب استتار مرفوعه إذا كان مسندا لمفرد مذكر.

واسم الفعل إذا كان بمعنى الأمر يجب استتار مرفوعه مطلقا كائنا من كان ، كما تقدم (٢).

وإذا ذكر اسم فعل الأمر لموجب لا يلزمه ذكر اسم فعل غيره ، ولو لم يذكر اسم الفعل أصلا لاستغني عنه ؛ لأن حكم اسم كل فعل حكم فعله ؛ ولا يضر كون الضمير مع فعل الأمر إذا كان لغير مفرد (مذكر) (٣) يبرز بخلاف اسم الفعل ؛ لأنه قد علم أن الأسماء لا يبرز معها ضمير رفع ؛ فلا حاجة إلى التعرض إليه بالذكر.

وقد استدرك غير الشيخ أيضا المصدر الآتي بدلا من فعل الأمر ؛ فإنه يجب معه استتار الضمير (٤).

والجواب : أن حكمه في وجوب الاستتار حكم الفعل الذي هو بدل عنه ؛ فلذا لم يذكره (٥).

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١٣٠).

(٢) أي قريبا جدّا في شرح هذا الموضع.

(٣) ما بين القوسين مأخوذ من النسخة (ج) وهو أولى للتوضيح.

(٤) من مثاله قوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] أي اضربوا.

وقول الشاعر : (فصبرا في مجال الموت صبرا) أي اصبروا.

(٥) ترك الشارح مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير وهي : فاعل أفعل التعجب ، كما أحسن زيدا ، وفاعل أفعل التفضيل كزيد أحسن من عمرو ، وفاعل أفعال الاستثناء على خلاف في ذلك ، مثل : قام الطلاب ما خلا عمرا (انظر الهمع : ١ / ٦٢).

٤٥٠

[مواضع استتار الضمير جوازا]

قال ابن مالك : (ومنه جائز الخفاء ، وهو المرفوع بفعل الغائب والغائبة أو معناه من اسم فعل وصفة وظرف وشبهه).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : أي ومن المستكن. والجائز الخفاء : هو الذي يخلفه ظاهر أو مضمر بارز ، كقولك : زيد حسن ؛ ففي حسن ضمير منوي مرفوع به ، ليس خفاؤه واجبا بل جائزا ؛ لأنه قد يخلفه ظاهر نحو : زيد حسن وجهه ، ومضمر بارز نحو : زيد ما حسن إلا هو.

وكذا حكمه مع فعل الغائبة نحو : هند حسنت وحسنت صورتها ، وما حسن إلا هي. وأطلق المصنف فعل الغائب والغائبة ، فدخل فيه الماضي والمضارع. وبقيد الإفراد (١) خرج ضده وهو التثنية والجمع.

ومثال المرفوع باسم الفعل المشار إليه : هند هيهات ؛ فهيهات رافع ضميرا عائدا على هند ، وليس خفاؤه واجبا وإن كان لا يثنى ولا يجمع ؛ لكنه قد يخلفه ظاهر نحو : هند هيهات دارها.

وعدم تمثيل المصنف مع اسم الفعل المضمر البارز ، يدل على أنه لا يرفعه.

قال الشيخ : «ولا يرفع اسم الفعل الضّمير البارز ؛ فلا يقال هند ما هيهات إلّا هي ؛ لأنّه لم يتّسع في اسم الفعل ، فينفى كما ينفى الفعل» (٢).

ومثال المرفوع بصفة وظرف وشبهه : زيد حسن وعمر عندك أو في الدار ؛ فحسن وعندك وفي الدار قد ارتفع بكل منهما ضمير مستكن جائز الخفاء ؛ لأنه قد يخلفه ظاهر وضمير بارز نحو : زيد حسن وجهه ، أو ما حسن إلا هو ، وعمرو عندك مقامه ، أو ما عندك إلا هو ، وبشر في الدار شخصه ، أو ما فيها إلا هو [١ / ١٣٥]. ـ

__________________

(١) أي بقوله : الغائب والغائبة حيث ذكرهما بلفظ المفرد في التعريف.

