شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[حكم ضمير الشأن من بروزه أو استتاره]

قال ابن مالك : (ويبرز مبتدأ واسم ما ، ومنصوبا في بابي إنّ وظنّ ، ويستكنّ في بابي كان وكاد).

______________________________________________________

ضمير قصة (١) ويقول العرب : إنّه أمة الله ذاهبة (٢).

قال ناظر الجيش : ضمير الشأن لا بد أن يكون معمولا للابتداء ، أو أحد نواسخه ، وهي كان وإن وظن أو إحدى أخواتهن ، والجملة بعده متممة لمقتضى العامل ، وهو بمنزلة ضمير غائب تقدم ذكره ؛ فلذلك يستتر مرفوعا بكان أو كاد أو إحدى أخواتهما ، كما يستتر ما ارتفع بهما من ضمير غائب تقدم ذكره ، ويبرز إذا كان مبتدأ أو اسم ما أو منصوبا بإن أو ظن أو إحدى أخواتهما ، وبروزه مبتدأ كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٣).

وذكر صاحب البسيط خلافا في المبتدأ : هل يكون ضمير شأن أو لا؟ وذكر أن الفراء وأبا الحسن منعا ذلك (٤). وقد خرج قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) على وجهين :

أحدهما : أنهم كانوا يتكلمون في توحيد الله ، فقيل لهم : هو أي التوحيد الله أحد.

الثاني : أن (أحد) بدل من اسم الله تعالى (٥). ـ

__________________

(١) القراءة المذكورة وهي قراءة التأنيث ورفع آية هي قراءة ابن عامر ، وقد خرجها الشارح. وخرجها بعضهم على غير ذلك ، فجعل (أولم تكن لهم آية) جملة تامة ، فلهم خبر تكن ، وآية اسمها ، وأن يعلمه بدل من آية ، وعلى هذا التخريج فلا ضمير قصة ، وقرأ الباقون غير ابن عامر ـ بالتذكير ، ونصب آية. وعليه فآية خبر ليكن مقدما وأن يعلمه هو الاسم.

(٢) انظر النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (ص ١٩٧) (طبعة دار الشروق) قال أبو زيد : «وقال أبو الحسن : قوله : فليت دفعت الهمّ الأحسن في العربية أن يكون أضمر الهاء ، كأنّه قال فليته دفعت يريد فليت الأمر هذا كما تقول : إنّه أمة الله ذاهبة ، وإنّ زيد منطلق يريد إنّه الأمر. وأنشد أبو العبّاس المبرّد لعمارة يصف نخلا (من الرجز) :

كأنّهنّ الفتيّات اللّعس

كأنّ في أطلالهنّ الشّمس»

(٣) سورة الإخلاص : ١.

(٤) التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٠) ، والهمع (١ / ٦٧).

(٥) التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٠).

٥٦١

______________________________________________________

وبروزه اسما لما كقول الشاعر :

٢٨٤ ـ وما هو من يأسو الكلوم وتتّقى

به نائبات الدّهر كالدّائم البخل (١)

وبروزه في باب إن كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ)(٢).

وبروزه في باب ظن كقول الشاعر :

٢٨٥ علمته الحقّ لا يخفى على أحد

فكن محقّا تنل ما شئت من ظفر (٣)

واستكنانه في باب كان كقول الشاعر :

٢٨٦ ـ إذا متّ كان النّاس صنفان شامت

وآخر مثن بالّذي كنت أصنع (٤)

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، قال صاحب الدرر : لم أقف على قائله (الدرر : ١ / ٤٦).

اللغة : يأسو : يشفي ويذهب. الكلوم : الجروح. نائبات الدّهر : مصائبه وبلاياه.

المعنى : يذكر الشاعر أن هناك فرقا كبيرا بين من يقف بجانب الناس فيساعد المحتاج ويشد أزر الضعيف ، وبين هذا البخيل الذي يقف متفرجا على حزن هذا ودموع ذاك.

وشاهده : واضح من الشرح إلا أنه يجب أن يقال : وبروزه اسما لما على رأي من يعمل ما ، وهم الحجازيون ، وإلا كان ضمير الشأن مبتدأ والجملة بعده الخبر.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٠٢) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٨٤) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٨١).

(٢) سورة الجن : ١٩.

(٣) البيت من بحر البسيط غير منسوب في مراجعه.

ومعناه : حاول دائما أن تكون على حق ، فإنه إذا كان معك الحق فأنت قوي ، وستنتصر في النهاية ، وأما الباطل فهو ضعيف وصاحبه متعثر ، بل إنه لا يستطيع المشي أصلا.

وشاهده واضح : وهو بروز ضمير الشأن في باب ظن في قوله : علمته الحق لا يخفى على أحد.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٦٥) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٢) ، وفي معجم الشواهد (ص ١٨٠).

(٤) البيت من بحر الطويل وهو للعجير بن عبد الله السلولي.

ومعنى البيت : أن الناس ستفترق في شأنه بعد موته إلى فرقتين : واحدة تشمت به لكثرة ما أنزل في قلوبهم من الغيظ ، والأخرى ستمدحه لكثرة ما نالها منه من الخير.

وروي البيت : نصفان مكان صنفان.

وشاهده : واضح على رواية رفع صنفان ، حيث استتر اسم كان فيها ضمير الشأن ، والجملة بعدها خبر لها ، وقيل : كان ملغاة والجملة بعدها مبتدأ مؤخر.

وروي البيت بنصب صنفين ، وعليه فلا شاهد ولا معركة في البيت.

وقيل : هو منصوب ، وهذه الألف جاءت على لغة من يلزم المثنى الألف.

إلا أن بعض هذه التوجيهات لا تأتي في قول الشاعر الآخر ، وهو هشام أخو ذي الرمة (من الطويل):

٥٦٢

[أسباب بناء الضمائر]

قال ابن مالك : (وبني المضمر لشبهه بالحرف وضعا ، وافتقارا ، وجمودا ، أو للاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني. وأعلاها اختصاصا ما للمتكلّم وأدناها ما للغائب ، ويغلّب الأخصّ في الاجتماع).

______________________________________________________

واستكنانه في باب كاد ، كقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(١) في قراءة حمزة وحفص ؛ فإنهما قرءا يزيغ بالياء ، فهو مستند إلى قلوب ، والجملة التي من الفعل والفاعل خبر كاد ، واسم كاد ضمير الأمر (٢).

قال ناظر الجيش : ذكر لبناء المضمر سببين :

أحدهما : شبه الحرف. والثاني : الاستغناء عن الإعراب لعدم الحاجة فيه.

وجعل شبهه للحرف في ثلاثة أمور : الوضع والافتقار والجمود.

ومراده أن كلّا من هذه الأمور مستقل بالعلية ، كما أن مجموعها علة واحدة.

والمراد بشبه الحرف وضعا : كون بعض المضمرات على حرف واحد ، كتاء فعلت وكاف حديثك. وعلى حرفين كنا ، وما كان [١ / ١٧٨] من المضمرات على أكثر من حرفين فمحمول على غيره ؛ لأن ما هو على أقل من ثلاثة منها فهو أصل أو كالأصل ، وأيضا كأنهم قصدوا جري الباب على سنن واحد. ـ

__________________

هي الشّفاء لدائي لو ظفرت به

وليس منها شفاء الدّاء مبذول

وانظر بيت الشاهد في معجم الشواهد (ص ٢١٧) ، وهو في شرح التسهيل (١ / ١٦٥) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٢).

