شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

والمشفق منه مكروه.

وأما أداة المجازاة : فمثالها قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)(١).

قال الأبذي : «سواء في ذلك ما يجزم كإن وأخواتها وما لا يجزم نحو : كيف تقول : كيف تصنع أصنع فكيف معناها الجزاء ولم تجزم بها العرب».

وأما لو المصدرية : فمثالها قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)(٢) ، وعلامتها : أن يحسن في موضعها أن. واحترز بهذا التقييد من لو الامتناعية ؛ فإنها تؤثر ضد ما تؤثر هذه كما سيأتي ، وفي إثبات المصدرية خلاف سيجيء في باب الموصول إن شاء الله تعالى.

وأما نون التوكيد : فمثالها قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ...)(٣) الآية.

[١ / ٤٢] وأما حرف التنفيس : فمثاله قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)(٤) ، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٥).

وجاء عن العرب : سف أفعل ، وسو أفعل وسي أفعل وهي أغربهن ، حكاها صاحب المحكم (٦).

وأنشد الشيخ في شرحه (٧) :

٣٠ ـ فإن أهلك فسو (٨) يجدون فقدي

وإن أسلم يطب لكم المعاش (٩)

__________________

(١) سورة إبراهيم : ١٩ ، سورة فاطر : ١٦.

(٢) سورة البقرة : ٩٦.

(٣) سورة البقرة : ١٥٥.

(٤) سورة الأعلى : ٦.

(٥) سورة الضحى : ٥. وكان الأولى أن يقول : وقوله تعالى ، لأنهما آيتان من سورتين.

(٦) هو المشهور بابن سيده علي بن أحمد الأندلسي ، عالم كبير بالنحو واللغة وأشعار العرب وأيامها ، حافظ لهذا كله ، أخذ ذلك كله عن أبيه وعن أساتذة آخرين.

مصنفاته : له الكتاب المذكور في الشرح ، وهو سفر كبير في اللغة ، طبع بعضه محققا والباقي ما زال مخطوطا بدار الكتب ، وله أيضا المخصص وهو كتاب عظيم في اللغة مطبوع ، وله أيضا غير ذلك ، ذكرت مراجعه : كتاب إصلاح المنطق ، كتاب شاذ اللغة ، شرح الحماسة ، شرح كتاب الأخفش. مات سنة (٤٥٨ ه‍). انظر ترجمته في معجم الأدباء (١٢ / ٢٣٥) ، بغية الوعاة (٢ / ١٤٣).

(٧) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٩٣).

(٨) في النسخة (ج) : فسوف وهو خطأ.

(٩) البيت من بحر الوافر وهو في الفخر لشاعر مجهول ، وشاهده واضح من الشرح : وهو أن سو مقطوعة من

٢٠١

______________________________________________________

واتفقوا (١) على أن أصل سف وسو وسي : سوف ، وزعموا أن السين أصل برأسها غير مفرعة على سوف ؛ لكنها منها كنون التوكيد الخفيفة من نون الثقيلة ، وقد رد المصنف ذلك ، ثم ناقشه الشيخ في بعض الرد (٢) بما يحتمل الدفع. وليس في ذلك كبير فائدة فأضربت عنه (٣).

وأقرب ما قال المصنف : «إنّا قد أجمعنا على أنّ سف وسو وسي فروع سوف ، فلتكن السين أيضا فرعها ؛ لأنّ التخصيص دون مخصص أيضا مردود».

وقال المصنف : «قال بعضهم : لو كانت السين بعض سوف لكانت مدّة التسويف بهما سواء وليس كذلك ؛ بل هي بسوف أطول ؛ فكانت كل واحدة منهما أصلا برأسها».

ثم قال : قلت : هذه دعوى مردودة بالقياس والسماع :

فالقياس : أن الماضي والمستقبل متقابلان ، والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان وبعده فينبغي ألا يقصد بالمستقبل إلا مطلق الاستقبال دون تعرض لقرب الزمان وبعده ؛ ليجري المتقابلان على سنن واحد ، والقول بتوافق سيفعل وسوف يفعل مصحح ؛ فكان المصير إليه أولى.

وأما السماع : فتعاقب سيفعل وسوف يفعل على المعنى الواحد الواقع في وقت واحد ؛ قال الله تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)(٤). وقال ـ

__________________

سوف كما تقطع كي من كيف. والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٩٣) ومعجم الشواهد (ص ٢٠٢).

(١) هم البصريون كما سنبين في التحقيق بعد.

(٢) انظر التذييل والتكميل (١ / ٩٢) وما بعدها ، وشرح التسهيل (١ / ٢٦ ، ٢٧).

(٣) انظر المسألة بتمامها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (٢ / ٦٤٦) (مطبعة السعادة سنة ١٩٥٥ ـ المكتبة التجارية) وملخصها :

«أن الكوفيين ـ ومعهم ابن مالك ـ ذهبوا إلى أن السين التي تدخل على الفعل المستقبل نحو سأفعل أصلها سوف ، واحتجوا بأن الحذف كثير في استعمالهم نحو : لم يك ، كما أنهم يحذفون الفاء وحدها من سوف ، والجميع يراد به الاستقبال.

وذهب البصريون : إلى أن السين أصل برأسها ؛ لأن الأصل في كل حرف يدل على معنى ألا يدخله الحذف ، والسين حرف يدل على معنى».

ورجح صاحب الإنصاف رأي البصريين ورد حجج الكوفيين.

(٤) سورة النساء : ١٤٦ ، وتمامها : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ ...) إلخ.

٢٠٢

______________________________________________________

تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)(١). وقال تعالى : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ.) في سورة النبأ (٢) ، وقال في سورة التكاثر : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٣). ومنه قول الشاعر :

٣١ ـ وما حالة إلّا سيصرف حالها

إلى حالة أخرى وسوف تزول (٤)

فقد بان توافقهما إلا أن سيفعل أخف ، فكان استعماله كثيرا. انتهى (٥).

وذكر الجزولي في المخلصات للاستقبال : لام القسم (٦) ولا يتمحض ذلك للام المذكورة إلا حيث لا يؤتى في الفعل بنون التوكيد. وذلك لا يجوز عند البصريين إلا في ضرورة وإنما يجوز تعاقبهما الكوفيون. قال الشاعر :

٣٢ ـ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني

إلى نسوة كأنّهنّ مفائد (٧)

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٢ وتمامها : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ ...) إلخ.

(٢) آية رقم : ٤. (٣) آية رقم : ٣.(٤) البيت من بحر الطويل من قصيدة لأبي وهب العبسي يرثي ابنه وقبله :

لئن كان عبد الله خلّى مكانه

على حين شيبي بالشّباب بديل

لقد بقيت منّي قناة صليبة

وإن مسّ جلدي نهكة وذبول

وما حالة .............

