شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

اللهِ)(١) ويا ويح من ليس له ناصر.

قال الشيخ : «ويتناول أيضا تعريف الإضمار والعلميّة والإشارة» انتهى (٢).

وإنما خصّ الاسم به ليختص ؛ فيصح الإخبار عنه ويفيد الإسناد إليه.

ومنها : صلاحيته بلا تأويل لإخبار عنه أو إضافة إليه :

فمثال الإخبار : أنت ذاهب ، واختص به لأن معناه لا يتصور إلا فيه ، ومثال الإضافة إليه : غلامي وغلامنا.

واختص الاسم بذلك ؛ لأن المضاف إليه يخصص المضاف أو يعرفه ، والفعل لا يخصص ولا يعرف ؛ ولأن المضاف إليه يملك المضاف أو يستحقه والأفعال لا تملك ولا تستحق.

وقوله : بلا تأويل : قيد في الإخبار والإضافة. واحترز بذلك عما يخبر عنه ، أو يضاف إليه وليس باسم. وحينئذ يجب تأويله بالاسم ، فالإخبار عنه : نحو قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ)(٣) وقوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٤). ومنه قولهم : «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (٥). والإضافة نحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(٦) ، (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ)(٧). والتقدير : سواء عليكم دعاؤكم ، وصومكم خير لكم ، ويوم نفع الصادقين صدقهم ، ويوم تسيير الجبال ، وتقدير تسمع بالمعيدى : أن تسمع ، أي : سمعك بالمعيدي.

وتبين من هذا : أن غير الاسم لا يخبر عنه إلا بتأويله باسم ، سواء أكان فعلا أم جملة وهو الصحيح. ـ

__________________

(١) سورة يوسف : ٢٣.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٥٣).

(٣) سورة الأعراف : ١٩٣.

(٤) سورة البقرة : ١٨٤.

(٥) مثل من أمثال العرب يضرب لمن أخباره ومآثره خير من منظره ومرآه ، والمثل وأصله وهو طويل ـ في مجمع الأمثال (١ / ٢٢٧) وما بعدها. ودخلت الباء على المعيدي لتضمين تسمع معنى تحدث مبنيّا للمجهول.

والمثل روي بروايات ثلاث ذكرت واحدة وتوجيهها في الشرح ، والثانية : لأن تسمع. والثالثة : وهي المختارة : أن تسمع وتوجيههما ظاهر.

(٦) سورة المائدة : ١١٩.

(٧) سورة الكهف : ٤٧.

١٦١

______________________________________________________

ومنهم من أجاز الإخبار عن الفعل من غير تأويل (١).

وأما الإخبار عن الجملة فنقل ابن عصفور فيه ثلاثة مذاهب (٢) :

«المنع وهو الصّحيح ، والجواز وهو رأي بعض الكوفيّين ، والتّفصيل بين أن تكون الجملة في موضع فاعل أو مفعول لم يسم فاعله لفعل من أفعال القلوب وقد علّق ذلك الفعل عنها ؛ فيجوز نحو : ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وعلم أقام عبد الله أم خالد ، أو غير ذلك فلا يجوز».

والاستدلال لذلك أو عليه يذكر في باب الفاعل إن شاء الله تعالى (٣).

ومنها : عود ضمير عليه (٤) :

[١ / ٢٦] كعوده على مهما في قوله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ)(٥) وعلى ما ، في : ما أحسن زيدا ، إلا أن الضمير اسم ومدلوله ومدلول ما يعود عليه واحد فلا يكون العائد إليه الضمير غير اسم.

وزعم السهيلي (٦) أن مهما حرف وزعمه مردود بما ذكر. ـ

__________________

(١) ذهب بعض النحويين إلى أن الفعل يجوز الإخبار عنه. واستدلوا على ذلك بقول العرب : تسمع بالمعيدى ... إلخ وبقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الروم : ٢٤].

وقال آخرون : إنه ليس إخبارا عن الفعل وإنما هو إخبار عن الجملة ، والصحيح أن الفعل لا يخبر عنه ، ومنع بعضهم الإخبار عن الجملة أيضا ، وتأولوا ما سبق فقالوا : تسمع على تقدير أن تسمع ، ومن آياته متعلق بيريكم. انظر التذييل والتكميل.

(٢) انظر شرح الجمل لابن عصفور : (١ / ٩٤) بتحقيق إميل يعقوب ، دار الكتب العلمية (بيروت) ، باب الفاعل والمفعول به ، ففيه إشارة إلى هذه المذاهب الثلاثة.

(٣) قال ناظر الجيش في باب الفاعل : «المنقول أن من النحاة من يجيز وقوع الجملة فاعلا ، ثم ذكر عن ابن عصفور المذاهب الثلاثة التي ذكرها هنا وأسندها إلى أصحابها ، وذكر أدلة كل في بحث طويل شيق ، ثم قال : والصحيح أن وقوع الجملة موقع الفاعل لا يجوز بدليل أنه لا يوجد في كلامهم : يعجبني يقوم زيد ، ولا صحّ : أقام زيد أم لم يقم.

وختم بحثه قائلا : ويبعد في النظر والعقل كون الجملة فاعلة. ولكن أقوال الأئمة لا ترد ، وإنما ذكرت هذه المسألة مع استبعادي تصورها واعتقادي عدم صحتها لئلّا يخلو الكتاب عن ذكرها فيظنّ عدم الاطلاع عليها».

(٤) في نسخة (ب) : عود الضمير عليه.

(٥) سورة الأعراف : ١٣٢.

(٦) هو أبو زيد وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي. ولد سنة (٥٠٨ ه‍)

١٦٢

______________________________________________________

ومنها : إبدال اسم صريح منه :

نحو : كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ فصحيح اسم صريح ؛ لقبوله علامات الاسم كلها ، وهو مبدل من كيف إبدال الشيء من الشيء على سبيل التفصيل ، فكيف اسم. وكذلك : من جاءك أزيد أم عمرو؟ ولا أعلم مم احترز المصنف بقوله : صريح (١)؟

واعلم أنه كما استدل على الاسمية بإبدال اسم صريح من ذلك اللفظ ، يستدل عليها بعكسه ، وهو إبدال ذلك اللفظ من اسم صريح ، نحو : جئت يوم الجمعة إذ جاء زيد ، وأجيء يوم الأحد إذا يجيء عمرو ، فإذ وإذا اسمان لإبدالهما من اسم صريح ، أي : قابل لعلامات الاسمية ، ذكر المصنف ذلك في باب الظروف (٢).

ومنها : الإخبار به مع مباشرة الفعل :

نحو : كيف كنت؟ وخروج زيد إذا خرجت ، فكيف خبر كان ، وإذا خبر المبتدأ الذي هو خروج زيد ، وكلاهما مباشر لفعل ؛ فالإخبار بهما ينفي الحرفية ومباشرة الفعل تنفي الفعلية فتعينت الاسمية. ـ

__________________

وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة ، كان واسع العلم غزير المعرفة بالعربية واللغة والقراءات وعالما بالتفسير وصناعة الحديث حافظا للتاريخ والرجال والأنساب ، تصدر للإقراء والتدريس وبعد صيته في مراكش وغيرها ، وكان شاعرا ومن شعره مناجيا ربه :

يا من يرجّى للشدائد كلها

يا من إليه المشتكى والمفزع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة

فلئن رددت فأيّ باب أقرع

مصنفاته : له في النحو : نتائج الفكر. وهو كتاب محقق بكلية اللغة (رسالة دكتوراه) وقد طبع في ليبيا ، وله شرح الجمل لم يتم ولم أعثر عليه ، وله الروض الأنف في شرح السيرة وهو مطبوع ، وله كتب في التفسير. وقد توفي السهيلي سنة (٥٨١ ه‍).

