شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

وقد تقدم الجواب عن هذا التعليل.

والذي يظهر أن هذه الأسماء لا يحكم عليها بإعراب ولا بناء.

أما عدم الحكم بالإعراب فلعدم مقتضيه وهو التركيب.

وأما عدم الحكم بالبناء فلأن الحكم به إنما يكون لوجود مانع يمنع تأثير المقتضي للإعراب. ولو وجد المقتضي للإعراب فيها لم يكن له مانع ، فلا يتصور الحكم به مع عدم موجبه.

وأشار المصنف بقوله : بلا معارض إلى نحو أي فإنها في جميع أحوالها تشابه الحرف استفهامية أو شرطية أو موصولة ، إلا أن المشابهة تعارضها مخالفة أي لسائر الموصولات ، ولأدوات الاستفهام والشرط لإضافتها ، وكونها بمعنى بعض إن أضيفت إلى معرفة ، وبمعنى كل إن أضيفت إلى نكرة ؛ فعارضت مناسبتها للمعرب مناسبتها للحرف فغلبت مناسبة المعرب ؛ لأنها داعية إلى ما هو مستحق بالأصالة ، ولأن حمل أي على كل وبعض من باب حمل الشيء على ما هو من نوعه للاشتراك في الاسمية ؛ فهو أولى من حمل أي على الحرف لتخالفهما في النوعية.

وقوله : والسّلامة منها تمكّن : أي سلامة الاسم من مناسبة الحرف المؤثرة تمكن أي تثبت في مقام الأصالة.

فالاسم ضربان : متمكن وهو المعرب. وغير متمكن وهو المبني.

والتمكن ضربان : أمكن وهو المنصرف ، وغير أمكن وهو ما لا ينصرف.

ثم ها هنا أبحاث :

الأول :

قد يقال إذا كان موجب البناء عند المصنف منحصرا في شبه الحرف ، لم يكن للمنادى المبني علة توجب بناءه ، وكذا لأي الموصولة إذا كانت مضافة وصدر صلتها محذوف؟.

والجواب : أن المصنف إنما تكلم في سبب البناء اللازم في سائر أحوال الكلمة ، وأما البناء الجائز كما في غير وحين ، فقد تقدم أنه لم يقصده وأنه سيذكر ذلك في أماكنه ويعلله ، وأما البناء اللازم في بعض الأحوال كبناء المنادى وأي مثلا ، فلم يقصده أيضا. وسيذكر كلّا في مكانه ويعلل البناء فيه بما يناسبه. ـ

٢٤١

______________________________________________________

البحث الثاني :

ناقش الشيخ كلام المصنف في الشرح في شيئين :

أحدهما : قوله في الماضي (١) ولهذا لم يجز أن تلحقه هاء السكت وقفا فقال (٢) : «في إلحاق هاء السكت الماضي حال الوقف عليه ثلاثة مذاهب :

يفرق في الثالث بين أن يكون متعديا فلا تلحق ، وبين أن يكون لازما فتلحق».

ثانيهما : قوله في أسماء الأفعال : إنها عاملة غير معمولة [١ / ٦٠] فقال :

«كأن المصنف لم يعرف في ذلك خلافا ومذهب سيبويه والمازنيّ (٣) ، وأبي علي الدّينوريّ (٤) والفارسيّ في تذكرته : أنّ أسماء الأفعال منصوبة بأفعال مضمرة. ـ

__________________

(١) أي في شبه الماضي المبني بالمضارع المعرب.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٣١).

(٣) هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني ، بصري من رجال الطبقة السادسة ، كان إماما في العربية حيث روى عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد كما روى عنه المبرد والفضل بن محمد اليزيدي وجماعة ، قال المبرد عنه :

لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان ، ومع ذلك فقد كان المازني يقدر سيبويه وهو الذي قال :

من أراد أن يصنف كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح. وآراؤه منثورة في كتب النحو.

اتصل بالخليفة الواثق بسبب بيت غنته جارية أمامه وهو قول الشاعر (الكامل) :

أظلوم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحيّة ظلم

ثم أمر له الخليفة بعد ذلك بمنحة قدرها ثلاثون ألف درهم.

من مؤلفاته : كتاب في التصريف ، شرحه ابن جني وهو مطبوع ، وكتاب علل النحو ، وله أيضا تفاسير كتاب سيبويه ، وله ما تلحن فيه العامة ، وله كتاب في القرآن.

عملت فيه وفي آثاره رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان : المازنيّ المجدّد ومؤلفاته وأثره (د / عبد العزيز فاخر) وتوفي سنة (٢٣٠ ه‍) وقيل سنة (٢٤٩ ه‍).

وانظر : ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٤٦٣) ، الأعلام (٢ / ٤٤).

(٤) هو أبو علي أحمد بن جعفر وأصله من دينور. قدم البصرة وأخذ عن المازني وحمل عنه كتاب سيبويه ، ثم دخل بغداد فقرأ الكتاب على المبرد وكان قد تزوج ابنة ثعلب ، ومع ذلك كان يقرأ كتاب سيبويه على المبرد فيعاتبه ثعلب في ذلك قائلا له :

ماذا يقول الناس إذا رأوك تمضي وتقرأ على هذا الرجل وتتركني ، فلم يكن أبو علي يلتفت إلى قوله.

ثم قدم مصر وكان أحد المبرزين. من مؤلفاته : كتاب المهذب في النحو ، ذكر فيه مسائل اختلاف بين البصريين والكوفيين ، ثم ثار على مذهب البصريين ، وكتاب مختصر في ضمائر القرآن ، وله أيضا كتاب إصلاح المنطق ، وعاش أبو علي في مصر حتى توفي سنة (٢٨٩ ه‍).

انظر ترجمته في معجم الأدباء (٢ / ٢٣٩) ، بغية الوعاة (١ / ٣٠١).

٢٤٢

______________________________________________________

وقيل : هي في موضع رفع بالابتداء ، والضّمير الذي فيها يسدّ مسدّ الخبر ، نحو : أقائم الزيدان.

ومذهب الأخفش ، والفارسي في حلبياته : أنها لا موضع لها من الإعراب». انتهى (١).

والأمر في المناقشتين قريب (٢).

البحث الثالث :

ناقض الشيخ أيّا بلدن ، قال : «لأنها ملازمة للإضافة ؛ بل هي أقوى لأنّها لا تنفكّ عنها لفظا وهي بمعنى عند ، وعند معربة ولدن مبنية فكان ينبغي أن تعرب لدن كما أعربت أيّ ؛ إذ قد اشتركا في المعنى الّذي أوجب الإعراب لأي» (٣). ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٣١) والمسائل الحلبيات (ص ٢١١) وما بعدها ، تحقيق د / حسن هنداوي.

(٢) أما في الأولى : فيمكن الرد عليه بأن ابن مالك اختار المذهب الأول ، وهو أن هاء السكت لا تلحق الماضي مطلقا.

وكذا يقال في الثانية : إن ابن مالك اختار كون أسماء الأفعال عاملة غير معمولة. ومن أين ذكر أبو حيان : أن مذهب سيبويه في أسماء الأفعال أنها منصوبة بأفعال مضمرة. وليس ذلك في كتابه. وكل ما ذكره هو قوله : منها ما يتعدى المأمور به كقولك : حيهل الصّلاة. ومنها ما لا يتعدى كقولك : مه وصه (كتاب سيبويه : ١ / ٢٤٢).

وكثيرا ما حكم بأنها ليست أسماء «وينبغي لمن زعم أنّهم أسماء» ، «وممّا يدلّ على أنه ليس باسم قول العرب» (الكتاب : ١ / ٢٤٥).

