شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

وجعل ابن عصفور هذه لغات في أنا (١).

ومقتضى كلام المصنف أن أنا هو الأصل وإنما يطرأ عليه تغييرات.

وأشار بقوله : ويتلوه في الخطاب تاء إلى أن التاء تتلو أن ، وهي الكلمة التي ذكرها آخرا.

قال المصنف (٢) : «التزم في الخطاب حذف الألف والتّسكين ؛ لأنّ الحاجة إلى تخفيف المركّب أشدّ من الحاجة إلى تخفيف المفرد ، ونبّه على أنّ التّاء حرف».

وما ذهب إليه المصنف من أن الاسم أن والتاء حرف يفيد الخطاب ـ هو مذهب البصريين (٣) ؛ فهو عندهم مركب من اسم وحرف ، ولهذا إذا سمي به يحكى (٤).

وذهب الفراء إلى أن أنت بكماله هو الاسم.

وذهب ابن كيسان إلى أن التاء هي الاسم ، وهي التي كانت في فعلت وكثرت بأن (٥).

واختار الشيخ هذا المذهب ، قال : لأنه قد ثبت اسمية التاء في نحو فعلت ، ولم يثبت في كلام العرب أن التاء للخطاب.

قال : «ولا يمكن أن يكون أن ضمير خطاب زيد عليه حرف خطاب للتّدافع ، لأنّه من حيث هو موضوع للمتكلم ينافي الخطاب ، ومن حيث إن التاء تدلّ على الخطاب ينافي التكلّم ، فالذي نختاره أن أن هو المكثر به التّاء حتى تصير ضميرا مستقلّا منفصلا هو غير ضمير المتكلم ، وأنّه وافقه لفظا لا مدلولا ، وهذا نظير ما قال بعضهم في إيّاك» انتهى (٦).

أما قوله : إن التاء لا تكون للخطاب ، فقد قيل : إنها للخطاب في أرأيتك بمعنى أخبرني ، وهو أحد الأقوال الثلاثة فيه (٧). ـ

__________________

(١) انظر ذلك في شرح الجمل له (٢ / ١٢).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٤٢).

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ١٩٦) ، والهمع (١ / ٦٠).

(٤) أي تقول : قام أنت ورأيت أنت ومررت بأنت.

(٥) انظر في رأي الفراء : التذييل والتكميل (٢ / ١٩٦) ، والهمع (١ / ٦٠).

(٦) التذييل والتكميل (٢ / ١٩٧). وما قاله بعضهم في إياك : هو أن إيا لفظ زيد على اللواحق فصيرها ضمائر منفصلات ، ونسب أبو حيان هذا الرأي للفراء.

(٧) هو رأي سيبويه ، ذهب إلى أن التاء فاعل ، والكاف حرف خطاب ، وعكس ذلك الفراء ، قال : إنّ ـ

٥٠١

______________________________________________________

وأما ما أبداه من التدافع فممنوع ؛ لأنّ أن موضوع للمتكلم دون زيادة ، وموضوع للمخاطب بقيد زيادة التاء. وإذا دلت التاء على الخطاب خرج أن عن أن يكون للمتكلم.

ومما يخدش به مذهب ابن كيسان أنه لو كان المضمر هو التاء ، وأن هو المكثر به لجاز أن تضم تاؤه فيراد به المتكلم ؛ إجراء للتاء هنا مجراها في نحو فعلت لتساويهما في الاسمية عنده ، بل كان يتعين عنده ليكون نظير ما نظّر به الشيخ من إياك على رأي من جعل إيّا مكثرا به ، فإن المستعمل في المتكلم إنما هو إياي ، أي بالمكثر به ، وأردف بضمير المتكلم ؛ فكذا كان الواجب أن يقال أنت في التكلم بضم التاء دون أنا.

وأما نحن فهو لفاعل نفعل ، وهو للمتكلم المعظم أو المشارك.

وأما هو وهي فللغيبة كما ذكر. وذكر ابن عصفور خلافا فيهما : هل الواو والياء زائدان والاسم الهاء فقط ، أو الحرفان بجملتهما الاسم [١ / ١٥٥]؟ وصحح القول الثاني ، قال : وهو مذهب البصريين (١). فعلى هذا تعدّ هي أصلا كما يعد هو أصلا ، وعلى القول الأول يكون هي فرعا.

قال ابن عصفور (٢) : «والاسم بعدهما وهم إنّما هو الهاء والواو المحذوفة (٣) ، ومن هما المؤنّث وهنّ إنّما هو الهاء والياء المحذوفة (٤) ، والميم والألف والميم والواو والنّون زوايد كما أنّهنّ زوايد في أنتما وأنتم وأنتن».

ولما تقدم ما لميم الجمع مع الضمير المتصل من الإشباع والاختلاس والسكون ـ

__________________

ـ التاء حرف خطاب والكاف فاعل ، وقال الكسائي : التاء فاعل والكاف مفعول. وحكموا على الأول بالصحة وردوا على الآخرين. (مغني اللبيب : ١ / ١٨١).

(١) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ١١٣). وانظر المسألة بتمامها في الإنصاف (٢ / ٦٧٧).

قال ابن الأنباري : «ذهب الكوفيّون إلى أنّ الاسم من هو وهي الهاء وحدها ، وذهب البصريون إلى أنّ الهاء والواو من هو والهاء والياء من هي هما الاسم بمجموعهما ...» إلخ.

(٢) انظر نص ما قاله في شرح الجمل له (٢ / ١٣).

(٣) قالوا : والأصل هو ما وهومو وبعد أعمال حذفت الواو من كل منهما استخفافا ثم حذفت الواو الثانية من همو ولم تحذف الألف من هما.

(٤) على أن أصلهما ضمير الواحدة المؤنث هي.

٥٠٢

[اللغات في هو وهي]

قال ابن مالك : (وتسكين هاء هو وهي بعد الواو والفاء واللّام وثمّ جائز. وقد تسكّن بعد همزة الاستفهام وكاف الجرّ ، وتحذف الواو والياء اضطرارا وتسكّنهما قيس وأسد وتشدّدهما همدان).

______________________________________________________

أحال الأمر هنا عليه ، فقال : ولميم الجمع في الانفصال ما لها في الاتّصال.

قال ناظر الجيش : قال المصنف : في هو وهي مخالفة للنّظائر من وجهين (١) :

أحدهما : بناؤهما على حركة بعد حركة (٢) وإنما يكون ذلك فيما بناؤه عارض ، كالمنادى واسم لا ، أو فيما حذف منه حرف كأنا.

والثاني : سكون أولهما بعد الحروف المذكورة.

فأما سبب بنائهما على حركة فقصد امتيازهما من ضمير الغائب المتصل ، فإنه في اللفظ هاء مضمومة وواو ساكنة ، أو هاء مكسورة وياء ساكنة ، فلو سكن آخر هو وهي لالتبس المنفصل بالمتصل.

ولم يبال بذلك قيس وأسد حين قالوا : هو قائم وهي قائمة (٣) ؛ لأن موضع المنفصل في الغالب يدل عليه ؛ فيؤمن التباسه بالمتصل. وإنما قلت : في الغالب ؛ لأن من المواضع ما يصلح للمتصل والمنفصل ، نحو : من أعطيته زيد ، ومن لم أعطه هند ؛ فيجوز أن يراد بالضميرين الاتصال فيكونا مفعولين ، وأن يراد بهما الانفصال على لغة قيس وأسد فيكونا مبتدأين والعائد محذوف ، والأصل : من أعطيته هو زيد ، ومن لم أعطه هي هند ، ثم حذف العائدان لمفعوليتهما واتصالهما. وأسكن آخر هو وهي فأشبها متصلين.