وانظر في ترجمته : بغية الوعاة (٢ / ٨٢) ، والأعلام (٤ / ٨٦).

وقوله : وزعمه مردود بما ذكر أي : مردود بعود الضمير عليها في الآية الكريمة ، وانظر رأي السهيلي في مهما ودليله ورد الدليل في مغني اللبيب (١ / ٣٣٠).

(١) لما كان من علامات الاسم : إبداله من غيره وكانت هذه العلامة خافية على كثير ؛ حتى إنه لم يذكرها كثير من النحاة ، انظر الهمع (١ / ٥ ، ٦) ، شرح الرضي على الكافية (١ / ١٢) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٢٤) أكد تلك العلامة بأن يكون الاسم صريحا فلا احتراز من شيء.

(٢) انظر شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٢٠٧ ـ ٢١٠).

١٦٣

______________________________________________________

ومنها : موافقة ثابت الاسمية في لفظ أو معنى دون معارض :

فمثال الموافقة لفظا : وشكان وبطآن (١) فإنهما موافقان سكران وشكران. وهو وزن لا يوجد في الأفعال.

قال المصنف (٢) : «والحرفيّة منتفية بكونهما عمدتين. والحرف لا يكون إلّا فضلة».

ومثال الموافقة معنى : قد في نحو : قدك ، وقد زيد درهم فإنهما موافقان لحسب في المعنى وحسب ثابت الاسمية ؛ فوجب كون قد التي بمعناها اسما.

وقوله : دون معارض ، قيد في الموافقة معنى ، واحترز به من واو المصاحبة في نحو : استوى الماء والخشبة ؛ فإنها بمعنى مع ، ولا تلحق بها في الاسمية ؛ لأن الموافقة المعنوية عارضها كون الأسماء ليس فيها ما هو على حرف واحد إلا ومحله العجز ، كتاء الضمير ويائه وكافه ، لا الصدر.

والواقع صدرا وهو على حرف واحد إنما هو حرف ، كباء الجر ولامه ، وواو العطف وفائه. فلو حكم على واو المصاحبة بالاسمية لزم عدم النظير بخلاف الحكم عليها بالحرفية (٣).

قال المصنف (٤) : ومما يخرج بذكر المعارض من الموافق لثابت الاسمية : من ؛ فإن نسبتها من بعض نسبة الواو من مع ، إلا أن ذا معارض بكون من لا يليها مع مجرورها بعد إنّ إلا اسمها ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً)(٥) ، بخلاف بعض فلا يليها إلا الخبر.

بقي أن من إذا وقعت بعد إنّ كانت هي ومجرورها (٦) في موضع خبر إنّ ، وما ـ

__________________

(١) وشكان : بتثليث الواو وسكون الشين وفتح النون وهو اسم فعل بمعنى سرع ، تقول : وشكان ما يكون ذلك أي سرع (القاموس : ٣ / ٣٣٤).

وبطآن بضم الباء وفتحها : اسم فعل بمعنى بطؤ تقول فيه : بطآن ذا خروجا أي : بطؤ (القاموس : ١ / ٩).

(٢) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٣) ولم ينقل الشارح منه نصّا وإنما نقل بالمعنى.

(٣) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٣).

(٤) ما سيذكره غير موجود بشرح التسهيل ، لعله سقط من النسخة اليتيمة بدار الكتب : (١٠ ش نحو) وبالتالي غير موجود في تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، ود / المختون.

(٥) سورة آل عمران : ٧٨.

(٦) كلمة : هي ساقطة من الأصل.

١٦٤

______________________________________________________

بعدها ينتصب على أنه اسم إن ، وإذا وقعت بعض كانت هي اسم إن وما بعد بعض هو الخبر (١).

وها هنا بحثان :

الأول :

أورد الشيخ على قول المصنف في وشكان وبطآن : «وانتفت الحرفيّة بكونهما عمدتين» ، فقال : «العمدة في الاصطلاح : ما كان مرفوعا ، ولا يصحّ ذلك في هذين الاسمين [١ / ٢٧] لأنه لم يذهب أحد إلى أنهما في موضع رفع ، ومن جعل لأسماء الأفعال موضعا من الإعراب إنما جعله نصبا ، قال : ويحتمل أن يريد بالعمدة هنا أحد ركني الإسناد لكنّه ليس المصطلح ، ويلزم منه أن يكون قام من قولنا : قام زيد ، عمدة» (٢) انتهى.

أما قوله : إنه لم يذهب أحد إلى أنهما في موضع رفع فقد ذكر ابن الحاجب (٣) رحمه‌الله تعالى ، في موضع أسماء الأفعال أنه يجوز أن يكون رفعا وأن يكون نصبا ـ

__________________

(١) أي إن هذين المذكورين حروف. وهما واو المصاحبة ومن التبعيضية ، وإن وافقت الأولى اسما باتفاق وهو مع ، ووافقت الثانية اسما كذلك وهو لفظ بعض ، إلا أنّ هذه الموافقة : عارضها في الأولى : تصدير الكلمة وهي على حرف واحد. وذلك لا يكون اسما. والثانية : خالفت بعضا في موضع ذكره الشارح فانتفت عنها الاسمية.

(٢) انظر التذييل والتكميل (١ / ٥٨).

(٣) هو أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر الكردي الأصل. واشتهر بابن الحاجب ؛ لأن أباه كان حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي بالقاهرة.

ولد ابن الحاجب بإسنا من صعيد مصر سنة (٥٧٠ ه‍) وتعهده أبوه بالقاهرة فحفظ القرآن وتلقى العلوم وسافر إلى دمشق فعرف الناس فضله هناك. وتبحر في العربية وغلب عليه النحو ، كان فاضلا شاهد عدل. عرفه القاضي ابن خلكان من خلال شهادات له. ولما عاد إلى القاهرة درس بالمدرسة الفاضلية ، فتخرج على يديه كثيرون واستقر به المقام في الإسكندرية ، حتى مات بها سنة (٦٤٦ ه‍).

تصانيفه : كثيرة جدّا ورزقت الشهرة ، فمنها الكافية في النحو والشافية في الصرف وقد شرحهما كثيرون. انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (٥ / ٣٠٩) ، وله شرح المفصل للزمخشري (رسالة دكتوراه) وله شرح على كافيته. وله الأمالي النحوية عدة أجزاء ، منها إملاء على آيات قرآنية ، وآخر على أبيات شعرية وكله مطبوع مشهور. انظر ترجمة ابن الحاجب في الأعلام (٤ / ٣٧٤) ، بروكلمان : (٥ / ٣٠٨) ، نشأة النحو (ص ١٨٦).

١٦٥

قال ابن مالك : (وهو لعين أو معنى اسما أو وصفا).

______________________________________________________

وقدر ذلك بما يوقف عليه من كلامه (١) :

والتزام أن قام ، من قام زيد ، عمدة لا يضر ؛ لأن العمدة هنا المراد بها ما لا يستغنى عنه في التركيب الإسنادي ، وقام : أحد ركني الإسناد.

