شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

أحد الباحثين ، وانتهى إلى أن ابن مالك لا يستحق كل هذه الاختلافات الكبيرة. والذي يعنينا من هذا الميلاد ، أنه ولد في نهاية القرن السادس الهجري ومفتتح القرن السابع ليكون نجمه الساطع وبريقه اللامع (١).

وبناء على ما ذكر يمكن أن نطمئن إلى أن الأقرب إلى الصواب أن ابن مالك ولد في سنة (٦٠٠ ه‍). وهذا ما عليه أكثر الروايات ، أو سنة (٦٠١ ه‍) كما ذكر الشيخ يس في حاشيته على شرح التصريح (٢) ، والسبكي في طبقات الشافعية (٣) ، والمقري في نفح الطيب (٤).

هذا وقد اتفق المؤرخون على أن ابن مالك ولد بمدينة : جيّان (٥) ، ونسب إليها في جميع المراجع التي ترجمت له.

ثناء الناس على ابن مالك :

لقد ذكر أحد الباحثين أنه لا ينكر أحد قدر ابن مالك ولا سمو منزلته ؛ فقد كان رحمه‌الله أسطع نجم لمع في سماء العلم في القرن السابع الهجري ، وكان إماما له منزلة كبرى يقدرها علماء عصره كل التقدير رغم حساده وعوازله (٦).

وقال عنه السيوطي : «هذا مع ما هو عليه من الدين المتين ، وصدق اللهجة ، وكثرة النوافل ، وحسن السمت ، ورقة القلب ، وكمال العقل ، والوقار والتؤدة» (٧).

وقال عنه صلاح الدين الصفدي : «وكان كثير العبادة ، كثير النوافل ، حسن السمت ، كامل العقل ، وانفرد عن المغاربة بشيئين : الكرم ومذهب الإمام الشافعي» (٨).

__________________

(١) انظر : مقدمة شرح الكافية الشافية تحقيق الدكتور / أحمد عبد المنعم الرصد (ص ١٦).

(٢) انظر : شرح التصريح (١ / ١٤).

(٣) انظر : طبقات الشافعية للسبكي (٥ / ٢٨).

(٤) انظر : نفح الطيب (٢ / ٢٢٢).

(٥) جيان : بفتح الجيم وتشديد الياء من مدن الأندلس الوسطى ، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا. انظر : معجم البلدان (٣ / ١٨٥).

(٦) انظر : المدرسة النحوية في مصر والشام للدكتور / عبد العال سالم مكرم (ص ١٦٤).

(٧) انظر : بغية الوعاة (١ / ١٣٠).

(٨) انظر : الوافي بالوفيات (٣ / ٣٦٠).

٢١

وكان الشيخ ركن الدين بن القويع يقول : «إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة» (١).

ورثاه الشيخ بهاء الدين بن النحاس بقوله :

قل لابن مالك إن جرت بك أدمعي

حمراء يحكيها النجيع القاني

فلقد جرحت القلب حين نعيت لي

فتدفقّت بدمائه أجفاني

لكن يهوّن ما أجنّ من الأسى

علمي بنقلته إلى رضوان (٢)

وخلاصة القول في هذا الرجل العظيم : أنه كان أول مؤسس لمدرسة النحو في مصر والشام منذ أن أصبح هذان الإقليمان قبلة العلماء ومهد الحضارة الإسلامية بعد سقوط بغداد (٣).

مؤلفات ابن مالك (النحوية فقط):

لقد تعددت مؤلفات هذا العالم الجليل الذي يعد بحق أعظم نحاة القرن السابع شهرة ؛ فقد رزقه الله قدرة فائقة على القراءة والبحث والاطلاع ، فصنف مصنفات كثيرة العدد ، مختلفة الفنون ، ولسنا بصدد الاتساع في هذه الدراسة ولكننا ـ كما سبق أن ذكرنا ـ أردنا ألا نخلي كتابنا من حديث عن صاحب التسهيل.

أما عن هذه المؤلفات :

فأولها : كتاب «التسهيل» وهو الكتاب الوحيد من مؤلفات ابن مالك الذي يعنينا ذكره ؛ لأنه محل الدراسة والتحقيق ، فالموضوع يعالج شرحا من شروحه المتعددة ، وقد أفردنا فصلا خاصّا من هذه الدراسة للحديث عن «التسهيل» وقيمته العلمية بين كتب النحو وشروحه المختلفة وقد نشر بتحقيق محمد كامل بركات سنة (١٩٦٧ م).

ثانيها : كتاب شرح التسهيل الذي حققه د / عبد الرحمن السيد ود / محمد

__________________

(١) انظر : الوافي بالوفيات (٣ / ٣٦٣).

(٢) انظر : بغية الوعاة (١ / ١٣٧).

(٣) المدرسة النحوية في مصر والشام (ص ١٤٥).

٢٢

بدوي المختون وطبع في أربعة أجزاء كبيرة كان الرابع منها (باب إعراب الفعل وعوامله) بشرح ابنه بدر الدين (٦٨٦ ه‍).

ثالثها : شرح الكافية الشافية وهو سفر كبير في خمسة أجزاء طبع بتحقيق : د / عبد المنعم هريدي.

رابعها : شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ. وهو سفر كبير هو الآخر طبع في جزأين كبيرين بتحقيق : عبد الرحمن الدوري.

خامسها : شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (في إعراب مشكلات الحديث) وهو مطبوع مشهور.

سادسها : الخلاصة المشهورة بالألفية والتي طبقت شهرتها الآفاق بشروحها الكثيرة.

وغير ذلك من الكتب والمنظومات في النحو.