وأقصى ما قاله قوله : «وأما بله زيد فيقول دع زيدا ، وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول : ضرب زيد» (الكتاب : ٤ / ٢٣٢).

وليس في ذلك كله ما يوحي بأن لأسماء الأفعال موضعا فضلا عن أن يكون منصوبا ، والأمر الحاسم في ذلك هو ما قاله الرضي في شرحه على الكافية (٢ / ٦٧) ، قال : «ثم اعلم أن بعضهم يدّعي أن أسماء الأفعال مرفوعة المحلّ على أنها مبتدأة لا خبر لها كما في أقائم الزيدان وليس بشيء ... وما ذكره بعضهم من أن أسماء الأفعال منصوبة المحل على المصدرية ليس بشيء ؛ إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة فلم تكن قائمة مقام الفعل». ثم حكم بأنه لا موضع لها من الإعراب كضمير الفصل لما انتقلت إلى معنى الفعلية ، والفعل لا محل له من الإعراب.

(٣) وهو لزومها الإضافة لفظا ومعنى أو معنى فقط وشبه أيّ لكل وبعض معنى واستعمالا.

وانظر : التذييل والتكميل (١ / ١٣٦).

٢٤٣

[أنواع الإعراب]

قال ابن مالك : (وأنواع الإعراب : رفع ونصب وجرّ وجزم وخصّ الجرّ بالاسم ؛ لأنّ عامله لا يستقلّ فيحمل غيره عليه ، بخلاف الرّفع والنّصب وخصّ الجزم بالفعل لكونه فيه كالعوض من الجرّ).

______________________________________________________

والجواب : أنه لا يلزم من اعتبار لزوم الإضافة في أي ، اعتباره في لدن ؛ لجواز أن يمنع منه مانع (١) ، وبتقدير التسليم فليس شبه لدن بعند كشبه أي بكل وبعض. ولو سلم فليس لدن بمعنى عند. وقد قال المصنف في باب الظروف (٢) :

«وليست لدى بمعناها بل بمعنى عند على الأصحّ» ، فدل على أن معنى لدن ومعنى عند غيران (٣).

قال ناظر الجيش : إنما قال : وأنواع الإعراب لما علم من أن الإعراب عنده لفظي.

ومن الإعراب عنده معنوي (٤) ، يقول : ألقاب الإعراب وعلامات الإعراب.

«ولما كان المضارع شريك الاسم في الإعراب ، وكان الكلام في الإعراب عموما لم يستغن عن ذكر الأنواع الأربعة.

وقدم الرفع لأن الكلام قد يستغني به عن غيره ، وقدم الجر لأنه خاص بما هو أصل وأخر الجزم لأنه خاص بما هو فرع (٥). ـ

__________________

(١) وهو مجيء غدوة بعدها منصوبة (كتاب سيبويه : ١ / ٥٩) ، واستشهدوا له بقول الشاعر (من الطويل) :

فما زال مهري مزجز الكلب منهمو

لدن غدوة حتّى دنت لغروب

(٢) انظر تسهيل الفوائد (ص ٩٧). والضمير في بمعناها يعود على لدن بالنون.

ومعنى كلامه : أن لدى ليست بمعنى لدن وإنما لدى بمعنى عند ؛ فينتج أن لدن ليست بمعنى عند وهو المقصود.

وانظر ستة أمور تختص بها لدن دون عند في حاشية الصبان (٢ / ٢٦٤).

(٣) قوله : غيران : هكذا ورد في المخطوطة الأصل ومعناه متغايران. أما ضبطه فهو غريب : هل هو مثنى غير كبعل لم يرد ، وإنما الذي ورد أن يجمع غير التي بمعنى سوى على أغيار.

ولعل ضبطه بكسر أوله وفتح ثانيه ، ففي اللسان قولهم : لا أراني الله بك غيرا. والغير من تغير الحال وهو اسم بمنزلة القطع والعتب وما أشبههما.

وفيه أيضا الغير من قولك : غيرت الشيء فتغير (اللسان : مادة غير).

(٤) انظر الاختلاف في ذلك في أول هذا الباب.

(٥) المقصود بالأصل هو الاسم وبالفرع هو الفعل ، وهذا معلوم مما تقدم.

٢٤٤

______________________________________________________

ولما كان الاسم في الإعراب أصلا للفعل كانت عوامله أصلا لعوامله ، فقيل : رافع الاسم وناصبه أن يفرع عليهما لاستقلالهما بالعمل وعدم تعلقهما بعامل آخر. بخلاف عامل الجر فإنه غير مستقل لافتقاره إلى ما يتعلق به من فعل أو ما يقوم مقامه ، فموضع المجرور نصب بما يتعلق به الجار. ولذلك إذا حذف الجار نصب معموله وإذا عطف على المجرور جاز نصب المعطوف وربما اختير النصب. فشارك المضارع الاسم في الرفع والنصب لقوة عامليهما بالاستقلال وإمكان التفريع عليهما ، وضعف عامل الجر لعدم استقلاله عن تفريع غيره عليه ، فانفرد به الاسم وجعل جزم الفعل عوضا عما فاته من المشاركة في الجر ، وانفرد به ليكون لكل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب بتعادل ، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلق غيره والجر راجح بكونه ثبوتيّا ؛ بخلاف الجزم فإنه حذف حركة أو حرف فتعادلا». هذا كلام المصنف وهو جيد (١).

ولما كانت العوضية في الفعل غير متحققة ، قال : كالعوض من الجر ، ولم يقل عوضا من الجر ، وفي جعل الجزم في الفعل كالعوض من الجر [١ / ٦١] استغناء عن ذكر علة عدم دخوله في الاسم.

وقد ذكر لعدم دخول الجر في الفعل تعليل حسن وهو : أن الرفع في الأسماء وجد أصلا في بعضها وفرعا في بعضها وكذلك النصب بخلاف الجر فإنه أصل في المجرور جميعه (٢) ؛ فلما وجدت فرعية كل من الرفع والنصب فيما هو مستحق للإعراب بطريق الأصالة ، وكان إعراب الفعل فرعا أمكن دخولهما في الفعل.

ولما لم توجد في الجر فرعية في الاسم لم يجز أن يفرع الفعل على الاسم. ثم أتى ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٢).

(٢) في شرح ذلك يقول الزمخشري «الرّفع والنّصب والجرّ علم على معنى فالرفع علم الفاعليّة والفاعل واحد ليس إلّا ، وأمّا المبتدأ وخبره وخبر إنّ وأخواتها ولا الّتي لنفي الجنس واسم ما ولا المشبّهين بليس فملحقات بالفاعل على سبيل التّشبيه والتّقريب ، وكذلك النصب علم المفعوليّة والمفعول خمسة أضرب : المفعول المطلق والمفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول لأجله ، وأمّا الحال والتمييز والمستثنى المنصوب والخبر في باب كان والاسم في باب إنّ والمنصوب بلا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبهتين بليس فملحقات بالمفعول والجرّ علم الإضافة». انظر المفصل للزمخشري (ص ١٨) طبعة بيروت ، دار الجيل.

٢٤٥

[علامات الإعراب الأصلية]

قال ابن مالك : (والإعراب بالحركة والسّكون أصل وينوب عنهما الحرف والحذف. فارفع بضمّة وانصب بفتحة وجرّ بكسرة واجزم بسكون إلّا في مواضع النّيابة).

______________________________________________________

بالجزم في الفعل عوضا عن الجر (١).

قال ناظر الجيش : مراده : أن الإعراب بالحركة أصل في غير المجزوم وينوب عنها الحرف ، والسكون أصل في المجزوم وينوب عنه الحذف.

