شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

ما يرد على الأسماع قولهم : لم يدع الأوّل للآخر شيئا».

وما أحسن قول حبيب بن أوس الطّائيّ (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ :

٢ ـ لا زلت من شكري في حلّة

لابسها ذو سلب فاخر

يقول من تقرع أسماعه

كم ترك الأول للآخر (٢)

وبالغ المعرّي (٣) في مدح نفسه ؛ حيث قال :

__________________

ـ الحيوان ، البخلاء ، وغيرها. وعاش الجاحظ محبوبا في الأوساط الأدبية ولدى الملوك والأمراء ، وله نوادر كثيرة معهم. وامتد به العمر حيث مات سنة (٢٥٥ ه‍).

انظر في ترجمته : نزهة الألباء (١٩٢) ، معجم الأدباء (١٦ / ٧٤).

وانظر فيما نقله عنه الشارح : معجم الأدباء في ترجمته ، ونصه : «وممّا قاله الجاحظ : إذا سمعت الرّجل يقول : ما ترك الأوّل للآخر شيئا فاعلم أنّه ما يريد أن يفلح».

وقد نقل هذا ابن جني أيضا عن الجاحظ في كتابه الخصائص : (١ / ١٩٠) طبعة بيروت.

(١) هو أبو تمام الشهير بكنيته الشاعر الأديب ، ولد بقرية جاسم من قرى سوريا سنة (١٨٨ ه‍) ، ثم رحل إلى مصر ، ثم عاد إلى بغداد ؛ ليمدح المعتصم فأجازه وقدمه على شعراء وقته ، وفي شعره قوة وجزالة ؛ لأنه كان يحفظ الآلاف من أشعار العرب ، وقد جمعها في ديوانه المشهور بالحماسة ، وقد كتبت في سيرته وأخباره كتب كثيرة ، توفي بالموصل سنة (٢٣١ ه‍). انظر في ترجمته : نزهة الألباء (ص ١٥٥) ، الأعلام (٢ / ١٧٠).

(٢) البيتان من بحر السريع من قصيدة لأبي تمام يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي ويستميحه. ديوان أبي تمام (١ / ٣١٥) (دار الكتاب العربي).

والبيت الأول اعتراف بالجميل والثاني يذكر فيه أبو تمام أن ممدوحه عظيم لم يترك لمن بعده شيئا من العظمة. والاستفهام فيه بمعنى النفي ، ومن فيه إما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة.

والشاهد : في البيت الثاني في معنى : وهو أنه يجب بعث الهمة والنشاط وطرد اليأس والكسل.

(٣) هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان بن داود التنوخي ، ولد بمعرة النعمان سنة (٣٦٣ ه‍) ، وذهب بصره بعد مولده بأربع سنين ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ، ورحل إلى بغداد ولزم منزله إلى أن مات سنة (٤٤٩ ه‍).

كان أبو العلاء غزير الفضل شائع الذكر ، وافر العلم. ترجم له ياقوت في حوالي نصف جزء من كتابه معجم الأدباء (٣ / ١٠٧) وما بعدها ، اشتهر أبو العلاء في الوسط العلمي بالأدب والشعر ، ولا يعرف الناس عنه أنه كان عالما بالنحو وأن له مؤلفات فيه ، وقد صنفت في أبي العلاء المعري رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان : النّحو في آثار أبي العلاء المعريّ ، تأليف (د / محمد أبو المكارم قنديل).

أما مصنفاته النحوية فمنها : تعليق الجليس مما يتصل بكتاب الجمل لأبي القاسم الزجاجي ، إسعاف الصديق : ثلاثة أجزاء تتعلق بالجمل أيضا.

كتاب شرح لكتاب سيبويه ، ظهير العضدي ، وهو كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي لأبي علي الفارسي.

١٢١

٣ ـ وإنّي وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل (١)

وهو من أحسن ما قيل [١ / ٩] في مدح المتأخرين نفوسهم.

