شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

الخمسة المذكورة.

وذهب الفراء [١ / ٦٧] إلى أنه ليس من هذه الأسماء.

قال الفراء : «وأمّا ما لم يتمّ في حال وجاء منقوصا ، فقولهم دم ومثله هن وهنة ، قال : فهذا لم نجد له في الواحد تماما» (١).

وذهب سيبويه إلى أنه من هذه الأسماء ، قال سيبويه (٢) :

«ومن العرب من يقول : هنوك وهناك وهنيك. ويقولون. هنوان فيجرونه مجرى الأب» انتهى.

قال الشيخ (٣) : «ومن حفظ حجة على من لم يحفظ».

قال المصنف (٤) : «جرت عادة أكثر النحويين أن يذكروا الهن من هذه الأسماء ؛ فيوهم ذلك مساواته لهن في الاستعمال ، والمشهور إجراؤه مجرى يد من ملازمة النقص إفرادا وإضافة في إعرابه بالحركات ، كما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تعزّى بعزاء الجاهليّة فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» (٥).

وقال علي رضي‌الله‌عنه : «من يطل هن أبيه ينتطق به» (٦).

ومن ذلك قول الشاعر :

٥٤ ـ رحت وفي رجليك ما فيهما

وقد بدا هنك من المئزر (٧)

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦٣) ، والهمع (١ / ٣٨) ، وحاشية الصبان (١ / ٦٩).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٣٦٠).

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦٣).

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٧ ، ٤٨).

(٥) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل : (٥ / ١٣٦) ، ونصه : أنّ أبيّ بن كعب رأى رجلا تعزّى بعزاء الجاهليّة أي افتخر بأبيه ، فقال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ... وحكى الحديث ومعنى فأعضوه بهن أبيه أي قولوا له : عض بأير أبيك.

والحديث في لسان العرب : مادة هنا ، حاشية الصبان (١ / ٦٩).

(٦) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال : ٣ / ٣١١) معناه : من كثر إخوته تقوى بهم ، وهو في لسان العرب مادة (هنا) غير مسند ، ومعناه من قول الشاعر (من الطويل) :

فلو شاء ربي كان أير أبيكمو

طويلا كأير الحارث بن سدوس

وهو الحارث بن سدوس بن ذهل بن شيبان ، كان له واحد وعشرون ولدا ذكرا.

(٧) البيت من بحر السريع ، نسبه ابن الشجري إلى الفرزدق ، (الأمالي : ٢ / ٣٧) ، وليس في ديوانه.

٢٦١

[اللغات في الأسماء الستة]

قال ابن مالك : (وقد تشدّد نونه وخاء أخ وباء أب ، وقد يقال أخو ، وقد يقصر حم ، وهما أو يلزمها النّقص كيد ودم ، وربّما قصرا أو ضعّف دم).

______________________________________________________

أراد هنك فشبهه بعضد فسكن النون كما تسكن الضاد.

ومن العرب من يقول:هذا هنوك ورأيت هناك ومررت بهنيك،وهو قليل،فمن لم ينبه على قلته فليس بمصيب. قال ناظر الجيش : قصد المصنف أن ينبه على لغات في هذه الأسماء ، فذكر أن هنا قد تشدد نونه ، وأنشد عليه قول سحيم عبد بني الحسحاس (١).

٥٥ ـ ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

وهنّي جاذ بين لهزمتي هنّ (٢)

__________________

وأكثر مراجعه تنسبه للأقيشر الأسدي وهو المغيرة بن عبد الله ، ويروى في مناسبته أن الأقيشر قد سكر ، فبدت عورته ، فضحكت منه امرأته فقال :

تقول يا شيخ أما تستحي

من شربك الخمر على المكبر

فقلت لو باكرت مشمولة

صفرا كلون الفرس الأشقر

رحت وفي رجليك ... إلخ

 ...

وشاهده : تسكين نون هن في الإضافة تشبيها له بعضد وأنكره المبرد قائلا : الرواية وقد بدا ذلك.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٤٤) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٤). وفي معجم الشواهد (ص ١٩١). وستأتي ترجمة الفرزدق.

(١) شاعر مقل من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام ، ولا يعرف له صحبة ، لقي عمر بن الخطاب وأنشده قصيدته التي أولها (من الطويل) :

عميرة ودع إن تجهزت غاديا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

كان سحيم عبدا حبشيّا أسود ، أبى عثمان بن عفان أن يشتريه بعد أن عرض عليه قائلا : لا حاجة لنا به ؛ إنما حظ أهل العبد الشاعر إذا شبع أن يشبب بنسائهم وإذا جاع أن يهجوهم. ومن أخبار سحيم أنه مات مقتولا وذلك لأنه هوي امرأة وطلبها لنفسه فأطاعته فقتله قومها. وهو القائل عن نفسه (من البسيط) :

إن كنت عبدا فنفسي حرّة كرما

أو أسود اللّون إني أبيض الخلق

وبني الحسحاس بمهملات من بني أسد بن خزيمة. وانظر ترجمة سحيم في الخزانة (٢ / ١٠٢)،والشعر والشعراء (١/ ٤١٥).

(٢) البيت من بحر الطويل ، وقد نسب لسحيم وليس في ديوانه لا في قافية الدال برواية : هند ، ولا قافية النون برواية : هن ، وهو بلا نسبة في الدرر : (١ / ١١).

اللغة : الهن : بالتشديد كناية الذكر. جاذ : بالجيم والذال : ثابت على القيام. اللهزمتان : عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين ، واستعملهما الشاعر في جانبي الفرج على جهة الاستعارة. وشاهده واضح من

٢٦٢

______________________________________________________

وأن أخا وأبا قد يشددان :

قال المصنف (١) :

قال الأزهري (٢) : «إنّ تشديد خاء أخ وباء أب لغة وأنّه يقال استأببت فلانا أي اتخذته أبا» (٣).

وأما أخو : فشاهده قول رجل من طيئ :

٥٦ ـ ما المرء أخوك إن لم تلفه وزرا

عند الكريهة معوانا على النّوب (٤)

وأنشد الفراء :

٥٧ ـ لأخوين كانا أحسن النّاس شيمة

وأنفعه في حاجة لي أريدها (٥)

__________________

الشرح. وكذا معناه أيضا واضح.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٤٨) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٤) ، وفي معجم الشواهد (ص ٣٩٥).

(١) انظر شرح التسهيل.

(٢) هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح. ولد سنة (٢٨٢ ه‍) ورد بغداد ، وأسرته القرامطة فبقي فيهم دهرا طويلا ثم اتجه إلى العلم ورواية اللغة والأدب ، فأخذ عن ابن السراج ونفطويه والربيع ابن سليمان ولقي ابن دريد ولم يأخذ عنه ؛ لأنه وجده سكران. وظل كذلك حتى صار رأسا في اللغة وألف التصانيف المشهورة.

مصنفاته : صنف الكتاب المشهور وهو كتاب تهذيب اللغة ، قال صاحب نزهة الألباء فيه : وهو أكبر كتاب صنف في اللغة وأحسنه. وهو مطبوع في خمسة عشر مجلدا مشهورة وله مصنفات أخرى : التقريب في التفسير ، وكتاب علل القراءات وهو مطبوع في جزأين وشرح شعر أبي تمام ، وكتاب تفسير إصلاح المنطق ، مات سنة (٣٧٠ ه‍).