ترجمة الشاعر : هو عمير بن عبد الله من بني سلول بنت ذهل بن شيبان ، ولقبه عجير ، ويكنى بأبي الفرزدق وأبي الفيل ، عاش أيام عبد الملك بن مروان ، فهو شاعر إسلامي يحتج بشعره ، وجعله ابن سلام في شعراء الطبقة الخامسة من الإسلاميين ، وقد أورد له أبو تمام مختارات في الحماسة. توفي سنة (٩٠ ه‍).

ترجمته في الأعلام للزركلي (٥ / ٥).

(١) سورة التوبة : ١١٧.

(٢) كما حملت قراءة حمزة وحفص بالياء على غير ضمير الشأن ، فتجعل القلوب اسم كاد ، وذكر الفعل على تذكير كاد ، أو لأنه جمع ليس لتأنيثه حقيقة.

وقرأ الباقون غير حمزة وحفص بالتاء ، والحجة في ذلك أنه أراد تقديم القلوب على الفعل ، فدل بالتاء على التأنيث لأنه جمع (الحجة في القراءات السبع : ص ١٧٨).

٥٦٣

______________________________________________________

والمراد بالافتقار : كون المضمر لا تتم (١) دلالته على مسماه إلا بضميمة من مشاهدة أو ما يقوم مقامها ؛ فأشبه بذلك الحرف ؛ لأنه لا يفهم معناه بنفسه بل بضميمة.

والمراد بالجمود : عدم التصرف في لفظه بوجه من الوجوه حتى ياء التصغير ، وبأن يوصف أو يوصف به كما فعل بالمبهمات (٢).

وأما الاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني : فالمراد به أن المتكلم إذا عبر عن نفسه خاصة فله تاء مضمومة في الرفع وفي غيره ياء ، وإذا عبر عن المخاطب فله تاء مفتوحة في الرفع ، وفي غيره كاف مفتوحة في التذكير ومكسورة في التأنيث ؛ فأغنى ذلك عن إعرابه ، لأن الامتياز حاصل بدونه.

قال الشيخ : «وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ المعاني الّتي جيء بالإعراب لأجلها هي الفاعليّة والمفعوليّة والإضافة ، وليست هذه الأحوال التي عرضت للمضمر من التكلم والخطاب والغيبة تدلّ على شيء من المعاني الإعرابية ؛ فلا يصح الاستغناء عنها بهذه الأحوال ؛ لأنّها تدلّ عليها» انتهى (٣).

وما قاله حق أن لو كان اختلاف صيغ المضمر إنما هو للدلالة على التكلم وقسيميه ؛ لكن الدال منه على التكلم للمرفوع منه صيغة ، وكذا للمنصوب والمجرور أيضا. وكذا الدال على الخطاب والدال على الغيبة. والمضمر وإن انقسمت صيغه بالقسمة الأولى إلى الدلالة على التكلم والخطاب والغيبة ، فهي منقسمة بالقسمة الثانية إلى ما هو للمرفوع وللمنصوب والمجرور ، وقد اختلفت صيغه لاختلاف المعاني الثلاثة التي جيء بالإعراب لأجلها.

وأما قول المصنف : وأعلاها اختصاصا أي أعلى الضمائر ، فقد تقدمت الإشارة إليه في أول باب المعرفة والنكرة حيث قال : ـ

__________________

(١) كلمة لا تتم ناقصة من الأصل خطأ.

(٢) المعنى أن الضمائر لجمودها لا توصف ولا يوصف بها ، كما فعل بالمبهمات من أسماء الإشارة والشرط والاستفهام. وهذا بخلاف ما ذهب إليه الكسائي من أن ضمير الغيبة ينعت محتجّا بقولهم : اللهم صلّ عليه الرءوف الرّحيم. وغيره يجعله بدلا كما سبق.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٤).

٥٦٤

[ضمير الفصل وأحكامه]

قال ابن مالك : (من المضمرات المسمّى عند البصريّين فصلا ، وعند الكوفيين عمادا ، ويقع بلفظ المرفوع المنفصل مطابقا لمعرفة قبل ـ باقي الابتداء أو منسوخه ـ ذي خبر بعد ، معرفة أو كمعرفة في امتناع دخول الألف واللّام عليه).

______________________________________________________

وأعرفها ضمير المتكلم ، ولكن ذكر هنا ليرتب عليها الحكم المذكور بعد ، وهو قوله : ويغلّب الأخصّ في الاجتماع ، والمراد بذلك أنك تقول : أنا وأنت فعلنا ، وأنت وهو فعلتما ، ولا يغلب غير الأخص ، فيقال في الأول فعلتما وفي الثاني فعلا (١).

قال ناظر الجيش : الضمير المسمى فصلا عند البصريين ، وعمادا عند الكوفيين كهو من قولك : حسبت زيدا هو الكريم.

فسمي فصلا للفصل به بين شيئين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، ولانفصال السامع عن توهم الخبر تابعا.

وسمي عمادا لأنه معتمد عليه في تقرير المراد ومزيد البيان (٢).

وذكر التابع أولى من ذكر النعت [١ / ١٧٩] ، لأن الضمير المشار إليه قد يقع بعد ما لا ينعت وقبل ما لا ينعت به ، نحو : حسبتك أنت القائم ، وحسبت القائم هو زيدا.

ولا بد من مطابقته لما قبله في حضوره وغيبته ، وتذكيره وتأنيثه ، وإفراده وتثنيته وجمعه.

ولا يكون ما قبله إلا معرفة إلا عند بعضهم ، فإنه أجاز تنكيره كما سيأتي (٣). ـ

__________________

(١) كتب هنا على هامش نسخة الأصل : بلغت قراءة.

(٢) انظر المغني لابن هشام (٢ / ٤٩٣) وقد شرح حال هذا الضمير ، وتكلم فيه عن أربع مسائل : شروطه ، فائدته ، محله ، ما يحتمل من الأوجه.

وانظر حال هذا الضمير أيضا في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (٢ / ٧٠٦).

(٣) حكى سيبويه (٢ / ٣٩٦) : أن جماعة من أهل المدينة يجيزون الفصل بين نكرتين ، وقد ذكر عن جماعة من النحويّين موافقة أهل المدينة في ذلك. وانظر الحديث المفصل في هذا الموضوع في الصفحة القادمة من التحقيق.

٥٦٥

[استثناء من بعض أحكام الضمير]

قال ابن مالك : (وأجاز بعضهم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين ، وربّما وقع بين حال وصاحبها ، وربّما وقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف).

______________________________________________________

ولا يكون عند غير الأخفش إلا مبتدأ ، وما كان مبتدأ ثم دخل عليه نواسخ الابتداء وإلى هذا كله الإشارة بقوله : مطابقا لمعرفة قبل ، باقي الابتداء أو منسوخه.

وأما ما بعد الضمير فلا يكون إلا معرفة أو مضارعا لها في عدم قبول حرف التعريف ، كحسبتك أنت مثله أو خيرا منه ، ولو أوقع قبل نكرة فقبل حرف التعريف لم يجز.

