شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[ما يجمع بالألف والتاء]

قال ابن مالك : (فصل : يجمع بالألف والتّاء قياسا ذو تاء التّأنيث مطلقا ، وعلم المؤنّث مطلقا ، وصفة المذكّر الّذي لا يعقل ، ومصغّره ، واسم الجنس المؤنّث بالألف إن لم يكن فعلى فعلان أو فعلاء أفعل غير منقولين إلى الاسميّة حقيقة أو حكما وما سوى ذلك مقصور على السّماع).

______________________________________________________

١٧٦ ـ فالعين بعدهم كأنّ حداقها

سملت بشوك فهي عور تدمع (١)

أراد بالعين : العينين. وبالحداق : الحدقتين ، وأراد بقوله : فهي عور : فهما عوراوان. ومنه قول الآخر :

١٧٧ ـ أشكو إلى مولاي من مولاتي

تربط بالحبل أكيرعاتي (٢)

ومن كلام العرب : رجل عظيم المناكب والثّنادي وغليظ الحواجب والوجنات وشديد المرافق وماش على كراسيعه (٣).

وفي قول المصنف : وقد تقدّر إلى آخره ـ إشارة إلى أن ذلك قليل لا يقاس عليه.

قال ناظر الجيش : تقدم الوعد بالكلام على ما يجمع تصحيحا بالألف والتاء ، وذكر ما يطرد منه وما لا يطرد ، وها هو قد شرع فيه. ـ

__________________

(١) البيت من بحر الكامل من عينية أبي ذؤيب المشهورة التي يرثي فيها أولاده (انظرها في ديوان الهذليين ص ٣) وقبل بيت الشاهد قوله : وإذا المنية ... إلخ. ومعنى البيت والشاهد فيه واضحان. وهو في معجم الشواهد (ص ٢٢٧) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١١٢) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٩٢).

(٢) البيتان من الرجز المشطور ولم ينسبا لقائل.

اللغة : أكيرعاتي : الكرع : دقة مقدم الساقين والاسم فيه كراع كغراب ، ويجمع على أكرع وأكارع ؛ وفي بيت الشاهد جمع على أكرع ثم صغر على جمعه ، ثم جمعه بعد ذلك جمع مؤنث سالم ، وهو موضع الشاهد حيث جمعه وللمرء كراعان اثنان. والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في التذييل والتكميل (٢ / ٩٢) وفي شرح التسهيل (١ / ١١٢).

(٣) المناكب : جمع منكب وهو مجتمع الرأس والكتف.

والثنادي : جمع ثندوة بفتح الثاء وواو ، وهي مغرز الثدي فإذا ضممت همزت. اللسان (ثدي).

الكراسيع : جمع كرسوع كعصفور ، وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ.

٤٢١

______________________________________________________

وقد ذكر المصنف أن المطرد منه خمسة أنواع :

الأول : ذو تاء التأنيث : وهذه العبارة تعم ذا التاء المبدلة هاء في الوقف كتمرة ، وذا التاء السالمة من ذلك كبنت وأخت. فلا يقال في جمعهما إلا بنات وأخوات ، سمي بهما مؤنث أو مذكر (١) أو لم يسم. وكذلك زيت وكيت لو سمي بهما لقيل في جمعهما : زيات وكيات مذكرا كان المسمى بهما أو مؤنثا.

وذكر مطلقا ليدخل في ذلك العلم واسم الجنس والمدلول فيه بالتاء على تأنيث ومبالغة كفاطمات وطلحات وسنبلات وبنات ورجال نسابات.

قال الشيخ (٢) : «مما فيه تاء التأنيث أسماء لا يجوز جمعها بالألف والتاء ؛ ومن تلك الأسماء : شفة ، وشاة ، وأمة ، ومرآة ، وامرأة وفلة مؤنث فل المختص بالنداء. فقد أطلق في مكان التقييد».

ويمكن الجواب عن المصنف بأن يقال : ما لم يجمعه العرب لا يلزم استثناؤه لا سيما ما لم يكن فيه مانع يمنعه من الجمعية.

الثاني : ما كان علما لمؤنث : وإنما ذكر مطلقا ليتناول العاري عن علامة والملتبس بعلامة كزينب وسلمى وسعدى وعفراء ، فيقال : زينبات وسلميات وسعديات وعفراوات [١ / ١٢٢].

قال الشيخ : «قد أطلق أيضا في مكان التقييد ؛ فإن علم المؤنث المعدول عن فاعلة في لغة من بناه (٣) لا يجوز جمعه بالألف والتاء. وذلك نحو : قطام ورقاش وحذام. فأما لغة من منعه الصرف فيجوز تقول : قطامات ورقاشات» انتهى (٤).

ولا يرد ذلك على المصنف ؛ فإن الاسم المبني لا يجوز جمعه ؛ إذ من شرط الجمع أن يكون الاسم معربا كما تقدم.

الثّالث : صفة المذكّر الّذي لا يعقل : نحو راسيات ومعدودات من جبال راسيات ـ

__________________

(١) في النسخة (ج) : سمي بهما مذكرا أو مؤنث.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٩٣).

(٣) وهم الحجازيون : إجراء له مجرى فعال الواقع موقع الأمر كنزال لشبهه به في الوزن والعدل والتعريف. وأكثر بني تميم يوافقون الحجازيين فيما آخره راء كصفار. وأما الباقون من بني تميم فإنهم يمنعونه الصرف كله للعلمية والعدل عن فاعلة وهو المذهب الثاني فيه.

(٤) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٩٤).

٤٢٢

______________________________________________________

وأيام معدودات (١).

الرّابع : مصغّر المذكّر الّذي لا يعقل : نحو دريهم ودريهمات ، ودنينير ودنينيرات وكتيب وكتيبات.

قال المصنف في شرح الكافية : «واطّرد هذا الجمع في تصغير غير الثلاثيّ من أسماء المذكرات التي لا تعقل نحو دريهمات» (٢) ولم يذكر هذا القيد هنا ولم يذكره غيره أيضا. والظاهر أن التقييد بغير الثلاثي غير معتبر فليتأمل ذلك.

الخامس : اسم الجنس المؤنث بالألف : نحو بهمى وبهميات ، وحبلى وحبليات ، وصحراء وصحراوات وقاصعاء وقاصعاوات (٣). إلا أن يكون الاسم المؤنث بالألف فعلى المقابل لفعلان ، أو فعلاء المقابل لأفعل نحو سكرى وحمراء ؛ فإنهما لا يجمعان بالألف والتاء كما لا يجمع مذكراهما بالواو والنون ، فلا يقال سكريات ولا حمراوات ، كما لا يقال سكرانون ولا حمراؤون.

أما إذا صغر نحو سكرى وحمراء ، فإنه يجوز جمعها بالألف والتاء قياسا ، ذكر ذلك ابن الضائع ـ رحمه‌الله تعالى ـ فيقال : سكيريات وحميراوات ، وقد تقدم عنه أن مذكرهما يجمع بالواو والنون إذا كان مصغرا أيضا ، فيقال : سكيرانون وأحيمرون.

