شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

الثلاث ، ويعتذرون عن ذلك بما سنذكره ؛ فاستقام كلام المصنف ثم ، وهنا.

وقد اعتذر الشّلوبين (١) عن إطلاق الكلم على الثلاث التي هي الاسم والفعل والحرف بأن قال : «أرادوا الأجناس والأجناس لا تنحصر أفرادها» (٢).

وردّ عليه (٣) بأن آحاد الكلم إنما هي الكلمة التي يراد بها جنس الأسماء ، والكلمة التي يراد بها جنس الأفعال ، والكلمة التي يراد بها جنس الحروف ، فالكلم إذا لم يقع مما يقع عليه واحده إلا على ثلاث خاصة.

واعتذر ابن عصفور (٤) عن ذلك ب «أنّ العرب إنّما أوقعت اسم الجنس على ما فوق العشرة وجمعته بالألف والتّاء فيما دون ذلك ؛ تفرقة بين القليل والكثير ؛ حتّى لا يلتبس أحدهما بالآخر ، وهذه التفرقة لا تتصوّر هنا ، لأن الكلم إذا كان جمعا للكلمة الواقعة على كل واحد من الأجناس الثّلاثة لم يكن لها جمع قليل ـ

__________________

(١) هو الأستاذ أبو علي الإشبيلي عمر بن محمد المعروف بالشلوبين. وهو لقب أبيه ومعناه الأبيض الأشقر. إمام العربية في عصره بالمشرق والمغرب تتلمذ على الأبذي (الهمع ٢ / ١٠٠) وغيره ، وتخرج على يديه كثيرون كالسهيلي وابن عصفور وأبي الحسن بن الضائع.

مصنفاته : التوطئة ، محقق مرتين ، شرح على الجزولية بمعهد المخطوطات وقد طبع بتحقيق د / تركي العتيبي شرح على المفصل بمعهد المخطوطات أيضا ، تعليق على كتاب سيبويه.

عاش أبو علي أكثر من ثمانين سنة فقد ولد سنة (٥٦٢ ه‍) وتوفي سنة (٦٤٥ ه‍) انظر ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ٢٢٥) ، الأعلام (٥ / ٢٢٤).

(٢) جاء في شرح الجزولية لأبي علي قوله عن صاحب الجزولية (أبو موسى الجزولي): «وقسمته الجنس إلى أنواعه ممكنة ، وأمّا قسمته الجنس إلى أشخاصه أو النّوع إلى أشخاص فغير ممكنة في الحقيقة ؛ لأن الأشخاص لا تنحصر ... ثم قال : فالقسمة إلى الأشخاص مسامحة وإلّا فالقسمة حقيقة إليها غير ممكنة لما ذكر من عدم انحصارها» انظر شرح الجزولية (١ / ٢٠٢) بتحقيق د / تركي العتيبي (مؤسسة الرسالة ـ بيروت).

(٣) انظر : التذييل والتكميل.

(٤) هو أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن عصفور الحضرمي الإشبيلي ، إمام أهل الأندلس وحامل لواء النحو عند المغاربة ، تخرج على يديه كثيرون ولم يكن عنده إلا النحو ليؤخذ عنه ، ولم يكن عنده ورع ؛ بل كان يحضر مجالس اللهو ، ولد سنة (٥٩٧ ه‍) وتوفي سنة (٦٦٣ ه‍).

مصنفاته : المقرب ، وهو مطبوع مشهور. وقد شرحه الدكتور / علي محمد فاخر في عدة أجزاء ، وشرح الجمل وهو مطبوع أيضا. الممتع في التصريف وهو مطبوع مشهور. وكتب أخرى مفقودة. ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ٢١٠) ، الأعلام (٥ / ١٧٩). ولم أجد رأيه هذا في المقرب ولا في شرح الجمل وهو في التذييل والتكميل (١ / ٢٩) منسوبا لابن عصفور أيضا.

١٤١

______________________________________________________

ولا كثير فيفرّق بينهما ، ألا ترى أنّه ليس للكلم ولا للكلمات ما يقعان عليه إلّا الأجناس الثّلاثة خاصّة ، فلمّا لم تتصوّر التّفرقة شاع وقوع اسم الجنس موقع الجمع بالألف والتّاء ؛ لأنّ اللّبس إذ ذاك قد أمن» (١).

وأما الكلام فهو في اصطلاح النحاة : عبارة عن الجمل المفيدة كما سيتضح عند تفسير قيود حده.

وقد اختلف فيه قبل نقله وتخصيصه بما ذكر : هل هو مصدر أو اسم مصدر؟

فمذهب البصريين : أنه اسم مصدر كالعطاء اسم للمعطى وهو الصحيح ؛ لأن الفعل المستعمل من هذه المادة مرادا به معنى الحديث ليس إلا ثلاثة أبنية : كلم وتكلم وكالم ، ومصادرها الجارية : التّكليم والتّكلّم والمكالمة والكلام (٢).

وليس الكلام جاريا على واحد من الأفعال الثلاثة.

ومذهب الكوفيين : أنه مصدر.

قال الشيخ بهاء الدين النحاس (٣) رحمه‌الله : «واستدلّوا على ذلك بإعماله في قولك : كلامك زيدا حسن. وقال الشّاعر : ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل : (١ / ٢٩) وبعد كلام شارحنا قال أبو حيان موضحا :

«وأيضا فإنك إن جمعت بالألف والتّاء فلأن الثّلاثة قليل ، وإن أتيت باسم الجنس فلأنّ هذه الثّلاثة هي جميع ما يقع عليه كلم». انتهى.

ومعنى كلام ابن عصفور : أن ما صدق عليه لفظ كلم من أفراد في الخارج هو ما صدق عليه كلمات ؛ فلا تناقض.

(٢) قال في اللسان (كلم): «تكالما : إذا تحدّثا بعد تهاجر ، ومن المصدر : تكلّام بكسر الأول والثّاني وتشديد الثّالث».

(٣) انظر التعليقة على المقرب المسمى شرح المقرب لبهاء الدين النحاس (مخطوطة بالأزهر ـ ٤٩٤٧ ـ ورقة ٣).

ترجمة النحاس : هو الإمام أبو عبد الله بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النحاس الحلبي النحوي شيخ الديار المصرية ولد سنة (٦٢٧ ه‍) ، وتعلم العربية على يد ابن عمرون وغيره وتخرج على يديه كثيرون منهم أبو حيان ، كان كريما ثقة حجة فيما يرويه ، فاضلا يسعى في مصالح الناس ، عاش في مصر وفوض إليه تدريس التفسير بالمدرسة المنصورية والجامع الطولوني.

قال عنه السيوطي : «لم يصنف شيئا إلا ما أملاه شرحا لكتاب المقرّب» وتوفي سنة (٦٩٨ ه‍).

انظر ترجمته في : بغية الوعاة : (١ / ١٣) ، الأعلام (٦ / ١٨٧).

١٤٢

______________________________________________________

٧ ـ ألا هل إلى ريّا سبيل وساعة

تكلّمني فيها من الدّهر خاليا [١ / ١٧]

فأشفي نفسي من تباريح ما بها

فإنّ كلاميها شفاء لما بيا (١)

فأعمل كلامي في الضّمير». انتهى.