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ٣٢٣) ، معجم الأدباء (١٧ / ١٦٤) ، بغية الوعاة (١ / ١٩) ، الأعلام (٦ / ٢٠٢).

(٣) انظر تهذيب اللغة للأزهري (٧ / ٦٢٣) (الدار المصرية للتأليف والنشر تحقيق د / سرحان) إلا أنه عقب على ذلك بقوله : ذكره ابن الكلبيّ ولا أدري ما صحّته.

(٤) البيت من بحر البسيط نسب ـ كما في الشرح ـ لرجل من طيئ دون أن يعين ، وقال صاحب الدرر فيه : (١ / ١١) : لم أقف على قائل هذا البيت.

اللغة : أخوك : أخو على وزن ولو لغة في الأخ. تلفه : من ألفاه إذا وجده. وزرا : عونا وملجأ. معوانا :

منصفا. النّوب : الشدائد جمع نوبة بفتح وسكون.

المعنى : لا يكون الأخ أخا صدوقا إلا إذا وقف بجانبك عند الشدائد ، ويستشهد به على أن أخو لغة في أخ.

وانظر البيت في شرح التسهيل (١ / ٤٥) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٥٨) ، وفي معجم الشواهد (ص ٦٢).

(٥) البيت من بحر الطويل وهو في لسان العرب مادة (أخا) ، وفيه يقول ابن منظور :

الأخا : مقصور والأخو لغتان في الأخ حكاهما ابن الأعرابي ، وأنشد لخليج الأعيوي :

٢٦٣

______________________________________________________

ثم ذكروا في أب وأخ وحم لغتين أخريين :

إحداهما : القصر : وهذا هو الأصل لأن آخر كلّ منها واو متحركة وقبلها فتحة فيجب قلبها ألفا فيجيء القصر سواء أكانت مضافة أو غير مضافة.

أما قصر أب فشاهده :

٥٨ ـ إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها (١)

وأما قصر أخ فشاهده قولهم في المثل : «مكره أخاك لا بطل» (٢) ويروى بالواو.

وقال الشاعر :

٥٩ ـ أخاك الّذي إن تدعه لملمّة

يجبك لما تبغي ويكفيك من يبغي

__________________

قد قلت يوما والرّكاب كأنّها

قوارب طير حار فيها ورودها

لأخوين كانا خير أخوين شيمة

وأسرعه في حاجة لي أريدها

وخير هنا أفعل تفضيل بدليل ما بعده ، ويلاحظ اختلاف رواية الشاهد في الشرح وفي اللسان.

وشاهده كما في البيت قبله.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٤٥) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٥٨). وليس في معجم الشواهد.

(١) البيتان من الرجز المشطور ، قيل : لأبي النجم الفضل بن قدامة العجلي ، وقيل لرؤبة (انظر ملحقات ديوان رؤبة (ص ١٦٨) ، ملحقة رقم : ١١) والضمير في أباها يعود على ريا أو ليلى أو سلمى في أبيات قبل ذلك وهي أبيات مشهورة :

واها لسلمى ثمّ واها واها ......

إلخ ويستشهد به على أن هناك لغة تلزم الأسماء الستة الألف ثم تعربها بحركات مقدرة ، وقد ينطبق هذا على أباها الثالثة أما ما قبلها فقد يقال فيه ذلك ، وهو أولى ليكون الإعراب كله من جهة واحدة ، وقد يقال إعرابه بالألف.

وغايتاها : مثنى منصوب بالفتحة المقدرة أيضا على لغة من يلزم المثنى بالألف.

انظر البيت ومراجعه الكثيرة في معجم الشواهد (ص ٥٥٦) وهو أيضا في شرح التسهيل (ج ١ ص ٤٥) ، وفي التذييل والتكميل (ج ١ ص ١٦٥).

(٢) مثل من أمثال العرب يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه (مجمع الأمثال : ٣ / ٣٤١) قاله أبو حنش خال بيهس الملقب بنعامة عند ما دفعه بيهس على أن يقتل جماعة من أشجع قتلوا إخوته فلما فاجأهم أبو حنش بالقتل قال بعضهم : إن أبا حنش لبطل ، فقال المثل وانظر القصة في مجمع الأمثال : (١ / ٢٦٨) والمثل يروى برفع أخاك على اللغة الفصحى.

أما إعرابه : فعلى مذهب البصريين : مكره خبر مقدم وأخاك أو أخوك مبتدأ مؤخر ، وعلى رأي الكوفيين : مكره مبتدأ وما بعده خبر. ولا بطل معطوف على مكره في الرأيين.

٢٦٤

______________________________________________________

وإن تجفه يوما فليس مكافئا

فيطمع ذا التّزوير والوشي أن يصغي (١)

قال الشيخ (٢) : «وزعم الفراء أنّ قصر أخ لم يسمع كما سمع في أب وأجاز ذلك هشام».

ثم قال : «ولا دليل فيما أنشده المصنف ؛ لأنه يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار فعل ، التقدير : الزم أخاك» انتهى.

واعلم أننا إذا جعلنا [١ / ٦٨] أخاك منصوبا بإضمار فعل كما قدره ضعف المعنى ؛ لأن مراد الشاعر أن يحصر الأخوة فيمن هذه صفته أي : أخوك هو من كان بهذه المثابة لا غيره. فالمعنى على الإخبار عن أخاك بذلك فهو مبتدأ لا مفعول.

وأما قصر حم فمشهور. وعلى قصره قيل للمرأة حماة والحم أبو زوج المرأة أو غيره من أقاربه. هذا هو المشهور ، وقد يطلق على أقارب الزوجة.

اللغة الثانية : النقص في الثلاثة : وإليها الإشارة بقوله : أو يلزمها النّقص والمراد به النقص اللغوي وهو أن تحذف لاماتها ويجعل الإعراب على العينات لا النقص العرفي كما في قاض ونحوه ، ولذلك قال المصنف : كيد ودم أي كنقص يد ودم.

واستعمال هذه الكلمات منقوصة أقل من استعمالها مقصورة.

أما نقص أب فشاهده قول الراجز :

٦٠ ـ بأبه اقتدى عديّ في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم (٣)

__________________

(١) البيتان من بحر الطويل غير منسوبين فيما اطلعت عليه من مراجع.

اللغة : الملمة : النازلة. تبغي : تقصد وتطلب. يكفيك من يبغي : أن يقوم بنصرتك وحمايتك ممن يريد ظلمك. ذو التزوير والوشي : المفسد بين الأحباب واختلف في إعراب أخاك على ما هو في الشرح وهو موضع الشاهد. ويكفيك معطوف على جواب الشرط ففيه الرفع والنصب والجزم (حاشية الصبان : ٤ / ٢٤) والبيتان في شرح التسهيل (١ / ٤٩) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٦).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦٦).

(٣) البيتان من الرجز المشطور قالهما رؤبة من قصيدة يمدح بها عدي بن حاتم الطائي الصحابي رضي‌الله‌عنه (انظر ملحقات ديوان رؤبة ص ١٨٢) وقبل بيت الشاهد قوله :

أنت الحليم والأمير المنتقم

تصدع بالحقّ وتنفي من ظلم

٢٦٥

______________________________________________________

وعلى هذه اللغة قيل في التثنية يدان.

وأما نقص أخ فحكى أبو زيد (١) : جاءني أخك (٢).