والمنصف هو أبو العباس المبرد (٢) حيث يقول في «الكامل» له :

«وليس لقدم العهد يفضّل القائل ولا لحدثانه يهتضم المصيب ولكن يعطى كلّ ما يستحق» (٣).

(أعاذنا الله من حسد يسدّ باب الإنصاف ويصدّ عن جميل الأوصاف) ، أعاذنا : حمانا وحفظنا. والحسد : أول ذنب عصي الله به في السموات وفي الأرض. فأما في السماء فحسد إبليس آدم ، وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل ، فالحسد حمل إبليس على الكفر ، وحمل قابيل على قتل أخيه (٤). وكفى الحسود إتعاب نفسه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لا راحة لحسود (٥).

__________________

وله كتب أخرى في الأدب ، كشرح ديوان المتنبي ، وله رسالة الغفران في الأدب والفقه والمواعظ ، وله دواوين شعر كثيرة مشهورة. انظر في ترجمته : معجم الأدباء (٣ / ١٠٧) ، بغية الوعاة (١ / ٣٣٣) ، الأعلام (١ / ١٥٠).

(١) البيت لأبي العلاء المعري من بحر الطويل من قصيدة مشهورة له مطلعها :

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحزم ونائل

وبيت الشاهد غاية في الفخر والاعتزاز بالنفس.

انظر القصيدة والبيت في شروح سقط الزند (ص ٥١٩) طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة.

(٢) هو محمد بن يزيد الأزدي البصري أبو العباس الملقب بالمبرد بكسر الراء. وهو لقب أطلقه عليه المازني لما سأله عن دقيق في النحو وعويص فيه فأجابه أبو العباس ، ومعنى المبرد : أي المثبت للحق ، إمام العربية في بغداد في زمانه وزعيم الطبقة السابعة عند البصريين ، كان فصيحا بليغا مفوها ثقة علامة صاحب نوادر ولا سيما في صباه ، حفلت كتب الأدب والنحو بمناظرات له بينه وبين ثعلب معاصره من زعماء الكوفيين.

من مصنفاته : المقتضب وهو كتاب عظيم في النحو مشهور ، والكامل وهو في الأدب مشهور أيضا وله غير ذلك ولد سنة (٢١٠ ه‍) وتوفي ببغداد سنة (٢٨٥ ه‍).

انظر في ترجمته بغية الوعاة (١ / ٢٦٩) ، الأعلام (٨ / ١٥) ، نشأة النحو (ص ٤٥ ، ٩٥).

(٣) انظر في هذا النص : الكامل للمبرد : (١ / ٣٥) طبعة دار الجيل بيروت (حنا الفاخوري).

(٤) في الأول نزل قوله تعالى : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦].

وفي الثاني نزل : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) [المائدة : ٣٠].

(٥) انظر في هذا المعنى قوله كرم الله وجهه : صحّة الجسد من قلّة الحسد (نهج البلاغة (ص ٣٩٨) طبعة كتاب الشعب).

١٢٢

ولقد أحسن التّهاميّ (١) حيث قال :

٤ ـ إنّي لأرحم حاسديّ لفرط ما

ضمّت صدورهمو من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنّة وقلوبهم في نار

لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي

فكأنّما برقعتها بنهار (٢)

وفي قول المصنف : يسد ويصد ، الجناس المضارع. وهو كالجناس اللاحق إلا في شيء واحد وهو تقارب الحرفين المختلفين في المخرجين ، كما رأيت من تقارب السين والصاد.

(وألهمنا شكرا يقتضي توالي الآلاء ويقضي بانقضاء اللّأواء).

والإلهام : الإلقاء في الروع ، يقال : ألهمه الله كذا أي : ألقى في روعه.

والشكر : الثناء على المحسن بما أولى من المعروف ، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه. وتوالي : ترادف وتتابع ، والآلاء : النعم ، واحدها ألي بالفتح وقد يكسر كمعي وأمعاء.

ولقضى معان منها : حكم : قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣).

فالمعنى : ويحكم بانقضاء اللأواء وهي الشدة. وفي الحديث : «من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهنّ كنّ له حجابا من النّار» (٤).