(٢) هذا نقد وجهه أبو حيان لابن مالك ملخصه : أن ابن مالك عرف الضمير الجائز الخفاء (أنه هو الذي يخلفه ظاهر أو مضمر بارز) وذكر أنواعه في المتن ، وهو المرفوع بفعل الغائب والغائبة ، وما في معناه من اسم فاعل وصفة وظرف وشبهه.

نقده أبو حيان فقال : لا يرفع اسم الفعل الضمير البارز فلا يقال : ... إلخ. (انظر الشرح وانظر التذييل والتكميل : ٢ / ١٣١). وقد أجاب ناظر الجيش عن هذا الاعتراض بقوله قبل : وعدم تمثيل المصنف مع اسم الفعل بالضمير البارز يدل على أنه لا يرفعه.

٤٥١

[الحديث عن الضمير المتصل المرفوع]

قال ابن مالك : (ومنه بارز متّصل : وهو إن عني به المعنيّ بنفعل «نا» في الإعراب كلّه ، وإن رفع بفعل ماض فتاء تضمّ للمتكلّم ، وتفتح للمخاطب ، وتكسر للمخاطبة ، وتوصل مضمومة بميم وألف للمخاطبين والمخاطبتين ، وبميم مضمومة ممدودة للمخاطبين ، وبنون مشدّدة للمخاطبات. وتسكين ميم الجمع إن لم يلها ضمير متّصل أعرف ، وإن وليها لم يجز التّسكين ؛ خلافا ليونس).

(وإن رفع بفعل غيره فهو نون مفتوحة للمخاطبات ، أو الغائبات ، وألف التّثنية في غير المتكلّم ، وواو للمخاطبين أو الغائبين ، وياء للمخاطبة ، وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع ، وربما استغني معه بالضّمّة عن الواو ، وليس الأربع علامات ، والفاعل مستكنّ خلافا للمازنيّ فيهنّ ، وللأخفش في الياء).

______________________________________________________

وقد عرفت مما ذكر أن جملة الضمائر المستكنة خمسة ، وهي : المدلول عليها بأنا ، ونحن ، وأنت ، وهو ، وهي ، وكلها في موضع رفع ؛ إذ الضمير المستكن لا يكون غير مرفوع.

وأما المدلول عليها بأنت وأنتما وأنتم وأنتن ، وهما وهم وهن ـ ففروع عن الخمسة المذكورة. وقد يجعل كلمة هي من الفروع أيضا ؛ فتكون الأصول على هذا أربعة لا غير.

قال ناظر الجيش : الضمير في قوله : ومنه ـ راجع إلى المضمر ، أي : ومن المضمر بارز ، والبارز قسيم المستكن ، وقال المصنف هنا : البارز ضد المستكن. فدل ذكره المستكن على أن مراده ما تقدمت الإشارة إليه ، وهو تقسيم المضمر أولا إلى مستكن وبارز ، ثم تقسيم المستكن إلى واجب الخفاء وجائزه.

وقد علمت أن البارز متصل ومنفصل.

فالمتصل : ما لا يقع أولا ، ولا يستغني عن مباشرة العامل لفظا وخطّا.

والمنفصل : بخلافه. وسيأتي الكلام عليه في فصل مفرد. ـ

٤٥٢

______________________________________________________

ثم المتصل على أربعة أقسام : إما مرفوع الموضع ، وإما منصوبه ، وإما مجروره ، وإما صالح للثلاثة.

أما الصالح لها فكلمة نا خاصة ؛ وهي المستعملة إما للمتكلم المعظم نفسه ، أو المبين بكونه مشاركا بواحد أو أكثر ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله :

وهو إن عني به المعنيّ بنفعل نا في الإعراب كلّه ؛ لأنه قد تقدم التنبيه على أن نون نفعل تدل على المتكلم معظما أو مشاركا.

