شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

أما التسكين فأشار إليه بقوله : ويسكّن وقد تقدم أن المسند إلى نا والتاء لا يكون إلا ماضيا ، وأن المسند إلى النون يكون ماضيا ومضارعا وأمرا ، وشمل كلام المصنف الجميع.

وإنما قال : آخر المسند ، ولم يقل لام المسند ؛ لأن المسكن كما يكون لاما كضربت قد يكون حرفا زائدا كسلقيت (١).

قال المصنف (٢) : «واختلف في سبب هذا السكون ، فقال أكثرهم : سببه اجتناب توالي (٣) أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد ؛ لأن الفاعل كجزء من الفعل ، وهذا السبب إنما هو في الماضي ثم حمل المضارع عليه. وأما الأمر فاستصحب له ما كان يستحقه من سكون صحيح الآخر كان كاذهبن أو معتله كاخشين.

وهذا التعليل ضعيف من وجهين :

أحدهما : أن التسكين عام والعلة قاصرة عن أكثر الأفعال ؛ لأن توالي الحركات إنما يوجد في الصحيح من فعل وفعل وفعل وانفعل وافتعل لا في غيرهما. ومعلوم أن غيرها أكثر ؛ ومراعاة الأكثر أولى من مراعاة الأقل (٤).

والثاني : أن توالي أربع حركات ليس مهملا في كلامهم ؛ بل هو مستحب بالنسبة إلى بعض الأبنية ، بدليل قولهم : علبط وأصله علابط وعرتن وأصله عرنتن ، وجندل وأصله جنادل عند البصريين وجنديل عند الكوفيين (٥).

وعلى كل تقدير فقد حذفوا مادة منه ومن علابط ، ونونا من عرنتن ، مع اقتضاء ذلك إلى أربع حركات متوالية ؛ فلو كان تواليها منفورا عنه طبعا ومقصود الإهمال وضعا ، لم يتعرضوا إليه دون ضرورة في الأمثلة المذكورة وأشباهها ، ولسدوا باب التأنيث بالتاء في نحو بركة ، ومعدة ، ولبؤة ـ فإنه موقع في توالي أربع ـ

__________________

(١) يقال : سلقيت فلانا طعنته ؛ والثلاثي منه سلقته (المصباح : ١ / ٢٥٤ ، سلق).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٢٤).

(٣) بالأصل : سببه توالي اجتناب ، وما أثبتناه هو الصواب.

(٤) معناه أن الحركات الأربعة المستثقلة التي سكن آخر الفعل من أجلها مفقودة في الثلاثي المعتل عند إسناده كقال ورمى ، وفي الرباعي مطلقا كأعطى ، وفي الخماسي غير انفعل وافتعل كتصدق ، وفي السداسي كله أيضا كاستغفر واطمأن.

(٥) التذييل والتكميل (١ / ٤٢٢). والعلبط : هو الضخم ، والعرتن : بضم التاء شجر يدبغ به ، والجندل : موضع الحجارة.

٤٦١

______________________________________________________

حركات في كلمة واحدة ، لا سيما في كلمة تلازمها التاء كملازمتها هذه الثلاثة (١).

ومن العجب اعتذارهم عن تاء التأنيث بأنها في تقدير الانفصال ، وأنها بمنزلة كلمة ثانية مع أنها جزء كلمة مفردة لا يستغنى بها فيحسن السكوت عليها. ولا يستغنى عنها فيقوم غيرها مقامها ، بخلاف تاء فعلت ؛ فإنها جزء كلام تام ، وهي قابلة للاستغناء عنها بغيرها نحو : فعل زيد ، وما فعل إلا أنا ؛ فظهر بهذا ضعف القول بأن سبب سكون لام فعلت خوف توالي أربع حركات.

وإنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو : أكرمنا وأكرمنا (٢) ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساواتهما لنا في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال» انتهى (٣).

وأما حذف ما قبل الآخر إذا كان معتلّا فأشار إليه بقوله : ويحذف ما قبله من معتلّ ؛ والمراد أنه إن كان ما قبل المسكن للسبب المذكور حرف علة ساكنا حذف لالتقاء الساكنين ثلاثيّا كان الفعل أو غير ثلاثي ، ماضيا كان أو غير ماض (٤). لكن يختص ماضي الثلاثي بأمر آخر غير الحذف المذكور ، وهو تغيير حركة فائه.

وتفصيل القول [١ / ١٤٠] في ذلك : أن حركة العين منه إما مخالفة لحركة الفاء أو موافقة ؛ إن كانت مخالفة لم يفعل أكثر من أن تنقل إلى الفاء بعد إذهاب حركتها ثم يحذف الحرف الذي نقلت حركته وهو العين للعلة المتقدمة. وذلك نحو : خفت وهبت أصلهما : خوف وهيب بكسر العين ؛ لأن مضارعهما يخاف ويهاب ، هذا مثال مخالفة حركة العين لحركة الفاء بكسر.

وأما مخالفتها بضم فمثله المصنف بقوله : جدت جعل أصله جود. ولا يظهر لي ـ

__________________

(١) معناه : لو كان التوالي منفورا عندهم ولا بد من التأنيث ، لأتوا بعلامته الأخرى وهي الألف مقصورة كانت أو ممدودة.

(٢) الأول فعل ماض مسند إلى الفاعل ، وإن ذكرت مفعولا له قلت : أكرمنا محمدا بسكون آخر الفعل.

والثاني ماض أيضا اتصل به نا التي تدل على المفعول ، وإن ذكرت فاعله قلت : أكرمنا محمد بفتح آخر الفعل.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٢٥). وبعد هذا التعليل الطويل إليك قول أبي حيان : وهذه التعاليل تسويد للورق وتخرس على العرب في موضوعات كلامها ، وكان الأولى أن يضرب صفحا عن هذا كله (التذييل والتكميل : ٢ / ١٤٥).

(٤) يشير بهذا الحديث إلى الفعل الأجوف والتغيرات التي تكون فيه ثلاثيّا كقام وباع ، وغير ثلاثي كانقاد واستقام.

٤٦٢

______________________________________________________

ذلك ؛ إذ يحتمل أن يكون أصله جود ، فيكون من باب ما وافقت حركة العين فيه حركة الفاء ؛ وإنما ضم للعلة التي ضم لها نحو قلت كما سيأتي (١).

وإن كانت الحركة موافقة أبدلت بحركة من جنس العين ، فتبدل كسرة إن كانت العين ياء ، وضمة إن كانت العين واوا ، ثم يفعل من النقل إلى الفاء والحذف ما تقدم في المخالف ، وذلك نحو : بعت وقلت أصلهما قبل الإسناد : بيع وقول بفتح العين فحولا إلى بيع وقول (٢) بكسر العين ثم نقل الحركة إلى الفاء ، فقيل : بعت وبعنا وبعن بالكسر ، وقلت وقلنا وقلن بالضم ؛ هذا قول أكثر النحويين ، وإليه جنح المصنف (٣).