قال المصنف : «ولا يلزم هذا المنع فيما كان من الصفات على فعلاء ولا مذكر لها على أفعل ، نحو : عجزاء وهطلاء وسيراء (٤) ؛ لأن منع الألف والتاء في نحو حمراء تابع لمنع الواو والنون من أحمر ، وذلك مفقود في عجزاء وأخواتها ، فلا مانع ـ

__________________

(١) في القرآن : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) [سبأ : ١٣] (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ٢٠٣].

(٢) انظر تحقيق شرح الكافية الشافية لابن مالك (١ / ٢٠٤) تحقيق د / عبد المنعم هريدي.

قال : واطّرد هذا الجمع في تصغير غير الثّلاثي من أسماء المذكرات التي لا تعقل نحو دريهمات وفي صفات المذكرات التي لا تعقل كقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ). (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال : وعلى هذا نبهت بقولي :

 ... وعلى

جمعك راسيات تريد الجبلا

(٣) البهمى : نبات تأكله الدواب ، والقاصعاء : جحر اليربوع.

(٤) يقال : امرأة عجزاء : كبيرة العجز. وديمة هطلاء : أي شديدة المطر. ويقال : حلة سيراء بكسر السين : أي فيها خطوط صفراء وحمراء.

٤٢٣

______________________________________________________

من جمعها بالألف والتاء على أن الجمع بالألف والتاء مسموع في : خيفاء وهي الناقة التي خيفت أي اتسع جلد ضرعها ، وكذا سمع في : دكّاء (١) وهي الأكمة المنبسطة. وكلاهما نظير ما ذكرت من عجزاء وهطلاء وسيراء في أنهن صفات على فعلاء لا مقابل لها على أفعل فثبت ما أشرت إليه» (٢).

قال الشيخ : «قال أصحابنا : قد يكون فعلاء وصفا وليس له أفعل ، ولا يجمع من ذلك بالألف والتاء نحو عذراء لا يقال أعذر ، وعجزاء لا يقال أعجز ؛ ومع ذلك لا يقال عذراوات ولا عجزاوات ، قال : فالذي ينبغي أن يقال : أن الذي ذكره المصنف لا يجوز ، وأما جمع خيفاء ودكاء بالألف والتاء فشاذ وإجراء لهما مجرى الأسماء ؛ ألا ترى إلى جريان دكاء على المذكر في قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)(٣) في قراءة من قرأ بالمد». انتهى (٤).

أما إذا نقل فعلى فعلان أو فعلاء أفعل ، إلى الاسمية الحقيقية أو الحكمية ، فإنه يجوز جمعهما إذ ذاك.

أما نقل فعلى إلى الاسمية فلم يمثل له المصنف. ومثل الشيخ للنقل الحقيقي فيها بسكرى إذا سمي بها مؤنث منقول [١ / ١٢٣] سكريات. قال : وأما النقل الحكمي فلم يحفظ ؛ إذ لم تعامل فعلى فعلان معاملة الأسماء ؛ فإن وجد كان تقسيم المصنف صحيحا ، وإلا كان قاصرا (٥).

وأما نقل فعلاء إلى الاسمية الحقيقية ، فمثاله حواء وهو أحسن من تمثيل الشيخ له بحمراء إذا سمي بها. ـ

__________________

(١) في اللسان : ناقة خيفاء بينة الخيف : واسعة جلد الضرع. والجمع خيفاوات ، وخيف الأولى نادرة ؛ لأن فعلاوات إنما هي للاسم أو الصفة الغالبة غلبت الاسم ، (اللسان : خيف). وفي اللسان أيضا : الدكّاء : الرابية من الطين ليست بالغليظة ، والجمع دكاوات أجروه مجرى الأسماء لغلبته (اللسان : دكك).

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١٣).

(٣) سورة الأعراف : ١٤٣ والقراءة هي قراءة حمزة والكسائي وخلف (النشر في القراءات العشر ١ / ٢٧١) وهو يشير بهذه القراءة إلى أن دكاء جرى مجرى الاسم.

وخرج ابن خالويه القراءة على أنها صفة قامت مقام الموصوف (الحجة ، ص ١٦٣).

(٤) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٩٧) وما بعدها.

(٥) أي على فعلاء أفعل دون فعلى فعلاء ، انظر التذييل والتكميل (٢ / ٩٧).

٤٢٤

______________________________________________________

قال المصنف : «فإن حوّاء علم امرأة منقول من حوّاء أنثى أحوى».

وأما نقله إلى الاسمية الحكمية ، فمثاله بطحاء ؛ فإنها صفة مقابلة في الأصل لأبطح ؛ إلا أنها غلب استعمالها مستغنية عن موصوف ، فأشبهت الأسماء ، فجاز أن تعامل في الجمع معاملة صحراء.

وما سوى هذه الأنواع الخمسة لا ينقاس جمعه بالألف والتاء ؛ فإن ورد منه شيء كذلك اقتصر فيه على السماع.

قال المصنف : والمراد بما سوى ذلك : ما لا علمية فيه ولا علامة من أسماء المؤنث وصفاته ، فيدخل في ذلك نحو شمس ونفس وأتان وعناق وامرأة صبور وكف خضيب وجارية حائض ومعطار. فلا يجمع شيء من هذه الأسماء والصفات ونحوها بالألف والتاء ؛ إلا إذا سمع فيعد شاذّا عن القياس ولا يلحق به غيره.

فمن الشاذ : سماء وسماوات ، وأرض وأرضات ، وعرس وعرسات ، وعير وعيرات ، وشمال وشمالات ، وخود وخودات ، وثيب وثيّبات.

وأشدّ من هذا جمع بعض المذكرات الجامدة ، كحسام وحسامات ، وحمّام وحمّامات ، وسرادق وسرادقات. وكل هذا شاذ مقصور على السّماع. انتهى (١).

واعلم أن ابن الضائع ذكر في نحو صبور أنه إذا صغر جاز جمعه بالألف والتاء قياسا ، فيقال صبيّرات. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.

وأما نحو حسام وحمّام من المذكرات الجامدة ، فذهب ابن عصفور في قوله الآخر إلى أن جمعها بالألف والتاء قياس مطرد إذا لم تكسر (٢). ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١٤).

(٢) لابن عصفور في جمع المذكرات الجامدة جمع مؤنث سالم مذهبان :

الأول وهو الجواز : ما حكاه في المقرب (ص ٤٤٧) ومعه المثل بتحقيق / عادل عبد الموجود. يقول في ذكر ما يطرد فيه جمع المونث : وكلّ اسم لا علامة فيه أيضا للتأنيث لمذكر كان أو لمؤنث غير علم إذا لم تكسره العرب ، نحو حمامات وسجلات وسرادقات ؛ فإن كسرته لم يجز جمعه بالألف والتاء ...

ثم قال : ولذلك لحن المتنبي في قوله :

إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة

ففي النّاس بوقات لها وطبول

جمع بوقا على بوقات مع أن (أبواق) جائز (المرجع السابق).