ثم هذا المضمر أعني نا ، لا يرفع إلا بالفعل الماضي خاصة ، وينصب بالأفعال الثلاثة وبما يعمل عملها من الأسماء والحروف ، ويجر بالإضافة وبالحرف.

وأما المنصوب الموضع والمجروره فيأتي الكلام فيه في هذا الفصل.

وأما المرفوع الموضع فاعلم أن أصوله خمسة ، وهي : تاء ونون مفتوحة وألف وواو وياء ؛ وبضم كلمة نا المرفوعة إليها تصير ستة.

ثم هذه الخمسة منها ما يسند إليه الماضي خاصة ، ومنها ما يسند إليه المضارع والأمر ، ومنها ما يسند إليه الثلاثة.

فالأول : التّاء : ويشترك فيها المتكلم والمخاطب ؛ فضمها دليل [١ / ١٣٦] على المتكلم ، وفتحها دليل على المخاطب ، وكسرها دليل على المخاطبة ، وضمها متلوة ب «ما» دليل على المخاطبين والمخاطبتين ، وضمها متلوة بميم مضمومة ممدودة دليل على المخاطبين ، وضمها متلوة بنون مشددة دليل على المخاطبات.

وإلى هذا الإشارة بقوله : وإن رفع بفعل ماض فتاء إلى قوله : وبنون مشدّدة للمخاطبات.

والثاني : الياء : وهي للمؤنثة المخاطبة خاصة نحو تفعلين وافعلي ، وإلى هذا الإشارة بقوله : وياء للمخاطبة.

والثالث : النون والألف والواو : لكنها مع المضارع والأمر للخطاب أو للغيبة ، نحو : تفعلن وافعلن ، وهن يفعلن وتفعلان وافعلا ويفعلان ويفعلون وتفعلون وافعلوا ويفعلون ؛ وإلى هذا الإشارة بقوله :

وإن رفع بفعل غيره فهو نون إلى والغائبتين أي : وإذا رفع الضمير البارز ـ

٤٥٣

______________________________________________________

المتصل بفعل غير الماضي فهو كذا إلى آخره.

وإنما عدل مع ذكر الألف إلى قوله : لتثنية غير المتكلم للاختصار ؛ فهو أولى من قوله : للمخاطبين والمخاطبتين والغائبين والغائبتين.

ولما لم يكن للغائبة في الياء نصيب اقتصر على قوله : وياء للمخاطبة ، وأما مع الماضي فللغيبة فقط كفعلن وفعلا وفعلوا. وإلى ذلك الإشارة بقوله :

وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع.

ولا أعرف ما ذا أراد بمطلقا لكنه قال في الشرح (١) :

«وتسند الماضي في الغيبة إلى ما تسند إليه المضارع فتقول : زيد فعل ، وهند فعلت ، والزيدان فعلا ، والهندان فعلتا ، والزيدون فعلوا ، والهندات فعلن» ثم قال : وإلى هذا أشرت بقولي : وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع ، وهو كلام صحيح ، غير أن إدخال زيد فعل وهند فعلت هنا ليس بجيد ؛ لأن الكلام الآن إنما هو في الضمير البارز لا في المستكن.

على أن الحكم في الضمير المفرد الغائب أو غائبة بالنسبة إلى ما يسند إليه من ماض أو مضارع ، قد عرف مما تقدم عند ذكر جائز الخفاء.

وقد عرف مما تقدم : أن أصول المضمر البارز المتصل المرفوع ستة ألفاظ ، وتقدم أن أصول المستكن أربعة إذا لم يجعل كلمة هي أصلا بل فرعا لهو ، فيكون مجموع أصول المضمر المرفوع من مستكن وبارز متصل عشرة ألفاظ (٢).

ثم قد بقي الكلام على ثلاثة مواضع من كلام المصنف في المتن : ـ

__________________

(١) أي شرح التسهيل له : (١ / ١٢٢).