إلخ وانظر القصيدة بتمامها في شرح ديوان الحماسة (٣ / ١٠٧١) وهو مما اكتشفت قائله. ويستشهد به على أن السين وسوف يتعاقبان على المعنى الواحد ، وفيه رد على من قال : إن زمن المضارع مع السين أضيق. وانظر الشاهد في شرح التسهيل (١ / ٢٧) والتذييل والتكميل (١ / ١٠١) وهو في معجم الشواهد (ص ٨٥).

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٧).

(٦) انظر (ص ٣٣) من كتاب المقدمة الجزولية في النحو ، تصنيف أبي موسى الجزولي (د / شعبان عبد الوهاب).

(٧) البيت من بحر الطويل ، وهو مطلع مقطوعة قصيرة لزيد الفوارس في ديوان الحماسة : (ج ٢ ص ٥٥٧).

اللغة : تألى : حلف. ابن أوس : هو قيس بن أوس بن حارثة الطائي.

مفائد : جمع مفأد وهو السفود.

والشاهد فيه قوله : ليردني : يروى بكسر اللام على أنها للتعليل ولا شاهد فيه ، ويروى بفتحها على أنها للقسم وقد استغنى بهذه اللام عن نون التوكيد ، وهذا قليل وضرورة عند البصريين.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٩٥) وفي الشواهد (ص ١٠٥).

ترجمة زيد الفوارس : هو زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي ، فارس شاعر جاهلي ، وسمي بذلك ؛ لأن جده ضرارا شهد معركة ومعه ثمانية عشر من ولده يقاتلون معه. وكان زيد هذا فارسهم ، له

٢٠٣

[انصراف الفعل المضارع إلى زمن المضي]

قال ابن مالك : (وينصرف إلى المضيّ بلم ولمّا الجازمة ولو الشّرطيّة غالبا ، وإذ وربّما وقد في بعض المواضع).

______________________________________________________

وأما إذا أتى بالنون في الفعل نحو : والله ليقومن زيد ، فيمكن أن يقال إنه إنما استفيد الاستقبال من النون ؛ لأنها من القرائن الاستقبالية.

قال الأبذي : «وهذا الّذي ذهب إليه ـ يعني الجزولي ـ في اللّام هو مذهب أكثر النّحويين. ومنهم من ذهب إلى أنّك إذا أقسمت على قيام في الحال ، تقول : والله ليقوم زيد ، وهو عندي جائز». انتهى. يعني أن اللام لا تخلص للاستقبال (١).

وزاد الأبذي أيضا في قرائن الاستقبال : عطفه على المستقبل وعطف المستقبل عليه ، نحو : سيأكل زيد ويشرب ، ويشرب زيد وسيأكل ، وقد تقدم نظير ذلك في القرائن الحالية ، وأنه قد يستغنى عنه.

وكان ينبغي للمصنف أن يذكر في القرائن المخلصة للاستقبال : لو الشرطية في أحد استعمالها ، كما سيأتي بيانه.

قال ناظر الجيش : شرع في ذكر القرائن الصارفة له إلى المضي ، وإنما قال : وينصرف ولم يقل ويتعين أو يتخلص كما قال قبل ؛ لأن المضارع لا دلالة له على المضي بالوضع ، فكأنه انصرف عن مدلوله بالوضع وهو الحال [١ / ٤٣] أو الاستقبال إلى مدلول آخر بقرينة بخلاف ما إذا تعين لأحد مدلوليه الذي هو موضوع لهما.

فمن القرائن الصارفة له : لم ولمّا :

ولا خلاف أن المضارع المقترن بهما ماضي المعنى ، وهل كان ماضي اللفظ فتغير لفظه دون معناه ، أو لم يزل مضارعا فتغير معناه دون لفظه؟ ـ

__________________

مختارات في ديوان الحماسة. وانظر ترجمته في الأعلام (٣ / ٩٧).

(١) يريد أن يذكر أن الفعل يجب تأكيده بالنون عند البصريين إذا اقترن بلام القسم. وعليه : فإذا اقترن بالنون فالواجب تخليصه للاستقبال بها ، فإحدى الأداتين خلصته ؛ فإذا اقترن بإحداهما فلا داعي للأخرى وهو غير جائز ؛ لأنه لا بد من اجتماعهما ؛ إلا أن الرد عليه من وجهين : أن الكوفيين لا يوجبون الاجتماع ، وأن مذهب بعض النحويين أن اللام لا تخلص للاستقبال.

٢٠٤

______________________________________________________

الأول : مذهب طائفة منهم الجزولي (١).

قال الأبذي : «وهو مذهب سيبويه (٢) لأنّه جعل لم نفي فعل ولمّا نفي قد فعل».

والثاني : مذهب المبرد وأكثر المتأخرين واختاره المصنف ومن ثمّ قال : وينصرف إلى المضيّ يعني أن معناه هو الذي تغير ، وأن لم ولما إنما دخلتا على لفظ المضارع (٣).

واستدل لمذهب سيبويه (٤) بأنك إذا ناقضت من أوجب قيام زيد ، فقال قام زيد قلت : لم يقم زيد ، وإن قال قد قام زيد ، قلت : لمّا يقم زيد ، والمناقضة إنما تكون بإدخال أداة النفي على ما أوجبه الذي قصدت مناقضة كلامه. وأيضا فإن صرف التغيير إلى جانب اللفظ أولى من صرفه إلى جانب المعنى ؛ لأن المحافظة على المعنى أولى.

قال المصنف (٥) : «وثاني القولين هو الصحيح ـ يعني ما ذهب إليه المبرد (٦) ـ قال : لأنه نظير ما أجمع عليه في الواقع بعد لو وربّما وإذ فإنها صرفت المعنى دون اللّفظ اتفاقا».

وقال أيضا : «إنما قيدت لمّا بالجازمة ؛ لأنها إذا لم تكن جازمة لا يليها فعل مضارع بل ماضي اللفظ والمعنى إن كانت بمعنى حين ، أو ماضي اللفظ مستقبل المعنى إن كانت بمعنى إلا ، كقول الشاعر :

٣٣ ـ قالت له بالله يا ذا البردين

لمّا غنثت نفسا أو اثنتين (٧)

__________________

(١) انظر (ص ٣٤) من كتاب : المقدمة الجزولية في النحو ، للجزولي (٦٠٧ ه‍).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ١١٧).

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٨) ورجح المذهب الثاني الرضي في شرحه على الكافية (٢ / ٢٣٢) ، وقال : هو أولى ؛ لأن قلب المعنى أولى وأكثر في كلامهم ، كما ضعف الأول السيوطي في الهمع (١ / ٨) ، وانظر تلميحا لرأي المبرد في المقتضب : (١ / ٤٦).

(٤) القائل : إن الفعل المضارع كان ماضي اللفظ ، وعند دخول لم أو لما عليه تغير لفظه دون معناه.

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٧).

(٦) وهو الرأي القائل : إن معناه هو الذي تغير دون لفظه.

(٧) البيتان من السريع المشطور الموقوف وهما في معجم الشواهد (ص ٥٤٣) مجهولا القائل.

اللغة : البردان : مثنى برد وهو ثوب مخطط من أكسية العرب ، وذو البردين : لقب عامر بن أحيمر.