وأما تسكين الهاء (٤) ففرار من مخالفة النظائر ، وذلك أنه ليس في الكلمات ما هو على حرفين متحركين ثانيهما حرف لين غيرهما ، فقصد تسكين أحدهما ، ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ١٤٢) وما بعدها.

(٢) وذلك لأن أصل البناء أن يكون على السكون ، ولا يبنى على الحركة إلا لأسباب ، انظر شرح الأشموني على الألفية (١ / ٦٤).

(٣) أي بتسكين الواو من هو ، والياء من هي ، وانظر في لغة قيس وأسد : الهمع (١ / ٦١).

(٤) أي بعد الواو والفاء واللام وثم ، وهو الوجه الثاني من مخالفة هو وهي للنظائر.

٥٠٣

______________________________________________________

فكان ثانيهما أولى.

إلا أنه لو سكن وقع بتسكينه في التباس المنفصل بالمتصل ، فعدل إلى تسكين الأول مع الحروف المذكورة ؛ لأنها كثيرة الاستعمال وبمنزلة الجزء مما يدخل عليه ، أعني الواو والفاء واللام وألحقت بها ثم.

وبمقتضى ذلك قرأ قالون (١) ، والكسائي ، ووافقهما أبو عمرو مع غير ثم.

ولم يجئ السكون مع الهمزة والكاف إلا في الشعر ؛ فمن ذلك قول الشاعر :

٢٢١ ـ فقمت للضّيف مرتاعا فأرّقني

فقلت أهي سرت أم عادني حلم (٢)

وقال آخر :

٢٢٢ ـ وقالوا اسل عن سلمى برؤية غيرها

من النّيّرات الزّهر والعين كالدّمى

وقد علموا ما هنّ كهي فكيف لي

سلوّ وما أنفكّ صبّا متيّما (٣)

ومثال حذف الواو اضطرارا قول الشاعر [١ / ١٥٦] :

٢٢٣ ـ بيناه في دار صدق قد أقام بها

حينا يعلّلنا وما نعلّله (٤)

__________________

(١) هو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى المدني ، المعروف بقالون ، وكنيته أبو موسى ، قارئ مشهور وهو صاحب نافع بن أبي نعيم أحد القراء السبعة ، وقد قرأ عليه. ولد سنة (١٢٠ ه‍) في أيام هشام بن عبد الملك وقيل سنة (١٥٠ ه‍) أيام المنصور ، والثاني خطأ لأن روايته عن نافع وقراءته عليه تقتضي كبر سنه ونافع توفي سنة (١٥٩ ه‍). كان قالون أصم لا يسمع ، وكان إذا قرأ عليه قارئ ألقم أذنه فاه ليسمع قراءته.

ترجمته في معجم الأدباء (١٦ / ١٥١) ، غاية النهاية (١ / ٦١٥).

(٢) البيت من بحر البسيط قاله زياد بن منقذ ، وهو في الغزل حيث بلغ به الشوق ليلا أن التبس عليه طيف حبيبته بكيانها ووجودها.

وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٣٤٦) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٣) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٠١).

ترجمة زياد : هو زياد بن منقذ بن عمرو الحنظلي من تميم ويلقب بالمرار. من شعراء الدولة الأموية ، كان معاصرا للفرزدق وجرير ، وبينه وبين جرير مهاجاة. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (٢ / ٧٠١) ، والأعلام (٣ / ٩٣).

(٣) البيتان من بحر الطويل ولم ينسبا في مراجعهما ، وهما في الغزل ومعناهما واضح.

وشاهدهما : تسكين هاء هي بعد كاف الجر في قوله : وقد علموا ما هنّ كهي ... إلخ.

والشاهد في معجم الشواهد (ص ٣٣٢) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٣) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٠١).

(٤) البيت من بحر البسيط ولم ينسب إلى أحد في مراجعه وقائله يرثي رجلا فيقول :

٥٠٤

______________________________________________________

ومثال حذف الياء قول الآخر :

٢٢٤ ـ سالمت من أجل سلمى قومها وهم

عدى ولولاه كانوا في الفلا رمما (١)

ومثال تسكين الواو والياء على لغة قيس وأسد قول الشاعر :

٢٢٥ ـ وركضك لو لا هو لقيت الّذي لقوا

فأصبحت قد جاورت قوما أعاديا (٢)

وقول الآخر :

٢٢٦ ـ إنّ سلمى هي الّتي لو تراءت

حبّذا هي من خلّة لو تخالي (٣)

__________________

بينما هو يعدنا ويعللنا بالخير والعطاء إذ بالمنية تنزل به ، فينتقل إلى دار الصدق والرضوان.

وشاهده قوله : بيناه في دار صدق. أصله بينا هو فحذفت الواو ضرورة.

وانظر البيت في مراجعه في معجم الشواهد (ص ٢٩٥) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٣) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٠٢).

(١) البيت من بحر البسيط ، ولم يرد في معجم الشواهد ، وورد في شروح التسهيل غير منسوب.

اللغة : عدى : بكسر العين أو بضمها جماعة من العدو. ولولاه : أصله لو لا هي ، فسكنت ثم حذفت ضرورة وهو موضع الشاهد. الفلا : جمع فلاة ، وهي المكان القفر أو الصحراء التي لا ماء فيها. رمما : جمع رمة وهي الشيء البالي.

والشاعر يذكر أنه سالم أعداءه من أجل حبيبته لأنها منهم.

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (١ / ١٤٣) ، وللمرادي (١ / ١٣٦) ، وأبي حيان (٢ / ٢٠١).

(٢) البيت من بحر الطويل ، من قصيدة لعبيد بن الأبرص يهجو فيها امرأ القيس لما هدد الأخير قوم عبيد بأن ينتقم لأبيه منهم وكانوا قد قتلوه. وانظر البيت والقصيدة في مختارات ابن الشجري (ص ٣٥٤).

اللغة : الرّكض : تحريك الرجل ومنه : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) [ص : ٤٢].

والمعنى : أنه لو لا شجاعتك يا امرأ القيس لهلكت كما هلك أبوك.

وشاهده قوله : لو لا هو حيث سكنت واو هو ضرورة على لغة قيس وأسد.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٤٢٥) ، وفي شروح التسهيل لابن مالك (١ / ١٤٤) ، وللمرادي : (١ / ١٣٠) ، ولأبي حيان (١ / ٢٠٣).

(٣) البيت من بحر الخفيف ، ولم ينسب إلا في لسان العرب لكنها نسبة لا كالنسبة ، قال ابن منظور (خلل) : وأما قول الهذلي ... وأنشد البيت.

ثم قال في شرحه : أراد لو تخالل ، فلم يستقم له ذلك ، فأبدل من اللام الثانية ياء.

وشاهده : تسكين هاء هي الثانية ضرورة.

والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في شروح التسهيل لابن مالك (١ / ١٤٤) ، وللمرادي (١ / ١٣٩) ، ولأبي حيان (١ / ٢٠٣).

٥٠٥

[الحديث عن ضمائر النصب المنفصلة]

قال ابن مالك : (ومن المضمرات إيّا خلافا للزّجّاج. وهو في النّصب كأنا في الرّفع. لكن يليه دليل ما يراد به من متكلّم أو غيره ، اسما مضافا إليه وفاقا للخليل والأخفش والمازني ، لا حرفا خلافا لسيبويه ومن وافقه. ويقال : إيّاك وإياك وهيّاك وهياك).