(٢) هي كالآتي : أصول المضمر المستكن :

أنا : في فاعل المضارع المبدوء بالهمزة ، نحن : في فاعله المبدوء بالنون ، أنت : في المبدوء بالتاء أو فاعل فعل الأمر ، هو وهي : في فاعل الماضي أو المضارع للمفرد مذكرا أو مؤنثا ، ومثله المرفوع باسم فعل أو صفة أو ظرف وشبهه.

وأما أصول البارز المتصل فهي : تاء الفاعل في الماضي ، ياء المخاطبة في المضارع والأمر ، نون النسوة مع الأفعال الثلاثة ، ألف الاثنين معها أيضا ، واو الجماعة معها كذلك ، كلمة نا الدالة على الفاعلين وتلحق بالماضي.

٤٥٤

______________________________________________________

الأول : ما أشار إليه : وتسكين ميم الجمع إلى آخره.

وحاصله : أن ميم الجمع المتصلة بتاء الضمير لها ثلاثة استعمالات :

التسكين ، وضمها باختلاس ، وضمها بإشباع ، لكن الإسكان أعرف من قسيميه ، والإشباع أقيس وهو الأصل (١) ، واستعماله أقل من السكون وأكثر من [١ / ١٣٧] الاختلاس ولقلة الاختلاس لم يتعرض إليه في المتن.

هذا إذا لم يل الميم ضمير منصوب متصل ، فإن وليها الضمير المذكور لزم الإشباع ، كقوله تعالى : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٢) ، وأجاز يونس التسكين نحو : رأيتمه (٣).

قال المصنف : «ولا أعلم له في ذلك سماعا إلا ما روى ابن الأثير (٤) في غريب الحديث (٥) من قول عثمان رضي‌الله‌عنه : «أراهمني الباطل شيطانا» وقياسه (٦) : أراهموني ولو جاء هكذا كان أيضا شاذّا مثل الإسكان من وجه آخر :

وهو أنه إذا تعدى الفعل إلى مفعولين وكانا ضميرين ، فإن ضمير المتكلم يقدم على ضمير المخاطب وعلى ضمير الغائب ، وضمير المخاطب يقدم على ضمير الغائب ؛ فكان القياس أن يقال أرانيهم الباطل شيطانا» انتهى. ـ

__________________

(١) إنما كان الإشباع هو الأصل والقياس ؛ لأنه قد جيء في المثنى بالميم مفتوحة ، وجاء بعدها ألف ، فالواجب في الجمع أن يؤتى بالميم مضمومة ومعها واو وهو الإشباع. وإنما كان هذا قليلا في الاستعمال ، وكان التسكين أكثر منه ؛ لثقله وخفة الآخر.

(٢) سورة آل عمران : ١٤٣.

(٣) انظر : شرح الرضي (٢ / ٨) ، والهمع (١ / ٥٨) وقد أسنده لسيبويه مع يونس ، والتذييل والتكميل : (١ / ٤١٣) وقد أسنده أبو حيان للكسائي والفراء مع يونس ، كما سيأتي في الشرح.

(٤) هو المبارك بن محمد الشيباني الجزري المحدث الأصولي ولد سنة ٥٤٤ ه‍ وأصيب بمرض النقرس ، فلزم بيته ، وألف كتبه ومنها : النهاية في غريب الحديث (أربعة أجزاء) وجامع الأصول في حديث الرسول (عشرة أجزاء) توفي سنة (٦٠٦ ه‍) وهو أخو ابن الأثير المؤرخ وابن الأثير الكاتب.

ترجمته في الأعلام : (٦ / ١٥٢).

(٥) انظر ذلك الكتاب بعنوان : النّهاية في غريب الحديث والأثر (٢ / ١٧٨) وهو بنصه.

وقد حكى ابن الأثير الشذوذين اللذين في الشرح.

(٦) من أول : وقياسه إلى قوله : انتهى ، سقط من شرح التسهيل لابن مالك ، وهو مسند إليه كما ترى.

وانظر شرح التسهيل (١ / ١٢٢).