ولا يظهر لي هذا الذي ذكره ؛ فإن الكوفيين لا يمنعون إعمال اسم المصدر ؛ بل لا يعمله إلا هم.

قال ابن عصفور لما ذكر اسم المصدر : «مذهب الكوفيين العمل وعند البصريّين لا يعمل إلا في ضرورة» (٢).

وإذا كان كذلك فكيف يستدل الكوفيون على المصدرية بالعمل؟

وأشكل من ذلك قول الشيخ بهاء الدين مجيبا عن استدلال الكوفيين المذكور : «إنّ اسم المصدر يعمل عمل المصدر بإجماع».

وقد علمت خلاف الفريقين ؛ اللهم إلا أن يقال : كون البصريين أجازوا عمله ـ

__________________

(١) البيتان من بحر الطويل وهما لذي الرمة في ملحقات ديوانه (ص ٦٧٦) إلا إن الذي في الديوان بيت واحد ملفق من هذين البيتين. وفيه ميّ مكان ريّا.

والتباريح : جمع تبريح وهو شدة الشوق.

والشاهد في البيت الثاني : على أن لفظ الكلام مصدر ، بدليل عمله النصب في ضمير الغيبة بعد إضافته إلى ضمير الفاعل ، ورده ناظر الجيش قائلا : إنه اسم مصدر عامل واسم المصدر يعمل في الشعر عند جميع النحاة ، وانظر شرح هذا الموضع بالتفصيل في شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٢١) والبيتان في التذييل والتكميل. وفي معجم الشواهد (ص ٤٢٥).

ترجمة ذي الرمة : هو أبو الحارث غيلان بن عقبة عربي أصيل ، أحد فحول الشعراء ، وأحد عشاق العرب المشهورين. وصاحبته مي بنت عاصم وكانت من أجمل النساء فجن بها ذو الرمة وسار شعره فيها. وأخباره كثيرة وله ديوان شعر كبير ، وكتبت فيه كتب وعاش أربعين سنة فقط حيث توفي سنة (١١٧ ه‍). وللدكتور علي محمد فاخر كتاب كبير يسمى : دراسات نحوية وصرفية في شعر ذي الرمة مطبوع سنة (١٩٩٦ م).

انظر ترجمته في وفيات الأعيان (٤ / ١١) ، الشعر والشعراء (٢ / ٥٣١).

(٢) انظر شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ١١٩) يقول : «فأمّا الاسم الّذي في معنى المصدر فلا يعمل إلّا حيث سمع وذلك في مثل قول الشّاعر :

أكفرا بعد رد الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا»

ثم قال : «وأهل الكوفيّين يجيزون ذلك ويجعلونه مقيسا وهذا خطأ عندنا ؛ لأنّه لم يكثر كثرة توجب القياس» ، وانظر المذهبين في الهمع : (١ / ٩٥).

١٤٣

______________________________________________________

ضرورة يقتضي صحة جواز نسبة ذلك إليهم في الجملة ؛ فلا يمتنع دعوى الإجماع.

ويطلق الكلام في اللغة على أشياء : منها : نفس الفعل الذي هو التكلم ، وهو الأصل فيه ، وهذا الإطلاق على خلاف فيه (١) : أهو مصدر أم اسم مصدر؟ كما تقدم.

ومنها : ما يفهم من حال الشيء. ومنها : الإشارة. ومنها : الخط. ومنها : المعاني التي في النفس. ومنها : الجمل المفيدة.

ولا خلاف بين النحاة أن إطلاق الكلام في اصطلاحهم على ما سوى الأمرين الأخيرين مجاز.

وأما إطلاقه على المعاني التي في النفس وعلى الجمل المفيدة ، فهل هو بطريق الاشتراك (٢) فيكون حقيقة فيهما أو يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر؟ ثلاثة مذاهب نقلها الشيخ (٣). وفي ظني أني وقفت على ذلك في كلام ابن هشام شارح الإيضاح (٤).

وفي إطلاق الكلام حقيقة على المعاني النفسية بالنسبة إلى اصطلاح النحاة بعد.

وقد قال المصنف (٥) : «صرّح سيبويه في مواضع من كتابه بما يدلّ على أنّ الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة».

وذكر عنه نصوصا : منها : قوله وقد مثّل بهذا عبد الله معروفا (٦) : ـ

__________________

(١) كلمة فيه ، ساقطة من نسخة (ب) ، (ج).

(٢) المشترك : هو اللفظ الدال على معنيين فأكثر دلالة متساوية ، كإنسان للفرد من البشر ولإنسان العين ، والخال لأخ الأم وللشامة في الخد وللسحابة الصغيرة وللبعير الضخم. وهو بخلاف المتضاد الذي يدل على معنيين متقابلين ، كالصارخ للمغيث والمستغيث. وبخلاف المترادف الذي تدل فيه عدة ألفاظ على معنى واحد.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٢٧ ، ٢٨).

(٤) هو محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي الأندلسي ، من أهل الجزيرة الخضراء ويعرف بابن البرزعي ، كان رأسا في العربية ، عاكفا على التعليم ، أخذ عن ابن خروف وأبي علي الرندي وأخذ عنه الشلوبين وغيره. ولد سنة (٥٧٥ ه‍) وتوفي بعد سبعين عاما عاشها سنة (٦٤٦ ه‍).

مصنفاته : له كتاب الإفصاح في شرح الإيضاح وهو مخطوط بدار الكتب (١٦ نحو) ؛ إلا أنه ينقص منه الكثير ، وله غرر الإيضاح في شرح أبيات الإيضاح ، والنقض على الممتع لابن عصفور.

انظر في ترجمته بغية الوعاة (١ / ٢٦٧) ، الأعلام (٨ / ٧).

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥).

(٦) انظر : كتاب سيبويه (٢ / ٧٨) ولا يوجد نص سيبويه في شرح التسهيل كما ذكر الشارح.

١٤٤

______________________________________________________

«فهذا اسم مبتدأ يبنى عليه ما بعده وهو عبد الله ولم يكن ليكون هذا كلاما حتّى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله».

ومنها : قوله (١) : «واعلم أنّ : قلت في كلام العرب إنّما وقعت على أن يحكى بها ما كان كلاما لا قولا». عنى بالكلام الجمل وبالقول المفردات.

إذا تقرر ذلك وعلم أن مدار إطلاق الكلام الصناعي على حصول الفائدة ، علم أن ما لم يفد ليس بكلام مفردا كان أو مركبا دون إسناد أو مركبا بإسناد غير مفيد ؛ لكونه لا يجهل أحد معناه ، فاشتمل الحد المذكور (٢) على الإشارة إلى قيود يفهم منها ذلك وتضمن الحد زيادة قيدين آخرين على الإفادة. وهما : أن يكون الإسناد مقصودا ، وأن يكون القصد لذات الإسناد لا لشيء آخر.