وإنما كانت أصالة الإعراب في غير الجزم للحركة لأنها أخف من الحرف وأبين : أما أخفيتها فظاهر ، وأما كونها أبين فلأنها لا تخفى زيادتها على بنية الكلمة لإدراك مفهوم الكلمة بدونها. بخلاف الحرف فإن مفهوم الكلمة لا يدرك بدونه في الغالب.

وإنما كان السكون في الجزم أصلا لأن بنية الفعل لا تنقص به بخلاف حذف آخره ـ ولذلك قد يستغنى عن حذف آخره بتقدير ظاهر الحركة قبل الجزم (٢).

وإذا كان الإعراب بالحركة والسكون هو الأصل ، فالرفع بالضمة والنصب بالفتحة والجر بالكسرة والجزم بالسكون إلا في مواضع النيابة كما سيأتي.

قال الشيخ : «كان القياس على مذهب البصريّين أن يقال بدل ضمّة رفعة وبدل فتحة نصبة وبدل كسرة جرّة ؛ لأنّ تلك للمبنيّ وهذه للمعرب» انتهى (٣).

وما قاله غير ظاهر ؛ لأن المصنف لم يطلق على الرفع ضمّا ولا على النصب فتحا ولا على الجر كسرا ، بل قال : فارفع بضمة ، فجعل الحكم هو الرفع وبيّن أن هيئة الرفع ضمة أي صورة المرفوع أن يكون مضموما ، وكذا صور المنصوب أن يكون مفتوحا ، والمجرور أن يكون مكسورا. ولا يلزم من ذلك إطلاق الضم على الرفع ولا الفتح على النصب ولا الكسر على الجر.

__________________

(١) انظر : كتاب سيبويه في ذلك (١ / ١٩). والتذييل والتكميل (١ / ١٤٢).

(٢) هذا رأي من ثلاثة تأتي بعد عند ثبوت حرف العلة مع الجازم في مثل قول الشاعر :

ألم يأتيك والأنباء تنمى .......

إلخ وهو أن الحركة كانت ثابتة قبل دخول الجازم ، فلما دخل حذفها وبقي الحرف كما هو.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٤٤).

٢٤٦

[ما ينوب عن الفتحة]

قال ابن مالك : (وتنوب الفتحة عن الكسرة في جرّ ما لا ينصرف ؛ إلّا أن يضاف أو يصحب الألف والّلام أو بدلها ، والكسرة عن الفتحة في نصب أولات والجمع بزيادة ألف وتاء ، وإن سمّي به فكذلك ، والأعرف حينئذ بقاء تنوينه ، وقد يجعل كأرطاة علما).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : شرع في ذكر مواضع النيابة :

واعلم أنه إما أن تنوب الحروف عن الحركات ، والحذف عن السكون ، وإما أن تنوب بعض الحركات عن بعض. ويمكن الرجوع بقول المصنف فيما تقدم : إلّا في مواضع النّيابة ، إلى نيابة الحركات عن الحركات فقط ، لا إلى المجموع من نيابة الحركات ونيابة الحروف. لأن نيابة الحروف قد تقدم ذكرها في قوله : وينوب عنهما الحرف والحذف ، وهذا أولى حتى لا يكون في كلامه تكرير ، ولا شك أن نيابة حركة عن حركة أقرب إلى الأصل من نيابة حرف عن حركة ؛ فلذلك قدم المصنف ذكر نيابة الحركات عن بعضها. وهذه النيابة جاءت في موضعين [١ / ٦٢] :

الموضع الأول : الاسم الذي لا ينصرف :

فإنه إذا جر نابت فيه الفتحة عن الكسرة ، فقيل : لأنه لما أشبه الفعل وامتنع تنوينه امتنع فيه ما يمتنع في الفعل أيضا وهو الكسر. وهذا باطل لأنه يجر بالكسرة حال وجود الألف واللام معه أو الإضافة وشبه الفعل باق (١).

والعلة الصحيحة لجره بالفتحة : أنه لو جر بالكسرة مع عدم التنوين لتوهم أنه مضاف إلى ياء المتكلم وقد حذفت لدلالة الكسرة عليها ، أو بني على الكسر لأن الكسرة لا تكون إعرابية إلا مع تنوين أو مع ما يعاقبه من الإضافة والألف واللام.

ولذلك إذا أضيف الاسم المذكور ودخل عليه الألف واللام ، جر بالكسرة لزوال الموهم ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : إلا أن يضاف ، إلى آخره.

وأطلق الألف واللام لتشمل المعرفة والزائدة والموصولة فإنهن متساوية في إيجاب ـ

__________________

(١) يمكن دفعه بأن الألف واللام أو الإضافة قرباه من الاسمية أو يقال : وجد فيه شبهان : شبه بالاسم في ذلك وشبه بالفعل في امتناع التنوين ، فسقطا وعاد إلى إعرابه الأصلي وهو جره بالكسرة عند وجودهما.

٢٤٧

______________________________________________________

جر ما لا ينصرف بالكسرة.

فالمعرفة : كقوله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ)(١).

والزائدة : كقول الشاعر :

٥١ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله (٢)

والموصولة : كقول الآخر :

٥٢ ـ وما أنت باليقظان ناظره إذا

رضيت بما ينسيك ذكر العواقب (٣)

والضمير في قوله : أو بدلها عائد إلى اللام ، وأشار بذلك إلى لغة من يبدلها ميما ، كقول بعضهم :

٥٣ ـ أأن شمت من نجد بريقا تألّقا

تكابد ليل ام أرمد اعتاد أولقا (٤)

__________________

(١) سورة هود : ٢٤.

(٢) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة لابن ميادة يمدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وبعده :

أضاء سراج الملك فوق جبينه

غداة تنادى بالنّجاح قوابله

اللغة : مباركا : ميمون الطليعة. شديدا بأعباء الخلافة : قائما بأمورها الشاقة. كاهله : الكاهل ما بين الكتفين. قوابله : جمع قابلة ، وهي من تتلقى الوليد عند خروجه.

وقد دار هذا البيت في كتب النحاة كثيرا مستشهدين به على زيادة أل في الأعلام ، وهي في الوليد زائدة للمح الأصل كالحسن والعباس وفي اليزيد زائدة لا لشيء ، وقيل معرفة بعد تنكير العلم ثم بعد دخول أل على العلم الممنوع من الصرف يجر بالكسرة كاليزيد. وانظر مراجع البيت الكثيرة في معجم الشواهد (ص ٢٨٧) وانظره أيضا في شرح التسهيل (١ / ٤١) وفي التذييل والتكميل (١ / ١٣٩).

ترجمة ابن ميادة : هو الرماح بن أبرد بن ثوبان المعروف بابن ميادة وهي أمه وكانت فارسية. شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، مدح خلفاء بني أمية.

مات في خلافة المنصور سنة (١٤٩ ه‍) وقد عملت فيه رسالة تحت عنوان : ابن ميادة وشعره ، في جامعة عين شمس. وانظر ترجمته في معجم الأدباء (١١ / ١٤٣) ، الشعر والشعراء (٢ / ٧٧٥).

(٣) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه.

اللغة : اليقظان : المتنبه الحذر. ناظره : ناظر العين النكتة السوداء فيها وقيل العين كلها. العواقب : نتائج الأمور. وشاهده كالذي قبله.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٩) وفي شرح التسهيل (١ / ٤١) والتذييل والتكميل : (١ / ١٤٨).

(٤) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه إلا لرجل من طيئ ولم يعين.

اللغة : شمت : تقول : شمت السحاب والبرق شيما إذا نظرت إليه أن يسقط مطره.

بزيقا : تصغير برق. تألق : لمع وأضاء. أم أرمد : هو الأرمد الذي في عينه وجع.

٢٤٨

______________________________________________________

أراد ليل الأرمد فجر أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام.