وأجاز الفراء (٣) : «هذا أبك وأخك» فدل ذلك على أنه لغة لا ضرورة.

وأما نقص حم فحكى الفراء (٤) أنه يقال : هذا حمك وأنكر هذه اللغة البصريون. قال سيبويه (٥) : في النّسب إلى حم حمويّ ، قال : ولا يجوز إلّا ذا. ـ

__________________

قوله : فما ظلم كثر الكلام فيه وأحسن ما قيل أن مفعوله محذوف والتقدير : فما ظلم أمه.

والشاهد في البيتين واضح من الشرح (نقص أب). وقيل : إن الأصل بأبيه وأباه فحذفت الياء والألف للضرورة ، وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ٥٢٩). وهو في شرح التسهيل (١ / ٤٦) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٦).

(١) هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير الأنصاري ، جده ثابت شهد أحدا والمشاهد بعدها ، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأبو زيد إمام نحوي لغوي أديب غلبت عليه اللغة والنوادر والغريب.

من مشايخه : أبو عمرو بن العلاء ورؤبة بن العجاج وأبو حاتم السجستاني.

كان ثقة من أهل البصرة وكان سيبويه إذ قال سمعت الثقة يقصد أبا زيد الأنصاري ، أخذ العلم عنه كثيرون منهم : المازني وخلف الأحمر وجاء الأصمعي إلى حلقته وأكب على رأسه وجلس ، وقال : هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشرين سنة.

وقيل : كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة والخليل نصفها وأبو زيد ثلثيها.

تصانيفه : له النوادر في اللغة ، وهو مشهور مطبوع ، وله اللغات في القرآن والأفعال والمصادر. وخلق الإنسان والوحوش.

مات عن ثلاث وتسعين سنة في خلافة المأمون سنة ٢١٥ بالبصرة.

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ١٢٥) وبغية الوعاة (١ / ٥٨٢) ومعجم الأدباء (١١ / ٢١٢).

(٢) جاء في كتاب النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (دار الشروق : ١٩٨١) قوله : وقد يقال : أخ وأخان وأخون وأب وأبان وأبون (انظر ص ٣٥٧). وفي (ص ٥٠٧) أنشد قول عقيل بن علفة المري (من الوافر) :

وكان لنا فزارة عمّ سوء

وكنت له كشرّ بني الأخينا

قال : أراد الإخوة.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٣١) ، الهمع (١ / ٣٩).

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٥٦).

(٥) انظر الكتاب : (٣ / ٣٥٩) في باب تحت عنوان : هذا باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرد ، قال : وذلك قولك في أب أبوي وفي أخ أخوي وفي حم حموي ولا يجوز إلا إذا من قبل أنك ترد من بنات الحرفين التي ذهبت لاماتها إلى الأصل ما لا يخرج أصله في التثنية ولا في الجمع بالتاء.

٢٦٦

______________________________________________________

ولو جاز أن تقول : هذا حمك ، لجاز أن تقول في النسب حمي كما تقول في يد يدي (١).

ولما جرى ذكر يد ودم أشار إلى ما سمع فيهما من القصر وإلى ما سمع في دم من التضعيف ، وأنشد المصنف (٢) على ذلك قول الراجز :

٦١ ـ يا ربّ سار بات ما توسّدا

إلّا ذراع العنس أو كفّ اليدا (٣)

وقول الشاعر :

٦٢ ـ كأطوم فقدت برغزها

أعقبتها الغبس منه عدما

غفلت ثمّ أتت تطلبه

فإذا هي بعظام ودما (٤)

وقول الآخر :

٦٣ ـ أهان دمّك فرغا بعد عزّته

يا عمرو بغيك إصرارا على الحسد

__________________

(١) قال أبو حيان : فتلخص في أب وأخ وحم القصر والنقص ومصاحبة الحروف حالة الإضافة وفي أب وأخ التشديد ، وفي أخ وحم بناؤه على فعل ، وفي حم بناؤه مهموزا على فعل أو فعل وفي هن النقص والتشديد ومصاحبة الحروف حالة الإضافة (انظر التذييل والتكميل : ١ / ١٦٧).

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٦).

(٣) البيتان من الرجز المشطور وردا غير منسوبين.

اللغة : سار : اسم فاعل من سرى أي مشى ليلا. توسدا : اتخذ وسادة.

العنس : الناقة الشديدة ويروى العيس وهي الإبل البيض الشقر. وشاهده ومعناه واضحان.

وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ٤٦١) وهو في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٤٦) ، وللمرادي (١ / ٤٠) ، ولأبي حيان (١ / ١٦٧) ولسان العرب : مادة يدي.

(٤) البيتان من بحر الرمل مجهولا القائل. وهو فيهما يصف بقرة وحشية لهت عن ابنها ، ثم طلبته فوجدته قد مات.

اللغة : الأطوم : البقرة الوحشية وهي في الأصل سمكة غليظة شبهت بها البقرة.

البرغز : بفتحتين أو ضمتين ولدها. الغبس جمع أغبس وهو الذئب.

وشاهده قوله : بعظام ودما : حيث جاء لفظ دم مقصورا أي ردت إليه لامه في الشعر ضرورة وكانت ياء ثم تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ومثله قول الآخر في رواية (من الطويل) :

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أعقابنا يقطر الدّما

فالدم في موضع رفع فاعل بيقطر وهو اسم مقصور (لسان العرب : مادة برغز ، ج ١ ص ٢٦) والشاهد في معجم الشواهد (ص ٣٣٧) وفي شرح التسهيل (١ / ٤٧) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٧) ، وفي جمهرة اللغة (٣ / ٤٨٤).

٢٦٧

[اللغات في : فم]

قال ابن مالك : (وقد يثلّث فاء فم منقوصا أو مقصورا أو يضعّف مفتوح الفاء أو مضمومها أو تتبع فاؤه حرف إعرابه في الحركات كما فعل بفاء مرء وعيني امرئ وابنم ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ.

وربّما قيل «فا» دون إضافة صريحة نصبا ولا يخصّ بالضّرورة نحو : يصبح ظمآن وفي البحر فمه ؛ خلافا لأبي عليّ) [١ / ٦٩].

______________________________________________________

فقد شقيت شقاء لا انقضاء له

وسعد مرديك موفور على الأبد (١)

قال الشيخ (٢) : «ويحتمل أن تكون اليدا تثنية على لغة من يثني بالألف مطلقا وحذفت النون على حدّ قولهم : بيضك ثنتا وبيضي مائتا (٣) ، فلا يكون في البيت الذي أنشده المصنف حجة فيحتاج في إثبات قصر اليد إلى دليل آخر» انتهى.

فعلى ما قاله يكون المراد وكفي اليدا ويبعد أن يكون مراد الشاعر ذلك ؛ فإن المتوسد لا يتوسد كفين وإنما يتوسد كفّا واحدا. ففي ما ذكره الشيخ تكلف من جهة اللفظ وبعد من جهة المعنى.

قال ناظر الجيش : في الفم عشر لغات :

النقص بالحركات الثلاث في الفاء ، والقصر أيضا كذلك ، وتضعيف الميم ـ

__________________

(١) البيتان من بحر البسيط وهما مجهولا القائل.

اللغة : أهان دمك : ضد أعزه. فرغا : أصله مخرج الماء من الدلو وهو بمعنى أهان فهو نائب عن مصدره.

