شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

[١ / ٤٩] فمضى ماض وكان مستقبل.

ومثال الواقع صفة للنكرة العامة والمعنى على المضي : قول الشاعر :

٥٠ ـ ربّ رفد هرقته ذلك اليو

م وأسرى من معشر أقتال (١)

ومثاله والمعنى على الاستقبال قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فأدّاها كما سمعها» (٢). فإن هذا منه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ترغيب لمن أدركه في حفظ ما يسمعه ، ومعناه : نضر الله امرأ يسمع مقالتي فيؤديها كما يسمعها.

وناقشه الشيخ (٣) في المثال الأول : بأن رفدا ليس بنكرة عامة ؛ إذ ربّ على ما ينسب لسيبويه للتقليل (٤) والتقليل ينافي العموم ، قال : ـ

__________________

والشاهد فيه واضح ؛ حيث وردت ما موصولة في البيت مرتين صلة كل منهما مختلفة في المعنى وإن اتفقتا في اللفظ. والبيت في شرح التسهيل : (١ / ٣٢) وفي التذييل والتكميل : (١ / ١١٣).

ترجمة الطرماح : هو الطرماح بن حكيم بن الحكم من طيئ شاعر إسلامي فحل ، ولد ونشأ بالشام وانتقل إلى الكوفة فكان معلما فيها ، واعتقد مذهب الشراة من الأزارقة ، واتصل بخالد بن عبد الله القسري ، فكان يكرمه ويستجيد شعره ، وكان هجاء معاصرا للكميت صديقا له لا يكادان يفترقان.

انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (٣ / ٣٢٥).

(١) البيت من بحر الخفيف آخر بيت من قصيدة طويلة للأعشى ، يمدح فيها الأسود بن المنذر اللخمي ، بدأها بوصف الديار والأطلال والناقة : (ديوان الأعشى ص ١٦٣) مطلعها :

ما بكاء الكبير بالأطلال

وسؤالي وهل ترد سؤالي

اللغة : الرفد : بفتح الراء القدح الضخم ويكن بإراقته عن الموت وبكسر الراء العطاء ، أسرى : جمع أسير.

أقتال : جمع قتل وهو المقاتل والشجاع والقرن. وروي مكانه أقيال جمع قيل بفتح أوله وثانيه ومعناه الملك. والأعشى : يمدح صاحبه بالشجاعة وقتل الأعداء وأسر الملوك.

وشاهده : وقوع الجملة الماضوية صفة للنكرة في قوله : ربّ رفد هرقته.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٢) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١١٣) ، وفي معجم الشواهد (ص ٣٢٣).

(٢) انظر الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٤ / ٨٠) ونصه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخيف من منى ، فقال : «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، ثمّ أدّاها إلى من لم يسمعها ؛ فربّ حامل فقه لا فقه له ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه». وكرر الحديث مرة أخرى في : (٤ / ٨٢).

(٣) الضمير في ناقشه لابن مالك ولم يجر له ذكر ولكنه مفهوم من المقام ؛ لأن الأمثلة السابقة كلها من شرح التسهيل له ، وانظره : (١ / ٣٥).

(٤) لم ترد ربّ مفيدة للتقليل في كتاب سيبويه. كل ما جاء فيه : اختصاصها بالنكرات (٢ / ٥٤ ، ٥٦).

٢٢١

______________________________________________________

ثمّ لا يتعين كون هرقته صفة لرفد ؛ إذ يجوز أن يكون هو الجواب العامل في موضعه ربّ رفد على مذهب من لا يشترط وصف مخفوض ربّ ، وهو الأصحّ. انتهى (١).

ولا تتوجه هذه المناقشة على المصنف ؛ لأنه يرى أن ربّ للتكثير (٢) ، وقد استشهد في باب حروف الجر على ذلك بأبيات منها البيت المذكور (٣).

على أنا نقول : ليس المراد بالعموم هنا عموم الشمول ؛ بل المراد أن النكرة باقية على صلاحيتها لكل مسمى لم يتخصص بشيء من مخصصات النكرة.

وأما قوله : إنّ هرقته لا يتعين كونه صفة فمسلم ولا يضر المصنف ذلك ؛ لأنه إنما استشهد بذلك على تقدير أن يكون الفعل صفة ؛ فإذا لم يقدر صفة فلا يكون الفعل الماضي وقع صفة للنكرة العامة في البيت المذكور فيطلب الاستشهاد بغيره.

__________________

وزيادة ما بعدها وهو كثير : (٣ / ١١٥). ومباحث أخرى فيها : انظر : (٥ / ٣١١).

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١١٣).

(٢) قال ابن مالك في التسهيل (ص ١٤٨) : وربّ ليست اسما ... بل هي حرف تكثير وفاقا لسيبويه والتقليل بها نادر.

(٣) انظر شرح التسهيل (٣ / ١٧٦) (د / عبد الرحمن السيد ، د / بدوي المختون).

٢٢٢

الباب الثاني

باب إعراب الصّحيح الآخر

*[تعريف الإعراب]

قال ابن مالك : (الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لما فرغ من شرح الكلمة وذكر أقسامها ، وشرح الكلام وما يتعلق بذلك ، وكان المقصود من علم النحو تصحيح الكلام ، وكان ذلك لا يتم إلا بالإعراب شرع في ذكره ، ويلزم من ذلك التعرض لذكر المعرب والمبني من الكلمات الثلاث.

ولما كان المعرب مفردا وغير مفرد وهو المثنى والمجموع على حده ، والمفرد منه ما آخره صحيح ومنه ما آخره معتل ، أفرد المصنف لكلّ بابا.

فبدأ بذكر المفرد الصحيح الآخر ، وثنى بذكر المعتل الآخر ، وثلث بذكر المثنى والمجموع.

والمراد بالصحيح الآخر : ما ليس آخره حرف علة وحروف العلة في باب الأعراب ثلاثة : الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها والألف. فما آخره واو ليس قبلها ضمة كدلو ، وياء ليس قبلها كسرة كظبي ، حكمه حكم الصحيح لقبوله للحركات.

وقد ذكر الأئمة أن الإعراب في اللغة يطلق لمعان ثلاثة :

الإبانة عن الشيء : أعرب الإنسان عن حاجته إذا أبان عنها ، ومنه : والثيب تعرب عن نفسها (١) أي تبين.

والتحسين (٢) : أعربت الشيء حسنته ، قال الله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً)(٣) أي ـ

__________________

(١) جعله ابن منظور في لسان العرب (مادة : عرب) حديثا. ونصه في كتب الأحاديث غير ذلك وهو فيها : «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» (صحيح البخاري : ٧ / ١٧) ، (صحيح مسلم : ٤ / ١٤١) ، (مسند الإمام : ١ / ٢٦٩).

(٢) هو المعنى الثاني ، وقوله : والتغيير : هو المعنى الثالث.