البحث الثاني :

لقائل أن يقول : ما ذكره المصنف من المعارض في من التبعيضية ، إنما يترتب على كونها لم يثبت اسميتها. ولو ثبت لكانت كبعض في أنها إذا وليت إنّ كان اسما لها. فكيف يحسن جعل ما يترتب وجوده على عدم ثبوت الاسمية ، مانعا منها؟ فظهر أن جواز جعل من اسما لإنّ موقوف على ثبوت اسميتها ، والمصنف عكس فجعل ثبوت اسميتها موقوفا على أنه لا يليها مع مجرورها بعد إنّ إلا الخبر (٢).

واعلم أن العلامات اللفظية (٣) مرجحة على المعنوية ولذلك حكم على وشكان وبطآن بالاسمية مع موافقتها في المعنى لوشك وبطؤ ، وحكم على عسى بالفعلية لاتصالها بضمائر الرفع البارزة وتاء التأنيث الساكنة ، مع موافقتها في المعنى للعلّ ، نبه على ذلك المصنف (٤).

قال ناظر الجيش : لما فرغ من ذكر علامات الاسم ، أراد أن يذكر ما وضع له على سبيل الإجمال. فالضمير في قوله : وهو ، راجع إلى الاسم المرتفع بقوله : ويعتبر.

ومراده أن مدلول الاسم قسمان : عين ومعنى. ـ

__________________

(١) قال ابن الحاجب في شرحه على الكافية في باب أسماء الأفعال : وللنّحويين في موضعها من الإعراب مذهبان :

أحدهما : أنها في موضع نصب على المصدر ، كأنك قلت في رويد زيدا إروادا زيدا أي : أرود إروادا زيدا. الثاني : أن تكون في موضع رفع بالابتداء ، وفاعلها ضمير مستتر والجملة وإن كانت مبتدأ وفاعلا يستغني فيها عن الخبر ، كما استغنى في : أقائم الزيدان؟ لما كانت بمعنى أيقوم الزيدان؟

قال : والثاني أوجه ؛ لأنه اسم جرد عن العوامل اللفظية ؛ فوجب أن يحكم بالابتداء فيه ، والفاعل سادّ مسد الخبر ، كما في قولك : أقائم الزيدان؟ والوجه الأول ضعيف (وقد علله).

انظر شرح الكافية لابن الحاجب : (٣ / ٧٤٤) المسمى شرح المقدمة الكافية في علم الإعراب.

تحقيق د / جمال مخيمر (مكتبة نزار مصطفى الباز ـ مكة المكرمة).

(٢) أترى أنه لا فرق بين التعبيرين. بل ما ذكره المصنف أوضح مما ذكره الشارح.

(٣) في نسخة (ب) : واعلم أن العلامة اللفظية.

(٤) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٣).

١٦٦

[علامات الفعل]

قال ابن مالك : (ويعتبر الفعل بتاء التّأنيث السّاكنة ، ونون التّوكيد الشّائع ولزومه مع ياء المتكلّم نون الوقاية ؛ وباتصاله بضمير الرّفع البارز).

______________________________________________________

فالعين : هو ما يقوم بنفسه ، والمعنى : هو ما يقوم بغيره ، وكل من العين والمعنى إما اسم وإما وصف ؛ لأن الدال على العين إما دال عليها دون تعرض لقيد ، وهو المعبر عنه باسم عين ، وإما دال عليها مع قيد ، وهو المعبر عنه بوصف العين. وكذا الدال على المعنى يقال فيه ذلك فالأقسام أربعة :

الأول : كرجل وامرأة ، الثاني : كعالم وحاكم ، الثالث : كعلم وحكم.

الرابع : كجلي وخفي.

وعلم من هذا : أن المراد بقوله : اسما : قسيم الوصف ، والاسم المقسم هو قسيم الفعل والحرف. فهما أمران ولهذا يصح أن يقال :

الاسم ينقسم إلى اسم وصفة.

والمعنى المذكور هنا غير المعنى في قولهم : الاسم يدل على معنى في نفسه ، فالمعنى الذي في الحد أعم من المعنى الذي هو قسيم العين ، إذ يطلب على العين ، وقسيمه الذي هو المعنى ، فللمعنى مدلولان كما أن للاسم مدلولين (١).

قال ناظر الجيش : اعتبار الفعل أيضا بأشياء :

منها : تاء التأنيث الساكنة :

وقيدت بالسكون ؛ تحرزا من المتحركة ؛ فإنها تلحق الاسم ، وهي علامة تميز ـ

__________________

(١) في النسخ : مدلولان وهو خطأ ، إلا أن يجعل اسم أن ضمير الشأن والجملة بعده خبرا.

أما مدلولا الاسم فهما :

١ ـ اسم دل على معنى نفسه كزيد وجمل. ونظيره الفعل والحرف.

٢ ـ اسم دل على عين وهو ما يقوم بنفسه : إما بغير قيد كرجل وامرأة ، وإما بقيد كعالم وحاكم ، ويطلق على هذا النوع الاسم القسيم للوصف.

أما مدلولا المعنى فهما :

١ ـ معاني الأسماء أي مسمياتها. ويشمل اسم العين كزيد ، واسم المعنى كعلم فهو عام.

٢ ـ ما دل على غير ذات ، كعلم وقيام. وهذا أخص مما قبله.

١٦٧

______________________________________________________

الفعل الماضي ، كما سيأتي ، متصرفا كان أو غير متصرف ، نحو : إن زكت هند فعست تفلح (١) ، ونعمت المرأة هي [١ / ٢٨].

قال المصنف (٢) : «ما لم يكن أفعل للتّعجّب». واستقصر الشيخ هذه العبارة ، وقال : كان ينبغي أن يقول : ما لم يلزم تذكير فاعله ؛ ليدخل فيه أفعال الاستثناء : عدا وأخواتها. انتهى (٣). وهو نقد جيد.

ومنها : نون التوكيد :

وتلحق من الأفعال : المضارع والأمر وقد تلحق من الماضي : اللفظ المستقبل المعنى ، كقول الشاعر

٨ ـ دامنّ سعدك إن رحمت متيّما

لو لاك لم يك للصّبابة جانحا (٤)

ومنه ما ورد في الحديث : «فإمّا أدركنّ واحد منكم الدّجّال» (٥).

فدامنّ مستقبل ؛ لأنه دعاء ، وكذا أدركنّ ؛ لوقوعه بعد إن الشرطية. وقد تلحق أفعل في التعجب. ويذكر ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى (٦).

وقيد المصنف النون المذكورة بالشائع ؛ تحرزا من لحوقها الاسم شذوذا في قول الراجز : ـ

__________________

(١) لو قال : فعست أن تفلح ، لكان أحسن ، قال ابن مالك في خبر عسى :

وكونه بدون أن بعد عسى

نزر إلخ ............

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٥).

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٦٤).

(٤) البيت من بحر الكامل ، وهو في الغزل لقائل مجهول.

اللغة : دامن : دام لك السعد أبدا ، المتيم : من تيمه الحب إذا أذله. جانحا : من جنح إلى الشيء أي مال إليه. والشاعر يدعو لفتاته بأن تهنأ وتسعد ، بشرط أن تعطف عليه وترحمه ؛ لأنها السبب في بلائه.

وجواب إن رحمت ، محذوف دل عليه ما قبله. ولو لاك : كان الأفصح أن يقول فيه : لو لا أنت (الإنصاف : ٢ / ٦٨٨). والبيت ورد شاهدا على اقتران الماضي بنون التوكيد شذوذا ؛ لأنها خاصة بالمضارع والأمر ؛ لاستقبالهما الذي هو معناها. والذي سهله أنه ماضي اللفظ مستقبل المعنى.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٤) ، التذييل والتكميل (١ / ٦٥) ، معجم الشواهد (ص ٨١).