والرأي الآخر : وهو المنع واقتصار ذلك على المسموع فقط ، حكاه في شرحه على الجمل (١ / ٨٥).

٤٢٥

______________________________________________________

وقال الشيخ : «ظاهر كلام سيبويه أن المذكر المكبر إما أن يكون جمع جمع تكسير فلا يجوز جمعه بالألف والتاء ، وذلك نحو جوالق (١) لا يقال فيه جوالقات ؛ لأنهم كسروه. فقالوا فيه : وشذ من ذلك بوانات وعرسات وضفدعات ؛ لأنهم كسروها وقالوا : أبوان وأعراس وضفادع ، ولذلك لحن المتنبي (٢) في قوله :

١٧٨ ـ إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة

ففي النّاس بوقات لها وطبول (٣)

__________________

تحقيق الشغار وإشراف يعقوب ، قال بعد أن عد ما يطرد فيه جمع المؤنث : وما عدا ذلك لا يجوز جمعه بالألف والتاء إلا حيث سمع ، نحو حمامات وسرادقات وإصطبلات وسجلات ، وكذلك لحن المتنبي في قوله ...

وحكى البيت ثم قال : فجمع بوقا على بوقات ، وليس ذلك بابه ـ المرجع السابق.

(١) الجوالق بكسر الجيم واللام وبفتح الجيم أيضا ثمّ فتح اللام : اسم للوعاء وجمعه جوالق بفتح الجيم ، ومده سيبويه فقال : جواليق. الكتاب (٣ / ٦١٥). وزاد صاحب القاموس : جوالقات (٣ / ٢٢٥).

والبوان بضم الباء وكسرها : عمود للخباء جمع : أبونة وبون ، والعرس بكسر السين امرأة الرجل ورجلها ولبؤة الأسد جمع : أعراس. والعرس بالفتح ويضم له معان منها : الإقامة في الفرح والحبل والفصيل الصغير ، ويجمع على أعراس (القاموس : ٢ / ٢٣٨).

(٢) هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي الكوفي ، المشهور بالمتنبي ، ولد سنة ٣٠٣ ه‍ ، ولما شب تعلم العربية والشعر واللغة والإعراب في مدارس الكوفة وبغداد ، ثم انتقل بعد بلوغه العشرين إلى الشام ووجد الأمر متهيئا للقيام بثورة ـ أو نبوة ـ فاعتقله والي حمص ثم عفا عنه واستقر به المقام أخيرا عند سيف الدولة في حلب فمدحه بشعر غزير طوال تسعة أعوام. ولما لم يطب له المقام عند سيف الدولة هجره إلى مصر ، حيث كان كافور الإخشيدي هناك حاكما عليها ، فمدحه ما يقرب من خمسة أعوام ، ثم تغير عليه كافور ، فترك المتنبي مصر وسافر إلى بغداد ، ومنها إلى فارس حيث سمع به ابن العميد فمدحه المتنبي ، ثم انتقل إلى شيراز فمدح عضد الدولة بأجمل قصائده ، وختمها بهذا البيت :

أروح وقد ختمت على فؤادي

بحبك لن يحلّ به سواكا

وهو ما وقع حيث قتله جماعة وهو عائد إلى بغداد قرب نهر دجلة سنة ٣٥٤ ه‍.

له ديوان شعر كبير مطبوع عدة مرات وقد شرحه كثيرون ابتداء من ابن جني في القديم حتى عبد الرحمن البرقوقي في الحديث. (انظر ترجمته في الأعلام : ١ / ١٠ ، ١١) وقد كتبت فيه كتب ورسائل كثيرة منها رسالة ماجستير بعنوان : الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي للدكتور علي محمد فاخر.

(٣) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للمتنبي يمدح فيها سيف الدولة.

(ديوان أبي الطيب المتنبي ـ بشرح أبي البقاء العكبري : ٣ / ٩٥).

اللغة : بعض الناس : يقصد سيف الدولة. بوقات : جمع بوق وهو آلة ينفخ فيها فتزمر.

طبول : جمع طبل وهو ما يضرب به.

والبيت في مدح سيف الدولة وهجاء غيره من الملوك. واستشهد به ابن جني على جواز جمع مذكر الذي لا

٤٢٦

______________________________________________________

لأنهم كسروا بوقا فقالوا : أبواق (١).

وإما ألا يكون جمع جمع تكسير ، فيجوز جمعه بهما قياسا مطردا. فيقال في حمام وسجل وسرادق وإصطبل : حمامات وسجلات وسرادقات وإصطبلات» انتهى (٢).

فعلى ما ذكره ابن الضائع وظهر من كلام سيبويه ، يكون الذي يجمع بالألف والتاء قياسا سبعة أنواع (٣).

__________________

يعقل بالألف والتاء (المحتسب : ١ / ٢٩٥) ورده النحاة بأن ما يجمع منه جمع تكسير لا يجوز أن يجمع بالألف والتاء ، وبوق جمع على أبواق فلا يجمع على بوقات. وأما شاهده هنا فواضح من الشرح.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٨٥) وفي التذييل والتكميل (٢ / ١٠٠).

(١) انظر حديثا مفصلا عن هذا اللحن الذي وقع فيه المتنبي ، وكيف دافع عنه بعضهم ، وخرجوا البيت على وجه صحيح في رسالة (الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي ص ٤٤٩ وما بعدها) للدكتور / علي محمد فاخر.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١٠٠) ، وكتاب سيبويه : (٣ / ٦١٥) وفيه يقول : هذا باب ما يجمع من المذكر بالتاء لأنه يصير إلى تأنيث إذا جمع. فمنه شيء لم يكسر على بناء من أبنية الجمع فجمع بالتاء إذ منع ، وذلك قولهم : سرادقات وحمامات وإيوانات ... إلخ.

(٣) الخمسة الأول التي ذكرت وهي : ما فيه التاء ، علم المؤنث ، صفة المذكر غير العاقل ، مصغره ، اسم الجنس المؤنث بالألف ، والسادس الصفة التي يستوي فيها المذكر والمؤنث إذا صغرت ، وهذا عند ابن الضائع ، والسابع المذكر المكبر إذا لم يكسر. وهو رأي ابن عصفور وظاهر مذهب سيبويه. والله أعلم.

٤٢٧
٤٢٨

الباب السادس

باب المعرفة والنّكرة

*[أنواع المعرفة]

قال ابن مالك : (الاسم معرفة ونكرة ؛ فالمعرفة مضمر وعلم ومشار به ومنادى وموصول ومضاف وذو أداة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لم يحدّ المصنف المعرفة واستغنى عن ذكرها بذكر أنواعها ، ولا النكرة ؛ لأنه لما حصل أنواع المعرفة بالعد بين أن النكرة ما عدا ذلك ، والحامل له على ترك ذكر الحد ما ذكره في الشرح ، وهو أنه قال (١) :

«من تعرض لحد المعرفة عجز عن الوصول إليه [١ / ١٢٤] دون استدراك عليه ؛ لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى ، نكرة لفظا ، وما هو نكرة معنى ، معرفة لفظا ، وما هو في استعمالهم على وجهين :

فالأول : نحو قولهم : كان ذلك عاما أوّل وأوّل من أمس ، فإن مدلول كل واحد منهما معين لا شياع فيه ؛ ولكنهما لم يستعملا إلا نكرتين.