قال سيبويه (١) : «واعلم أن هذا لا يحسن أن يكون فصلا حتى يكون ما بعدها معرفة أو ما أشبه المعرفة مما قال ولم تدخله الألف واللام فضارع زيدا وعمرا نحو قولك : خير منك ومثلك وأفضل منك وشرّ منك ، كما أنها لا تكون في الفصل إلا وقبلها معرفة أو ما ضارعها ، كذلك لا يكون ما بعدها إلا معرفة أو ما ضارعها ، فلو قلت : كان زيد هو منطلقا كان قبيحا حتى تذكر الأسماء التي ذكرت لك من المعرفة أو ما ضارعها من النكرة ، مما لا يدخله الألف واللام» انتهى (٢).

وقال المصنف : وقلت : مطابقا لمعرفة قبل ، ذي خبر بعد ليعلم أنه لو قدم الخبر لاستغني عنه (٣).

قال ناظر الجيش : هذه ثلاث مسائل ، وهي كالاستثناء من الضوابط الكلية المتقدمة.

أما الأولى : وهي وقوع ضمير الفصل بين نكرتين ، فكالاستثناء من قوله : لمعرفة قبل.

ومثاله : ما أظن أحدا هو خيرا منك ، فإن أحدا بما فيه من العموم شبيه بالمعرف باللام الجنسية ، وخيرا منك شبيه معرفة في امتناع دخول حرف التعريف عليه.

وحكى سيبويه «أن أهل المدينة يجيزون الفصل بين نكرتين كهاتين ، وروي عن يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا» وقال سيبويه : «لم يجعلوه فصلا وقبله نكرة ، ـ

__________________

(١) انظر نصه في الكتاب (٢ / ٣٩٢).

(٢) المرجع السابق.

(٣) شرح التسهيل (١ / ١٦٧).

٥٦٦

______________________________________________________

كما أنّه لا يكون وصفا ولا بدلا لنكرة» انتهى (١).

وقد ذكر عن جماعة من النحويين موافقة أهل المدينة في ذلك (٢).

وجعل بعضهم منه قوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ)(٣). قال : فأربى في موضع نصب (٤).

وأما الثانية : وهي وقوع ضمير الفصل بين حال وصاحبها ، فكالاستثناء من قوله : باقي الابتداء أو منسوخه ، ومثال ذلك حكاية الأخفش عن بعض العرب أنه يأتي بالفصل بين الحال وصاحبها ، فيقول : ضربت زيدا هو ضاحكا (٥).

وعلى هذه اللغة قرأ بعضهم : (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) (٦) بنصب أطهر.

قال الشيخ : «اختلفوا في دخولها بعد تمام الكلام نحو : هذا زيد هو خيرا ـ

__________________

(١) نص ما قاله سيبويه ، قال : «هذا باب لا تكون هي وأخواتها فيه فصلا ، ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدأ وذلك قولك : ما أظنّ أحدا هو خير منك ، وما أجعل رجلا هو أكرم منك ، وما إخال رجلا هو أكرم منك ؛ لم يجعلوه فصلا ...» إلخ (الكتاب : ٢ / ٣٩٦). وهذا النص يضعف ما جاء عن أهل المدينة من وقوع ضمير الفصل بين نكرتين.

قال الأستاذ عبد السّلام هارون محقق كتاب سيبويه معلقا على ذلك :

قال السيرافي ما ملخصه : «هذا الكلام إذا حمل على ظاهره غلط وسهو ؛ لأنّ أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو منزلتها في النكرة والذي حكي عنهم : (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) [هود : ٧٨] بالنصب ، وهؤلاء بناتي جميعا معرفتان ، وأطهر لكم منزّل منزلة المعرفة في باب الفصل».

(انظر هامش الكتاب : ٢ / ٣٩٦).

(٢) هؤلاء الجماعة هم الفراء وهشام ومن تابعهما من الكوفيين (انظر المغني : ٢ / ٤٩٤) وفيه الآية المذكورة.

(٣) سورة النحل : ٩٢.

(٤) أي خبرا لتكون ، وهي ضمير فصل وهو ضعيف قال أبو البقاء العكبري (أَنْ تَكُونَ) مخافة أن تكون ، و (أُمَّةٌ) اسم كان أو فاعلها إن جعلت كان التامة ، و (هِيَ أَرْبى) جملة في موضع نصب أو في موضع رفع على الصفة ، ولا يجوز أن تكون (هِيَ) فصلا ؛ لأن الاسم الأول نكرة (التبيان في إعراب القرآن : ٢ / ٨٠٦).

(٥) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٥) ، المغني (٢ / ٤٩٤) ، الهمع (١ / ٦٨).

(٦) سورة هود : ٧٨. والقراءة لسعيد بن جبير وعيسى الثقفي وآخرين وهي شاذة (المحتسب لابن جني : ١ / ٣٢٥) كما خرجت قراءة النصب على غير ضمير الفصل ، فقيل : هنّ مبتدأ ، ولكم : خبر ، وأطهر : حال ، وضعفه ابن هشام بأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم (المغني : ٢ / ٤٩٤) والقراءة المشهورة بالرفع على الخبرية.

٥٦٧

______________________________________________________

منك ، فأجاز عيسى (١) ذلك ، وقرأ (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) بالنصب ، وهذا لحن عند الخليل وسيبويه [١ / ١٨٠].

قالوا : ولو جاز هذا لجاز ضربت زيدا هو أفضل منك ، قالوا : وهذا خطأ على كلّ علّة قيلت في المجيء بالفصل ، وزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا» انتهى (٢).

وأما الثالثة : وهي وقوعه بلفظ الغيبة بعد حاضر ، فكالاستثناء من قوله : مطابقا.

ومثاله قول الشاعر :

٢٨٧ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يراني إن أصبت هو المصابا (٣)

قال المصنف : «تقديره عند أكثرهم : يرى مصابي إن أصبت هو المصابا ، فحذف المضاف إلى الياء وأقامه في اللّفظ مقامه ، وطابق الفصل المحذوف لا الثّابت» انتهى (٤).

والظاهر أن معنى البيت أن المتكلم إذا أصيب ، فإن صديقه يرى أنه نفسه هو ـ

__________________

(١) هو أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري ، نزل في ثقيف فنسب إليهم ، وكانت بينه وبين أبي عمرو بن العلاء صحبة ، وقد أخذ القراءة عن عبد الله بن أبي إسحاق ، وعن ابن محيصن ، وسمع الحسن البصري ، وروى القراءات عنه الأصمعي والخليل بن أحمد ، وسهل بن يوسف ، كما أخذ سيبويه عنه النحو.

مصنفاته : ذكر سيبويه أن له مصنفات كثيرة ذهبت كلها ولم يبق منها إلا كتابان أحدهما يسمى الإكمال والآخر يسمى الجامع. توفي سنة ١٤٩ ه‍ بالعراق.

ترجمته في وفيات الأعيان (٣ / ٤٨٦) ، بغية الوعاة (٢ / ٢٣٧).

(٢) كتاب سيبويه (٢ / ٣٩٧) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٩٥).