فقول المصنف : ما تضمن من الكلم إعلام بالجنس الذي منه الكلام ، وأنه ليس خطّا ولا رمزا ولا نحو ذلك (٣) ، وإنما هو لفظ أو قول أو كلم ، إلا أن اللفظ أبعد الثلاثة ؛ لوقوعه على المهمل والمستعمل فعدل عنه ، والقول مثل الكلم في القرب ؛ لتساويهما في عدم تناول المهمل ، لكن قد يقع القول على الرأي والاعتقاد ، كما تقدم وإن كان ذلك مجازا ؛ فقد قال المصنف : «إنّه شاع حتّى صار كأنّه حقيقة [١ / ١٨] ثابتة».

قال : «ولم يعرض هذا للكلم فكان تصدير حدّ الكلام به أولى لكن على وجه يعمّ المؤلّف من كلمتين فصاعدا» ، فلذلك لم يقل : الكلم المتضمن. لأن الكلم أقل ما يتناول ثلاث كلمات كما تقدم ، بل قال : ما تضمّن من الكلم. فصدر الحد بما ؛ لصلاحيتها للواحد فما فوقه.

ثم خرج بذكر تضمّن الإسناد : الواحد كزيد ، والمركب دون إسناد كعندك وخير منك.

وخرج بمفيد : ما لا فائدة فيه ؛ لكونه غير مجهول لأحد ، نحو : النار حارة ، ـ

__________________

(١) انظر : كتاب سيبويه (١ / ١٢٢).

(٢) وهو تعريف المصنف للكلام بقوله : «ما تضمّن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته».

(٣) في نسخة (ب) : ولا غير ذلك.

١٤٥

______________________________________________________

والسماء فوق الأرض ، وتكلم إنسان.

وخرج بمقصود : ما هو غير مقصود كحديث النائم والساهي.

وخرج بقوله : لذاته : ما هو مقصود لغيره ، كإسناد الجملة الموصول بها والمضاف إليها ؛ فإن الإسناد فيهما لم يقصد هو ولا ما تضمنه لذاته ؛ بل قصد لغيره ، وليس كلاما ؛ بل هو جزء كلام. وذلك نحو : قاموا من قولك : رأيت الذين قاموا ، وقمت حين قاموا.

وزاد بعض العلماء في حد الكلام : من ناطق واحد ، احترازا من أن يصطلح اثنان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ويذكر الآخر فاعل الفعل أو خبر المبتدأ ؛ فإن مجموع النطقين مشتمل على ما اشتمل عليه مثله إذا نطق به واحد ، وليس بكلام لعدم اتحاد الناطق ؛ لأن الكلام عمل واحد فلا يكون عامله إلا واحدا (١).

قال المصنف : «وللمستغني عن هذه الزيادة جوابان :

أحدهما : أن اتحاد الناطق لا يعتبر كما لا يعتبر اتحاد الكاتب في تسمية المكتوب خطّا. ولا يعترض على ذلك بعدم تساويهما في الحكم ؛ إذ لا يترتب على نطق المصطلحين ما يترتب على نطق الواحد : من إقرار وتعديل وتجريح وقذف وغير ذلك.

لأنّا نقول : انتفاء ترتب الحكم على الكلام لمانع لا يمنع كونه كلاما ؛ فهو كلام لتركّبه من اللفظين ؛ لكنه غير صريح بالنسبة إلى كل من الناطقين ، إذ لا يعلم السامع ارتباط أحد جزأيه بالآخر ، كما يعلم من نطق الناطق الواحد ، فلذلك اختلفا في الحكم.

الجواب الثاني :

أن يقال : إنما اقتصر كلّ منهما على كلمة واحدة ؛ اتكالا على نطق الآخر بالأخرى ، فمعناها مستحضر في ذهنه ، فكأنه متكلم واحد نطق بكلمة وقدر الأخرى. كما يقول الرائي شبحا : زيد ، أي : المرئيّ زيد ، فكل من الناطقين صادر منه كلام. وقد تبين أن من الكلام ما يكون أحد جزأيه غير منطوق به» انتهى ملخصا (٢). ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧) ولم يشر إليه الشارح.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٨) ، وقد نقل الشارح منه بتلخيص كما قال.

١٤٦

______________________________________________________

ثم ها هنا أبحاث :

الأول :

قال الشيخ : «لا دليل في كلام سيبويه على اشتراط الإفادة والتمثيل بالمفيد لا يلزم منه الاشتراط بل ظاهر كلام سيبويه أنه لا تشترط الإفادة.

قال : وما أظنّ أحدا يمنع قال زيد : النار حارة ، ولا قال زيد : الجزء أقلّ من الكل». انتهى (١).

وهذا الذي ذكره من عدم اشتراط الإفادة خلاف ما يفهم من كلام النحاة ، وقد نقل هو في شرحه حدودا للكلام عن جماعة من أئمة النحو. وكلها مشتمل على ذكر الإفادة (٢).

وأما كلام سيبويه : فقد فهم المصنف منه خلاف ما فهمه الشيخ كما تقدم فليرجح [١ / ١٩] أحد الفهمين بالأدلة الخارجية (٣).

البحث الثاني :

نقل الشيخ عن أبي الحسن بن الضائع (٤) ما معناه : «أنّه لا حاجة إلى ذكر ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٣٤) ونص سيبويه الذي قامت عليه هذه المعركة هو قوله ـ وقد ذكره الشارح ـ عن مثال : هذا عبد الله معروفا : ولم يكن ليكون كلاما حتّى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله.

فهمه أبو حيان : أي حتى يحصل بينهما إسناد فيكون مبتدأ وخبرا. والإسناد أعم من أن يكون مفيدا أو غير مفيد ، والاحتراز إنما هو من المفرد الذي لا يسمى كلاما ؛ لأنه لا إسناد فيه.

وفهمه ابن مالك : على أن الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٣٨ ، ٣٩) وكلها تعريفات لا تخرج عما ذكره ابن مالك منها قوله : «قال ابن هشام : ما قام من مسند ومسند إليه واستقلّ بمعناه». ومنها قوله : «وحدّه الجزولي وتبعه ابن عصفور : الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع».

(٣) الرأي مع أبي حيان ، فلا تشترط الإفادة في كل كلام ؛ بل يكفي أن يكون مركبا وعلى هيئته المفيدة. ثم انظر إلى أبي حيان وهو يسخر من شرط النحاة الإفادة فيقول : «إنّ الكلام إنما طرق سمع الإنسان فاستفاد منه شيئا ، ثم طرقه ثانيا وهو قد علم مضمونه أولا أنه لا يكون كلاما باعتبار المرة الثانية ؛ لأنه لم يفده علم ما لم يكن ؛ فيكون الشيء الواحد كلاما غير كلام ، بحسب إفادة السامع هذا خلف» (التذييل والتكميل ١ / ٣٤ ، ٣٥).

(٤) هو علي بن محمد بن يوسف الكتامي الإشبيلي المعروف بأبي الحسن بن الضائع ، بلغ الغاية في ـ

١٤٧

______________________________________________________

القصد في حدّ الكلام ؛ لأنّه إنّما يحترز به عن حديث السّاهي والنّائم والمجنون ، والصّادر من هؤلاء يخرج بقيد الإفادة ؛ لأنّ مثل هذا لا يفيد بوجه. ولو قال النّائم : زيد قادم مثلا ووافق ذلك قدومه ، فالفائدة لم تحصل من إخباره ، وإنما حصلت من مشاهدة القدوم». انتهى (١).