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن محمد بن نهد التهامي ، شاعر مشهور من أهل تهامة بين الحجاز واليمن. زار الشام والعراق ، وولي خطابة الرمي ، ثم رحل إلى مصر متخفيا ومعه كتب من حسان بن مفرح الطائي أيام استقلاله ببادية فلسطين إلى بني مرة قبيل عصيانهم بمصر ، فعلمت به حكومة مصر فاعتقلته وحبسته بالقاهرة ثم قتل سرّا في سجنه وكان ذلك سنة (٤١٦ ه‍) ، له ديوان شعر مطبوع ، وشعره سهل ميسور. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (٥ / ١٤٥).

(٢) الأبيات من بحر الكامل وهي من القصيدة المشهورة لأبي الحسن التهامي في رثاء ابن صغير له ومطلعها :

حكم المنيّة في البريّة جار

ما هذه الدّنيا بدار قرار

ومعنى الأبيات واضح ، وهي في ذم الحسد ووصف حال الحاسد وفيها هجو للناس.

انظر ديوان أبي الحسن التهامي (ص ٣١) مطبعة الأهرام (الإسكندرية).

(٣) سورة الإسراء : ٢٣.

(٤) الحديث في صحيح مسلم (٨ / ٣٨) (كتاب التحرير بالقاهرة) وروايته فيه : من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من النار. وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٤ / ١٥٤) : من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ فأطعمهن وسقاهنّ وكساهنّ من جدّته كنّ له حجابا من النّار ،

١٢٣

والقاعدة الكلية : قلب همزة التأنيث المنقلبة عن حرف زائد في التثنية واوا ، كحمراوان ، إلا في هذه الكلمة ـ أعني لأواء ـ وفي كلمة أخرى وهي حواء ، فإن الهمزة فيهما لا تقلب بل تقر في التثنية كالأصلية ، فيقال : لأواءان وحواءان ، كما يقال : قرّاءان (١).

(وها أنا ساع فيما انتدبت إليه مستعينا بالله عليه) أي : وها أنا مجدّ.

وأصل السعي العدو فجعل توجهه إلى هذا التصنيف بوجه مجد ، كما أن الساعي هو المجد في المشي. ويقال : ندبه إلى كذا وانتدبه : دعاه إليه فانتدب ، أي : أجاب ، فقوله : انتدب ـ بالبناء لما لم يسم فاعله ـ إعلام بأنه طلب منه ذلك ودعي إليه.

(ختم الله لي ولقارئيه بالحسنى وحتم لي ولهم الحظّ الأوفى في المقرّ الأسنى) ، ختم : جعل آخر أمرنا وخاتمته ، والمراد بالحسنى : الحسن وهو الموت على الإسلام ، وحتم : معناه أوجب قاله في الصحاح (٢). وبين ختم وحتم جناس التصحيف لاتفاق الكلمتين وذوات بعضها مع اتحاد الكتابة ؛ فهو نظير قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٣).

ومنه قول ابن المعتز (٤) :

٥ ـ له وجه به يصبي ويضني

ومبتسم به يشقي ويشفي (٥)

__________________

ومعناه أيضا في سنن الترمذي (٤ / ٣١٨) (طبعة بيروت).

(١) القرّاء : بالفتح : الحسن القراءة وجمعه قراءون ، وبالضم : الناسك المتعبد وجمعه قراءون أيضا (القاموس : قرأ).

(٢) انظر (٥ / ١٨٩٢) من المعجم المذكور طبعة بيروت ، ونصه : وحتمت عليه الشيء : أوجبته.

(٣) سورة الكهف : ١٠٤. وأول الآية أو الآيتين : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.)

(٤) هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي ولد سنة (٢٤٦ ه‍) ، كان أديبا بليغا وشاعرا مطبوعا تعلم على أيدي المبرد وثعلب ، واتفق جماعة على خلع الخليفة المقتدر سنة (٢٩٦ ه‍) ثم تولية ابن المعتز. ولكن أنصار المقتدر استطاعوا أن يقضوا على ابن المعتز ومن معه ويقتلوهم جميعا وعلى رأسهم عبد الله. ومن مصنفاته : كتاب البديع في البلاغة ، وطبقات الشعراء ، وديوان شعر وغير ذلك. انظر في ترجمته : وفيات الأعيان (٣ / ٧٦) ، نزهة الألباء (ص ٢٣٣).