______________________________________________________

ومثال التشديد على لغة همدان (١) قول الآخر :

٢٢٧ ـ وإنّ لساني شهدة يشتفى بها

وهوّ على من صبّه الله علقم (٢)

وقول الآخر :

٢٢٨ ـ والنّفس إن دعيت بالعنف آبية

وهيّ ما أمّرت باللّطف تأتمر (٣)

قال ناظر الجيش : لما انقضى الكلام على المنفصل المرفوع أخذ يتكلم في المنفصل المنصوب ، وهو إيا أو ما اتصل بها أو مجموعهما على اختلاف الأقوال.

وذكر المصنف في ذلك ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن إيّا اسم ظاهر لا مضمر ، وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، فيكون ـ

__________________

(١) انظر في تلك اللغة : الهمع (١ / ٦١) ، وشرح التسهيل (١ / ١٤٤).

(٢) البيت من بحر الطويل ، قائله رجل من همدان كما في مراجعه.

اللغة : الشّهدة : العسل ما دام في شمعه. يشتفى بها : يشفى بها. علقم : الحنظل ، وهو شجر مر كريه الطعم.

ومعنى البيت : يقول الرجل : إنه طيب مع الطيبين وشرس مع غيرهم.

وشاهده : تشديد الواو من ضمير الغيبة في قوله : وهو على من صبه الله.

وفيه شواهد ، أخرى بعضها سيأتي ، وهي في الدرر (١ / ٣٨) ، وحاشية الصبان (١ / ١٧٤).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٤٤ ، ٢٠٧) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٠٤) ، وفي معجم الشواهد (ص ٣٤٠).

(٣) البيت من بحر البسيط لم ينسب في مراجعه ، وهو من الحكم.

اللغة : العنف : ضد الرفق ، آبية : ممتنعة.

والشاعر يقول : إن النفوس تنقاد وتتبع غيرها بالرفق ، أما العنف فينفرها.

وشاهده : تشديد الياء من ضمير الغيبة في قوله : وهيّ ما أمّرت.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٦٣) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٤) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٠٤).

٥٠٦

______________________________________________________

الضمير ما بعد إيّا (١) ، ونسب ابن عصفور هذا المذهب إلى الخليل (٢).

الثاني : أن إيّا اسم مضمر ، وأن اللواحق التي تلحق أسماء مضافا إليها إيّا.

قال المصنف : «وهو مذهب الخليل والأخفش والمازني» (٣).

الثالث : أن إيّا اسم مضمر ، وأن اللواحق التي تلحقها حروف دالة على المتكلم وغيره ، وهو مذهب سيبويه (٤).

وذكر ابن عصفور مذهبين آخرين :

أحدهما : أن إيّا دعامة ، أي زيادة يعتمد عليها اللواحق ؛ ليتميز المنفصل عن المتصل. قال الشيخ : «وهو مذهب الفرّاء» (٥).

الثاني : أن الاسم بجملته هو الضمير ، وهو إيّا وما يتصل بها. قال الشيخ : «ونسب إلى الكوفيّين» (٦).

فأما مذهب الزجاج فقال المصنف (٧) :

«الدليل على أن إيّا ضمير : أنه يخلف ضمير النصب المتصل عند تعذره لتقديم على العامل ، نحو : إيّاك أكرمت ، أو لإضماره ، نحو : إياك والأسد ، أو لانفصال بحصر أو غيره ، نحو : ما أكرم إلا إيّاك ، وأكرمته وإيّاك ؛ فخلفه كما يخلف ضمير الرفع المنفصل ضمير الرفع المتصل عند تعذره ، فنسبة المنفصلين من المتصلين نسبة واحدة ، ولأن بعض المرفوعات كجزء من رافعه ، وقد ثبت لضميره منفصل ؛ فثبوت ذلك لضمير النصب أولى ؛ إذ لا شيء من المنصوبات كجزء من ناصبه ، ولأن إيّا لا تقع دون ندور في موضع رفع. [١ / ١٥٧] وكل اسم لا يقع في موضع ـ

__________________

(١) همع الهوامع للسيوطي (١ / ٦١).

(٢) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ١١٠).

(٣) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٤٥). ونسب السيوطي هذا الرأي للخليل والمازني وابن مالك (الهمع : ١ / ٦١).

(٤) الكتاب (٢ / ٣٥٥) : قال : «هذا باب علامة المضمرين المنصوبين : اعلم أنّ علامة المضمرين المنصوبين إيّا ما لم تقدر على الكاف التي في رأيتك وكما الّتي في رأيتكما ، وكم الّتي في رأيتكم ...» إلخ.

(٥) التذييل والتكميل (٢ / ٢٠٥).

(٦) المرجع السابق.

(٧) شرح التسهيل (١ / ١٤٤ ، ١٤٥).

٥٠٧

______________________________________________________

رفع فهو مضمر أو مصدر أو ظرف أو حال أو منادى ، ومباينة إيّا لغير المضمر متيقنة فتعين كونه مضمرا ، ولأن إيّا لو كان ظاهرا لكان تأخره عن العامل واتصاله به جائزا ، بل راجحا على انفصاله عنه وتقدمه عليه كحال غيره من المنصوبات الظاهرة ؛ والأمر بخلاف ذلك فامتنع كونه ظاهرا ولزم كونه مضمرا ، لكنه وضع بلفظ واحد ، فافتقر إلى وصله بما يبين المراد به من الكاف وأخواتها» انتهى (١).

وناقشه الشيخ في هذه الوجوه المستدل بها بما يمكن المنازعة فيه (٢).

وأما مذهب الفراء فأبطل بأن الاسم لا يكون دعامة ، وأما مذهب الكوفيين (٣) بأن الاسم لا يتغير بعضه بتغير أحوال المراد به من غيبة وخطاب وتكلم.

وأما مذهب الخليل ومن وافقه وهو أن الكاف وأخواتها ضمائر مجرورة بالإضافة لا حروف ، فقال المصنف : «إنه هو الصحيح لأن فيه سلامة من ستة أوجه مخالفة للأصل :

أحدها (٤) : أن الكاف في إياك لو كانت حرفا كما هي في ذلك لاستعملت على وجهين : مجردة من لام وتالية لها ، كما استعملت مع ذا وهنا ، ولحاقها مع إيا أولى لأنها كانت ترفع توهم الإضافة ، فإن ذهاب الوهم إليها مع إيا أمكن منه مع ذا ؛ لأن إيا ـ

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) قال أبو حيان : «لا نسلّم أنّ إيا وحده خلف الضّمير المتصل عند تعذّره ، بل مجموع إيا وما بعده من اللّواحق». ويمكن رده بأن اللواحق علامات وأن إيا هي الضمير.

وقال : «أما قوله : ولأنّ إيّا لا تقع في موضع رفع وكلّ اسم إلى آخره ، فلا نسلّم حصر ما لا يقع في موضع رفع فيما ذكره». والرد عليه أن ابن مالك لا يحصر ما لا يقع في موضع رفع ، وإنما يذكر أن إيا ضمير لا ظاهر بدليل أنها لا تقع في موضع رفع.

وقال : «وأما قوله : ولأن إيّا لو كان ظاهرا لكان ... إلى آخره ، فلا نسلّم ملازمة ذلك ، بل هو ظاهر ؛ لكنه اقترن به ما أوجب له التقدم على العامل وهو اللّواحق».