(٣) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يمدح فيها الحجاج بن يوسف (ديوان جرير : ص ٢٠) وفيها يقول :

إذا سعر الخليفة نار حرب

رأى الحجّاج أثقبها شهابا

اللغة : الأباطح : جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.

ومعارك النحاة في هذا البيت كثيرة ، انظرها في مراجعه المذكورة في معجم الشواهد (ص ٣١) وقد رمى الشارح في هذه المعارك بسهم ، والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٨٧) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٧).

(٤) شرح التسهيل (١ / ١٦٨).

٥٦٨

[مسائل وأحكام أخرى لضمير الفصل]

قال ابن مالك : (ولا يتقدّم مع الخبر المقدّم خلافا للكسائي ، ولا موضع له من الإعراب على الأصحّ ، وإنّما يتعيّن فصليته إذا وليه منصوب وقرن باللّام ، أو ولي ظاهرا ، وهو مبتدأ مخبر عنه بما بعده عند كثير من العرب).

______________________________________________________

المصاب لا أن الصديق يرى مصاب المتكلم هو المصاب (١).

وذكر الشيخ عن العكبري (٢) أنه قال : «هو توكيد للفاعل في يراني ، وفصل به بين المفعولين ، والأول محذوف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، والمضاف مصدر ؛ أي يظنّ مصابي هو المصاب يحقر كلّ مصاب دونه» انتهى (٣).

وما قاله العكبري أقرب مما قاله المصنف.

قال ناظر الجيش : هذه أربع مسائل :

الأولى : أن ضمير الفصل لا يؤتى به مع الخبر المقدم بل يترك ، قال المصنف : «لما كانت فائدة الفصل صون الخبر من توهمه تابعا لزم من ذلك الاستغناء عنه إذا قدّم الخبر ؛ لأنّ تقدمه يمنع من توهمه تابعا ؛ إذ التابع لا يتقدم على المتبوع.

فلو قدم المفعول الثاني في حسبت زيدا هو خيرا منك ـ لترك الفصل لعدم الحاجة إليه مع كونه في محلّه ؛ فلأن يترك ولا يجاء به قبل الخبر المقدم أحقّ وأولى ، فظهر بهذا بطلان ما أجازه الكسائيّ من ذلك» انتهى (٤). ـ

__________________

(١) هذا المعنى يذهب به الشارح إلى إبطال رأي المصنف أو تضعيفه ، وقد دعمه بما نقله عن أبي حيان عن العكبري.

(٢) هو محب الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله النحوي البغدادي الشهير بأبي البقاء العكبري ، أصله من عكبرا وقد ولد في بغداد سنة (٥٣٠ ه‍). تلقى مختلف العلوم على يد الأعلام حتى حاز قصب السبق في كثير منها وخاصة في العربية التي قرأها على ابن الخشاب وغيره ، وكانت لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا في العلم ونشر علمه على كثيرين حيث كان حسن الأخلاق متواضعا.

مصنفاته : كثيرة منها إعراب القرآن ، وإعراب الحديث ، واللباب في علل البناء والإعراب ، وإعراب القراءات الشاذة ، وإيضاح المفصل ، وشرح أبيات الكتاب ، وشرح اللمع ، وشرح ديوان الحماسة ، وشرح ديوان المتنبي ، وأكثرها في أيدي الناس. ومات العكبري سنة (٦١٦ ه‍). انظر ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ٣٩) والأعلام (٤ / ٢٠٨).

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٨).

(٤) شرح التسهيل (١ / ١٦٨). وعلق أبو حيان على كلام ابن مالك فقال : «وما نقله المصنف من ـ

٥٦٩

______________________________________________________

ولو قال المصنف : ولا يؤتى به مع الخبر المقدّم ـ لكان أولى من قوله : ولا يتقدّم. ومن فروع هذه المسألة أنه إذا تقدم مفعولا ظننت عليها جاز أن يأتي الفصل بينهما نحو : زيدا هو القائم ظننت. فإن توسطت ظننت بين المفعولين نحو : زيدا ظننت هو القائم ، قال الشيخ : ففي جواز ذلك نظر (١).

المسألة الثانية : هل لضمير الفصل موضع من الإعراب أو لا؟

وقد اختلف النحويون أولا في صيغ ضمير الفصل ، فالأكثرون (٢) على أنها حروف وأنها تخلصت للحرفية ، كما تخلصت الكاف التي في أكرمك للخطاب مع أسماء الإشارة في نحو ذلك. قال المصنف في شرح الكافية :

«وإذا لم يكن له موضع من الإعراب فالحكم عليه بالحرفية غير مستبعد» انتهى (٣).

وذهب الخليل (٤) ووافقه جماعة إلى أنها باقية على الاسمية.

ورجح ابن عصفور مذهب الأكثرين (٥) واستدل على الخليل بأنها لا موضع لها من الإعراب ، قال : لو كانت أسماء لكان لها موضع من الإعراب.

وقد ردّ على ابن عصفور (٦) [١ / ١٨١] بأنه لا يلزم من كونها لا موضع لها من الإعراب نفي اسميتها ؛ لأن ذلك نفي عارض من العوارض عنها ، ونفي ما يعرض لا ينتفي به الأصل إنما ينتفي الشيء بانتفاء وضعه الذي أتى له. ـ

__________________

ـ الجواز عن الكسائيّ مختلف فيه عن الكسائيّ ، فالّذي حفظ عنه هشام المنع ، والذي حكاه الفراء وغيره عنه الجواز. والمنع قول البصريين وهشام والفرّاء» (التذييل والتكميل : ٢ / ٢٩٨).

(١) هو ما رآه ابن مالك في الأولى حين يتقدم الخبر حيث لا حاجة إلى الفصل ؛ لأن التابع لا يتقدم على المتبوع هنا يقال : لا حاجة إليه ولا يجوز ؛ لأنه لا يفصل بين التابع والمتبوع فالأولى عدمه.

(٢) هم أكثر البصريين (المغني لابن هشام : ٢ / ٤٩٦).

(٣) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (ج ١ ، ص ٢٤٥) (تحقيق د / عبد المنعم هريدي) ، ونص ما ذكره الشارح في (ص ٤٠) من التحقيق وبقية الكلام ... كما فعل بكاف ذلك ونحوه.

(٤) رأي الخليل في المغني (٢ / ٤٩٧) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٩).

(٥) وهو القول بالحرفية ، ونص ما ذكره واستدلاله على الخليل في كتابه شرح الجمل (٢ / ١٦١ ، ١٦٢).

(٦) الراد هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الأنصاري المالقي المعروف بالشلوبين الصغير ، توفي في حدود (٦٦٠ ه‍) (التذييل والتكميل : ٢ / ٢٨٦).

٥٧٠

______________________________________________________

والصحيح : ما ذهب إليه الخليل من أنها أسماء ولا موضع لها من الإعراب ؛ إذ لا يحتاج إلى ذلك في كل موضع ؛ لأن حقيقة الاسمية ثابتة في كل منها ، وهي الدلالة على المسمى مثل سائر الأسماء.

وإذا ثبت أنه من الأسماء فلا بعد في أن يكون ضميرا ؛ إذ دلالته بكناية كسائر الضمائر.