(٣) سورة الواقعة : ٣٧.

٢٢٣

______________________________________________________

حسانا. والتغيير : عربت معدة الرّجل إذا تغيّرت ، وأعربها الله : غيّرها.

وأما الإعراب في الاصطلاح : فذهب جماعة إلى أنه معنوي : [١ / ٥٠] وهو التغيير العارض للكلم أي الانتقال عن الحالة التي وضعت عليها إلى الحالة التي أحدثها العامل. وهو رأي أكثر المتأخرين من المغاربة (١). قيل : وهو ظاهر قول سيبويه (٢). وذهب جماعة منهم ابن خروف (٣) ، وأبو علي (٤) إلى أنه لفظي ، وهو اختيار صاحب المفصل (٥) والمصنف أيضا ؛ وكذا قال في حده (٦) : ـ

__________________

(١) كابن عصفور وغيره : قال في المقرب (١ / ٤٧): «الإعراب اصطلاحا : تغيير آخر الكلمة لعامل يدخل عليها في الكلام الذي بني فيه لفظا أو تقديرا عن الهيئة التي كان عليها قبل دخول العامل إلى هيئة أخرى». وانظر شرح الجمل (١ / ٣١) ، والبسيط (١ / ١٧١). ومن المغاربة أيضا الأعلم ، انظر التذييل والتكميل (١ / ١١٦) ، الهمع (١ / ١٤) ، حاشية الصبان (١ / ٤٨).

(٢) يقول سيبويه (١ / ١٣): «هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربيّة :

وهي تجري على ثمانية مجار : على النصب والجر والرفع والجزم ، والفتح والضم والكسر والوقف.

وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب : فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد ، والجرّ والكسر فيه ضرب واحد وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف ...» إلخ.

(٣) هو أبو الحسن علي بن محمد المشهور بابن خروف أندلسي من إشبيلية وأقام في حلب مدة ، كان إماما في العربية. أخذ النحو من ابن طاهر المعروف بالخدب ، لم يتزوج قط وكان يسكن الحانات واختل في آخر عمره ؛ حتى مشى في الأسواق بادي العورة. أقرأ النحو بعدة بلاد وعاش حتى بلغ خمسا وثمانين سنة ؛ حيث توفي سنة (٦١٠ ه‍) لوقوعه في جبّ ليلا.

مصنفاته : له كتاب مطبوع يسمى كتاب تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب ، وله شرح الجمل للزجاجي مفقود.

انظر في ترجمته معجم الأدبا (١٥ / ٧٦) ، بغية الوعاة (٢ / ٢٠٣) ، الأعلام (٥ / ١٥١). وذكر أبو حيان تعريف ابن خروف للإعراب فقال : صوت يحدثه العامل في آخر الكلمة ، ثم أفسد هذا التعريف بقوله : إن الإعراب قد يكون بحذف لا بصوت. (التذييل والتكميل ١ / ١١٦).

(٤) هو الأستاذ أبو علي الشلوبين وتلقبه المراجع دائما بالأستاذ ولا أدري لم جرده الشارح هنا وقد سبقت ترجمته في هذا التحقيق ، وقد نقل أبو حيان تعريفه للإعراب فقال : حكم يحدثه العامل في آخر الكلمة. (التذييل والتكميل : ١ / ١١٦).

(٥) هو محمود بن عمر جار الله الزمخشري ، سبقت ترجمته في هذا التحقيق. وكتاب المفصل كتاب في النحو صار عمدة بأسلوبه المحكم الواضح ألّف سنة (٥١٥ ه‍) ، وقد شرحه كثيرون. (انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان : ٥ / ٢٢٥). وانظر فيما ذكره الشارح (ص ١٦) من كتاب المفصل.

(٦) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٣).

٢٢٤

______________________________________________________

«ما جيء به لبيان مقتضى العامل ، أي لبيان ما يقتضيه العامل من فاعليّة أو مفعوليّة أو إضافة في الاسم ، ومن طلب أو استئناف أو تعليل في الفعل» (١).

وأفاد بقوله : من حركة أو حرف أو سكون أو حذف أمرين (٢) :

أحدهما : إيضاح الإجمال الذي في لفظ ما.

الثاني : الإعلام بأن الإعراب منحصر فيما ذكره.

وقال في الشرح (٣) : «هو أي الإعراب عند المحققين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة مبينا للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامهما».

ثم قال : «وذلك المجعول قد يتغير لتغير مدلوله وهو الأكثر كالضمة والفتحة والكسرة في نحو : ضرب زيد غلام عمرو ، وقد يلزم للزوم مدلوله كرفع لا نولك أن تفعل ولعمرك ، وكنصب سبحان ورويدك وكجر الكلاع وعريط من ذي الكلاع وأم عريط» (٤).

ثم قال : «وبهذا الإعراب اللازم يعلم فساد قول من جعل الإعراب تغيرا».

ثم قال : «وقد اعتذر عن ذلك بوجهين :

أحدهما : أنّ ما لزم وجها واحدا من وجوه الإعراب فهو صالح للتغيير ، فيصدق عليه متغير وعلى الوجه الذي لازمه تغير.

الثاني : أن الإعراب تجدد حالة التركيب فهو تغير باعتبار كونه منتقلا إليه من السكون الذي قبل التركيب». انتهى (٥) وهو اعتذار جيد صحيح. ـ

__________________

(١) الأول في الاسم يقتضي الرفع والثاني النصب والثالث الجر ، والأول في الفعل يقتضي الجزم ، والثاني الرفع ؛ والثالث النصب.

(٢) قال أبو حيان : قوله : أو سكون أو حذف : وهذي عندي ليس كذلك ؛ بل يكفي الحذف ؛ لأن الحذف على قسمين : حذف حركة نحو يضرب وحذف حرف نحو لم يذهبا (التذييل والتكميل : ١ / ١٢١).

(٣) أي شرح التسهيل للمصنف ، وانظر ذلك في (١ / ٣٣).

(٤) قوله : لا نولك أن تفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل. وقوله ذي الكلاع بفتح الكاف هما اثنان : ذو الكلاع الأكبر وهو زيد بن النعمان ، والأصغر حفيد له ، وهما من أزواء اليمن. (القاموس : ١ / ٨٢) وأم عريط : كنية العقرب.

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٣).

٢٢٥

______________________________________________________

وقد طعن المصنف في الوجهين المذكورين :

أما الأول : فبأن الصالح لمعنى لم يوجد بعد لا ينسب إليه ذلك المعنى حقيقة حتى يصير قائما بذاته. ألا ترى أن رجلا صالح للبناء إذا ركب مع لا ، وخمسة عشر صالح للإعراب إذا فك تركيبه؟ ومع ذلك لا ينسب إليهما إلا ما هو صالح في الحال من إعراب رجل وبناء خمسة عشر ؛ فكذا لا ينسب تغيير إلى ما لا تغير له في الحال.