بغيك : ظلمك وهو فاعل أهان ودمك مفعوله مقدما ، وإصرارا مفعول لأجله.

المعنى : يوبخ الشاعر عمرا على أن ظلمه وحقده جر عليه الموت ورماه بالشقاء الأبدي ، وأن سعدا الذي أردى سعيدا فرح ؛ لأنه خلص الناس من ظلمه وعتوه.

واستشهد به : على أن كلمة دم يجوز فيها تشديد الميم على لغة.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٤٧) ، وللمرادي (١ / ٤١) ، ولأبي حيان (١ / ١٦٨) ، وفي معجم الشواهد (ص ١١٩).

(٢) انظر التذييل والتكميل (١ / ١٥٧).

(٣) أعطى له الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رقما وجعله بيتا من الشواهد عند تحقيقه للمغني : (١ / ١٧) ، ثم قال : ولا يتم له وزن من الرجز إلا بثبوت النون في ثنتا وحذفها في مائتا ولم يرد كذلك ، وهو من كلام الحجلة (طير لحمه وكبده مفيد) تخاطب القطا.

٢٦٨

______________________________________________________

بالحركات الثلاث في الفاء أيضا (١).

ولم يذكر المصنف مع التضعيف إلا فتح الفاء (وضمها (٢) ، ونقل الشيخ (٣) الوجه الثالث عن أهل اللغة ، قال المصنف (٤)) : وأنشد الفراء :

٦٤ ـ يا حبّذا عين سليمى والفما

[والجيد والنّحر وثدي قد نما](٥)

وحكى ابن الأعرابي (٦) في تثنيته : فموان وفميان.

وهذا يدل على أن الفرزدق (٧) ليس مضطرّا في قوله : ـ

__________________

(١) فهذه تسع لغات والعاشرة سيذكرها قريبا.

(٢) ما بين القوسين سقط سهوا من نسخة الأصل وهو في (ب) ، (ج) وإثباته هو الصواب.

(٣) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦٩).

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٧).

(٥) بيتان من الرجز مجهولا القائل ، وهما في الغزل الحسي ومدح الجسد.

والشاهد قوله : والفما حيث جاء مقصورا فيرفع بضمة مقدرة ، هذا فهم ابن مالك من إنشاد الفراء ولكن صاحب اللسان نقل عن الفراء غير ذلك ، قال بعد أن أنشد البيت :

قال الفراء : أراد : والفمان يعني الفم والأنف فثناهما بلفظ الفم للمجاورة ، وأجاز أيضا أن ينصب على أنه مفعول معه كأنه قال مع الفم. قال ابن جني : وقد يجوز أن ينصب بفعل مضمر كأنه قال وأحب الفما ويجوز أن يكون الفم في موضع رفع إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا (اللسان : مادة فوه).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٤٧) ، والتذييل والتكميل (١ / ١٦٩) ، ومعجم الشواهد (ص ٥٣٢) ، وجمهرة اللغة (٣ / ٤٨٤).

(٦) هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي ، كان ربيبا للمفضل الضبي فأخذ عنه وعن الكسائي. وأخذ عنه الكثير وأولهم ثعلب وأعجب به ثعلب أيما إعجاب ، قال عنه :

كان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان ، كل يسأله أو يقرأ عليه ويجيب من غير كتاب ولزمته بضع عشرة سنة.

وقال أيضا : انتهى علم اللغة والحفظ إلى ابن الأعرابي. ولا شك أنه كان كذلك.

مصنفاته : النوادر ، الفاضل في الأدب ، معاني الشعر ، الأنواء ، الخيل ... إلخ.

عاش أكثر من ثمانين سنة حيث ولد سنة (١٥٠ ه‍) وتوفي سنة (٢٣١ ه‍).

وانظر في ترجمة ابن الأعرابي : نزهة الألباء (ص ١٥٠) ، بغية الوعاة (١ / ١٠٥) ، الأعلام (٦ / ١٢٥).

(٧) هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة شاعر مشهور أخباره كثيرة ، جده وأبوه من سراة قومهم. لقي أبوه علي بن أبي طالب فسأله علي عن أبله فقال : أذهبتها نوائب الدهر وتحمل الديات وأوصاه علي أن يحفظ ابنه القرآن فقيد الفرزدق نفسه حتى حفظ القرآن. قال الشعر عمرا طويلا ، وله ديوان كبير مطبوع أكثر من مرة ، قال يونس عن شعره :

لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة ، معاركه مع جرير والأخطل مشهورة وله في ذلك النقائض التي تعد

٢٦٩

______________________________________________________

٦٥ ـ هما نفثا في فيّ من فمويهما

[على النّابح العاوي أشدّ رجام](١)

بل هو مختار ؛ لأنه قد ثبت القصر في الإفراد.

وثبت بنقل ابن الأعرابي أن العرب قالت في تثنيته : فموان وفميان ، وأطلق القول فعلم أن ذلك غير مختص بنظم دون نثر.

وحكى اللّحياني (٢) أنه يقال : فم وأفمام فعلم بهذا النقل أن التشديد لغة صحيحة لثبوت الجمع على وفقها (٣). ـ

__________________

غرة في جبين الأدب العربي ؛ ومع ذلك فعندما مات الفرزدق رثاه جرير.

ويكفي في فضله قول هذه المرأة عند ما مات هو وجرير والحسن البصري وابن سيرين في عام واحد ، قالت : كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة. وكان ذلك سنة (١١٠ ه‍).

له محاسن في الفخر والهجاء والمدح من شعره.

انظر ترجمته في معجم الشعراء (ص ٤٦٥) ، الشعر والشعراء (١ / ٤٧٨). الأعلام (٩ / ٩٦).

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للفرزدق يتوب فيها إلى الله ويهجو في أكثرها إبليس الشيطان :

أطعتك يا إبليس سبعين حجّة

فلمّا انتهى شيبي وتمّ تمامي

فررت إلى ربّي وأيقنت أنّني

ملاق لأيام المنون حمامي

انظر القصيدة في ديوان الفرزدق : (٢ / ٢١٢).

اللغة : نفثا : ألقيا على لساني. وروي في مكانه كفلا وهما بمعنى. العاوي : النابح وأراد به من يتعرض للهجو والسب له من الشعراء وأصله في الكلب. الرجام : مصدر راجمه بالحجارة أي راماه.

والمعنى : أن إبليس وأعوانه عذبوا الناس وسقوهم لبن الشر والمعصية ومن هؤلاء الفرزدق.

وشاهده واضح : حيث ثنى لفظ الفم برد لامه فدل على أنه يستعمل مقصورا.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٤٨) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ١٦٩).

وفي معجم الشواهد (ص ٣٦٦) وجمهرة اللغة (٣ / ٤٨٤).

(٢) هو أبو الحسن علي بن حازم وقيل علي بن المبارك ، لقب باللّحياني بكسر اللام قيل لعظم لحيته ، وقيل بل هو من بني لحيان بن هذيل بن مدركة.

إمام في العربية ومن كبار أهل اللغة وهو في الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين ، أخذ عن الكسائي وأبي زيد وأبي عمر الشيباني والأصمعي وأبي عبيدة وأخذ عنه القاسم بن سلام وابن السكيت ، وكان اللحياني أحفظ الناس للنوادر من الكسائي والفراء والأحمر ، فمن نوادره أنه حكى عن بعض العرب : أنّهم ينصبون بلم ويجزمون بلن وخرج على نصب لم فتح الحاء في قراءة من قرأ : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] بالنصب. له كتاب النوادر ولم أره. وقد توفي سنة (٢٢٠ ه‍).