ثم القائلون باسمية ضمير الفصل اختلفوا : هل له موضع من الإعراب أو لا؟

فالبصريون على أنه لا موضع له (١) ، لأن الغرض به الإعلام من أول وهلة ؛ ليكون الخبر خبرا لا صفة فاشتد شبهه بالحرف ، إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره ، فلم يحتج إلى موضع من الإعراب ، ولأنه لو كان له موضع من الإعراب لكان إياي أولى من أنا في نحو : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ)(٢) ، ولكان إياه أولى من هو في نحو : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً)(٣).

والكوفيون يرون أن له موضعا من الإعراب ، فله عند الكسائي ما لما بعده ، وله عند الفراء ما لما قبله : فإذا قلت : زيد هو القائم فهو في موضع رفع على مذهبيهما ، وإذا قلت : ظننت زيدا هو القائم فهو في موضع نصب ، وإذا قلت : كان زيد هو القائم فهو عند الكسائي في موضع نصب ، وعند الفراء في موضع رفع (٤).

وقد تبين أن مختار المصنف أن الفصل لا موضع له من الإعراب ، لكن لم يشعر ـ

__________________

(١) قال أبو البركات الأنباري في مسألة ضمير الفصل (٢ / ٧٠٦): «ذهب الكوفيّون إلى أن ما يفصل به بين النّعت والخبر يسمّى عمادا وله موضع من الإعراب ، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما قبله ، وذهب بعضهم إلى أنّ حكمه حكم ما بعده ، وذهب البصريون إلى أنه يسمى فصلا ؛ لأنّه يفصل بين النّعت والخبر إذا كان الخبر مضارعا لنعت الاسم ليخرج من معنى النّعت ـ كقولك : زيد هو العاقل ولا موضع له من الإعراب.

(٢) سورة الكهف : ٣٩.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

(٤) نص رأي الكسائي والفراء في المغني (٢ / ٤٩٧) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٣٠٠) ، وفي الهمع (١ / ٦٨).

أما من ذهب بأن حكمه حكم ما بعده ، فاحتج بأنه مع ما بعده كالشيء الواحد ؛ فوجب أن يكون حكمه بمثل حكمه.

وأما من ذهب بأن حكمه حكم ما قبله ، فاحتج بأنه لما كان توكيدا لما قبله نزل منزلة النفس إذا كانت

٥٧١

______________________________________________________

كلامه بحرفيته إلا ما نقلته عنه من شرح الكافية من أنه لا يستبعد القول بذلك إن قيل به. وأما كلامه في التسهيل فيشعر باسميته لقوله : من المضمرات المسمّى عند البصريّين فصلا. فظاهر هذه العبارة أن صيغ الفصل عنده من المضمرات.

وإذا كان كذلك تعين القول باسميتها ، ودل كلامه في الشرح على أن القائلين بأن له موضعا يجعلونه توكيدا لما قبله.

ورد عليهم بقول سيبويه (١) : «لو كان كذلك لجاز مررت بعبد الله هو نفسه» ، وبأنه قال (٢) : «إن كان زيد لهو الظّريف ، وإن كنّا لنحن الصّالحين».

قال سيبويه (٣) «فالعرب تنصب هذا والنّحويّون أجمعون ، ولا يكون هو ونحن صفة ومعها اللّام». يعني بالصفة التوكيد.

ثم قال سيبويه (٤) : «فصارت هو وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنّها لا تغيّر ما بعدها عن حالته قبل أن تذكر» انتهى.

وأشعر كلام سيبويه بأن الفصل لا موضع له من الإعراب.

المسألة الثالثة : في تعيين ذلك الضمير للفصلية :

وذكر أنه يتعين فصليته في صورتين :

إحداهما : إذا ولي ذلك الضمير منصوب وقرن الضمير باللام ظاهرا كان ذو الخبر أو ضميرا ، نحو :

__________________

توكيدا وكما أنك إذا قلت جاءني زيد نفسه كان تابعا لزيد في إعرابه ، فكذلك العماد إذا قلت زيد هو العاقل ، يجب أن يكون تابعا في إعرابه.

وأما الذين ذهبوا بأنه لا موضع له من الإعراب وهم البصريون ؛ لأنه إنما دخل لمعنى وهو الفصل بين النعت والخبر كما تدخل الكاف في ذلك وتلك وتثنى وتجمع ولا حظ لها في الإعراب ، وما تكون للتوكيد ولا حظ لها في الإعراب.

وردوا رأي الكسائي القائل بأن محله ما بعده ، قالوا : هذا باطل ؛ لأنه لا تعلق له بما بعده لأنه كناية عما قبله.

وردوا على رأي الفراء القائل : محله ما قبله لأنه توكيد ، قالوا : هذا باطل أيضا ؛ لأن المكني لا يكون تأكيدا للمظهر في شيء من كلامهم. (الإنصاف : ٢ / ٧٠٦).

(١) الكتاب (٢ / ٣٩٠).

(٢) المرجع السابق.

(٣) الكتاب (٢ / ٣٩١).

(٤) المرجع السابق.

٥٧٢

______________________________________________________

إن كان زيد لهو الفاضل ، وإن كنت لأنت الفاضل ، وإن ظننت زيدا لهو الفاضل ، وإن ظننتك لأنت الفاضل.

وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة لامتناع حمله [١ / ١٨٢] على غير الفصلية ، وذلك لأن الابتدائية فيه تمتنع لنصب الواقع بعده ، وكذا البدلية والتأكيد ؛ لأن اللام المذكورة لا يفصل بها بين التابع والمتبوع ، وإذا امتنع كونه مبتدأ وتابعا تعين كونه فصلا.

الصورة الثانية : إذا ولي ذلك الضمير منصوبا أيضا كما في الأولى ولم يقرن هو باللام ، لكن ولي ظاهرا نحو : ظننت زيدا هو القائم ، فقول المصنف : أو ولي معطوف على قوله : وقرن باللّام لا على قوله : وليه منصوب ؛ لأن شرط تعينه للفصلية في الصورتين هو أن يليه منصوب. ثم لا بد مع هذا الشرط من أحد شيئين : وهو أن يقرن الضمير باللام أو يلي هو ظاهرا وإن لم يقرن بها.

وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة أيضا ؛ لامتناع حمله على غير الفصلية.

أما منع الابتدائية فيه فظاهر لنصب ما بعده ، وأما التوكيد فيه فممتنع أيضا ؛ لأن الظاهر لا يؤكد بالضمير ، وأما البدل فذلك لعدم المطابقة في الإعراب.

واعلم أن المصنف يدخل عليه لكونه اقتصر في هذه الصورة الثانية على قوله :

أو ولي ظاهرا نحو : كان زيد هو القائم ؛ لأنه قد ولي الضمير فيه منصوب ، والضمير قد ولي ظاهرا ، ومع هذا لا تتعين الفصلية في هذا المثال ؛ إذ يجوز أن يكون الضمير بدلا من الظاهر الذي هو زيد لاتفاقهما في الإعراب ، فكان الواجب أن يقول : وولي ظاهرا منصوبا ؛ ليندفع عنه هذا الداخل.

