شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

الفصل العاشر

شرح ناظر الجيش ـ بين التأثر والتأثير ـ ما له وما عليه

* أولا : التأثر :

ذكرنا في الفصل الخامس مصادر شرح التسهيل لناظر الجيش ، ومراجعه التي استقى منها مادته العلمية ، وكيف تأثر بمن سبقوه ، وهم كثير قد انعكست مؤلفاتهم وكتبهم وآراؤهم في هذا الشرح. وكان منهم البصريون والكوفيون والبغداديون والأندلسيون والمصريون ، وغيرهم. فمن أعلام المذهب البصري الذين تأثر بهم : سيبويه والخليل والأخفش والمازني والمبرد والسيرافي.

ومن أعلام المذهب الكوفي : الكسائي والفراء وثعلب والطوال.

ومن أعلام المذهب البغدادي ، أو ممن جمع بين النزعتين : ابن كيسان والزجاج وابن شقير وابن السراج.

وأما أعلام المذهب الأندلسي : فقد ظهر تأثيرهم في شرح التسهيل لناظر الجيش كثيرا منهم : الأعلم وابن طاهر والسهيلي وابن خروف والصفار والشلوبين وابن هشام الخضراوي وابن عصفور وابن الضائع وابن أبي الربيع.

وأما أعلام المدرسة المصرية الشامية : فكان على رأسهم : ابن الحاجب وابن مالك وأبو حيان وابن النحاس. كل هؤلاء تجد آراءهم وأسماء كتبهم منثورة على طول هذا الكتاب.

وأما من كان له اليد الطولى والنصيب الأوفر في هذا الشرح ، فهم : ابن مالك وابنه وأبو حيان وابن عصفور.

أما ابن مالك ـ وابنه ـ فقد نقل كتابه كله وهو شرح التسهيل وضمنه شرحه ، وكذلك الجزء الذي شرحه ابنه بدر الدين أيضا. ولم يكتف بشرح التسهيل ؛ بل كان يرجع بين الحين والحين إلى شرح الكافية الشافية له ويأخذ أحسن ما فيه.

وأما أبو حيان وكتابه التذييل والتكميل في شرح التسهيل ، فإن ناظر الجيش

٨١

قد أخذ أحسن ما فيه من علم ، واستحوذ على لبه ، ووضعه في كتابه ، وترك الغث منه والتطويل الذي لا قيمة له. وفوق ذلك أخذ اعتراضاته على ابن مالك ليجيب عنها ويرد عليها.

وأما ابن عصفور فقد كان ناظر الجيش يجله إجلالا شديدا ويحبه حبّا كبيرا ، ويرى أنه حامل راية النحو في بلاد الأندلس ، وأنه العلم الذي لا يبارى ؛ فاقتنى كتبه كلها ، واستحوذ عليها ، وقرأها قراءة الفاهم الواعي ، وأخذ أحسن ما فيها وضمنه كتابه. وتظهر قيمة شرح التسهيل لناظر الجيش أن سفرين كبيرين لابن عصفور قد ضاعا. وهما : شرح الإيضاح له وشرح المقرب ؛ فلم يبق منهما إلا النقول التي نقلها محب الدين محمد بن يوسف الملقب بناظر الجيش ، وضمنها كتابه.

ولا تكاد تعدم في تأثر ناظر الجيش بمن سبقوه من كتب في اللغة والبلاغة والأدب ، كالتهذيب للأزهري ، والصحاح للجوهري ، والنوادر لأبي علي القالي ، ومفتاح العلوم للسكاكي.

وهناك كتب كثيرة أخذ منها وانتفع بها ؛ وإن لم يشر إليها مثل : كتب أبي علي الفارسي ، وكتب ابن الحاجب ، وشرح الجمل لابن الضائع.