وأما الثاني : فلأن المبني على حركة مسبوق بأصالة السكون فهو متغير أيضا وحاله تغير ، فلا يصلح أن يحد بالتغيير الإعراب ؛ لكونه غير مانع من مشاركة البناء. انتهى (١).

والجواب عن الأول : أن يقال : إنما يصدق البناء على رجل مع صلاحيته له إذا ركب مع لا والإعراب على خمسة عشر مع الصلاحية له عند الفك ؛ لأن شرط البناء وهو التركيب مفقود في الأول ، وشرط الإعراب وهو الفك مفقود في الثاني ؛ ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط. وأما الكلمات التي لزمت رفعا أو نصبا أو جرّا فكل منها صالح للتغير دون شرط ؛ فلا يلزم أن يصدق عليه (٢) ما لا يصدق على ما انتفى شرط ذلك الحكم فيه.

وعن الثاني [١ / ٥١] : بأن المبني على حركة وإن كان مسبوقا بأصالة السكون ، فليست حركته مجتلبة بعامل ؛ فالتغير الحاصل له ليس كالتغير الذي حصل للمعرب ؛ فإن تغيره إنما هو بعامل ؛ فلا يرد على حد الإعراب بأنه تغير أنه غير مانع لدخول البناء ؛ لأن التغير الحاصل للمبني إنما هو تغير دون عامل بخلاف تغير المعرب.

قال المصنف : وقال بعضهم : لو كانت الحركات وما يجري مجراها إعرابا لم تضف إلى الإعراب ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه ، وهذا قول صادر عمن لا تأمل له ؛ لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع.

وأكثر ذلك فيما يقدر أولهما بعضا أو نوعا والثاني كلّا أو جنسا وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح ؛ فلم يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا. انتهى (٣). ـ

__________________

(١) المرجع السابق (ص ٣٣).

(٢) في نسخة (ب) ، (ج) : فلا يلزم ألا يصدق ، وما أثبتناه من الأصل هو الصحيح في المعنى.

(٣) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٤).

٢٢٦

[الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال]

قال ابن مالك : (وهو في الاسم أصل لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة والفعل والحرف ليسا كذلك فبنيا إلّا المضارع فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له فأعرب).

______________________________________________________

ونازعه الشيخ في دعوى الإجماع على صحة إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى ، وقال : «إنّ البصريّين لا يجوّزون ذلك» انتهى (١).

قال ناظر الجيش : اعلم أن المعاني التي تعرض للكلم على ضربين :

أحدهما : ما يعرض قبل التركيب : كالتصغير والجمع والمبالغة والمفاعلة والمطاوعة والطلب ، وهذا الضرب بإزاء كل معنى من معانيه صيغة تدل عليه ؛ فلا حاجة إلى الإعراب بالنسبة إليه.

والثاني من الضربين : ما يعرض مع التركيب : كالفاعلية والمفعولية والإضافة ، وكون الفعل المضارع مأمورا به أو علة أو معطوفا أو مستأنفا.

وهذا الضرب تتعاقب معانيه على صيغة واحدة فيفتقر إلى إعراب يميز بعض معانيه من بعض. والاسم والفعل المضارع شريكان في قبول ذلك مع التركيب ، فاشتركا في الإعراب ؛ لكن الاسم عند التباس بعض ما يعرض له ببعض ليس له ما يغنيه عن الإعراب ، كما في : ما أحسن زيدا إذا أريد [١ / ٥٢] به أحد معانيه الثلاثة التي هي التعجب والنفي والاستفهام (٢) وذلك لأن معانيه مقصورة عليه فجعل قبوله لها واجبا ؛ لأن الواجب لا محيص عنه.

والفعل المضارع وإن كان قابلا بالتركيب لمعان يخاف التباس بعضها ببعض ، فقد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه نحو : لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا ؛ فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن الفعلين مطلقا وعن الجمع بينهما وعن الجفاء وحده مع استئناف الثاني ، فالجزم دليل على الأول ، والنصب دليل على الثاني ، والرفع دليل على الثالث. ويغني عن ذلك وضع اسم موضع كل واحد من المجزوم والمنصوب ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (١ / ١١٣) ، وانظر المسألة رقم ٦١ في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف : (١ / ٤٣٧).

ملحوظة : يوجد فراغ أبيض بعد ذلك حوالي نصف صفحة في النسخ الثلاث ، وأرى أنه لم يسقط شيء.

(٢) انظر تفصيل ذلك والتمثيل له بعد صفحات من هذا التحقيق.

٢٢٧

______________________________________________________

والمرفوع نحو أن تقول : لا تعن بالجفاء ومدح عمرو (١) ، ولا تعن بالجفاء مادحا عمرا ، ولا تعن بالجفاء ولك مدح عمرو.

فقد ظهر بهذا تفاوت ما بين سببي إعراب الاسم وإعراب الفعل في القوة والضعف ؛ فلذا جعل الاسم أصلا والفعل المضارع فرعا فهذا كلام المصنف. وهو جيد (٢).

وإذا تقرر ذلك فقوله : وهو أي الإعراب أصل في الاسم لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة.

وقوله : والفعل والحرف ليسا كذلك أي. ليس الإعراب فيهما أصلا ؛ بمعنى أنهما لا يستحقانه ؛ لأنهما لا يجب أن يقبلا بصيغة واحدة معاني مختلفة. ونفي وجوب قبولهما لذلك تحته أمران :

أحدهما : نفي القبول من أصله كما في الحرف والفعل الماضي وفعل الأمر ؛ فهذه (٣) لا مدخل للإعراب فيها البتة ؛ إذ لا مقتضى له في شيء منها.

الثاني : نفي الوجوب بخصوصه ؛ فلا ينتفي أصل القبول كما في الفعل المضارع ؛ فإنه يقبل بصيغته الواحدة عدة معان كما تقدم ؛ لكن قبوله لذلك ليس واجبا بل جائزا ؛ لأنه قد يقع اسم مكانه ويفيد إفادته فيستغنى عن الفعل بخلاف الاسم ؛ إذ لا يتأتى ذلك فيه ؛ ومن حيث كان ذلك القبول واجبا في الاسم جائزا في الفعل المضارع ، جعل الإعراب في الاسم أصلا وفي الفعل فرعا (٤).

ولما كان قوله : والفعل والحرف ليسا كذلك محتملا لنفي القبول من أصله قال : فبنيا.

أي كما أن الاسم استحق الإعراب للقبول استحق الفعل والحرف البناء لعدم القبول. ـ

__________________

(١) بجر مدح عطفا على الجفاء ، ويكون المراد النهي عنهما.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٤ ، ٣٥).

(٣) الإشارة إلى الحرف والفعل الماضي وفعل الأمر ، والمعنى : فهذه الأشياء.