انظر ترجمته في بغية الوعاة : (٢ / ١٧٥) ، نزهة الألباء (ص ١٧٦) ، نشأة النحو (ص ١٠٢).

(٣) انظر في تخريج رأي اللحياني : التذييل والتكميل (١ / ١٧١).

٢٧٠

______________________________________________________

قال المصنف (١) : فليس بمصيب من زعم أن التشديد مخصوص بالضرورة ، بل الصحيح أن للفم أربع مواد : إحداها : ف م ي ، الثانية : ف م و، الثالثة : ف م م ، الرابعة : ف وه ، ولكنها أصول متوافقة في المعنى لا أن أصلها فوه كما زعم الأكثرون ؛ لأن ذلك مدعى لا دليل عليه.

واللغة العاشرة : النّقص وإتباع الفاء للميم في الحركات ، وإليها الإشارة بقوله :

أو تتبع فاؤه حرف إعرابه في الحركات :

قال الشيخ : «هذا ـ يعني الإتباع ـ حكاه الفراء قال : والأفصح في فم المخفّف فتح الفاء ثم ضمها ثم كسرها ثم الإتباع وهي أضعف اللغات ؛ لأن سبب الإتباع إنما هو الإضافة (٢) فإذا زالت الإضافة فينبغي أن يزول الإتباع ، وكان الضمّ دون الفتح ؛ لأنه يلزم فيه الخروج من ضمّ إلى كسر حالة الجر ؛ ولو لا أن الكسرة عارضة لما جاز ذلك ، وكان الكسر دون الضم ؛ لأنه يلزم فيه الخروج من كسر إلى ضم (٣) ولا يوجد ذلك البتة في اسم ولا فعل بخلاف الخروج من ضمّ إلى كسر ، انتهى» (٤).

ولما ذكر المصنف لغة الإتباع في الفم أراد أن يذكر ما وافق الفم في ذلك ، فقال :

كما فعل بفاء مرء وعيني امرئ وابنم أي حصل الإتباع في فم كما أتبع في مرء وامرئ وابنم وهو تنظير حسن ، واعلم أنّ في مرء ثلاث لغات :

إحداها : فتح الميم مطلقا وهي لغة القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(٥).

الثانية : ولم يذكرها المصنف إنما ذكرها الشيخ : «كسر الميم مطلقا» (٦).

الثالثة : إتباع الميم الهمزة في حركات الإعراب.

وعلل المبرد جواز الإتباع مع فصل الراء بين المتبع والتابع بأن الهمزة قد تخفف ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ٤٨).

(٢) أي في مثل : فوك وفاك وفيك.

(٣) أي في حالة الرفع مثل : هذا فم.

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٧٢).

(٥) سورة الأنفال : ٢٤.

(٦) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٧٢).

٢٧١

______________________________________________________

بالحذف ، فتحرك الراء بحركتها التي هي حركة الإعراب فكأن لا فصل (١).

وأما امرؤ وابنم ففيهما لغتان : إحداهما : فتح الراء من امرئ والنون من ابنم مطلقا.

الثانية : إتباعهما الهمزة والميم في حركات الإعراب وهذه أفصح اللغتين ، قال الله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)(٢).

وعلى اللغة الأولى في امرأ جاء التأنيث ، قالوا امرأة وهي الأصل.

وحكى الجوهري (٣) : «أنّ من العرب من يضمّ الرّاء على كلّ حال ، ولا يدخل أل على امرئ استغنوا بدخولها على مرء» (٤).

وقال الفراء : «بعض نويس يقولون الامرأ الصّالح والامرأة الصّالحة فيدخلون اللّام على المرء». ـ

__________________

(١) أما التعليل فحسن وأما نسبته إلى المبرد ففيها شك ؛ فالذي في المقتضب له حديث عن امرؤ لا عن مرء ، فعندما تحدث عن همزة الوصل وذكر أنها تلحق الأسماء المنقوصة مثل ابن واسم ، سأل نفسه قائلا :

فان قلت : امرؤ لم ينقص منه شيء ، فما بال ألف الوصل لحقته؟

وأجاب : فإنما ذاك لتغيره في إتباع ما قبل آخره من أجل الهمزة التي يجوز تخفيفها (المقتضب : ١ / ١٢٨) وله حديث في مواضع أخرى عن إتباع الراء للهمزة وليس إتباع الميم (المقتضب : ١ / ٨٢ ، ٢ / ٩٣ ، ٤ / ٢٣١).

وانظر اللغتين الثانية والثالثة وشواهد ذلك في لسان العرب (مادة : مرء).

(٢) سورة النساء : ١٧٦.

وعللوا لهذا الإتباع الذي يقتضي الإعراب من مكانين بأن امرءا آخره همزة والهمزة قد تترك في كثير من الكلام (بالحذف أو الإبدال) فأتبعوها الراء ليكونوا إذا تركوا الهمزة آمنين من سقوط الإعراب (اللسان : مادة مرء)

وعللوا الإتباع في ابنم بأن الميم قد تسقط فيبقى الإعراب على النون كما كان.

(٣) هو أبو نصر الفارابي إسماعيل بن حماد الجوهري ، من أئمة اللغة وأشهر كتبه الصحاح. دخل العراق صغيرا وسافر إلى الحجاز وعاد إلى خراسان ثم أقام في نيسابور ، وهو أول من حاول الطيران ومات في سبيله ؛ حيث صنع جناحين من خشب وصعد فوق سطحه وطار ولكنه ما لبث أن مات وكان ذلك سنة (٣٩٣ ه‍). (ترجمته في الأعلام : ١ / ٣٠٩) ، (بغية الوعاة : ١ / ٤٤٦).

(٤) انظر الصحاح مادة مرء : (١ / ٧٢) وجاء فيه : «المرء الرّجل يقال هذا مرء صالح ومررت بمرء صالح ورأيت مرءا صالحا وضمّ الميم لغة وهما مرآن صالحان ولا يجمع على لفظه. وبعضهم يقول : هذه مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمزة وتحريك الرّاء بحركتها ، فإن جئت بألف الوصل كان فيه ثلاث لغات : فتح الراء على كلّ حال وضمّها على كلّ حال والإتباع».

وقول الشارح : على كل حال : أي في الرفع والنصب والجر وهو واضح.

٢٧٢

______________________________________________________

قال أبو علي : «لعلّ هذا الّذي سمعها منه لم يكن فصيحا ؛ لأن قول الأكثر على خلافه» (١).

وابنم هو ابن زيدت عليه الميم. وقد ثنوا ابنما ، فقالوا : ابنمان ولم يجمعوه ، فيقولون ابنمون [١ / ٧٠] وإن كانوا قد جمعوا ابنا ، قالوا : ابنون ، ولم يسمع تأنيثه وإن كان قد سمع تأنيث ابن.

قال الشيخ : «وكون حركة الراء والنون إذا وافقت الآخر حركة إتباع هو مذهب البصريين ، وذهب الفراء وغيره من الكوفيين إلى أنها حركة إعراب وأنّ الاسم معرب من مكانين كما قالوا في الأسماء الستة : إنّها معربة من مكانين» انتهى (٢).