(٥) الحديث في صحيح مسلم (٨ / ١٩٥) كتاب الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته.

(٦) إنما قال : وقد تلحق أفعل في التعجب ، أي تلحقه نون التوكيد ؛ لأنه سبق أن بيّن أن تاء التأنيث لا تلحقه مطلقا. وذلك للزوم تذكير فاعله ، وما ذكر في باب التعجب هو أن ابن مالك قال : وربما أكد أفعل بالنون (انظر تسهيل الفوائد ص ١٣٠).

١٦٨

______________________________________________________

٩ ـ أقائلنّ أحضروا الشّهودا (١)

فإنه غير شائع.

وهذا الاحتراز يوهم بظاهره أن ثمّ نونين ، وقد كان يغنيه أن يقول : وشذ لحوقها الاسم.

ومنها : لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية :

ويلحق المتعدي من الأفعال ماضيا ومضارعا وأمرا. وقيد اللزوم مخرج للحروف التي تلحقها النون المذكورة ؛ فإن لحوقها إياه على سبيل الجواز وليس لازما.

قال الشيخ : «قد وجدنا نون الوقاية تلزم مع ياء المتكلّم في غير الفعل ووجدنا فعلا تتّصل به الياء ، ولا تلزم معه النّون ، فالأول : عليكي ، ولا يجوز عليكي فيه ، ولا فيما أشبهه ؛ فقد لزمت اسم الفعل ، والثاني : فعل التعجب ؛ فإن النون فيه غير لازمة فيقال : ما أكرمي» انتهى (٢).

أما الأول : فقد يجاب عنه بمنع لزوم النون فيه مع الياء ؛ لأن لنا أن نعمل هذا ـ

__________________

(١) بيت من الرجز المشطور لرؤبة في زيادات ديوانه (انظر مجموع أشعار العرب وهو يشتمل على ديوان رؤبة ص ١٧٣) وقبل هذا البيت قوله :

أريت إن جاءت به أملودا

مرجلا ويلبس البرودا

ومعنى الأبيات : أن رجلا من العرب أتى أمة له ، فلما حبلت خشي أن تكون بنتا فجحدها ، فأنشدت الأبيات قائلة له : لو كبرت هذه البنت وجاءها شاب حسن يخطبها ، أتعترف بها وتطلب شهودا لنكاحها.

والأملود : الغصن الناعم. ويقصد به هنا الشاب الفتي ، والمرجل : نظيف الشعر.

وقائلن : أصله : أقائلونن بواو الرفع وثلاث نونات.

ويستشهد بالبيت على شذوذ إلحاق نون التوكيد لاسم الفاعل وهي خاصة بالفعل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٤) ، والتذييل والتكميل (١ / ٦٥) ، ومعجم الشواهد (ص ٤٦٣).

ترجمة رؤبة : هو رؤبة بن العجاج. كان هو وأبوه شاعرين راجزين مشهورين. ورؤبة أكثر شعرا من أبيه وأفصح منه ، قال لأبيه : أنا أفصح منك لأني شاعر وابن شاعر وأنت شاعر فقط. أقام رؤبة بالبصرة ، ولحق الدولة العباسية ، ومدح المنصور وأبا مسلم ، كان بصيرا باللغة وغريبها. ولما مات قال الخليل فيه : دفنّا اللغة والشعر والفصاحة. مات بالبادية سنة (١٤٥).

انظر : ترجمته في معجم الأدباء (١١ / ١٤٩) ، الشعر والشعراء (٢ / ٥٩٨) ، خزانة الأدب (١ / ٣٨).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٦٦).

١٦٩

[أقسام الفعل]

قال ابن مالك : (وأقسامه : ماض ، وأمر ، ومضارع).

______________________________________________________

الاسم في الياء بطريق آخر ؛ فنقول في عليكني : عليك بي حكاه سيبويه (١).

وكذا يقال في : رويدني رويد لي ؛ فعلى هذا لا مندوحة في الفعل عن النون ، وأما في اسم الفعل فثم مندوحة.

وفي هذا الجواب نظر : وهو أن يقال : لزوم النون إنما هو مع اتصال الياء بالكلمة. وحيث اتصلت بعليك أو برويد لزمت النون مطلقا.

وأما الثاني : فيجاب عنه بأن المذكور خاصة وليس من شرط الخاصة الانعكاس ، أي : لا يلزم من عدمها العدم ، فلا يلزم من عدم لزوم النون في فعل التعجب عدم فعليته. وهو ظاهر (٢).

ومنها : اتصاله بضمير الرفع البارز :

فقيد الضمير بالرفع احترازا من ضميري النصب والجر ؛ لجواز اتصال الاسم والحرف بهما. وقيد بالبارز ؛ لأن المستتر يتصل بالاسم أيضا (٣). وأما البارز إذا كان مرفوعا ، فمختص بالفعل نحو : قاما ويقومان وقوما.

قال ناظر الجيش : لما فرغ من ذكر علامات الفعل ، أراد أن يذكر أقسامه الأولية التي يترتب عليها معرفة ما هو مبني ، وما هو معرب ، وما هو منها مبهم ، وما هو مختص بأحد الأزمنة الثلاثة.

واعلم أن الأفعال في الحقيقة إنما هي المعاني القائمة بالفاعلين ، أو الصادرة عنهم.

ولها ألفاظ تدل عليها ، كالقعود والضرب مثلا. وهي تستلزم زمانا غير معين.

والأزمنة ثلاثة : متقدم ومنتظر بالنسبة إلى زمن الإخبار : وهما الماضي والمستقبل ، ـ

__________________

(١) انظر : الكتاب (١ / ٣٦١) بتحقيق الأستاذ عبد السّلام هارون.

(٢) معناه أن وجود النون في الكلمة واتصالها بها ، يوجب فعليتها ولا عكس ، فقد تكون الكلمة فعلا دون اتصال النون بها ، كما مثّل بما أكرمي في التعجب ، مع أن هذا التعبير قليل نادر. والصحيح فيه اتصال النون ، فتقول : ما أكرمني ، وما أحسنني. ولم تقل العرب ما أكرمي وما أحسني (انظر شرح المفصل لابن يعيش : ٧ / ١٤٣).

(٣) مثال اتصال الضمير المنصوب بالاسم : الضاربك ، عند سيبويه. ومثال اتصاله بالحرف : اتصاله بإن وأخواتها ، وأما المجرور فيهما فهو كثير. ومثال اتصال الضمير المستتر بالاسم : الضمائر المستترة في الصفات.

١٧٠

______________________________________________________

وزمن الإخبار [١ / ٢٩] وهو الحال ، ولنا حاجة إلى الدلالة على الزمان المعين ؛ فاشتق من الألفاظ الدالة على هذه المعاني صيغ تفيد المعنى الذي تفيده تلك. ويفيد مع ذلك زمانا معينا ، ولزم أن تكون ثلاثة ألفاظ بحسب الزمان.

وسميت الألفاظ المشتقة أفعالا ، وأما الألفاظ المشتق منها فسميت أحداثا ومصادر ، وقد تسمى أفعالا باعتبار الأصل.