ثانيا : التأثير :

أما تأثير ناظر الجيش وشرحه فيمن جاء بعده من أعلام وكتب ، فهو كبير. وهناك نقول كثيرة مبثوثة في ثنايا كتب النحو التي جاءت بعد شرح التسهيل. وسنشير هنا إلى بعض هذه الكتب وإلى أماكنها وصفحاتها وأجزائها ؛ لأن الهدف من وراء ذلك هو إثبات أن شرح التسهيل لناظر الجيش قد عرف طريقه إلى كتب وتآليف النحويين من بعده في عصر لم تكن فيه مطابع ولم يكن للكتاب إلا نسختان أو ثلاثة. أما اليوم ـ وبعد طبع الكتاب ـ فإننا سنجد له تأثيرا كبيرا وانتشارا عظيما. والآن إلى الدلالة على هذه النقول وأماكنها :

١ ـ بدر الدين الدماميني ، في شرحه على التسهيل المسمى : تعليق الفرائد.

٨٢

انظر نقلا عن ناظر الجيش في باب الظروف (الجزء الخامس) ، تحقيق د / محمد عبد الرحمن المفدي.

٢ ـ السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر ج ٢ ص ١٦١.

٣ ـ السيوطي في كتابه همع الهوامع ج ١ ص ١٢ ، ١٣.

٤ ـ الشيخ خالد الأزهري في كتابه التصريح ج ٢ ص ٢٦٦.

٥ ـ الشنقيطي في الدرر اللوامع ج ٢ ص ٥٤.

٦ ـ الأمير في حاشيته على مغني اللبيب ج ١ ص ٨٧.

٧ ـ الصبان في حاشيته على الأشموني ج ٤ ص ٥٥.

٨ ـ الشيخ ياسين في حاشيته على التصريح ج ١ ص ١١٦.

٩ ـ عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب (طبعة هارون).

ج ١ ص ١٨ ، ج ٤ ص ١٧٠ ـ ١٧٤.

ج ٤ ص ١٨٠ ، ج ٦ ص ٧٣ ـ ٢٨٦ ـ ٣٢٨.

ج ١٠ ص ٥١ ـ ٨٢ ، ج ١١ ص ٣١٩ ـ ٣٣٢.

١٠ ـ عبد القادر البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب (عبد العزيز رباح).

وقد نقل من شرح التسهيل لناظر الجيش أكثر من أربعين موضعا. وهذه بعضها في أماكنها من الكتاب.

ج ١ ص ١١٥ ـ ١٥٤ ـ ٢١٢ ـ ٢٢١ ـ ٢٣٥.

ج ٣ ص ٩٧ ـ ١٠١ ـ ١٩١ ـ ١٩٩ ـ ٢١٢ ـ ٢١٧ ـ ٢٤١.

ج ٤ ص ٨٧ ـ ١٥٢ ـ ١٥٧ ـ ١٦٩ ـ ١٧٥.

ج ٥ ص ١١٥ ـ ١٥٠ ـ ١٥٩ ـ ٣٢٢.

ج ٧ ص ٢٨ ـ ١٤٦ .... إلخ.

٨٣

ميزات الكتاب :

بعد أن ذكرنا تأثر هذا الشرح بما سبقه من كتب ، وتأثيره فيما جاء بعده ـ نذكر له بعض المميزات كالآتي :

١ ـ اعتناؤه بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك ؛ فقد كان أبو حيان متجنيا في كثير من المسائل والمناقشات والاعتراضات على ابن مالك ؛ فجاء ناظر الجيش ورد هذه الاعتراضات وصحح رأي ابن مالك وما اتجه. وقد بنى الكتاب على هذا وألف من أجله. ولم يترك ناظر الجيش أي اتهام من أبي حيان إلا أخذه ورد عليه. وأحيانا كان يصوب النقد. وعلى ذلك فلا تكاد تخلو صفحة من الكتاب إلا وفيها ذكر الرجلين أو أحدهما.