والثاني : نحو قولهم للأسد : أسامة ، فإنه يجري في اللفظ مجرى حمزة في منع الصرف والاستغناء عن الإضافة ، والألف واللام ، وفي وصفه بالمعرفة دون النكرة ، واستحسان مجيئه مبتدأ وصاحب حال ، وهو في الشياع كأسد.

والثالث (٢) : كواحد أمّه ، وعبد بطنه ؛ فإن أكثر العرب يجعلهما معرفتين بمقتضى الإضافة ، وبعض العرب يجعلهما نكرتين ويدخل عليهما ربّ وينصبهما على الحال ، ذكر ذلك أبو علي.

ومثلهما في إعطاء حكم المعرفة تارة وحكم النكرة أخرى ـ ذو الألف واللام الجنسيتين ؛ فإنه من قبيل اللفظ معرفة ، ومن قبيل المعنى لشياعه نكرة ؛ فلذلك يجوز أن يوصف بمعرفة اعتبارا بلفظه وهو الأكثر ، ويجوز أن يوصف بنكرة اعتبارا بمعناه نحو : مررت بالرجل خير منك. وعلى ذلك حمل المحققون قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١١٥).

(٢) الثالث من تقسيمه الأسماء القسمة السابقة ، وهي معرفة معنى نكرة لفظا ، نكرة معنى معرفة لفظا ، وما هو في الاستعمال على وجهين.

٤٢٩

______________________________________________________

(نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(١) فجعلوا نسلخ صفة لليل ، والجمل لا يوصف بها إلا النكرات. وإذا ثبت كون الاسم معرفة بهذه المثابة ، فأحسن ما يبين به ذكر أقسامه مستقصاة.

ثم يقال : وما سوى ذلك فهو نكرة» انتهى (٢).

وناقشه الشيخ فيما ذكره فقال :

«أما قوله إن عاما أوّل ، وأوّل من أمس في التركيب الذي أشار إليه مدلولهما معين لا شياع فيه بوجه ، ولم يستعملا إلا نكرتين ، ففرق بين الوضع والاستعمال.

أما لفظ عام فلا شك في أنه نكرة ومدلوله شائع (٣) في جنسه كرجل ؛ وإنما اكتسب التعيين عند السامع باستعماله عند صفته للعام الذي كان قبل عامك.

وكذلك أول من أمس معناه : يوما أول من أمس فحذف يوما وقامت صفته مقامه ومدلول يوم شائع في جنسه ؛ ولما وصفته بأول وعنيت عاما أول من عامك ، ويوما أول من يومك ـ اكتسب بالاستعمال والوصف انطلاقه على العام الذي يلي عامك ، واليوم الذي يلي يومك (٤).

ولا شك أنه يعرض للنكرات أن تعيين المراد ببعض أفرادها لقرينة لفظية أو حالية» انتهى (٥).

والذي ذكره الشيخ حق ؛ ولا شك أن بين الوضع والاستعمال فرقا واضحا ؛ فلا يلزم من التعيين في الاستعمال التعيين في الوضع (٦).

ثم قال الشيخ : «وأما قولهم للأسد أسامة ونحو ذلك ، فقد يطلق عليه أنه معرفة على طريق المجاز ؛ إذ لا يخالف في معناه دلالة أسد ؛ إنما يخالفه في أحكام لفظية» انتهى (٧). ـ

__________________

(١) سورة يس : ٣٧.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٢٦).

(٣) في التذييل والتكميل : ومدلوله معنى شائع في جنسه كرجل ... إلخ.

(٤) في الفقرات الأخيرة اضطراب أو سقوط بعض ألفاظ صححتها من شرح أبي حيان نفسه : (٢ / ١٠٧).

(٥) انظر التذييل والتكميل : (٢ / ١٠٧). ومن أمثلة تعيين المراد بالقرينة ما مثل به أبو حيان من قولك : لقد قتل ابن ملجم رجلا عظيما ؛ فيفهم من قولك : رجلا عظيما أنه علي بن أبي طالب. وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [التكوير : ١٩] فيفهم منه أنه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فذلك لا يحتمل الشياع ولكنه نكرة في الصناعة النحوية.

(٦) أي : فلا يلزم من التعيين في الاستعمال الذي يوجب تعريف الاسم التعيين في الوضع الذي يوجب تنكيره.

(٧) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١٠٨). وأما الأحكام اللفظية التي يخالف فيها أسد وأسامة فستأتي بعد ذلك في باب العلم.

٤٣٠

______________________________________________________

قلت : ويؤيد ما ذكره الشيخ قول المصنف في ألفيته :

(ووضعوا لبعض الأجناس علم

كعلم الأشخاص لفظا وهو عم)

ثم قال الشيخ : «وأما قوله يعني [١ / ١٢٥] المصنف : كواحد أمّه وعبد بطنه ، فهذا له اعتبارات كما ذكر ، لا يدخل أحد الاعتبارين على الآخر.

ومن تأول واحد أمه بمنفرد أمه ، وعبد بطنه بخادم بطنه ، اعتقد تنكيرهما لتأولهما باسم الفاعل ، ومن لم يتأولهما باسم الفاعل أقرهما على التعريف بالإضافة ، وهذا لا يبعد نظيره في اللفظ الواحد باعتبار تأويلين. ألا ترى أن مثلك نكرة عند أكثر العرب ، ومعرفة عند بعضهم؟» انتهى (١).

والذي ذكره الشيخ من الاعتبارين صحيح.

ثم قال : وأما قوله : ومثلهما ذو الألف واللام الجنسيتين ـ فلا يقوم دليل على أن الذي هي فيه نكرة ، ولا يقوم دليل على أنها تنعت بالنكرة.

وأما قولهم : مررت بالرجل خير منك ، فيحتمل أن تكون اللام زائدة ، أو يكون (خير منك) بدلا لا وصفا.

وأما قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٢) فنسلخ جملة حالية لا نعت. انتهى (٣).

قلت : وقد قال المصنف في باب المعرف بالأداة : «والبدليّة في نحو : ما يحسن بالرّجل خير منك ـ أولى من النّعت والزّيادة» (٤).

وإذ قد عرفت هذا فلنذكر حدي المعرفة والنكرة ، وأحسن ما قيل إن المعرفة : هي ما وضع لشيء بعينه ، فما وضع لشيء : يشمل المعرفة والنكرة. وبعينه : يخرج النكرة ، ولا يعني بالتعريف أن يكون المدلول معينا للمخاطب حتى لا يلتبس بغيره ، وإنما يعني به أن يكون اللفظ موضوعا لمعين ، على خلاف وضع النكرات في كونها موضوعة لواحد لا بعينه من آحاد مشتركة في معنى كلي.