ولو قيل : إنما انقسمت الأفعال إلى ثلاثة لأن دلالة الكلام منحصرة في الطلب والخبر ، فلا بد من صيغ تميز بينهما ، فوضعوا للطلب صيغة الأمر ، والخبر إما عن ماض أو حال أو مستقبل ؛ فوضعوا للأول صيغة الماضي ، وللآخرين صيغة واحدة وهي المضارع ـ لكان أحسن.

وحذا المصنف في ذلك : الماضي أولا ثم الأمر ثم المضارع ، حذو سيبويه ؛ فإنه قال (١) : «وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، فبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، ولما هو كائن لم ينقطع» (٢).

ومثل للأول بذهب ، والثاني باذهب ويذهب ، ثم بيّن أن يذهب وشبهه يراد به الحال أيضا.

قال المصنف : «وكأنّ سيبويه لحظ في هذا التّرتيب أنّ المضارع لا يخلو من زيادة ، وأن الماضي والأمر يخلوان منها كثيرا ، والمتجرد من الزّيادة متقدم على المتلبس بها ؛ فقدّم ما له من التجرد نصيب على ما لا نصيب له فيه ، وتجرد الماضي أكثر من تجرد الأمر فقدّم عليه» (٣).

وعند الكوفيين أن الأمر مقتطع من المضارع ؛ فإذا تكون القسمة ثنائية (٤).

__________________

(١) انظر : الكتاب (١ / ١٢) (هارون).

(٢) نص سيبويه : وما هو كائن لم ينقطع. وهو أفضل حتّى يصحّ قوله بعد : ومثّل للأول بذهب والثاني باذهب ويذهب (الكتاب : ١ / ١٢).

(٣) انظر شرح التسهيل (١ / ١٥) وقد حذف الشارح الأمثلة لسهولتها.

(٤) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (٢ / ٥٢٥) تحت عنوان «فعل الأمر معرب أو مبنيّ».

فائدة : قال أبو حيان : «والفعل ينقسم انقسامات غير هذا :

منها انقسامه إلى التعدي واللزوم ، وإلى التصرف والجمود ، وإلى التمام والنّقصان ، وإلى الخاصّ والمشترك

١٧١

[علامات الفعل الماضي والمضارع]

قال ابن مالك : (فيميز الماضي التّاء المذكورة ، والأمر معناه ونون التّوكيد ، والمضارع افتتاحه بهمزة للمتكلّم مفردا ، أو بنون له عظيما ، أو مشاركا ، أو بتاء للمخاطب مطلقا وللغائبة والغائبتين ، أو بياء للمذكّر الغائب مطلقا ، والغائبات).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لما ذكر أن الفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، شرع في ذكر ما يميز كل قسم منها.

أما الماضي : فيميزه : تاء التأنيث الساكنة. وإليها الإشارة بقوله : التاء المذكورة. وقد تقدم أنها تميز الماضي متصرفا كان أو غير متصرف.

ولم تلحق فعل الأمر ؛ للاستغناء عنها بياء المخاطبة ولا المضارع للاستغناء عنها بتاء المضارعة ، نحو : هي تفعل (١) ، ولأنها ساكنة والمضارع يسكن للجزم. فلو لحقته التقى فيه ساكنان ، ولأن لحاقها الاسم أصل ؛ إذ مدلولها فيه. ولحاقها الفعل فرع ؛ لأن مدلولها ليس فيه ، إنما هو فيما أسند إليه.

ولما فتح ما قبلها لزوما في الذي هي أصل فيه ، وكان الماضي مفتوح الآخر وضعا ـ ناسب اختصاصه بها دون غيره لذلك.

وبهذه التاء يتميز الفعل الماضي من اسمه. ومن أجل ذلك حكم بفعلية افترق وباسمية شتان (٢).

وأما الأمر : فيميزه مجموع أمرين : معنى الأمر ونون التوكيد.

ولا يكفي أحدهما ؛ لأن اسم فعل الأمر يشارك الأمر في معناه ، كصه ونزال وشبههما. ولا يحكم بفعليته لعدم صلاحيته لنون التوكيد ، والمضارع يشارك الأمر في قبول النون ، نحو : هل تقومن؟ ولا يحكم عليه بأنه أمر ؛ لعدم معنى الأمر فيه. ـ

__________________

(خلا وعدا) ، وإلى المفرد والمركب (حبذا). وفي علم التصريف : إلى صحيح ومهموز ، ومثال ، وأجوف ، ولفيف ، ومنقوص ، ومضعف ، وغير ذلك من الانقسامات. انظر التذييل والتكميل (١ / ٦٨).

(١) لم يمثل للأمر ؛ لسهولته ، وقال : هي تفعل ، ولم يقل تفعل ؛ لأن التاء تكون للغائبة والمخاطب.

(٢) أي إن افترق فعل ماض ؛ لقبوله تاء التأنيث. وشتان اسم فعل ماض بمعنى افترق ؛ لعدم قبوله تاء التأنيث.

١٧٢

______________________________________________________

وأما المضارع : فيميزه : أمور :

السين ، وسوف ، ولم ، ولن ، وكي ، وافتتاحه بأحد أحرف نأتي ، وهي الهمزة بشرط أن تشعر بمدلول أنا ، والنون بشرط إشعارها بمدلول نحن ، والتاء بشرط إشعارها بحضور أو تأنيث ، والياء بشرط إشعارها بغيبة.

قال المصنف : «والإحالة على الافتتاح بأحد هذه الأحرف المشعرة بما ذكر ، أولى من الإحالة على سوف وأخواتها ؛ لأن افتتاحه بها لازم لكل مضارع ، وليست الصّلاحية لسوف وأخواتها ؛ إذ من المضارع ما لا يدخل عليه شيء منها ، كأهاء وأهلمّ ، ولا يقعان غالبا إلا بعد لا أو لم (١).

وتقييد الأحرف الأربعة بالمعاني المذكورة واجب ؛ لأن أمثالها في اللّفظ قد يفتتح بها الماضي ، نحو : أكرم وتكرم ونرجس الدواء ، إذا جعل فيه نرجسا ، ويرنأ الشيب إذا خضبه باليرناء وهو الحناء (٢).

ونعود إلى لفظ المتن :

[١ / ٣٠] قوله : بهمزة للمتكلم ، مثاله : أقوم وأكرم وسواء أكان المتكلم مذكرا أم مؤنثا لا يختلف الحال.

وقوله : أو مشاركا ، يجوز فيه كسر الراء وفتحها. والمشاركة قد تكون من واحد مذكرا كان أو مؤنثا ومن أكثر كذلك.

وقوله : أو بتاء للمخاطب مطلقا ، أي : سواء أكان مذكرا ، أم مؤنثا ، أم مفردا ، أم مثنى ، أم مجموعا.

وقوله : وللغائبة ، أي : سواء أكانت ظاهرة أم مضمرة ، حقيقية التأنيث أو مجازيته نحو : تقوم هند ، وهند تقوم ، وتنفطر السماء ، والسماء تنفطر. ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل (١ / ١٧) ومعنى أهاء ، أي : أرتفع إلى المعالي يقال : هاء بنفسه إلى المعالي : رفعها ، والهوء : الهمة والرأي الماضي (القاموس ١ / ٣٦) ومعنى أهلم : أنه إذا قيل لك : هلم كذا وكذا ، قلت : لا أهلمه ، بمعنى لا أعطيكه ، وهلمم به : دعاه (القاموس ٤ / ١٩٣).

(٢) انظر المرجع السابق : شرح التسهيل (١ / ١٧) والنرجس : نبات معروف مانع للزكام والصداع.