وذهب بعض النحاة إلى خلافه ؛ وهو ألا نقل ولا تحويل ؛ وإنما غيرت حركة الفاء ابتداء لبيان ما أذكره ، وهو إما بيان بنية الكلمة إن خالفت حركة العين حركة الفاء ؛ فإنه إذا حصلت المخالفة راعوا بيان البنية ولم يراعوا المادة ؛ فيقولون خفت بكسر الفاء ، وإن كانت عين الكلمة المحذوفة واوا ؛ ليبين أنه على فعل بالكسر.

وإما بيان مادتها فإنه إذا حصلت الموافقة راعوا بيان المادة ، فيكسرون فيما عينه ياء ، ويضمون فيما عينه واو ، كبعت وقلت ، وهذا أقل عملا من الأول.

وأما المضارع والأمر فيقتصر فيهما على الحذف ، نحو خفن ولا يخفن ، وصمن ولا يصمن ، وقلن ولا يقلن. والنقل في هذه المضارعات ليس هو النقل الذي في ماضيها ؛ ولهذا ينقل فيها دون إسناد إلى النون نحو يخاف ويصيح ويقول.

وأما النقل في الماضي فموجبه الإسناد إلى أحد الثلاثة : أعني التاء ونا والنون.

وأشار بقوله : وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة يعني التاء والنون ونا ـ إلى قول بعض العرب : ما زيل زيد فاضلا وكيد زيد يفعل ، قال أبو خراش الهذلي :

١٨٩ ـ وكيدت ضباع القفّ يأكلن جثّتي

وكيد خراش يوم ذلك ييتم (٤)

__________________

(١) العلة هي الدلالة على أن الفعل واوي العين.

(٢) بيع بكسر عين الفعل وقول بضمها لما تقدم من أنه إذا كانت حركة العين موافقة لحركة الفاء أبدلت حركة العين بحركة من جنس العين ، فتبدل الياء كسرة كما في بيع ، والواو ضمة كما في قول.

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٢٦).

(٤) البيت من بحر الطويل ؛ قاله أبو خراش الهذلي من قصيدة يذكر فيها أنه وقع في مهلكة كاد يموت فيها ، فتأكل الضباع لحمه ، ويصير ابنه بلا أب. انظر ديوان الهذليين.

٤٦٣

______________________________________________________

قال سيبويه (١) : «وحدّثنا أبو الخطاب أنّ ناسا من العرب يقولون : كيد زيد يفعل» كذا قال الأستاذ أبو علي ؛ جسرهم على ذلك أنهم أمنوا اللبس ؛ حيث كان هذا الفعل لا مفعول له ، وهو مع هذا شاذ (٢).

واحترز بقوله : أختي كاد وعسى من زال [١ / ١٤١] بمعنى ماز ، وبمعنى ذهب أو تحول ؛ ومن كاد بمعنى احتال ، وبمعنى أراد ، وبمعنى مكر ؛ ويجمعها أن يقال : التي مضارعها يكيد ؛ فإن مضارع تلك يكاد.

وأما حذف الآخر نفسه فأشار إليه بقوله : وحركة ما قبل الياء والواو مجانسة إلى آخره ؛ ومراده بالمجانسة أن تكون الحركة قبل الواو ضمة ، وقبل الياء كسرة نحو : يفعلون وتفعلين ؛ فإن ماثلها أي فإن ماثل الآخر الواو أو الياء بأن كان آخر المسند إلى الواو واوا ، وآخر المسند إلى الياء ياء ، أو كان ألفا مطلقا ـ حذفت الواو والياء والألف ، واتصل بالمسند إليه واوا كان أو ياء ما كان متصلا بالمحذوف دون تبديل حركته ، نحو : أنتم تدعون ، وأنت ترمين ، وأنتم تخشون وأنت تخشين ، وإن لم يماثل الآخر الواو والياء بأن كان المسند إليه واو الضمير ، وآخر الفعل المسند ياء ؛ أو كان المسند إليه ياء الضمير ، وآخر الفعل المسند واوا ـ حذف آخر الفعل وضم ما قبل المحذوف إن كان المسند إليه واوا ، نحو : أنتم ترمون ، وكسر ما قبله إن كان المسند إليه ياء ، نحو أنت تعفين. ـ

__________________

اللغة : كيد : بمعنى كاد ، وهو موضع الشاهد. ضباع : جمع ضبع. القفّ : ما ارتفع من الأرض. خراش : ابن الشاعر. ييتم : أي يصير بلا أب. والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٣٩) ، وشرح التسهيل (١ / ١٢٦) والتذييل والتكميل (١ / ١٤٦).

ترجمة الشاعر : هو أبو خراش الهذلي ، خويلد بن مرة ، يمتد نسبه حتى يصل إلى تميم بن سعد بن هذيل. كان له أخوان واحد يدعى عروة والآخر يدعى أبا جندب ؛ أما الأول فقد مات ورثاه أبو خراش ، والثاني هو أحد شعراء هذيل المعدودين ، مات أبو خراش في زمن عمر بن الخطاب ؛ وقيل في سبب موته : إن حية نهشته فمات (ترجمته في الشعر والشعراء : ١ / ٦٦٧).

(١) الكتاب : (٤ / ٣٤٢) وجاء فيه : «وحدّثنا أبو الخطّاب أنّ ناسا من العرب يقولون : كيد زيد يفعل ، وما زيل زيد يفعل ؛ ذاك يريدون زال وكاد ؛ لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت ؛ حيث أسكنوا العين وحوّلوا الحركة على ما قبلها ، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل ، كما قالوا : خاف وقال وباع وهاب».

(٢) التذييل والتكميل (١ / ١٤٦).

٤٦٤

[نيابة بعض الضمائر عن بعض]

قال ابن مالك : (ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا ، لتأوّلهم بجماعة ، وكضمير الغائب قليلا ؛ لتأوّلهم بواحد يفهم الجمع أو لسدّ واحد مسدّهم. ويعامل بذلك ضمير الاثنين وضمير الإناث بعد أفعل التّفضيل كثيرا ودونه قليلا).

______________________________________________________

والأصل : ترميون وتعفوين فاستثقلوا ضم الياء المكسور ما قبلها وكسر الواو المضموم ما قبلها ، فخففتا بالتسكين ، وخيف انقلابهما فحرك ما قبلهما بما يجانسهما (١).

قال ناظر الجيش : إتيان ضمير الغائبين كضمير الغائبة ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(٢). ومنه قول الراجز :

١٩٠ ـ قد علمت والدتي ما ضمّت

إذا الكماة بالكماة التفّت (٣)

قال المصنف : «فهذا كثير بخلاف إتيانه كضمير الغائب ؛ فإنه قليل ، ومنه قول ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٣٨) ، وفي آخر هذا الكلام قال أبو حيان :

قوله : ويسكن آخر المسند إلى قوله : وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله ... هو من علم التّصريف وفيه ذكره النّحاة : واستعجل المصنّف ذكره في هذا الباب وليس محلّ ذكره (التذييل والتكميل : ١ / ١٤٧).