ولما ذكر المصنف الإتباع في مرء وامرأ بحركة الإعراب قال : ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ أي إن فوك وأخواته وهي بقية الأسماء الستة معربة بحركات في آخرها كغيرها من المعربات وإنه أتبع فيها ما قبل الآخر للآخر كما أتبع في مرء وامرأ فأشار إلى الحق من المذاهب العشرة في الأسماء الستة وهو القول العاشر الذي تقدم الوعد بالكلام عليه ، وتقدم أنه مذهب سيبويه وأنه الصحيح.

وتقريره : أنه إذا قيل هذا فوك فالأصل فوك بفتح الفاء وضم الواو التي هي عين الكلمة فأتبعوا الفاء للعين فقيل فوك ثم استثقلت الضمة على الواو فحذفت فبقي فوك.

وإذا قيل : نظرت إلى فيك فالأصل إلى فوك بكسر الواو فأتبعنا فصار فوك ثم استثقلت الكسرة على الواو فحذفت فبقي الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء فبقي فيك.

وإذا قيل : رأيت فاك فالأصل فوك تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا.

ومنهم من يقول : الأولى أن تقدر حركة الفاء حركة إتباع بعد حذف حركة الأصل لتوافق الأحوال كلها رفعا ونصبا وجرّا في الإتباع.

وكذا التقرير في : جاءني ذو مال ورأيت ذا مال ومررت بذي مال.

والكلام على عينات أبوك وأخوك وحموك وهنوك ـ بالنسبة إلى إتباعها لحرف ـ

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٧٣).

(٢) انظر : المرجع السابق. وقوله : معربة من مكانين أي بالحركات والحروف.

٢٧٣

______________________________________________________

العلة بعدها في حركات الإعراب ـ كالكلام على فاء فوك وذو مال سواء (١).

وجعل الشيخ الضمير في : ونحوهما عائدا على امرئ وابنم (٢) ، وليس بجيد ؛ بل الضمير عائد على مرء وامرئ ؛ لأن هذه الأسماء الستة منها ما أتبعت فيه الفاء لحركة الإعراب وهو فوك وذو مال ، ومنها ما أتبعت فيه العين للحركة المذكورة وهو بقيتها كما أن مرءا أتبعت فيه الفاء وامرأ أتبعت فيه العين ، فقصد المصنف التنظير بهاتين الكلمتين في الإتباعين المذكورين ، وإذا أعدنا الضمير على امرئ وابنم فات هذا المقصود. ولو لا قصد المصنف ذلك لاقتصر على ذكرهما ولم يحتج لذكر مرء (٣).

فإن قيل : فلم ذكر ابنما مع امرئ ، وهل اقتصر على امرئ؟

قيل : أراد أن ينبه على فائدة وهي أن امرءا شاركه في الإتباع كلمة أخرى وهي ابنم.

ثم قال المصنف مستدلّا لصحة مذهب سيبويه : «وهذا مذهب قويّ من جهة القياس ؛ لأن أصل الإعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة ؛ فإذا أمكن التقدير على وجه يوجد معه النظير فلا عدول عنه ، وقد أمكن ذلك في الأسماء المذكورة فوجب [١ / ٧١] المصير إليه ، وانتصر المعول عليه» (٤).

«وإذا كان التقدير مرعيّا في المقصور وفي المحكي وفي المتبع مع عدم ظاهر تابع ـ

__________________

(١) أسند النحاة ـ وابن مالك ـ إلى سيبويه القول بإعراب الأسماء الستة بالحركات المقدرة فوق حروف العلة الثلاثة ، وتحقيق المسألة أن حديث الأسماء الستة وعلامة إعرابها بالحركات المقدرة لم يرد في كتاب سيبويه وإنما الذي ورد له إعرابه بالحركات المقدرة مما يعرب بالحروف إنما هو المثنى والمجموع على حده ؛ فأسند النحاة إليه طريقة إعراب هذه الاسماء قياسا على تلك ؛ حيث لم تظهر في الجميع حركات الإعراب. كما أن حديثه عن إعراب المثنى والجمع بالحركات المقدرة ليس واضحا ، وكل ما ذكر أن حروف اللين فيهما (الألف والواو والياء) حروف الإعراب بمنزلة التاء في مسلمات ولم يزد على هذا (انظر الكتاب : ١ / ١٧ ، ١٨) وفسره النحاة بما رأيت من الإعراب بالحركات المقدرة على حروف اللين.

انظر إسناد هذا الرأي في إعراب الأسماء الستة لسيبويه صريحا في الهمع (١ / ٣٨) ، ورأيه في إعراب المثنى والجمع على حده في الهمع أيضا : (١ / ٤٨).

(٢) انظر التذييل والتكميل : (١ / ١٧٥).

(٣) في نسخة (ب) ، (ج) : ولم يحتج إلى ذكر.

(٤) انظر شرح التسهيل لابن مالك. وما بعده كلام ابن مالك أيضا.

٢٧٤

______________________________________________________

للمقدر ، فهو عند وجود ذلك أحق بالرعاية وأولى ، وهذا هو حال الأسماء الستة على القول المشار إليه».

«ولهذا القول أيضا مرجح آخر ، وهو أن من الأسماء الستة ما يعرض استعماله دون عامل ، فيكون بالواو كقولك : أبو جاد هوّز. فلو كانت الواو من الأسماء المذكورة قائمة مقام ضمة الإعراب لساوتها في التوقف على عامل. وفي عدم ذلك دليل على أن الأمر بخلافه» انتهى (١).

ثم نبه المصنف على أنه أفرد الفم لفظا دون ميم ، وأشار أيضا إلى قلته بقوله :

وربما قيل فا. ومثاله قول الراجز :

٦٦ ـ خالط من سلمى خياشيم وفا

[صهباء خرطوما عقارا قرقفا](٢)

أراد خياشيمها وفاها فحذف المضاف إليه ونوى الثبوت ، وأبقى المضاف على الحال التي كان عليها (٣).

ولو لم يذكر المصنف ذلك لكان أولى ؛ لأن الإضافة المقدرة في حكم الملفوظ بها (٤).

ثم قول المصنف بعد ذلك : ومثله قول الشاعر :

٦٧ ـ وداهية من دواهي المنو

ن يرهبها النّاس لا فا لها (٥)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل.

(٢) البيت من أرجوزة طويلة للعجاج بن رؤبة وما بين القوسين بعده (ديوانه ص ٤٥٢).

اللغة : خياشيم : جمع خيشوم وهو أقصى الأنف باعتبار أجزائه وأطرافه. وفا : هو الفم. والصهباء وما بعده : هي الخمر في أوقات مختلفة.

والشاعر : يصف طيب نكهة سلمى كأن فيها خمرا. وشاهده واضح من الشرح. وانظر تعليقنا على البيت بعد ذلك.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٥٠) وفي التذييل والتكميل (١ / ١٨٥) ، وفي معجم الشواهد (ص ٥٠١).

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥٣).

(٤) بدليل أنه يحذف لها التنوين والنون في مثل : قطع الله يد ورجل من قالها ، وقول الآخر :

بين ذراعي وجبهة الأسد

(٥) البيت من بحر المتقارب نسب إلى الخنساء وليس في ديوانها ، وفي سيبويه (١ / ٣١٦) منسوب لعامر بن الأحوص.