واليرنا : بضم الياء وفتحها وتشديد النون مقصورة ، واليرناء بالضم والفتح : الحناء. ويرنأ : صبغ به كحنا وهو من غريب الأفعال (القاموس : ١ / ٣٦).

١٧٣

______________________________________________________

قوله : والغائبتين هو كما تقدم ، نحو : تقوم الهندان والهندان تقومان ، وتدمع العينان والعينان تدمعان.

وذكروا ها هنا صورة :

وهي إذا قلت : الهندان هما يقومان ، والعينان هما يدمعان ، فهل يكون بالتاء حملا على الظاهر ، وبالياء حملا على هما ؛ لأن لفظه لفظة ضمير الغائبين المذكرين؟ منهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني.

قال الأبذي (١) :

القول بأن يكون بالياء باطل ؛ لا تستعمل العرب الفعل هنا الا بالتاء ؛ لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها ، يعني أن الضمير يجري مجرى ظاهره ؛ فكما يقال : الهندان تخرجان كذلك يقال : هما تخرجان. ثم أنشد قول عمر بن أبي ربيعة (٢).

١٠ ـ أقصّ على أختيّ بدء حديثنا

وما لي من أن يعلما متأخّر

لعلّهما أن تبغيا لك حيلة

وأن ترحبا سربا لما كنت أحصر (٣)

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الخشني ، الملقب بالأبذي. من أحفظ أهل زمانه ، كان فقيرا ؛ ولكنه كان إماما في العلم. عاش في غرناطة ، وكان نحويّا حافظا للخلاف بين النحاة ، ومن أهل المعرفة بكتاب سيبويه والواقفين على غوامضه وأقرأه لتلاميذه. سأل يوما أبو حيان أبا إسحاق إبراهيم بن زهير ـ والأبذي حاضر ـ ما حد النحو؟ فقال هذا الشيخ : هو حد للنحو ، استقر بغرناطة إلى أن مات في رجب سنة (٦٨٠ ه‍). ومن مؤلفاته : شرح المقدمة الجزولية لأبي موسى الجزولي (توفي سنة ٦١٠ ه‍) وسينقل منه الشارح عدة نقول. وانظر ترجمة الأبذي في بغية الوعاة (٢ / ١٩٩) ، ولم أعثر على شرحه المذكور.

(٢) هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة القرشي المخزومي أبو الخطاب ، شاعر مشهور لم يكن في قريش أشعر منه ؛ كثير الغزل والمجون والخلاعة ، صور من نفسه معشوقا ، وجعل من نفسه فتى تتسابق إليه النساء ، ولد سنة (٢٣ ه‍) في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب ، ولذلك قال الحسن البصري فيها : أي حق رفع وأي باطل وضع.

ولعمر ديوان شعر كبير مطبوع دون شرح. وقد شرحه الشيخ محيي الدين عبد الحميد في طبعة أخرى ، وعاش عمر سبعين عاما ؛ حيث توفي سنة (٩٣ ه‍). (الأعلام : ٥ / ٢١١ ، الأغاني : ١ / ٣٥ ـ دار التحرير).

(٣) البيتان من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لعمر بن أبي ربيعة مطلعها :

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر

غداة غد أو رائح فمهجّر

انظر الديوان (ص ٦٦).

ويستشهد بالبيت الثاني على أن ضمير الغائبتين كالظاهر ؛ فالواجب تأنيث الفعل له ؛ حملا على أصل

١٧٤

______________________________________________________

فقال : أن تبغيا ، وأن ترحبا بالتاء ، وقد تقدم لفظهما ، وهو ضمير الأختين.

ثم ها هنا بحثان :

الأول :

قال الشيخ : «كان ينبغي للمصنف أن يزيد هنا : وللغائب إن حمل على مؤنّث ، نحو : تجيء كتابي على معنى الصحيفة ، أو أضيف إلى مؤنث ، يجوز أن يلفظ بذلك المؤنث وأنت تريد المذكر ، نحو : تجتمع أهل اليمامة ، وتذهب بعض أصابعه. أو كان فيه علامة تأنيث ، نحو : تقوم طلحة وتعدل الخليفة [١ / ٣١] وهذا قليل. أو أسند إلى ظاهر الجمع المذكر غير السالم وأردت معنى جماعة ، أو إلى ضميرهم أو ضمير غائبات» انتهى (١).

وهذا الذي ذكره بعينه استدركه الأبذي على الجزولي (٢) فنقله منه (٣). ـ

__________________

لفظه وهو الظاهر ، كما استشهد به على جواز اقتران خبر لعل بأن (الدرر : ١ / ١١٣).

والبيتان في التذييل والتكميل (١ / ٧٥) وفي معجم الشواهد (ص ٥٣).

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٧٥).

(٢) هو أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت. ومعناه بالعربية ذو الحظ. ويلقب بالجزولي بضم الجيم ، وهي بطن من البربر ، وهو مغربي مراكشي ، قرأ النحو على محمد بن بري في مصر ، وعاد إلى المغرب فلمع نجمه هناك. ودرس لخلق كثير منهم أبو علي الشلوبين وابن معط. كان للجزولي منزلة كبيرة في بلاد المغرب ؛ حيث كان يتولى الخطابة بجامع مراكش ، وكان إماما في النحو واللغة والقراءة. وله مؤلفات كثيرة : أشهرها كتاب القانون ، وسنفرده بحديث الآن ، وله أيضا كما قال ابن خلكان ، شرح أصول ابن السراج ، وله الأمالي في النحو ، وقد عملت فيه وفي مؤلفاته رسالة دكتوراه بكلية اللغة. توفي الجزولي سنة (٦١٠ ه‍).

انظر ترجمته في وفيات الأعيان (٣ / ٤٨٨) ، بغية الوعاة (٢ / ٢٣٦) ، الأعلام (٥ / ٢٣٦) ، بروكلمان (٥ / ٣٤٩).

كتاب القانون للجزولي : رسالة ماجستير محققة بجامعة القاهرة ، يسمى بالمقدمة الجزولية في النحو. وقد طبع بالقاهرة بتحقيق شعبان عبد الوهاب محمد سنة ١٩٨٨ م. وهو في غاية الإيجاز مع الاشتمال على كثير من النحو ، قيل فيه :

مقدمة في النّحو ذات نتيجة

تناهت فأغنت عن مقدمة أخرى

حبانا بها بحر من العلم زاخر

ولا عجب للبحر أن يقذف الدّرّا

وغالبه رموز وإشارات ويكثر فيه المنطق. ومن هنا شرحه كثيرون منهم الشلوبين. وشرحه بمعهد المخطوطات (حققه د / تركي العتيبي) ، والأندلسي (سنة ٦٦١ ه‍) وشرحه رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان : المباحث الكاملية في شرح المقدمة الجزولية (د / حمدي المقدم) ، كما شرحه ابن مالك وابن عصفور وابن الخباز. ولم أعثر على تلك الشروح. وشرحه الأبذي أيضا كما أشار إليه شارحنا. وانظر شراحا آخرين وحديثا عن هذا الكتاب في كشف الظنون لوحة (١٨٠٠) ، وذيل كشف الظنون لوحة (٥٤٣).