٤٥٥

______________________________________________________

وناقش الشيخ المصنف في أمرين :

أحدهما : كون قصر الخلاف على يونس ؛ لأن الكسائي والفراء يجيزان (١) وقد قرئ : أنلزمكمها (٢) بإسكان الميم ، قال : وكلام سيبويه يدلّ على أنّه مسموع ؛ فإنّه قال (٣) : وزعم يونس أنّك تقول أعطيتكمه كما تقول في المظهر ، والأوّل أكثر وأعرف. يعني بالأول ما قدمه من قوله : أعطيتكموه.

الثاني : قوله : فكان القياس أن يقال : أرانيهم الباطل شيطانا.

قال الشيخ (٤) : «هذا لا يصح ؛ فإن معناه عكس ما أراد عثمان رضي‌الله‌عنه ؛ لأنه كان يكون هو الذي رآهم شيطانا ؛ والمعنى أنهم هم رأوه شيطانا. فالقياس أن يقال في معنى ما أراد عثمان رضي‌الله‌عنه : أراهم إيّاي الباطل شيطانا. إذ هم الرّاءون قبل همزة التعدية [لا هو](٥) انتهى.

ـ الموضع الثاني (٦) : قوله : «وربّما استغني معه بالضّمّة عن الواو». والإشارة بذلك إلى أنه قد يقال في نحو فعلوا فعل فالضمير في معه عائد على الماضي.

وأنشد المصنف على ذلك :

١٨٣ ـ يا ربّ ذي لقح ببابك فاحش

هلع إذا ما النّاس جاع وأجدبوا (٧)

__________________

(١) كلمة يجيزان من النسخة (ج) ، وأما نسخة الأصل ونسخة (ب) فلم توجد فيهما في وسط الكلام ، ووجدت فيهما بالهامش من تصرف عالم أو كاتب قال : (لعلّه يجيزان).

(٢) سورة هود : ٢٨. قال الزمخشري : «وحكي عن أبي عمرو إسكان الميم ، ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة ، فظنّها الراوي سكونا ، والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين ؛ لأن الحركة الإعرابيّة لا يسوغ طرحها إلّا في الشّعر» (الكشاف : ٢ / ٢٦٦).

(٣) انظر نصه في كتابه : (٢ / ٣٧٧).

(٤) أي الشيخ أبو حيان ، وانظر : التذييل والتكميل (١ / ١٣٤).

(٥) ما بين المعقوفين من شرح أبي حيان وهي زيادة موضحة.

(٦) أي من المواضع الثلاثة التي وعد بالحديث عنها ومناقشة المصنف فيها ، وذلك عند ما قال : ثم قد بقي الكلام على ثلاثة مواضع من كلام المصنف في المتن.

(٧) البيت من بحر الكامل غير منسوب في مراجعه. وقائله يهجو رجلا بخيلا يخاف سؤال الناس.

اللغة : لقح : بضمتين جمع لقوح وهي الحلوب. هلع : خائف فزع. أجدبوا : من الجدب وهو الفقر. وشاهده واضح. وانظر البيت في التذييل والتكميل (١ / ٤١٥) ، وشرح التسهيل (١ / ١٢٣) ، ومعجم الشواهد (ص ٣٧).

٤٥٦

______________________________________________________

قال : وأنشد السيرافي (١) :

١٨٤ ـ لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل

على الجبال الصّمّ لانهدّ الجبل (٢)

أراد حملوا فحذف الواو اكتفاء بالضمة ثم وقف فسكن (٣).

قال الشيخ (٤) : «ويجوز أن يكون أخبر عن القوم إخبار المفرد ؛ لكونه اسم جمع ؛ فراعى اللفظ فيه كما يقال : الرّهط صنع والركب سافر ؛ فراعى الشّاعر المعنى في أدعوهم وراعى اللفظ في حمل».