(٤) هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء والأفعال معا (انظر البحث الثاني من الأبحاث التي سيذكرها الشارح آخر هذا الحديث).

وانظر المسألة بالتفصيل وحجة كل من الفريقين في التذييل والتكميل (١ / ١٢١ ـ ١٢٣) ، والهمع : (١ / ١٥) ، قال أبو حيان : وهذا من الخلاف الذي ليس فيه كبير منفعة (ارتشاف الضرب ١ / ٤١٣) تحقيق د / مصطفى النماس (١٩٨٤ م).

وقال ناظر الجيش : ومثل هذا ينبغي ألّا يتشاغل به. ولم يذكر هذه المسألة صاحب الإنصاف.

٢٢٨

______________________________________________________

ثم استثنى المضارع لكونه يقبل كالاسم ، لكنه بين أن الإعراب ليس أصلا فيه ، بل فرع ؛ لكون القبول ليس على سبيل الوجوب ؛ فقال :

فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له أي أعرب الفعل المضارع لمشابهة الاسم في جواز قبول ما أوجب الإعراب فيه. وظاهر عبارته تقتضي أن الفعل أعرب لمشابهته الاسم في القبول ؛ فتكون العلة في الإعراب المشابهة.

والذي علمناه من تقريره في الشرح (١) : أن العلة في إعراب المضارع إنما هي القبول نفسه كما في الاسم لا المشابهة. وكان الأولى أن يقول إلا المضارع فإنه جاز فيه ما وجب في الاسم من القبول فأعرب ، ولا شك أن هذا مراده. ويمكن الرجوع بعبارته إليه ولكن بتكلف.

ولا أعلم لم قال بجواز شبه ما وجب ، ولم يقل بجواز ما وجب؟

وقال [١ / ٥٣] الشيخ : «إنّما قال بجواز شبه ؛ لأن المعاني التي أوجبت للاسم الإعراب ليست المعاني التي جوزت الإعراب للفعل بل هذه شبه لتلك ؛ لأن الفاعلية والمفعولية والإضافة لا تكون للفعل ؛ فلذلك قال : بجواز شبه ولم يقل بجواز ما وجب له» انتهى (٢).

وما قاله غير ظاهر ؛ لأن الذي أوجب الإعراب في الاسم وجوزه في الفعل إنما هو القبول بلفظ واحد لمعان تعتور عليهما ؛ وهذا أمر واحد مشترك بينهما ، وإن كانت المعاني المعتورة على الاسم غير المعاني المعتورة على الفعل ؛ لكن المقتضي للإعراب لما هو الأمر المشترك وهو القبول. وعلى هذا لا يتم كلام الشيخ.

وكان الأولى أن يقول المصنف : بجواز ما وجب له ، وأن يسقط لفظ شبه ؛ إذ لا فائدة به.

ثم ها هنا أبحاث :

الأول :

اعترض الشيخ على المصنف في قوله : إن الحرف لا يقبل بصيغة واحدة معاني ـ

__________________

(١) أي شرح التسهيل انظره : (١ / ٣٥).

(٢) انظر التذييل والتكميل (١ / ١٢٦).

٢٢٩

______________________________________________________

مختلفة بأنا نجد كثيرا من الحروف تكون لمعان كثيرة يفهم من كل معنى منها حالة التركيب ، وذلك نحو من ؛ فإنها تكون لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ولم يعرب شيء منها. انتهى (١).

والجواب : أن المعاني المعتورة على الاسم أمور زائدة على مدلوله ؛ فمدلول الاسم واحد ، وتعتور عليه معان ثلاثة مختلفة تحتاج إلى أمر يدل عليها ويفصل بعضها من بعض ، وذلك الأمر هو الإعراب. وأما الحرف إذا دل على معان متعددة فكل معنى منها هو مدلول الحرف حال دلالته عليه ؛ فالمعاني التي له هي مدلولاته ، وليس ثم أمر زائد يحتاج بسببه إلى الإعراب ، ولا يفتقر الدال في دلالته على معناه إلى الإعراب ؛ بل ولا إلى التركيب أيضا. فظهر أن اعتراض الشيخ ساقط (٢).

البحث الثاني :

قد تقرر أن الإعراب أصل في الاسم فرع في الفعل. وهذا هو مذهب البصريين ؛ إلا أنهم لم يجعلوا علة إعراب الفعل ما ذكره المصنف (٣). بل العلة عندهم ما سنذكره بعد. ومذهب الكوفيين أن الإعراب أصل في الفعل كما هو أصل في الاسم ؛ واحتجوا بأن موجب الإعراب في الاسم هو كونه يفتقر إليه لتبيين المعاني المعتورة عليه في بعض المواضع هو بعينه موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو : لا تأكل السّمك وتشرب اللبن ؛ فإنما يفهم من الجزم النهي عن الفعلين مجتمعين ومفترقين. ومن النصب النهي عن الجمع بينهما. ومن الرفع النهي عن الأول وإباحة ـ

__________________

(١) انظر التذييل والتكميل : (١ / ١٢١) وأمثلة معاني من التي ذكرها أبو حيان هي كالآتي بالترتيب : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] ، (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].

(٢) يذكر أبو حيان ـ معترضا على ابن مالك ـ أن كثيرا من الحروف لها معان كثيرة ، ومع ذلك فالحروف كلها مبنية.

ويجيب ناظر الجيش قائلا : إن هذه المعاني التي تأتي للحرف هي مدلول الحرف ومعناه ؛ فليس هناك أمر زائد على المعنى يحتاج الحرف بسببه إلى الإعراب بخلاف الأسماء للأسماء ؛ فإن معانيها في نفسها أولا كزيد الدال على إنسان صفته كذا وكذا ، وجمل الدال على حيوان صفته كذا وكذا ثم تصير للأسماء معان أخر زائدة يحتاج بسببها إلى الإعراب كالفاعلية والمفعولية والإضافة وهكذا.

(٣) وهو قبول الفعل بصيغة واحدة معاني مختلفة نحو : لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا ، ونحو ما سيذكره الشارح : لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن.

٢٣٠

______________________________________________________

الثاني. وبهذا علل المصنف إعراب الفعل فوافق الكوفيين ؛ إلا أنه لم يوافقهم في كون إعرابه أصلا كما هو في الاسم وقد تقدم ذلك.

ونقل الشارح مذهبا ثالثا وهو عكس مذهب البصريين ، قال :

«وحكى بعض المتأخرين أن الفعل أحقّ بالإعراب من الاسم ؛ لأنه وجد فيه بغير سبب ؛ فهو له بذاته ؛ بخلاف الاسم فهو له لا بذاته فهو فرع» انتهى (١).

ومثل هذا ينبغي ألا يتشاغل به.