(٣) قال الجزولي : حروف المضارعة أربعة : يجمعها قولك نأيت ، فالهمزة للمتكلم وحده ، والنون للواحد ومعه

١٧٥

______________________________________________________

وأقول : ليس هذا استدراكا على الجزولي ، ولا على المصنف ؛ وذلك أنهما أعطيا قانونا كليّا أن التاء للغائبة ، فمتى كان الفعل للغائبة جيء بالتاء فيه ، وهذه المواضع المذكورة إنما جيء بالتاء في أفعالها ؛ لتأولها بمؤنث كما تقدم ؛ فلم تدخل التاء إلا في فعل مؤنث ؛ فالصور التي أشار إليها مندرجة فيما ذكر.

وليس في كلام المصنف أن التاء لا تكون إلا في فعل المؤنث بالوضع ؛ بل التأنيث أعم من أن يكون بالوضع أو بالتأويل ، أو يقال : التاء في الأصل إنما هي لفعل المؤنث بالوضع. وأما المؤنث بالتأويل فدخول التاء في فعله فرع. وهو بالحمل على ما تأنيثه بالأصالة.

والمصنف إنما يشير هنا إلى ما يستحق التاء بطريق الأصالة. وأما ما يحمل على ذلك ، فقد ذكره في غير هذا الموضع ، فقال في باب الفاعل :

«وتلحق الماضي المسند إلى مؤنّث أو مؤوّل به أو مخبر عنه أو مضاف إليه مقدّر الحذف تاء ساكنة» (١).

ونبه في الباب أيضا على حكم يقوم الزيود ، ويقوم الزيدون (٢).

وقال في باب المضمر (٣) : «ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا لتأولهم بجماعة فأتى بكلّ شيء في مكانه».

البحث الثاني :

ينبغي أن يقول المصنف : والغائبات ، بعد قوله : والغائبتين ، نحو : تقوم الهندات وتقوم الهنود.

وقد يجاب عنه بأنه إنما يذكر ما تكون التاء في فعله ظاهرا أو مضمرا ، وهذا القسم ليس كذلك. وليس هذا الجواب بشيء.

قوله : أو بياء للمذكّر الغائب مطلقا أي : سواء كان مفردا أو مثنى أو مجموعا ، ـ

__________________

غيره ، وللواحد المعظم نفسه ، والياء للغائب المذكر مطلقا وللغائبات ، والتاء للمخاطب مطلقا ، وللغائبة والغائبتين.

انظر (ص ٣٤) من كتاب : المقدمة الجزولية في النحو ، تحقيق شعبان عبد الوهاب محمد.

(١) انظر تسهيل الفوائد (ص ٧٥) وقوله : تاء ساكنة فاعل تلحق ، والماضي المسند مفعوله.

(٢) قال : «وحكمها مع جمع التّكسير وشبهه وجمع المذكّر بالألف والتّاء حكمها مع الواحد المجازي التأنيث» (تسهيل الفوائد ص ٧٥).

(٣) انظر تسهيل الفوائد (ص ٢٤).

١٧٦

______________________________________________________

ظاهرا أو مضمرا ، عاقلا كان أو غير عاقل.

وقوله : والغائبات ، يشمل كل جمع لهن ، وهو صحيح في المكسر عاقلا أو غير عاقل ، مظهرا كان أو مضمرا (١) وفي المسلم إن كان التأنيث فيه غير حقيقي مظهرا كان أو مضمرا. نحو : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ)(٢). وأما في المسلم الحقيقي الظاهر نحو : يقوم الهندات ، فمذهب البصريين أن الياء لا تجوز ، وهو يختار مذهبهم ، أما في المضمر ، فنعم ؛ بل لا تجوز أصلا التاء ، نحو : الهندات يقمن.

وقال الشيخ هنا أيضا : «كان ينبغي للمصنف أن يزيد : وللغائبة إن كانت مضافة إلى مذكّر هي بعضه ، ويجوز أن تلفظ بالمذكر وأنت تريد المؤنث ، نحو : يقطع يد زيد ؛ لأنك تقول : تقطع زيد ، وأنت تريد يد زيد ، أو كانت فصل بينها وبين الفعل بشيء ، نحو : يحضر القاضي اليوم امرأة» إلى آخر كلامه (٣) ، وهو بعينه استدراك الأبذي على الجزولي.

والجواب عن المصنف والجزولي ما تقدم في التاء فلا نعيده.

واعلم أنه قد ذكر لزيادة هذه الأحرف الأربعة دون غيرها من حروف الزيادة مناسبة : قالوا : أولى الأحرف بالزيادة أحرف العلة [١ / ٣٢] لخفتها ؛ لكن الألف لا تزاد أولا فعوضوا منها الهمزة لاشتراكهما في المخرج. وجعلت للمتكلم ؛ لأنها من أول المخارج والمتكلم أخص ؛ فناسب كونها له ، واشترك فيها المذكر والمؤنث ؛ لعدم اللبس.

وأما الواو : فامتنع من زيادتها أولا ؛ لأنها معرضة لدخول واو عليها للعطف ، وقد تكون آخر الكلمة المعطوف عليها واوا أيضا ؛ فتجتمع ثلاث واوات ، وقد تكون أول الماضي واوا كوعد فتجتمع أربع واوات (٤) فيستثقل ذلك ، وهي مقابلة للهمزة ؛ إذ هي من آخر المخارج والهمزة من أولها ، فاستحقها المخاطب مطلقا ؛ لأنه يقابل المتكلم. لكنها رفضت لما ذكر وعوضوا منها التاء ؛ لأن التاء تبدل من الواو كثيرا في الأفعال. وتكون التاء للغائبة والغائبتين والغائبات ؛ فقد شارك المخاطب غيره في التاء ؛ وحينئذ يبطل التعليل الذي ذكروه لاستحقاق المخاطب إياها ، لأنّا نقول : ـ

__________________

(١) والأمثلة كالتالي : يقوم الهنود ، ينكسر الأشجار ، الهنود يقمن ، الأشجار ينكسرن.

(٢) سورة مريم : ٩٠.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٧٨).

(٤) كلمة واوات : ليست موجودة إلا في النسخة الأصل.

١٧٧

[زمن الأمر]

قال ابن مالك : (والأمر مستقبل أبدا).

______________________________________________________

التاء التي للغائبة والغائبتين والغائبات غير التاء التي للمخاطب ؛ لأن هذه تدل على الخطاب ، وتلك تدل على التأنيث عوضا من التاء الساكنة اللاحقة آخر الماضي ؛ فهما إن اشتركتا لفظا فمدلولهما مختلف.

وتبين بهذا : أن التاء التي للمضارعة ثنتان : تاء خطاب وتاء تأنيث. وكذا يقال : أنت تفعلين فالتاء لمحض الخطاب والتاء للتأنيث.

وأما الياء : فجعلت للغائب مطلقا ، توفية للقسمة ؛ لأن المتكلم خص بالهمزة ، والمخاطب خص ببدل الواو ، ولم يبق من حروف العلة إلا الياء ، ولم يبق إلا الغائب فأعطيها.

ولما كان الفرق بين المفرد وضديه يحصل في المخاطب والغائب بالضمير ، ولم يجعلوا في التكلم بين المفرد وضده ضميرا للفرق ، أتي بالنون ؛ لتدل على المتكلم غير المفرد (١) ، وكانت النون أولى من غيرها ؛ لما بينها وبين أحرف العلة من الشبه ؛ لأنها تدغم في الياء والواو ، وتبدل منها الألف ، ولهذا أعربت الأمثلة الخمسة بها عند تعذر الحركات وتعذر أحرف العلة.