الموضع الثاني : ما جمع بألف وتاء كمسلمات :

فإنه إذا نصب نابت فيه الكسرة عن الفتحة ؛ والعلة في ذلك حمله على جمع المذكر وتشبيهه به في حمل نصبه على جره ؛ هكذا ذكروا.

ولا يتجه ذلك إذا قلنا بمذهب سيبويه ، وهو أن جمع المذكر معرب بالحركات كما سيأتي (١).

وقدم المصنف على الجمع المذكور أولات لمشاركتها له في الحكم مع أنها ليست بجمع إنما هي اسم جمع.

وقال المصنف : «أولو وأولات بمعنى ذوي وذوات إلّا أن هذين جمعان ؛ لأن مفرديهما من لفظيهما بخلاف أولو وأولات ؛ فلذلك لم يغن عن ذكرهما ذكر جمعي التّصحيح».

وإنما قال المصنف : بزيادة ألف وتاء ؛ فقيدهما بالزيادة احترازا من قضاة وأبيات ؛ فإن كلّا منهما يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء ؛ لكن ألف قضاة منقلبة عن أصل لا زائدة ، وتاء أبيات أصل.

لكن قد ورد على كلامه في الألفية ما احترز عنه هنا ؛ لأنه قال فيها :

وما بتا وألف قد جمعا (٢) ... ولم يقيد بالزيادة.

ويجاب عنه : بأن التاء في قوله : بتاء متعلقة بقوله : جمع. أي حصلت جمعيته ـ

__________________

الأولق : ما يشبه الجنون ووزنه أفعل وقيل فوعل.

معنى البيت : يقول لصاحبه (أو لنفسه) : هل تبيت مسهد الجفن قريح العين مستطار القلب كمن به خبل أو جنون ؛ لأنك أبصرت السحاب قادما من جهة نجد التي فيها أحباؤك؟.

أأن شمت : يروى بفتح همز أن على أنها مصدرية حذفت قبلها لام التعليل. وهو علة لما بعده ومتعلق به ، ويروى بكسرها على أنها شرطية وجوابها تبيت ؛ ورفع لأن فعل الشرط ماض وهو جائز.

والشاهد فيه : جر الاسم الممنوع من الصرف بالكسرة لدخول أم المعرفة عليه التي هي بدل من أل على لغة حمير وذلك في قوله : أم أرمد.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك : (١ / ٤٢) ولأبي حيان : (١ / ١٤٨) وفي معجم الشواهد (ص ٢٤٢).

(١) انظر : كتاب سيبويه (١ / ١٨). ومعناه أنه إذا كان جمع المذكر ينصب بالفتحة فكيف يحمل عليه نصب جمع المؤنث بالكسرة؟.

(٢) بقيته : يكسر في الجر وفي النصب معا. (انظر باب المعرب والمبني في الألفية).

٢٤٩

______________________________________________________

بالألف والتاء ، ولا شك أن قضاة وأبيات إنما جمعيتهما بالصيغة ؛ لأنهما جمعا تكسير وليست بالألف والتاء ، بخلاف مسلمات ؛ فإن الجمعية فيه إنما هي بالألف والتاء.

نعم لو علقنا الباء بمحذوف على معنى : وما جمع مصحوبا بألف وتاء لورد نحو قضاة وأبيات [١ / ٦٣].

وكأن المصنف في التسهيل خشي من هذا فدفع الوهم بذكر قيد الزيادة ، ولو قال : والجمع بألف وتاء ، وقصد تعليق الباء بلفظ الجمع لاستغنى عن ذلك ؛ فكلامه في المصنفين صحيح ، رحمه‌الله تعالى ورضي عنه.

ولم يتعرض المصنف لتأنيث واحد هذا الجمع ولا لسلامة نظمه ؛ لأن هذا الجمع قد يكون لمذكر كحسامات ودريهمات و (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)(١) ، وقد لا يسلم فيه نظم الواحد : كتمرات وغرفات وكسرات (٢).

وأشار المصنف بقوله : وإن سمّي به فكذلك إلى أنه إذا سمي بهذا النوع الذي تنوب فيه الكسرة عن الفتحة ، فله بعد التسمية به ثلاثة أحوال (٣) :

الأول : ثبوت تنوينه ونصبه بالكسرة ، كما كان قبل التسمية. وإليها أشار بقوله : فكذلك. قال المصنف : «لأنه سلك بمسلمات ونحوه سبيل مسلمين ونحوه ، فقوبل بالتنوين النون ، ولو لا قصد هذه المقابلة لساوى عرفات عرفة في منع التنوين والكسرة ؛ لتساويهما في التعريف والتأنيث ، مع زيادة ثقل عرفات بعلامة الجمعية».

الحالة الثانية : حذف تنوينه مع بقاء الإعراب على حاله اكتفاء بتقابل الكسرة والياء ، فيقال : هذه عرفات ورأيت عرفات ومررت بعرفات.

وفهمت هذه الحالة من قوله : والأعرف حينئذ بقاء تنوينه. وأفهم كلامه : أن حذف التنوين قليل.

الحالة الثالثة : معاملته معاملة الاسم الذي لا ينصرف ، فيحذف تنوينه وينصب ويجر بالفتحة ، وإليه أشار بقوله : كأرطاة علما أي كواحد زيد في آخره ألف وتاء ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٧.

(٢) عين الجمع في الأول والثالث مفتوحة ، وفي الثاني مضمومة ، وهي ساكنة في مفرد كلّ. وهذا هو عدم السلامة.

(٣) انظر شرح التسهيل (١ / ٤٢).

٢٥٠

______________________________________________________

كأرطاة وسعلاة وبهماة. ونقل المصنف أن هذه الأحوال الثلاثة لغات للعرب (١).

ثم ها هنا تنبيهات :

الأول : ذهب الأخفش والمبرد إلى أن الفتحة في الاسم الذي لا ينصرف حال الجر ، والكسرة في المجموع بالألف والتاء حال النصب ، حركتا بناء وأن هذين الاسمين لهما حالتان : حالة إعراب وحالة بناء ، وهو مذهب مرغوب عنه والجمهور على خلافه (٢).

الثاني : نقل الشيخ أن الكوفيين يجيزون نصب ما جمع بألف وتاء بالفتحة ، فقيل : سواء أكان تامّا نحو : استأصل الله عرقاتهم (٣) أم ناقصا نحو : سمعت لغاتهم ، وقيل : إنما يجوز في الناقص فقط.

الثالث : ناقض الشيخ المصنف في شيئين (٤) :

أحدهما : «أنّه جعل مسلمات بعد التسمية كأرطاة علما (٥) ليس مذهب البصريين ، وأن الكوفيين إنما أجازوا ذلك في الشعر ، قال : وناهيك من مذهب البصريين وقد جهله». ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٢).

(٢) حققت هذا الرأي الذي نسبه ناظر الجيش للمبرد ، فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبه ؛ بل إن المبرد يقول بعكسه ، ويوافق الجمهور في إعراب جمع المؤنث السالم. وقد قال بهذا محقق كتاب المقتضب (٣ / ٣٣١) ، يقول الشيخ محمد عضيمة : «تحدث المبرد في غير موضع من المقتضب عن إعراب جمع المؤنث السالم ، وكان حديثا صريحا في أنه معرب في كل أحواله ، فيقول هنا : واستوى خفضه ونصبه كما استوى ذلك في مسلمين».

وقال المبرد في الجزء الأول (ص ٧): «فإذا أردت رفعه قلت : مسلمات فاعلم ونصبه وجره مسلمات يستوي الجر والنصب كما استويا في مسلمين».