(٢) سورة المرسلات : ١١.

(٣) البيتان من مشطور الرجز ، وهما لجحدر : ربيعة بن ضبيعة من قيس ، قالهما في الفخر والشجاعة ، من مقطوعة قصيرة في ديوان الحماسة : (١ / ٥٠٧) ، وهذا من الشعر الذي اكتشفت قائله. يقول جحدر :

ردّوا عليّ الخيل إن ألمّت

إن لم أناجزها فجزّوا لمّتي

قد علمت والدتي ما ضمّت

ما لفّفت في خرق وشمّت

إذا الكماة بالكماة التفّت

يذكر أن والدته توسمت فيه الشجاعة وهو طفل.

وشاهده واضح : حيث أجرى ضمير الجمع الغائب مجرى ضمير الغائبة لتأوله بجماعة. والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في شرح التسهيل (١ / ١٣٩) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ١٤٨).

ترجمة جحدر : جحدر هذا لقب له ، ومعناه القصير ، واسمه ربيعة بن ضبيعة فارس بكر في الجاهلية ، وقتل في حرب تغلب يوم تحلاق اللمم ، وكان من نسله عظماء ، مات قبل الإسلام بنحو مائة سنة (ترجمته في الأعلام : ٢ / ١٠٣).

٤٦٥

______________________________________________________

الشاعر :

١٩١ ـ فإنّي رأيت الصّامرين متاعهم

يموت ويفنى فارضخي من وعائيا (١)

أراد : يموتون ، فأفرد كأنه قال يموت من ثم أو من ذكرت.

وعلى ذلك يحمل قول الآخر :

١٩٢ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب (٢)

أي : تعفق بالأرطى رجال ، وأرادها جمعهم.

فبهذا التوجيه يضعف الانتصار للكسائي بهذا البيت في حذف الفاعل ، وللفراء في نسبة العمل إلى العاملين (٣).

وقد أجاز سيبويه أن يقال : ضربت وضربني قومك ؛ أراد : وضربوني ، فأفرد ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، قاله منظور الدبيري كما في مراجعه ينصح زوجته.

اللغة : الصامرين : جمع صامر ، وهو البخيل المانع ، يقال : صمر متاعه وصمره وأصمره : إذا منعه وجمعه (اللسان : صمر). ارضخي : الرضخ القليل من العطية. والشاعر في البيت يأمر زوجته بأن ترضى بقليل من العيش. وشاهده واضح من الشرح.

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (١ / ١٢٧) ، ولأبي حيان (٢ / ١٤٨) ، وللمرادي (١ / ١٢٠). وليس في معجم الشواهد.

(٢) البيت من بحر الطويل لعلقمة بن عبدة من قصيدة سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف ناقته بالقوة ، وأن الناس ومعهم أسلحتهم أرادوا أن يلحقوا بها ، ولكنها فاتتهم.

اللغة : تعفق بالأرطى : استتر بالشجر ليرميها. بذّت نبلهم : فاقت نبالهم في السرعة. كليب : جمع كلب كعبيد جمع عبد.

وشاهده : واضح من الشرح ، وخرجه بعضهم تخريجا آخر : فذكر أن في تعفق ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى الصياد. ويخرج البيت من باب التنازع ، وتكون الواو في وأرادها عاطفة جملة على جملة (شرح الأشموني : ١ / ٢٩٣).

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٧) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ١٤٨).

(٣) يشير بهذا إلى مسألة في باب التنازع وهي : إذا تنازع العاملان معمولا واحدا ، وكلاهما يطلبه فاعلا ؛ فالبصريون يعملون الثاني لقربه ، ويضمرون للأول ضميرا يعود على المتأخر ، وهو من مواضع عود الضمير على المتأخر ، والكوفيون يعملون الأول لسبقه ، ثم اختلفوا فيم يعمل الثاني؟ فذهب الكسائي إلى أن معموله محذوف ، وفيه حذف للفاعل وهو جائز عنده ، وذهب الفراء إلى أنه إذا اتفق العاملان في طلب المرفوع ، فالعمل لهما ولا إضمار ، وجاء ابن مالك وخرج البيت تخريجا ثالثا على ما ذكر في الشرح.

٤٦٦

______________________________________________________

على تقدير : وضربني من ثم (١).

وأنشد أبو الحسن :

١٩٣ ـ وبالبدو منّا أسرة يحفظوننا

سراع إلى الدّاعي عظام كراكره (٢)

فأفرد ضمير الأسرة ؛ لأنه نسب إليهم الحفظ ، فصح تأويلهم بحصن أو ملجأ ؛ فجاء بالضمير على وفق ذلك ؛ فكأنه قال : أسرة هم بحفظهم إيانا ملجأ عظيم كراكره.

ومن كلام العرب : هو أحسن الفتيان وأجمله ؛ لأنه بمعنى أحسن فتى ، فأفرد الضمير حملا على المعنى ، وإلى نحو هذا أشرت بقولي : أو لسدّ واحد مسدّهم.

ومثل هذا قوله تعالى [١ / ١٤٢] : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(٣).

وقال الراجز :

١٩٤ ـ [بال سهيل في الفصيح ففسد]

وطاب ألبان اللّقاح وبرد (٤)

لأن النعم واللبن يسدان مسد الأنعام والألبان» انتهى (٥).

وناقش الشيخ المصنف في أمور : ـ

__________________

(١) انظر تعليق أبي حيان على كلام سيبويه قريبا جدّا في الشرح.

(٢) البيت من بحر الطويل لشاعر مجهول وهو في الفخر.

اللغة : الكراكر : الجماعات واحدها كركرة بكسرهما. وفي اللسان (مادة : كرر) الكركرة : الجماعة من الناس. وشاهده واضح من الشرح.

وانظر البيت في شرح التسهيل : (١ / ١٢٨) ، وفي التذييل والتكميل : (٢ / ١٤٩) وليس في معجم الشواهد.

(٣) سورة النحل : ٦٦.

(٤) بيتان من الرجز المشطور لم ينسبا في مراجعهما (انظر معجم الشواهد : ص ٤٦٠).

ومعنى الرجز : لما طلع نجم سهيل ذهب زمن البسر وأرطب ، فكأنه بال فيه وصار الرطب هنيئا ، وقد ذكر هذا الرجز مع أبيات أخرى في اللسان في مواد : (جبه ، وحرث ، وكتد).

وهو كذلك في معاني القرآن للفراء (١ / ١٢٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٧) ، وفي التذييل والتكميل : (٢ / ١٤٩).

وشاهده : قوله : وطاب ألبان اللّقاح وبرد ؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على جمع.

(٥) شرح التسهيل : (١ / ١٢٨).

٤٦٧

______________________________________________________

منها : «أن ضمير الغائبين إنما يأتي كضمير الغائبة إذا كان الضمير عائدا على جمع تكسير كما مثّله ؛ أما إذا عاد على جمع سلامة نحو الزيدين ، فلا يجوز أن يكون إلا بالواو ، ولا يقال الزيدون خرجت ، وظاهر كلام المصنف يدل على عموم الحكم في الجمعين» (١).