وفاته :

اتفق المؤرخون على أن ابن مالك توفي في شعبان سنة (٦٧٢ ه‍) في مدينة دمشق وصلّي عليه بالجامع الأموي ودفن بسفح قاسيون.

٢٣

الفصل الثاني

حديث عن ناظر الجيش

صاحب «شرح التسهيل»

* اسمه ونسبه :

قال عنه ابن حجر : «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي الأصل المصري محب الدين» (١).

وقال ابن تغري بردي : «القاضي محب الدين ، أبو عبد الله محمد بن القاضي نجم الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التميمي المصري ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية» (٢).

وقال السيوطي : «ناظر الجيش محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي» (٣).

وفي كشف الظنون : «محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبيد الدائم ؛ المعروف بناظر الجيش الحلبي» (٤).

من هنا يمكن أن نقول : إن هناك اتفاقا بين الذين ترجموا لناظر الجيش في سلسلة نسبه على هذا النحو : «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي» (٥).

لقبه وكنيته :

اتفقت جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش على أن لقبه : «محب الدين» ، أما عن كنيته فلم يشر إلى ذلك إلا مصدران :

النجوم الزاهرة ، قال : «القاضي محب الدين أبو عبد الله» (٦).

__________________

(١) انظر : الدرر الكامنة (٥ / ٦١).

(٢) انظر : النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣).

(٣) انظر : حسن المحاضرة (١ / ٥٣٧).

(٤) انظر : كشف الظنون (١ / ٤٧٧).

(٥) وانظر في ترجمته : معجم المؤلفين (١٢ / ١٢١) ، وبغية الوعاة (١ / ٢٧٥ ، ٢٧٦) وشذرات الذهب (٦ / ٢٥٩) وهدية العارفين (٢ / ١٦٩).

(٦) انظر : النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣).

٢٤

ومعجم المؤلفين ، قال : «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التميمي المصري الحلبي ؛ المعروف بناظر الجيش محب الدين أبو عبد الله» (١).

ناظر الجيش : أما عن هذا اللقب ، فقد عرف به بعد أن تولى نظارة الجيش ، أي أنه اكتسبه في أخريات حياته.

ولكن ما طبيعة هذا العمل؟ وما هي وظيفة ناظر الجيش؟.

وملخص ذلك : أن عمل ناظر الجيش : «النظر في أمر الإقطاعات بمصر والشام ، والكتابة بالكشف عنها ، ومشاورة السلطان في أمرها ، ويتصل بالنظر في شؤون المماليك السلطانية وله أتباع» (٢).

مولده وموطن ولادته :

ولد ناظر الجيش سنة (٦٩٧ ه‍) بالقاهرة ، ولم يختلف في ذلك أحد ممن ترجموا له. ويبدو أن ناظر الجيش بعد أن ولد بالقاهرة انتقل إلى حلب مع أسرته واشتغل بها مدة من الزمان ، ثم عاد إلى القاهرة محل ميلاده ، وقد يفهم هذا من كلام السيوطي في : حسن المحاضرة حيث يقول : «واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة» (٣).

وهذا ما تطمئن إليه النفس.

شيوخه :

لقد تتلمذ ناظر الجيش على علماء أجلاء كثيرين في شتى الفنون .. فقد أتاحت له قدرته على الاستيعاب مع ذكائه النادر ، وصلاحه وفضله ـ أن يلازم كثيرا من العلماء والاستفادة من علومهم ، ولقد ذكرت لنا المصادر التي ترجمت لناظر الجيش أنه تتلمذ على كثير من العلماء :

قال ابن حجر (٤) : «وسمع من الرشيد بن المعلم ، والشريف موسى بن علي الموسوي ، والشريف الزينبي ، وابن هارون ، وست الوزراء ، وابن الشحنة ،

__________________

(١) انظر : معجم المؤلفين (١٢ / ١٢١).

(٢) انظر : عصر سلاطين المماليك (١ / ٨٨).

(٣) انظر : حسن المحاضرة للسيوطي (١ / ٥٣٧).

(٤) انظر : الدرر الكامنة (٥ / ٦١).

٢٥

وحسن الكردي ، وموسى بن عطوف وآخرين».

ثم قال (١) : «وقرأ بالسبع على التقي الصائغ ، وتخرج بالبرهان الرشيدي ، وأخذ العربية عن أبي حيان والتلخيص عن الجلال مصنفه ، وأخذ عن التقي السبكي ، والقطب السنباطي ، والتاج التبريزي».

وقال السيوطي (٢) : «ولازم أبا حيان والجلال القزويني ، والتاج التبريزي ، وتلا على التقي الصائغ». وقال ابن العماد (٣) : «ولازم أبا حيان ، والتاج التبريزي ، وغيرهما» ثم قال (٤) : «وتلا بالسبع على الصائغ» وقال (٥) : «وسمع من الشريف موسى وست الوزراء وغيرهما» ، وهذه ترجمة موجزة لبعض شيوخه

١ ـ أبو حيان :

هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين ، الغرناطي المغربي المالكي ثم الشافعي. ولد بغرناطة في مدينة من مدنها تسمى : مطخشارش (٦) في شوال سنة ٦٥٤ ه‍.

ولقد تعددت مؤلفات الشيخ أبي حيان وتنوعت ، وحسبنا من هذه المؤلفات كتابه في التفسير المسمى ب «البحر المحيط» وكتاباه في النحو : التذييل والتكميل في شرح التسهيل ، وارتشاف الضرب من كلام العرب ـ مشهوران معروفان وله كتب أخر غير ذلك : كالتذكرة ، والنكت الحسان ، وتلخيص المقرب والممتع لابن عصفور.