ومناقشة ابن الضائع لا تبعد عن الصواب ، إلا أن يقال : المراد بالكلام المفيد ما صورته صورة ما يحصل منه فائدة ، أي : ما من شأنه أن يفيد ، ولا يلزم إفادته من ذلك المحل بخصوصه. ولا شك أن قول النائم : قام زيد مثلا شأنه ذلك ؛ فهو داخل إلى أن يخرج بقيد القصد.

وقال الشيخ : «قد فهم من كلام ابن الضائع أنّه لا تشترط في الإفادة قصد المتكلم إيّاها. إنّما يشترط فيها أن تكون على هيئة التركيب الموضوع في لسان العرب ، وكثير من النحويين لم يعتبروا في حدّ الكلام سوى التركيب الإسنادي فقط ، ولم يشترطوا الإفادة ولا القصد». انتهى (٢).

وما ذكره من الفهم المذكور غير ظاهر ؛ لأن من جعل القصد قيدا إنما احترز به عما يفيد بغير قصد مثل كلام النائم.

وابن الضائع منع أن يكون ذلك مفيدا ؛ فلم يحتج إلى ذكر القصد ، ولا شك أن كلام غير النائم والساهي والمجنون يصحبه القصد ، فلا يقال : إنه لا يشترط القصد ؛ لأن ذلك يوهم أن الكلام قد يخلو عنه ، وليس كذلك.

وأوهم استدراجه في الكلام إلى أن الفائدة غير مشروطة عند كثير من النحويين أن ابن الضائع لا يشترطها أيضا ، وقد تبين خلاف ذلك. ـ

__________________

ـ النحو وكان متقدما فيه. ومن أساتذته الشلوبين. عاش في القرن السابع الهجري وقارب السبعين عاما ، حيث توفي سنة (٦٨٠ ه‍).

مصنفاته : له مخطوط كبير عظيم ، وهو شرح الجمل بدار الكتب المصرية ، وهو أجزاء ثلاثة من عدة نسخ يكمل بعضها بعضا ؛ لأنها مهلهلة. قال السيوطي : وله شرح كتاب سيبويه وهو عجيب ، جمع فيه بين شرح السيرافي وابن خروف ، كما أن له كتبا أخرى فيها اعتراضات وردود على ابن عصفور وابن الطراوة والبطليوسي ، انظر في ترجمته : بغية الوعاة (٢ / ٢٠٤) الأعلام (٥ / ١٥٤).

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٣٦).

(٢) المرجع السابق.

١٤٨

______________________________________________________

البحث الثالث :

قال الشيخ : «لم أر هذا القيد لأحد من النّحويين غير المصنّف» يعني قوله : لذاته ، قال : «ويمكن منازعته فيه من وجهين :

أحدهما : أنّ الصلة كلام. ويدل عليه اشتراطهم فيها أن تكون جملة خبرية. والخبر أحد أقسام الكلام.

الثاني : منازعته في أن هذه الجملة تضمنت إسنادا مفيدا مقصودا ؛ حتّى يحترز منها بقوله : لذاته ؛ لأن جملة الصلة كجزء من الاسم الموصول ، ولم ينهض أن يكون من قبيل الكلمة ؛ بل هي والموصول قبلها كلمة ، وأما الجملة المضاف إليها فهي في تقدير المفرد ؛ لأنّ معنى قمت حين قاموا : حين قيامهم ، فصورتها صورة ما فيه إسناد والمعنى على التّركيب التّقييدي» ، انتهى (١).

وفي هذه المنازعة نظر : أما أن جملة الصلة شرطها أن تكون خبرية ، والخبر أحد أقسام الكلام ، فمسلّم ، ولكن إنما تعتبر الخبرية قبل جعل الجملة صلة ، وإذا وصل بها صار لها حكم أخر ، كما أن : قام زيد ، كلام تام غير مفتقر ، وإذا دخلت عليه إن الشرطية صار غير تام مفتقرا ، فعلى هذا لا منافاة في قولنا (٢) : شرط جملة الصلة أن تكون خبرية مع أنها حال الوصل بها لا يصدق عليها أنها كلام.

وأما دعواهم أن هذه الجملة لم تتضمن إسنادا مفيدا مقصودا ، فممنوع ، بل قد تضمنت الإسناد المفيد المقصود ، وإنما حكم لها بحكم الجزء من الاسم الموصول [١ / ٢٠] من حيث أنها لا تتقدم عليه ولا يفصل بينها وبينه بالأجنبي. وغير ذلك من الأحكام المذكورة في باب الموصول. والحكم عليها بذلك (٣) لا يخرجها عن أن يكون فيها تركيب إسنادي (٤) ، ولو لا ذلك لما حكم على أفرادها بالإعراب ـ

__________________

(١) انظر التذييل والتكميل.

ومعنى التركيب التقييدي : أنك إذا قلت : قمت حين قاموا ، فمعناه أن قيامك مقيد بوقت قيامهم.

(٢) في النسخ : بين قولنا. وما أثبتناه من عندنا ؛ لأن بين تقتضي شيئين والذي معنا حال.

(٣) أي بالجزئية.

(٤) في جميع النسخ : تركيبا إسناديّا وهو خطأ. والصحيح ما أثبتناه ؛ لأنه اسم كان.

١٤٩

[تعريف الاسم]

قال ابن مالك : (فالاسم : كلمة يسند ما لمعناها لنفسها أو نظيرها).

______________________________________________________

وأعربت (١).

وأما قوله في الجملة المضاف إليها : إنها في تقدير المفرد ؛ لكن صورته صورة ما فيه الإسناد ، فتسليم منه أن الإسناد حاصل ، وهذا هو المقصود ولهذا احترز المصنف عنه ، والتأويل بالمفرد لا يمنع وجود الإسناد ؛ لأنه إنما أول لتصح الإضافة.

قال ناظر الجيش : تفسير هذا الحد متوقف على تصور الإسناد.

وقد عرفه المصنف بأنه : «عبارة عن تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب منه» (٢) ، وهو جيد.

وجعله الشيخ غير حاصر لأنواع الإسناد ، قال : «لأنّ بعض الإنشاءات كالقسم والعقود يخرج عنه» (٣).

والجواب : أن جمل الإنشاء التي لا يراد بها الطلب منقولة من الجملة الخبرية. فما اشتملت عليه من الإسناد داخل في قوله : تعليق خبر بمخبر عنه ، وخروج الجمل على الخبرية يعارض النقل إلى معنى الإنشاء لا يخرج ما تضمنته من الإسناد من الحد.

ثم الإسناد قسمان : لفظي ومعنوى.

فاللفظي : ما عضد به الحكم على اللفظ فقط. ويشترك فيه الثلاثة ، أعني : الاسم والفعل والحرف. ويشاركها فيه الجملة أيضا ، كقولك : زيد معرب ، وقام مبني على الفتح ، ومن حرف جر «ولا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة» (٤).

والمعنوي : ما قصد به الحكم على معنى الكلمة ، أي : مدلولها لا على لفظها. ويسمى وضعيّا وحقيقيّا أيضا. وهذا هو المختص بالأسماء.