(٥) البيت من بحر الوافر في ملحقات شعر ابن المعتز في رسالة بجامعة القاهرة (ص ١١٦) وهو أيضا في

١٢٤

والحظ : النصيب ، والأسنى : الأعلى ، والمقر الأسنى : هو الجنة ، جعلنا الله تعالى من أهلها بمنه وكرمه!.

وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

__________________

العمدة لابن رشيق (١ / ٣٢٧) والبيت ثاني بيتين فقط أولهما :

لئن نزّهت سمعك عن كلامي

لقد نزّهت في خدّيك طرفي

والبيتان ليسا في ديوان ابن المعتز طبعة القاهرة.

والبيت شاهد لجناس التصحيف وفيه شاهدان : أولهما : بين يصبي ويضني ، والثاني : بين يشقي ويشفي.

١٢٥
١٢٦

الباب الأول (*)

باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق به

*[تعريف الكلمة]

قال ابن مالك : (الكلمة لفظ مستقلّ دالّ بالوضع تحقيقا أو تقديرا أو منويّ معه كذلك).

__________________

[١ / ١٠] قال ناظر الجيش : الترجمة واضحة ، وعدل المصنف عن لفظ الحد إلى لفظ الشرح ؛ لأنه أعم فهو يصدق على التعريف الحدي والتعريف الرسمي (١).

والضمير في : به : يرجع إلى شرح لا إلى الكلام ، كما توهمه بعضهم ، وقد وقفت على هذه الترجمة في نسخة من نسخ هذا الكتاب ، ذكر المصنف بخطه عليها أنها النسخة الأولى فقال فيها : «باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق بذلك من العلامات والأقسام».

فأبان المقصد بما عاد عليه الضمير هنا.

الكلمة : تقال في اللغة بطريق الاشتراك لمعنيين :

أحدهما : الكلام التام أي المفيد كقوله تعالى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)(٢).

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الكلمة الطّيّبة صدقة» (٣) ، و «أصدق (٤) كلمة قالها شاعر ، كلمة لبيد : ـ

__________________

(*) كلمات : الباب الأول ، الباب الثاني .... إلخ ، من عملنا في التحقيق.

(١) التعريف الحدي : ما كان بالذاتيات ، أو : هو ما كان بالجنس والفصل القريبين ، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. والتعريف الرسمي : ما كان بالعرضيات ، أو هو ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة ، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك.

قال أبو حيان : «ذكر المصنف باب شرح الكلمة ولم يذكر باب حدّ الكلمة ؛ لأن الحدّ بالشيء عسير الوجود ؛ فعدل عن لفظ حد إلى لفظ شرح وكلاهما يشترك في كشف المحدود وبيانه» (التذييل والتكميل ١ / ١٣).

(٢) سورة التوبة : ٤٠.

(٣) الحديث في صحيح البخاري : (٨ / ١١) في كتاب الأدب (طبعة صبيح). وهو حديث مستقل مروي عن أبي هريرة. وجعله أحمد بن حنبل في مسنده : (٢ / ٣١٦) (دار صادر بيروت) جزءا من حديث ونصه مرويّا عن أبي هريرة أيضا : قال عليه‌السلام : «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشّمس ، قال : تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل على دابّته تحمله عليها أو تدفع له متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». والحديث جاء أيضا في المسند المذكور (٢ / ٣٥٠ ، ٣٧٤).

(٤) الحديث في صحيح مسلم (٧ / ٤٩) وقد روي بروايات مختلفة منها : أشعر كلمة تكلم بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل ، ومنها : أصدق بيت قالته الشعراء : ألا كل شيء .. إلخ. والحديث في صحيح البخاري (٨ / ١٢٠) ، وفي مسند الإمام (٢ / ٢٤٨ ، ٣٩٣).