توفي الشيخ أبو حيان في الثامن عشر من شهر صفر سنة ٧٤٥ ه‍ (٧).

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) انظر : حسن المحاضرة (١ / ٥٣٧).

(٣) انظر : شذرات الذهب (٦ / ٢٥٩).

(٤) المرجع السابق.

(٥) المرجع السابق.

(٦) مطخشارش : مدينة من حاضرة غرناطة. انظر بغية الوعاة (١ / ٢٨٠).

(٧) انظر في ترجمة أبي حيان : الوفيات لتقي الدين السلامي (١ / ٤٨٢ ـ ٤٨٤) ، وفوات الوفيات (٢ / ٥٥٥ ـ ٥٦٢) ، والنجوم الزاهرة (٩ / ١١١ ـ ١١٤) ، وبدائع الزهور (١ / ٥٠١) وريحانة الأدب (٧ / ٨١ ، ٨٢) والبدر الطالع (٢ / ٢٨٨) وطبقات المفسرين (٢ / ٢٨٦ ـ ٢٩١) ، وذيل تذكرة الحفاظ (ص ٢٣) ، ونفح الطيب (٢ / ٥٣٥) ، وبغية الوعاة (١ / ٢٨٠ ـ ٢٨٥).

٢٦

٢ ـ تاج الدين التبريزي :

علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي الشيخ تاج الدين ـ كان عديم النظير في عصره ، أحد الأئمة الجامعين لأنواع العلوم ، عالما كبيرا مشهورا في : الفقه والمعقول والعربية والحساب ، وغير ذلك.

وكان من خيار العلماء دينا ومروءة فانتفع به الناس ، وحدث وصنف في أنواع العلوم. ولقد صم التبريزي في آخر حياته وتوفي في (١٧ من رمضان سنة ٧٤٦ ه‍) (١).

٣ ـ التقي السبكي :

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد ابن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي تقي الدين أبو الحسن ، الفقيه الشافعي المفسر الحافظ الأصولي النحوي اللغوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي ، النظار البارع شيخ الإسلام. ولد مستهل (صفر سنة ٦٨٣ ه‍) ، وصنف نحو : مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصرا. توفي التقي السبكي سنة (٧٥٥ ه‍) (٢).

٤ ـ التقي الصائغ :

محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي ، الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي .. ولد قبل سنة (٧١٠ ه‍) ، واشتغل بالعلم وبرع في اللغة والنحو والفقه.

وله من التصانيف : شرح المشارق في الحديث ، شرح ألفية ابن مالك في غاية الحسن ، والجمال والاختصار ، التذكرة عدة مجلدات في النحو ، المنهج القويم في القرآن الكريم ، وغير ذلك.

توفي التقي الصائغ سنة (٧٧٦ ه‍) وخلف ثروة واسعة (٣).

__________________

(١) انظر : بغية الوعاة (٢ / ١٧١).

(٢) البغية (٢ / ١٧٦ ـ ١٧٨).

(٣) انظر : بغية الوعاة (١ / ١٥٥ ، ١٥٦).

٢٧

٥ ـ الجلال القزويني :

محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي أبو المعالي ، قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي العلامة.

ولد سنة (٦٦٦ ه‍) .. واشتغل وتفقه حتى ولي قضاء ناحية بالروم ، وله دون العشرين ، ثم قدم دمشق واشتغل بالفنون ، وأتقن الأصول والعربية ، والمعاني والبيان.

له من التصانيف : تلخيص المفتاح في المعاني والبيان ، وله أيضا التلخيص ، والسور المرجاني في شعر الأرجاني.

توفي جلال الدين القزويني في منتصف جمادى الأولى سنة (٧٣٩ ه‍) (١).

تلاميذه :

لم تحدثنا كتب التراجم عن أحد من تلاميذ ناظر الجيش .. ويبدو من عدم وجود تلاميذ له ، أنه كان مشغولا بمناصب الدولة فلم يتفرغ للتدريس طويلا ؛ اللهم إلا ما ذكره السيوطي من أنه درس التفسير بالمنصورية (٢).

ولكن إذا فتشنا في بطون الكتب نجد أن هناك كثيرين ممن نقلوا عنه وتتلمذوا على مؤلفاته من أمثال : الشيخ خالد (٣) والسيوطي (٤) والصبان (٥) والشنقيطي (٦) والبغدادي (٧) وغير ذلك وهم كثير.

ثقافته :

إن رجلا تتلمذ على علماء أفذاذ لهم من الشهرة ما لهم ؛ من أمثال : أبي حيان والتقي السبكي والجلال القزويني والتقي الصائغ والتاج التبريزي وغيرهم ممن

__________________

(١) بغية الوعاة (١ / ١٥٦ ، ١٥٧).

(٢) انظر : حسن المحاضرة (١ / ٥٣٧) وبغية الوعاة (١ / ٢٧٥).

(٣) نقل عنه في شرح التصريح (٢ / ٢٦٦).

(٤) نقل عنه في الأشباه والنظائر (٢ / ١٦١).

(٥) نقل عنه في حاشيته على الأشموني (٤ / ٥٥).

(٦) نقل عنه في الدرر اللوامع (٢ / ٥٤).

(٧) نقل عنه في خزانة الأدب (٤ / ٢١٢ ، ٥٣٦ ، ٥٣٧).