ويمكن الرد عليه بأن اللواحق لم تؤثر شيئا في التقدم أو غيره.

وانظر هذه الأوجه ووجها رابعا آخر في شرح التذييل والتكميل (٢ / ٢٠٥) ، وما بعدها.

وبقي ما ذكره ابن مالك وتبعه شارحنا أن إيا ضمير.

(٣) أي القائل بأن الاسم بجملته هو الضمير وهو إيا وما يتصل بها.

وقوله بأن الاسم : متعلق بمحذوف تقديره : فأبطل بأن الاسم ... إلخ.

(٤) انظر نص هذه الأوجه في شرح التسهيل (١ / ١٤٥ ، ١٤٦).

٥٠٨

______________________________________________________

قد يليها غير الكاف ، ولذا لم يختلف في حرفية كاف ذاك ، بخلاف كاف إياك (١).

الثاني : أنها لو كانت حرفا لجاز تجريدها من الميم في الجمع كما جاز تجريدها مع ذا. كقوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ)(٢) ، (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ)(٣) ، (٤).

الثالث : أنه لو كانت اللواحق بإيا حروفا ، لم يحتج إلى الياء في إياي ، كما لم يحتج إلى التاء المضمومة في أنا (٥).

الرابع : أن غير الكاف من لواحق إيا مجمع على اسميته مع غير إيا مختلف في اسميتها معها ؛ فلا يترك ما أجمع عليه لما اختلف فيه ، ثم تلحق الكاف بأخواتها ليجري الجميع على سنن واحد (٦).

الخامس : أن الأصل عدم اشتراك اسم وحرف في لفظ ، وفي القول باسمية اللواحق سلامة من ذلك فوجب المصير إليه.

السادس : أن هذه اللواحق لو لم تكن أسماء مجرورة المحل ، لم يخلفها اسم مجرور بالإضافة فيما رواه الخليل من قول العرب : إذا بلغ الرّجل السّتين فإيّاه وإيّا الشّوابّ ، وروي : فإيّاه وإيّا السّوآت يعني بالسين المهملة (٧). وهذا مستند قوي ؛ لأنه منقول بنقل العدول بعبارتين صحيحتي المعنى» انتهى (٨). ـ

__________________

(١) رده أبو حيّان بقوله : «لا يلزم ذلك ؛ ألا ترى لحاق الكاف في النّجاءك ورويدك زيدا ، ولا تلحق معهما اللام؟» (التذييل والتكميل : ٢ / ٢٠٨).

(٢) سورة البقرة : ٨٥.

(٣) سورة المجادلة : ١٢.

(٤) ردّه أبو حيّان بقوله : لا يلزم ؛ ألا ترى أنّ الكاف اللّاحقة لأرأيتك هي حرف خطاب على أصح المذاهب ، ولا يكتفى بها وحدها دون الميم في الجمع ، بل تقول : أرأيتكم. (المرجع السابق).

(٥) ردّه أبو حيّان : بأن المنفصل المرفوع مباين بالكلّية للمتّصل المرفوع ، فتميز بنفسه ولم يحتج إلى التاء ، وأما الياء في إيّاي فاحتاجت إلى المتّصل بها ، حتّى صار كله ضميرا منفصلا (المرجع السابق).

(٦) رجحه أبو حيان وقال : «هو صحيح وإلى ذلك نذهب ، وهو مذهب الفرّاء» (المرجع السابق).

(٧) أما بالشين فهو جمع شابة والمراد به النساء. وأما بالسين المهملة فمعناه القبائح ، وقد شرح هذا القول ابن مالك شرحا حسنا (شرح التسهيل له : ١ / ١٤٦).

(٨) شرح التسهيل (١ / ١٤٦).

٥٠٩

______________________________________________________

ولا يخفى ضعف بعض هذه الأوجه ، بل أكثرها وأقواها الوجه الرابع.

وأما ما رواه الخليل من : فإيّاه وإيّا الشواب ، فقد حملوه على الشذوذ.

قال ابن عصفور (١) : «بل لنا أن نقول : هذه المضافة إلى الظّاهر ليست بإيّا من إيّاك ، وإن اتّفقا في اللّفظ ، بل هي اسم مظهر ؛ لأنّ المضمر لا يضاف ؛ لأنه لا يفارقه التعريف ولا يضاف إلّا ما يتنكّر» انتهى.

قال بعضهم : «فإيّا فيما روى الخليل بمعنى حقيقة ، كأنّه قال : فإيّاه وحقيقة الشّوابّ» ثم قال المصنف ـ بعد إيراد الأوجه الستة ـ (٢) :

«فإن قيل هذه الوجوه مؤدية إلى إضافة إيا وهي ممتنعة [١ / ١٥٨] من وجهين :

أحدهما : أن إيا لو كان مضافا لم تخل إضافته من قصد تخفيف أو تخصيص. فقصد التخفيف ممتنع ؛ لأنه مخصوص بالأسماء العاملة عمل الأفعال وإيا ليس منها.

وقصد التخصيص ممتنع أيضا ، لأن إيا أحد الضمائر ، وهي أعرف المعارف ، فلا حاجة بها إلى تخصيص.

الثاني : أن إيا لو كان مضافا لكانت إضافته إضافة شيء إلى نفسه وهي ممتنعة.

والجواب أن يقال : أما إضافة التخفيف فمسلم امتناعها من إيا. وأما إضافة التخصيص فغير ممتنعة ، فإنها تصير المضاف معرفة إن كان قبلها نكرة ، وإلا ازداد بها وضوحا ، كما يزداد بالصفة ، كقول الشاعر :

٢٢٩ ـ علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشّفرتين يماني (٣)

__________________

(١) نصه في شرح الجمل له (٢ / ١١).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٤٦).

(٣) البيت من بحر الطويل ، نسب لرجل يدعى زيدا من ولد عروة بن زيد الخيل ، وهو في الفخر.

اللغة : علا : يقال علاه بالسيف إذا ضربه به. النّقا : الكثيب من الرمل ، وكتب بالألف لأنه من الواو بدليل ظهورها في التثنية نحو نقوان. الأبيض : السيف. الماضي : النافذ القاطع. الشّفرتين : الشفرة حد السيف ، وثناه باعتبار وجهيه.

والشاعر يذكر أعداءه بانتصار قومه عليهم وغلبتهم لهم يوم النّقا.

واستشهد به هنا على أن إضافة العلم زادته وضوحا كوصفه تماما.

واستشهد به آخرون على أنه أضاف زيدا إلى المضمر ، فجرى في تعريفه بالإضافة مجرى أخيك وأبيك.

(شرح المفصل : ١ / ٤٤) وسيأتي ذلك في التحقيق. ـ

٥١٠

______________________________________________________

فإضافة زيد هنا أوجبت له من زيادة الوضوح مثل ما يوجب وصفه إذا قيل : علا زيد الذي منا زيدا الذي منكم. فكما قبل زيادة الوضوح بالصفة ، قبل زيادة الوضوح بالإضافة من غير حاجة إلى انتزاع تعريفه.