غنثت : يقال : غنث غنثا إذا شرب ثم تنفس وهو غير العب ؛ لأن العب هو أن تشرب ثم لا تتنفس. قال الشيباني : الغنث هنا كناية عن الجماع (لسان العرب ص ٣٣٠٥ مادة : غنث).

وشاهده : وقوع لما بمعنى إلا في جواب القسم ، ومن هنا كان الفعل ماضي اللفظ مستقبل المعنى.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٨) ، والتذييل والتكميل (١ / ١٠٣).

٢٠٥

______________________________________________________

وأطلقت لم تنبيها على أنها صارفة إلى المضي أبدا ولو لم يكن الفعل مجزوما بعدها ، كقول الشاعر :

٣٤ ـ لو لا فوارس من ذهل وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (١)

فرفع الفعل بعدها وهي لغة لقوم» (٢) انتهى.

قال الشيخ : «لا يحتاج إلى تقييد لمّا بالجازمة ؛ لأنّها لا تدخل على المضارع إلّا وهي جازمة. ولو كانت تدخل عليه جازمة وغير جازمة ولا تصرفه إلى المضي إلا الجازمة ـ لاحتيج إلى ذلك التقييد ، وأما أن يحترز بذلك من دخولها على الفعل الماضي فلا يصح ؛ إذ التقييد إنما يكون في شيء مشترك» انتهى (٣).

والجواب : أن المصنف لم يحترز بذلك من شيء ؛ بل نبه على أن لما جازمة وغير جازمة ، وأن المضارع يختص بالجازمة دون غيرها. ويشعر بذلك قوله :

وقيدتها بالجازمة ؛ لأنها إذا لم تكن جازمة لا يليها فعل ماض ؛ ولم يقل احترازا من كذا وكذا.

ومنها : لو الشرطية : واعلم أن لو قسمان :

مصدرية : ويتخلص المضارع بها للاستقبال ، كما تقدم.

وشرطية : وهي نوعان : شرط في المستقبل ، فتكون إذ ذاك بمعنى إن كقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ)(٤). وقوله تعالى : ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط وهو في معجم الشواهد (ص ١٨٢) في مراجع كثيرة ولم ينسب لقائل.

اللغة : فوارس : جمع فارس على غير قياس. ذهل : حي من بكر ويروى مكانه نعم وقيس.

وأسرتهم : يروى مكانه وإخوتهم وفيه الجر عطفا على المجرور قبله والرفع عطفا على فوارس. الصليفاء : أرض صلبة. كان فيها قتال بين هوازن وقيس وهو من أيام العرب.

لم يوفون : من الوفاء وفيه الشاهد ، قال ابن يعيش (شرح المفصل ٧ / ٩) : هو شاذ لرفع الفعل بعد لم وسبيله عندنا على تشبيه لم بلا ، ومثله قول الآخر :

أن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطّلاح

فهذا على تشبيه أن بما المصدرية وهو طريق الكوفيين.

وأما البصريون فيحملونه وأشباهه على أنها المخففة من الثقيلة.

وانظر الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٨) ولأبي حيان (١ / ١٠٤).

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٨).

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٠٤).

(٤) سورة النساء : ٩.

٢٠٦

______________________________________________________

(فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ)(١) ، ومنه قول الشّاعر :

٣٥ ـ قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النّساء ولو باتت بأطهار (٢)

فالماضي ينصرف بعدها كما في هذه الأمثلة إلى الاستقبال. وسيبين. وإذا وقع بعد لو هذه مضارع [١ / ٤٤] كان مستقبل المعنى كما يكون حكمه بعد إن كقول الشاعر :

٣٦ ـ لا يلفك الرّاجيك إلّا مظهرا

خلق الكرام ولو تكون عديما (٣)

وكان ينبغي للمصنف أن يذكرها مع القرائن الاستقبالية كما تقدم التنبيه عليه.

وقد يقال : يمكن أن يدخل تحت قول المصنف فيما تقدم : أو مجازاة أي بمصاحبة أداة مجازاة. ولا شك أن لو إذا كانت بمعنى إن صدق عليها أنها للمجازاة.

وشرط في المضي : وهي المسماة بالامتناعية (٤) ، وينصرف المضارع بها إلى المضي ؛ ومثالها قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ)(٥).

ومثله قول كثير (٦) : ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩١.

(٢) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للأخطل يمدح فيها يزيد بن معاوية ، وبيت الشاهد آخرها.

انظر ديوان الأخطل (ص ٨٣).

اللغة : المآزر : جمع مئزر وهو الإزار وشده كناية عن ترك الجماع. أطهار : جمع طهر وهو النقاء من دم الحيض. ومعناه واضح.

واستشهدوا به على أن لو بمعنى إن ، فيكون الفعل بعدها مستقبلا في المعنى.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٨٠) وليس في شرح التسهيل لابن مالك أو أبي حيان.

ترجمة الأخطل : هو غياث بن غوث من بني تغلب ، ولد عام (١٩ ه‍) ، أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم : جرير والفرزدق. مدح خلفاء بني أمية : معاوية ويزيد ، ومن بعدهم وأقام معهم في دمشق حينا ومع أهله في الجزيرة العربية حينا وتوفي سنة (٩٠ ه‍) (انظر : الشعر والشعراء ١ / ٤٩٠ ، الأعلام ٥ / ٣١٨).

(٣) البيت من بحر الكامل لشاعر مجهول ينصح ممدوحه بأن يكون باشّا مع الذين يرجون إحسانه حتى ولو كان فقيرا. والراجيك : طالب معروفك ، ويروى مكانه الراجوك وهو جمعه ، وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٨) وفي التذييل والتكميل (١ / ١٠٥) وفي معجم الشواهد (ص ٣٣٧).

(٤) سميت بذلك لأن معناها امتناع الجواب لامتناع الشرط.

(٥) سورة النحل : ٦١.

(٦) هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن ، أحد عشاق العرب المشهورين ، صاحب عزة بنت جميل بن حفص ، وله معها حكايات ونوادر مشهورة ، وأكثر شعره فيها ، وكان قد تزوجها وانفصل عنها ، وملأ

٢٠٧

______________________________________________________

٣٧ ـ رهبان مكّة والّذين عهدتهم

يبكون من حذر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت كلامها

خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا (١)

وقول الآخر :

٣٨ ـ لو يقوم الفيل أو فيّاله

زلّ عن مثل مقاسي وزحل (٢)

فتقييد المصنف لها بالشرطية احترازا من المصدرية (٣).

ثم احترز من التي بمعنى إن بقوله : غالبا وكأنه يقول : إن ورود لو بمعنى إن ليس غالبا ؛ وإنما الغالب استعمالها في المضي ؛ لكن ظاهر العبارة يوهم أنها الامتناعية وأنها تارة تصرف المضارع إلى المضي وتارة تصرفه إلى الاستقبال ؛ لكن الغالب صرفها إلى المضي ، وليس كذلك لما تبين من أنها نوعان (٤).