٢٨

أسلفنا ذكرهم .. لا بد أن يكون تلميذا ذا ثقافة عالية نظرا لمجالسته لهؤلاء العلماء وملازمته لهم ينهل من علومهم ويرشف من فنونهم ويتغذى من ثقافاتهم الواسعة .. فاستفاد منهم الكثير الذي أودعه مؤلفاته النحوية والبلاغية وغيرها.

هذا ، وقد أشار السيوطي إلى أنه حدث ، وأفاد ، وكانت له يد طولى في الحساب (١).

وهذا يدل على تنوع ثقافة الرجل ، وأنه لم يترك شيئا من العلوم إلا أقبل عليه وحصل منه.

مؤلفاته :

لقد اتفقت جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش على أنه لم يؤلف سوى كتابين : أحدهما في النحو والآخر في البلاغة.

أما الأول فهو : شرح التسهيل الذي نحن بصدد تحقيقه. وقد أشارت بعض المصادر إلى أنه لم يتمه (٢).

وأما الثاني : فهو : شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان (٣).

هذان هما الكتابان اللذان أشارت إليهما جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش وأنهما من تأليفه.

وفي أثناء اطلاعنا على كتاب : عصر سلاطين المماليك ـ وجدنا أن المؤلف يشير إلى أن محب الدين محمد بن يوسف المعروف بناظر الجيش له «شرح على الألفية» (٤).

ويبدو أن قلة مؤلفات ناظر الجيش ترجع إلى اشتغاله بالمناصب التي تولاها.

ويوضح ذلك ما ذكره في مقدمة هذا الشرح ؛ حيث ذكر أنه توقف عن إتمامه قال (٥) : «وقد كنت شرعت في ذلك والزمان غض ، والشباب غير مبيض ،

__________________

(١) انظر : بغية الوعاة (١ / ٢٧٥) وشذرات الذهب (٦ / ٢٥٩).

(٢) انظر : بغية الوعاة (١ / ٢٧٦) وشذرات الذهب (٦ / ٢٥٩) وكشف الظنون (١ / ٤٠٧).

(٣) انظر : كشف الظنون (١ / ٤٧٧) وحسن المحاضرة (١ / ٥٣٧) والنجوم الزاهرة (١١ / ١٤٤) وبغية الوعاة (١ / ٢٧٦).

(٤) انظر : عصر سلاطين المماليك (٢ / ١٥٤).

(٥) انظر : مقدمة كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش (الجزء الأول من الكتاب الذي معك).

٢٩

فلما عاقت عنه العوائق ، وتقاصر العزم لما نبا الطلبة عن تلك الطرائق ، وشغلتني الخدم (١) ، وتحققت ما رأيته من قصور الهمم ـ أحجمت عن إتمامه من غير فترة ، وتركت العمل فيه ؛ وإن كانت الرغبة في ذلك مستمرة».

صفاته وأخلاقه :

لقد تحلى ناظر الجيش بصفات غاية في الحسن والروعة ..

فها هو ذا ابن حجر يقول عنه : «وترقى إلى أن ولي نظر الجيش بالديار المصرية ، ففاق من قبله من الأكابر ؛ فضلا عن أقرانه في المروءة والعصبية لجميع الناس ممن يقصده ؛ خصوصا طلبة العلم ، فكان لهم في أيامه من المكارم والأفضال ما لا يعبر عنه ولا يحصى كثرة ؛ حتى إني لم أدرك أحدا من المشايخ إلا ويحكي عنه في هذا الباب ما لا يحكيه الآخر ، ولم يزل في عزه وجاهه ومهابته إلى أن مات» (٢).

وقال عنه ابن تغري بردي : «وكان القاضي محب الدين رجلا صالحا فاضلا ، وله سماع عال» (٣).

وقال عنه ابن العماد في شذرات الذهب : «وكان كثير الظرف والنوادر ، وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف ، وكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة» (٤).

المناصب التي تولاها :

لقد ذكرت المصادر أن ناظر الجيش ترقى إلى أن ولي نظر الجيش بالديار المصرية (٥) ، وهذا يدل على أنه تولى وظائف كثيرة كان آخرها نظر الجيش ، ويشهد لذلك ما ذكره ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة حيث قال :

«وكان في ابتداء أمره تولى ديوان «چنكلي» بن البابا ، ثم خدم عند الأمير

__________________

(١) يبدو أنها جمع : خدمة كنعمة ونعم ونقمة ونقم ، ولكنه غير مستعمل ، ومما يؤكد هذا المعنى أن ابن تغري بردي حين ذكره قال عنه : «وكان في ابتداء أمره تولّى ديوان جنكلي بن البابا ، ثم خدم عند الأمير منكلي الفخري». انظر النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣).

(٢) انظر : الدرر الكامنة (٥ / ٦١).

(٣) انظر : النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٤).

(٤) انظر : شذرات الذهب (٦ / ٢٥٩).

(٥) انظر : الدرر الكامنة (٥ / ٦١).

٣٠

«منكلي» الفخري فكتب إليه الشيخ صلاح الدين الصفدي يقول :

من چنكلي صرت إلى منكلي

فكل خير أرتجي منك لي

وأنت لي كهف وما مقصدي

من هذه الدنيا سوى أنت لي (١)

وقد سبق أن ذكرنا أن عمل «ناظر الجيش» هو : «النظر في أمر الإقطاعات بمصر والشام بالكشف عنها ، ومشاورة السلطان في أمرها ، ويتصل بالنظر في شؤون المماليك السلطانية ؛ وله أتباع».