١٢٧

______________________________________________________

٦ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل :

[وكلّ نعيم لا محالة زائل](١)

ثانيهما : أحد مفردات الكلام وهو الاسم وحده أو الفعل وحده أو الحرف وحده وهذا هو المصطلح عليه في علم النحو.

واعلم أن اللّفظ هو الصوت الذي يعتمد على مقاطع الحروف ، واحترز بذلك من الصوت الساذج.

وأن المستقل (٢) : هو الذي لا يفتقر في الدلالة على معناه إلى غيره.

وأن الدال : هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء واحد.

وأن الوضع : تخصيص شيء بشيء ؛ بحيث يفهم المراد من ذلك الشيء.

فقوله : لفظ : جنس يدخل تحته كل ملفوظ به ، مهملا كان أو مستعملا. وهو أولى بالذكر من : لفظة ؛ لأمرين :

أحدهما : أن التاء للوحدة وهي إنما تتحقق في الحرف الواحد. ولا يستقيم ذلك ؛ إذ الكلمة ليست محصورة فيه ، واللفظ يقع على كل ملفوظ به ، حرفا كان أو أكثر.

الثاني : أن لفظا مصدر مراد به المفعول ، كقولهم للمخلوق خلق ، وللمنسوج نسج. والمعهود في هذا استعمال المصدر غير المحدود بالتاء.

وأكثر ما يوجد في عبارات المتقدمين : لفظ لا لفظة ، كعبارة سيبويه في الباب المترجم بباب اللّفظ للمعاني حيث قال (٣) :

__________________

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة العامري ، يرثي فيها النعمان بن المنذر وكلها في الحكم والمواعظ (الديوان ص ١٣١).

ويستشهد بالبيت : على أن الكلمة قد تطلق على الكلام الكثير.

ترجمة لبيد : هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامري ، من شعراء الجاهلية وفرسانهم ، كان على رأس مائة فارس قتلوا المنذر ابن ماء السماء ، واشتهر لبيد بالسخاء كأبيه وأدرك الإسلام وأسلم. ولم يقل في الإسلام إلا قوله (من البسيط).

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

حتى كسيت من الإسلام سربالا

له شعر قبل إسلامه يشير إلى البعث والحساب والإيمان بالله. طلب منه عمر بن الخطاب شعرا فتلا عليه سورة البقرة فزاده عمر في العطاء. عاش مائة وسبعا وخمسين عاما. ومات في خلافة معاوية ودفن بالكوفة. انظر ترجمته في الشعر والشعراء : (١ / ٢٨٠) ، خزانة الأدب (٢ / ٢٤٦) بتحقيق عبد السّلام هارون.

(٢) معناه : واعلم أن المستقل وكذا ما بعده ، أي : واعلم أن الدال هو الذي .. واعلم أن الوضع ... إلخ.

(٣) انظر كتاب سيبويه : (١ / ٢٤) وفيه زيادة على ما ذكره : واختلاف اللفظين والمعنى واحد. ومثّل

١٢٨

______________________________________________________

«واعلم أنّ من كلامهم اختلاف اللّفظين لاختلاف المعنيين» ومثّل ذلك ب «جلس وذهب».

ولم يقل : اختلاف اللفظتين. فتصدير حد الكلمة بلفظة ، مخل ومخالف للاستعمال المشهور ، بخلاف تصديره بلفظ.

وقوله : مستقلّ : فصل مقدم لفظا والنية به التأخير عن ما بعده ، وأراد به هنا ما ليس بعض اسم كياء [١ / ١١] زيدي وتاء مسلمة ولا بعض فعل كهمزة أعلم وألف ضارب.

قال المصنف (١) : «فإنّ كلّ واحد من هذه المذكورات لفظ دالّ بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقلّ.

وقوله : دال بالوضع : فصل أخرج به المهمل ، كديز مقلوب زيد ؛ فإنه لم يوضع لشيء ، وإن دل السامع على حضور الناطق به وغير ذلك ، فتلك دلالة عقلية لا وضعية (٢) وليست بمقصودة هنا.