البحث الثالث :

الذي تمسك به البصريون في كون الإعراب أصلا في الاسم هو ما تقدم من أنه يقبل بصيغة واحدة معاني مختلفة ، وتقريره في نحو : ما أحسن زيدا إذا تعجبت منه ، وما أحسن زيد إذا نفيت عنه الإحسان ، وما أحسن زيد؟ إذا استفهمت. قالوا : فلو لا الإعراب [١ / ٥٤] لالتبست هذه المعاني ، ثم حمل ما لا لبس فيه من الأسماء على ما فيه لبس نحو : شرب زيد الماء كما حملت أخوات يعد في الحذف عليه (٢) قالوا : ولا كذلك الأفعال ؛ لأنه لو زال الإعراب منها ما التبست معانيها.

وأجابوا عما ذكره الكوفيون في نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، بأن النصب على إضمار أن والجزم على إرادة لا والرفع على القطع. قالوا : فلو ظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني ولم يحتج إلى الإعراب ؛ فالإعراب إنما دل على المعاني لما حذفت العوامل وجعل هو دليلا عليها ؛ وذلك فرع والأصل ما ذكرنا (٣) انتهى.

وضعف هذا الوجه غير خفي.

البحث الرابع :

جعل البصريون العلة في إعراب المضارع مشابهة الاسم في الإبهام والتخصيص ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٢٢).

(٢) أخوات يعد هي : أعد ونعد وتعد. وإنما كانت يعد هي الأصل لوجود علة حذف الواو فيها ، وهي الثقل الناشئ من اجتماع ما يشبه أحرف العلة الثلاثة ؛ حيث وقعت الواو بين الياء المفتوحة والكسرة ، والفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء ، ثم حمل على ذلك ما ليس مبدوءا بالياء من المضارع.

(٣) أي من إظهار العوامل في المثال المذكور وهي أن في النصب ولا في الجزم ، ومن العامل المعنوي في الرفع وهو القطع (انظر التذييل والتكميل ١ / ١٢٢ ـ ١٢٣).

٢٣١

______________________________________________________

ـ ودخول لام الابتداء ومجاراته اسم الفاعل في الحركة والسكون (١).

قال المصنف : وهذه المشابهة التي اعتبروها بمعزل عن ما جيء بالإعراب لأجله ، ثم نقض بالفعل الماضي ، فقال :

إن فيه من مشابهة الاسم ما يقاوم المشابهة المعزوة للمضارع ولعلها أكمل.

فمن ذلك أن الماضي إذا ورد مجردا من قد ، كان مبهما في بعد المضي وقربه ، وإذا اقترن بقد تخلص للقرب ؛ فهذا شبيه بإبهام المضارع عند تجرده من القرائن وتخلصه للاستقبال بحرف التنفيس.

وأما لام الابتداء وإن كان للمضارع بها مزيد شبه بالاسم لكونها لا تدخل إلا عليهما فتقاومها اللام الواقعة بعد لو ؛ فإنها تصحب الاسم والفعل الماضي خاصة ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ)(٢) ، (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)(٣). وليس اعتبار تلك أحق من اعتبار هذه ، ولو لم يظفر بهذه لقاوم تلك تاء التأنيث ؛ فإنها تتصل بآخر الفعل الماضي كما تتصل بآخر الاسم ؛ فحصل للفعل الماضي بذلك من مشابهة الاسم مثل ما حصل للمضارع بلام الابتداء.

ويقاوم لام الابتداء أيضا مباشرة مذ ومنذ ؛ فإن الماضي يشارك الاسم فيها دون المضارع.

وأما مجاراة المضارع اسم الفاعل في الحركة والسكون ؛ فالماضي غير الثلاثي شريكه فيها (٤) ؛ وإنما يختص بها المضارع إذا كان الماضي على فعل مطلقا أو فعل متعديا (٥). وللماضي ما يقاوم الفائت من اتحاد وزنه ووزن الصفة والمصدر وتقاربهما. فالاتحاد نحو : طلب طلبا ، وجلب جلبا ، وغلب غلبا ، وفرح وأشر وبطر ، وهو فرح وأشر وبطر ، والمقاربة نحو : تعب تعبا وحسب حسبا وكذب ـ

__________________

(١) ذكر الشارح لمشابهة المضارع للاسم أربعة أوجه : أولها وثانيها : الإبهام ثم التخصيص بمعنى أن الاسم يكون نكرة ثم يتخصص بوصف أو بتعريف ، وكذلك المضارع يحتمل الحال والاستقبال ، ثم يتخصص للأول بأشياء منها : الآن. وللثاني بأشياء منها : حروف التنفيس. والوجهان الثالث والرابع واضحان. وقوله : في الحركة أي مطلقها.

(٢) سورة البقرة : ١٠٣.

(٣) سورة الأنفال : ٢٣.

(٤) دون اعتبار الميم الزائدة في الوصف في مثل مقاتل من قاتل.

(٥) وذلك لأن الوصف من هذين (فاعل) يجاري المضارع في الحركات والسكنات بخلاف غيرهما.

٢٣٢

______________________________________________________

كذبا. ولا ريب في أن التوازن في هذا الضرب أكمل منه في يضرب فهو ضارب ؛ فبان بما ذكرناه تفضيل ما اعتبرناه. انتهى كلام المصنف وهو كلام جيد (١).

وما ذكره من إبهام الماضي وتخصيصه أقرب شبه من إبهام المضارع وتخصيصه.

وذلك أن دلالته على الزمانين أعني القريب والبعيد بالتواطؤ ، كما أن دلالة الاسم على مسماه كذلك.

وأما المضارع إنما يدل على الحال والاستقبال بطريق الاشتراك.

وليس في كلامه شيء غير أن اللام التي استشهد بدخولها في جواب لو ـ قد [١ / ٥٥] ينازع فيها ، فيقال : إن الجملة الاسمية وهي : (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ)(٢) ليست جوابا ؛ بل هي مستأنفة والجواب محذوف فتكون اللام لام الابتداء.

على أن للمعربين فيها قولين :

أحدهما : أنها لام الابتداء. الثاني : أنها اللام الداخلة في جواب لو. فعلى القول الثاني يتم كلام المصنف جميعه (٣).

البحث الخامس :

قد تبين مما تقدم أن المصنف وافق البصريين في أن الإعراب أصل في الاسم فرع في الفعل ، وخالفهم في التعليل فلم يجعل فرعيته من جهة المشابهة للاسم ، وأنه جنح إلى تعليل الكوفيين ، ولم يوافقهم في الحكم الذي ادعوه من أصالة الإعراب في الفعل.

ووافق البصريين في الحكم والكوفيين في التعليل ؛ فكان اختياره مركبا من المذهبين ولا يبعد ما اختاره من الصواب.

وقال الشيخ : الذي يظهر أن المعاني التي تعتور على الاسم والفعل مشتركة بينهما ، فكما دخل الإعراب الاسم كذلك دخل الفعل (٤).

__________________

(١) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥ ، ٣٦). (٢) سورة البقرة : ١٠٣.