وبالبحث عرفنا أن مثل هذه الوظائف لا تكون إلا للأمراء ، وهم من معتوقي المماليك الذين سمت بهم همتهم وحظهم إلى مرتبة الإمارة ، فيعطى لكل واحد من هؤلاء إقطاع يمنحه فيستغله وفق هواه ، أو يتناول منه مالا معينا : ويتغير إقطاعه ويعطى أوسع منه كلما ترقى ، ويرد الإقطاع إلى السلطان ليمنحه لأمير آخر إذا توفي صاحبه أو عطل (٢).

ومن الوظائف التي يتولاها هؤلاء الأمراء وظيفة «ناظر الجيش».

ولنتساءل هل كان محب الدين محمد بن يوسف واحدا من هؤلاء الأمراء الذين هم من معتوقي المماليك حتى يتولى هذا المنصب؟ أو أنه تولاه نظرا لتفوقه العلمي؟.

أغلب الظن أن ناظر الجيش كان أميرا من أمراء المماليك ؛ لأن هذه الوظيفة كانت مقصورة عليهم (٣) ، أما طبقة المثقفين ـ وكان يطلق عليهم في عهد المماليك اسم : المتعممين ، وهم من أبناء الشعب المتخرجين في المساجد النابغين في علم أو أدب ـ فهؤلاء كان يختار منهم : قضاة القضاة ونوابهم ومساعدوهم ، وكتاب الدواوين ومعاونوهم ، وكتاب السر ، وشيوخ المدارس والخوانق ، إلى غير ذلك ؛ أي تركت لهم مناصب القضاء والكتابة والتعليم وما يتصل بها ، ولهؤلاء أجور ورواتب وضروب من المعونة يمنحونها من أوقاف أو نحوها لقاء

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣).

(٢) انظر : عصر سلاطين المماليك (١ / ٨٤).

(٣) انظر : المدرسة النحوية في مصر والشام (ص ٣٩).

٣١

أعمالهم (١).

يضاف إلى ذلك ؛ ما ذكره ابن تغري بردي (٢) نقلا عن الشيخ صلاح الدين الصفدي من أنه خدم عند الأمير منكلي الفخري وهذا خاص بالمماليك ..

وعلى أية حال ، فإن محب الدين محمد بن يوسف تولى نظر الجيش ، سواء أكان من معتوقي المماليك ، أم كان واحدا من مثقفي الشعب.

وفاته :

اتفقت جميع المصادر على أن وفاة «ناظر الجيش» كانت في ثاني عشر من ذي الحجة سنة (٧٧٨ ه‍) عن إحدى وثمانين سنة ، وكان ذلك في يوم الثلاثاء ، في السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين ، على مصر وهي السنة التي قتل فيها في ذي القعدة (٣).

__________________

(١) انظر : عصر سلاطين المماليك (١ / ٨٤).

(٢) انظر : النجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣).

(٣) انظر : الدرر الكامنة (٥ / ٦٢) والنجوم الزاهرة (١١ / ١٤٣) وحسن المحاضرة (١ / ٥٣٧).

٣٢

الفصل الثالث

كتاب التسهيل لابن مالك وقيمته العلمية

* قيمة التسهيل العلمية :

أشاد بقدر كتاب التسهيل كثير من العلماء ، الحساد قبل الأصدقاء لما له من قيمة عظيمة بين المؤلفات النحوية.

وتأتي هذه القيمة لذلك الكتاب من عدة نواح أهمها :

١ ـ ترتيب ابن مالك للنحو ؛ هذا الترتيب الذي لا نجده عند غيره.

٢ ـ ذكره للخلافات والمذاهب النحوية والآراء المختلفة الكثيرة.

٣ ـ تفضيله بعض الآراء على بعض ورفضها أو قبولها (١).

٤ ـ جمعه لأبواب النحو والصرف المختلفة.

لهذا وجدنا أصحاب هذا الفن يكتفون به عن المطولات التي يصعب فيها جمع القواعد وحصرها. ومن العلماء الذين أشادوا بهذا الكتاب : أبو حيان ، فقد قال في تفسيره البحر المحيط : «أحسن كتاب موضوع في علم النحو وأجله ، كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه رحمه‌الله تعالى ، وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام ، كتاب : تسهيل الفوائد لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي المقيم في دمشق» (٢).

وقال ناظر الجيش : «وكان ـ أي أبو حيان ـ يقول : من عرف هذا الكتاب حق المعرفة لا يكون تحت السماء أحد أعلم منه بهذا الفن» (٣).

وابن خلدون يقرر أن كتاب «التسهيل» استوعب فيه ابن مالك جميع ما نقل من القواعد» (٤).

__________________

(١) انظر : أبو حيان النحوي للدكتورة خديجة الحديثي (ص ١١٢).

(٢) البحر المحيط (١ / ٦).

(٣) انظر : شرح التسهيل لناظر الجيش.

(٤) انظر : مقدمة ابن خلدون (٥١٦) (ط. دار الشعب) والمدرسة النحوية في مصر والشام (ص ١٨١).

٣٣

والحق أن هذا الكتاب وهو «التسهيل» يعد من أهم مؤلفات ابن مالك والذروة التي وصل إليها في دراساته النحوية ، وتأتي أهميته أيضا من أنه يمثل في دقة بالغة خلاصة التجربة النحوية الطويلة العميقة الخصبة ، التي وقف ابن مالك حياته عليها ووهبها كل جهده وطاقته.

شروح التسهيل :

ولأجل هذه القيمة العظيمة التي كانت لكتاب التسهيل ؛ وجدنا علماء النحو يتسابقون إلى شرحه وكشف غموضه ؛ لأنه كما سبق أن ذكرنا آنفا بلغ حد الإيجاز الشديد ، وأجملت عباراته حتى صعب فهمها على كثير من النحويين واللغويين.