قال : «وإذا عاد الضمير على اسم جمع ، جاز فيه الجمع والإفراد ، نحو : الرهط خرجوا والرهط خرج» (٢).

ومنها : «أنه نفى الحجة من البيت الذي أنشده شاهدا على أن ضمير الغائبين يأتي كضمير الغائب وهو : فإني رأيت الصّامرين ... البيت».

قال : «لأنه يحتمل أن يكون متاعهم بدلا من الصامرين ، والخبر يموت ، كما تقول : إن الزيدين برهم واسع. وكنى عن نفاد متاعهم بالموت على سبيل المجاز ، والتقدير : فإنّي رأيت متاع الصّامرين يبيد ويفنى» انتهى (٣).

ولا يخفى ضعف هذا التخريج الذي خرجه الشيخ (٤).

ومنها : قوله ـ وقد أجاز سيبويه أن يقال : «ضربت وضربني قومك» ـ قال : «لم يجز سيبويه ذلك على الإطلاق ، ولا هذا الذي ذكره مقال سيبويه ، بل قال سيبويه (٥) : وإن قال ضربني وضربت قومك فجائز ، وهو قبيح أن يجعل اللفظ كالواحد ، كما تقول : هو أجمل الفتيان وأحسنه وأكرم بنيه وأنبله ؛ ولا بدّ من هذا ، لأنّه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الأسماء ، كأنّك قلت ضربني من ثمّ ، وضربت قومك ، وترك ذلك أجود وأحسن».

قال الشيخ : «فحكم سيبويه بقبحه ؛ وإنّما أجاز سيبويه ذلك على قبحه ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (١ / ٤٢٦).

(٢) المرجع السابق.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ١٥٠).

(٤) بل الضعف في تخريج ابن مالك. وأحسن منهما أن يقال : الصامرين مفعول رأيت ، ومتاعهم بالرفع مبتدأ ، وجملة يموت ويفنى خبره ، وهو مفرد لأن ما قبله مفرد ، وجملة الابتداء مفعول رأيت الثاني أو حالا من الفاعل ؛ وعليه يكون معنى البيت : رأيت الباخلين متاعهم يفنى وضده رأيت الكرماء متاعهم يبقى ، وهو معنى مجازي.

(٥) انظر : الكتاب (١ / ٧٩ ، ٨٠) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٥١).

٤٦٨

______________________________________________________

في مكان خاصّ وهو باب الإعمال ، ولا يلزم من إجازته ذلك في هذا الباب أن يجيزه في غيره. قال : وظاهر كلام المصنف يقتضي إجازته على قلّة» (١).

والمصنف إنما ذكر أن ذلك قد ورد أنه قليل ؛ فليس في كلامه منافاة لكلام سيبويه ولا مخالفة.

ومنها : كونه قال : «أو لسدّ واحد مسدّهم وحمل على ذلك قول العرب : هو أحسن الفتيان وأجمله».

قال الشيخ : «هذا هو مذهب الفارسيّ ، قال : إنما أفرد الضّمير ؛ لأنهم تارة يقولون : هو أحسن فتى ؛ فيفردون ، وتارة يقولون : هو أحسن الفتيان فيجمعون فتوهّموا ذلك في حالة الجمع فأفردوه».

قال الشيخ (٢) : «والّذي يدل عليه كلام سيبويه أنه إنّما أفرد كما أفرد في : ضربني وضربت قومك ، وهو على معنى : من ثمّ فإنه قال : هو أحسن الفتيان ، وأجمل من ذكر».

قال أصحابنا : «وهذا هو الصحيح ويدلّ على ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده» (٣) فلو كان على ما يقوله الفارسيّ لقال أحناها ؛ لأن المفرد الذي يقع هنا إنما كان يكون [١ / ١٤٣] امرأة ؛ فدلّ على أنّ المراد : أحنى من ذكر».

ومنها : قوله : ومثل هذا قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً)(٤) ... إلخ كلامه. قال الشيخ : «وليس مثله ؛ لأنّ كلامه إنّما هو في جمع التكسير للعاقل ، وهذا جمع تكسير لغير عاقل وفرق بينهما» انتهى (٥).

وما ذكره الشيخ من الفرق واضح ، وإنما أراد المصنف أن يبين أنه قد اتفق الجمعان في أن عاد الضمير على كل منهما باعتبار الإفراد. ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل : (٢ / ١٥١).

(٢) المرجع السابق أيضا.

(٣) الحديث نصه في صحيح مسلم : (٧ / ١٨٢) في باب : من فضائل نساء قريش ، والحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل في : (١ / ٣١٩ ، ٢ / ٢٦٩ ، ٢٧٥ ، ٣١٩ ، ٣٩٣) ، وهو أيضا في صحيح البخاري (٧ / ٦) ، وهو أيضا في كتاب : النهاية في غريب الحديث والأثر (١ / ٤٥٤).

(٤) سورة النحل : ٦٦.

(٥) التذييل والتكميل : (٢ / ١٥٢).

٤٦٩

______________________________________________________

ثم أشار المصنف بقوله : ويعامل بذلك ضمير الاثنين ... إلى آخره ـ إلى أن الضمير قد يعود على الاثنين ، وعلى الإناث بلفظ الإفراد ؛ لكنه جعله قسمين : كثيرا وقليلا (١) :

أما الكثير : فإذا وقع الاثنان أو الإناث بعد أفعل التفضيل :

فمثال ذلك في ضمير الاثنين قول الشاعر :

١٩٥ ـ وميّة أحسن الثقلين جيدا

وسالفة وأحسنه قذالا (٢)

ومنه قول الآخر :

١٩٦ ـ شرّ يوميها وأغواه لها

ركبت عنز بحدج جملا (٣)

ومثال ذلك في ضمير الإناث : «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده» كأنه قال : أحنى هذا الصنف ، أو أحنى من ذكرت. ـ

__________________

(١) في النسخة (ج) : قليلا وكثيرا.

(٢) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة بلغت مائة بيت لذي الرمة غيلان بن عقبة ، يمدح فيها بلال بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري ، وكان واليا على البصرة ، وقد استغرق الوصف والغزل نصفها (الديوان ص ٤٣٦).

اللغة : السّالفة : صفحة العنق. القذال : خلف القفا.

وشاهده : قوله : وأحسنه ؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على مثنى ، وهو كثير عند ابن مالك ؛ لوقوع المثنى بعد أفعل التفضيل ، وخرجه أبو حيان تخريجا آخر في الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٢٨) ، والتذييل والتكميل (٢ / ١٥٣) ، ومعجم الشواهد (ص ٣٦٩).

(٣) البيت من بحر الرمل قاله بعض شعراء جديس من مقطوعة طويلة ؛ انظرها وانظر قصة هذه الأبيات في لسان العرب (مادة : عنز). والشطر الأخير يضرب مثلا : وأصله : أن امرأة من طسم يقال لها عنز أخذت سبيئة فحملوها في هودج (حدج) وألطفوها بالقول والفعل ؛ فعند ذلك قالت : شر يوميها وأغواه لها.