وقد يضاف علم لا اشتراك فيه على تقدير وقوع الاشتراك المحوج إلى زيادة الوضوح ، كقول ورقة بن نوفل (١) :

٢٣٠ ـ ولوجا في الّذي كرهت قريش

ولو عجّت بمكّتها عجيجا (٢)

وإذا جازت إضافة مكة ونحوها مما لا اشتراك فيه ، فإضافة ما فيه اشتراك أولى بالجواز كإيا ، فإنه قبل ذكر ما يليه صالح أن يراد به واحد من اثني عشر معنى ؛ فالإضافة إذا له صالحة ، وحقيقته بها واضحة ، وكأن انفرادها بالإضافة دون غيرها من الضمائر كانفراد أي بها دون سائر الموصولات. ورفعوا توهم حرفية ما يضاف إليه بإضافتها إلى الظاهر في قولهم : فإيّاه وإيّا الشّوابّ.

والاحتجاج بهذا للخليل على سيبويه (٣) شبيه باحتجاج سيبويه على يونس (٤) ـ

__________________

ـ والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٩٦) ، وشرح التسهيل (١ / ١٤٧) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢١١).

(١) هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، من قريش ، حكيم جاهلي ، اعتزل الأصنام قبل الإسلام وتنصر وقرأ كتب الأديان ، وأدرك عصر النبوة ولم يدرك الدعوة ، وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين ، وعند ما نزل جبريل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذته خديجة إلى ورقة فطمأنها وأخبرها بأن هذا هو النبي المنتظر ، وبشر محمدا بالنبوة ، وتمنى أن يعيش حتى الدعوة لينصر محمدا ودين محمد ، ولكنه توفي بعد بدء الوحي بقليل. وكان ذلك قبل الهجرة باثني عشر عاما. وهل هو من الصحابة أم لا؟ رأيان. وسئل عنه النبي عليه‌السلام فأثنى عليه. ترجمته في الأعلام (٦ / ١٣١).

(٢) البيت من بحر الوافر ، من قصيدة قالها ورقة بن نوفل لما ذكرت له أم المؤمنين خديجة ما رآه ميسرة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهما مسافران للتجارة وما قاله بحيرا الراهب في شأنه.

اللغة : ولوجا : مصدر ولج أي دخل ، ويقصد به هنا الدخول في الإسلام. عجّت : من العجيج وهو رفع الصوت في التلبية وغيرها. وفي البيت يذكر ورقة أنه سيدخل في الإسلام رغما عن قريش. وشاهده واضح من الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٤٧) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢١١) ، وليس في معجم الشواهد.

(٣) معناه أن إضافة إيا إلى الظاهر في القول المذكور ، دل على أن اللواحق من الكاف وغيرها أسماء ؛ لأن المضاف إليه لا يكون إلا اسما ، وهذا هو مذهب الخليل في أن إياك اسمان بخلاف مذهب سيبويه الذي ينص على أن إيا هي الضمير الاسم ، أما اللواحق بها فهي حروف دالة على التكلم وغيره. وسيبويه نفسه استدل على أن ياء لبيك للتثنية ببقائها عند الإضافة إلى الظاهر في البيت المذكور الآتي.

(٤) انظر نصه في الكتاب (١ / ٣٥١) يقول سيبويه : «وزعم يونس أن لبيك اسم واحد ولكنه جاء على ـ

٥١١

______________________________________________________

بقول الشاعر :

٢٣١ ـ دعوت لما نابني مسورا

فلبّي فلبّي يدي مسور (١)

لأن يونس يرى أن ياء لبيك ليست للتثنية ، بل هي كياء لديك ؛ فاحتج سيبويه بثبوت ياء لبي مع الظاهر ، ولو كانت كياء لدى لم تثبت إلا مع المضمر ، كما أن ياء لدى لا تثبت إلا مع المضمر.

وأما إلزامهم بإضافته أيضا إضافة الشيء إلى نفسه ، فنلتزمها معتذرين بما اعتذر عنها في نحو : جاء زيد نفسه وأشباه ذلك» انتهى (٢) وهو كلام حسن.

قال الشيخ : «الذي يقطع ببطلان اسمية ما أضيف إليه إيّا ، أنه كان يلزم إعراب إيّا كما لزم إعراب أي ؛ فإنّ سبب إعراب أي إنما هو لزوم الإضافة ، وذلك موجود في إيّا» انتهى (٣).

وما ذكره غير لازم ؛ إذ لا يلزم من اعتبار الإضافة في أي اعتبارها في غيرها ، على أنه قد تقدم في باب الإعراب أن المقتضي لإعراب أي أمران :

وهما لزوم الإضافة ، وكونها بمعنى بعض مع المعرفة ، وبمعنى كل مع النكرة.

وإذا كان كذلك فلا يلزم المصنف بإعراب إيا ؛ لأن المقتضي بتمامه لم يوجد فيه ، إنما [١ / ١٥٩] وجد جزؤه وجزء العلة ليس بعلة.

وذكر المصنف فيها غير اللغة المشهورة أربع لغات (٤) : ـ

__________________

ـ هذا اللفظ في الإضافة كقولك عليك ، وزعم الخليل أنها تثنية بمنزلة حنانيك ؛ لأنا سمعناهم يقولون : حنان ، وبعد أن أنشد بيت الشاهد قال : فلو كان بمنزلة على لقال : فلبي يدي مسور ؛ لأنك تقول : على زيد إذا أظهرت الاسم».

(١) البيت من بحر المتقارب ، وهو لرجل من بني أسد لم تعينه مراجعه رغم كثرتها.

اللغة : نابني : نزل بي. مسور : رجل استغاث به الشاعر فأغاثه ، وكان الشاعر قد دعا مسورا المذكور ليغرم عنه دية لزمته ، وخص يديه بالذكر لأنهما اللتان أعطياه المال حتى تخلص من نائبته.

وشاهده : واضح من الشرح ، وهو ثبوت ياء لبي مع الظاهر ساكنة ، فدل على أنه مثنى.

وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ١٩٣) ، وهو أيضا في شرح التسهيل (١ / ١٤٧) ، والتذييل والتكميل (١ / ٤٧٦).

(٢) شرح التسهيل (١ / ١٤٧).

(٣) التذييل والتكميل (٢ / ٢١٢).

(٤) شرح التسهيل (١ / ١٤٧).

٥١٢

[مواضع انفصال الضمير]

قال ابن مالك : (فصل : يتعيّن انفصال الضّمير إن حصر بإنّما ، أو رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب ، أو بصفة جرت على غير صاحبها ، أو أضمر العامل ، أو أخّر ، أو كان حرف نفي أو فصله متبوع ، أو ولي واو المصاحبة ، أو إلّا ، أو إمّا ، أو اللّام الفارقة ، أو نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتّفقا رتبة ، وربّما اتّصلا غائبين إن لم يشتبها لفظا).

______________________________________________________

وهي أيّاك بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وإياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء ، وهيّاك بكسر الهاء وتشديد الياء ، وهياك بفتح الهاء وتخفيف الياء.

قال المصنف : «وأغرب لغاتها تخفيف الياء» (١).

قال ناظر الجيش : المضمر بالنسبة إلى الاتصال والانفصال على ثلاثة أقسام :

قسم يجب اتصاله ، وقسم يجب انفصاله ، وقسم يجوز فيه الأمران.

ولما كانت مواضع الانفصال محصورة ، وكذا مواضع الاتصال والانفصال ، اقتصر المصنف على ذكرها ، فعلم أن ما سكت عنه يجب فيه الاتصال.

أما الانفصال فذكر أنه يجب في اثني عشر موضعا :

الأول : إذا حصر بإنما (٢) كقول الشاعر :

٢٣٢ ـ أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (٣)

__________________

(١) قال أبو حيان : «وقد طال بنا الكلام في إيّا ولواحقه ، وليس في ذلك كبير فائدة». (التذييل والتكميل : ٢ / ٢١٣).