وأنشد غير المصنف : ـ

__________________

(١) هو القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي. ولد بسيراف قبل سنة ٢٠٧ ه‍ وفيها ابتدأ طلب العلم وخرج إلى عمان ، وتفقه بها ثم انتقل إلى بغداد وظل بها ، كان شيخ الشيوخ وإمام الأئمة معرفة بالنحو واللغة والفقه والشعر والعروض والقرآن والحديث والكلام. من أساتذته في اللغة ابن دريد ، وفي النحو ابن السراج ومبرمان ، وفي القراءة أبو بكر بن مجاهد ، والتقى بأبي الفرج الأصفهاني وهجاه أبو الفرج لمناقشة كانت بينهما :

لعن الله كلّ شعر ونحو

وعروض يجيء من سيرافي

وكان الرجل زاهدا عابدا خاشعا ذا دين وورع وتقوى.

من مصنفاته المشهورة : شرح كتاب سيبويه الذي حسده عليه أبو علي الفارسي ؛ وهو شرح كبير حققه زملاؤنا بكلية اللغة في عدة رسائل دكتوراه وطبع منه أجزاء بالهيئة العامة للكتاب. وله مؤلفات كثيرة أخرى غير هذا الشرح ، توفي أبو سعيد ببغداد سنة (٣٦٨ ه‍).

انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٥٠٧) ، معجم الأدباء (٨ / ١٤٥).

(٢) البيتان من الرجز المشطور وقائلهما مجهول وبعدهما وهو شاهد آخر :

شبّوا على المجد وشابوا واكتهل

أراد : اكتهلوا فحذف الواو اكتفاء بالضمة ثم وقف فسكن.

والشاعر يشكو قومه وتخاذلهم عنه مع أنهم أمجاد أبطال.

والبيت كالذي قبله في الشاهد ، وليس في معجم الشواهد ، وإنما هو في شرح الكتاب للسيرافي (٢ / ١٦٢) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ١٣٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٣) ، وفي شرح المفصل لابن يعيش : (٩ / ٨٠).

(٣) انظر شرح السيرافي على كتاب سيبويه (٢ / ١٦٢) تحقيق د / رمضان عبد التواب (الهيئة العامة للكتاب).

(٤) التذييل والتكميل (١ / ٤١٧).

٤٥٧

______________________________________________________

١٨٥ ـ فلو أنّ الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة (١)

قال المصنف : وربما فعل مثل هذا مع فعل الأمر ، كقول الشاعر :

١٨٦ ـ إنّ ابن الأحوّص معروف فبلّغه

في ساعديه إذا رام العلا قصر (٢)

الموضع الثالث : قوله : وليس الأربع علامات ... إلخ.

اعلم أن المازني (٣) زعم أن النون والألف والواو والياء المشار إليها حروف تدل على أحوال الفاعل كالتاء من فعلت. والفاعل مستكن كاستكنانه في زيد فعل وهند فعلت.

قال المصنف : «وما زعمه المازني غير صحيح ، وإنما هي أسماء أسند الفعل إليها دلّت على مسمياتها كدلالة نا من فعلنا ، والتاء من فعلت (٤) ؛ لأن المراد مفهوم بها ـ

__________________

(١) البيت من بحر الوافر ، وقد ورد في عدة مراجع ، ولم ينسب فيها وبعده وهو جواب لو :

إذا ما أذهبوا ألما بقلبي

وإن قيل الأساة هم الشّفاة

اللغة : الأطباء : جمع طبيب وهو الحاذق الماهر. الأساة : جمع آس وهو من يعالج الجرح.

والشاعر يشكو هواه وحبه ، وشاهده واضح هنا ، كما استشهدوا به في قصر الممدود ، وهو من الضرورات الحسنة. والبيت في التذييل والتكميل (١ / ١٣٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ٧٠).

(٢) البيت من بحر البسيط قائله أبو حية النميري (انظر معجم الشواهد ص ١٩٦) وقد روي : الأحوص بالألف واللام كما روي بدونها ، والبيت في الهجاء الشنيع.

وشاهده قوله : فبلغه ؛ فإنه فعل أمر مسند إلى واو الجماعة ؛ وأصله فبلغوه فحذفت الواو واكتفي بالضمة قبلها. قال أبو حيان : «وهذا التّخريج لا يلزم ويحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون أتبع حركة الغين حركة الهاء وهو يريد فبلغه.