وقال الشيخ : «إن ابن جني هو الذي نسب إلى المبرد هذا الرأي في سر الصناعة (ص ٤٢٨) ، وإن هذا الزعم نظير ما نسب إليه فيما سبق من أن الممنوع من الصرف مبني في حالة الجر». والسبب في نسبة ناظر الجيش هذا الرأي لهذين العالمين هو متابعته لأبي حيان إمامه ، وانظر التذييل والتكميل (١ / ١٤٨).

وانظر في رأي الأخفش أيضا الهمع (١ / ١٩) وحاشية الصبان (١ / ٩٢).

(٣) مثل من أمثال العرب ، يقال في الدعاء على الواحد أو الجماعة ومعناه : قطع الله أصله (انظر مجمع الأمثال : ١ / ١٠٧).

وهو فيما ذكره الشارح جمع مؤنث بكسر أوله وسكون ثانيه ، وقد نصب بالفتحة على المذهب المذكور ، كما ضبط بفتح أوله وثانيه أيضا. وقيل : هو مفرد مؤنث مثل سعلاة.

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٥٦).

(٥) الحالة الثالثة من الأحوال التي ذكرها.

٢٥١

[ما ينوب عن الضمة]

قال ابن مالك : (وتنوب الواو عن الضّمّة ، والألف عن الفتحة ، والياء عن الكسرة ، فيما أضيف إلى غير ياء المتكلّم من أب وأخ وحم غير مماثل قروا وقرءا وخطأ وفم بلا ميم ، وفي ذي بمعنى صاحب ، والتزام نقص هن أعرف من إلحاقه بهنّ).

______________________________________________________

الثاني : «أن البصريين إنما أجازوا حذف التنوين وبقاء الكسرة في الشّعر (١) وهو قد ذكر أن ذلك لغة للعرب» انتهى.

وعجبا من الشيخ! كيف يصدر منه مثل هذا؟! ولكن الموجب له التحامل ، وكيف تتوجه هاتان المناقشتان على المصنف وهو إنما ذكر ما للعرب من اللغات في الاسم المذكور بعد التسمية ، وهو رجل مطلع ثبت فيما ينقله ، فكيف يرد النقل أو يبطل اللغات بالمذاهب إن كانت المذاهب المنقولة هي الصحيحة؟!.

وأعجب من هذا أنه نقل في كتابه عن صاحب البسيط (٢) أن للعرب فيه عند التسمية مذهبين :

أحدهما : أن يعامل معاملة فاطمة ، فيحذف التنوين ويفتح نصبا [١ / ٦٤] وجرّا فرد على نفسه ، وعضد نقل المصنف بنقل هذا الرجل الكبير وهو لا يدري (٣).

قال ناظر الجيش : لما أنهى الكلام عن نيابة بعض الحركات عن بعض ، شرع في ذكر نيابة الحروف عن الحركات ، وذلك في أربعة أشياء :

الأسماء الستة والأمثلة الخمسة ، وذكرهما في هذا الباب. والمثنى والمجموع على حدّه ، وسيأتيان في باب. ـ

__________________

(١) هذه هي الحالة الثانية من الأحوال المذكورة ، وانظر التذييل والتكميل (١ / ١٥٦).

(٢) هو ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي الإشبيلي ويعرف بابن العلج ، قال عنه السيوطي في فهرس بغية الوعاة : لم أقف له على ترجمة ، وقال عنه أبو حيان في البحر المحيط (٨ / ٧٤) : وهو ممن أقام باليمن وصنف بها. وقد نقل عنه أبو حيان نقولا كثيرة في شرحه على التسهيل ، وكذلك فعل السيوطي في الأشباه والنظائر وسائر كتبه ، وكذلك فعل ابن عقيل.

(٣) الثاني من المذهبين : إثبات التنوين ومعاملته معاملة النكرة ، وهي حالة غير الثلاثة السابقة. وانظر ذلك في التذييل والتكميل (١ / ١٥٦).

٢٥٢

______________________________________________________

وليس الإعراب بالحروف مما أجمع عليه ، بل في كل من الأربعة خلاف كما ستعرفه.

ومذهب سيبويه : أن ليس معربا منها بالحروف إلا الأمثلة الخمسة (١) ، وأن الأسماء الستة والمثنى والمجموع معربات بحركات مقدرة كما سيأتي.

أما الأسماء الستة : فذكر المصنف فيما هي معربة به ، خمسة مذاهب : منها المذهبان المذكوران في متن الكتاب ، وثلاثة في الشرح. وذكر الشيخ فيها تسعة أقوال ، وقال : إن إحداها وهو قول الأخفش فسر بتفسيرين ، فآلت الأقوال فيها إلى عشرة ، وضبطها أن يقال :

اختلف فيها فقيل : معربة ولا إعراب فيها لا ظاهر ولا مقدر (٢) ، وهذا أحد مفهومي قول الأخفش : إنّ الإعراب فيها دلائل الإعراب.

وقيل : فيها إعراب (٣) ، فقيل : معنوي : وهو التغير والانقلاب حالة النصب والجر وعدم ذلك حالة الرفع ، وهذا مذهب الجرمي (٤) ، وهشام (٥) في أحد قوليه. ـ

__________________

(١) يقصد بالأمثلة الخمسة هنا ما يعرف عند الدارسين بالأفعال الخمسة ، وسيأتي الحديث عنها. وقد عبر عنها سيبويه بتثنية الأفعال المضارعة وجمعها وتأنيثها ، أو إلحاق علامة الاثنين والجمع والمؤنث بها.

وحديثه عنها حديث طريف ، ارجع إليه في كتابه : (١ / ١٩ ، ٢٠) (تحقيق هارون).

(٢) هذا هو المذهب الأول من العشرة التي سيذكرها وهو للأخفش ، وانظره في التذييل والتكميل : (١ / ١٧٨) والهمع : (١ / ٣٩) وقد نسب هذا التفسير لابن السراج وابن كيسان : (١ / ١٧٨).

(٣) هذا هو المذهب الثاني وهو للجرمي ، وانظره في التذييل والتكميل (١٧٦ ـ ١٧٨) والهمع (١ / ٣٩) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٧).

(٤) هو أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي بفتح الجيم النحوي ، فقيه عالم بالنحو واللغة ، من أهل البصرة ، أخذ النحو عن الأخفش ، وقرأ عليه كتاب سيبويه ولقي يونس بن حبيب والمازني وأخذ اللغة عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي ، وله مناظرات كثيرة مع الأصمعي والفراء. مصنفاته : مفقودة. وعد المؤرخون منها : كتاب مختصر النحو ، كتاب الأبنية ، غريب سيبويه ، كتابا في السير ، توفي عام (٢٢٥ ه‍). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ١٤٣) ، الأعلام (٣ / ٢٧٤).

(٥) هو هشام بن معاوية أبو عبد الله النحوي الكوفي الضرير. كان مصاحبا للكسائي ، ومن أخباره أن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب كلم المأمون يوما فلحن في بعض كلامه ، فنظر إليه المأمون فخرج من عنده وجاء إلى هشام المذكور فتعلم عليه النحو.

مصنفاته : مختصر النحو ، الحدود ، القياس ، ولم أعثر على شيء منها ، توفي سنة (٢٠٩ ه‍) انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ١٦٤) ، وفيات الأعيان (٦ / ٨٥) بغية الوعاة (٢ / ٣٢٧).

٢٥٣

______________________________________________________

وقيل : لفظي ، فقيل : بالحروف (١) وهذا مذهب قطرب (٢) ، والزيادي (٣) ، والزجاجي (٤) من البصريين ، وهشام من الكوفيين في قوله الآخر.

وقيل : بالحركات والحروف (٥) معا ، وهذا مذهب الكسائي (٦) والفراء (٧) وهو ـ

__________________

(١) هذا هو المذهب الثالث وهو لقطرب والزيادي ، وانظره في التذييل والتكميل (١ / ١٧٦) ، والهمع (١ / ٣٨).