ومعنى البيت : تقول : شر أيامي حين صرت أكرم للسباء.

يضرب مثلا في إظهار البر باللسان والفعل لمن يراد به الغوائل ، ونصب شر يوميها بركبت على الظرف ، أي ركبت بحدج جملا في شر يوميها (مجمع الأمثال : ٢ / ١٥٢).

وشاهده قوله : شر يوميها وأغواه ؛ حيث جاء الضمير مفردا في أغواه ، وهو عائد على مثنى ، وذلك لوقوعه بعد أفعل التفضيل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٢٩) ، والتذييل والتكميل (٢ / ١٥٣) ، وليس في معجم الشواهد.

٤٧٠

______________________________________________________

وأما القليل : فأن يكون ذلك دون أفعل التفضيل ؛ لكن المصنف إنما مثل للضمير العائد على اثنين ؛ أما العائد على الإناث فلم يمثل له وكأنه لم يرد ؛ والذي أنشده المصنف شاهدا قول الشاعر :

١٩٧ ـ أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن

شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع (١)

أي ومن يكن الذئب والغراب شريكيه ؛ فأفرد الضمير موؤلا كأنه قال :

ومن يكن هذا النوع ، أو ومن يكن من ذكرته.

قال الشيخ : ليس معنى المثنى الذي في البيت الأول على التثنية ، وكذا الذي في البيت الثاني ؛ بل هو من المثنى الذي يراد به الجمع ، فمعنى أحسن الثقلين أحسن الخلائق ؛ ومعنى شرّ يوميها شرّ أيامها ؛ وإذا كان كذلك فلا يجوز : هو أحسن ولديك وأنبله.

إذ قد منع سيبويه (٢) القياس على قولهم : هو أحسن الفتيان وأجمله ؛ فالقياس على ما ورد من ذلك مثنى ويراد به الجمع ـ أولى بالمنع ؛ فكيف يقول المصنف : إن ذلك كثير؟ (٣).

وأما البيت الثالث فذكر فيه تخريجا بعيدا ، فقال : يحتمل أن يكون الضمير في يكن مفردا عائدا على من ، ويكون شريكيه من المقلوب ، والتقدير : ومن يكن شريكهما فلا يكون ذلك فيه دليل على دعوى المصنف (٤).

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ذكرت مراجعه أن قائلته غضوب ، وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سبيها ـ قال ابن الشجري في البيت :

جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد ، فأعاد إليهما ضميرا مفردا ؛ لأنهما كثيرا ما يصطحبان في الوقوع على الجيف ؛ ولو لا ذلك لقال : ومن يكونا شريكيه (الأمالي : ١ / ٣٠٩).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٢٩) ، والتذييل والتكميل (٢ / ١٥٤) ، وهو في معجم الشواهد (ص ٢٣٠).

(٢) انظر : الكتاب (١ / ٨٠). قال : «قوله : هو أطرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه ؛ ألا ترى أنّك لو قلت وأنت تريد الجماعة : هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن؟».

(٣) التذييل والتكميل : (٢ / ١٥٤) وفيه تصرف في بعض النقل.

(٤) انظر المرجع السابق. وفي الحديث السابق : خير النساء ... قال أبو حيان : «أين كثرة هذا وهو لم يذكر منه إلّا هذا الأثر؟ مع أنّه يحتمل ألّا يكون لفظ الرّسول عليه‌السلام إذ جوّز النّقل بالمعنى ، ويحتمل أن يكون من تحريف الأعاجم الرّواة».

٤٧١

[بقية الحديث عن نيابة بعض الضمائر عن بعض]

قال ابن مالك : (ولجمع الغائب غير العاقل ما للغائبة أو الغائبات وفعلت ونحوه أولى من فعلن ونحوه بأكثر جمعه وأقلّه والعاقلات مطلقا بالعكس ، وقد يوقع فعلن موقع فعلوا ؛ طلبا للتّشاكل كما قد يسوّغ لكلمات أخر غير ما لها من حكم ووزن).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : إعطاء [١ / ١٤٤] جمع الغائب غير العاقل ما للغائبة ، كقوله تعالى : (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ)(١).

وإعطاؤه ما للغائبات كقوله تعالى : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها)(٢) ؛ وقد يعطى ما للمذكر الغائب (٣) كقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(٤) وتقدم ذلك في كلام المصنف (٥) ، فاستغنى عن إعادته ؛ لكن ذكره هنا أولى.

وأشار بقوله : وفعلت ونحوه إلى آخره ، إلى أن الأكثر في الاستعمال أن يعطى الكثرة ما للغائبة والقلة ما للغائبات ، كقولهم : الجذوع انكسرت والأجذاع انكسرن ، وكذا في الضمير غير المرفوع ، وإياه عنى بقوله : ونحوه أي وفعلت أولى من فعلن في المرفوع ، ونحو فعلت أولى من نحو فعلن في غير المرفوع. نحو : الجذوع كسرتها والأجذاع كسرتهن (٦) ، قال الله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(٧).

فمنها عائد على اثنا عشر ، وفيهن على أربعة أشهر ؛ هذا في غير العاقلات. وأما ـ

__________________

(١) سورة التكوير : ٢ ، ٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٧٢. والضمير فيه وهو نون النسوة يعود على السموات والأرض والجبال في أول الآية.

(٣) أي : وقد يعطى جمع الغائب غير العاقل ما للمذكر الغائب وهو الضمير المفرد كما مثل.

(٤) سورة النحل : ٦٦.

(٥) وهو قوله في المتن السابق : ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا ... إلخ.

(٦) أي : هذا التعبير أولى من غيره ، وهو العكس ؛ فليس بالفصيح أن تقول الجذوع كسرتهن ولا الأجذاع كسرتها. وكذا في الضمير المرفوع : فالجذوع انكسرت أولى من انكسرن ، والأجذاع بالعكس.

(٧) سورة التوبة : ٣٦.

٤٧٢

______________________________________________________

العاقلات ففعلن وشبهه أولى من فعلت وشبهه. قال الله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(١) ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عوان بينكم» (٢).

قال المصنف (٣) : «ولو قيل في الكلام موضع (فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فعلت في أنفسها ؛ وموضع فإنهن عوان : فإنّها عوان ، لجاز كقوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)(٤) فهذا جاء على طهّرت ، ولو جاء على طهّرن لقيل مطهّرات.

ومن استعمال فعلت في ضمير العاقلات قول الشاعر :

١٩٨ ـ وإذا العذارى بالدّخان تلفّعت

واستعجلت نصب القدور فملّت

درّت بأرزاق العفاة مغالق

بيديّ من قمع العشار الجلّة (٥)

وإنما قال : والعاقلات مطلقا ليشمل ما كان للكثرة والقلة فلا فرق بينهما ، بخلاف ما إذا كان الجمع بغير العاقل.

