شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

١
٢

٣

٤

مقدمة

الحمد لله الذي علم بالقلم .. علم الإنسان ما لم يعلم .. والصلاة والسّلام على من أوحى إليه أن : اقرأ .. فقرأ وهو خير من قرأ ، ونطق وهو خير من نطق ، وأفصح وهو سيد من أفصح ... اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..

وبعد ..

فلقد اهتم علماؤنا الأوائل بدراسة اللغة العربية .. لغتهم العزيزة التي بها يتكلمون وبها يتخاطبون ، وزاد اهتمامهم بها حين وجدوا الأيدي العابثة قد امتدت عليها ودبّ اللحن على الألسنة ، فخشي الغيورون على لغة القرآن الكريم من ضياعها ، وإمحاء آثارها ، فأرسوا قواعدها ، ونظموا أصولها ، حتى كثرت المؤلفات التي تعنى بقواعد النحو والصرف ، فوضع سيبويه «كتابه» الذي يعد بمثابة المنارة التي يهتدي بنورها الدارسون لهذا الفن .. ولا يزال التأليف مستمرّا حتى وجدنا المبرّد يقدم بين أيدي الدارسين كتبه : المقتضب والكامل وغيرهما من نفائس الكتب والمؤلفات ..

وتتابعت حركة التأليف حتى جاء القرن السابع الهجري ليسعد بعلم من أبرز علماء النحو والصرف ، ذلكم هو العالم الجليل الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك ، صاحب الألفية التي اشتهرت في الأوساط العلمية وفاقت كل مؤلف ، وأقبل عليها طلاب العلم حفظا وفهما ، حتى استولت على عقولهم وأفهامهم.

هذا إلى جانب الكافية الشافية وشرحها ، والتسهيل ، وغيرها من المؤلفات التي وضعها ابن مالك. وإذا كانت الألفية قد حظيت باهتمام كثير من العلماء ، فتسابقوا إلى شرحها والتعليق عليها ـ فإن «التسهيل» أيضا قد حظي بهذا الاهتمام نفسه ؛ حتى وجدناه يسيطر على العقول ويأخذ بمجامع الألباب ، فهبّ الجميع يتسابقون إلى شرحه وحلّ الغموض الذي اكتنفه ؛ لأن إيجازه بلغ

٥

حد الغموض كما جاء في دائرة المعارف الإسلامية (١) .. ولهذا السبب ؛ فإن ابن مالك نفسه أحسّ أن هذا الكتاب لا يكمل نفعه ، ولا يعم خيره إلا إذا أكمل بشرح يزيل غموضه ، ويبين المراد من عباراته واصطلاحاته وقواعده ؛ فقام بشرحه حتى يسهل الانتفاع به (٢).

وتتابعت شروح هذا الكتاب بعد شرح مصنفه من أمثال : الشيخ أبي حيان (ت ٧٤٥ ه‍) والمرادي (ت ٧٤٩ ه‍) والسمين الحلبي (ت ٧٥٦ ه‍) وابن هشام (ت ٧٦١ ه‍) وابن عقيل والدماميني ، ومحب الدين محمد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش .. ولقد استوقفتنا شخصية هذا العالم الأخير الذي جمع بين دراسة هذا الفن ومنصب «ناظر الجيش».

ولما كان إحياء تراثنا العربي الخالد من موجبات الحياة ومقتضيات الزمن ـ فقد شمرنا عن ساعد الجد ؛ لننفض الغبار الذي تراكم على هذا الشرح ، الذي نعتقد أنه من أعظم شروح التسهيل كما سنرى إن شاء الله تعالى ، وقد أحببنا أن يخرج إلى الحياة ويشهد نورها بعد أن ظل حبيسا في بطون المكتبات ؛ فاخترنا بعون الله وتوفيقه ـ نحن الستة ـ هذا الشرح ؛ ليكون تحقيقه ودراسته سبيلا لنيل درجة العالمية «الدكتوراه» من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة .. هذا ، ويمكننا أن نلخص الدوافع التي حفزتنا إلى تحقيق هذا السفر العظيم فيما يلي :

١ ـ الإسهام والمشاركة في إحياء جزء من تراثنا العربي الخالد الذي يسهم بدوره في المحافظة على لغة القرآن الكريم دستور الإسلام العظيم.