وقد أشار صاحب كشف الظنون إلى هذه الشروح ، غير أنه سردها غير مرتبة ترتيبا زمنيّا ، وسوف أذكرها هنا مرتبة على حسب سنيّ وفيات أصحابها :

١ ـ شرح ابن مالك نفسه الذي وصل فيه إلى باب (مصادر الفعل) (١). (ت ٦٧٢ ه‍).

٢ ـ شرح الإمام بدر الدين ابن المصنف وهو تكملة شرح والده (ت ٦٨٦ ه‍).

٣ ـ شرح محمد بن علي المعروف بابن هانئ السبتي (٢) (ت ٧٣٣ ه‍).

٤ ـ شرح محمد بن علي الأربلي الموصلي (ت ٧٣٦ ه‍).

٥ ـ شرح شمس الدين محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت ٧٤٤ ه‍).

٦ ـ شرح الشيخ أبي حيان المسمى «التذييل والتكميل» (٣) (ت ٧٤٥ ه‍).

__________________

(١) ذكر في كشف الظنون : «يقال : إنه كمله وكان كاملا عند تلميذه الشهاب الشاغوري ؛ فلما مات المصنف ظن أنهم يجلسونه مكانه فلما خرجت عنه الوظيفة تألم فأخذ الشرح معه وتوجه إلى اليمن غضبا على أهل دمشق ، وبقي الشرح مخروما بين أهلها» كشف الظنون (١ / ٤٠٥) ، هذا وقد قام الأستاذ الدكتور / عبد الرحمن السيد ، والدكتور / محمد بدوي المختون ، بتحقيق هذا الشرح وهو الآن مطبوع متداول.

(٢) ذكر في كشف الظنون (١ / ٤٠٦) أن ابن هانئ توفي (٣٦٣ ه‍) فليتأمل ، ورجعنا إلى بغية الوعاة فوجدنا أنه توفي (٧٣٣ ه‍). انظر البغية (١ / ١٩٢ : ١٩٣).

(٣) حققت منه الأجزاء ، الأول والثالث والسادس في كلية اللغة العربية بالقاهرة.

٣٤

٧ ـ شرح الشيخ بدر الدين أبي علي الحسن بن قاسم المرادي (١) (ت ٧٤٩ ه‍).

٨ ـ شرح الشيخ أبي العباس أحمد بن سعد السكري النحوي (ت ٧٥٠ ه‍).

٩ ـ شرح الشيخ علاء الدين علي بن الحسين المعروف بابن الشيخ عوينة (ت ٧٥٥ ه‍).

١٠ ـ شرح الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف الشهير بالسمين الحلبي (ت ٧٥٦ ه‍).

١١ ـ شرح الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني السبتي (ت ٧٦٠ ه‍).

١٢ ـ شرح العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام (ت ٧٦٢ ه‍).

١٣ ـ شرح أبي أمامة محمد بن علي بن النقاش (ت ٧٦٣ ه‍).

١٤ ـ شرح الشيخ عبد الرحمن بن عقيل المصري (ت ٧٦٩ ه‍) (٢).

١٥ ـ شرح محمد بن حسن المالقي (ت ٧٧١ ه‍).

١٦ ـ شرح أبي العباس أحمد بن محمد الأصبحي العناني (ت ٧٧٦ ه‍).

١٧ ـ شرح عماد الدين محمد بن الحسين الأسنوي (ت ٧٧٧ ه‍).

١٨ ـ شرح محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش (ت ٧٧٨ ه‍). وهو موضع الحديث.

١٩ ـ شرح أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني (ت ٧٨١ ه‍).

٢٠ ـ شرح صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت ٧٩٤ ه‍) (تكملة شرح المصنف).

٢١ ـ شرح الشهاب أحمد بن محمد الزبيري الإسكندري (ت ٨٠١ ه‍) (لم يكمله).

__________________

(١) قام الأستاذ الدكتور / أحمد محمد عبد الله بتحقيق الجزء الأول منه ، وصل فيه إلى نهاية باب «التنازع» ؛ وذلك لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بالقاهرة. هذا وقد سجل زميلان فاضلان ما تبقى من هذا الشرح ؛ لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بأسيوط.

(٢) هذا الشرح سماه ابن عقيل : «المساعد على تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» وقد حقق هذا الشرح وطبع في المملكة العربية السعودية ، وهو شرح ممزوج بتحقيق د / محمد كامل بركات.

٣٥

٢٢ ـ شرح عبد القادر بن أبي القاسم بن أحمد السعدي العبادي الأنصاري (ت ٨٢٠ ه‍) تقريبا (لم يكمله).

٢٣ ـ شرح بدر الدين محمد بن محمد الدماميني (ت ٨٣٧ ه‍) (١).

٢٤ ـ شرح شمس الدين أبي ياسر محمد بن عمار (ت ٨٤٤ ه‍).

٢٥ ـ شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (٨٦٤ ه‍) (لم يكمله).

٢٦ ـ شرح محمد بن علي بن هلال الحلبي (ت ٩٣٣ ه‍).

يضاف إلى ذلك ما ذكره صاحب كشف الظنون أن للشيخ أبي حيان شرحا آخر لخص فيه شرح المصنف وتكملة ولده وسماه : «التنخيل الملخص من شرح التسهيل».

وكذلك ما ذكره من أن للدماميني شرحين آخرين :

أحدهما كالشرح المذكور. وثانيهما : شرح ممزوج وصل إلى حرف الفاء (٢).