٢ ـ امتاز الكتاب بثراء علمي واسع ؛ فهو موسوعة كبيرة في النحو العربي ؛ حيث لم يترك صاحبه شاردة أو واردة إلا وقد تحدث فيها. ومن هنا لا يقرأ هذا الكتاب ولا يقف على فهمه إلا متخصص دقيق في النحو واللغة. جاء ذلك من الكتاب المشروح أولا ، وهو التسهيل وصعوبته ، وجاء ثانيا من صبر المؤلف على العلم ، وطول نفسه في التأليف والكتابة والنقول.

٣ ـ اشتمل الكتاب على مباحث كثيرة منقولة من كتب مفيدة في موضعها. وبعض هذه الكتب قد ضاع ، كانت موجودة لدى مؤلف الكتاب ، فأخذ منها وضمنها كتابه ، وعلى مرّ الزّمن فقدت. ومن أمثلة ذلك : الإفصاح في شرح الإيضاح لابن هشام الخضراوي ، وشرح المفصل لابن عمرون ، وشرح الإيضاح لابن عصفور ، وشرح المقرب له ، والتذكرة لأبي علي الفارسي ، وغير ذلك من الكتب.

٤ ـ يمتاز شرح التسهيل لناظر الجيش بجودة الأسلوب وقوة العبارة ؛ فقد أوتي صاحبه قوة البيان ، ما جعل أسلوبه سهلا بعيدا عن التكلف سلسا واضحا يفهمه كثير من الناس ؛ مع ثقل القاعدة النحوية وجفافها ، وما ذلك إلا لأنه كان متأثرا بالبلاغة في أسلوبه ؛ فأضفت عليه جمالا وبهاء.

٥ ـ يمتاز شرح التسهيل المذكور بقدرة صاحبه على مناقشة القضايا المختلفة ،

٨٤

وتأييد هذا الرأي أو رفضه بالحجة والبرهان ، وقبوله أو رده بالدليل والبيان.

٦ ـ يمتاز الكتاب بحسن التنسيق والتنظيم لما يكتب من المسائل أو ينقل من الكتب الأخرى فهو يمهد للموضوع ليقف القارئ عليه أو يجمله له بعد أن يطول الكلام. وكثيرا ما كان يقسم المسائل إلى مباحث أو أمور أو تنبيهات ؛ حتى يقف القارئ على ما يريد ، كل على حدة ؛ فلا اختلاط ولا تداخل وإنما ترتيب وتنسيق.

٧ ـ كان ناظر الجيش دقيقا في نقوله فلا تحريف ولا تبديل ، أمينا فيها : يسند الحق لأهله وينسب الرأي لصاحبه. وهذه سمة العلماء الأجلاء.

٨ ـ لم نجد في الكتاب كله على طوله عبارات قذف أو سب ، كما فعل أبو حيان مع ابن مالك أو غيره. وإنما اشتملت عبارات ناظر الجيش على تقدير وإكبار للعلماء واحترام. وكم دعا بالرحمة لابن مالك وبالهداية لأبي حيان وكم مدح وأثنى على ابن عصفور وغيره.

٩ ـ يشتمل الكتاب على استدراكات كثيرة على ابن مالك أو غيره ، وعلى موازنات بين رأي ابن مالك وغيره ، وعلى مختصرات اختصرها من أبي حيان وشرحه الطويل للتسهيل ، وعلى مسائل علمية دقيقة ومناقشات مفيدة تنفع طلاب العلم والمتخصصين في الدراسات النحوية والصرفية واللغوية.

١٠ ـ اشتمل الكتاب على شواهد نحوية لا حصر لها ، سواء من القرآن أو الحديث أو الشعر أو كلام العرب المنثور. ففي مجال الحديث تضمن الشرح ما لا يقل عن أربعمائة حديث. وفي مجال الاستشهاد بالقرآن وجد ما لا يقل عن أربعة آلاف آية. ومثل ذلك ـ أو يزيد ـ شواهد الشعر وأبيات الاستشهاد ؛ فالكتاب موسوعة علمية كبيرة. وهو أول كتاب في النحو ينشر مشتملا على هذه السعة وهذا الحجم. وللشرح ميزات أخرى كثيرة وفيما ذكرناه كفاية.