وقوله : تحقيقا أو تقديرا : تقسيم للدال وليس تتمة للحد ، أي الدال بالوضع : إما أن يدل تحقيقا وإما أن يدل تقديرا ، أي يقدر أنه دال وإن لم تكن له دلالة.

وإنما ذكر : تحقيقا ؛ توطئة لقوله : تقديرا.

أما الدال تحقيقا : فنحو زيد ورجل ؛ لأن كلّا منهما دال على معناه دلالة متحققة.

وأما الدال تقديرا : فكأحد جزأي العلم المضاف ، نحو امرئ القيس ، ونحو غلام زيد إذا جعلته علما ، فإن امرأ فقط أو القيس فقط من هذا الاسم ليست لهما دلالة على شيء ، فيقدر أنهما دالان فمجموع اللفظين من حيث هو اسم لمسمى واحد كلمة واحدة باعتبار المعنى ومن حيث هو مضاف ومضاف إليه كلمتان باعتبار ـ

__________________

بذهب وانطلق ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ومثّل لذلك بوجدت عليه من الموجدة ، ووجدت ، إذا أردت وجدان الضالة.

(١) يقصد بالمصنف هنا وطوال شرحه : ابن مالك ؛ فهو الذي صنف كتاب التسهيل وشرح بعضه ، انظر ما ذكره فيه : (١ / ٤) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، ود / محمد بدوي المختون.

(٢) الدلالة الوضعية : فهم أمر من أمر بالوضع ، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق ، والأسد على الرجل الشجاع ، ودلالة الإشارات على معانيها الوضعية ، كدلالة الإشارة باليد على معنى تعال أو اذهب.

والدلالة العقلية : فهم أمر من أمر بالعقل ، كدلالة اللفظ على حياة لافظه والأثر على المؤثر.

١٢٩

______________________________________________________

اللفظ ؛ لأن المتضايفين لا يكونان إلا اسمين أو في تقدير اسمين (١) ، ولو لا أنهما في تقدير اسمين لما أعرب الاسم الأول ؛ إذا الإعراب لا يكون وسط الكلمة فامرؤ القيس اسم واحد تحقيقا ؛ لأن مسماه لا يدرك بأحد جزئيه ، وهو اسمان تقديرا ؛ لأنه في اللفظ بمنزلة غلام زيد إذا لم يصر علما.

قال المصنف : والحاصل أن إطلاق الكلمة على ثلاثة أقسام :

حقيقي : وهو الذي لا بد من قصده.

ومجازي مهمل في عرف النحاة : وهو إطلاق الكلمة على الكلام التام. فلا يتعرض لهذا بوجه.

ومجازي مستعمل في عرفهم : وهو إطلاقها على أحد جزأي العلم المضاف ؛ فترك التعرض له جائز ، والتعرض له أجوز ؛ لأن فيه مزيد فائدة (٢).

وقوله : أو منوي معه كذلك تقسيم للمحدود. أي الكلمة إما لفظ أو غير لفظ لكنه منوي مع اللفظ.

قال المصنف : «لما كان الاسم بعض ما تتناوله الكلمة وكان بعض الأسماء لا يلفظ به كفاعل أفعل وتفعل (٣) دعت الحاجة إلى زيادة في الرسم ليتناول بها ما لم يتناوله اللفظ ، فقيل : أو منويّ معه ، أي : مع اللفظ».

ومنوي : صفة قامت مقام موصوفها ، والتقدير : الكلمة لفظ مقيد بما ذكر (٤) ، أو غير لفظ منوي مع اللفظ ، فالهاء في معه عائدة على اللفظ مقيدا بفصوله.

و: كذلك مشار به إلى الاستقلال والدلالة المنبه عليهما ، أي المنوي لا يكون كلمة حتى يتصف بالاستقلال والدلالة بالوضع. ـ

__________________

(١) مثال الاسمين واضح ، وما في تقدير الاسمين : ما مثّل به : من امرئ القيس وعبد الله ، علمين ، ومنه إضافة الظروف إلى الجمل ك : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩].