(٢) هو أبو علي محمد بن المستنير الملقب بقطرب ، وهي دابة تدب ولا تفتر. وأول من لقبه به سيبويه ؛ لأنه كان يخرج من بيته فيراه على بابه مبكرا للأخذ عنه ، فيقول له سيبويه : ما أنت إلا قطرب ليل. أحد أئمة النحو واللغة ، أخذ ذلك عن سيبويه وعن علماء البصرة ، وكان يتكلم بمذهب المعتزلة. ولما ألف كتابه في التفسير استعان بالسلطان ليقرأه على الناس بالمسجد. توفي ببغداد سنة (٢٠٦ ه‍) وله أشعار في معجم الأدباء.

مصنفاته : ذكرت له مصنفات كثيرة منها معاني القرآن ، إعراب القرآن ، مجاز القرآن ، العلل في النحو ، المثلث ، كتاب غريب الحديث ، غريب اللغة ... إلخ.

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ٩١) ، إنباه الرواة (٣ / ٢١٩) ، معجم الأدباء (١٩ / ٥٢) ، الأعلام (٧ / ٣١٥).

(٣) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الزيادي نسبة إلى زياد بن أبيه لأنه من أحفاده ، أديب راوية كان يشبه بالأصمعي في معرفته للشعر ومعانيه ، وكان شاعرا فيه دعابة ومزاح ، أخذ عن الأصمعي وغيره وأخذ عنه المبرد وغيره. له على كتاب سيبويه نكت وخلافات ذكرها أبو سعيد السيرافي في شرحه ، وله كتاب الأمثال وكتاب تنميق الأخبار وأسماء الرياح والسحاب والأمطار ، توفي سنة (٢٤٩ ه‍).

انظر ترجمته في بغية الوعاة : (١ / ٤١٤) ، الأعلام : (١ / ٣٤) نزهة الألباء (ص ٢٠٥).

(٤) منسوب إلى العالم النحوي المشهور بالزجاج إبراهيم بن السري لملازمته له ، وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق ، أخذ النحو عن أئمة منهم ابن السراج والأخفش والزجاج ، ألف كتبا حسنة منها كتاب الجمل المشهور والذي شرحه كثيرون منهم ابن عصفور والأعلم وابن السيد البطليوسي ، كما صنف كتاب الإيضاح في علل النحو وهو مطبوع محقق (د / مازن المبارك). وكتاب الأمالي الصغرى والوسطى والكبرى ، والكافي في النحو واللغة والأدب ، توفي بدمشق سنة (٣٣٧ ه‍).

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ٣٠٦) ، نشأة النحو (ص ١٤٩).

(٥) هذا هو المذهب الرابع وهو للكسائي والفراء وانظره في التذييل والتكميل (١ / ١٧٧) ، والهمع (١ / ٣٨) وأسنده الرضي إلى الكوفيين عامة (شرح الكافية : ١ / ٢٧).

(٦) هو علي بن حمزة المشهور بأبي الحسن الكسائي ، إمام أهل الكوفة في النحو واللغة ، كما أن سيبويه إمام أهل البصرة ، والكسائي أحد القراء السبعة المشهورين ، له مناظرات مشهورة مع سيبويه وناصرته السياسة والملك ولعظمة فضله قال فيه الرشيد وفي محمد بن الحسن ، وكانا توفيا في يوم واحد : دفنّا الفقه واللغة في هذا اليوم ، توفي سنة (١٨٩ ه‍).

صنف معاني القرآن وقد جمع نتفا منه (د. / عيسى شحاتة) في كتاب مطبوع ، مختصرا في النحو ، القراءات ، النوادر ، وعملت فيه رسالة تحت عنوان : الكسائي إمام الكوفيين وأثره في الدراسات النحوية (جامعة القاهرة : ١٥١٤).

أخباره طويلة في نزهة الألباء (ص ٦٧) ، بغية الوعاة (٢ / ١٦٢) ، الأعلام (٥ / ٩٣).

(٧) هو أبو زكريا يحيى بن زياد ، يلقب أبوه بالأقطع ؛ لأن يده قطعت في الحرب مع الحسين بن علي. ـ

٢٥٤

______________________________________________________

الذي يعنون به أنها معربة من مكانين. وقيل : بالحركات فقط ثم اختلفوا :

فقيل : بحركات مقدرة (١) في الحروف التي قبل حروف العلة. وهذا المفهوم الثاني من قول الأخفش المتقدم.

[١ / ٦٥] وقيل : بالحركات (٢) التي قبل الحروف ، والحروف إشباع. وهذا مذهب المازني وأصحابه وهو اختيار الزجاج.

وقيل : بالحركات (٣) المذكورة لكنها منقولة من الحروف.

وهذا مذهب الربعي (٤) ومن وافقه.

وقيل : بالحركات (٥) المذكورة لكنها الحركات التي كانت لها قبل أن تضاف. ـ

__________________

.ـ إمام الكوفيين بعد الكسائي وقد أخذ عنه وعن يونس البصري ، كان ينام وتحت رأسه كتاب سيبويه ، تفلسف في النحو وغاص فيه وهو القائل : أموت وفي نفسي شيء من حتّى. طمع في نوال الخلفاء فاتصل بالمأمون وأدب ولديه وأقام ببغداد والكوفة وتوفي بمكة سنة ٢٠٧ عن سبعة وستين عاما.

مصنفاته : اشتهر بمعاني القرآن له ، وله كتاب الحدود وفي هذا الشرح نقل عنه وله المصادر في القرآن ، وله الجمع والتثنية فيه ، وله المقصور والممدود ، وعملت فيه رسائل وكتب. اقرأ ترجمته في نزهة الألباء (ص ٩٨) ، بغية الوعاة (٢ / ٣٣٣) ، نشأة النحو (ص ١٠١).

(١) هذا هو المذهب الخامس وهو للأخفش ، انظره في التذييل والتكميل (١ / ١٧٨) ، والهمع (١ / ٣٩).

وقد نسب هذا التأويل إلى السيرافي.

(٢) هذا هو المذهب السادس وهو للمازني. انظره في التذييل والتكميل (١ / ١٧٧) ، وشرح الرضي (١ / ٢٧) ، والهمع : (١ / ٣٨) ، وانظر المسألة بالتفصيل في : الزجاج وأثره في النحو مع تحقيق كتابه المخطوط (سر النحو ص ١٣٩ ، بجامعة عين شمس).

(٣) هذا هو المذهب السابع وهو للربعي ، انظر التذييل والتكميل (١ / ١٧٧) ، وشرح الرضي (١ / ٢٧) ، والهمع (١ / ٣٨).

(٤) هو أبو الحسن علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي ، ولد سنة (٣٢٨ ه‍) ، أخذ النحو عن أبي سعيد السيرافي ، ثم انتقل إلى شيراز فلازم أبا علي الفارسي عشرين سنة ، حتى أقر له أبو علي بالإمامة والعلم ، ثم رجع إلى بغداد وعاش بها ، كان يحفظ الكثير من أشعار العرب إلا أنه لطول لسانه وجفاء طبعه كانت الناس تتحاشاه والطلاب ينفرون منه.

مصنفاته : شرح كتاب سيبويه ثم غسله بماء ؛ لأن أحد أولاد التجار أغضبه في مسألة ، كما شرح الإيضاح لأبي علي ، وله كتاب البديع في النحو ، كما أن له كتاب ما جاء من المبني على فعال ، وغير ذلك. بلغ التسعين عاما حيث توفي سنة (٤٢٠ ه‍).

اقرأ ترجمته في نزهة الألباء (ص ٣٤١) معجم الأدباء (١٤ / ٧٨) ، الأعلام (٥ / ١٣٤).