٢ ـ التعرف على شخصية ابن مالك عن قرب بدراسة مؤلف من مؤلفاته وهو «التسهيل» ، من خلال شرح ناظر الجيش له.

٣ ـ التعرف على شخصية ناظر الجيش التي لم تحظ بعناية كثير من العلماء أو الدارسين ؛ فأردنا أن نكشف الغموض الذي اكتنف هذه الشخصية العظيمة

__________________

(١) انظر دائرة المعارف الإسلامية (١ / ٣٨١).

(٢) ذكرت المصادر التي ترجمت لابن مالك أنه وصل في شرحه إلى باب : «مصادر الفعل الثلاثي» ثم أكمله ولده بدر الدين.

٦

ذات القدرة الفائقة على فهم القواعد النحوية والصرفية.

٤ ـ أنه إذا كان القرن الثامن الهجري قد حظي بالأفذاذ من العلماء من أمثال : أبي حيان والمرادي والسمين الحلبي وابن هشام وابن عقيل ـ فإننا قصدنا إلى معرفة مكان شرح ناظر الجيش بين هذه الشروح.

٥ ـ أننا وجدنا صاحب «كشف الظنون» وغيره حين تحدث عن هذا الشرح لناظر الجيش ـ ذكر أنه اعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك .. فأردنا أن نقف على تلك الإجابات والتعرف عليها والاستفادة منها.

٦ ـ أن هذا الشرح يعد لونا من ألوان النقد في النحو العربي .. فهو لم يكتف بسرد آراء السابقين ومذاهبهم .. وإنما تعرض لها بالشرح والتعليق ؛ وبخاصة شرح ابن مالك وشرح الشيخ أبي حيان الذي تعقبه مع كل فكرة وكل رأي .. فأردنا أن يتعرف معشر الدارسين لهذا الفن على هذا اللون الجديد من هذه الدراسة.

لهذه الأسباب مجتمعة اخترنا تحقيق هذا الكتاب ودراسته ؛ إسهاما إيجابيّا منّا في هذا العمل النبيل ، في إضافة شرح من أرقى شروح التسهيل إلى المكتبة العربية.

ولقد ساعدنا في طبع هذا الكتاب الكبير والسفر العظيم الذي يجمع ثلاثة شروح للتسهيل (ابن مالك ـ أبو حيان ـ ناظر الجيش) هذا الرجل الذي يعنى بنشر التراث العربي في مختلف مجالاته من لغة وأدب ودين وهو الأستاذ / عبد القادر محمود البكار ، صاحب ومدير مكتبة دار السّلام بشارع الأزهر تلك المكتبة التي حازت على جائزة أفضل ناشر للتراث في مصر لثلاثة أعوام متتالية (١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠ ـ ٢٠٠١ م) هي عمر الجائزة.

وكان عملنا الكبير هذا مقسما إلى قسمين :

قسم للدراسة كشفنا فيه النقاب عن الكتاب وعن صاحبه ، وقسم للتحقيق أخرجنا فيه الكتاب الذي حجب عن طلاب العربية طوال سبعة قرون ؛ أخرجناه إلى النور ؛ لينتفع به الناس.

٧

أما قسم الدراسة فقد جعلناه في : تمهيد وعشرة فصول. ذكرنا في التمهيد الحالة السياسية والعلمية في عصر ناظر الجيش وأما الفصول العشرة فكانت كالآتي :

الفصل الأول : كان حديثا موجزا عن ابن مالك صاحب التسهيل ؛ فلا يجوز أن نشرح المتن دون أن نعرف بصاحبه.

وأما الفصل الثاني : فكان حديثا عن ناظر الجيش صاحب الشرح : من اسمه ومولده وشيوخه وتلاميذه وصفاته وأخلاقه ومؤلفاته والمناصب التي تولاها ، ثم وفاته.

وأما الفصل الثالث : فكان عن كتاب التسهيل وقيمته العلمية وشروحه الكثيرة.

وأما الفصل الرابع : فكان عن كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش وقيمته العلمية أيضا ، وسبب تأليفه ، وزمن التأليف في حياة صاحبه ، وصحة نسبته إليه.

وأما الفصل الخامس : فكان عن مصادر ومراجع كتاب التسهيل من رجال كثيرين وكتب مختلفة.

وأما الفصل السادس : فكان عن منهج ناظر الجيش في شرحه للتسهيل.

وقد سردنا فيه ما يقرب من عشر نقاط في ذلك.