وقد وافق المصنف الجزولي (٥) في تسمية لو الامتناعية شرطية. وناقش الأبذي ـ

__________________

الدنيا عليها شعرا في حياتها وبعد موتها مدح كثيرا من خلفاء بني أمية كعبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز ، واستقر به المقام في مصر بعد الإقامة في المدينة ودمشق وكان قبيح المنظر إلا أن شعره رفع مجلسه إلى الملوك. له ديوان مشروح. توفي سنة (١٠٥ ه‍). انظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٥١٠) ، وفيات الأعيان (٤ / ١١٣) ، الأعلام (٦ / ٧٢).

(١) البيتان من بحر الكامل وهما من مقطوعة صغيرة لكثير عزة (انظر ديوانه ص ٤٤١) ، ومعناهما واضح ، وهما في العشق والهيام بالمحبوب.

ويستشهد النحاة بالبيت الثاني : على أن الفعل المضارع إذا وقع بعد لو الشرطية صرفته إلى المضي ؛ فمعنى لو يسمعون كما سمعت : لو سمعوا كما سمعت.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٧) والتذييل والتكميل (١ / ١٠٤) ومعجم الشواهد (ص ٩٨).

(٢) البيت من بحر الرمل من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة صدرها ابن قتيبة في الشعر والشعراء (١ / ٢٨٦) بقوله : وممّا يستجاد له. وذكر أبياتا منها. والقصيدة في الديوان (ص ١٣٩).

وزحل : في معنى زل أيضا. والشاهد فيه كما في البيت قبله.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٩٩) وليس في معجم الشواهد.

(٣) وهي التي يتخلص المضارع معها للاستقبال ، كقوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ...) [البقرة : ٩٦].

(٤) شرطية في المستقبل وهي التي بمعنى إن ، وشرطية في الماضي وهي المسماة بالامتناعية.

(٥) وافق الأول الثاني ؛ لأن ابن مالك توفي سنة (٦٧٢ ه‍) ، والجزولي توفي سنة (٦١٠ ه‍). وانظر رأي الجزولي في تسمية لو الامتناعية شرطية ، كتابه المسمى بالمقدمة الجزولية (ص ٣٣) تحقيق د. / شعبان عبد الوهاب.

٢٠٨

______________________________________________________

الجزولي في ذلك ، فقال : ليست ـ يعني الامتناعية ـ شرطا لا في اللفظ ؛ لأنها لا تجزم ، ولا في المضي ؛ لأن الشرط إنما يكون بالنظر إلى الاستقبال.

ومنها إذ :

نحو قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)(١) المعنى : وإذ قلت.

ومنها ربما :

نحو قول الشاعر :

٣٩ ـ ربّما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال (٢)

أي ربما كرهت.

وإنما صرفت معنى المضارع إلى المضي (٣) ؛ لأنها قبل اقترانها بما مستعملة في المضي ، فاستصحب بعد الاقتران ما كان لها قبله ؛ بل هي بذلك أحق ؛ لأن ما ـ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٧.

(٢) البيت من بحر الخفيف وهو في معجم الشواهد العربية (ص ٣٢٣) مذكور في مراجع كثيرة جدّا. وقد اختلف في قائله ، فقيل : لأبي قيس اليهودي وقيل لابن صرمة الأنصاري وقيل لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب ، وقد وجدته في معجم الشعراء (ص ٧٢) منسوبا لعمير الحنفي مع قصة له. كما وجدته في ديوان أمية بن أبي الصلت (ص ٤٩) ، وأيضا في ديوان عبيد بن الأبرص (ص ١١١) ثالث أبيات ثلاثة وقبله :

لا تضيقنّ بالأمور فقد تك

شف غمّاؤها بغير احتيال

اللغة : الفرجة : بالفتح المرة من الفرج وبالضم في الحائط ونحوه ، واقرأ قصة فتح الفاء وضمها في الدرر : (١ / ٤).

والشاهد في البيت هنا قوله : ربما تكره ؛ حيث جعل ربما صارفة المضارع إلى المضي بعد أن جعل ربما كلها كلمة واحدة ، واستشهد سيبويه بالبيت على أن رب لا يليها إلا نكرة ؛ فما فيه بمعنى شيء والجملة بعدها صفة (الكتاب : ١ / ١٠٩ ، ٣٠٩) وانظر هذا البيت لهذا الشاهد في باب الموصول.

وانظر البيت في التذييل والتكميل (١ / ١٠٦) وفي معجم الشواهد (ص ٣٢٣).

ترجمة عبيد بن الأبرص : هو عبيد بفتح العين وكسر الباء ابن الأبرص ، أحد شعراء الجاهلية المشهورين ويعد من المعمرين ، قتله النعمان بن المنذر في يوم بؤسه ، وكان عبيد يريد أن ينشده شعرا ، فقال له النعمان : حال الجريض دون القريض. فسارت مثلا والجريض هي الغصة ، والمعنى : حال الموت دون الشعر ثم قتله.

انظر ترجمته في وفيات الأعيان (٣ / ٣٢٩) ، الشعر والشعراء (١ / ٢٧٣).

(٣) انظر في التعليل : شرح التسهيل (١ / ٢٩) ولم يشر إليه الشارح.

٢٠٩

______________________________________________________

للتوكيد فيتأكد بها معنى ما يتصل به ما لم يقلبه من معنى إلى معنى كما فعلت بإذ حين قيل فيها إذما. ومفارقتها في الدلالة على المضي وحدث فيها معنى المجازاة.

وقد ذكر المصنف في باب حروف الجر من هذا الكتاب أنه لا يلزم مضي ما يتعلق بربّ ؛ بل قد يكون مستقبلا ، وأنشد أبياتا منها قول جحدر اللص (١) :

٤٠ ـ فإن أهلك فربّ فتى سيبكي

على مهذّب رخص البنان (٢)

وقول سليم القشيري (٣) :

٤١ ـ ومعتصم بالحيّ من خشية الرّدى

سيودي وغاز مشفق سيئوب (٤)

قال : وقد يكون حالا ، انتهى (٥). ـ

__________________

(١) هو جحدر بن مالك الحنفي ، شاعر أموي عاصر الحجاج ، وكان يقطع الطريق على هجر وناحيتها ، فأمر به الحجاج ، فأتي به إليه ، فسأله عما حمله على ذلك فقال جحدر : جراءة الجنان ، وجفوة السلطان ، وكلب الزمان ... فجمعه الحجاج بأسد ليقتله ، فقتل جحدر الأسد ، وخلّى الحجاج سبيله.

(٢) البيت من بحر الوافر ، قائله جحدر بن مالك اللص من قصيدة طويلة. (انظر القصيدة كلها وخبر ذلك في الأمالي لأبي علي (١ / ٣٣٢). وبعد بيت الشاهد قوله :

ولم أك قد قضيت حقوق قومي

ولا حقّ المهنّد والسّنان

ويستشهد به هنا على أن ما بعد ربّ قد يكون مستقبلا.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ١٠٦) ، وفي شرح التسهيل : (٣ / ١٧٩) (باب حروف الجر).