وأحسن الأوجه في إيا هو ما ذهب إليه سيبويه : وهو أنّ إيا مضمر ، واللواحق التي تلحقها حروف دالة على التكلم وغيره.

وأحسن منه رأي الكوفيين وهو أن الاسم بجملته هو الضمير ، وهو إيا وما يتصل بها ، وما أبطلوه من أن الاسم لا يتغير بتغير أحوال المراد به ، فالجواب عليه أنّ كل ضمير مستقل بنفسه فلا اشتراك.

(٢) سيأتي بحث طويل في إنما وآراء النحاة في انفصال الضمير بعدها قريبا.

(٣) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق ، صدرها محقق الديوان بقوله :

«بلغ نساء بني مجاشع فحش جرير بهنّ ، فأتين الفرزدق وهو مقيد لحفظ القرآن فقلن له : قبّح الله قيدك ؛ فقد هتك جرير عورات نسائك فأحفظنه فقام وفكّ قيده ، ثمّ قال القصيدة الّتي منها ذلك الشّاهد».

٥١٣

______________________________________________________

وكقول الآخر :

٢٣٣ ـ كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (١)

الثاني : إذا رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب (٢) كقول الشاعر :

٢٣٤ بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد

أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا (٣)

الثالث : إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها ، كقول الشاعر :

٢٣٥ غيلان ميّة مشغوف بها هو قد

بدت له فحجاه بان أو كربا (٤)

الرابع : إذا أضمر العامل ، كقول الشاعر : ـ

__________________

(ديوان الفرزدق : (٢ / ١٥٢).

اللغة : الذائد : من ذاد عنه أي دافع ، وقد روي مكانه الفارس. الذّمار : بزنة كتاب ؛ ما يلزمك حفظه وحمايته. الأحساب : مفاخر الآباء.

والمعنى والشاهد واضحان. وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص ٣٠١) ، وشرح التسهيل : (١ / ١٤٧) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢١٥).

(١) البيت من بحر الهزج ، وهو لذي الأصبع العدواني (جاهلي معمر) من قصيدة يصف فيها قومه الذين أوقعوا ببني عمهم فإنهم بقتلهم كانوا يقتلون أنفسهم (انظر ذلك في خزانة الأدب : ٥ / ٢٨٣) وديوان ذي الأصبع (ص ٧٨).

اللغة : قرّى : موضع في بلاد بني الحارث بن كعب وقيل ماء.

وشاهده قوله : إنما نقتل إيانا ؛ حيث وجب انفصال الضمير المفعول عند قصد حصره بعد إنما حملا لها على إلا. وفي البيت كلام آخر يناقض هذا سيأتي.

وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص ٣٨٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٨) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢١٦).

(٢) قال أبو حيان : «لا يصحّ هذا على ظاهره ؛ لأنّه لا يضاف المصدر إلى المنصوب ؛ فإنّما تأويله إلى المنصوب معنى لا لفظا ومثاله : عجبت من ضرب زيد أنت. (التذييل والتكميل : ١ / ٤٨٥).

(٣) البيت من بحر البسيط ، لم ينسب في مراجعه وهو في الفخر.

اللغة : ظافرين : الظفر النصر والفوز. العدا : جمع عدو ، وهم الأعداء. فشلا : جبنا.

والشاعر يمن على من ساعدهم بأنه لولاهم لانهزموا. وشاهده واضح.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٦٧). وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٩) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٢٠).

(٤) البيت من بحر البسيط ، وهو بيت مفرد منسوب لذي الرمة في ملحقات ديوانه صدرها المحقق بقوله (الديوان : ص ٦٦١): «أبيات مفردات وهي منسوبة لذي الرّمّة وبعضها غير صحائح».

ويستشهد بالبيت على وجوب إبراز الضمير ؛ لأنه مرفوع بصفة جرت على غير صاحبها.

وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ٢٩) ، وشرح التسهيل (١ / ١٤٩).

٥١٤

______________________________________________________

٢٣٦ ـ فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل (١)

الخامس : إذا أخر العامل ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٢).

السادس : أن يكون العامل حرف نفي ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٣) ، ومنه قول الشاعر :

٢٣٧ ـ إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين (٤)

السابع : إذا فصل بمتبوع ، كقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ)(٥).

ومنه قول الشاعر ، أنشده سيبويه (٦) :

٢٣٨ ـ مبرّأ من عيوب النّاس كلّهم

فالله يرعى أبا حفص ويرعانا (٧)

__________________

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة ، وقد سبق الحديث عنها في الشاهد رقم : ٦ من هذا التحقيق ، وهي في الديوان (ص ١٣١) وفي الشعر والشعراء (١ / ١٨٥).

والبيت وما قبله في الرثاء والموعظة والتذكير بالموت ، وأن الإنسان ميت كما مات من سبقوه.

قال أبو حيان في البيت : «لم يبين المصنف (ولا ناظر الجيش) الفعل الّذي انفصل الضمير لإضماره.

وظاهر كلامه أنه أضمر فعلا يفسره قوله : لم ينفعك ، ولا يصحّ ذلك لأنه لو حمل أنت على السببي المرفوع الذي هو علمك ، لأدّى إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل ، ألا ترى أنك لو وضعت أنت مكان علمك لكان التقدير : فإن لم ينفعك ، ولا يجوز حمله أيضا على الكاف في ينفعك ؛ لأنه لو فعل ذلك لنصب فقال : إياك ، وإذا امتنع أن يحمل أنت على علمك ، وعلى الكاف لما ذكرناه ، فقد اختلف الناس في تخريجه :

ذهب ابن عصفور إلى أنه فاعل بفعل محذوف يفسره المعنى ، ويدلّ عليه ، والتقدير : فإن ضللت لم ينفعك علمك. وذهب السهيليّ إلى أن أنت مبتدأ ، وقد أجازه سيبويه واكتفى بوجود فعل الشرط في الجملة ، وإن لم يل الأداة ، كما خرجوه على أن الضمير المذكور منصوب بالعامل ، وفيه وضع المرفوع موضع المنصوب». (التذييل والتكميل : ٢ / ٢٢٣).

(٢) فاتحة الكتاب : ٤.

(٣) سورة الشورى : ٣١.

(٤) البيت من بحر المنسرح ، ومع كثرة دورانه في كتب النحو غير منسوب لقائل.

والبيت يهجو به الشاعر رجلا أتباعه من المجانين ، ويستشهدون به في باب إن العاملة عمل ليس.

وشاهده هنا واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص ٤١٢) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٦٥) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٢٥).

(٥) سورة الممتحنة : ١. (٦) الكتاب (٢ / ٣٥٦).

(٧) البيت من بحر البسيط ، وهو في كتاب سيبويه غير منسوب لقائل ، وهو من الخمسين المجهولة القائل ، ومعناه والشاهد فيه واضحان ، ويروى مكان أبا حفص أبا حرب ، ويروى مكان : ويرعانا (وإيانا).

٥١٥

______________________________________________________

ومثل المصنف لذلك بقوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ)(١).

الثامن : إذا ولي واو المصاحبة ، كقول الشاعر :

٢٣٩ ـ فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة

تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (٢)

التاسع : إذا ولي إلا ، كقوله تعالى : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣) ، ومنه [١ / ١٦٠] قول الشاعر :

٢٤٠ ـ قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلّا أنا (٤)

العاشر : إذا ولي أما كقول الشاعر :

٢٤١ ـ بك أو بي استعان فليك إمّا

أنا أو أنت ما ابتغى المستعين (٥)

__________________

قال أبو حيان في الشاهد : «وقد خالف في ذلك بعض أصحابنا ، والانفصال في وإيّانا لم يجز إلّا لضرورة الوزن».