أما غير هاتين من الصور التي يؤتى فيها بضمير الفصل ، فلا يتعين ذلك الضمير فيها للفصلية ، بل يجوز كونه فصلا وغير فصل ؛ فنحو زيد هو القائم يجوز في هو أن يكون فصلا وغير فصل وأن يكون بدلا وأن يكون مبتدأ ثانيا.

وإن كان المبتدأ مضمرا نحو : أنت أنت القائم ، جازت الأوجه الثلاثة (١) وزاد رابع وهو أن يكون توكيدا. ـ

__________________

(١) هي الابتداء والفصل والبدل.

٥٧٣

______________________________________________________

ونحو كان زيد هو القائم ، وكنت أنت القائم ، مع رفع القائم في المثالين يتعين أن يكون الضمير مبتدأ ، ونحو كان زيد هو القائم بنصب القائم يجوز الوجهان (١). ووجه ثالث وهو التوكيد.

ونحو إن زيدا هو القائم يجوز فيه الابتداء والفصل (٢) ، ونحو إنّك أنت القائم يجوز فيه الوجهان (٣) ووجه ثالث وهو التوكيد.

ونحو ظننت زيدا هو القائم ، وظننتك أنت القائم بنصب القائم يجوز فيه الفصلية والتأكيد.

المسألة الرابعة : هو أن كثيرا من العرب (٤) يجعلون هذا الضمير مبتدأ ، ويخبرون عنه بما بعده فيقرءون : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ)(٥) ، وتجدوه عند الله هو خير (٦) بالرفع.

قال سيبويه (٧) : «بلغنا أنّ رؤبة كان يقول : أظنّ زيدا هو خير منك ، وحدّثنا عيسى أنّ ناسا [١ / ١٨٣] كثيرا من العرب يقولون : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ ـ

__________________

(١) هما الفصل والبدل : أما الفصل فهو الأصل ، وأما البدل فإنه يجوز إبدال المضمر من الظاهر ، وأما الوجه الثالث الذي ذكره فهو وهم وخطأ ؛ حيث لا يؤكد الظاهر بمضمر ، فالمثال المذكور ليس فيه إلا الوجهان المذكوران فقط. وما وهم فيه ناظر الجيش وهم فيه أبو البقاء العكبري ، فقد أجاز في (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ٣] ، التوكيد ورده ابن هشام (المغني : ٢ / ٤٩٧).

(٢) ووجه ثالث وهو البدل عند من أجاز إبدال المضمر من الظاهر.

(٣) الابتداء والفصل ، ويمتنع البدل لأن الضمير المنفصل ضمير رفع.

(٤) هم التميميون كما في البحر المحيط (٨ / ٢٧).

(٥) سورة الكهف : ٣٩ ، والقراءة المشهورة نصب أقل على أنها المفعول الثاني لترى ، وأنا فصل أو توكيد ، وقراءة الرفع على أن تكون أنا مبتدأ وأقل خبره ، والجملة في موضع المفعول الثاني. (التبيان : ٢ / ٨٤٨).

(٦) سورة المزمل : ٢٠. قال أبو حيان : «قرأ الجمهور (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) بنصبهما ، واحتمل هو أن يكون فصلا وأن يكون توكيدا» ، قال : «وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلا وهو وهم لأنه لو كان بدلا لكان إيا». ثم قال : «وقرأ أبو السمال وابن السميفع هو خير وأعظم برفعهما على الابتداء والخبر ، قال أبو زيد : هي لغة بني تميم يرفعون ما بعد الفاصلة». ثم أنشد الشاهد الآتي (البحر المحيط : ٨ / ٣٦٧).

(٧) الكتاب (٢ / ٣٩٢) وأوله يقول : «وقد جعل ناس كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسم مبتدأ وما بعده مبنيّ عليه ، فكأنّه يقول : أظنّ زيدا أبوه خير منه ؛ فمن ذلك بلغنا أنّ رؤبة ...» إلخ.

٥٧٤

______________________________________________________

الظَّالِمِينَ)(١)» وأنشد :

٢٨٨ ـ تبكي على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر (٢)

قال المصنف في شرح الكافية :

«البصريّون يلتزمون الرّفع في كلّ ما كان فيه الثّاني غير الأوّل ، نحو : كان زيد هو القائمة جاريته ؛ فإن قلت كان زيد هو القائم الجارية أجازوا النّصب» انتهى (٣).

ثم ها هنا أمران :

أحدهما : أن هؤلاء العرب المشار إليهم الملتزمين لابتدائية هذا الضمير والإخبار عنه بما بعده لا يعرفون ضمير الفصل ، أي لا يستعملونه في أساليب كلامهم ، وإذا نطقوا بكلام غيرهم وكان مشتملا على الضمير المذكور ـ رفعوا ما بعده إن لم يكن مرفوعا ، وجعلوه خبرا عنه ؛ حتى إنهم يعدلون في الصورتين اللتين تعينت الفصلية فيهما عن نصب ما هو بعد ذلك الضمير إلى رفعه.

والحاصل : أنهم لا ينطقون بالفصل أصلا. ـ

__________________

(١) سورة الزخرف : ٧٦ ، قال الفراء : «من جعل (هم) عمادا نصب الظّالمين ، ومن جعلها اسما رفع وهي في قراءة عبد الله ولكن كانوا هم الظالمون». (معاني القرآن للفراء : ٣ / ٣٧).

(٢) البيت من بحر الطويل ، وهو لقيس بن ذريح الكناني صاحب لبنى بنت الحباب الكعبية.

وكان قد تزوجها ثم طلقها وندم على ذلك ، ومما قاله في ذلك بيت الشاهد وبعده :

فإن تكن الدّنيا بلبنى تقلّبت

عليّ فللدّنيا بطون وأظهر

لقد كان فيها للأمانة موضع

وللكفّ مرتاد وللعين منظر

اللغة : تبكي : البكاء معروف ؛ وفيه خرم وهو حذف أول الوتد المجموع ، وروي بهمزة الاستفهام فلا خرم ، كما روي مكانه : تحن إلى ليلى. الملا : المتسع من الأرض.

وهو في البيت والقصيدة يندم على ما فعل مع زوجته.

وشاهده قوله : وكنت عليها بالملا أنت أقدر ؛ حيث جاء ما بعد ضمير الفصل مرفوعا وحقه النصب.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٣٥) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٣٠٣) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٦٩).

ترجمة قيس : هو قيس بن ذريح بفتح الذال ، من بني كنانة ، أحد عشاق العرب المشهورين ، وصاحبته لبنى التي ذكرنا طرفا من أخباره معها في بيت الشاهد. وقد أرضعت أمه الحسين بن علي ، فهو أخو الحسين في الرضاعة. عاش زمن معاوية الخليفة ، وقد أهدر معاوية دمه لأنه تعرض في شعره للنبي عليه‌السلام.

(انظر أخباره في الشعر والشعراء : ٢ / ٦٣٢).

(٣) شرح الكافية الشافية لابن مالك (١ / ٢٤٦) تحقيق د / عبد المنعم هريدي.

٥٧٥

______________________________________________________

الثاني : ذكر النحاة عند ذكرهم اشتراط تعريف الخبر تقسيما ينشأ عنه مسائل اختلف الأئمة فيها جوازا ومنعا فقالوا :

لم يشترط البصريون في تعريف الخبر شرطا ؛ فالمضمر والعلم والمبهم والمعرف باللام (١) والمضاف إلى واحد منها في ذلك سواء.