مآخذ الشرح :

وقبل أن نذكر هذه المآخذ نذكر القارئ بما قاله مؤلف الكتاب في مقدمته ، حيث يقول : وأنا أسأل الواقف عليه أن يصفح عما فيه من الزلل وأن ينعم

٨٥

بإصلاح ما يشاهده من خلل. والله سبحانه وتعالى المرغوب إليه في العصمة من الخطل والتوفيق في كلا الأمرين : القول والعمل.

وما نذكره من مآخذ ما هو إلا خال في وجه الحسناء يزيدها حسنا وجمالا ، وسحابة تمر تحت قرص الشمس عن قليل تقشع وتذهب ، ثم يبقى النور يملأ الأرض والضياء يزين الحياة.

١ ـ وقوع أخطاء في بعض آي القرآن الكريم ، كتداخل آيتين أو كلمتين في آية ، أو سقوط حرف عطف ، أو وضع حرف عطف كالفاء مكان الواو.

٢ ـ عدم العناية بذكر قائلي أبيات الشواهد ، أو الخطأ في نسبة بعض الأبيات كأن يكون البيت لجرير وينسب للفرزدق.

٣ ـ عدم إسناد بعض النقول إلى أصحابها والنص عليهم.

٤ ـ تمحله في بعض الأحيان للدفاع عن ابن مالك.

٥ ـ كثرة النقول من الكتب وبخاصة كتب ابن مالك وأبي حيان وابن عصفور ؛ مما جعل شخصيته تكاد تذوب بين هذه النقول.

٦ ـ استعماله بعض الألفاظ اللغوية في غير موضعها كلفظ : يعتبر أو اعتبار بمعنى يعد أو له اهتمام. ومعنى الكلمة في اللغة غير ذلك.

وأخيرا نود أن نقول : إن هذه المآخذ أو غيرها لم تتكرر كثيرا أو تنتشر في الكتاب ؛ وإنما هي مواضع معدودة في هذا الخضم الهائل واليم الواسع.

٨٦

خاتمة

عشنا نحن الستة في صحبة ناظر الجيش وكتابه : تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد ـ فترة طويلة بلغت خمس سنوات لكل واحد منا ، استطعنا من خلالها التعرف على شخصية هذا العالم الكبير. وراعنا بعد هذه الصحبة أنه ليس لهذا الرجل إلى الآن أثر قد حقق ، أو دراسة قد عقدت ؛ من أجل إظهار جوانب هذه الشخصية التي بهرت أساتذته ، ومعاصريه. ونتوجه بالشكر إلى الله أن جعلنا أول باحثين في شخصية هذا الرجل وأول محققين لكتاب من أعظم كتبه ؛ فهذا شرف كبير لنا.

ولعل انصراف الباحثين عن هذا الرجل وعن آثاره هو الذي وضعنا في هذا الموضع ، فليس لنا أن ندعي أننا حزنا قصب السبق في هذا المجال. فلو أن يدا قد امتدت إلى هذا المخطوط قبلنا وقامت بتحقيقه ما كان لنا أن نضطلع بهذه المهمة ؛ ولكن يجوز لنا أن نقول : إن سبب الانصراف عن مثل هذا المخطوط إلى الآن هو ـ كما قال بعض الباحثين ـ ضعف الهمم وفتور العزائم عن التعامل مع أمثال هذه الموسوعات النحوية ؛ فلجأ الجميع إلى السهل الموجز متهيبا الدخول في أعماق كتاب مثل هذا الكتاب وهو تمهيد القواعد ؛ خوف الضلال.