والبيت في معجم الشواهد (ص ٤٨٨) ، وشرح التسهيل (١ / ١٥٠) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٢٢٥).

(١) سورة الأنبياء : ٥٤ ، المتبوع هنا هو الضمير في كنتم ، والتابع أنتم وهو توكيد لفظي.

(٢) البيت من بحر الطويل من مقطوعة لأبي ذؤيب الهذلي (ديوان الهذليين : ص ١٥٩) قالها حين جاءته أم عمرو تعتذر إليه ، وقد أحبت عليه ابن عمه خالدا. وأولها يخاطب أم عمرو :

تريدين كيما تجمعيني وخالدا

وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد

اللغة : آليت : حلفت. لا أنفك : لا أزال. أحدو : أسوق وأكتب.

وأبو ذؤيب يهدد أم عمرو وحبيبها بأن سيفضحهما في شعره طوال الزمان.

وشاهده قوله : تكون وإياها ؛ حيث فصل الضمير لوقوعه بعد واو المصاحبة ، وهو هنا مفعول معه.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٠٩) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٥٠) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٥).

(٣) سورة يوسف : ٤٠.

(٤) البيت من بحر السريع ، وهو في مراجعه منسوب إلى عمرو بن معدي كرب (كتاب سيبويه : ٢ / ٣٥٣) من قصيدة يفتخر فيها بيوم القادسية ، وكان قد قتل مرزبان وظنه رستما.

اللغة : قطّر : صرعه على أحد جانبيه ، والقطر : الجانب. الفارس : الشجاع.

والبيت في التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٥) ، وفي معجم الشواهد (ص ٣٨٩).

(٥) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه.

اللغة : استعان : طلب العون. فليك : مضارع كان مجزوم بلام الأمر ، وحذفت نونه للتخفيف ، وروي مكانه (فليل) وهو مضارع مجزوم أيضا من ولي الأمر يليه ولاية واسم كان (أو فاعل يلي) الضمير المنفصل بعد إما وهو موضع الشاهد. ما ابتغى المستعين : ما طلب ورجا.

٥١٦

______________________________________________________

الحادي عشر : إذا ولي اللام الفارقة (١) كقول الشاعر :

٢٤٢ ـ إن وجدت الصّديق حقّا لإيّا

ك فمرني فلن أزال مطيعا (٢)

الثاني عشر : إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتفق رتبة مثاله : علمتك إيّاك أي أنت في علمي الآن كما كنت من قبل.

والمراد بالموافقة في الرتبة كونه لمتكلم كعلمتني إياي ، أو لمخاطب كعلمتك إياك ، أو لغائب كزيد علمته إياه ، أو لغائبين كقولك : مال زيد أعطيته إياه (٣).

قال المصنف : «فانفصال ثاني الحاضرين متعين أبدا ؛ لأنه لا يكون إلّا مثل الأول لفظا ومتحدا به معنى ؛ فاستثقل اتّصالهما ، ولأنّ اتّصالهما يوهم التّكرار. وانفصال ثاني الغائبين متعين أيضا إن كان هو الأول في المعنى ، نحو : مال زيد أعطيته إيّاه» انتهى (٤).

واحترز بقوله : غير مرفوع : من قولهم : ظننتني قائما ؛ فإن الضمير الذي هو الياء نصبه عامل في مضمر قبله ، وقد اتفقا رتبة ؛ فإنهما لمتكلم ؛ لكن الضمير الأول مرفوع فلا يجب انفصال الثاني بل ولا يجوز انفصاله. وكذلك قولك : زيد ظنّه قائما (٥) ، قد عمل ظن في مضمر مرفوع ، وهو الفاعل المستكن ، وفي مضمر ـ

__________________

والشاعر يفتخر بنفسه وبصاحبه بأن من يريد الاستعانة بأحد في أمر فليستعن به أو بصاحبه.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٩٥) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٥٠) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٧).

(١) سميت بذلك لأنها تفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية. وفي شرح الأشموني على الألفية : (١ / ٢٨٨) يقول : تنبيه : «مذهب سيبويه أنّ هذه اللام هي لام الابتداء ، وذهب الفارسيّ إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق».

(٢) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه إلى قائل.

والشاعر يقول لصاحبه : أنت الصديق المخلص ؛ ولذلك فمن حقك علي أن تأمرني بأي أمر ، وأنا سأطيعك وأنفذ كل طلبك. واستشهد بالبيت على فصل الضمير لوقوعه بعد اللام الفارقة بين إن المخففة وإن النافية في قوله : إن وجدت الصديق حقّا لإياك.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٥١) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ٢١٦).

(٣) قوله : أو لغائب أو لغائبين معناه : أن الضميرين في زيد علمته إياه مقصود بهما واحد ، وفي مال زيد أعطيته إياه مقصود بهما اثنان. الأول للمال والثاني لزيد ويجوز العكس.

(٤) شرح التسهيل (١ / ١٦٧).

(٥) معناه : زيد ظن نفسه قائما.

٥١٧

______________________________________________________

منصوب وهو الهاء وقد اتفقا رتبة ولا يجوز فصل الضمير المنصوب أيضا.

وأشار المصنف بقوله : وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا إلى أنه إن غاير الثاني الأول لفظا حال الغيبة جاز الاتصال لكنه ضعيف ، وبه يشعر قوله : وربّما ، واستدل المصنف على ذلك بما روى الكسائي من قول العرب : «هم أحسن النّاس وجوها وأنضرهموها». وقول مغلّس بن لقيط (١) :

٢٤٣ ـ وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

لضغمهماها يقرع العظم نابها (٢)

(وأنشد الإمام بدر الدين بن مالك (٣) ... ـ

__________________

(١) هو مغلس ـ بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة ـ بن لقيط بفتح اللام وكسر القاف ـ ابن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي ، شاعر من شعراء الجاهلية ، كان كريما حليما شريفا. أورد البغدادي له قصيدة من جيد الشعر. وله قصيدة أخرى جيدة منها بيت الشاهد. وستذكر مناسبتها.

ترجمته في خزانة الأدب (٥ / ٣١١ ، ٣١٢) ، الأعلام (٨ / ١٩٦) ، معجم الشعراء (ص ٣٠٨).

(٢) البيت من بحر الطويل من قصيدة لمغلس بن لقيط يعاتب أخوين له ، وكان له ثلاثة إخوة مات أحدهم وكان به بارّا ، فأظهر الآخران عداوته فقال (معجم الشعراء للمرزباني : ص ٣٠٨) :

إذا رأيا لي غرّة أغريا بها

أعاديّ والأعداء تعوي كلابها

وإن رأياني قد نجوت تلمّسا

لرجلي مغوّاة هياما ترابها

وأعرضت أستبقيهما ثمّ لا أرى

حلومهما إلّا وشيكا ذهابها

وقد جعلت نفسي تطيب ...

 ......

إلخ اللغة : الضّغمة : العضة بالناب ، ومنه قيل للأسد ضيغم. يقرع : يصيب. وهو في بيت الشاهد يذكر أن نفسه طابت ؛ لأن هذين الأخوين أصيبا بشدة كانا يتمنيانها له ، وظاهر المعنى أنه عضهما بنابه عضة قوية وصل أثرها إلى وجع في العظم.