وقال الفراء :

«إن كان معرفة بغير اللّام : لم يجز إلّا الرّفع ، ولا يجوز أن يكون فصلا» (٢).

وأما إن كان معرفة باللام : فإن كان في باب ما فلا يجوز الفراء أن يكون فصلا نحو : ما زيد هو القائم.

وإن كان في باب ليس : فالرفع الوجه عند الفراء ، نحو : ليس زيد هو القائم ، ويجوز النصب. وأما البصريون (٣) فالنصب عندهم هو الوجه وأجازوا الرفع.

وإن كان في غير ليس : فإما أن يكون دخل على الخبر لام الفرق ، أو فاء جواب أما ، أو دخل على صيغة المضمر لا النافية أو إلا ، أو كان في معنى ما دخل عليه إلا.

فإن دخلت لام الفرق ، نحو : إن كان زيد هو للقائم فلا يجوز أن يكون فصلا ، وينصب القائم عند الفراء ، وهو الذي يقتضيه تعليل سيبويه ، لأن الفصل إنما جيء به فرقا بين النعت والخبر ، فيجب ألا يجوز النصب ، لأن اللام لا تدخل في النعت ، وعلى قول أبي العباس يجوز النصب ؛ لأن الفصل عنده إنما يؤتى به ليدل على أن الخبر معرفة أو ما قاربها (٤).

وإن دخلت على الخبر فاء جواب أما نحو قولك : أمّا زيد هو فالقائم ـ فذهب سيبويه والفراء إلى أنه لا يجوز الفصل ؛ لأن دخول الفاء يدل على أنه ليس بنعت. ـ

__________________

(١) يقصد بالمبهم أسماء الإشارة ، ويدخل في المعرف باللام الأسماء الموصولة.

(٢) أخذ رأي الفراء من كتابه معاني القرآن (١ / ٤٠٩) عند تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] يقول : في الحق النصب والرفع إن جعلت هو اسما رفعت الحق بهو ، وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة نصبت الحق ، وكذلك فافعل في أخوات كان وأظن وأخواتها .... ولا بد من الألف واللام إذا وجدت إليهما السبيل ، فإن جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو ومحمد أو المضافة مثل أبيك وأخيك رفعتها فقلت : أظن زيدا هو أخوك ، وإذا أمكنتك الألف واللام ثم لم تأت بهما فارفع فتقول : رأيت زيدا هو قائم ... إلخ بتلخيص.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢٨٩ ، ٢٩٠).

(٤) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٠).

٥٧٦

______________________________________________________

وعلى قول أبي العباس يجب أن يجوز (١).

وإن دخلت لا النافية على صيغة المضمر نحو قولك : كان عبد الله لا هو العالم ولا المقارب ؛ فمذهب البصريين جواز الفصل والنصب ؛ لأن (لا) لا تغير من هذا شيئا ، ويفرق بها بين النعت والمنعوت لا اختلاف في ذلك.

وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز إلا الرفع فيهما جميعا (٢).

وإن دخلت (إلا) [١ / ١٨٤] على صيغة المضمر نحو : ما كان زيد إلّا هو الكريم ؛ فذهب البصريون والفراء إلى أنه لا يجوز الفصل ولا النصب ، وذهب الكسائي إلى جواز ذلك ؛ لأن المعنى : ما كان زيد إلا الكريم.

وإن كان الكلام في معنى ما دخل عليه (إلا) نحو : إنّما كان زيد هو القائم ؛ فهي عند الفراء كالمسألة التي قبلها (٣). والحجة في إجازتها أن النعت هنا يجوز.

* وإن لم يدخل على الخبر ولا على صيغة الضمير شيء مما ذكر فإما أن يكون الخبر جامدا أو مشتقّا :

إن كان جامدا : جاز أن يكون فصلا ، نحو قوله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ)(٤) ، وإن كان مشتقّا : فإما أن يرفع ضمير الأول أو سببيه :

إن رفع ضمير الأول : فإما أن يتقدم عليه ما ظاهره التعلق به من حيث المعنى أو لا يتقدم ، نحو : كان زيد هو بالجارية الكفيل. فإن أردت يكون بالجارية في صلة الكفيل لم تجز المسألة بإجماع رفعت الكفيل أو نصبته. وإن أردت ألا تكون في صلة الكفيل ، فمن النحاة من يجعل ذلك تبيينا ، ومنهم من يقدره هو كفيل بالجارية الكفيل ، ومنهم من يجعل الكفيل بمنزلة الرجل ، والرفع في الكفيل هو البين. فإن ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٠) ، وكتاب سيبويه (٢ / ٣٩٠).

(٢) أي تتعين ابتدائية الضمير عنده ، وأما البصريون فجوزوا الفصل والنصب لأن (لا) لا تصلح فارقة بين النعت والمنعوت (المرجع السابق لأبي حيان).

(٣) أي مسألة ما وإلا لأن إنما تؤدي معناهما ، وعليه فالفراء لا يجوز الفصل ولا النصب فيها ، وأجاز الفصل غيره ، لأن النعت هنا يجوز بخلاف الأولى للفصل بإلا.

(٤) سورة الأنفال : ٣٢. وانظر ما نقلناه عن الفراء في هذه الآية في الصفحة السابقة. والنصب في الآية قراءة العامة ، والرفع قراءة زيد بن علي والمطوعي عن الأعمش.

٥٧٧

______________________________________________________

نصبت الكفيل لم تجز المسألة عند الفراء بوجه ، وعلى أصول البصريين إذا جعلت الجارية تبيينا جاز النصب في هذا الوجه خاصة. وإن لم يتقدم جاز الفصل نحو : كان زيد هو الكفيل بالجارية ، وظننت زيدا هو القائم ، وكان زيد هو الحسن الوجه (١).

وإن كان رافعا السببي والضمير مطابق للاسم نحو : ظننت زيدا هو القائم أبوه ، وهو القائمة جاريته ، فلا يجوز فيه عند البصريين الفصل ؛ بل يجب الرفع ، وأجاز الكسائي الفصل والنصب. وفصل الفراء بين أن يكون خلفا (٢) فيوافق الكسائي ، وغير خلف فيوافق البصريين.

وإن كان مخالفا نحو : كان زيد هي القائمة جاريته ؛ فأجاز الكسائي النصب ومنع الفراء والبصريون هذه المسألة ، فلا يجوز لا برفع ولا بنصب لتقدم المكني على الظاهر (٣).

وإذا عطفت بالواو : فإن لم يذكر الضمير بعدها نحو : كان زيد هو المقبل والمدبر جاز الوجهان : الرفع والنصب ـ وإن ذكر بعدها واختلف الخبران نحو : كان زيد هو القائم وهو الأمير ، فلا يجوز في الأمير عند البصريين والفراء إلا الرفع ، وأجاز هشام فيه النصب (٤).

وإن اتفقا نحو : كان زيد هو المقبل وهو المدبر ، فالرفع في المقبل والمدبر عند البصريين فقط ، وأجاز النصب الفراء وهشام (٥).