(٣) لم أعثر له على ترجمة أبدا في كتب التراجم أو الطبقات على الرغم من كثرة ما رأيته .... معجم الأدباء لياقوت ، معجم الشعراء للمرزباني. طبقات الشعراء لابن قتيبة وابن المعتز وابن سلام ، الأعلام للزركلي ، معجم المؤلفين لكحالة ، وفيات الأعيان. فوات الوفيات. الوافي بالوفيات ... إلخ.

(٤) البيت من بحر الطويل نسبه الشارح وهو من الحكم ، ومعناه من قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨] كما أن الأمر هو : كم من خائض سبيل الموت ثم ينجو.

وشاهده قوله : ومعتصم .. سيودي حيث جاء الفعل بعد الواو النائبة عن ربّ مستقبلا والبيت في شرح التسهيل (٣ / ١٧٩) (باب حروف الجر).

(٥) انظر شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٧٩).

ومما أنشده أيضا من مجيء ما يتعلق بربّ مستقبلا قول هند أم معاوية (مجزوء الكامل) :

يا ربّ قائلة غدا

يا لهف أمّ معاوية

ومثله (من البسيط) :

يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم

لاقى مباعدة منّا وحرمانا

ومما أنشده من مجيئه حالا قول عمر بن أبي ربيعة (من الطويل):

٢١٠

______________________________________________________

والقائلون بأن ربما تصرف معنى المضارع إلى المضي يوردون على أنفسهم قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١).

فيقولون : ظاهره أن الفعل بعد ربما مستقبل [١ / ٤٥] ؛ لأنهم لا يودون ذلك إلا في الآخرة.

ويجيبون بأن التقدير ربما ودّ ؛ فيكون من قبيل ما جعل فيه المستقبل بمنزلة الماضي ؛ فربّ صارفة معنى يود إلى الماضي. وجاز التعبير بالماضي عن المستقبل لصدق الوعد به ، ولقصد التقريب لوقوعه ، فجعل كأنه وقع مجازا ، كما قال الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٢).

وفي كلام المصنف ما يشعر بأنه لا يلتزم السؤال الذي أورد هنا ، وأنه يحمل الآية الكريمة على ظاهرها من الاستقبال ؛ لأنه قال :

قال ابن السراج (٣) في قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٤) بأنه لصدق الوعد ، كأنه قد كان ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)(٥). والصحيح عندي : أن إذ قد يراد بها الاستقبال كما يراد بها ـ

__________________

تقول ولم تعلم عليّ خيانة

ألا ربّ باغ الرّبح ليس برابح

وقول الآخر :

ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين

(١) سورة الحجر : ٢.

(٢) سورة النحل : ١. وقوله : وجاز التعبير ... إلخ أي بناء على أن ما يلي ربّ هو الماضي في الأصل لفظا ومعنى أو معنى فقط كهذه الآية وعليه يصح التعليل في قوله السابق. وإلا فالفعل في الآية : (رُبَما يَوَدُّ) مستقبل لفظا ومعنى.

(٣) انظر كتابه المشهور له : أصول النحو : (١ / ٥١١) بتحقيق عبد الحسين الفتلي (بغداد ـ العراق). وابن السراج : هو محمد بن السري البغدادي النحوي أبو بكر ، قرأ كتاب سيبويه على المبرد ثم انصرف عن النحو إلى الاشتغال بعلم الموسيقى. وذات يوم حضر مجلس الزجاج فأخطأ في مسألة فوبخه الزجاج فيها فعاد إلى النحو ونظر في دقائق مسائله حتى برع فيه ، توفي شابّا سنة (٣١٦ ه‍).

مصنفاته : كتاب الأصول في النحو ، وهو مطبوع مشهور في ثلاثة أجزاء. وهو كتاب عظيم ، قيل فيه قديما : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله.

وذكرت المراجع له كتبا أخرى وهي : شرح كتاب سيبويه ، جمل الأصول ، الشعر والشعراء .. إلخ.

وانظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٠٩) ، الأعلام (٧ / ٦).

(٤) سورة الحجر : ٢.

(٥) سورة سبأ : ٥١.

٢١١

______________________________________________________

المضي فمنه قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ)(١) وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها)(٢) فأبدل يومئذ من إذا (٣) ؛ فلو لم تكن صالحة للاستقبال ما أبدل يوم المضاف إليها من إذا ، انتهى.

ومنها قد :

قال المصنف : إذا دخلت قد على المضارع فهي كربما في التقليل والصرف إلى معنى المضي. هذا ظاهر قول سيبويه ؛ فإنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم (٤) :

وأمّا قد فجواب لقوله لمّا يفعل فتقول قد فعل ثم قال : فتكون قد بمنزلة ربّما.

قال الهزلي :

٤٢ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله

كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٥)

كأنه قال ربما. هذا نصه.

فإطلاقه القول بأنها بمنزلة رب موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي (٦) فإن خلت من التقليل خلت غالبا من الصرف إلى معنى المضي وتكون ـ

__________________

(١) سورة غافر : ٧٠ ، ٧١. (٢) سورة الزلزلة : ٤.

(٣) أي في قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].

(٤) انظر : الكتاب (٤ / ٢٢٣).

(٥) البيت من بحر البسيط قاله عبيد بن الأبرص من قصيدة يفتخر فيها بنفسه وبقومه (انظر ديوانه ص ٤٩ ، ومختارات ابن الشجري ص ٤٠٧).

اللغة : القرن : الشجاع الكفء في الشجاعة ، مصفرّا أنامله : ميتا. مجت بفرصاد : رشت به وهو ماء التوت ؛ يريد أن الدم على ثيابه كماء التوت ؛ وفي البيت فخر بالشجاعة والحماس في القتال.

وتداول الاستشهاد على أن قد بمنزلة ربّما ، قال ابن مالك : في التقليل والصرف إلى المضي ، ورده أبو حيان وانظر تعليقنا بعد قليل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩) والتذييل والتكميل (١ / ١٠٧) ومعجم الشواهد (ص ١٢٠).

(٦) اعترض أبو حيان على ابن مالك في هذا الفهم فقال :

لم يبين سيبويه الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما وعدم التبيين لا يدل على التسوية في الأحكام ؛ بل يستدل بكلام سيبويه على نقيض ما فهم منه المصنف وهو أن قد بمنزلة ربما في التكثير فقط ؛ ويدل عليه إنشاد البيت ؛ لأن الإنسان لا يفتخر بشيء يقع منه على سبيل القليل والندرة ؛ وإنما يفتخر بما يقع منه على سبيل الكثرة فتكون قد هنا بمنزلة ربما في التكثير كقول امرئ القيس (من الطويل) :

ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال

انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٠٨).

٢١٢

______________________________________________________

حينئذ للتحقيق ، كقوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ)(١).

ومنه قول الشاعر :

٤٣ ـ وقد يدرك الإنسان رحمة ربّه

ولو كان تحت الأرض سبعين واديا (٢)

وقد تخلو من التقليل وهي صارفة لمعنى المضي ، كقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)(٣) ، (٤). فثبت لها مع المضارع معنيان وهما التقليل والتحقيق وأنها مع التقليل تصرف معنى الفعل إلى المضي ومع التحقيق لا تصرفه غالبا وقد تصرفه (٥).