فقول المصنف : كلمة : جنس يشمل الثلاثة. ـ

__________________

(١) أي إن أجزاء جملة الصلة تعرب كأنها غير صلة. وينطبق هذا على قولك : جاء الذي يقول الحق.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٩).

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٤٤).

(٤) قوله : لا حول ولا قوة ... إلخ حديث في سنن الترمذي (٥ / ٥٨٠) في كتاب الدعوات ، باب :

فضل لا حول ولا قوة إلا بالله. ونصه مرويّا عن أبي هريرة أنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكثر من قول لا حول ولا قوّة إلّا بالله فإنّها كنز من كنوز الجنّة» ... وله بقية.

١٥٠

______________________________________________________

وقوله : يسند ما لمعناها : فصل يفصل الاسم عن الفعل والحرف ، إذ كل منهما يسند ما للفظه إليه لا ما لمعناه. وأما الاسم فيسند ما لمعناه إليه ، أي : يسند إلى لفظه شيء هو لمدلول ذلك اللفظ ، فإذا قلت : قام زيد ، فالقيام هو ذلك الشيء وهو لمعنى زيد ، أي : لمدلوله وهو المسند ، واللفظ الذي هو زيد مثلا هو المسند إليه.

ولما كان من الأسماء ما لا يقبل الإسناد ، كأسماء الأفعال ، والأسماء الملازمة للنداء والمصدرية والظرفية أتى في الحد بزيادة وهو قوله : أو نظيرها.

فمه ومكرمان وسبحان مثلا لا تقبلن الإسناد لكن يقبله نظيرهن.

قال المصنف (١) : «وليس المراد هنا بالنظير ما وافق معنى دون نوع ، كالمصدر والصفة بالنسبة إلى الفعل ، بل المراد ما وافق معنى ونوعا ، كموافقة قول الآمر بالصمت السكوت ؛ لقوله : صه ، لكن صه لا يقبل الإسناد الوضعيّ ويقبله السكوت ، فالمسند إلى السّكوت بمنزلة المسند إلى صه ؛ ليوافقها معنى ونوعا ، وكذا المسند إلى كريم وفلان بمنزلة المسند إلى مكرمان وفل ، وإن كان مكرمان وفل لم يستعملا إلّا في النّداء ، وهذا سبيل محاولة الإسناد إلى نظير ما تعذر الإسناد إليه بنفسه».

ثم ها هنا أبحاث :

البحث الأول :

[١ / ٢١] قال الشيخ : «إنما حدّ المصنف الإسناد بما ذكره ليخرج الإسناد اللّفظيّ» (٢).

وهذا عجب من الشيخ ، فإن الحد المذكور شامل لقسمي الإسناد ، ولما ذكر المصنف حد الإسناد قال (٣) : «فإن كان باعتبار المعنى اختصّ بالأسماء. وقيل فيه وضعيّ وحقيقيّ. وإن كان باعتبار اللفظ صلح للاسم ولغيره». فقسمه إلى القسمين بعد أن ذكر حده وكيف يقال : إن الحد مخصوص بأحدهما؟.

البحث الثاني :

قيل : قول المصنف : «إن الإسناد اللّفظيّ يشرك الاسم فيه غيره» خطأ ، بل ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٩).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٤٤).

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٩).

١٥١

______________________________________________________

الإسناد اللفظي مختص بالأسماء ، كاختصاص المعنوي بها ، وذلك أنّا إذا قلنا : قام مبني على الفتح ، ومن حرف جر ، كان قام ومن ، في هذين التركيبين ، مبتدأين ، والمبتدأ لا يكون غير اسم ، فلم يسند إلى الفعل وهو باق على الفعلية ، ولا إلى الحرف وهو باق على الحرفية ؛ بل صير كل منهما اسما ، وأسند إليه.

والجواب عن ذلك : أن قام ، إنما وضعته العرب فعلا ، وكذا من ، إنما وضعته العرب حرفا ، وإنما الكلام فيما هو اسم بالوضع لا فيما أدت ضرورة التركيب إلى الحكم عليه بالاسمية لعارض ، وإذا كان كذلك صدق أن الإسناد إلى فعل وإلى حرف أي : إلى ما وضعته العرب كذلك. ولا يلزم من الحكم عليها بالاسمية ؛ لضرورة الحكم عليهما بالابتدائية خروجهما عن الوضع الأصلي ، ولو خرجا عن وضعهما لما صحّ قولنا : قام فعل ماض ومن حرف جر.

البحث الثالث :

قد يتوجه على المصنف مؤاخذة في قوله : يسند ما لمعناها. فيقال : إن الذي لمعنى الكلمة وهي زيد ، القيام مثلا ، وليس القيام بمسند ، إنما المسند قائم المتضمن لمعنى القيام.

فإن أجيب بأن المسند وإن كان لفظ قائم إنما هو القيام من حيث المعنى ، فيندفع الإيراد ، توجهت مؤاخذة أخرى وهي : أنه إذا اعتبر المعنى في جانب المسند ، وجب اعتباره في جانب المسند إليه ، فلا نقول : إلى نفسها أي إلى لفظها.

لأن المسند إلى اللفظ إنما هو قائم ، وأما القيام فإنما هو لمدلول الاسم ؛ فهو مسند إلى المعنى لا إلى اللفظ. إلا أن يريد أنه يسند ما للمعنى بلفظ يتضمنه إلى نفس ذلك المعنى فيصح.

البحث الرابع :

نوقش المصنف في قوله : «وليس المراد بالنّظير ما وافق معنى دون نوع ؛ بل المراد ما وافق معنى ونوعا».

فقيل : إذا كان الأمر موقوفا على الموافقة في المعنى والنوع ، كانت معرفة كونه نظيرا مستلزمة لمعرفة اسميته ، فلا يحتاج إلى أن يعرف بالإسناد إلى نظيره.

ثم ذلك مستلزم للدور ؛ لأن معرفة كونه اسما متوقفة على معرفة نظيره وكونه ـ

١٥٢

______________________________________________________

يسند إليه ، ومعرفة كون ذلك نظيرا ، متوقفة على معرفة كون هذا اسما.

والجواب : أن المصنف لم يجعل معرفة اسمية الشيء موقوفة على معرفة كونه نظيرا ؛ ليلزم منه أن معرفة كونه نظيرا موقوفة على معرفة اسميته ، بل لما حد الاسم بقبوله للإسناد المعنوي ، وكان بعض الأسماء [١ / ٢٢] الذي علمت اسميته من خارج لا يقبل ذلك ، أراد أن يزيد هذه الزيادة ؛ لئلا يصير الحد غير منعكس.

فهو يقول : إن قيل بأن لنا أسماء مقطوعا باسميتها وهي لا تقبل ما ذكرت.

قلت : إن هي لم تقبله قبله نظيرها ، ثم بيّن المراد بالنظير ليسلم من الدخل.