وإذا عطفت بلا وذكرت الضمير بعدها نحو : كان زيد هو القائم لا هو القاعد رفعت على قول البصريين ، ونصبت على قول هشام ـ وإن لم يذكر نحو : كان زيد هو القائم لا القاعد جاز رفعهما ونصبهما بلا خلاف.

وإذا عطفت ب (ولكن) نحو : ما كان زيد هو القائم ولكن هو القاعد رفعت القاعد في قول البصريين وأجاز هشام النصب (٦) [١ / ١٨٥].

واعلم أن فائدة الفصل عند الجمهور هو إعلام السامع أن ما بعده لا يكون نعتا مع ـ

__________________

(١) انظر في هذا البيان وفي تلك التوجيهات والتخريجات (التذييل والتكميل : ٢ / ٢٩٢) مع توضيح وبعض تغيير من الشارح.

(٢) أي الوصف خلفا عن موصوف ، فيكون معناه : ظننت زيدا هو الرّجل القائم أبوه.

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٢) ، والهمع (١ / ٧٠).

(٤) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٢ ، ٢٩٣) ، والهمع (١ / ٧٠).

(٥) المرجعان السابقان.

(٦) المرجعان السابقان ، والعجيب أن هذا التفصيل نقله الشارح من التذييل والتكميل ، ولم يشر إليه على غير عادته.

٥٧٨

______________________________________________________

التوكيد (١).

وقال السهيلي (٢) : «فائدته الاختصاص ، فإذا قلت : كان زيد القائم ، كان إخبارا عن زيد بالقيام ، واحتمل أن يكون غيره قد شاركه فيه ، وإذا قلت : كان زيد هو القائم أفاد اختصاصه بالقيام دون غيره ، وعلى هذا معنى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٣) أنه المختص بالبتر دونك يا محمد ، والآية نزلت في العاص بن وائل (٤).

وجعل من الاختصاص قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى)(٥) ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا)(٦) ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى)(٧) ، (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى)(٨).

لما كان ثم من يدعي أنه يضحك ويبكي ، ويميت ويحيي ويفني ويغني ، وأن الشعرى رب ـ أخبر تعالى عن نفسه بأنه هو المختص بذلك ، وقال تعالى : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ)(٩) لما لم يدّع أحد الخلق لم يحتج إلى التخصيص» انتهى.

ولا يخفى (١٠) أن الخبر الواقع بعد ضمير الفصل لا يكون فعلا ؛ فإدراجه ذلك في التمثيل ليس بجيد.

إلا أن الشيخ حكى أن الجرجاني حكى أن بعضهم أجاز أن يكون ما بعد صيغة الضمير الذي هو فصل فعلا مضارعا نحو : كان زيد هو يقوم (١١) وكذا في كلام ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٢ / ٣٠٣) ، والمغني (٢ / ٤٩٦) وقد سمى ابن هشام الفائدة الأولى وهي الاختصاص : لفظية ، وسمى الثانية وهي التوكيد : معنوية.

(٢) انظر في رأي السهيلي : المغني (٢ / ٤٩٤) ، والهمع (١ / ٦٩) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٣٠٣).

(٣) سورة الكوثر : ٣.

(٤) قال ابن كثير (توفي : ٧٧٤ ه‍) في تفسيره المسمى بتفسير القرآن العظيم (٤ / ٥٥٩) قال ابن عباس وجماعة : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ؛ فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة.

(٥) سورة النجم : ٤٣.

(٦) سورة النجم : ٤٤.

(٧) سورة النجم : ٤٨.

(٨) سورة النجم : ٤٩.

(٩) سورة النجم : ٤٥.

(١٠) فيه تضعيف لما ذهب إليه السهيلي في الآيات السابقة من أن هذا الضمير للفصل وأنه أفاد الاختصاص.

(١١) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٤). قال ابن هشام (المغني : ٢ / ٤٩٤) : وتبع الجرجاني أبو البقاء فأجاز الفصل في : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر : ١٠] وانظر التبيان لأبي البقاء (٢ / ١٠٧٣) ، والمقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر.

٥٧٩

______________________________________________________

أصحاب علم البيان ما يشعر بجواز ذلك. لكن قد تقدم النقل عن سيبويه بأن هو لا يكون فصلا حتى يكون ما بعده معرفة أو ما أشبه المعرفة ، وبأنه قال : فلو قلت : كان زيد هو منطلقا كان قبيحا (١).

وأما (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٢) ، (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى)(٣) ، فمحتمل ما قاله (٤) ووافق السهيلي في هذه الدعوى أصحاب علم البيان ، فقالوا : إنّ ضمير الفصل يفيد الاختصاص (٥).

ولنختم الكلام على الفصل بمسألة ذكرها الشيخ في ارتشاف الضرب (٦) له وهي :

«ما إذا اجتمع ضميران مع الفصل ولم يفصل بينهما ، نحو : زيد ظننته هو إيّاه القائم ؛ فمذهب سيبويه لا يجوز ذلك ، وإن فصلت وأخّرت البدل جاز نحو : ظننته هو القائم إياه سواء كان الفصل بالمفعول الثاني كما مثّلنا أم بظرف معمول الخبر نحو : ظننته هو يوم الجمعة إيّاه القائم إذا جوّزنا معمول ذي أل أن يتقدم عليها ، فإن كان أحدهما إضمارا والآخر ظاهرا جاز اتفاقا ، نحو : ظننته هو نفسه القائم» (٧).

__________________

(١) سبق ذكر النصوص كاملة ومواضعها من كتاب سيبويه.

(٢) سورة الكوثر : ٣.

(٣) سورة النجم : ٤٩.

(٤) وهو أن هذه الضمائر للفصل ، وأنها أفادت الاختصاص والتوكيد أيضا وهما متقاربان.

(٥) قال الإمام السكاكي (في كتابه مفتاح العلوم : ص ٨٣) في معرض الحديث عن المسند إليه.

«وأما الحالة الّتي تقتضي الفصل فهي إذا كان المراد تخصيصه كقولك : زيد هو المنطلق ، زيد هو أفضل من عمرو أو خير منه ، زيد هو يذهب».

وقال الخطيب القزويني صاحب الإيضاح (بغية الإيضاح : ١ / ١٠٥) :

«أمّا توسّط الفصل بين المسند إليه والمسند فلتخصيصه به ، كقولك : زيد هو المنطلق ، أو هو أفضل من عمرو ، أو خير منه ، أو هو يذهب».

(٦) ارتشاف الضرب من لسان العرب ، سفر كبير لأبي حيان لخص فيه ما فصله في سفره الآخر في النحو وهو التذييل والتكميل ، وقد طبع الكتاب مرتين الأولى سنة (١٩٨٤ م) بتحقيق الدكتور / مصطفى النماس (جامعة الأزهر) وقد انتفع الناس بها حيث حقق الكتاب لأول مرة ، والثانية سنة (١٩٩٨ م) بتحقيق الدكتور / رجب عثمان (جامعة القاهرة) وقد انتفع الناس بتعليقاتها الكثيرة ، وكل له فائدة.

(٧) انظر النص المذكور في الجزء الأول (ص ٤٩٥) (تحقيق الدكتور النماس) والجزء الثاني (ص ٩٥٩) (تحقيق الدكتور / رجب عثمان).

٥٨٠