الإعراب : جعلت نفسي تطيب : جعل واسمها وخبرها. لضغمة : متعلق بالفعل قبله. لضغمهماها : بدل مما قبله ، وهو هنا مصدر فاعله محذوف ومضاف إلى مفعوله ضمير المثنى العائد على أخويه ، وضمير الغيبة المؤنث الأخير مفعول مطلق. وجملة يقرع صفة للضمير وإن كان الضمير لا يوصف. والعظم : مفعول يقرع مقدم. ونابها : فاعله وضمير الغيبة فيه عائد على العضة.

واستشهد بالبيت على : أن الضميرين إذا اتحدا رتبة واختلف لفظهما جاز اتصالهما على ضعف ، وهو قوله : لضغمهماها.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٤٤) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٥١) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٢٨).

(٣) بدر الدين : هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك ، كان إماما في النحو وفي علوم العربية كلها. أخذ عن والده ، ولما مات والده طلب من أهل دمشق أن يلي وظيفة والده ، لكن اللعب كان يغلب عليه وعشرة من لا يصلح

٥١٨

______________________________________________________

في شرح الألفية (١) :

٢٤٤ ـ لوجهك في الإحسان بسط وبهجة

أنا لهماه قفو أكرم والد (٢)

وهذا في الدلالة أصرح مما ذكره والده) (٣).

ثم هنا أبحاث :

[البحث الأول] :

ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (٤) والصفار (٥) في شرح الكتاب (٦) في ـ

__________________

وقد شرح ألفية والده وهو الكتاب المأخوذ منه النص المذكور. كما شرح كافيته أيضا ولاميته. وقد كمل شرح التسهيل بعد والده ، من أول المصادر ، لكنه لم يتم الكتاب ، وله كتب أخرى في البلاغة والمنطق والعروض. توفي بدمشق سنة (٦٨٦ ه‍) وحزن الناس عليه حزنهم على والده.

انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٢٥) ، الأعلام (٧ / ٢٦٠).

(١) انظر البيت في شرح الألفية المذكور (ص ٦٦) تحقيق د / عبد الحميد السيد (بيروت) وانظره في الورقة (١٦ ب) من الكتاب نفسه مخطوطا بدار الكتب تحت رقم : ٢٢ نحو.

(٢) البيت من بحر الطويل ، قال فيه صاحب الدرر (١ / ٤١) : ولم أعثر على قائله مع كثرة من استشهدوا به.

اللغة:بسط:طلاقة وبشاشة. بهجة:حسن وسرور.أنالهماه : أعطاهما إياه. قفو :مصدر قفاه يقفوه أي اتبعه وسار على نهجه.

المعنى : يمدحه بالكرم ، ويذكر أنه بشوش الوجه للسائلين ، وأنه أخذ ذلك كله من والده الذي اقتدى به الممدوح.

الإعراب : لوجهك : خبر مقدم. بهجة : مبتدأ مؤخر. أنالهماه : أنال فعل ماض ينصب مفعولين ، وهما : ضمير الغيبة المتصل العائد على البسط والبهجة مفعول أول ، والهاء وهي ضمير الممدوح مفعول ثان. قفو : فاعل أنال. أكرم والد : متضايفان. وشاهده قوله : أنالهماه وفيه ما في البيت الذي قبله.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١١٥) ، وليس في شروح التسهيل.

(٣) ما بين القوسين ناقص من نسخة (ب) وهو من الأصل.

وإنما كان بيت ابن المصنف أصرح ؛ لأن العامل فيه فعل وهو أمكن في العمل من المصدر المذكور في البيت الذي قبله من مثال والده.

(٤) في الجزء الثاني (ص ١٠٦) وما بعدها : «باب ما يجوز تقديمه من المضمر على الظّاهر وما لا يجوز». وفيه المذهبان المذكوران (تحقيق الشغار).

(٥) هو قاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليوسي الشهير بالصفار ، صحب الشلوبين وابن عصفور. وقد شرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال : إنه أحسن شروحه ، وهو يرد فيه كثيرا على الشلوبين بأقبح رد. ولهذا الشرح نسخة بدار الكتب المصرية (بقسم المخطوطات تحت رقم ٩٠٠ نحو). وقد توفي الصفار بعد سنة (٦٣٠ ه‍). انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٥٦) ، الأعلام للزركلي (٦ / ١٢).

(٦) انظر النص المذكور المسند إلى الصفار في كتاب التذييل والتكميل لأبي حيان (٢ / ٢١٩).

٥١٩

______________________________________________________

فصل الضمير بعد إنما مذهبين :

أحدهما : مذهب سيبويه : وهو أن الفصل ضرورة (١). وذكرا أن سيبويه لم يلتفت إلى المعنى ، وهو كون الضمير في معنى المفصول بينه وبين عامله بإلا.

الثاني : مذهب الزجاج : وهو أن الفصل ليس بضرورة ، لما ذكر من كون الكلام بمعنى إلا.

وأفهم كلامهما أن الزجاج يجيز الفصل ولا يوجبه ؛ ومن ثم جعل الشيخ القول الأول بتعين الانفصال في كلام المصنف مذهبا ثالثا (٢).

قال ابن عصفور : «والصّحيح أنّ الفصل ضرورة ، إذ لو كان هذا الموضع موضع فصل الضّمير لوجب ألّا يؤتى به [١ / ١٦١] متّصلا كما لا يجوز ذلك مع إلّا ؛ فقول العرب : إنّما أدافع عن أحسابهم وأمثاله ؛ دليل على أنّه من مواضع الاتّصال وأنّ الانفصال فيه ضرورة» (٣).

وقال الصفار : «مذهب سيبويه أسدّ ؛ لأنّك تقدر على الاتّصال فلا تفصله ؛ بخلاف إلّا ؛ إذ لا يمكن أن يتّصل بهما ضمير وتكون القرائن تبيّن المحصور ما هو من فاعل أو مفعول على حسب المواضع» انتهى (٤).

ولا يتجه لي القول بأنه إذا كان الضمير محصورا بعد إنما لا يتعين انفصاله ؛ فضلا عن أنه لا يجوز ، لأنّا بالبديهة نعقل الفرق بين قولنا : إنما قام أنا ، وبين قولنا : إنما قمت. إذ معنى الأول : ما قام إلا أنا ، فالحصر في الفاعل ، ومعنى الثاني : ما فعلت إلا القيام ، فالحصر في الفعل ، فلا يعلم أن الحصر في الفاعل إلا بانفصال الضمير ، وسببه : أن إنما لما كانت للحصر كان معناها معنى إلا الواقعة بعد النفي. والمحصور بإلا يجب تأخره عنها ؛ فيجب إذ ذاك انفصاله إن كان ضميرا متصلا بعامل قبلها ، فكذلك يجب أن يكون الحال مع إنما. ولو كان الأمر على ما قال ـ

__________________

(١) سيأتي نص سيبويه في الشرح بعد قليل.

(٢) قال أبو حيان : «ذهب سيبويه إلى أنّ فصل الضّمير بعد إنّما هو ضرورة ، وأنّ الفصيح اتّصاله.

وذهب الزّجاج إلى أنّ فصله ليس بضرورة ، وذهب المصنّف إلى أنّه متعيّن الانفصال». (التذييل والتكميل : ٢ / ٢١٨).

(٣) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور : (٢ / ١٠٥).

(٤) التذييل والتكميل (٢ / ٢١٩).

٥٢٠