البحث الخامس :

لقائل أن يقول : لا حاجة إلى قول المصنّف : أو نظيرها. بل الاقتصار على قوله : يسند ما لمعناها إلى نفسها ـ كاف ، وتكون الأسماء التي أشار إليها مما لزم في الاستعمال طريقة واحدة ، من مصدرية أو ظرفية مثلا ، داخلة في الحد غير خارجة عنه ؛ لأن المراد إنما هو صحة الإسناد إلى الكلمة وقبول معناها له. ولا شك أن معاني هذه الأسماء قابلة للإسناد ، ولا يلزم من استعمالها غير مسند إليها ألا يصح الإسناد إليها ؛ فإن المراد إنما هو قبول معنى الكلمة لذلك من حيث الجملة. وجاز أن يسند إليها وألا يسند لعارض الاستعمال اللازم الذي لا تسع مخالفته (١).

__________________

(١) وفي آخر هذا البحث قال أبو حيان في شرحه :

وقد عدل المصنف في حد الاسم عما حدّه النحويون إلى هذا الحدّ الذي ذكره ، وهذا الذي اختاره غير مختار ؛ لأنّ النحويين حدوا الاسم بالأمور الذاتيات التي هي فيه قبل التركيب ، والمصنف حدّه بأمر عارض له حالة التركيب وهو الإسناد المعنوي. وليس هذا شأن الحدود مع ما في حده من غموض اللفظ والإبهام والترديد والمجاز الذي هو مناف للحدّ. إذ الحدّ إنما يؤتى به لإيضاح المحدود وبيانه. وصار كلّ قيد فيه يحتاج إلى شرح طويل ؛ فتحتاج إلى أن تشرح الإسناد والمعنى والنظير ، وهذه أمور فيها غموض لا تناسب المحدود. والإبهام في قوله : ما لمعناها ، والترديد في قوله : أو نظيرها ، والمجاز في قوله : إلى نفسها ، والكلمة لا يقال لها نفس إلا بمجاز.

ويستمر أبو حيان قائلا : وأحسن ما حدّ به الاسم أن يقال :

الاسم : كلمة دالة بانفرادها على معنى غير متعرضة ببنيتها للزمان.

فقولنا : كلمة ، جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. وقولنا : دالة بانفرادها على معنى ، احتراز من الحرف ؛ فإنه لا يدل على معنى إلا بضميمه. وقولنا : غير متعرضة ... إلخ احتراز من الفعل.

انظر : التذييل والتكميل (١ / ٤٦).

١٥٣

[تعريف الفعل]

قال ابن مالك : (والفعل كلمة تسند أبدا قابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : كلمة : جنس يعم الثلاثة. وتسند : أخرج به ما لا يسند وهو الحرف وبعض الأسماء ، كياء الضمير والأسماء الملازمة للنداء.

وأبدا : فصل ثالث أخرج به ما يسند من الأسماء وقتا دون وقت ؛ فتارة يسند وتارة يسند إليه وذلك كثير.

وقابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه : فصل ثالث أخرج به بقية الأسماء.

وهي أسماء الأفعال ؛ لأنها تشارك الفعل في أنها مسندة أبدا ؛ لكن لا تقبل علامة فرعية ما أسندت إليه بخلاف الفعل فإنه يقبل.

وبيّن المصنف أن هذه العلامة هي تاء التأنيث الساكنة وياء المخاطبة.

فشتان لا يقبل التاء ويقبلها افترق ، ودراك لا يقبل الياء ويقبلها أدرك (١).

ولا يخفى أنه لو سكت عن تبيين ما أراد لزم دخول أسماء الفاعلين والمفعولين والصفة المشبهة في حدّ الفعل ؛ لأنها مسندة أبدا وتقبل علامة الفرعية ، وهي تاء التأنيث المتحركة وعلامتا التثنية والجمع ؛ لأن التثنية والجمع فرعا الإفراد.

ثم ها هنا تنبيه : وهو أن المصنف قال (٢) :

«ومثل الياء في الدّلالة على فرعيّة المسند إليه ، وكون قبولها مميّزا لفعل الأمر من اسمه : الألف والواو والنّون في أدركا وأدركوا وأدركن ، وقد حكم سيبويه (٣) بفعليّة هلمّ على لغة بني تميم لقولهم : هلمّي وهلمّا وهلمّوا وهلممن. وحكم باسميتها على لغة الحجازيين ؛ لأنّهم يلزمونها التّجريد كلزومه عند الجميع في دراك وأخواتها». انتهى.

وفسر الشيخ قول المصنف : قابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه ـ بأنّ هذه العلامة هي تاء التّأنيث السّاكنة ، وياء المخاطبة ، وألف الاثنين ، وواو الجماعة ، ونون ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٠).

(٢) انظر المرجع السابق.

(٣) انظر : الكتاب ، فيما ذكر : (٣ / ٣٣٢ ، ٥٢٩ ، ٥٣٤).

١٥٤

[تعريف الحرف]

قال ابن مالك : (والحرف كلمة لا تقبل إسنادا وضعيّا بنفسها ولا بنظير).

______________________________________________________

النّسوة).

فأدرج الشيخ الألف وأخواتها مع التاء الساكنة والياء ؛ بناء منه على أن المصنف شرح العلامة بذلك كله ، ويلزم من هذا الإدراج ورود أسماء الفاعلين وما ذكر معها على حد الفعل. والذي ينبغي : أن تفسر العلامة بالتاء والياء المتقدمين فقط.

ولا يلزم من قول المصنف : ومثل التاء في الدلالة كذا وكذا جعل الألف والواو كالتاء في إرادتها [١ / ٢٣] بقوله : علامة فرعية المسند إليه ، وإنما لما بين العلامة المرادة نظر بينها وبين ما ذكر باشتراكهما في الدلالة على الفرعية ، وليكون ذلك تمهيدا لما ذكره من حكم هلمّ ، واختلاف اللغتين فيها.

على أنّا نقول أيضا : لم يطلق الألف والواو بل قال : الألف والواو في أدركا وأدركوا. فنبه بذلك على أن مراده ألف الضمير وواوه ؛ فلا يرد عليه أسماء الفاعلين وما ذكر معها ؛ لأن الألف والواو اللاحقتين لها حرفان فلم يكونا بمرادين ولا داخلين في عبارته (١).

قال ناظر الجيش : كلمة : جنس يشمل الثلاثة. ولا تقبل إسنادا وضعيّا بنفسها : فصل أخرج به الاسم والفعل ؛ لأنه نفى قبول الإسناد مطلقا ، أي : لا يسند إليه ولا يسند.

وقيد الإسناد بكونه وضعيّا لأن غير الوضعي (٢) يقبله الحرف كما تقدم. ـ

__________________

(١) وكانت تنفض هذه المعركة لو زاد ابن مالك في شرحه : الألف والواو والنون بشرط كونها ضمائر ؛ لأن تلك العلامات إذا لحقت الأسماء كانت حروفا. ثم إن أسماء الفاعلين وما ذكر معها خرجت بقوله : تسند أبدا ؛ لأنها تارة تسند كما في قولك : محمد ناجح ، وتارة يسند إليها كما في قولك : الناجح محبوب.