وقد خرجنا من البحث بالنتائج التالية :

١ ـ يعد ناظر الجيش من الشخصيات البارزة في مجال النحو واللغة والبيان. فله شرح على التلخيص لجلال الدين القزويني كما رأينا. كما يعد ناظر الجيش أيضا من الشخصيات التي برزت في ميادين أخرى غير ميدان العلم كميدان السياسة ؛ فهو أحد الأعلام المشهورين في عصر المماليك البحرية ؛ حيث تولى نظر البيوت السلطانية ونظر الدواوين وغير ذلك ، حتى أصبح في عهد الملك الأشرف لا يقطع أمر دونه (١).

__________________

(١) ينظر : درة الأسلاك (ص ٤٨٧) وعقد الجمان للعيني حوادث سنة (٧٧٨ ه‍).

٨٧

٢ ـ يعد كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد موسوعة نحوية ضمت آراء المتقدمين والمتأخرين في توسط بين التطويل والتقصير ؛ فليس فيه التطويل الممل كما في التذييل والتكميل ، ولا التقصير المخل كما في التسهيل وشرحه لابن مالك. وقد بين ذلك ناظر الجيش نفسه في مقدمة هذا الكتاب حينما قال : ولقد خرج الكتاب المذكور ـ أي التذييل ـ بسبب الإطالة عن مقصود الشرح ، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح ؛ مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل ولا يظفر ببغيته ؛ إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله.

وأما شرح المصنف فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه ، ولا يقنعه ما يجده لديه ؛ بل تتشوق نفسه إلى زيادات الشرح الكبير ، ويرى أنه إذا لم يحط بها علما كان منسوبا إلى التقصير ؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلى بين القدحين ، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين ، وأتوخى الجواب ما يمكن عن مؤخذات الشيخ ومناقشاته بالبحوث الصحيحة والنقود الصريحة ، مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب (١).

٣ ـ يعد هذا الكتاب مرآة صادقة انعكست فيها آراء المذهب البصري بصفة عامة ، وآراء الأندلسيين بصفة خاصة.

٤ ـ ظهرت في هذا الكتاب مقدرة صاحبه الفائقة على إيراد الآراء والموازنة بينها أو الترجيح ، واختيار ما يراه صوابا منها ، فهو لم يكتف بسرد الآراء ؛ بل كان يوازن ويرجح ويختار ويفند.

٥ ـ لم يبخس ناظر الجيش واحدا من هذين العلمين الكبيرين ـ ابن مالك وأبي حيان ـ حقه ؛ فقد كان يرد رأي أبي حيان حينما يراه قد جانبه الصواب ، ويقف بجانبه ضد ابن مالك حينما يراه مصيبا. وعلى ذلك فإن ناظر الجيش قد جعل من نفسه قاضيا عادلا بين خصمين في ميدان العلم.

__________________

(١) انظر ذلك في مقدمة الشارح قريبا بعد قسم الدراسة (الجزء الأول).

٨٨

٦ ـ اعتمد ناظر الجيش على السماع أكثر من اعتماده على القياس. ويظهر ذلك في كثرة الشواهد الواردة في هذا الكتاب نثرية أو شعرية.

٧ ـ أجاد ناظر الجيش في رده اعتراضات أبي حيان على ابن مالك ؛ حيث بنى إجاباته عن هذه الاعتراضات على الحجة القوية ، والبرهان الساطع ، والقواعد الصحيحة.

٨ ـ هذا الكتاب ـ كما قلنا قبل ذلك ـ مزيج ثلاثة كتب هي من أمهات الكتب في علم النحو وهذه الكتب : التسهيل ، وشرح التسهيل لابن مالك ، والتذييل والتكميل لأبي حيان.

هذه هي النتائج التي استطعنا الخروج بها من خلال دراستنا لهذا الكتاب ولشخصية صاحبه. وندعو الله أن نكون قد وفقنا فيما قمنا به من عمل ، داعين المولى سبحانه أن ينفعنا به ؛ إنه نعم المولى ونعم النصير.