(٥) هذا هو المذهب الثامن وهو للأعلم. وانظر التذييل والتكميل (١ / ١٧٧) ، والهمع (١ / ٣٨).

٢٥٥

______________________________________________________

وهذا مذهب جماعة من المتأخرين منهم الأعلم (١) وابن أبي العافية (٢).

وقيل : بالتفصيل (٣) فيها : ففوك وذو مال معربان بحركات (٤) مقدرة في الحروف والأربعة الباقية معربة بالحروف ، وهذا مذهب السهيلي وتلميذه أبي علي الرندي (٥).

وقيل : إنها جميعها معربة بحركات مقدرة في الحروف (٦) واتبع فيها ما قبل الآخر للآخر. وهذا مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين ، وهو الصحيح وإليه أشار المصنف آخرا : ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ. وسيأتي الاستدلال لهذا القول عند ذكر المصنف له. ـ

__________________

(١) هو أبو الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم ، لانشقاق شفته العليا ، ولد بشنتمرية في غرب الأندلس سنة (٤١٠ ه‍) ثم رحل إلى قرطبة وتلقى عن الإقليلي وغيره ، اشتهر بالنحو واللغة وكانت تضرب إليه أكباد الإبل ، كف بصره في آخر حياته ، وتوفي سنة (٤٧٦ ه‍) بإشبيلية.

مصنفاته : اشتهر بشرح شواهد سيبويه المسمى بتحصيل عين الذهب وله أيضا شرح الجمل وشرح شواهد الجمل وغير ذلك ، وكتبت فيه رسالة تحت عنوان : الأعلم الشنتمري وتحقيق كتابه شرح أبيات الجمل ، اقرأ في ترجمته نشأة النحو (ص ١٩٥) ، الأعلام للزركلي (٩ / ٣٠٨).

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن أبي العافية النحوي المقري الإشبيلي ، كانا إماما بجامع إشبيلية ، أخذ الأدب وغيره عن أبي الحجاج الأعلم وكان من أهل المعرفة والأدب ، وأخذ الناس عنه ذلك عمل فيه وفي آرائه بحثا طويلا د. / المهدي إبراهيم عبد العال ، توفي ابن أبي العافية سنة (٥٠٩ ه‍).

انظر في ترجمته إنباه الرواة (٣ / ٧٣).

(٣) هذا هو المذهب التاسع وهو للسهيلي ، وانظر التذييل والتكميل (١ / ١٧٨) والهمع (١ / ٣٨).

(٤) في نسخة (ب) : بحركة مقدرة ونسخة الأصل أولى لدقة الأسلوب العلمي.

(٥) هو أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي بضم الراء وسكون النون. من تلاميذ السهيلي ، له شرح على جمل الزجاجي وهو من مقرئي كتاب سيبويه.

انظر في ترجمته بغية الوعاة (٢ / ٢٢٠).

(٦) هذا هو المذهب العاشر والأخير وهو لسيبويه. قال في الهمع : (١ / ٣٨) : وهو مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين وصححه ابن مالك وأبو حيان وابن هشام وغيرهم من المتأخرين.

ولم أقف في كتاب سيبويه على نص صريح في مذهبه هذا في الأسماء الخمسة ؛ بل لم يتعرض لها في كتابه كثيرا كما فعل في الأبواب الأخرى فضلا عن أن يكون مذهبه في إعرابها ما ذكر. والذي وجد له في إعرابه بالحركات المقدرة وهو معرب بالحروف : المثنى والمجموع على حدّه ، فلعل العلماء قاسوا رأيه في الأسماء الخمسة على رأيه فيما ذكر من المثنى والمجموع على حده.

٢٥٦

______________________________________________________

وقد ضعف غيره من الأقوال :

أما القول بأن الحركات منقولة من حروف المد ، فسلمت الواو في الرفع لوجود التجانس وانقلبت في غيره بمقتضى الإعلال (١) ـ فبأن فيه مخالفة النظائر من ثلاثة أوجه : أحدها : النقل في غير وقف إلى متحرك. والثاني : جعل حرف الإعراب غير آخر ، والثالث : التباس فتحة الإعراب بالفتحة التي تستحقها البنية.

وأما القول بأنها معربة بالحركات والحروف معا (٢) فبالوجه الثالث الذي رد به القول بالنقل مع ما فيه من نسبة دلالة واحدة إلى شيئين.

وأما القول بأن حروف المد إشباع بعد حركات الإعراب (٣) ، فبأنه يلزم منه وجوب ما لا يجوز إلا في ضرورة أو ندور.

وأما القول بأنها معربة بالحركات التي قبل حروف المد وأنها ليست بمنقولة من حروف المد ، وإنما هي الحركات التي كانت لها قبل أن تضاف ، فثبتت الواو في الرفع لأجل الضمة وانقلبت ياء لأجل الكسرة وألفا لأجل الفتحة (٤) ـ فبأنه إما أن تكون الحروف لا مات الكلمة ردت إليها حالة الإضافة ، أو تكون إشباعا فإن كان الثاني فقد تقدم رده وإن كان الأول فيلزم من ذلك جعل الإعراب في عينات الكلمة أو فاءاتها مع وجود اللامات التي هي حروف الإعراب أو العينات التي هي محل الإعراب عند فقد اللامات ؛ وذلك لا يجوز ؛ لأن الإعراب إنما يكون في آخر الكلمة (٥).

وأما القول بأنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر وبعدم ذلك حالة الرفع (٦) ، فبأنه يلزم منه عدم النظير ؛ إذ لم يوجد في الأسماء المفردة معتلة الآخر كانت أو صحيحة ما إعرابه كذلك. ـ

__________________

(١) هذا هو المذهب السابع من العشرة المذكورة وهو للربعي ومن وافقه.

(٢) هذا هو المذهب الرابع وهو للكسائي والفراء.

(٣) هذا هو المذهب السادس وهو للمازني ومن تبعه.

(٤) هذا هو المذهب الثامن وهو للأعلم ومن تبعه.

(٥) عينات الكلمة التي يكون عليها الإعراب هي : أبوك وأخوك وحموك ، أما الفاءات فتكون في : فوك وذو.

(٦) هذا هو المذهب الثاني وهو للجرمي ومن تبعه.

٢٥٧

______________________________________________________

وأما القول بأن فاك وذا مال معربان بحركات مقدرة في الحروف ، وأن بقيتها معربة بالحروف (١) فيرد كون البقية معربة بالحروف بما يرد به قول من قال : إنها جميعها معربة بالحروف.

وأما القول بأنها معربة بحركات مقدرة في الحروف التي قبل حروف العلة ، وهو أحد مفهومي قول الأخفش (٢) ، فمردود بما رد به قول من قال بأنها معربة بالحركات التي قبل حروف المد ، وأنها ليست منقولة من حروف المد.

وأما القول بأنه لا إعراب فيها لا ظاهر ولا مقدر وهو المفهوم الآخر من قول الأخفش (٣) ، فظاهر الفساد ؛ إذ لا يكون شيء معرب ولا إعراب فيه.

وأما القول بأنها معربة بالحروف وهو الذي ذكره المصنف في المتن أولا (٤) ، فقد قال المصنف فيه : «إنه أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف ؛ لأن الإعراب إنما جيء به لبيان مقتضى العامل ، ولا فائدة في جعل مقدر متنازع فيه دليلا وإلغاء ظاهر واف بالدلالة المطلوبة ، ولا يمنع من ذلك أصالة الحروف ؛ لأن الحرف المختلف الهيئات صالح للدلالة أصلا كان أو زائدا ، مع أن في جعل الحروف المشار إليها نفس الإعراب ، مزيد فائدة ، وهو كون ذلك توطئة لإعراب المثنى والمجموع على حده ؛ لأنهما فرعان على الواحد وإعرابهما بالحروف لا مندوحة عنه. فإذا سبق مثله في الآحاد أمن من الاستبعاد [١ / ٦٦] ولم يحد عن المعتاد» انتهى (٥).