وأما الفصل السابع : فكان عن شخصية ناظر الجيش النحوية ؛ حيث عرضنا عشرة أعلام من رجال النحو صحبهم ناظر الجيش دائما في كتابه على مدى سنين طويلة.

ثم كان الفصل الثامن : عن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية.

وكان الفصل التاسع : عن مذهبه النحوي وبعض اختياراته.

والعاشر : في تأثر الشرح بمن قبله ، وتأثيره فيمن بعده ، ثم خاتمة أتبعناها منهج التحقيق ووصف نسخ التحقيق وصورا منها.

٨

وأما القسم الثاني وهو «التحقيق» فقد سرنا فيه وفق الخطوات التالية :

١ ـ قمنا بتقويم النص تقويما سليما ؛ وفق القواعد النحوية والصرفية والإملائية ، وضبط ما يحتاج منه إلى ضبط.

٢ ـ قمنا أيضا بمطابقة النسخة الأصل التي اعتمدنا عليها في التحقيق على غيرها من النسخ ، وقد أشرنا إلى مواطن الزيادة ، والنقص بينها حتى خرج النص متكاملا.

٣ ـ قمنا بتوثيق الشواهد على اختلافها ، وتخريجها من مصادرها الأصلية على النحو التالي :

أ ـ الشواهد القرآنية : نسبنا كل آية إلى سورتها وذكرنا اسم السورة ورقم الآية فيها.

ب ـ القراءات القرآنية : قمنا بتخريجها وتوثيقها من مصادرها الأصلية ؛ معتمدين في ذلك على أمهات كتب القراءات مثل : الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي ، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري ، وحجة القراءات لابن زنجلة ، والسبعة لابن مجاهد ، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ، والبديع في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه ، والمحتسب في القراءات الشاذة لابن جني ، وغيرها من الكتب التي اهتمت بهذا الشأن.

ج ـ شواهد الحديث الشريف : قمنا بتوثيقها وتخريجها من الكتب الصحاح مثل : صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وغيرها.

د ـ أقوال العرب وأمثالهم : قمنا أيضا بتخريجها وتوثيقها من مصادرها الأصلية مثل : مجمع الأمثال للميداني والمستقصي في الأمثال للزمخشري.

ه ـ الشواهد الشعرية : وقد اتبعنا فيها المنهج الآتي :

١ ـ الإشارة إلى اسم قائل البيت إذا كان له قائل معروف ، أو الإشارة إلى أن قائله مجهول.

٩

٢ ـ الإشارة إلى موضعه في الديوان إذا كان لقائله ديوان ، وذكر موضوع القصيدة وغير ذلك.

٣ ـ تعيين البحر العروضي لكل شاهد.

٤ ـ ضبط البيت ضبطا صحيحا.

٥ ـ شرح الألفاظ الغربية والغامضة في الشاهد ؛ معتمدين في ذلك على كتب شرح الشواهد مثل : شرح أبيات سيبويه للأعلم بهامش الكتاب ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ، والمفضل لأبي فراس الغساني بهامش المفصل للزمخشري ، وغيرها ، كما اعتمدنا في شرح بعض الألفاظ على المعاجم مثل : لسان العرب ، والصحاح للجوهري ، والقاموس المحيط ، ومختار الصحاح ، وأساس البلاغة للزمخشري ، وغيرها.

٦ ـ الإشارة إلى موطن الشاهد في البيت.

٧ ـ ذكر بعض المصادر التي ورد فيها الشاهد ليعود إليها من يريد ذلك.

٤ ـ قمنا بالترجمة للأعلام التي وردت في الشرح وكذا الأماكن مع ذكر البيانات والتفصيل لهذه التراجم.

٥ ـ تتبعنا بدقة كل ما ورد في النص من آراء وأقوال وإحالات طرحها المؤلف ، وذلك بالإشارة إلى أماكنها في مصادرها الأصلية من مؤلفات أصحابها إن وجدت ، وإن لم توجد فمن كتب نحوية أخرى.

٦ ـ قمنا بالتعليق على كثير من المسائل التي ذكرها المؤلف مع الوقوف أمام بعض القضايا التي احتاجت إلى ذلك.

٧ ـ قمنا بالتعليق على بعض إجابات المؤلف عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك ، وبخاصة الإجابات التي تمحل فيها للدفاع عن ابن مالك ورددناها عليه ، وتركنا الإجابات الجيدة دون تعليق لأنها واضحة وظاهرة.