(٢) انظر شرح التسهيل : (١ / ٥).

ملحوظة : إذا قلنا : انظر : شرح التسهيل ؛ بدون نسبة لأحد ؛ فهو لابن مالك.

(٣) يصح أن يكون بالتاء ، ويصح أن يكون بالنون. وكلاهما فيه مراد الشارح.

(٤) أي : بالاستقلال والدلالة بالوضع. وهو ما سيعبر عنه بفصول التعريف بعد قليل.

١٣٠

______________________________________________________

واحترز بهذا القيد من الإعراب المقدر في نحو : يا فتى ؛ فإنه يصدق عليه أنه منوي مع اللفظ المقيد ولكنه غير مستقل ، هذا شرح الحد المذكور.

ثم ها هنا أبحاث :

البحث الأول :

أورد الشيخ (١) على المصنف أن اللفظ جنس بعيد (٢) لصدقه على المهمل والمستعمل. والقول [١ / ١٢] أقرب منه لعدم صدقه على المهمل فكان الإتيان به أولى (٣).

والجواب : أنه إنما يلزم الإتيان بالجنس القريب في الحد التام (٤). ولم يذكر ذلك المصنف على أنه تام بل لم يتمحض كونه حدّا ، فقد سماه رسما ، وبتقدير كونه حدّا تامّا فالإتيان باللفظ أولى ؛ لأن القول يطلق على الرأي ، والاعتقاد مجازا وغلب حتى صار كأنه حقيقة ، فرفض ذكره في الحد ؛ لئلا يوهم دخول غير المراد فيه ، وعدل إلى الجنس البعيد لعدم الإيهام.

ولا يكفي في الجواب أن يقال : القول يطلق على المهمل أيضا كما هو رأي بعضهم ؛ لأن المصنف لا يرى ذلك والقول عنده مخصوص بالمستعمل (٥). ـ

__________________

(١) يقصد بالشيخ هنا وطوال شرحه : أبا حيان محمد بن يوسف شارح كتاب التسهيل أيضا ، والذي سماه بالتذييل والتكميل ، وقد كان شيخا لناظر الجيش ولغيره. وانظر ما نقله عنه شارحنا في التذييل والتكميل (١ / ١٥) بتحقيق الدكتور / حسن هنداوي (دار القلم ـ دمشق).

والتذييل والتكميل : سفر ضخم حققه زملاؤنا في عدة أجزاء ، وكل جزء في عدة مجلدات. وهو موجود كله في كلية اللغة العربية بالقاهرة ، وقد حقق عدة أجزاء منه الدكتور حسن هنداوي (جامعة الإمام بالسعودية) إلى أول باب إن وأخواتها (أربعة أجزاء).

(٢) الجنس البعيد : هو ما لا جنس فوقه وتحته أجناس : كالجسم فإنه لا شيء فوقه وتحته جنس آخر ، وهو الحيوان.

والجنس القريب : ما لا جنس تحته وفوقه أجناس : كالحيوان بالنسبة للإنسان والفرس. والذي فوقه جنس بعيد ، والذي تحته نوع.

(٣) ما أخذه أبو حيان على ابن مالك هو ما أخذه شراح الألفية عليه أيضا حين قال : كلامنا لفظ مفيد كاستقم. انظر حاشية الصبان (١ / ٢٧).

(٤) الحد التام : ما كان بالجنس والفصل القريبين ، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق.

والحد الناقص : ما كان بالفصل القريب فقط ، كناطق في تعريف الإنسان.

والتعريف بالرسم : ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة ، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك.

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧).

١٣١

______________________________________________________

البحث الثاني :

قال المصنف : تصدير الحد باللفظ مخرج للخط ، ونحوه مما هو كاللفظ في تأدية المعنى (١).

فنوقش في قوله : مخرج ؛ لأن الجنس لا يؤتى به للإخراج ، فلا يقال في الحيوان الناطق : إنّا أخرجنا بالحيوان ما ليس بحيوان.