وإلى حكم غير العاقل في القلة ، وحكم العاقلات لكثرة كانت أو قلة ـ الإشارة بقوله : وأقلّه والعاقلات مطلقا بالعكس. ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٤ ، وقد كتبت الآية خطأ في النسخ حيث كانت : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ، وصحتها كما ذكرنا.

(٢) الحديث في صحيح مسلم (٤ / ٤١) في باب حجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو أيضا في صحيح البخاري (٧ / ٢٦) من كتاب النكاح ؛ باب : الوصاة بالنساء.

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٣٠).

(٤) سورة البقرة : ٢٥.

(٥) البيتان من بحر الطويل من قصيدة سبق الحديث عنها وعن قائلها.

اللغة : العذارى : جمع عذراء وهي المرأة البكر. تلفّعت : ويروى مكانها تقنعت ، ومعناه اتخذت من الدخان قناعا لها. استعجلت : من الاستعجال. القدور : جمع قدر. ملّت : معناه أدخلت اللحم في الرماد الحار. والبيت كله كناية عن اشتداد الزمان. درّت : من الدر ويكون في اللبن وغيره.

العفاة : جمع عاف وهو السائل. مغالق : مفاتيح. قمع : جمع قمعاء وهي الناقة التي لها سنام كبير.

العشار : جمع عشراء ، وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. الجلّة : العظيمة.

والمعنى : يفتخر الشاعر بكرمه فيقول : «إذا اشتد الزمان وجاع الناس وامتهنت الحرائر ، فإنني أقوم بذبح النوق العظيمة وأوزعها على الناس».

وشاهده : استعمال فعلن في ضمير العاقلات ؛ والأفصح لو قال الشاعر تلفعن واستعجلن.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٣٠) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ١٥٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ٧٥).

٤٧٣

______________________________________________________

قال الشيخ : «قول المصنّف مطلقا أي كان جمعا صحيحا أو مكسّرا».

فمثال فعلن في الصحيح : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ)(١) ، (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(٢) ، ومثال فعلت قولك : الهندات خرجت ، وقول الشاعر :

١٩٩ ـ ولست بسائل جارات بيتي

أغيّاب رجالك أم شهود (٣)

قال : رجالك ولم يقل رجالكن» انتهى (٤).

وأشار المصنف بقوله : وقد يوقع فعلن موقع فعلوا إلى آخره ، إلى ما ورد في بعض الأدعية المأثورة : «اللهمّ ربّ السّموات وما أظللن ، وربّ الأرضين وما أقللن ، وربّ الشياطين وما أضللن». أراد [١ / ١٤٥] ومن أضلوا ، لكن إرادة التشاكل حملت على إيقاع النون موقع الواو ، وحملت على الخروج من حكم التصحيح إلى حكم الإعلال في قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا دريت ولا تليت» (٥). وإنما حقه تلوت ، ومن حكم الإدغام إلى حكم الفك في قوله : ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٣) البيت من بحر الوافر قائله عقيل بن علفة المرّي ، كما في ديوان الحماسة ، وهو في العفة والصلاح والتقوى. وشاهده : مجيء الضمير مفردا وهو عائد على جمع.

والبيت في التذييل والتكميل (٢ / ١٥٦) ، وفي معجم الشواهد أيضا (ص ١٠٦).

ترجمة الشاعر : هو عقيل بن الحارث بن معاوية ، ويمتد نسبه حتى يصل إلى مرة بن غطفان ، وأمه عمرة بنت الحارث بن عوف. كان شاعرا شريفا عاصر يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو القائل (من الطويل) :

وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم

وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا

انظر ترجمته في معجم الشعراء (ص ١٦٤ ، ١٦٥).

(٤) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١٥٦).

(٥) الحديث نصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل : (٣ / ٤) عن أبي سعيد الخدري ، قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جنازة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أيّها النّاس إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها ؛ فإذا الإنسان دفن فتفرّق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده ، قال : ما تقول في هذا الرّجل؟ فإن كان مؤمنا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، فيقول : صدقت ، ثمّ يفتح الله بابا إلى النّار فيقول : هذا كان منزلك لو كفرت بربّك ، فأما إن كنت فهذا منزلك فيفتح له باب الجنّة فيريد أن ينهض إليه فيقول له : اسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافرا أو منافقا يقول له : ما تقول في هذا الرّجل؟ فيقول : لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فيقول «لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ...» إلخ وهو كذلك في (ص ١٢٦) ، وأيضا في (٤ / ٢٩٦): «لا دريت ولا تلوت».

٤٧٤

[الحديث عن الضمير المتصل المنصوب والمجرور]

قال ابن مالك : (ومن البارز المتّصل في الجرّ والنّصب ياء للمتكلّم ، وكاف مفتوحة للمخاطب ، ومكسورة للمخاطبة ، وها للغائبة ، وهاء مضمومة للغائب ؛ وإن وليت ياء ساكنة أو كسرة كسرها غير الحجازيّين ، وتشبع حركتها بعد متحرّك ، ويختار الاختلاس بعد ساكن مطلقا وفاقا لأبي العبّاس ، وقد تسكّن أو تختلس الحركة بعد متحرّك عند بني عقيل وبني كلاب اختيارا وعند غيرهم اضطرارا. وإن فصل المتحرّك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا جازت الأوجه الثّلاثة).

______________________________________________________

أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ينبحها كلاب الحوأب (١) وإنما حقه الأدبّ ، وكما حمل على الخروج من وزن الكلمة إلى غيره ، كقول العرب : أخذه ما قدم (٢) وما حدث وهنأه ومرأه ، وفعلته على ما يسوءك وينوءك. ولا يقولون في الإفراد إلا حدث وأمرأه ، وأناءه ينيئه ، وهذا هو المراد بقوله : وقد يسوغ لكلمات غير ما لها من حكم ووزن.

قال ناظر الجيش : لما أنهى الكلام على البارز المتصل المرفوع ، شرع في المتصل البارز المنصوب الموضع والمجروره. وقد تقدم أن غير المرفوع لا يكون مستكنّا إنما يكون بارزا (٣).

ولم يخص الضمائر بلفظ ، بل لفظها لفظ المنصوب المتصل ؛ لأنه لما كان سبب وضع الضمائر طلب الاختصار ، ناسب ذلك أن يشرك بينهما ؛ فكل ما هو للمنصوب هو للمجرور ، وإنما يميز بينهما العوامل. ـ

__________________

(١) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٦ / ٩٧).

الحوأب : منزل بين البصرة ومكة ، وهو الذي نزلت فيه عائشة رضي‌الله‌عنها وهي في موقعة الجمل (اللسان : حأب) والجمل الأدب : الكثير الوبر.

(٢) هو بعض حديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٤ / ٤٠٤) ، (٦ / ٢ ، ٥). ونصه : عن أبي موسى أن النّبيّ عليه‌السلام كان يحرسه أصحابه فقمت ذات ليلة ، فلم أره في منامه ، فأخذني ما قدم وما حدث ... إلخ. وكان عليه‌السلام قد قام يدعو الله ويتشفع لأمته.