أثر التسهيل في المؤلفات النحوية بعده :

بعد أن عرفنا قيمة كتاب «التسهيل» العلمية بين كتب النحو ، نستطيع أن نقول : لقد كان لهذا الكتاب من التأثير في المؤلفات النحوية التي ألفت بعده ما لا ينكره منكر ، وقد وضح هذا التأثير جليّا في مؤلفات أولئك الذين تناولوه بالشرح والتعليق ؛ فقد اعتمدوا عليه في مؤلفاتهم ، ونقلوا عنه الكثير في مؤلفاتهم الأخرى التي هي بعيدة عن شرح هذا الكتاب.

وحسبنا في ذلك ما نقله ابن هشام في كتابه «مغني اللبيب» صراحة أو تضمينا ، ومثله صنع السيوطي في «الأشباه والنظائر» و «همع الهوامع» ، وكذلك رأينا الأشموني في شرحه على الألفية ينقل كثيرا عن «التسهيل» ، مما يؤكد تأكيدا لا مراء فيه أن «التسهيل» كان له الأثر الكبير في المؤلفات التي ألفت بعده.

__________________

(١) حققت بعض الأجزاء من هذا الشرح في كلية اللغة العربية بالقاهرة ؛ لنيل درجة الدكتوراه. تحت رقم (١٣١١ ، ٢٢١٨) بمكتبة الكلية (رسائل) واسم هذا الشرح : تعليق الفرائد للدماميني ، وهو شرح ممزوج وقد طبع منه عدة أجزاء بتحقيق د / محمد عبد الرحمن المفدي.

(٢) راجع فيما سبق من هذه الشروح كشف الظنون (١ / ٤٠٥ : ٤٠٧) وقد اعتمدت عليه في ذكرها.

٣٦

وسنذكر أمثلة توضح ذلك :

١ ـ في مغني اللبيب قال ابن هشام ـ عند حديثه عن «أو» العاطفة وما تأتي له : «والسابع : التقسيم نحو : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ذكره ابن مالك في منظومته الصغرى وفي شرح الكبرى ، ثم عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال : تأتي للتفريق المجرد من الشك والإيهام والتخيير» (١).

٢ ـ وفي الكتاب نفسه قال ابن هشام عند حديثه عن «حتى» الجارة : «وأقول : إن شرط الجارة التالية ما يفهم الجميع أن يكون مجرورها بعضا أو كبعض ، وقد ذكر ذلك ابن مالك في باب : حروف الجر» (٢).

وما قاله ابن مالك في التسهيل هو : «ومجرورها ـ أي حتى ـ إما بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا أو غير صريح وإما كبعض» (٣).

٣ ـ وفي الكتاب نفسه قال ابن هشام : «وقال ابن مالك في شرح باب النعت من كتاب التسهيل : اللام في سقيا لك متعلقة بالمصدر وهي للتبيين» (٤).

وفي «الأشباه والنظائر» للسيوطي نقول كثيرة عن «التسهيل» منها :

١ ـ قال السيوطي : «يستحيي بياءين في لغة الحجاز ، وأما تميم فتقول : يستحي بياء واحدة قال في التسهيل : فيحذفون إحدى الياءين» (٥).

٢ ـ وفي الكتاب نفسه قال السيوطي : «لا يحكى المتبع بتابع غير العطف : من نعت أو بيان أو تأكيد أو بدل اتفاقا ، وأما المتبع بعطف النسق ففيه خلاف حكاه في التسهيل من غير ترجيح» (٦).

وفي كتاب «همع الهوامع» نقل السيوطي عن التسهيل كثيرا ومن أمثلة ذلك :

١ ـ قال السيوطي وهو يتحدث عن الوجوه المعتبرة في شبه الاسم الحرف والتي من أجلها بني : «زاد ابن مالك في التسهيل : والجمودي» (٧).

__________________

(١) انظر : مغني اللبيب (ص ٦٥).

(٢) المغني (ص ١٢٨).

(٣) التسهيل (ص ١٤٦).

(٤) انظر : مغني اللبيب (ص ٢١. ٢ ، ٢٢٢).

(٥) الأشباه والنظائر (١ / ٤٢).

(٦) الأشباه والنظائر (٢ / ٢٤٣).

(٧) الهمع (١ / ١٨).

٣٧

٢ ـ وقال وهو يتحدث عن العدل المانع من الصرف : «وما ذكرته من أن المسموع اثنا عشر بناء هو المذكور في التسهيل» (١).

٣ ـ وقال في أثناء حديثه عن الجمع الذي لا واحد له من لفظه : «وهذا الرأي صححه ابن مالك في التسهيل» (٢).

مما سبق يتبين لنا كثرة نقول العلماء من هذا الكتاب ، وتأثيره فيما جاء بعده من كتب ، وما تلاه من مؤلفات في النحو.

باحث معاصر حقق الكتاب :

وفي التسهيل وقيمته بين كتب النحو يقول الدكتور محمد كامل بركات وقد حقق الكتاب المذكور (٣)

بعد هذه الموازنة السريعة بين أهم كتب ابن مالك النحوية : الكافية والألفية والتسهيل ، أرى في غير مغالاة أن التسهيل من أعظم كتب النحو أثرا وأدومها ذكرا منذ أخرجه ابن مالك إلى اليوم ، وها هي شروحه خير مؤيد لهذا الرأي ؛ فقد بقي التسهيل بجانب الألفية في جميع البيئات التي تعنى بدراسة العربية ـ مرجعا للنحاة ومقصدا للدارسين والباحثين. فعلى هذين المصنفين قامت دراسة النحو ، ومنهما اقتبست أعظم المؤلفات النحوية بعد ابن مالك : كالتذييل والتكميل وملخصه ارتشاف الضرب وهمع الهوامع للسيوطي وكتب ابن عقيل وابن هشام والأزهري والأشموني ومن خلفوهم في دراسة النحو حتى يومنا هذا لا نكاد نجد كتابا في النحو يخلو من التأثر بالألفية والتسهيل. ثم يستمر قائلا :

ولهذا كله أستطيع في غير تحرج أن أقرر أن التسهيل خير كتب ابن مالك النحوية ؛ إن لم يكن أعظمها جميعا بعد كتاب سيبويه. وأرجو أن يتهيأ للمهتمين بالدراسات اللغوية والنحوية الانتفاع بتسهيل ابن مالك كما تهيأ لهم الانتفاع بألفيته.