٨ ـ قمنا بشرح الألفاظ الغامضة الواردة في الشرح وتوضيح المسائل المبهمة

١٠

ليقف القارئ عليها.

ثم ذيلنا كل جزء بفهرس للموضوعات التي يحتويها ؛ ليسهل الرجوع إليها مراعين في ذلك وضع عنوان لكل جزء مشروح من المتن ليكون فهرسا مشتملا على بعض التفصيل ثم ذيلنا الكتاب كله بالفهارس الفنية التي تعين الباحث على الوصول إلى بغيته من هذا الشرح ؛ لأن الفهارس مفاتيح الكتب فوضعنا فهرسا للشواهد القرآنية ، وآخر للحديث الشريف ، وثالثا للشواهد الشعرية ، ثم فهرسا للمصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في الدراسة والتحقيق مرتبة ترتيبا أبجديّا حسب اسم الكتاب.

ثم ختمنا هذه الفهارس بوضع فهرس مجمل لما احتواه هذا الشرح العظيم وما ضمته أجزاؤه من الأبواب ليسهل أيضا الرجوع إلى الموضوع والباب في مكانه من الأجزاء.

وبعد :

فمن الإنصاف والإقرار بالفضل لأهله وذويه ، أن نقدم خالص الشكر وعظيم التقدير إلى هذا الرجل الذي كان سببا في نشر هذا الكتاب ، والذي يحمل في سبيل ذلك أعباء مادية ضخمة ؛ ليرى كتابنا النور ولينتفع به الباحثون وهو الأستاذ / عبد القادر البكار ، الذي لو لاه ما طبع الكتاب ، كما لا يفوتنا ـ نحن الخمسة ـ أن ننوه بعمل أخينا الدكتور علي محمد فاخر ؛ حيث جمعنا من أماكن مختلفة ومدن متفرقة ؛ لنتفق جميعا على طبع الكتاب والذي ما نام له جفن حتى تحقق له ذلك ؛ ثم بعد ذلك كله أشرف على عملية الطباعة من تنقيح وتهذيب ونخل وغربلة ، ووضع مراجع وكتب حديثة مكان مراجع ومخطوطات قديمة ، تلك المرحلة التي استمرت عامين طويلين والتي ندب نفسه إليها ولم يكل أو يمل منها ؛ بل كان يعمل وهو راض كل الرضا مع الجهد المبذول ليلا ونهارا وكان هدفه الوحيد أن يخرج الكتاب إلى النور ذلك الحلم الذي ظل يراودنا جميعا عشرين عاما ، فجزاه الله أيضا عن ذلك العمل الجليل خير الجزاء وجعله في ميزان حسناته.

١١

ويجب أن ننوه هنا أن هذا الكتاب بأجزائه الكثيرة كان ست رسائل دكتوراه سجلناها وحصلنا عليها من جامعة الأزهر بتقدير مرتبة الشرف الأولى ، كان هذا من عشرين عاما مضت وبتنا نحلم بطبع الكتاب وكيف يطبع وكل منا في مكان وكلّ منا انصرف لحياته الخاصة؟ فوق التكاليف المادية للطباعة ، إلى أن تحقق حلمنا واستجاب الله دعانا ووفقنا ـ نحن الستة الذين حققوا الكتاب ـ فاجتمعنا جميعا وكان سابعنا صاحب المكتبة الذي تحمس لطبع الكتاب وإخراجه للنور حين عرضنا عليه الفكرة ولم يأل جهدا ماديّا أو أدبيّا في ذلك.

وأخيرا : فمن العيب أن يزهو الإنسان بعلمه .. ولكن من الحسن بمكان أن يذكر نعم الله عليه ويحدث بها .. فلقد هدانا الله إلى هذا العمل الشريف الذي بذلنا فيه قصارى جهدنا .. ولم ندخر وسعا في سبيل إخراجه على صورة تليق بمكانته .. ولسنا ندعي لجهدنا هذا العصمة من الخطأ ؛ فالكمال لله وحده ، والعصمة لأنبيائه ورسله .. فإن نكن قد وفقنا فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .. وإن كانت الأخرى فحسبنا أننا لم نتعمد التقصير ونرجو الله تعالى أن يغفر لنا خطايانا وأن يهدينا إلى سواء السبيل ؛ إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المحققون