وقوله : في بعض المواضع (٦) قيد في قد فقط. وقد يوهم إظهار حرف الجر مع إذ ؛ حيث قال : وبإذ وربما وقد أن ذلك قيد في الثلاثة ، وليس كذلك لما تبين من أن إذ وربما يصرفانه إلى المضي ، ولا يكفي أن يقال : قد يخلصانه للمستقبل كما هو اختيار المصنف ؛ لأن ذلك قليل والصرف إلى المضي هو الكثير فلا يقيده بقوله : في بعض المواضع.

قال الأبذي : «ومن القرائن الصّارفة معنى المبهم إلى المضيّ عطفه على الماضي نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)(٧) أي فأصبحت ، وعطف الماضي عليه كقول الشاعر : ـ

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٣.

(٢) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ذكر من مراجع. ومعناه من قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦].

وشاهده : وقوع قد للتحقيق وإن دخلت على المضارع.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩) والتذييل والتكميل (١ / ١٠٨) وليس في معجم الشواهد.

(٣) سورة البقرة : ١٤٤.

(٤) هذا آخر ما نقله الشارح من المصنف. وانظر شرح التسهيل (١ / ٢٩).

(٥) وعليه فأحوال قد مع المضارع ثلاثة :

١ ـ مفيدة للتقليل والصرف إلى المضي ، كقول الشاعر : قد أترك القرن ، أي قد تركت.

٢ ـ مفيدة للتحقيق مع بقاء الاستقبال ، كقوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ.)

٣ ـ مفيدة للتحقيق مع صرفه إلى المضي ، كقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ.) والاستعمال الثالث هو القليل.

(٦) أي في المتن ، وذلك لأنه قال فيه : وينصرف المضارع إلى المضي بلم ولما الجازمة ولو الشرطية غالبا ، وبإذ وربما وقد في بعض المواضع.

(٧) سورة الحج : ٦٣.

٢١٣

______________________________________________________

٤٤ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (١)

[١ / ٤٦] يريد : ولقد مررت».

قال (٢) : «ومنها لمّا المحتاجة إلى جواب نحو قولهم : لمّا يقوم زيد قام عمرو.

وقال تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا)(٣) أي جادلنا. هكذا قال ، وأطلق ؛ فيفهم منه أنه ينصرف بها إلى المضي سواء اتصل بها كما مثل به ، أم كان جوابا لها كما في الآية الكريمة. لكن في تمثيله بلما يقوم زيد قام عمرو نظر :

وهو أنه قد تقدم في كلام المصنف (٤) أن لما غير الجازمة لا يليها إلا الماضي لفظا ومعنى إن كانت بمعنى حين ، أو الماضي لفظا المستقبل معنى إن كانت بمعنى إلا.

وأما جواب لما في الآية الكريمة ففيه وجهان :

أحدهما : ما ذكره وهو (يجدلنا) فهو مستقبل لفظا ماض معنى.

والثاني : أنه محذوف تقديره : أقبل يجادلنا ويجادلنا حال ، فلم يتعين ما ذكره في الآية الكريمة ، ولم يتحقق صحة المثال الذي ذكره ؛ فلا استدراك حينئذ.

قال : ومنها : وقوعه خبرا لكان وأخواتها ، نحو كان زيد يقوم ؛ فأما وقوعه حالا من اسم قد عمل فيه عامل معناه المضي ، نحو جاء زيد يضحك ؛ فإنما ذلك على حكاية الحال الماضية فليس إذا مصروفا عن معناه.

قال : ومنها أيضا عندي إعماله في الظرف الماضي : نحو : ـ

__________________

(١) البيت من بحر الكامل من مقطوعة عدتها أربعة أبيات لشمر بن عمرو الحنفي أحد شعراء بني حنيفة الذي قتل المنذر بن ماء السماء مع جماعة وهي في الأصمعيات (ص ١٢٦) وبعده :

غضبان ممتلئا عليّ إهابه

إني وربّك سخطه يرضيني

ونسبه صاحب الدرر (١ / ٤) ، البيت لرجل من بني سلول يصف نفسه بالحكمة والوقار.

وقد اختلف الاستشهاد بالبيت :

فابن هشام رأى فيه شاهدا على تعدي مر بعلى ، وإن كان الأكثر فيه التعدي بالباء (المغني : ١ / ١٠٢). وغيره على أن التعريف بأل الجنسية لفظي لا يفيد التعيين ، فاستشهدوا به في أبواب الحال والنعت والمعرف بأل.

وهو شاهد هنا على تعين المضارع للمضي إذا عطف الماضي عليه.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ١٠٩) وفي معجم الشواهد (ص ٤١١) في مراجع كثيرة.

(٢) القائل هو الأبذي. وهي مستدركات استدركها على الجزولي عند شرحه لكتابه القانون في النحو.

(٣) سورة هود : ٧٤. (٤) انظر شرح أول هذا المتن.

٢١٤

[صرف الماضي إلى الحال والاستقبال]

قال ابن مالك : (وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء ، وإلى الاستقبال بالطّلب والوعد ، وبالعطف على ما علم استقباله ، وبالنّفي بلا وإن بعد القسم).

______________________________________________________

 ٤٥ ـ يجزيه ربّ العالمين إذ جزى

جنّات عدن في العلاليّ العلا (١)

كأنه قال : جزاه رب العالمين إذ جزى ، وجعل الوعد بالجزاء جزاء. وهذا أولى من أن يعتقد في إذ أنها بمنزلة إذا ؛ لأن صرف معنى المبهم إلى المضي لقرينة قد ثبت في كلامهم ، ولم يثبت بقاطع وضع إذ موضع إذا.

قال ناظر الجيش : قال المصنف : «الإنشاء في اللغة مصدر أنشأ فلان يفعل كذا ، أي ابتدأه ، ثم عبر به عن إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود كإيقاع التزويج بزوجت ، والتطليق بطلقت والبيع والشراء ببعت واشتريت ؛ فهذه الأفعال وما شابهها ماضية اللفظ حاضرة المعنى بقصد الإنشاء بها ؛ فهذه قرينة تصرف الماضي إلى الحال» انتهى (٢).

وقد علمت مما تقدم : أن الكلام هنا ليس في نقل الصيغ من معنى إلى آخر ؛ إنما هو في تغيير زمانها مع بقائها على المعنى الذي هي موضوعة له ، وأن المصنّف ـ

__________________

(١) البيتان من الرجز المشطور والأول منهما في معجم الشواهد (ص ٥٦٥) قائلهما أبو النجم العجلي ، وقد رويا برواية أخرى (الأمالي الشجرية : ١ / ٤٥ ، ١٠٢).

ثمّ جزاه الله عنّا إذ جزى

جنّات عدن في العلاليّ العلا

واستشهد به ابن الشجري : على أن الشاعر وضع إذ التي للظرف الماضي مكان إذا التي للمستقبل ؛ وذلك لتحقق الوقوع.