وأخيرا نعود ونقرر : أننا أمام موسوعة جدّ كبيرة ، وأمام عالم بين عالمين شامخين آخرين ، هما ابن مالك وأبو حيان. وقد كان صاحبنا موفقا في أكثر ما قال غاية التوفيق ، كما نقرر ونقول : قد تلاقت في هذا الكتاب كتب فأغنى عنها جميعها في حين أنه لا يغني عنه واحد منها. والله الموفق.

منهجنا في التحقيق بإيجاز بعد أن ذكرناه بالتفصيل في المقدمة :

سرنا في تحقيق هذا الكتاب على المنهج التالي :

١ ـ قمنا بتقويم النص تقويما سليما ، وفق القواعد النحوية والصرفية والإملائية ، دون تدخل في النص بزيادة أو نقص ؛ إلا ما اقتضته الضرورة ، مع التنبيه على ذلك في الهامش.

٢ ـ قابلنا النسخ بعضها ببعض ، مع الإشارة إلى مواطن الزيادة أو النقص فيها.

٣ ـ قمنا بتخريج الآيات القرآنية. وذلك بذكر سورتها ورقمها وتوجه القراءات ونسبتها أو توثيق نسبتها من الكتب المختصة بذلك.

٨٩

٤ ـ قمنا بتخريج الأحاديث النبوية الشريفة من مصادرها المختصة.

٥ ـ قمنا بتخريج الشواهد الشعرية ، ونسبتها إلى أصحابها إذا لم تكن منسوبة ، وتوثيقها من دواوين أصحابها كلما أمكن ومن أمهات الكتب الأخرى ، كما شرحنا بعض المفردات التي تحتاج إلى شرح.

٦ ـ قمنا بتخريج الأمثال العربية والأقوال من مظانها الأصلية.

٧ ـ قمنا بتخريج الآراء المنسوبة من كتب أصحابها إن وجدت ، أو من المصادر الأخرى ما أمكن ذلك. كما قمنا بنسبة بعض الآراء التي لم تنسب إلى أصحابها بقدر الإمكان.

٨ ـ قمنا بالربط بين هذا الكتاب ـ وهو تمهيد القواعد ـ وبين كتاب التذييل والتكميل ؛ حيث إن هذا الكتاب هو الذي ضم اعتراضات أبي حيان على ابن مالك.

وكذلك الأمر بالنسبة لشرح التسهيل لابن مالك ؛ حيث اعتمد عليه ناظر الجيش أيضا.

٩ ـ قمنا بالتعليق على بعض المسائل التي ذكرها المصنف أو الشارح ، مع الوقوف أمام بعض القضايا التي تحتاج إلى ذلك.

١٠ ـ قمنا بترجمة يسيرة للأعلام من خلال كتب التراجم المختصة.

١١ ـ قمنا بتمييز الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة عن غيرها من النصوص.

١٢ ـ قمنا بضبط الآيات والأحاديث والأشعار ومتن التسهيل ؛ لينطقها القارئ صحيحة سليمة.

١٣ ـ وضعنا عناوين مختلفة قبل كل متن تشير إلى ما يحتويه المتن من معلومات في الباب.

١٤ ـ قمنا بعمل فهارس مفصلة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية

٩٠

والشواهد الشعرية ؛ لينتفع بها القارئ ويفيده في الكشف السريع عما يريد ، كان ذلك في الجزء الأخير.

ثم أعدنا فهرس الموضوعات للأجزاء كلها في الجزء الأخير الخاص بالفهرس ؛ لينتفع به القارئ في معرفة الباب الذي يريده. وأخيرا ذيلنا الكتاب بالمراجع الحديثة المختلفة التي أفادتنا واستفدنا منها ، سواء في قسم الدراسة أو قسم التحقيق.

وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق :

من العجيب أن هذا الكتاب ـ وهو شرح التسهيل لناظر الجيش ـ لا توجد منه نسخة كاملة في مكان واحد من بلاد العالم مع أنه موجود في أربعة أماكن منها ، وهي : مصر والمغرب والسعودية وتركيا ، وكان علينا أن نأتي بأجزائه المختلفة من كل مكان ليس للمقارنة فقط ، ولكن ليكتمل الكتاب أولا ثم تأتي مرحلة مقارنة النسخ. أما الموجود منه بمصر فليس بالعسير الحصول عليه من القاهرة أو الإسكندرية ، وأما الموجود من بلاد المغرب فقد كفانا مؤنة الحصول عليه معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ؛ حيث صور ما كان موجودا بالبلد الشقيق.

وأما الموجود في تركيا فكان الحصول عليه هو الانتصار العلمي الكبير لأمرين :

الأول : صعوبة الحصول عليه لدرجة تصل إلى الأمر المحال ؛ لأن مثل هذه الأمور التي تكون بين دولتين وتهم فردا أو أفرادا يكون تحقيقها أمرا عسيرا.

الثاني : أن نسخة تركيا لا بد من الحصول عليها ؛ لأنها تحتوي على أبواب يكمل بها الكتاب ويكمل الموجود في مصر والمغرب بها أيضا. وبدون الحصول على هذه النسخة سيظل الكتاب ناقصا أربعة أبواب كبيرة (آخر الاستثناء ـ الحال ـ التمييز ـ أول العدد).

وبتوفيق الله سبحانه وتعالى ، وإخلاص نيتنا للعمل العلمي في تقديم كتاب ينفع الناس

٩١

والعلماء ـ حصلنا على نسخة تركيا لا بشجاعة منّا ولا وعي أو ذكاء وإنما للأمرين المذكورين : التوفيق من الله وإخلاص النية للعمل العلمي.

دعك مما أنفقنا على هذه النسخة من مال في زمن كنا فيه في حاجة إلى المال (من عشرين عاما) ؛ فهذا كله لا قيمة له بجانب الحصول على النسخة المذكورة التي تعادل الكنز الثمين والذهب الغالي.

والله وحده يعلم كم كان سرورنا ونحن نخرج من سفارة تركيا حاملين هذه النسخة في أيدينا ، بعد أن بحثنا عنها ثلاثة أعوام كاملة. وقد دلنا عليها بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي.

النسخة الأولى : وهي نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم (٣٤٩ نحو) وقد رمزنا إليها بالرمز (ج) وهي نسخة قديمة خطها جميل مكتوبة من خمسمائة عام أو يزيد ، وهي مكونة من ستة أجزاء كبيرة ، ولها عنوان واحد مكرر في الأجزاء الستة وهو : الجزء الأول من شرح التسهيل (أو الثاني أو الثالث) تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة محب الدين ناظر الجيوش ، تغمده الله برحمته.

وهذه النسخة الجزء الأول منها ضاع أكثر من نصفه ، فلا يوجد منه إلا ثمان وثمانون ورقة (حتى باب الضمير).

والجزء الثاني منها تظن لأول وهلة أنه مفقود كله ؛ ولكنه في مكان آخر مع التذييل والتكميل (٦٢ نحو) ؛ لكنه لناظر الجيش وخط هذا الجزء وأوراقه هي خط وأوراق النسخة كلها بأجزائها الستة.

وأما الجزء الثالث فهو ينقص ما ذكرناه من أبواب الاستثناء والحال والتمييز والعدد ثم بقية الأجزاء : الرابع والخامس والسادس أجزاء كاملة في هذه النسخة وتنتهي النسخة حتى باب مخارج الحروف وهو آخر ما شرحه ناظر الجيش من التسهيل.

النسخة الثانية : وهي نسخة تركيا والتي جاءتنا على ميكروفيلم ، ثم

٩٢

صورناها أوراقا فكانت كالآتي :

خمسة أجزاء تبدأ بالجزء الثاني من أول باب كان وأخواتها وتنتهي بالسادس حتى باب مخارج الحروف.

وخطها أيضا جميل كبير واضح كتبت منذ أكثر من خمسمائة عام ، وعنوانها كعنوان نسخة دار الكتب (الجزء الثاني من شرح التسهيل لناظر الجيش).