الثاني : أن يكون نقل حركة الهاء إلى الغين الساكنة فصار فبلغه ناويا الوقف.

والبيت في التذييل والتكميل (٢ / ١٣٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٣).

وأبو حيّة النّميري : هو الهيثم بن الربيع ، كان يروي عن الفرزدق وكان كذابا. انظر أخباره وأخبار كذبه في الشعر والشعراء (٢ / ٧٧٨).

(٣) انظر رأي المازني في : التذييل والتكميل (٢ / ١٤٠) ، والهمع (١ / ٥٧) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٩).

قال الرضي : «ومذهب المازنيّ أن الحروف الأربعة في المضارع والأمر ؛ أعني الألف في المثنيات ، والواو في جمعي المذكر ، والياء في المخاطبة ، والنون في جمعي المؤنّث علامات كألف الصفات وواوها في نحو ضاربان وحسنون ؛ وهي كلّها حروف والفاعل مستكنّ عنده ؛ ولعل ذلك حملا للمضارع على اسم الفاعل ، واستنكارا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها أي النّون».

(٤) في شرح التسهيل (١ / ١٣٤) : كالتّاء من فعلت وفعلت وفعلت ، وفيه توضيح أكثر.

٤٥٨

______________________________________________________

والأصل عدم الزيادة ؛ لأنها لو كانت حروفا [١ / ١٣٨] تدلّ على أحوال الفاعل المستكنّ كالتاء من هي فعلت لجاز حذفها في نحو : الزيدان قاما والزيدون قاموا ، كما جاز حذف التاء في نحو :

١٨٧ ـ [فإمّا تريني ولي لمّة]

فإنّ الحوادث أودى بها (١)

وقول الآخر :

١٨٨ ـ [فلا مزنه ودقت ودقها]

ولا أرض أبقل إبقالها (٢)

بل كانت الألف وأخواتها أحق بجواز الحذف ؛ لأن معناه أظهر من معنى التأنيث ؛ وذلك أن علامة التأنيث اللاحقة الأسماء لا يوثق بدلالتها على التأنيث ؛ إذ قد تلحق المذكرات كثيرا كراوية وعلّامة وهمزة ولمزة ؛ فدعت الحاجة إلى التاء التي تلحق الفعل ، وليس الأمر كذلك في علامتي التثنية والجمع ؛ إذ لا يمكن أن يعتقد فيما اتصلتا به خلوّه من مدلولهما فذكر الفعل على أثر واحدة منهما مغن عن علامة تلحق الفعل ، ولما لم يستغنوا بما يلحق الاسم عما يلحق الفعل ـ علم أن لهم داعيا إلى التزامه غير كونه حرفا ، وليس ذلك إلا كونه اسما مسندا إليه الفعل ، ولذلك لم يجز حذفه بوجه ؛ إذ لو حذف لكان الفعل حديثا من غير محدث عنه وذلك محال. انتهى.

وقد ضعف مذهب المازني بشيء آخر : وهو أنه لو كانت هذه علامات للزم أن ـ

__________________

(١) البيت من قصيدة للأعشى من بحر المتقارب بدأها بالغزل ثم مدح سادة نجران من بني الحرث بن كعب ، وبيت الشاهد ثالث أبياتها وقبله (ديوان الأعشى ص ٢٣).

لجارتنا إذ رأت لمّتي

تقول لك الويل أنّى بها

اللغة : اللمة : بالكسر الشعر المجاوز شحمة الأذن. أودى بها : ذهبت بها.

والأعشى يعاتب حبيبته ؛ لأنها ذمته بكبر سنه ، فذكر أن الحوادث هي التي شيبته.

وشاهده : قوله : فإن الحوادث أودى بها ، كان القياس : أودت لأن الفاعل ضمير متصل عائد على مؤنث ؛ لكنه حذف التاء.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٦٨) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٣) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٤١).