وإن النكرة : هي ما وضع لشيء لا بعينه ، أي لواحد شائع في أمته لا يخصّ ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١٠٩).

(٢) سورة يس : ٣٧.

(٣) انظر المرجع السابق.

(٤) سيأتي في هذا التحقيق آراء النحاة في نحو : ما يحسن بالرّجل خير منك.

٤٣١

______________________________________________________

واحدا دون آخر باعتبار الوضع وبخلاف المعرفة.

وفي كلام المصنف إشارة إلى شيء من هذا ، حيث قال في الكافية الشافية :

ما شاع في جنس كعبد نكرة

وغيره معرفة كعنترة (١)

والمراد بالمنادى في كلام المصنف : النكرة المقبل عليها ؛ لأن النكرة غير المقبل عليها باقية على التنكير ، والعلم باق في النداء على تعريف العلمية ، خلافا لمن ادعى أنه ينكر ثم يعرف بالنداء.

والمراد بالمضاف : ما أضيف إلى معرفة إضافة معنوية لا لفظية ؛ وإنما سكت عن تبيين ذلك لوضوحه.

وعند المصنف : أن أقسام المعرفة سبعة كما ذكرها. وأكثرهم يذكرون أنها خمسة أقسام ؛ لأنهم لا يعدون المنادى والموصول ، ومنهم من يغفل المنادى خاصة فيكون الأقسام عنده ستة ، لكن يعدها خمسة ؛ لأنه يجعل منها قسما هو المبهم ، ويعبر به عن اسم الإشارة والموصول.

والسبب في أن منهم من يعد المنادى والموصول ، ومنهم من لا يعدهما ، أو لا يعد أحدهما : أنهم اختلفوا في الموجب لتعريفهما.

وأما المنادى : فقيل : إنه معرفة بألف ولام محذوفتين. وناب حرف النداء منابهما ؛ فهو من قبيل ما عرف باللام. قال الشيخ : «وهو الّذي صحّحه أصحابنا» (٢).

وقيل : إنه معرفة بالإقبال عليه والقصد والخطاب ، فهو قسم برأسه.

قال المصنف : «قال قوم : تعريفه بحرف [١ / ١٢٦] حذف لفظا وبقي معنى ، كما بقي معنى الإضافة في نحو : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ)(٣).

وقال قوم : بل تعريفه بالمواجهة والإشارة إليه ، وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه ، وهو أظهر وأبعد من التكلف» انتهى (٤). ـ

__________________

(١) انظر تحقيق شرح الكافية الشافية لابن مالك (ج ١ ص ٢٢٢) تحقيق د / عبد المنعم هريدي ـ جامعة أم القرى.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١١١).

(٣) سورة الفرقان : ٣٩ (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً.)

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١٦). وقول ابن مالك (وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه) لم أجده في الكتاب. وقد ذكر سيبويه أنواع المعرفة وعدها خمسة ، ولم يذكر منها المنادى. انظر

٤٣٢

[ترتيب المعارف]

قال ابن مالك : (وأعرفها ضمير المتكلم ، ثمّ ضمير المخاطب ، ثمّ العلم ، ثمّ ضمير الغائب السّالم عن إبهام ، ثمّ المشار به ، والمنادى ، ثمّ الموصول وذو الأداة ؛ والمضاف بحسب المضاف إليه).

______________________________________________________

وأما الموصول : فذهب الأخفش (١) إلى أنه معرف باللام ، وما ليس فيه لام كمن وما ، فهو في معنى ما هي فيه ، وأما أيهم فإنه معرف بالإضافة ، وعلى هذا الأكثرون من النحاة ؛ فالموصول على هذا من قبيل المعرف باللام أيضا.

وذهب الفارسي (٢) إلى أن تعريفه بالعهد الذي في الصلة ؛ وهذا هو رأي المصنف ، ولذا عده قسما برأسه.

وقد رد هذا المذهب بأن الصلة تتنزل من الموصول منزلة الجزء ، فكما أن جزء الشيء لا يعرف الشيء ، كذلك ما نزل منزلته. وفي هذا الرد نظر لا يخفى (٣).

قال ناظر الجيش : اعلم أن معنى كون بعض المعارف أعرف من الآخر ، أن يكون أقل اشتراكا من الذي أعرف منه ، فيكون تطرق الاحتمال إلى الأعرف أقل من تطرقه إلى غير الأعرف ، وعلى هذا يندفع ما ذكر عن ابن حزم الظاهري (٤) ـ

__________________

الكتاب : (٢ / ٥ ـ ٨). وقد أسقط أبو حيان العبارة السابقة من شرحه ؛ فدل ذلك على دقته ؛ لكن شارحنا ذكرها تبعا لابن مالك. عفا الله عن الجميع.

(١) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١١١) ، والهمع (١ / ٥٥).

(٢) قال أبو علي ـ في المسائل الشيرازيات (ص ٤١٩) بعد كلام في الموصول ـ : «... وهكذا ينبغي أن يكون في القياس ؛ لأن الذي إنما يتعرف بالصلة وليس يتخصص بلام المعرفة ؛ ألا ترى أن أخوات الذي معارف ولا ألف ولام فيهن ، وإنما اختصصن بصلاتهن ، ولو اختص الذي بلام المعرفة للزم أن يكون في الاسم تعريفان. وهذا خلف».

(٣) هذا النظر يقال فيه : إن الصلة وإن تنزلت من الموصول منزلة الجزء ، إلا أنها مستقلة في اللفظ والوضع ، ولها شروط خاصة تدل على استقلالها ، مما يمنع أن تكون سببا في تعريف موصولها. وعلى فرض جزئيتها من الموصول فلا يمتنع التعريف بها أيضا ، ألا ترى أن أل في الاسم سبب في تعريفه وأنها جزء منه بدليل أن العامل يتخطاها (الهمع : ١ / ٧٩) وأكثر المعارف تعريفها بالمعاني ؛ فالضمائر بالتكلم والخطاب والغيبة ، وأسماء الإشارة بالإشارة والمنادى بالقصد ... إلخ.

(٤) هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، ولد بقرطبة بالأندلس ، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة ؛ فزهد فيها وانصرف إلى العلم والتأليف ، فكان من فضلاء الباحثين

٤٣٣

______________________________________________________

رحمه‌الله تعالى ، من أن المعارف كلها مستوية الرتبة ، فلا يصح أن يقال : هذا أعرف من هذا ؛ لأن المعرفة لا تتفاضل. ولا يصح أن يقال : عرفت هذا أكثر من هذا ؛ لأنه يكون في حق المرجوح المعرفة جهلا ؛ فالذي أشار إليه ابن حزم وإن كان صحيحا في نفسه هو غير ما أراده أهل الصناعة النحوية (١).