المحرم سنة ١٤٢٤ ه

القاهرة في :

مارس سنة ٢٠٠٣ م

١٢

شرح التّسهيل

المسمّى

تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد

القسم الأول

«الدراسة»

وتتكون من تمهيد وعشرة فصول

١٣
١٤

تمهيد

العصر الثقافي أو الحياة العلمية في عصر ناظر الجيش :

في الوقت الذي سقطت فيه بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ على يد التتار ـ أصبح المسلمون في حيرة من أمرهم ، فإذا بهم يلتفتون في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون لأنفسهم عن ملجأ يلجأون إليه ومأوى يأوون إليه ؛ فلم يجدوا أمامهم غير مصر والشام ؛ حيث أسس المماليك لهم ملكا وأقاموا لأنفسهم سلطانا ، وكونوا لعرشهم جندا يذود عنه ويدفع كيد الأعداء.

وكان من حسن سياسة سلاطين المماليك أن أفسحوا في مصر مكانا للخلافة جديدا يؤوون فيه أحد سلائل خلفاء بني العباس بعد ثبوت نسبه وبذلك أعادوا للخلافة سيرتها.

وبذلك كله اكتسبت مصر مكانا جديدا في الحياة .. وانتقل النشاط العلمي من العراق وبغداده إلى مصر وقاهرتها ، ونشرت القاهرة زعامتها العلمية وقيادتها الأدبية على البلاد الإسلامية تقريبا زهاء هذه القرون الثلاثة التي عاشت فيها دولة المماليك (١).

ولقد تجمعت عدة عوامل (٢) جعلت مصر رائدة للثقافة في هذا العصر نوجزها فيما يلي :

١ ـ وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول :

طغى سيل المغول الجارف من أواسط آسيا إلى شمالها ، مكتسحا ما أمامه من بلاد المسلمين حتى وصل العراق وبلاد الشام ، وعمل بها الكثير مما تقشعر له الأبدان ؛ فكان لا بد للمسلمين من أن تلتف قلوبهم حول المدافعين عنهم من سلاطين المماليك ملتمسين فيهم الزعامة التي تدافع عنهم ، وأن يشد أزرهم ويدعموا ملكهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ومن أهم وسائل تدعيم الملك

__________________

(١) انظر : عصر سلاطين المماليك (٣ / ١٠ ـ ١٣).

(٢) المرجع السابق (٣ / ١٧ ، ١٨).

١٥

إحياء العلوم والمعارف ، فجهد في ذلك علماء المسلمين آنذاك وأتوا بما يعد مزيدا في بابه عجيبا في صنعه.

٢ ـ قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية :

لقد لقي العلماء الفارون من وجه التتار أن المقام لا يستقر بهم إلا في كنف سلاطين مصر ، وقد لقواهم ومن لف لفهم من رجال الأمم الأخرى في جوار هؤلاء السلاطين ـ الأمن والدعة والسلامة والعيش الهادئ ، كما وجدوا أنفسهم بعد هذه الكارثة العلمية الرهيبة ؛ مسئولين أمام الله عن دينه فدفعهم ذلك إلى الجد في العمل.

٣ ـ وفود العلماء والأدباء إلى مصر والشام ؛ حيث كان الأمن والأمان لهم عوضا عما لاقوه في البلاد الأخرى.

٤ ـ زوال الخلافة العباسية وسقوط بغداد في أيدي التتار.

٥ ـ غيرة السلاطين والأمراء على هذا التراث الضائع الذي لم يعرف قيمته هؤلاء الغزاة ، ثم تعظيم هؤلاء السلاطين لأهل العلم وحبهم أياهم.

٦ ـ شعور العلماء بواجبهم وتنافسهم في أداء هذا الواجب المنوط بهم وهو إحياء التراث العربي.

٧ ـ انصراف العناية إلى اللغة العربية.

٨ ـ إنشاء دور التعليم ونظامها وإنشاء دور الكتب.

٩ ـ العناية باختيار العلماء وتشجيع المؤلفين (١).

وكان من نتائج هذه الحركة العلمية أن وفد طلاب العلم إلى دور التعليم ، وأدى ذلك أيضا إلى كثرة العلماء والأدباء ، ونشطت حركة التأليف.