(٢) البيت من بحر المتقارب قائله عامر بن جوين الطائي من كلمة يصف بها أرضا خصبة.

اللغة : المزنة : القطعة من السحاب. ودقت ودقها : أمطرت مطرها. أبقلت : الأرض نبتت بقلها ، وأبقل المكان فهو باقل والقياس مبقل. والشاعر يصف سحابة مليئة بالمطر ، ويصف أرضا بأنها عظيمة الخضرة.

وشاهده : كالذي قبله أيضا ؛ حيث حذف الشاعر التاء ضرورة وكان القياس : ولا أرض أبقلت إبقالها.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٧٦) ، وهو في شرح التسهيل (١ / ١٢٣) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٤١).

٤٥٩

[حكم الفعل الماضي المسند إلى الضمائر]

قال ابن مالك : (ويسكّن آخر المسند إلى التّاء والنّون و «نا» ، ويحذف ما قبله من معتلّ ، وتنقل حركته إلى فاء الماضي الثّلاثيّ ، وإن كانت فتحة أبدلت بمجانسة المحذوف ونقلت ؛ وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة في زال وكاد أختي كان وعسى ، وحركة ما قبل الواو والياء مجانسة ، فإن ماثلها أو كان ألفا حذف وولي ما قبله بحاله ، وإن كان الضّمير واوا والآخر ياء أو بالعكس ، حذف الآخر وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله).

______________________________________________________

يكون نون الإناث ساكنة ، ولا يسكن آخر الفعل لها كما كانت تاء التأنيث ؛ فتسكين آخر الفعل لها وتحريكها يدل على اسميتها ؛ إذ لا يكون ذلك إلا لما ينزل منزلة الجزء من الفعل ، فكما أن التاء في ضربت اسم بلا خلاف كذلك النون في فعلن ويفعلن.

قال المصنف : «وروي عن الأخفش (١) : أن ياء المخاطبة حرف تدل على تأنيث الفعل ، والفاعل مستكن كما هو مستكن في نحو : هند فعلت ، وهذا القول مردود أيضا بما ردّ به قول المازني ، وبشيء آخر وهو أن الأخفش جعل ياء افعلي كتاء فعلت ، فيقال له : لو كانت الياء كالتاء لساوتها في الاجتماع مع ألف الاثنين.

فكان يقال افعليا كما يقال : فعلتا ؛ لكنهم امتنعوا من ذلك ، فعلم أن مانعهم كون ذلك مستلزما اجتماع مرفوعين بفعل واحد وذلك لا يجوز» (٢).

قال ناظر الجيش : لما انتهى الكلام على الضمائر البارزة المتصلة المرفوعة ، قصد أن يبين ما يطرأ على الفعل المسند إليها حال الإسناد من تسكين آخر وحذف ما قبله أو حذف الآخر نفسه إذا كانا معتلين وتغيير حركة فاء [١ / ١٣٩]. ـ

__________________

(١) انظر في رأي الأخفش : التذييل والتكميل (٢ / ١٤٢) ، الهمع (١ / ٥٧) ، شرح الكافية للرضي (٢ / ٨ ، ٩).

قال الرضي : «إن أفعل مشعر بأن فاعله أنا ، ونفعل مشعر بنحن ، الهمزة بالهمزة والنون بالنون ، وكذا يفعل نص في المفرد الغائب ، فلم يحتاجوا له إلى ضمير بارز ، وأما تفعل فإنه وإن كان محتملا للمخاطب والغائبة لكونهم لم يبرزوا ضميره إجراء لمفردات المضارع مجرى واحد في عدم إبراز ضميرها» ، ثم قال : «ولعل هذا هو الذي حمل الأخفش على أن قال : الياء في تضربين ليس بضمير بل حرف تأنيث ، كما قيل في هذي والضمير لازم الاستتار ، أو أنه استنكر الحكم بكون ضمير المفرد أثقل من ضمير المثنى مع أن القياس يقتضي أن يكون أخفّ».

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٣٥).

٤٦٠