ثم إن المنادى والموصول لم يخصا بالذكر عند التعرض لذكر التفاضل بين المعارف :

أما على رأي من لا يعدهما قسمين برأسيهما فظاهر ، وأما على رأي من يعدهما كالمصنف ، فلأنه جعل المنادى في رتبة المشار إليه ، والموصول في رتبة ذي الأداة ؛

فعلى هذا إنما يذكر التفاضل بين الخمسة الباقية وهي :

المضمر ، والعلم ، والمشار به ، وذو الأداة (٢) ، والمضاف إلى أحدهما.

واعلم أنه ما من شيء من المعارف المذكورة إلا قيل إنه أعرف من بقيتها إلا المضاف. وسببه أن المضاف إنما يكتسب التعريف من الذي أضيف إليه ، فلا يمكن جعله أعرف مما اكتسب منه التعريف.

إذا تقرر هذا : فقيل : المضمر أعرفها ، وعلى ذلك الجمهور وهو مذهب سيبويه ، وقيل : العلم أعرفها ، وعزي إلى الكوفيين والصيمري (٣) ، وقيل : اسم الإشارة أعرفها ، ونسب إلى ابن السراج ، وقيل : المعرف بأل أعرفها.

والأصح : أن الضمير أعرفها ، ثم يليه العلم ، ثم اسم الإشارة ، ثم ذو الأداة ، وهذا هو الذي أورده المصنف. وقد تقدم أن المنادى في رتبة المشار به ؛ وأن الموصول ـ

__________________

والمؤلفين والعلماء. من مؤلفاته : طوق الحمامة في الأدب ، وجمهرة الأنساب في التراجم ، وغير ذلك من الكتب ، وتوفي سنة (٤٥٦ ه‍) ، ترجمته في الأعلام (٥ / ٥٩).

(١) الهمع (١ / ٥٥).

(٢) ويدخل في المشار به وفي مرتبته : المنادى ، كما يدخل الموصول في ذي الأداة ويكون في مرتبته.

(٣) هو عبد الله بن علي بن إسحق الصيمري النحوي أبو محمد ، قال السيوطي : له التبصرة في النحو ، وهو كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب. وقال : أكثر أبو حيان من النقل عنه. انظر ترجمته وأخباره في بغية الوعاة (٢ / ٤٩). وكتاب التبصرة المذكور طبع في دار الفكر بدمشق سنة (١٩٨٢ م) بتحقيق الدكتور فتحي أحمد مصطفى علي الدين (جزآن في مجلدين). وانظر رأي الصيمري في أعرف المعارف ، كتابه المذكور (١ / ٩٥ ، ١٧٢).

٤٣٤

______________________________________________________

في رتبة ذي الأداة (١).

وأما المضاف إلى أحدها ففيه ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن ما أضيف إلى شيء فهو في رتبة ذلك الشيء ، وهو رأي جماعة منهم المصنف.

الثاني : أن ما أضيف [١ / ١٢٧] إلى شيء فهو دون ما أضيف إليه في الرتبة وهو قول المبرد.

الثالث : التفصيل وهو إن أضيف إلى غير المضمر فهو في رتبته ، وإن أضيف إلى المضمر فهو في رتبة العلم (٢).

وذكر ابن عصفور (٣) أنه مذهب سيبويه.

واختار الشيخ أن العلم أعرف المعارف ، ثم المضمر ، ثم المبهم ، ثم ذو الأداة ؛ ـ

__________________

(١) في أعرف المعارف وآراء النحاة في ذلك وإسناد كل رأي إلى صاحبه ، ما قرره ناظر الجيش هنا تابعا لأبي حيان في شرحه : (٢ / ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٤). وجاء بعد ذلك صاحب الهمع (١ / ٥٥) وقرر ما قرراه ، وبعد تحقيق هذه الآراء ونسبتها إلى أصحابها ظهر لي :

١ ـ أن سيبويه لم ينص على أن أعرف المعارف هو الضمير ؛ وإنما حين ذكر أنواع المعرفة الخمسة بدأ بالعلم وختم بالضمير. انظر الكتاب (٢ / ٥ ـ ٨).

٢ ـ قال محقق التذييل والتكميل (د. مصطفى حبالة) في نسبة أعرف المعارف العلم إلى الصيمري بعد نقول عنه من كتابه التبصرة : وبذلك يتبين لنا أن الصيمري يرى أن المضمر هو أعرف المعارف ، وليس كما يقول أبو حيان ها هنا عنه (التذييل والتكميل (١ / ٣٩٤) ـ رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة).

٣ ـ قال محقق التذييل والتكميل أيضا في نسبة أعرف المعارف اسم الإشارة إلى ابن السراج ، قال : لم أجد في أصول ابن السراج ما يفيد ذلك. تنظر الأصول في النحو (١ / ١٧٦) وفيها يقول : والمعرفة خمسة أشياء : الاسم المكنى عنه وهو الضمير والمبهم والعلم ، وما فيه الألف واللام ، وما أضيف إليهن (التذييل والتكميل : ١ / ٣٩٤ ـ الرسالة).

(٢) انظر في المذهب الأول شرح التسهيل (١ / ١١٧) والجماعة هم ابن طاهر وابن خروف ؛ وانظر المذهب الثاني في المقتضب : (٤ / ١٤٣) وفيه حديث للمبرد عما توصف به المعارف من أنواع المعارف ، وذكر أن المضاف إلى شيء لا يوصف بذلك الشيء بل بأدنى منه ، ومثل له بقوله : مررت بأخيك الطويل ، وجاء غلام زيد القاتل ، ومررت بأخيك ذي المال ، ورأيت أخاك ذا الجمة ، وجاءني أخوك هذا. وانظر في المذهب الثالث التذييل والتكميل (١ / ٣٩٧) ، وأصحاب التفصيل هم الأندلسيون.

وانظر في المذاهب الثلاثة الهمع (١ / ٥٦).

(٣) انظر شرح الجمل له : (١ / ١٥٣) تحقيق الشغار ؛ قال ابن عصفور : وهو الصحيح.

٤٣٥

______________________________________________________

فجرى على الترتيب المذكور آنفا ، غير أنه قدم العلم على المضمر ، قال :

«وإنما ذهبت إلى تقديم العلم ؛ لأنه جزئي وضعا واستعمالا ، وباقي المعارف كليات وضعا ، جزئيات استعمالا. فأنا مثلا لكل متكلم ، وكذا أنت لكل مخاطب ، وهو لكل غائب ؛ فوضعت كلية وبالاستعمال تصير جزئية ، وكذا اسم الإشارة وضع لكل من يشار إليه» انتهى (١).

وهذا الذي ذهب إليه الشيخ من أن المضمر وبقية المعارف غير العلم كليات وضعا ـ ذهب إليه بعض المتأخرين من علماء الأصول ، فاستشكل كونهم جعلوا الضمير أعرف المعارف.

والحق أن المضمر جزئي وضعا ؛ وذلك أن أنا مثلا وضع للمتكلم ، والمتكلم حال التكلم معين. وأنت للمخاطب والمخاطب حال الخطاب معين ، وكذا بقية الضمائر.

واسم الإشارة أيضا وضع للمشار إليه ، وهو معين حال الإشارة إليه ، فلم يوضع كل من الضمير واسم الإشارة إلا لمعين.