وقوله (٦) : ولا فائدة في جعل مقدر إلى آخره ، إشارة إلى مذهب سيبويه الذي سيأتي (٧).

وأما قوله : ولا يمنع من ذلك أصالة الحروف ، فقد يمنع ؛ والظاهر أن الأصالة مانعة.

وأما قوله في المثنى والمجموع : إنه لا مندوحة فيهما عن الإعراب بالحروف ، ـ

__________________

(١) هذا هو المذهب التاسع وهو للسهيلي ومن تبعه.

(٢) هذا هو المذهب الخامس من العشرة السابقة.

(٣) هذا هو المذهب الأول من العشرة.

(٤) هذا هو المذهب الثالث وهو لقطرب ومن تبعه.

(٥) انظر شرح التسهيل (١ / ٤٣).

(٦) ثلاث مناقشات وتضعيفان : أوردهما أبو حيان على المذهب المشهور وهو الإعراب بالحروف الذي اختاره ابن مالك ، وقد لخص ذلك كله ناظر الجيش فيما سيأتي. وانظر التذييل والتكميل (١ / ١٦٩) وما بعدها.

(٧) هو العاشر من المذاهب السابقة.

٢٥٨

______________________________________________________

فممنوع (١) أيضا ، وسيأتي أن مذهب سيبويه فيهما أنهما معربان بالحركات المقدرة ، وسيأتي من كلام المصنف عند استدلاله لمذهب سيبويه ما يدل على ضعف القول بأنها معربة بالحروف.

ومما ضعف به هذا القول : أن الواو توجد في هذه الأسماء قبل دخول العامل عليها ؛ فلو كانت إعرابا لم توجد إلا بعد دخول العامل ، وأن الإعراب (٢) زائد على الكلمة ، فيؤدي ذلك إلى بقاء فيك وذي مال على حرف واحد وهما معربان وصلا وابتداء ؛ وذلك لا يوجد إلا في شذوذ حكي : شربت ما يا فتى أي ماء.

وإنما قالوا : وصلا وابتداء ؛ لأنه قد يبقى المعرب على حرف واحد في الوصل دون الابتداء ، نحو أن يقال : من اب لك في لغة من ينقل.

ولنرجع إلى لفظ المتن :

قوله : فيما أضيف إلى غير ياء المتكلّم من أب وأخ وحم ـ إشارة إلى أن لإعراب الأسماء المذكورة هذا الإعراب شرطا وهو أن تكون مضافة إلى غير الياء فإما إلى الظاهر وإما إلى المضمر غير الياء.

واكتفى المصنف بلفظ أب وما معه ، عن ذكر شرطين آخرين ذكرهما غيره وهما : ألا تكون مصغرة وألا تكون مثناة ولا مجموعة ؛ لأنه علق الحكم على ما لفظ به ، فلا يتجاوز غيره.

أما إذا لم تضف أصلا فإعرابها بالحركات الظاهرة ، وأما إذا أضيفت إلى الياء فحكمها في الإعراب حكم المضاف إلى الياء ؛ وسيأتي مكانه إن شاء الله تعالى (٣). ـ

__________________

(١) في نسخة (ب) ، (ج) : فيمنع وفيها اضطراب.

(٢) هذا هو التصنيف الثاني.

(٣) انظر شرح التسهيل لناظر الجيش في باب الإضافة (فصل المضاف إلى ياء المتكلم) ، قال ناقلا عن ابن مالك : والصحيح أن المكسور الآخر للإضافة معرب تقديرا في الرفع والنصب ؛ لأن حرف الإعراب منه في الحالين قد شغل بالكسرة المجلوبة توطئة للياء ، فتعذر اللفظ بغيرها ، فيحكم بالتقدير كما فعل في المقصور ، وأما حال الجر فالإعراب ظاهر للاستغناء عن التقدير ، هذا عندي هو الصحيح. ومن قدر كسرة أخرى فقد ارتكب تخلفا لا مزيد عليه ولا حاجة إليه ، ولم أوافق الجرجاني في بناء المضاف إلى الياء وإن كان في تقدير إعرابه تكلف يخالف الظاهر ؛ لأن لبناء الأسماء أسبابا كلها منتفية منه.

ثم قال ناظر الجيش : إن ابن جني ذهب إلى أن المضاف إلى الياء لا يتصف بإعراب ولا بناء فأثبت قسما

٢٥٩

______________________________________________________

وأشار بقوله : وحم غير مماثل قروا ـ إلى ثلاث لغات يكون فيها معربا بالحركات مفردا كان أو مضافا ، يقال : هذا حمو وحموك وحمؤ وحمؤك وحمأ وحمؤك ، فيعامل معاملة قرو وقرء وخطأ (١).

ويلزم المصنف أن يقول في أخ أيضا : غير مماثل قرو ؛ لأنه يقال فيه : أخو كما سيذكره بعد ، فيعرب إذ ذاك بالحركات.

وقوله : وفم بلا ميم ، يعم صور الاستعمال كلها (٢) ؛ بخلاف أن يقال فوك ونحوه.

ولما كان ذو لا تضاف إلى ياء المتكلم بخلاف ما ذكر قبله لم يعطفه المصنف على المجرور بمن ، بل عطفه على المجرور بفي وهو ما (٣) ولذلك أعاد في فقال : وفي ذي حرصا على البيان.

واعلم أن في إضافة ذي إلى الضمير خلافا : سيبويه يمنعها والمبرد يجيزها.

قال المصنف : وقيد لفظ ذي بمعنى صاحب ؛ لئلا يذهب الوهم إلى ذي المشار به إلى مؤنث (٤).

قال الشيخ : ويرد عليه ذو الطائية في بعض لغات طيئ ؛ فإنها تعرب ، انتهى (٥).

ولا أعرف كيف يرد عليه ذلك ؛ لأنه ذكر حكم ذي بمعنى صاحب ، فلا يلزمه أن يذكر حكم ذو الموصولة ، ولو لم يقل المصنف ما قال لكان أولى ، فإن قوله : وفي ذي بمعنى صاحب ، لا مفهوم له ؛ لأنه تفسير لدى وتبيين لمعناها.

وقوله : والتزام نقص هن أعرف من إلحاقه بهنّ ـ أي من إلحاقه بهذه الأسماء ـ

__________________

من الأسماء لا معربا ولا مبنيّا ولا يخفى ضعف هذا الرأي وأنه لا ينبغي التشاغل بمثله.

ثم بين كيفية إضافة هذه الأسماء إلى ياء المتكلم فقال : واللغة الجيدة أن يقال في إضافة أب وأخ مضافين إلى الياء : أبي وأخي من غير رد اللام كما جاء في القرآن العزيز ، ويجوز عند أبي العباس : أبي وأخي برد اللام وإدغامها في ياء المتكلم.

وإذا أضيف الفم إلى ظاهر أو ضمير جاز أن يضاف بالميم ثابتة وجاز أن يضاف عاريا من الميم.

(١) ضبطها كالآتي : الأول : حمو بحاء مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم واو ، والثاني : حمؤ بحاء مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم همزة ، والثالث : حمؤ بحاء وميم مفتوحتين ثم همزة.

(٢) أي المضاف إلى الظاهر كفو زيد والمضاف إلى الضمير.

(٣) نص عبارته والمجرور بفي والمجرور بمن هي قوله : وتنوب الواو عن الضمة والألف .. إلخ فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم من أب وأخ وحم.

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٤).

(٥) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦١).

٢٦٠