(٣) سبق أن قال الشارح بعد أن عد الضمائر المستكنة : «وكلّها في موضع رفع ؛ إذ الضّمير المستكن لا يكون غير مرفوع».

٤٧٥

______________________________________________________

وأصول المنصوب أعني البارز المتصل خمسة ألفاظ (١) :

وهي الياء ، ونا ، والكاف ، والهاء ، وها. وما عدا ذلك فهو متفرع عليه.

أما الياء : فللمتكلم وحده ، ومثاله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ)(٢) :

وأما نا : فقد تقدم أنها للمتكلم المعظم نفسه أو المشارك ، نحو : (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣).

وأما الكاف : فللخطاب ؛ فإن فتحت كانت للمخاطب نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٤) وإن كسرت كانت للمخاطبة (٥).

وأما الهاء : فللغائب نحو : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ)(٦).

وأمّا ها : فللغائبة نحو : (... وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٧).

ولغة الحجازيين (٨) في هاء الغائب الضم مطلقا ، وهو الأصل ؛ فيقولون : ضربته ومررت به ونظرت إليه (٩) ولغة غيرهم الكسر بعد الكسرة. أو الياء الساكنة إتباعا وبلغة غيرهم قرأ القراء إلا حفصا (١٠) : ... ـ

__________________

(١) احترز بذلك عن المنصوب المنفصل ، وهو إيا وما يتصل بها ، وهو اثنا عشر ضميرا وستأتي.

(٢) سورة الفجر : ١٥.

(٣) سورة آل عمران : ١٩٣ ، ١٩٤.

ونا في الآيتين وقعت أكثر من مرة : تارة في محل نصب ، وأخرى في محل جر.

(٤) سورة الضحى : ٣ ، وقد وقعت الكاف فيها مرتين ، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر.

(٥) لم يمثل لها والتمثيل كالآتي : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) [يوسف : ٢٩]. وقد وقعت الكاف فيها مرتين ، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر.

(٦) سورة الكهف : ٣٧.

(٧) سورة الشمس : ٨ ، ٩.

(٨) شرع في حركات هذه الضمائر : أما ما وضع منها على حرفين كنا وها ، فلا حديث فيه ؛ لأنه سينطق على ما وضع عليه. وأما ما وضع على حرف واحد فهو حديثه الآن كالهاء والكاف.

أما ياء المتكلم فلم يتحدث عنها هنا ، ولها حديث خاص في آخر باب النداء.

(٩) قوله : مطلقا : يشير به إلى أنه سواء كان قبل الهاء ضم أو كسر أو ياء ساكنة ، وقد مثل الشارح للثلاثة.

(١٠) هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء الكوفي البزاز ، وكنيته أبو عمرو إمام قارئ راوي عاصم بن أبي النجود ، كان ربيب عاصم من زوجته فأخذ عنه القراءة ، وكان أعلم أصحابه بقراءته ، ولذا أخذ الناس قراءة عاصم عن حفص ، وقد نزل بغداد وجاور بمكة ، وامتد عمره إلى التسعين حيث

٤٧٦

______________________________________________________

(وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ)(١) ، و (بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ)(٢) ، وحمزة في (لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) في الموضعين (٣) ، فإنهما قرآ بالضم على لغة الحجازيين.

ومن العرب من يكسرها بعد كسرة مفصولة بساكن ومنه : (أَرْجِهْ وَأَخاهُ)(٤).

في قراءة ابن ذكوان (٥) وإشباع حركة هذه الهاء هو الأصل والتزم ذلك بعد متحرك في غير الضرورة (٦) ، إلا عند بني عقيل وبني كلاب كما سيأتي [١ / ١٤٦].

أما إذا كان ما قبل الهاء ساكنا فإن الاختلاس يختار على الإشباع.

قال المصنف : «لأن اللافظ بالإشباع بعد ساكن كالجامع بين ساكنين ، فلذلك كثر اختلاس الضّمة والكسرة في نحو منه ويأتيه ويرجوه». ـ

__________________

ولد سنة (٩٠ ه‍) وتوفي سنة (١٨٠ ه‍). انظر ترجمته في معجم الأدباء (١ / ٢١٥) ، والأعلام (٢ / ٢٩١) ، غاية النهاية (١ / ٢٥٤).

(١) سورة الكهف : ٦٣. وقد قرأ حفص بضم الهاء على لغة الحجازيين وقرأ الباقون بكسرها على لغة غيرهم. قال ابن خالويه : الحجة لمن ضم أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها.

والحجة لمن قرأه بالكسر فلمجاورة الياء (الحجة : ص ٢٢٦).

(٢) سورة الفتح : ١٠. وفيها ما في الآية السابقة.

(٣) أما الموضع الأول فهو قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) [طه : ٩ ، ١٠]. وأما الثاني فهو قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) [القصص : ٢٩]. وقد قرأهما حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها.

(٤) موضعان في القرآن أما الأول فهو قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) [الأعراف : ١١١]. وأما الثاني فهو قوله : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) [الشعراء : ٣٦]. قرأ ابن كثير بالهمز وضم الهاء مع إشباعها ، ونافع بغير الهمز وكسر الهاء مع إشباعها ، وقراءة حفص عن عاصم بغير الهمز وسكون الهاء ، وقراءة ابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء.

قال ابن خالويه : وهو عند النحويين غلط لأن الكسر لا يجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها كقوله تعالى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٣٢] ثم قال : وله وجه في العربية ، وذلك أن الهمزة لما سكنت للأمر والهاء بعدها ساكنة على لغة من يسكن الهاء كسرها لالتقاء الساكنين (الحجة : ص ١٦٠).

(٥) هو عبد الرحمن بن أحمد أبو عمر بن ذكوان عالم بالقراءات ، كان شيخ الإقراء بالشام ولم يكن في المشرق والمغرب في زمانه أعلم بالقراءة منه. وقد ولد سنة (١٧٣ ه‍) وتوفي شابّا سنة (٢٠٢ ه‍).

تنظر ترجمته في الأعلام (٤ / ٦٤) ، غاية النهاية (١ / ٣٦٤).

(٦) انظر باب ما يحمل الشعر من كتاب سيبويه (١ / ٣٦) ومن أمثلته قول الشاعر وهو من الوافر : له زجل كأنه صوت حاد ... إلخ وسيأتي. وقول الآخر وهو من البسيط :

ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا

٤٧٧

______________________________________________________

ورجح سيبويه الإشباع إذا لم يكن الساكن حرف لين (١).

قال المصنف : «وردّ ذلك أبو العبّاس ويعضّده السّماع الشّائع» (٢).

قال الشيخ : «والّذي يدلّ عليه السّماع الشّائع هو ما ذكره سيبويه وذهب إليه» (٣) ، ولم يستشهد الشيخ بشيء غير أنه إنما اعتمد في ذلك كلام سيبويه وهو قوله :

«وقد يحذف بعض العرب الحرف الّذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكنا لأنّهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفيّ نحو الألف ، فكما كرهوا التقاء السّاكنين في آمين ونحوها كرهوا ألّا يكون بينهما حرف قويّ ، وذلك قول بعضهم منه يا فتى ، والإتمام أجود لأن هذا السّاكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرّك» انتهى (٤).