وبذلك يبدو لنا أن الدراسات النحوية في مصر بدأت في وقت مبكر ولم تتقاعس تقاعس غيرها من الأمصار الأخرى.

__________________

(١) راجع عصر سلاطين المماليك (٣ / ١٨ ـ ٨٥).

١٦

خصائص المدرسة النحوية في عصر «ناظر الجيش» :

١ ـ وضع المتون النحوية : لقد كثر في هذا العصر وضع المتون النحوية ، وربما كان مرجع ذلك إلى سقوط بغداد وذهاب كثير من المؤلفات النحوية ، فأراد علماء النحو أن يحفظوا أصول هذا العلم ؛ فوضعوا هذه المختصرات حتى لا تضيع المصادر النحوية التي يستمدون منها نحوهم (١).

٢ ـ كثرة الشروح : يمكن القول بأن هذا العصر عصر الشروح ، شروح المؤلفات النحوية التي وضعها مشاهير العلماء السابقين من أمثال : سيبويه ، وابن عصفور ، والجرجاني ، والزجاجي ، وأبي علي الفارسي ، وابن بابشاذ ، والجزولي ، والزمخشري ، وشروح المؤلفات النحوية التي وضعها النحاة المعاصرون من أمثال : ابن الحاجب ، وابن مالك ، وابن هشام (٢).

٣ ـ كثرة المنظومات النحوية : فقد نظم ابن معط ألفيته ، ثم جاء ابن مالك ونظم ألفيته على مثالها ، وهذا يعد لونا من ألوان الحفاظ على أصول هذا الفن (٣).

٤ ـ نثر المنظومات : كما نظموا المنثور كانوا كذلك ينثرون المنظوم ؛ من أجل إظهار البراعة وتسهيل النحو كما يبدو لهم.

٥ ـ التدريب على الإعراب : من هؤلاء الذين أعربوا الألفية الشيخ : شهاب الدين أحمد بن الحسن الرملي الشافعي المتوفى سنة (٨٤٤ ه‍) (٤).

٦ ـ الألغاز النحوية : لقد كثرت الألغاز النحوية في هذا العصر والتباري في وضعها ، ولكثرتها ألف فيها رسائل ووضعت من أجلها كتب ، ومن تراث ابن هشام في هذا الميدان رسالته في الألغاز التي ألفها لخزانة السلطان الملك الكامل ، وله أيضا شرح للقصيدة اللغزية في الحسان النحوية ، طبعت ضمن كتاب السيوطي «الأشباه والنظائر».

__________________

(١) انظر : المدرسة النحوية في مصر والشام (ص ٤٤٢) ونشأة النحو (ص ٢٧٢ ، ٢٧٣).

(٢) انظر : المدرسة النحوية (ص ٤٤٣) ونشأة النحو (٢٧٢ ، ٢٧٣).

(٣) المدرسة النحوية (ص ٤٤٥).

(٤) المرجع السابق (ص ٤٤٨).

١٧

٧ ـ الاهتمام بشواهد الشعر النحوية : مثل : شرح أبيات سيبويه لأبي جعفر النحاس ، وشرح شواهد جمل الزجاجي لابن هشام ، وشرح شواهد شروح الألفية للعيني.

٨ ـ الاستشهاد بالقراءات : ومن أهم الدعائم التي استند إليها علم القراءات بمصر ما نظم الشاطبي المشهور المتوفى سنة (٥٩٠ ه‍). وكثر علماء فن القراءات ، وأكب كثير منهم على تدريسه بدور العلم ، وأكب بعضهم أيضا على التأليف فيه وتوضيح مسائله ، ومن كتب هذا الفن (١) :

أ ـ كتاب القراءات : لمعين الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله أبي بكر النكراوي الإسكندراني المتوفى سنة (٦٨٣ ه‍).

ب ـ شرح الشاطبية : لشهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي السمين المتوفى سنة (٧٥٦ ه‍).

ج ـ شرح الشاطبية : لشهاب الدين أبي شامة المتوفى سنة (٦٦٥ ه‍).

د ـ المقدمة الجزرية : وهي منظومة في التجويد ، وضعها شمس الدين أبو الخير محمد بن الجزري الدمشقي القرشي المتوفى سنة (٨٣٣ ه‍) ، وله أيضا كتاب «النشر في القراءات العشر» وقد كان لهذه المؤلفات الأثر الكبير في المؤلفات النحوية والصرفية ؛ حيث استشهد علماء النحو والصرف بالقراءات القرآنية على صحة القواعد وتخريج الآراء ، وكان هذا واضحا في مؤلفات أبي حيان والمرادي وابن هشام والسمين الحلبي وناظر الجيش.