ثم إذا كان المضمر أعرف من بقية المعارف ، فإن تعريفه في نفسه متفاوت بالنسبة إلى أنواعه ، فضمير المتكلم أعرف. قال المصنف : لأنه يدل على المراد به بنفسه ، وبمشاهدة مدلوله ، وبعدم صلاحيته لغيره وبتميز صوته (٢).

ثم ضمير المخاطب ؛ لأنه يدل على المراد به بنفسه وبمواجهة مدلوله. ويقتضي قولهم : إن الضمير أعرف المعارف أن يلي ضمير المخاطب في الرتبة ضمير الغائب ، وقد صرح ابن عصفور بذلك (٣).

لكن المصنف جعل رتبة العلم قبل رتبة ضمير الغيبة ، قال : لأن العلم يدل على المراد به حاضرا وغائبا على سبيل الاختصاص.

قال الشيخ : «لا أعلم أحدا جعل العلم أعرف من ضمير الغائب إلّا المصنف» (٤).

وقيد المصنف ضمير الغائب بكونه سالما عن إبهام ومثله بقوله : زيد رأيته ، قال : ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١١٤).

(٢) في النسخة (ج): (وبتميز صورته) وكلاهما مفيد.

(٣) انظر شرح الجمل له (٢ / ٢٣٩) بتحقيق الشغار.

(٤) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ١١٤) ونص ما قاله أبو حيان : لا أعلم أحدا ... إلا هذا الرجل.

٤٣٦

______________________________________________________

«فلو تقدمه اسمان أو أكثر نحو : قام زيد وعمرو كلمته ـ لتطرق إليه إبهام ، ونقص تمكنه في التّعريف» انتهى (١).

وعلى ما قرره لم تعرف رتبة الضمير المتطرق إليه الإبهام ما هي في التعريف ؛ والظاهر أنها دون رتبة الضمير السالم عن الإبهام ، وفوق رتبة المشار إليه (٢).

وقول المصنف : ثمّ المشار به والمنادى ـ قد تقدم أن المشار به دون العلم في الرتبة وأن المنادى في رتبته ؛ وقوله : ثم الموصول وذو الأداة تقدم أن ذا الأداة بعد المشار إليه في الرتبة ، وأن الموصول في رتبته. قال المصنف : «وهو بحسب صلته يتكمل تعريفه بكمال وضوحها وينقص بنقصانها» (٣) وكلامه في الشرح يشعر بتقديم الموصول في الرتبة على ذي الأداة [١ / ١٢٨](٤).

قال ابن عصفور ـ بعد أن ذكر أعرف المضمرات ـ (٥) : «وأعرف الأعلام أسماء الأماكن ، ثم أسماء الأناسي ، ثم أسماء الأجناس. وأعرف الإشارات ما كان للقريب ثم للمتوسط ثم للبعيد ؛ وأعرف ذي الأداة ما كان فيه للحضور ثم للعهد في شخص ، ثمّ للعهد في جنس. وأسماء الأجناس لا يعرف تعريفها من تنكيرها إلا بالاستقراء. فمما هو معرفة ابن آوى وابن قرة (٦) ، ومما هو نكرة ابن لبون وابن مخاض ، ومما جاء معرفة ونكرة ابن عرس.

وأما ابن أوبر فزعم سيبويه أنه معرفة لامتناعه من الصرف (٧) ، وقال المبرد : هو نكرة لدخول اللام (٨) عليه في قول الشاعر : ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١١٦).

(٢) في نسخة (ب) ، (ج) : المشار به.

(٣) شرح التسهيل : (١ / ١١٦ ، ١١٧).

(٤) وذلك لأنه تحدث عن ذي الأداة بعد الموصول في الشرح وعطف عليه بثم ، أما في المتن فعطفه بالواو ، وكان يعطف بثم عند الانتقال إلى الرتبة الأخرى. قال أبو حيان : وثبت في بعض النسخ ثم ذو أداة ، فجعل ذا الأداة في التعريف بعد الموصول. (التذييل والتكميل : ٢ / ١١٦).

(٥) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٢٣٩).

(٦) ابن آوى : دابة صغيرة ، وابن قرة : ابن الضفدع ، وابن أوبر : كمأة صغيرة مزغبة في لون التراب.

(٧) الكتاب : (٢ / ٩٤) : يقول : هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في الأمة ثم يقول : ومنه أبو جخادب وهو ضرب من الجنادب ، كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة.

(٨) المقتضب : (١ / ٤٨ ، ٤٩) ثم خرج دخول الألف واللام عليه بأنها للمح الأصل مثلها في الفضل والعباس ، أو أن الكلمة صارت مثل هذا ابن عرس وابن عرس آخر.

٤٣٧

______________________________________________________

١٧٩ ـ [ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا]

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (١)

وعند من يرى مذهب سيبويه تكون أل في هذا الاسم زائدة». انتهى ملخصا (٢).

وقوله : والمضاف بحسب المضاف إليه قد تقدم ذكر المذاهب فيه ، وأن مذهب سيبويه أن المضاف في رتبة المضاف إليه ؛ إلا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. وإنما جعلوا المضاف إلى المضمر دونه في الرتبة ؛ لئلا يكون مساويا للمضمر في التعريف ؛ والغرض أن المضمر فقط أعرف المعارف ، فلا يشاركه غيره ؛ وليس بعد المضمر رتبة تليه إلا رتبة العلم ؛ فقالوا : هو في رتبة العلم ، ولا يخفى ضعف هذا التعليل (٣).

وأما من جعل المضاف في رتبة المضاف إليه مطلقا ، فعمدته في ذلك أن سيبويه حكم بذلك فيما أضيف إلى ذي الأداة ، فعمم هؤلاء الحكم (٤).

وقد قيل إن سيبويه لم يطلق التسوية إلا في المضاف إلى ذي الأداة ؛ وموجب ذلك أن ذا الأداة أقل وجوه التعريف ، فلا انحطاط بعده.

وأما أبو العباس المبرد فإنه حمل المضاف إلى كل واحد من الثلاثة غير المضمر على ـ

__________________

(١) البيت من بحر الكامل ، وقد ورد في مراجع كثيرة من كتب النحو واللغة (انظر ذلك في معجم الشواهد ص ١٨٨) ولم ينسب فيها.

اللغة : جنيتك : أصلها جنيت لك ومثله كثير ، وهو تعدى اللازم بنفسه وحذف حرف الجر. أكمؤا : مفرده كمء واسم جمعه كمأة على العكس من باب تمرة وتمر ، ومعناه ضرب من النبات. وعساقلا : جمع عسقل بزنة جعفر أو عسقول وهو ضرب من الكمأة أبيض. بنات الأوبر : كمأة صغيرة رديئة الطعم تلسع. والشاعر يأمر صاحبه بأكل نوع وينهاه عن نوع.