(٣) انظر الوجه الثاني في إعراب القرآن للعكبري : (١ / ١٠١) ، ومثوبة مبتدأ ، ومن عند الله صفته ، وخير هي الخبر ، والجملة لا محل لها من الإعراب لأن لو غير جازمة ؛ لأنها تعلق الفعل الماضي بالفعل الماضي والشرط خلاف ذلك. وقرئ «مثوبة» قاسوه على مفعلة من الصحيح.

(٤) من هذه المعاني ما يدخل عليهما قبل التركيب : كالتصغير والجمع في الاسم وكالمضي والاستقبال ـ

٢٣٣

[متى يعرب المضارع ومتى يبنى؟]

قال ابن مالك : (ما لم يتّصل به نون توكيد أو إناث).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : شرط إعراب المضارع ألا يتصل به إحدى النونين وهما نون التوكيد ثقيلة كانت أو خفيفة ونون الإناث ؛ خلافا لمن لم يشترط ذلك ، فحكم بإعرابه مطلقا اتصل به ذلك أو لم يتصل.

وأشعر قوله : ما لم يتّصل به : أن المضارع لا يحكم ببنائه لتوكيده بالنون مطلقا.

كما هو رأي الأخفش (١) ؛ بل لا يحكم ببناء ما اتصلت به ، فالمضارع المسند إلى ضمير اثنين أو جمع أو مخاطب نحو : هل يفعلان وهل يفعلون وهل تفعلين معرب. وما عدا ذلك مبني.

قال المصنف : «وإنما كان كذلك لأن المؤكد بالنون إنما بني لتركبه معها وتنزله معها منزلة صدر المركب من عجزه ، وذلك منتف من يفعلان وأخويه».

هذا مذهب المحققين ، قال : «ويدل على صحته أن البناء المشار إليه إما للتركيب وإما لكون النون من خصائص الفعل فضعف بلحاقها شبه الاسم ؛ إذ لا قائل بغير ذلك والثاني باطل ؛ لأنه مرتب على كون النون من خصائص الفعل ، ولو كان ذلك مؤثرا (٢) لبني المجزوم والمقرون بحرف التنفيس والمسند إلى ياء المخاطبة ؛ لأنهن مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص الفعل ، بل ضعف شبه هذه الثلاثة بالاسم أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون ؛ لأن النون وإن لم يلق لفظها بالاسم فمعناها به لائق بخلاف لم وحرف التنفيس وياء المخاطبة ؛ فإنها غير لائقة بالاسم لفظا ومعنى».

«ولو كان موجب البناء المؤكد بالنون كونها مختصة بالفعل ، لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيّا لأنها أمكن في الاختصاص ، وفي عدم بناء ما اتصلت به دلالته على أن موجب البناء التركيب ؛ إذ لا ثالث لهما.

وإذا ثبت أن موجب البناء التركيب لم يكن فيه ليفعلان وأخويه نصيب ؛ لأن ـ

__________________

ـ في الفعل. ومنها ما يدخل عليهما بعد التركيب : كالفاعلية والمفعولية في الاسم وكالأمر والنهي والشرط في الفعل (انظر التذييل والتكميل ١ / ١٢٦).

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٢٦).

(٢) كلمة مؤثرا ناقصة سهوا من نسخة (ب).

٢٣٤

______________________________________________________

الفاعل البارز حاجز وثلاثة أشياء لا تركب» (١).

«وأيضا فإن الوقف على نحو هل يفعلن بحذف نون التوكيد وثبوت نون الرفع ؛ فلو كان قبل الوقف [١ / ٥٦] مبنيّا لبقي بناؤه ؛ لأن الوقف عارض ، فلا اعتداد بزوال ما زال لأجله كما لا اعتداد بزوال ما زال لالتقاء الساكنين نحو : هل تذكر الله والأصل تذكرن ، فحذفت النون الخفيفة لالتقاء الساكنين وبقيت فتحة الراء الناشئة عن النون مع كونها زائلة ؛ لأن زوالها عارض فلم يعتد به ، ولا فرق بين العروضين فلو كان ليفعلن ونحوه قبل الوقف بناء لاستصحب عند عروض الوقف كما استصحب بناء هل تذكر الله ، عند عروض التقاء الساكنين» ، انتهى (٢).

وتقرر أن المذاهب في المؤكد بالنون ثلاثة : البناء مطلقا والإعراب مطلقا والتفصيل بين أن تتصل به فيبنى أو لا تتصل به فيعرب وهو الصحيح.

وأما نون الإناث : فالمتصل بها مبني ، وبناؤه على السكون. وذهب بعضهم إلى أنه معرب ، وهو ابن درستويه (٣) ومتابعوه (٤).

قال المصنف : والأصح من أسباب بنائه ما ذهب إليه سيبويه (٥) : من أنه يبنى حملا على الماضي المتصل بها ؛ لأن أصل كل واحد منهما البناء على السكون ، فأخرج عنه المضارع إلى الإعراب للمناسبة التي تقدم ذكرها ، وأخرج عنه الماضي إلى الفتح ؛ تفضيلا له على الأمر لشبهه بالمضارع في وقوعه صفة وصلة وحالا وشرطا ومسندا بعد كان وإن وظن وأخواتها بخلاف الأمر ؛ فاشتركا في العود إلى الأصل بالنون كما اشتركا في الخروج عنه بالمناسبتين المذكورتين (٦).

وقيل : إنما بني المتصل بنون الإناث لتركبه معها ؛ لأن الفعل والفاعل كشيء ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٦).

(٢) انظر المرجع السابق.

(٣) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن المرزبان ، اشتهر بالنحو وعلا قدره وانتصر للبصريين ، صحب المبرد ولقي ابن قتيبة وأخذ عن الدارقطني ، عمر طويلا حيث ولد سنة (٢٥٢ ه‍) ومات سنة (٣٤٧ ه‍) ببغداد.

مصنفاته : صنف الإرشاد في النحو ، شرح فصيح ثعلب ، غريب الحديث ، معاني الشعر ، المقصور والممدود ، ولم أعثر له على كتاب. انظر ترجمته في بغية الوعاة : (٢ / ٣٦) ، الأعلام (٤ / ٢٠٤).

(٤) هم السهيلي وابن طلحة وطائفة من النحويين. انظر التذييل والتكميل (١ / ١٢٩) ، الهمع (١ / ١٨) ، حاشية الصبان (١ / ٢٥).

(٥) انظر : الكتاب (١ / ٢٠).

(٦) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٧).

٢٣٥

[وجوه الشبه بين الاسم والحرف]

قال ابن مالك : (ويمنع إعراب الاسم مشابهة الحرف بلا معارض والسّلامة منها تمكّن).