٢٧٥

______________________________________________________

فأقحم اللام ونوى الإضافة كقولهم : لا أبا لك يحقق ما قلته ؛ لأنه جعل لافا لها المضاف نظير ما أنشده من خياشيم وفا ؛ فدل على أن الآخر مضاف.

ووجه الشبه بينهما : أن كلّا منهما ليس مضافا إضافة صريحة ؛ بل الأول إضافته مقدرة والثاني لا يعد مضافا في الصورة للحاجز وهو اللام.

وزعم الفارسي أن قول من قال :

٦٨ ـ [كالحوت لا يرويه شيء يلهمه]

يصبح ظمآن وفي البحر فمه (١)

من الضرورات بناء على أن الميم حقها ألا تثبت حال الإضافة إلا في الشعر (٢). ـ

__________________

اللغة : المنون : الدهر والمنية. لا فا لها : أي ليس لها مدخل تعالج منه ، فهي داهية مشكلة.

واستشهد به على أن المراد بفا لها : أي لا فم لها.

وانظر الشاهد في شرح التسهيل (١ / ٤٩) وفي التذييل والتكميل (١ / ١٨٦) ، وفي معجم الشواهد (ص ٢٧٣).

(١) البيتان من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج من قصيدة طويلة يمدح فيها أبا العباس السفاح وقبله :

أتاك لم يخطئ به ترسّمه

كالحوت لا يرويه شيء يلهمه

انظر ديوان رؤبة (ص ١٥٩).

اللغة : ترسمه : طريقه. لا يرويه : بضم حرف المضارعة. يلهمه : من باب سمع يبتلعه مرة أخرى.

وفاعل أتاك ضمير السائل قبل ذلك. وروي يلقمه مكان يلهمه وروي عطشان مكان ظمآن.

المعنى : يصف رؤبة الرجل السائل بالذكاء أولا ؛ حيث قصد الممدوح ثم يصفه بعد ذلك بالشراهة والنهم ، والممدوح أهل بأن يعطيه ويشفي غلته.

وشاهده واضح من الشرح وانظر تعليقنا عليه بعد ذلك.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٤٩) وفي التذييل والتكميل (١ / ١٨٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ٥٣٦) ، والأمثال للميداني : (٢ / ٣٤٢) ضربه مثلا لمن عاش بخيلا مثريا.

(٢) قال أبو علي في حديث عن بيت الفرزدق : هما نفثا في فيّ من فمويهما ، وكيف جمع بين الواو التي هي عين الكلمة والميم التي تأتي بدلا من الواو بعد حذفها قال : ويحتمل أن يكون أضاف الفم مبدلا من عينه الميم للضرورة كقول الآخر : يصبح ظمآن وفي البحر فمه. ثم أتى بالواو التي هي عين والميم عوض عنه ، فجمع بين البدل والمبدل منه للضرورة ، ومثل للجمع بين العوض والمعوض عنه بقول الشاعر :

إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول ياللهمّا ياللهمّا

انظر (ص ١٨٢) من تحقيق كتاب المسائل العسكريات (د / الشاطر).

٢٧٦

______________________________________________________

قال المصنف : وهذا من تحكّماته العارية عن الدّليل (١).

والصحيح : أن ذلك جائز في النظم والنثر ، وفي الحديث الصحيح :

«لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك» (٢).

ولنذكر بعد ذلك زنات هذه الأسماء :

أما أب وأخ : فزنتهما فعل عند البصريين بدليل أبوان وأخوان وآباء وآخاء.

قال سيبويه : هذا جماع فعل (٣).

وزعم الكسائي والفراء (٤) أن وزنهما فعل بسكون العين.

وأما حم : فمثلهما عند البصريين ؛ لأن جمعها أحماء ، وقال الفراء : حمو بإسكان الميم (٥).

وأما فم ، بلا ميم ، فوزنه عند الخليل وسيبويه فعل بدليل أفواه كسوط وأسواط (٦).

وذهب الفراء إلى أنه فعل بضم الفاء (٧).

واستدل لسيبويه بقول الفصحاء : فم بفتح الفاء حالة التعويض.

ونظير هذا استدلال سيبويه على أن أبناء مفتوح الفاء بقولهم بنون (٨). ـ

__________________

(١) أسند ابن مالك وتبعه شارحنا ـ والنحاة ـ إلى أن أبا علي يرى أن بقاء الميم في الفم عند إضافته من الضرائر ، والصحيح أن أبا علي له رأيان في ذلك : واحد بالضرورة كما نقلناه في الهامش السابق ورأي يحكم بجوازه لكنه قليل.

وهذا نص كلامه : علل حذف حرف العلة في أب وأخ وحم عند إضافته ثم علل بقاءه مع الميم ، فقال : فأما في فيّ فإنما أثبتت لما ذكرت من بقاء الاسم على حرف واحد ، وقوى ذلك أن الياء في فيّ لا تلزم لزوم التي كانت تكون في أب لو أضيفت ، ولم يحذف منها حرف العلة ألا ترى أنهم قد يقولون فمي وفمه وقال : يصبح ظمآن وفي البحر فمه. انظر المسائل الشيرازية (ص ٣٨٨).

(٢) انظر الحديث في صحيح البخاري : (٣ / ٢٤ ـ ٢٦) من كتاب الصوم وفي (٩ / ١٢٦) من كتاب التوحيد ، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (١ / ٤٤٦) ، (٢ / ٣٩٣). وفي صحيح مسلم (٣ / ١٥٨) باب فضل الصيام.

(٣) الكتاب : (٣ / ٣٦٣).

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٥٨) والهمع (١ / ٤٠) وحاشية الصبان (١ / ٧٢) ونسب الرأي في الأخيرين للفراء وحده.

(٥) انظر المراجع السابقة.

(٦) انظر الكتاب : (٣ / ٢٦٤).

(٧) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٦٠) ، والهمع (١ / ٤٠) وحاشية الصبان (١ / ٧٢).

(٨) انظر : كتاب سيبويه (٣ / ٣٦٤):

٢٧٧

______________________________________________________

وأما ذو : فوزنه عند سيبويه فعل محرك العين وأصله ذوي ثم أعلت اللام بقلبها ألفا فصارت ذوي ثم حذفت. ويدل على الحذف قولهم في التثنية : ذواتا فردوا اللام فهو عنده من باب طويت.

وذهب الخليل (١) إلى أن وزنه فعل وأنه من باب قوة فأصله ذوّ مثل قو (٢).

وجعله ابن كيسان (٣) محتملا للوزنين (٤) وخدش مذهب سيبويه بشيء [١ / ٧٢] وهو أنه لو كان كما قال ، لم يقولوا : ذوو مال ، بل كانوا يقولون : ذوو مال ، كما قالوا : مصطفو زيد فكانت الألف تسقط لمكان واو الجمع وينفتح ما قبل الواو ليدل على المحذوف (٥).

وأما هن : فوزنه فعل ، قال الشيخ : «عند البصريّين» (٦).

__________________

(١) هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصري ، سيد أهل الأدب في علمه وزهده والغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله ، وكان من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء. ويكفي الخليل فخر أن إمام العربية سيبويه من تلاميذه وعامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل وهو أول من اخترع علم العروض ، وأخذ عنه ، وأول من ضبط اللغة ومعاجمها.