٩ ـ الاحتجاج بالحديث الشريف : وكان الإمام جمال الدين بن مالك أول من جوز الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف ، وتبعه في ذلك كثير من أئمة النحو بعده ؛ من أمثال العلامة المحقق الرضي (٢) ، وقد تبعهما كثير من المتأخرين كالمرادي وناظر الجيش والدماميني (٣).

__________________

(١) راجع عصر سلاطين المماليك (٣ / ١٥٠ ـ ١٥٢).

(٢) انظر : خزانة البغدادي (١ / ٤).

(٣) انظر : شرح العمدة (ص ٢٦٥).

١٨

١٠ ـ الموازنة والاختيار : وهذه سمة واضحة من سمات هذا العصر ـ عصر ناظر الجيش ـ فليس هناك من جديد ؛ فاتجه النحاة إلى الاعتماد على المتقدمين ينقلون عنهم ثم يعقدون الموازنات وأخيرا يتم اختيار الآراء الصحيحة وطرح الفاسد منها ، وخير مثال على ذلك ما نراه في شرح التسهيل لناظر الجيش ، وكذا ما نراه في مؤلفات المرادي وابن هشام والدماميني.

١١ ـ الاجتهاد (١) : وأيضا هذه سمة ظاهرة من سمات هذا العصر جاءت نتيجة للموازنات والاختيارات ؛ فلم يكن بد من الاجتهاد في هذه الاختيارات ؛ حتى يصل العلماء إلى بغيتهم ، ولعل خير مثال على ذلك ما نراه في شرح التسهيل لناظر الجيش وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

__________________

(١) راجع فيما تقدم : المدرسة النحوية في مصر والشام (ص ٤٤٨) وما بعدها.

١٩

الفصل الأول

حديث موجز عن ابن مالك

صاحب «التسهيل»

* لا نريد في هذا الفصل أن نتحدث عن الإمام جمال الدين بن مالك حديثا مستفيضا ؛ فهذا أمر مضى أوانه .. حيث سبقنا ببحث ودراسة هذه الشخصية العظيمة الفذة علماء أجلاء وأساتذة أفاضل ، اهتموا بشأن هذا الرجل ووفوه حقه من البحث والدراسة وأظهروه في ثوبه اللائق به .. ومع ذلك فقد قصدنا إلى ذكر حديث موجز عن العلامة ابن مالك ؛ لئلا يقال : إنه صاحب التسهيل صاحب المتن المشروح الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فأين المرور عليه والترجمة القصيرة له؟

اسمه ونسبه :

لقد اختلف العلماء في سلسلة نسب ابن مالك (١) .. واختصارا للكلام كما نريد من هذه العجالة السريعة فنقول : هو أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني المالكي حين كان بالمغرب ، الشافعي حين انتقل إلى المشرق (٢).

كنيته ولقبه :

أجمعت المراجع التي ترجمت لابن مالك على أن كنيته : «أبو عبد الله» ، ولقبه : «جمال الدين».

مولده وموطن ولادته :

اضطرب المؤرخون في تحديد السنة التي ولد فيها ابن مالك على نحو فصله

__________________

(١) انظر في ترجمة ابن مالك المصادر الآتية : نفح الطيب (٢ / ٢٢٢) ، وفوات الوفيات (٣ / ٤٠٧) ، والوافي بالوفيات (٣ / ٣٥٩) ، والنجوم الزاهرة (٧ / ٢٤٣) ، والسلوك لمعرفة دول الملوك (١ / ٦١٣) ، والمدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة (ص ١٤٦) ، والمدارس النحوية لشوقي ضيف (ص ٣٠٩) ، ودائرة المعارف الإسلامية (١ / ٣٨١) (ط دار الشعب) ، ودائرة معارف البستاني (١ / ٦٧٤) وبغية الوعاة (١ / ١٣٠) وتاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان (٥ / ٢٧٥).

(٢) انظر نفح الطيب (٢ / ٢٢٢) ودائرة المعارف الإسلامية (١ / ٣٨١) ودائرة معارف البستاني (١ / ٦٧٤).

٢٠