وفي حد ابن مالك للفعل قال أبو حيان في شرحه : (التذييل والتكميل : ١ / ٤٧ ، ٤٨) «وقد عدل المصنف في حدّ الفعل عمّا حدّه به النحويون إلى هذا الحد الذي ذكره ، كما عمل ذلك في حد الاسم وحدّه بأمر عارض للفعل حالة التركيب ، لا بما هو ذاتي للماهية ، مع غموض قوله : قابلة لعلامة فرعية المسند إليه. ثم حدّ أبو حيان الفعل فقال فيه : كلمة متعرضة ببنيتها لزمان معناها. وشرحه بأن كلمة جنس ، وما بعدها مخرج للاسم والحرف».

(٢) أي : وهو الإسناد اللفظي ، وقوله : يقبله الحرف ، أي : كما في قولنا : من حرف جر ، وعلى للاستعلاء.

١٥٥

______________________________________________________

وقوله : ولا بنظير ، فصل ثالث أخرج به هنا من الأسماء ما قصد دخوله في حد الاسم بقوله : أو نظيرها (١). فإن تلك الأسماء يصدق عليها أنها لا تقبل الإسناد المذكور ، فعلى هذا لو اقتصر في حد الحرف على قوله : لا يقبل إسنادا ، لدخلت في الحد ؛ فاحتاج أن يخرج بقوله : ولا بنظيرها ؛ فإنها إذا لم تقبل الإسناد بنفسها قبلته بنظيرها. بخلاف الحرف ، فإنه غير قابل بنفسه ولا بنظيره.

وها هنا بحثان :

الأول :

قد تقدم أن الأسماء التي قصد دخولها في حد الاسم بقوله : أو نظيرها ، قابلة للإسناد إليها ، وأنه لا يلزم من عدم استعمالها مسندة إليها عدم صحة ذلك ، وأنه لا حاجة إلى قول المصنف : أو نظيرها ، فعلى هذا لا حاجة في حد الحرف إلى أن يزيد قوله : ولا بنظير ؛ ليحترز عن دخول الأسماء المذكورة ؛ إذ لم يصدق عليها أنها لا تقبل الإسناد ؛ فهي خارجة بقوله : لا تقبل إسنادا ؛ لأن هذه قابلة وإن لم تستعمل مسندة إليها.

البحث الثاني :

أورد الشيخ أن في الحد المذكور صيغة النفي : «وهو لا يقبل ، فهو عدميّ والعدميّ لا يكون في الحدّ ؛ لأنّ الحدّ لا يكون إلّا بما تقوّمت منه الماهيّة (٢). والأعدام سلوب لا تتقوّم منها ماهيّة.

وإنّ فيه أيضا تجوّزا (٣) ؛ لأنه قال : ولا بنظير ؛ احترازا من الأسماء اللّازمة للنداء فإنّها تقبل الإسناد بنظير ، وهذا مجاز ؛ لم تقبل هي إسنادا لا بنفسها ولا بنظير ، إنّما نظيرها هو الذي قبل» (٤).

والجواب عن الأول : أن الفصول الوجودية إنما تعتبر في الحدود الحقيقية ، أي : التي تحد بها الماهيات الحقيقية وهي التي لها وجود في الخارج. أما الحدود الاصطلاحية ، ـ

__________________

(١) وهي أسماء الأفعال كصه ، والأسماء الملازمة للنداء كفل ، واللازمة للمصدرية كسبحان.

(٢) في النسخة (ج) : لأن الحد إنما يكون بما تقومت منه الماهية.

(٣) في نسخة (ب) : وإن فيه تجوزا أيضا.

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٥٠).

١٥٦

[علامات الاسم]

قال ابن مالك : (ويعتبر الاسم بندائه ، وتنوينه في غير رويّ ، وبتعريفه ، وصلاحيته بلا تأويل لإخبار عنه أو إضافة إليه أو عود ضمير عليه أو إبدال اسم صريح منه ، وبالإخبار به مع مباشرة الفعل ، وبموافقة ثابت الاسميّة في لفظ أو معنى دون معارض).

______________________________________________________

أي : التي تحد بها الماهيات الاعتبارية ، فيجوز في الفصول التي فيها أن تكون عدمية.

والجواب عن الثاني : أن القابل للإسناد المعنوي إنما هو مدلول الكلمة. فتارة يقبل الإسناد بذلك اللفظ الدال عليه ، وتارة يقبله بنظير ذلك اللفظ ، وقد عرفت المراد بالنظير ما هو ، وإذا كان كذلك صح أن يقال : إن الأسماء اللازمة للنداء مثلا تقبل الإسناد بمعنى أن مدلولها قابل له [١ / ٢٤] لكن ذلك المدلول لا يقبل بذلك اللفظ. إنما يقبل بالنظير فلا مجاز إذا (١).

قال ناظر الجيش : لما ذكر حدود الثلاث شرع في ذكر خصائص الاسم وخصائص الفعل.

والفرق بين دلالة الحدود ودلالة الخاصة : أن دلالة الحد تطّرد وتنعكس ، ودلالة الخاصة تطّرد ولا تنعكس ، أي يلزم من وجودها الوجود ولا يلزم من عدمها العدم (٢). ـ

__________________

(١) فائدة : قال أبو حيان : «وحصر المتأخرون معاني الحروف. قالوا : إنّ منها ما يدل على معنى في الاسم خاصة ، كلام التعريف وحرف النداء ، أو في الفعل خاصة ، كالسّين ، أو للربط بين اسمين أو بين فعلين أو بين جملتين ، كحروف العطف ، أو بين فعل واسم كحرف الجر ، أو لقلب معنى جملة تامة ، كما النافية وهل ، أو لتأكيده نحو إن ، أو لزيادة معنى في آخر الاسم ، كألف النّدبة والتعجب ، أو للزيادة ، أو للجواب ، أو للتنبيه أو للخطاب ومثّل لكل». انظر : التذييل والتكميل (١ / ٤٩ ، ٥٠).

(٢) معنى أن دلالة الحد تطرد وتنعكس : أنك إذا عرفت الإنسان مثلا ، فقلت : حيوان ناطق ، اطرد هذا التعريف ، فتقول : كل حيوان ناطق إنسان ، وانعكس أيضا تقول : كل إنسان حيوان ناطق ، ولكن إذا خصصته بالاختراع فقلت : الإنسان مخترع اطرد ذلك حين تقول : كل مخترع إنسان ، ولا ينعكس ؛ فلا يلزم أن تقول : وكل إنسان مخترع ، ويصح أن يطبق هذا على تعريف الاسم وغيره ، هذا عند المناطقة.

وعند النحاة : المراد بالانعكاس : هو أن تدخل النفي على القضيتين.

١٥٧

______________________________________________________

وعبر المصنف عن ذكر الخواص بقوله : ويعتبر.

ـ وذكر أن اعتبار الاسم بأشياء :

منها النداء : ويستدل به على اسمية ما له علامة غيره ، نحو : أيا زيد ، وعلى اسمية ما لا علامة له غيره ، نحو : أيا مكرمان.

قال المصنف (١) : «واعتبار صحّة النّداء بأيا وهيا وأي أولى من اعتبارها بيا ؛ لأنّ يا قد كثرت مباشرتها الفعل والحرف نحو : يا حبّذا و (يا لَيْتَنِي»)(٢).