مصنفاته : له الكتاب المشهور في اللغة المسمى بالعين ، وله أيضا فائت العين ، وله كتاب النغم والجمل والعروض ، وله أشعار غاية في الزهد والتقوى وامتد به العمر فعاش أربعا وسبعين سنة حيث توفي سنة (١٧٥ ه‍).

انظر ترجمته وأخباره في نزهة الألباء (ص ٤٥) وبغية الوعاة (١ / ٥٥٨).

(٢) انظر في تحقيق رأي سيبويه والخليل كتاب سيبويه : (٣ / ٢٦٢ ، ٢٦٣).

(٣) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي أحد المشهورين بالعلم وممن خلطوا في مذهبهم بين النزعة البصرية والنزعة الكوفية ، وذلك لأنه أخذ عن العباس المبرد وأبي العباس ثعلب ، وقال عنه أبو بكر ابن مجاهد : كان ابن كيسان أنحى من شيخيه أي السابقين.

مصنفاته : منها المهذب في النحو ، المختار في علل النحو ، مسائل في الخلاف بين البصريين والكوفيين. ولم أقف على واحد منها وله ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بعنوان : الموفق في النحو لابن كيسان (٢٠٤ نحو).

واختلف في وفاته وأصح الآراء في ذلك أنه توفي سنة (٢٩٩ ه‍).

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ٢٣٥) بغية الوعاة (١ / ١٨) نشأة النحو (ص ١٥١).

وانظر ترجمة مفصلة له في كتاب عنه للدكتور محمد إبراهيم البنا تحت عنوان : ابن كيسان النحوي : حياته وآثاره وآراؤه.

(٤) انظر التذييل والتكميل (١ / ١٦٣) والهمع (١ / ٤٠) وحاشية الصبان (١ / ٧٢).

(٥) انظر التذييل والتكميل (١ / ١٦٤).

(٦) انظر المرجع السابق.

٢٧٨

[إعراب الأمثلة الخمسة عند الرفع]

قال ابن مالك : (وتنوب النّون عن الضّمّة في فعل اتّصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة مكسورة بعد الألف غالبا مفتوحة بعد أختيها ، وليست دليل إعراب خلافا للأخفش).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : هذا هو القسم الثاني مما ذكر أنه معرب بالحروف ، وهو الأمثلة الخمسة ، وقد تقدم أنه ليس عند سيبويه معرب بالحروف غيرها (١).

وزاد الأخفش : أنّها معربة بحركات مقدّرة كما سيأتي.

ونقل الشيخ عن الفارسي : أنها معربة ولا إعراب فيها (٢).

وتناول قول المصنف : ألف اثنين أو واو جمع ـ كونهما ضميرين نحو : أنتما تذهبان وأنتم تذهبون ، وكونهما علامتي تثنية الفاعل وجمعه ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» (٣).

قال المصنف (٤) : «فالنون الواقعة بعد الألف بحاليها وبعد الواو بحاليها نائبة عن الضمة الإعرابية وكذا المتصلة بياء المخاطبة نحو : أنت تفعلين ، وقد كان ينبغي أن يستغنى بتقدير الإعراب قبل الأحرف الثلاثة عن هذه النون كما استغني بتقديره قبل ياء المتكلم نحو : غلامي ، لكن سهل الاستغناء بالتقدير في نحو غلامي كون الاسم أصله الإعراب ؛ فلا يذهب الوهم إلى بنائه دون سبب قوي بخلاف الفعل فإن أصله البناء ، فلم يستغن فيه متصلا بهذه الأحرف بتقدير الإعراب ؛ لئلّا يذهب الوهم إلى مراجعة الأصل كما روجع مع نون الإناث ؛ بل جيء بعد هذه الأحرف بالنون المذكورة ـ

__________________

(١) انظر : كتاب سيبويه (١ / ١٩).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٩١) قال أبو علي في تعليل ذلك : «لأن حرف الإعراب لا يكون النون لسقوطها للعامل وهو حرف صحيح ، ولا يكون الضمير لأنه الفاعل ولأنه ليس في آخر الكلمة ، ولا ما قبل الضمائر من اللامات لملازمتها لحركة ما بعدها من الضمائر وحرف الإعراب لا يلزم الحركة ، فلم يبق إلا أن تكون معربة ولا إعراب فيها». وانظر حديث أبي علي أيضا في الأفعال الخمسة في كتابه الإيضاح (ص ٧).(مخطوط بدار الكتب رقم ١٩٧٩ نحو).

(٣) الحديث في صحيح البخاري : (٩ / ١٢٦) في باب التوحيد. والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد : (٢ / ٢٥٧ ، ٣١٢).

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥٠).

٢٧٩

______________________________________________________

قائمة بثبوتها مقام الضمة وبسقوطها مقام الفتحة والسكون حملا للنصب على الجزم ؛ لأن الجزم في الفعل نظير الجر في الاسم ، وقد حمل النصب على الجر في المثنى وجمعي التصحيح ، فحمل أيضا النصب على الجزم هنا» انتهى كلامه وهو حسن (١).

غير أن التعليل الذي ذكره في حمل النصب على الجزم لا يتمشى على مذهب سيبويه بالنسبة إلى المثنى وجمع التصحيح للمذكر ؛ لأن الإعراب عنده فيهما ليس بالحروف كما ستعرف.

وعلل كسر النون بعد الألف بأمرين :

أحدهما : أنه الأصل في التقاء الساكنين.

ثانيهما : الحمل على نون التثنية للشبه الذي بينهما في الصورة.

وأشار بقوله : غالبا إلى أن بعض العرب قد تفتح وقد قرئ : (أتعدانني أن أخرج) ، (٢) بفتحها. وإنما فتحت بعد الواو والياء طلبا للتخفيف فلم يكسروها على أصل التقاء الساكنين ؛ استثقالا للجمع بين الواو والكسرة أو بين الياء وبينها أو حملا على نون الجمع للشبه.

قال المصنف : «وزعم الأخفش أنّ هذه النون دليل إعراب مقدّر قبل الأحرف الثلاثة ؛ وهو قول ضعيف لأنّ الإعراب مجتلب للدلالة على ما يحدث بالعامل والنون وافية بذلك ، فادعاء الاعراب لغيرها مدلول عليه بها مردود لعدم الحاجة إليه» (٣).

قال الشيخ : «وهذا [١ / ٧٣] المحكي عن الأخفش محكيّ عن السهيليّ أيضا» (٤). ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥٠ ، ٥١).

(٢) سورة الأحقاف : ١٧ ، وانظر أيضا النشر في القراءات العشر (ج ٢ ص ٣٠٣) وقال أبو حيان في تفسيره الكبير المسمى بالبحر المحيط (٨ / ٦٢): «قرأ الجمهور بنونين والأولى مكسورة : أتعدانني».

«وقرأ الحسن وعاصم وأبو عمرو بإدغام نون الرفع في نون الوقاية».

«وقرأ نافع في رواية وجماعة بنون واحدة».

«وقرأ شيبة وأبو جعفر وهارون بن موسى بفتح النون الأولى كأنهم فروا من الكسرتين والياء إلى الفتح ؛ طلبا للتخفيف ، ففتحوا ، كما فر من أدغم ومن حذف». وقال أبو حاتم : فتح النّون باطل غلط.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥١).

(٤) انظر : التذييل والتكميل (١ / ١٩١ ـ ١٩٢) في تحقيق رأي الأخفش والسهيلي ، وانظر الهمع أيضا (١ / ٥١).

٢٨٠