والاستشهاد به هنا : أن المضارع منصرف إلى المضي إذا عمل في ظرف ماض وهو هنا يجزيه العامل في إذا. وانظر البيت في التذييل والتكميل (١ / ١٠٩) وفي معجم الشواهد (ص ٥٦٥).

ترجمة «أبو النجم» : هو الفضل بن قدامة من عجل ، كان ينزل بسواد الكوفة في موضع يقال له الفرك أقطعه إياه هشام بن عبد الملك لما مدحه بأرجوزته التي أولها : الحمد لله الوهوب المجزل.

كانت بينه وبين العجاج منافرات ، وكان وصّافا للفرس.

انظر ترجمته في الشعر والشعراء : (٢ / ٦٠٧) والخزانة : (١ / ٤٨).

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٠).

٢١٥

______________________________________________________

توجهت عليه المؤاخذة في ثلاثة مواضع من هذا الفصل.

أحدها : قوله في المضارع : إنه يتخلص للاستقبال باقتضائه طلبا (١).

الثاني : ما ذكره هنا من انصراف الماضي إلى الحال بالإنشاء (٢).

وذكر أنه ينصرف إلى الاستقبال بأمور منها :

الطلب (٣) : نحو : غفر الله لي ونصر الله المسلمين وخذل الكافرين وعزمت عليك إلّا فعلت ولمّا فعلت ، ومن كلامهم : «اتّقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» هذه مثل المصنف. قال : فغفر وما يليها دعاء ، وإلا فعلت ولما فعلت معناه إلا أن تفعل ، ومعنى اتقى : ليتق. ولذلك جزم يثب ، انتهى (٤) [١ / ٤٧] وهذا هو الموضع الثالث من مواضع المؤاخذة (٥).

ثم في كون الماضي في : إلا فعلت ولما فعلت يقتضي طلبا نظر ، ولا يلزم من كون معناه إلا أن تفعل الدلالة على الطلب الصناعي ، اللهم إلا أن يريد أن الفعل المذكور بعد إلا ولما في هذا التركيب مطلوب للمخاطب ، فيكون ذلك طلبا معنويّا لم يستفد من الفعل فقط ، إنما استفيد من الكلام بمجموعه.

ومنها : الوعد : نحو : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)(٦) وكذا : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(٧) ، ويمكن أن يقال في (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ :) إنه ليس وعدا وإن الإعطاء قد حصل فليس نظير (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها.)

ومنها : عطفه على ما علم استقباله ؛ كقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٨) ، (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ)(٩) أي فيوردهم ويفزع.

ومنها : نفيه بلا وإن بعد القسم : فمثال إن قوله تعالى : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)(١٠) أي ما يمسكهما. ـ

__________________

(١) انظر ما مضى من هذا التحقيق ، وقد مثل له بقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣].

(٢) ومثاله : بعت واشتريت عند إيقاع ذلك.

(٣) هذا هو الموضع الثالث من مواضع المؤاخذة كما سيبينه.

(٤) انظر شرح التسهيل : (١ / ٣٠).

(٥) كلمة مواضع في الأصل فقط.

(٦) سورة الكوثر : ١.

(٧) سورة الزمر : ٦٩.

(٨) سورة هود : ٩٨.

(٩) سورة النمل : ٨٧. (١٠) سورة فاطر : ٤١.

٢١٦

______________________________________________________

ومثال لا قول الشاعر :

٤٦ ـ ردوا فوالله لا ذدناكم أبدا

ما دام في مائنا ورد لنزّال (١)

قال الشيخ : «ليس هذا الحكم بصحيح والماضي المنفي بإن أو بلا بعد قسم باق على المضي معنى ؛ وإنما انصرف إلى الاستقبال في الآية الكريمة والبيت بقرينة غير ذلك.

أما الآية الكريمة فإنما انصرف فيها لأنه في المعنى معلق على فعل مستقبل وهو الشرط ؛ لأن : إن أمسكهما جواب للقسم المحذوف ، وجواب الشرط المحذوف مستقبل مطلقا فكذلك ما دل عليه وهو جواب القسم.

وأما البيت فإنما انصرف الفعل فيه إلى الاستقبال بإعماله في الظرف المستقبل ، وهو قوله : أبدا» انتهى (٢).

وما قاله الشيخ في الآية الكريمة والبيت ظاهر ، ولكنه فهم أن المصنف يوجب صرف الماضي إلى الاستقبال بهاتين القرينتين وليس كذلك ؛ لأن المصنف قد صرح في باب القسم بأن ذلك جائز ؛ فإنه قال حين ذكر : ما ولا وإن : «إلّا أنّ المنفيّ بها في القسم لا يتغيّر عمّا كان عليه دون قسم (٣) ، إلا إن كان فعلا موضوعا للمضيّ ؛ فقد يتجدّد له الانصراف إلى معنى الاستقبال» ، ومثل بقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ)(٤) وبالآية الكريمة المذكورة هنا وبالبيت المذكور (٥) ، فيحمل المطلق من كلام المصنف على المقيد من كلامه في باب القسم (٦). ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط لم ينسب فيما ورد من مراجع.

اللغة : ردوا : من الورود ويكون في الماء وغيره.

وصاحبه يتمدح بالكرم وبلوغ النهاية فيه.

وقد استشهد به على أن الفعل الماضي ينفى بلا وإذا نفي بلا تعين للاستقبال على ما قاله ابن مالك ورده أبو حيان كما في الشرح. وانظر البيت والتعليق عليه في شرح التسهيل (١ / ٣١). وفي التذييل والتكميل : (١ / ١١١).

وفي معجم الشواهد (ص ٣١٤).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١١١).

(٣) في (ب) ، (ج) : عما كان عليه دون إن وما أثبتناه من الأصل ومن شرح التسهيل لابن مالك أيضا.

(٤) سورة البقرة : ١٤٥.

(٥) أما الآية فهي قوله تعالى : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما) [فاطر : ٤١] وأما البيت فهو الذي أوله : ردوا فوالله ... إلخ.

(٦) انظر كلام الشارح هذا في الباب المذكور من شرح التسهيل لابن مالك ورقة ١٧٠ ب (مخطوط بدار الكتب رقم ١٠ ش نحو).

٢١٧

______________________________________________________

ومن القرائن الصارفة الماضي إلى الاستقبال ، وذكرها الأبذي :

أدوات الشرط : نحو إن قام زيد قام عمرو ، ولا خلاف في شيء من ذلك إلا كان زعم المبرد (١) أنها لقوتها في الزمان الماضي من حيث تجردت للدلالة عليه لم تتغير دلالتها بأدوات الشرط كغيرها ، فتقول : إن كان زيد قد قام فيما مضى ، فقد قام عمرو. وقال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)(٢) معناه عند المبرد : إن كنت قلته فيما تقدم فقد علمته. والصحيح مذهب الجمهور بدليل ورودها في بعض المواضع ، والمعنى على الاستقبال. قال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(٣).