قال الشيخ : «هذا ليس بجيّد ؛ لأنّ هذه الأحرف يقلّ النداء بها ؛ فالأولى اعتبار النداء بحرفه المشهور الذي هو يا ، وإذا باشرها الفعل والحرف فليست للنداء على الأصحّ وإنّما هي للتّنبيه فهي مشتركة بينهما» (٣) انتهى.

وكون هذه الأحرف يقل النداء بها لا يكون صحة اعتبار النداء بها مرجوحا ، ولا أولوية ليا لكثرة استعمالها ؛ إذ لا أثر لذلك في تمييز الاسم من غيره ، بل غير يا أولى لعدم الاشتراك ، كما قال المصنف.

ثم قوله : إنها حال مباشرتها الفعل أو الحرف إنما هي للتنبيه على أصح القولين ، يقوي عدول المصنف عنها ؛ إذ لو كانت حينئذ للنداء لم يكن بينها وبين غيرها فرق.

وإنما اختص الاسم بالنداء ؛ لأنه مطلوب به الإقبال ، والمقبل إنما يكون اسما ، ولأن المنادى مفعول والمفعولية لا تليق بغير اسم.

ولما قال المصنف هنا : «لأنّ المنادى مفعول في المعني» (٤) ناقشه الشيخ فقال :

«ظاهر هذا الكلام أنّ المنادى ليس بمفعول صحيح من جهة اللّفظ والمعنى ، وهي مسألة خلاف :

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل.

(٢) جزء آية من سورة النساء : ٧٣. وبقيتها : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً.)

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٥٢) مع تصرف الشارح في النقل.

وقيل في أدوات النداء التي تباشر الفعل والحرف : إنها للنداء والمنادى محذوف. وطبقوا هذا على قوله تعالى : (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس : ٢٦] ، وعلى قول الشاعر :

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١).

١٥٨

______________________________________________________

قال الكوفيون ومن تبعهم : إنّه مفعول من جهة المعنى فقط.

وقال سيبويه ومتابعوه ، وهم الجمهور : إنه مفعول صحيح من جهة اللّفظ والمعنى. فإن كان المصنف وافق الكوفيين فقد ناقض قوله في باب النداء : المنادى منصوب لفظا أو تقديرا ، ويكون اختار المذهب الفاسد أيضا وإن كان وافق سيبويه فقد أساء العبارة ؛ حيث خصّ جانب المفعوليّة بالمعنى دون اللّفظ» (١) انتهى.

والجواب : أن المصنف إنما أتى بهذه العبارة ؛ ليشمل قسمي المنادى من معرب ومبني. والمفعول لفظا يصدق عليه أنه مفعول معنى ، ولو لم يقيد المفعولية بالمعنى لم يكن نصّا في مقصوده ؛ إذ يتبادر الذهن إلى المفعولية لفظا ، فإذا لا مفهوم لقوله : مفعول في المعنى ، وإذا كان كذلك لم تتوجه مناقشة الشيخ [١ / ٢٥].

ومنها : التنوين وهو أضرب :

تنوين الترنّم : وهو الذي يكون عوضا عن مدة الإطلاق في رويّ مطلق (٢) فالمراد تنوين ذي الترنم.

والتّنوين الغالي : وهو اللاحق الروي المقيد (٣). وهذان التنوينان يشترك فيهما الاسم والفعل والحرف ؛ لأن الروي قد يكون آخر فعل وآخر حرف كما يكون آخر ـ

__________________

(١) انظر في مناقشة أبي حيان لابن مالك : التذييل والتكميل (١ / ٥٢ ، ٥٣).

وانظر في كلام ابن مالك : تسهيل الفوائد (ص ١٧٩) ، قال :

«باب النّداء : المنادى منصوب لفظا أو تقديرا بأنادي لازم الإضمار».

وانظر فيما قال سيبويه : الكتاب : (٢ / ١٨٢) ، قال :

«هذا باب النّداء : اعلم أنّ النداء كلّ اسم مضاف فيه ، فهو نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره.

والمفرد رفع وهو في موضع اسم منصوب».

(٢) الروي المطلق أو القافية المطلقة : هي التي آخرها حرف مد. والتنوين الذي يلحقها يسمى تنوين الترنم ، ومن أمثلته المشهورة :

أقلّي اللّوم عاذل والعتابن

وقولي إن أصبت لقد أصابن

(٣) والروي المقيد أو القافية المقيدة : هي التي رويها ساكن وتنوينها يسمى التنوين الغالي ، ومن أمثلته المشهورة قول رؤبة يصف مفازة :

وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

ولما كان يجوز أن يكون حرف الروي المطلق أو المقيد اسما أو فعلا أو حرفا ، قال النحاة : إن هذين التنوينين غير خاصين بالاسم.

١٥٩

______________________________________________________

اسم ، وعنهما احترز المصنف بقوله : في غير روي. وبقية أضربه يختص الاسم بها وهي :

تنوين الصّرف والتّنكير والعوض والمقابلة :

وإنما كان كذلك ؛ لأن تنوين الصرف دال على بقاء الأصالة ، كرجل وزيد ، فلا يلحق غير اسم ؛ إذ لا أصالة له فيدل على بقائها.

وأما تنوين التنكير ، فلأنه دال على تنكير ما هو صالح للتعريف ، كصه ، وأف ، وسيبويه لغير معين ، فلا يلحق غير اسم لعدم الحاجة إليه.

وأما تنوين العوض ، فلأنه إما عوض عن مضاف إليه (١) كحينئذ ، فلا يلحق غير اسم ؛ لأن المضاف لا يكون إلا اسما ، وإما عوض عن حركة أو حرف على القولين في اسم لا ينصرف (٢) واختصاصه بالاسم ظاهر.

وأما تنوين المقابلة : فلأنه دال على مقابلة جمع بجمع ، كمسلمات المقابل لمسلمين. فلا يلحق غير اسم ؛ لأن الجمع من خصائصه.

ومنها : التّعريف (٣) :

ويتناول تعريفه بالأداة ، نحو : الرجل وأم غلام ، وبالإضافة نحو : (مَعاذَ ـ

__________________

(١) هذا المضاف إليه الذي عوض عنه التنوين إما أن يكون مفردا حقيقيّا ، كتنوين كل وبعض في قوله تعالى : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٣] وقوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣]. وإما جملة في تأويل المفرد كقوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٣ ، ٨٤] تقديره : حين إذ بلغت ، أي : حين بلوغ.

(٢) قوله : وإما عوض عن حركة ... إلخ يشير الشارح إلى أنه اختلف في تنوين جوار ونحوه :

ذهب سيبويه : إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة لا تنوين صرف.

وذهب المبرد والزجاج : إلى أنه عوض عن حركة الياء ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.

وذهب الأخفش : إلى أنه تنوين صرف ؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفا زالت صيغة مفاعل وبقي اللفظ كجناح فانصرف.

والصحيح مذهب سيبويه (حاشية الصبان : ٣ / ٢٤٥).

وقوله : واختصاصه بالاسم ظاهر ؛ لأن الملحق به جمع. والجمع لا يكون إلا اسما.

(٣) أي : من علامات الاسم : التعريف. وقوله : أم غلام ، أصله الغلام. ففيه إبدال لام التعريف ميما على لغة حمير.

١٦٠