______________________________________________________

واحد معنى وحكما ؛ فإذا انضم إلى ذلك أن يكون مستحقّا للاتصال لكونه على حرف واحد ، تأكد امتزاجه وجعل مع ما اتصل به شيئا واحدا. ومقتضى هذا أن يبنى المتصل بألف الضمير وواوه ويائه ؛ لكن منع من ذلك شبهه بالاسم المثنى والمجموع على حده ، كما منع من بناء أي مع ما فيها من تضمن معنى الحرف شبهها ببعض وكل معنى واستعمالا (١).

وقيل (٢) : إنما بني المتصل بنون الإناث لنقصان شبهه بالاسم ؛ لأنها لا تلحق الأسماء وما لحقته من الأفعال إن باين الاسم ازدادت به مباينته ، وإن شابهه نقصت به مشابهته (٣).

قال ناظر الجيش : لما تقرر أن الإعراب في الاسم أصل تعين التعرض لذكر موجب البناء فيما بني من الأسماء. أما ذكر المبنيات أنفسها فهو في تفاصيل أبواب الكتاب (٤).

وقد عدد غير المصنف لبناء الاسم أسبابا ، ومنها : ما إذا حقق لم يكن له تأثير في البناء ، وخلطوا أيضا أسباب المبني جوازا كغير وحين إذا أضيف إلى غير متمكن بأسباب المبني وجوبا.

وأما المصنف فلم يجعل سبب البناء إلا أمرا واحدا : وهو شبه الحرف ، ولم يشرك البناء الجائز مع البناء الواجب ؛ بل أفرده وخصه بعلة تناسبه كما سيأتي في أماكنه إن ـ

__________________

(١) أما الشبه في المعنى : فإن أيّا تكون بمعنى بعض إن أضيفت إلى معرفة تقول : لأضربن أيكم يهمل أي الذي ، وتكون بمعنى كل إن أضيفت إلى نكرة تقول : أي شيء صنعته محسوب عليك ، أي كل شيء.

أما الشبه في الاستعمال فإن الثلاثة تلزم الإضافة والمضاف إليه مذكور لفظا ومعنى أو محذوف في اللفظ ويقوم التنوين مقامه ، والأمثلة ظاهرة.

(٢) علة ثالثة لبناء المضارع عند اتصاله بنون النسوة.

(٣) انظر شرح التسهيل : (١ / ٣٧).

(٤) انظر باب المضمر وباب الموصول وباب اسم الإشارة في تحقيقنا. وسيأتي الحديث بعد ذلك عن لا العاملة عمل إن والحديث عن الظروف المبنية وأسماء الأفعال إلى آخر المبنيّات.

٢٣٦

______________________________________________________

شاء الله تعالى. ولا تبعد طريقته في ذلك عن الصواب (١).

على أنه قرر تقريرا حسنا يتضمن الرد على من جعل علة البناء في أسماء الأفعال وقوعها موقع [١ / ٥٧] الأفعال بأن قال :

«الحرف أمكن في عدم الإعراب من الفعل ؛ لأنّ من الأفعال ما يعرب وليس من الحروف ما يعرب ، وما لا يعرب من الأفعال شبيه بما يعرب.

وأما الماضي : فلمشاركته المضارع في وقوعه مواقعه المذكورة آنفا (٢) وفي كونهما مخرجين عن الأصل (٣) مردودين إليه بنون الإناث ، ولشبهه بالمعرب لم يجز أن تلحقه هاء السكت وقفا ؛ إذ لا تلحق متحركا بحركة إعرابية ولا شبيهة بإعرابية كاسم لا التبرئة والمنادى المضموم.

وأما الأمر : فشبهه بالمجزوم بين ؛ لأنه يجري مجراه في تسكين آخره إن كان صحيحا ، وفي حذفه إن كان معتلّا. ولا يعامل هذه المعاملة غيره من المبنيات المعتلة ؛ بل يكتفى بسكون آخره كالذي والتي.

إذا ثبت أن المبني من الأفعال شبيه بالمعرب ضعف جعل مناسبته سببا لبناء بعض الأسماء المبنية ، فهذا يبين ضعف القول بأن أسماء الأفعال بنيت لمناسبة الأفعال التي هي واقعة موقعها كنزال وهيهات فإنهما بمعنى انزل وبعد ، وواقعان موقعهما.

ويزيده ضعفا أيضا : أن مثل هذه المناسبة موجودة في المصادر الواقعة دعاء ، كسقيا له ؛ فإنه بمعنى سقاه الله ، وفي الواقعة أمرا كقوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(٤) فإنه بمعنى اضربوا الرقاب وهما معربان بإجماع.

وأيضا فمن أسماء الأفعال : ما هو بمعنى المضارع وواقع موقعه كأف وأوه بمعنى ـ

__________________

(١) أما البناء الواجب في بعض الأحوال فمن أمثلته : بناء اسم لا النافية للجنس ، وقد تحدث عنه ابن مالك في شرحه على التسهيل (الجزء رقم : ٥) ، ومنه أيضا المنادى في بعض أحواله ، وتحدث عنه في شرحه الجزء (رقم : ١٣) وأما البناء الجائز فمن أمثلته بناء غير وحين ، وقد تحدث عنه في شرحه (الجزء السابع).

(٢) وهي وقوع كل منهما صفة وصلة وحالا وشرطا ومسندا.

(٣) وهو البناء على السكون ، فالماضي يبنى على الفتح والمضارع أعرب.

(٤) سورة محمد : ٤.

٢٣٧

______________________________________________________

أتضجر وأتوجع (١) فلو كان بناء نزال وهيهات لوقوعهما موقع مبنيين لكان أف وأوه معربين لوقوعهما موقع مضارعين ؛ فثبت أن بناء أسماء الأفعال ليس لمناسبة الأفعال ، بل لمناسبة الحروف» ، انتهى (٢).

ثم مشابهة الحرف على خمسة أنواع : شبه في الوضع ، وشبه في المعنى ، وشبه في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالمنوب عنه ، وشبه في الافتقار إلى الجمل ، وشبه في الإهمال.

أما الشبه في الوضع :

فالمراد به أن يكون الاسم على حرف واحد أو حرفين كغالب ألفاظ الضمائر مثلا ، وإنما كان ذلك موجبا للبناء ؛ لأن الموضوع على حرف واحد أو حرفين حقه ألا يكون إلا حرفا ؛ لأن الحرف يجاء به لمعنى في غيره ، فهو كجزء لما دل على معنى فيه ، فإذا وضع على حرف أو حرفين ناسب ذلك معناه بخلاف الاسم والفعل ؛ فأي اسم وضع على حرف أو حرفين فقد أشبه الحرف في وضعه.

ولا يدخل في هذا ما عرض له النقص كيد ودم ؛ فإن وضعه إنما هو على ثلاثة أحرف ، ولهذا يعود ثالث هاتين الكلمتين في التصغير والتكسير وغيرهما.