ودار هذا البيت في كتب النحاة ، مختلفين على بنات أوبر : معرفة أو نكرة؟ فقيل : معرفة لامتناعه من الصرف وأل فيه زائدة ، وقيل : نكرة لدخول الألف واللام عليه. (التذييل والتكميل : ٢ / ١٢٦ ، وشرح التسهيل : ١ / ٢٥٩).

(٢) انظر شرح الجمل لابن عصفور (ج ٢ ، ص ٢٣٩) وقد لخصه الشارح كما قال بحذف الأمثلة.

(٣) أي : ما المانع أن يكون المضاف إلى الضمير كالضمير في الرتبة؟.

(٤) كتاب سيبويه : (٢ / ٦) قال : «واعلم أنّ المعرفة لا توصف إلّا بمعرفة كما أنّ النكرة لا توصف إلّا بنكرة ، واعلم أنّ العلم الخاص من الأسماء يوصف بثلاثة أشياء : بالمضاف إلى مثله وبالألف واللّام وبالأسماء المبهمة ، والمضاف إلى معرفة يوصف بثلاثة أشياء : بما أضيف إلى الألف واللّام ؛ لأنّ ما أضيف إلى الألف واللّام بمنزلة الألف واللّام فصار نعتا».

ثم مثل لذلك أثناء كلامه. وتوضيح كلامه في الشرح.

٤٣٨

[تفوق الأقل في التعريف]

قال ابن مالك : (وقد يعرض للمفوق ما يجعله مساويا أو فائقا).

______________________________________________________

المضاف إلى المضمر ، فجعل المضاف إلى كل منها دونه في التعريف ، ورد عليه بقوله تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ)(١) فوصف المضاف إلى ما فيه اللام بما فيه اللام ؛ والمتقرر أن النعت لا بد أن يكون مساويا للمنعوت في التعريف أو أقل منه تعريفا ، ويلزم من قول المبرد أن يكون النعت فائقا للمنعوت في التعريف ، وهو لا يجوز.

وأنشد ابن عصفور في شرح الجمل ردّا على المبرد ، قول الشاعر :

١٨٠ ـ فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه

يمرّ كخذروف الوليد المثقّب (٢)

وقول الآخر :

١٨١ ـ كتيس الظّباء الأعفر انضرجت له

عقاب تدلّت من شماريخ ثهلان (٣)

ووجه الرد فيما قرر في الآية الكريمة.

قال ناظر الجيش : لم يمثل المصنف لمفوق جعل مساويا ؛ بل مثل لمفوق جعل فائقا ، قال : «كقولك لرجلين حضراك دون ثالث : لك مبرّة بل لك ، فإنهما ـ

__________________

(١) سورة طه : ٨٠.

(٢) البيت من بحر الطويل من قصيدة لامرئ القيس في الغزل والوصف ، وهي مليئة بالغريب كشعر امرئ القيس كله ومطلعها (الديوان ص ٤١ ـ ٥٥) :

خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

نقضّي لبانات الفؤاد المعذّب

وهو في بيت الشاهد يصف شدة عدو فرسه وتحريكه له. وأن زجره يلهبه حتى يصير في شدة جريه كخذروف الوليد إذا أداره ؛ ومع ذلك فقد أدرك الفرس صيده دون مشقة.

والبيت يحتج به ابن عصفور على المبرد القائل : إن المضاف إلى أحد المعارف دون المضاف إليه في التعريف ، بأنه يلزم منه أن يكون النعت فائقا المنعوت في التعريف في مثل هذا البيت (حيث وصف الخذروف بالمثقب) وهو لا يجوز ؛ فدل على أن المضاف إلى أحد المعارف مساو للمضاف إليه. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في التذييل والتكميل : (٢ / ١١٨).

(٣) البيت من قصيدة لامرئ القيس أيضا من بحر الطويل ومطلعها (الديوان ص ٨٩ ـ ٩٣) :

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

ورسم عفت آياته منذ أزمان

وبيت الشاهد في وصف فرس له.

اللغة : تيس الظباء : الذكر من الظبي. الأعفر : ما يعلو بياضه حمرة. انضرجت له : انقضت عليه.

العقاب : بالضم طائر قوي. تدلّت : ظهرت. شماريخ ثهلان : أعالي الجبل المسمى بثهلان.

٤٣٩

______________________________________________________

لا يعرفان بمجرد هذا اللفظ المعطوف من المعطوف عليه ما لم يعضد اللفظ بمواجهة أو نحوها ؛ بخلاف قولك : للكبير منكما مبرّة بل للصّغير أو بالعكس ، أو تقول : للّذي سبق منكما مبرّة ، بل للّذي تأخّر ، فإنهما لا يرتابان في مراده بالأول والثاني فقد عرض لذي الأداة والموصول ما جعلهما فائقين في الوضوح لضمير الحاضر.

وكذلك يعرض للعلم ما يجعله أعرف من ضمير المتكلم [١ / ١٢٩] كقول من شهر باسم لا شركة فيه لمن قال له : من أنت؟ أنا فلان ، ومنه قوله تعالى : (أَنَا يُوسُفُ)(١) فالبيان لم يستفد بأنا بل بالعلم بعده.

وقد يعرض للموصول مثل ما عرض للعلم ، كقول من شهر بفعل لا شركة فيه لمن قال له : من أنت؟ أنا الذي فعل كذا. ومن هذا القبيل سلام الله على من أنزل عليه القرآن ، وعلى من سجدت له الملائكة. ومنه : وا من حفر بئر زمزماه» انتهى (٢).

وفيما ذكره نظر ؛ وذلك أن ضمير المخاطب إنما يدل على معناه بالمواجهة. وقول المصنف : ما لم يعضد اللفظ بمواجهة ، يدل على أن المواجهة في إيراد المثال الذي ذكره مفقودة ، وإذا فقدت المواجهة فقد الخطاب ، وإذا فقد الخطاب فقدت دلالة اللفظ على ما يقصد به.

ولا شك أن قولنا للكبير أو للصغير أو للذي سبق أو تأخر ، يتطرق إليه من الاحتمال ما لا يتطرق إلى الضمير في قولنا : لك بل لك إذا حصلت المواجهة من المتكلم للمخاطب ، فكيف يكون ما يتطرق إليه الاحتمال أعرف من الذي لا يتطرق إليه احتمال ، أو يكون النظر إليه أقل ، فلم يظهر أن ذا الأداة والموصول فاقا ضمير الحضور في الوضوح.

وأما قوله : إن العلم قد يكون أعرف من ضمير المتكلم كقول القائل : أنا فلان ـ فغير ظاهر ، وذلك أن العلم لم يذكر بعد الضمير للإيضاح ؛ لأن دلالة الضمير على ـ

__________________

وامرؤ القيس يصف فرسه بالقوة وأنه يشبه في عدوه تيس ظباء ظهرت له عقاب من أعالي الجبل ، فخاف وذعر واشتد في الجري.

والشاهد فيه : كما في البيت السابق.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٩٦) ، وهو في التذييل والتكميل (٢ / ١١٨).

(١) سورة يوسف : ٩٠.

(٢) شرح التسهيل (١ / ١١٧).

٤٤٠