وأما الآية المتقدمة فتحتمل تقديرين :

أحدهما : إضمار أكون أي : إن أكن فيما يستقبل موصوفا بأني كنت قلت ذلك فيما مضى ، فقد علمته. والآخر : إضمار أقول أي : إن أقل كنت قلته [١ / ٤٨] وفي هذا الثاني من حيث المعنى نظر.

ومنها أيضا : لو (٤) في أحد قسميها (٥) ؛ كقوله تعالى : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ)(٦) ، وما تقدم من قول الشاعر :

٤٧ ـ قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النّساء ولو باتت بأطهار (٧)

ومنها : إعماله في الظرف المستقبل ؛ كقول الشاعر :

٤٨ ـ وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت إذا تغوّرت النّجوم (٨)

__________________

(١) لم أعثر عليه في المقتضب ولا رأيت أحدا ـ فيما رأيت ـ نسبه إليه. والآية وشاهدها في هامش شرح الكافية : (٢ / ٢٢٥) للرضي ولم تسند للمبرد.

(٢) سورة المائدة : ١١٦.

(٣) سورة المائدة : ٦.

(٤) أي من القرائن الصارفة الماضي إلى الاستقبال.

(٥) وهي التي بمعنى إن والمسماة بالشرطية.

(٦) سورة آل عمران : ٩١.

(٧) البيت من بحر البسيط للأخطل يمدح به يزيد بن معاوية. وشاهده : هو أن الفعل الماضي بعد لو ينصرف بها إلى الاستقبال ؛ لأنها بمعنى إن.

(٨) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة للبرج بن مسهر في الغناء والكأس والنديم والشراب ، وهي في شرح ديوان الحماسة (٣ / ١٢٧٢).

والشاهد فيه قوله : سقيت إذا .. إلخ. حيث انصرف الماضي إلى الاستقبال بقرينة عمله في الظرف المستقبل.

ومثل الشاهد قولك : نجحت إذا ذاكرت ، أي تنجح إذا ذاكرت. كما استشهد به في باب الممنوع من الصرف

٢١٨

[احتمال الماضي للحال والاستقبال]

قال ابن مالك : (ويحتمل المضيّ والاستقبال بعد همزة التّسوية وحرف التّحضيض وكلّما وحيث وبكونه صلة أو صفة لنكرة عامّة).

______________________________________________________

أي أسقيته إذا تغورت النجوم.

ومنها : إضافة اسم الزمان المستقبل إليه ، نحو خروج زيد إذا قام عمرو أي إذا يقوم عمرو.

ومنها : عطفه على المستقبل وعطف المستقبل عليه ، نحو قعد زيد وسيقوم ، أي سيقعد زيد وسيقوم ، وكذا سيقوم زيد وقعد أي : وسيقعد (١) وهذه الثانية (٢) قالها المصنف (٣).

ومنها : وقوعه في صلة لما المصدرية إذا كان العامل فيها المستقبل ، كقولك : افعل خيرا ما دمت حيّا أي ما تدوم حيّا ؛ إلا أن العرب لا تستعمل بعدها إلا الماضي (٤) ؛ لأن معنى الكلام كمعنى الشرط المحذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه ، كأنك قلت : افعل هذا ما دمت حيّا وهم لا يحذفون جواب الشرط إلا إذا كان فعل الشرط ماضيا كقولهم : أنت ظالم إن فعلت ، ولا يقولون : إن تفعل.

قال ناظر الجيش : اعلم أن المراد بالاحتمال أن الماضي إذا وقع بعد ما ذكره جاز أن يراد به المضي في محل ، وأن يراد به الاستقبال في محل آخر. وذلك بحسب ما يفهم من السياق ؛ وقد يحتملهما في محل واحد ويختلف حينئذ التأويل. ـ

__________________

على صرف ندمان لأن مؤنثه بالتاء (شذور الذهب : ص ٤٩٠).

ترجمة الشاعر : هو البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي ، شاعر من معمري الجاهلية ، كانت إقامته في بلاد طيّئ (بلاد شمر اليوم) مات قبل الهجرة بنحو ثلاثين سنة ، له شعر في ديوان الحماسة.

انظر ترجمته في الأعلام (٢ / ١٦).

(١) في التمثيل لف ونشر مشوش : المثال الأول للقاعدة الثانية والمثال الثاني للقاعدة الأولى.

(٢) أي المسألة الثانية من مسائل صرف الماضي إلى المستقبل ، وهي عطف الماضي على المستقبل.

(٣) انظر شرح التسهيل : (١ / ٣٠) ، وقد مثل المصنف لتلك المسألة بقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ ...) إلخ ، وقوله : (... وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ...) إلخ ، وهو أحسن من تمثيل ناظر الجيش.

(٤) أي بعد ما المصدرية ، ومنه قول الشاعر (من الوافر) :

يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ......إلخ

٢١٩

______________________________________________________

فمثال الواقع بعد همزة التسوية قولك : سواء عليّ أقمت أم قعدت ؛ فيجوز أن يكون المراد : سواء عليّ ما كان منك من قيام أو قعود ، وأن يكون سواء على ما يكون منك منهما ، وسواء أكان المعادل فعلا كما مثل أم جملة اسمية ، كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١).

فإن كانت لم يعد أم تعين المضي كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٢) ؛ لأن المعادل المنفي بلم تعين صرفه بها إلى المضي فوجب مضي ما قبله.

ومثال الواقع بعد حرف التحضيض قولك : هلّا فعلت فتجوز إرادة المضي فتكون لمجرد التوبيخ ، ولا يكون اقترانه بحرف التحضيض مغيرا للفعل عن وصفه ، وتجوز إرادة الاستقبال فيكون بمنزلة الأمر.

قال المصنف : ولذلك احتج العلماء على وجوب العمل بخبر الواحد ، بقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)(٣) جعلوه بمنزلة لينفر ، وهذان المثالان من المواضع التي يحتمل فيها الفعل المضي والاستقبال في محل واحد.

ومثال الواقع بعد كلما والمعنى ماض : قوله تعالى : (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ)(٤). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها)(٥).

ومثال الواقع بعد حيث والمعنى على المضي : قوله تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(٦). ومثاله والمعنى على الاستقبال قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٧). ومثال الواقع صلة والمعنى ماض قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ)(٨). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)(٩).

وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر :

٤٩ ـ وإنّي لآتيكم يذكّر ما مضى

من الأمر واستنجاز ما كان في غد (١٠)

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٩٣.

(٢) سورة البقرة : ٦.

(٣) سورة التوبة : ١٢٢.

(٤) سورة المؤمنون : ٤٤.

(٥) سورة النساء : ٥٦.

(٦) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٧) سورة البقرة : ١٤٩ وأيضا : ١٥٠.

(٨) سورة آل عمران : ١٧٣. (٩) سورة المائدة : ٣٤.

(١٠) البيت من بحر الطويل قاله الطرماح بن حكيم كما في مراجعه (معجم الشواهد ص ١١٣).

٢٢٠