وأما الشبه في المعنى :

فالمراد به أن يكون الاسم متضمنا معنى من معاني الحروف كمتى ؛ فإنها تتضمن معنى (٣) الهمزة إن كانت استفهاما ، ومعنى إن إن كانت شرطا ، وكأين أيضا فإنها مثلها ، وكأسماء الإشارة فإنها تضمنت معنى الإشارة ، ولا شك أنه معنى من معاني الحروف وإن لم يوضع له لفظ يدل عليه ، ولكنه كالخطاب [١ / ٥٨] والغيبة.

وإنما كان الشبه المعنوي موجبا للبناء ؛ لأن حق الاسم أن يدل على معنى في نفسه ؛ فإذا وجد مع ذلك (أنه) (٤) قد دل على معنى في غيره كان مشبها للحرف في ذلك ؛ إذ الدلالة على معنى في الغير إنما هي من شأن الحروف. ـ

__________________

(١) في الأصل : أتوجع وأتضجر ، فيكون فيه لف ونشر مشوش ، وما أثبتناه من غير الأصل ، ومن شرح التسهيل لابن مالك.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٨).

(٣) كلمة معنى ساقطة من نسخة (ب) ، (ج) وإثباتها أفضل.

(٤) ما بين القوسين وضعته من عندي لاستقامة الكلام.

٢٣٨

______________________________________________________

أما الشبه في النيابة وعدم التأثر :

فالمراد به أن يكون ذلك الاسم نائبا عن فعل وهو مؤثر غير متأثر كأسماء الأفعال ؛ فإنها نابت عن أفعالها وهي مسندة أبدا ؛ فهي عاملة في المسند إليه ولا شيء يعمل فيها ؛ فأشبهت إن وأخواتها في أنها تعمل عمل الفعل ولا يعمل فيها عامل لا لفظا ولا تقديرا.

وبهذا امتاز اسم الفعل من المصدر النائب عن فعل الأمر ، فإن قوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١) واقع موقع اضربوا الرقاب ، كما أن دراك زيدا واقع موقع أدرك زيدا ؛ إلا أن ضرب الرقاب متأثر بعامل مقدر صار هو بدلا من اللفظ به ، ولم يمنع من تقديره ، ودراك نائب عن أدرك ومنع من تقديره. فهو مؤثر غير متأثر.

وأما الشبه في الافتقار إلى الجمل :

فالمراد به أن يكون ذلك الاسم لا تتم دلالته المقصودة منه حال الاستعمال حتى تذكر معه جملة كإذ وإذا وحيث ، وكالأسماء الموصولة ؛ فإن الحرف مفتقر حال الاستعمال إلى جملة يتم بها إفادة معناه ، فأي اسم كان شأنه ذلك فهو مشبه له ومعطى حكمه فى البناء.

وأما الشبه في الإهمال :

فالمراد به أن يكون الاسم غير عامل ولا معمول ، وذلك كالأسماء الواردة دون تركيب كأسماء حروف الهجاء المفتتح بها السور ، وكأسماء العدد مثلا ، إذا سردت دون تركيب : كواحد اثنان ثلاثة أربعة ؛ فإنها أشبهت الحروف المبهمة في أنها لا عاملة ولا معمولة (٢).

واعلم أن في الأسماء المذكورة ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها مبنية والعلة في بنائها ما ذكر من شبه الحرف ، وقد ضعف القول ببنائها بسبب تسكين أواخرها وصلا بعد ساكن ، وليس في المبنيات ما هو كذلك. ـ

__________________

(١) سورة محمد : ٤.

(٢) من أمثلة الحروف المهملة : هل ولو ولو لا ؛ فهذه لا عاملة ولا معمولة ، وهناك حروف عاملة فقط كحروف الجر العاملة في الأسماء ، وحروف النصب والجزم العاملة في الأفعال. ولا يوجد من الحروف ما هو عامل لغيره.

٢٣٩

______________________________________________________

وأجيب عن هذا : بأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما بني لقيام المانع (١) كأين وكيف فحركوه وصلا وبين ما بني لعدم المقتضى كسين وقاف وصاد فسكنوه وصلا ؛ لأن ما بني لعدم المقتضى أضعف مما بني لقيام المانع فناسبه استمرار السكون حال الوصل.

والثاني : أنها معربة وهو رأي الزمخشري (٢) وجنح المصنف إليه ، وعلل بأنه لم يكن ثم موجب للبناء ، فوجب الحكم بأنها معربة لقبولها الإعراب.

قالوا : ولا يلزم من عدم الإعراب لفظا عدمه حكما. ولو لزم ذلك لم يعل في الإفراد فتى ونحوه ؛ لأن سبب الإعلال في مثله فتح ما قبل آخره مع تحركه أو تقدير تحركه (٣) ، ولكان الموقوف عليه مبنيّا ، وكذا المحكي والمتبع (٤).

ولك أن تقول : إن عنى بكونها معربة أنه لا مانع يمنع من إعرابها حال التركيب [١ / ٥٩] فصحيح ، وإن عنى بها أنها الآن معربة فغير ظاهر ؛ إذ الإعراب دون تركيب ممتنع.

والجواب عما ألزموا به من إعلال فتى ونحوه أن يقال :

إنه ركب فأعل ثم استمر له حال إفراده ما له حال تركيبه.

أو يقال : إنه قدر بحركة حال الإفراد ، فجعل للمقدر حكم الموجود فأعل.

وأما الموقوف عليه والمحكي والمتبع فالعوامل التي معها توجب الحكم عليها بالإعراب ، بخلاف الأسماء المبهمة ؛ إذ لا عامل معها يوجب ذلك.

القول الثالث : أنها ليست معربة ولا مبنية.

أما عدم إعرابها : فلأنها لم تركب مع عامل ، وشرط الإعراب التركيب.

أما عدم بنائها : فلسكون آخرها وصلا بعد ساكن ، وليس في المبنيات ما هو كذلك. ـ

__________________

(١) أي من الإعراب ، والمانع من إعراب أين وكيف هو الشبه المعنوي ؛ حيث أشبها الهمزة في إفادتهما الاستفهام مثلها. وكان حقهما البناء على السكون لأصالته في البناء ، ثم حركا لالتقاء الساكنين ، بخلاف ما ذكره من سين وقاف فحقه الإعراب.

(٢) انظر تفسيره المسمى بالكشاف (١ / ٨٠) (طبعة مصطفى الحلبي ، سنة ١٩٧٣).

(٣) معناه أن فتى ـ وكذا ما ذكره ـ معرب بحركة مقدرة ولو كان مبنيّا وسيكون البناء على السكون لم يكن ثم داع للإعلال ، لأن إعلال مثله مشروط بتحرك حرف العلة وانفتاح ما قبله ، كما في فتى المعرب وليس في فتى المبني.

(٤) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٨ ، ٣٩) وهو آخر كلام ابن مالك في هذا الموضع وما بعده من كلام الشارح.

٢٤٠