__________________

(١) المرجع السابق (١ / ٢٦).

(٢) الهمع (٢ / ١٨٥).

(٣) انظر (ص ١٠٠) من الكتاب المذكور (دراسة) طبعة وزارة الثقافة بالاشتراك مع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. نشر دار الكاتب العربي (١٩٦٧ م).

٣٨

الفصل الرابع

كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش المسمى

«تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد»

* اسم الكتاب :

أشار المؤلف في مقدمة الكتاب أنه أسماه : «تمهيد القواعد» ؛ حيث قال : فشرعت في ذلك مستمدّا من الله تعالى أن يوفقني لسبيل الرشاد ، وأن يهديني إلى التبصير والسداد ، وأن يعينني بتوفيقه على بلوغ الغرض ، وإكمال المراد وسميته : تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (١) ولقد وجدنا عناوين الكتاب في جميع مخطوطاته ، ومنها ما قرأه الناسخ على مؤلفه ، وجدناه يسمى شرح التسهيل والأمر جد قريب.

نسبة الكتاب لناظر الجيش :

أما نسبة هذا الكتاب لصاحبه فلم يشك فيها أحد ، وإن الباحث لا يجد عناء في تحقيق هذه النسبة ، فلقد اتفقت جميع المصادر التي ترجمت للمؤلف على أنه «شرح التسهيل» ، كما أن بعض المصادر (٢) ذكرت أنه «اعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على المصنف».

وإذا قورن هذا الكلام بمادة الكتاب العلمية ، وجدنا أنها تتفق معه تمام الاتفاق ، ولو أضفنا إلى ذلك اعتراف المؤلف نفسه في مقدمة الكتاب (٣) بأنه ألف شرح التسهيل وسماه تمهيد القواعد ، لكنا قد أضفنا سندا قويّا في تحقيق هذه النسبة ، ويضاف إلى ذلك أيضا ما وجدناه في المؤلفات التي ألفت بعده منقولا عن هذا الشرح لناظر الجيش ؛ مما يقوي أيضا تحقيق نسبة الكتاب إليه.

١ ـ ففي شرح التصريح قال الشيخ خالد في باب «الإخبار بالذي وفروعه» وفي أثناء حديثه عن شروط ما يخبر عنه : «لم يذكره الناظم في التسهيل بهذا اللفظ وذكره بلفظ غيره فقال : منوبا عنه بضمير ، قال شراحه

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لناظر الجيش.

(٢) انظر : كشف الظنون (١ / ٤٠٧).

(٣) انظر : شرح التسهيل لناظر الجيش.

٣٩

أبو حيان ومتابعوه المرادي وابن عقيل وناظر الجيش والسمين واللفظ له :

قوله : منوبا عنه بضمير ، أي : عن ذلك الاسم الذي تريد أن تخبر عنه ...» (١).

٢ ـ وفي الأشموني قال : «وهذا القيد لم يذكره في التسهيل» ، قال الصبان في الحاشية : «قوله : لم يذكره في التسهيل ، أي : استغناء عنه بالشرط الرابع الآتي المعبر عنه في التسهيل بقوله : منوبا عنه بضمير قال شراحه أبو حيان ومتابعوه المرادي وابن عقيل وناظر الجيش ....» إلخ النقل السابق (٢).

٣ ـ وفي الدرر اللوامع قال الشنقيطي عند شرح بيت الهمع :

يا عمرك الله إلا قلت صادقة

أصادقا وصفه المجنون أو كذبا

بعد أن ذكر كلام ابن مالك في «عمرتك الله» وأمثاله : قال : «قال ناظر الجيش : ويدل له أيضا قولهم : لعمرك إن زيدا لقائم ، وقال تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٣) التقدير : لعمرك قسمي ؛ إلى أن قال : والاسم المعظم في عمرك الله ينصب ويرفع ...» إلخ (٤).

٤ ـ وفي الخزانة ذكر البغدادي كلام ناظر الجيش السابق (٥).

٥ ـ وفي الخزانة أيضا قال البغدادي عند شرح بيت الكافية للرضي وهو :

لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننفتل

بعد أن نقل كلاما عن الفراء قال : «ووافقه ابن مالك قال في التسهيل : وقد يغني جواب الأداة مسبوقة بالقسم ، وإن لم يتقدم مبتدأ. ومن شواهد ذلك قول الفرزدق :

لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة

من الغيث في يمنى يديّ انسكابها

أكن كالّذي صاب الحيا أرضه التي

سقاها وقد كانت جديبا جنابها

__________________

(١) انظر : شرح التصريح (٢ / ٢٦٦).

(٢) انظر : الأشموني وحاشية الصبان (٤ / ٥٥).

(٣) سورة الحجر : ٧٢.

(٤) انظر : الدرر اللوامع (٢ / ٥٤) وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش.

(٥) انظر : الخزانة (٤ / ٢١٢) وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش.

٤٠