وروى الكسائي عن بني عقيل وبني كلاب الإسكان واختلاس الضمة والكسرة في الهاء بعد متحرك.

قال الكسائي (٥) : «سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)(٦) بالجزم و (لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) بغير تمام. وبهذه اللّغة قرأ ـ

__________________

(١) قال سيبويه (٤ / ١٨٩) : هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار وحذفهما : فأمّا الثّبات فقولك : ضربهو زيد وعليها مال ولديهو رجل ، جاءت الهاء مع ما بعدها هاهنا في المذكّر كما جاءت وبعدها الألف في المؤنّث ، وذلك قولك : ضربها زيد وعليها مال. فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن. وبعد التعليل والتمثيل : (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [الإسراء : ١٠٦] ، (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [الحاقه : ٣٠] ؛ قال : والإتمام عربيّ ثمّ قال : فإن لم يكن قبل هاء التّذكير حرف لين أثبتوا الياء والواو في الوصل (الكتاب : ٤ / ١٩٠).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٣٢). ولم يرد المبرد ذلك ، وإنما يتفق رأيه مع رأي سيبويه ، وهذا نص ما ذكره ، قال في هذا الموضع (المقتضب : ١ / ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨) :

وإن كانت هذه الهاء بعد واو أو ياء ساكنتين أو ألف فالّذي يختار حذف حرف اللين بعدها. تقول : عليه مال يا فتى بكسر الهاء ... ومن لزم اللّغة الحجازيّة قال : عليه مال بالضم. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المدّ واللّين فأنت مخيّر إن شئت أثبتّ وإن شئت حذفت.

(٣) التذييل والتكميل (١ / ٤٣٩).

(٤) انظر : نصه في الكتاب (٤ / ١٩٠).

(٥) شرح التسهيل (١ / ١٣٢).

(٦) سورة العاديات : ٦.

٤٧٨

______________________________________________________

أبو جعفر (١) له وبه وما أشبههما».

وغير بني عقيل وبني كلاب لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في «له» وشبهه ، إلا في ضرورة كقول الشاعر وهو الشماخ (٢) :

٢٠٠ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

إذا طلب الوثيقة أو زمير (٣)

وقال آخر :

٢٠١ ـ وأشرب الماء ما بي نحوه عطش

إلّا لأنّ عيونه سيل واديها (٤)

فإن فصل المتحرك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا ، جاز في الهاء التحريك مع الإشباع ، والتحريك مع الاختلاس والتسكين نحو قوله تعالى : ـ

__________________

(١) سبقت ترجمته.

(٢) هو الشماخ بن ضرار وقيل : اسمه معقل بن ضرار ، كان له أخ يدعى يزيد. عاش الشماخ في الجاهلية والإسلام. قال الحطيئة : إنه أشعر غطفان وكان وصافا للسيوف والحمير وأرجزهم ، وعنه أخذ ذو الرمة الأوصاف. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٣٢١).

(٣) البيت من بحر الوافر قائله الشماخ كما في الشرح ، وهو هنا يصف حمارا وحشيّا يطلب أنثاه.

اللغة : الوثيقة : أنثى الحمار التى يضمها من وثقت الشيء إذا جمعته. الزّجل : صوت فيه حنين وترنم.

زمير : صوت المزمار.

والشاعر يصف حمارا وحشيّا هائجا فيقول : إنه إذا طلب أنثاه صوّت لها ، وكان صوته من حسن الترجيع والتطريب صوت حاد بإبل أو صوت مزمار.

ويستشهد بالبيت على اختلاس الضمة بعد هاء الضمير ، وهو ضرورة عند الجمهور جائز عند بني عقيل وبني كلاب.

انظر البيت في كتاب الشماخ بن ضرار الذبياني ، حياته وشعره (ص ٣٤٤). وهو أيضا في شرح التسهيل (١ / ١٣٢) ، وفي معجم الشواهد (ص ١٤٥).

(٤) البيت من بحر البسيط قائله دريد بن الصمة كما في مراجعه ـ انظر معجم الشواهد (ص ٤١٥).

وشاهده : تسكين هاء الضمير للضرورة.

والبيت في شرح التسهيل : (١ / ١٣٣) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٤٤٢).

ترجمة الشاعر : هو دريد بن معاوية بن الحارث ، والصّمّة لقب أبيه وهو بكري من هوازن شجاع من الأبطال الشعراء المعمرين في الجاهلية ، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم ، غزا مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها. وعاش حتى سقط حاجباه عن عينه ، وأدرك الإسلام ولم يسلم فقتل على دين الجاهلية يوم حنين سنة (٨ ه‍). انظر ترجمته في الأعلام (٣ / ١٦).

٤٧٩

______________________________________________________

(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)(١) ، ونحو (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ)(٢) ، أصلهما يرضاه ويؤديه ، هذا مثال ما حذف جزما.

ومثال ما حذف وقفا قوله تعالى (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ)(٣). أصله ألقيه ؛ فمن أشبع نظر إلى اللفظ وأن الهاء متصلة بحركة ، ومن اختلس استصحب ما كان للهاء قبل أن تحذف الألف (٤) ؛ لأن حذفها عارض والعارض لا يعتد به غالبا. ومن سكن نظر إلى أن الهاء قد وقعت موقع المحذوف الذي كان حقه لو لم يكن حرف علة أن يسكن ؛ فأعطيت الهاء ما يستحقه المحل من السكون ؛ وهذه هي الأوجه الثلاثة التي أشار إليها في المتن.

قال الشيخ :

«وثبت في بعض النّسخ بعد قوله : جازت الأوجه الثّلاثة ما نصّه : وإشباع كسرة التّأنيث في نحو ضربته وأعطيتكه لغة ربيعة» انتهى (٥).

أما ضربته فقال سيبويه (٦) :

«وحدّثني الخليل أنّ ناسا يقولون : ضربتيه فيلحقون الياء وهذه قليلة».

وأما أعطيتكه فقال سيبويه (٧) :

«واعلم أنّ ناسا من العرب يلحقون الكاف الّتي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفا في التّذكير وياء في التّأنيث».

ثم قال : «وذلك قولك أعطيتكيه وأعطيتكيها [١ / ١٤٧] للمؤنّث ويقولون في التّذكير : أعطيتكاه وأعطيتكاها».

__________________

(١) سورة الزمر : ٧.

(٢) سورة آل عمران : ٧٥.

(٣) سورة النمل : ٢٨.

(٤) أي في يرضاه ومثلها الياء في يؤديه وألقيه.

(٥) التذييل والتكميل (٢ / ١٧٠).

(٦) انظر نصه في الكتاب (٤ / ٢٠٠).

(٧) المرجع السابق : الجزء والصفحة.

٤٨٠