قال ناظر الجيش : لما تقرر أن الأفعال ثلاثة ، وأن مدلول الفعل حدث وزمان ، وأن الأزمنة ثلاثة ، شرع المصنف في ذكر صيغة صيغة ، وما وضعت له من الأزمنة ، وما يجوز أن يتجوز فيه من تلك الصيغ بالقرائن ، فيستعمل مرادا به زمان آخر وما لا يجوز فيه ذلك ، والكلام على هذا الموضع يستدعي ذكر مقدمة وهي أن يقال :

الكلام نوعان : خبر وإنشاء : والطلب نوع من الإنشاء. ومنهم من جعله خبرا ـ

__________________

(١) معناه : أنك تقول في المخاطب : أنت تقرأ ، وفي مثناه : تقرآن ، وفي جمعه : تقرؤون ، وفي الغائب :

هو يقرأ ، ويقرآن ، ويقرؤون ، وفيه بدأت المضارع بالتاء للمخاطب مطلقا والياء للغائب كذلك ، وجعلت الفرق بين المفرد وضديه بالضمير ؛ فهو في الواحد واحد مستتر ، وفي المثنى ألف وفي الجمع واو ، أما في المتكلم وضده فأنت لا تلحق ضميرا للفرق وذلك لأنك تقول : أنا أقرأ ونحن نقرأ. فلما لم يكن ضمير في آخر المضارع يفرق ، جعل الفرق في أوله ؛ فكان المتكلم بالهمزة وجمعه بالنون.

وهو تعليل عقلي قاله النحاة. ترى هل لاحظت العرب ذلك وهي تنطق؟ ما أعجب النحاة!.

١٧٨

______________________________________________________

وطلبا. ومنهم من جعله ثلاثة أنواع : خبرا وطلبا وإنشاء وهو رأي المصنف وعليه قرر كلامه. ولسنا الآن بصدد تحرير الأقوال المذكورة وتبيين الصحيح منها ؛ إذ الأمر في ذلك موكول إلى نظر غير صاحب هذا العلم (١).

غير أنّا نمشي مع المصنف هنا على رأيه.

أما الطلب (٢) ، فيلزم كون زمانه مستقبلا ، وأما الخبر فيجوز كون زمانه حالا ، ومستقبلا وماضيا ، وأما الإنشاء فيلزم كون زمانه حالا.

ولكل من الطلب والخبر صيغة واحدة مختصة به وضعا ، وأما الإنشاء فليس له صيغة مختصة به ؛ بل يستعمل فيه الصيغة الدالة على الخبر بقرينة.

ثم إن كلّا من صيغتي الطلب والخبر إما أن ينقل عن موضعه الأصلي ، فيراد بالطلب الخبر وبالخبر الطلب ، وإما أن لا ينقل.

والذي ينقل : منه ما لا يجوز التجوز فيه بالنسبة إلى زمانه ، ومنه ما يجوز أن يتجوز فيه بالنسبة [١ / ٣٣] إلى زمانه ، فيراد به زمان غير زمانه المقصود بالوضع بقرينة ، فإن حصل نقل صار الحكم في زمان الصيغة المنقولة حكم ما نقلت إليه. فإذا استعملت صيغة الطلب في الخبر ، صار الاستقبال جائزا بعد أن كان لازما.

وإذا استعملت صيغة الخبر في الطلب ، انعكس الحكم ؛ فيصير الاستقبال لازما بعد أن كان جائزا ، وهذا القسم لم يتعرض له المصنف هنا ؛ إذ ليس مقصوده ، وقد تعرض لشيء من ذلك في باب التعجب ، فقال بعد ذكره صيغة أفعل وأن معناها الخبر ما نصه :

«واستفيد الخبر من الأمر هنا وفي جواب الشرط ، كما استفيد الأمر من مثبت الخبر ، والنهي من منفيّه» (٣). ـ

__________________

(١) قال الخطيب القزويني ، في كتابه الإيضاح (ص ١٠) : الكلام إما خبر أو إنشاء ؛ لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أو لا يكون لها خارج. الأول : الخبر ، والثاني : الإنشاء ، ثم تحدث عن الخبر وما يخصه. وفي حديثه عن الإنشاء قال (ص ٧٨): «الإنشاء ضربان : طلب وغير طلب.

والطلب يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ؛ لامتناع تحصيل الحاصل. وهو المقصود بالنظر هنا.

وأنواعه كثيرة» ثم شرحها ، فظهر من ذلك أنه جعل الإنشاء قسيما للخبر وهو المشهور.

(٢) في هامش نسخة (ب) ، كتب قارئ عن البحث الآتي هذه العبارة : مطلب نفيس.

(٣) انظر تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص ١٣٠).

١٧٩

______________________________________________________

وأما القسم الثاني ، وهو الذي لم تنقل فيه الصيغة عن موضوعها وإنما أريد بها زمان غير زمانها المقصود بالوضع فهو الذي قصده المصنف بالذكر هنا.

إذا تقرر هذا فاعلم أن صيغ الفعل الثلاث :

منها ما هو للطلب وهو الأمر ، وما هو للخبر ، وهو الماضي والمضارع.

فالأمر مستقبل الزمان ، والماضي ماضي الزمان ، والمضارع زمانه للحال والاستقبال بالوضع كما سيأتي :

فالأمر : لا يجوز التجوز فيه بتغيير زمانه ، وإلى ذلك الإشارة بقول المصنف :

والأمر مستقبل أبدا ، أي : وزمان مطلوب الأمر مستقبل أبدا.

وأما المضارع : فيجوز أن ينصرف زمانه إلى المضي وكذا الماضي يجوز أن ينصرف زمانه إلى الاستقبال. كل ذلك بالقرائن (١).

والسبب في أن لزم الأمر الاستقبال ولم يلزم قسيميه (٢) أحد الزمانين : أن معنى الطلب يفوت بمفارقة دلالة صيغته على الاستقبال ، والأمر موضوع للطلب ؛ فلا يجوز التجوز في زمانه ؛ لئلا يفوت المقصود منه.

وأما معنى الخبر فلا يفوت بمفارقة دلالة صيغة الماضي على المضي ، ولا بمفارقة دلالة صيغة المضارع على الحال والاستقبال. وكلاهما موضوع للخبر كما تقدم ؛ فجاز التجوز في زمانيهما ؛ لأنه لا يفوت المقصود منها بالدلالة عند تغيير الدلالة على ما وضعا له من الزمان.

وقال المصنف (٣) : «لما كان الأمر مطلوبا به حصول ما لم يحصل ، كقوله تعالى : (قُمْ فَأَنْذِرْ)(٤) ، ودوام ما حصل كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ)(٥) لزم كونه مستقبلا ، وامتنع اقترانه بما يخرجه عن ذلك.

وأيضا فإنّ الفعل فعل بدلالته على الحدث والزمان المعيّن ، وكونه أمرا (٦) أو خبرا معنى ـ

__________________

(١) بمعنى أن يتغير الوضع ؛ فيراد الاستقبال من الفعل الماضي الموضوع للزمن الماضي ، ويراد الزمن الماضي من الفعل المضارع الموضوع للحال والاستقبال. وانظر أمثلة وأحوال انصراف المضارع إلى المضي ، والماضي إلى الاستقبال في الصفحات القادمة من التحقيق.

(٢) أي الماضي والمضارع.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٧ ـ ١٨).

(٤) سورة المدثر : ٢.

(٥) سورة الأحزاب : ١.

(٦) يقصد بالأمر هنا الطلب وهو أحد نوعي الإنشاء.

١٨٠