وتمتاز هذه النسخة بأنها النسخة الوحيدة التي تحتوي على الأبواب الناقصة من نسخ دار الكتب على اختلاف أنواعها.

النسخة الثالثة : وهي نسخة المغرب ، والتي صورها معهد المخطوطات وقد رمزنا إليها بالرمز (أ) وأوصافها كالآتي :

مكونة من ثلاثة أجزاء فقط وتحمل أرقام (٢٦٤ ـ ٢٦٥ ـ ٢٦٦) مصنف غير مفهرس بالمعهد وقد صورناها فكانت كالآتي :

الجزء الأول منها ينتهي عند آخر باب المبتدأ والخبر ، والجزء الثاني يبدأ بعده وينتهي عند باب المفعول معه ، والجزء الثالث يبدأ من مكان آخر بعيد ؛ حيث يبدأ بباب الاختصاص وينتهي حتى باب عوامل الجزم.

فهذه النسخة تنقص من الوسط أبوابا كثيرة وكذا من الطرف.

وتمتاز هذه النسخة عن غيرها بأنها أقدم النسخ حيث كتبت في حياة المؤلف (شوال سنة ٧٧٣ ه‍) وأنهى كاتبها وقارئها تصحيحها على المؤلف أيضا في حياته (٧٧٥ ه‍) وقبل وفاته بثلاثة أعوام. وهي مكتوبة بخط مغربي واضح وخط نسخ جميل.

النسخة الرابعة : وهي نسخة بدار الكتب المصرية أيضا تحت رقم (٥٠١٢ ه‍) وقد رمزنا إليها بالرمز (ب) ويوجد منها جزآن فقط : الأول والسادس.

٩٣

الأول : من أول الكتاب حتى آخر باب كان.

والثاني : من آخر الكتاب يبدأ بباب تتميم الكلام حتى باب مخارج الحروف وهو آخر ما شرحه المؤلف.

وهذه النسخة اعتمدنا عليها أيضا ؛ لأن خطها حديث ؛ حيث كتبت من مائة عام تقريبا ؛ فليس عليها تاريخ ولا اسم ناسخ.

النسخة الخامسة : وهي النسخة الموجودة بالمملكة العربية السعودية ، مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وهي مكونة من ثلاثة أجزاء فقط ، تبدأ من أول باب حروف الجر وتنتهي عند آخر الكتاب. وهي نسخة خطها رديء لا يقرأ إلا بصعوبة بالغة ، صورناها من مكانها أيضا للرجوع إليها عند الحاجة.

النسخة السادسة : وهي نسخة الإسكندرية (جامع الشيخ إبراهيم باشا) دلتنا عليها فهارس دار الكتب من قديم.

ويومها عقدنا العزم عليها في اكتمالها ووجود الناقص فيها ؛ وإذ بنا لا نجد إلا الجزء السادس فقط من هذه النسخة وهو كالجزء السادس في نسخة دار الكتب بدءا ونهاية!.

هذه هي نسخ شرح التسهيل لناظر الجيش الموجودة في بلاد العالم ، وبمجموعها تكتمل نسخة كاملة.

وكلها تتفق أن الكتاب والشرح لناظر الجيش ، وكلها تتفق في النهاية إلى باب مخارج الحروف. وهو آخر ما شرح المؤلف.

ولم يبق إلا خمسة أبواب فقط في الكتاب كله قد أكملنا بها شرح ناظر الجيش على متن ابن مالك.

ومما سبق أيضا يتضح لنا أن هناك أجزاء كان لها ثلاث نسخ ، كالأول والثاني والخامس والسادس. وبعضها كان له نسختان ، كالثالث والرابع. وهذا كان في التحقيق.

٩٤

وكان اعتمادنا على النسخ المعتمدة في هذا التحقيق على النحو التالي :

والآن إلى نماذج وصور للمخطوط من نسخة المختلفة :

٩٥

٩٦

٩٧

٩٨

٩٩

١٠٠