والجواب : أن الجنس إذا كان أعم من الفصل مطلقا يذكر لتقييد الذات لا للاحتراز. وأما إذا كان أعم من الفصل من وجه ، فيجوز أن يحترز به. والجنس الذي هو اللفظ هنا أعم من الفصل الذي هو الوضع من وجه ؛ لأن اللفظ قد يوجد بغير وضع كما في المهملات. والوضع قد يوجد بغير لفظ كما في النّصب وغيرها (٢).

فبين الجنس والفصل هنا عموم من وجه فجاز أن يخرج بالجنس ؛ لأنه قد يتصور فيه (٣) أن يكون فصلا بعد جعل الفصل المذكور معه جنسا. فبهذه الحيثية ساغ فيه ذلك.

البحث الثالث :

قد تقدم قول المصنف أنّ المعهود عند إطلاق المصدر مرادا به المفعول استعمال غير المحدود بالتّاء ، قالوا : وقد جاء المصدر المحدود بمعنى المفعول ، قال الله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٤) ، أي : مقبوضته.

والجواب : أن قبضته هنا ليست مصدرا ، وإنما هي اسم أنث بالتاء لوقوعه خبرا عن مؤنث وهو الأرض.

وأما وجهة ، في قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)(٥) : إن قيل : إنها بمعنى المفعول هنا فغير وارد ؛ لأن التاء فيها ليست للوحدة والمصدر موضوع عليها ، كما في ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤).

(٢) النّصب : جمع نصبة وهي الحال الناطقة بغير اللفظ ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض ، بالنسبة إلى وجود الله ، ومن ذلك أيضا : الإشارات والعلامات التي تدل على شيء : كإشارات المرور للسيارات والقطارات ، وقصبة السبق وغير ذلك.

(٣) كلمة : قد ساقطة من نسخة (ب) ، (ج).

(٤) سورة الزمر : ٦٧.

(٥) سورة البقرة : ١٤٨.

١٣٢

______________________________________________________

رحمة ونشدة. فالتاء في هذه الألفاظ لازمة ، والحكم المذكور إنما هو في المصدر الذي لم يوضع على التاء.

البحث الرابع :

تقدم أن المصنف أراد بقوله : مستقلّ ما ليس بعض اسم ، كياء زيدي وتاء مسلمة ، ولا بعض فعل ، كهمزة أعلم وألف ضارب ، فلم يفصح عن تفسير المستقل ، وإنما مثّل لغير المستقل ، وتمثيله له بياء النسب وهمزة أعلم ونحوهما (١) يقتضي أن يكون مراده بالمستقل ما دل على المعنى المقصود بتلك الكلمة ؛ لأن الألفاظ التي مثل بها لغير المستقل ليس شيء منها دالّا بنفسه على المعنى ، أما الدال فمجموع الكلمة التي ذلك اللفظ جزء منها ، وإذا كان مراده ذلك لم [١ / ١٣] يحتج إلى قيد الاستقلال في حد الكلمة وكان قيد الدلالة كافيا ؛ لأن هذا القيد يخرج ما قصد هو إخراجه مستقل ، إذ ليس ما ذكر من ياء النسب وألف ضارب دالّا بل الكلمة بتمامها هي الدالة على المعنى المقصود بها.

وقد يشكل جعل ياء النسب وتاء التأنيث كالهمزة في أعلم والألف في ضارب ، فيقال : إن المجموع في : مسلمة ليس هو الدال على المعنى المراد ؛ بل مسلم دال على المتصف بهذا المعنى والتاء دلت على التأنيث. وكذا يقال في نحو زيدي.

ولا شك أن ياء النسب وتاء التأنيث ليسا في الامتزاج بما هما فيه كالألف والهمزة المذكورتين وهو واضح.

والجواب عن هذا الإشكال أن يقال : استعمال العرب دل على امتزاج التاء والياء بما صحباه ، وأن الدال إنما هو المجموع لا ذلك اللفظ وحده ، وهو كونهم جعلوا الحرفين المذكورين حرفي الإعراب والتزموا الكسر قبل الياء والفتح قبل التاء ، فلو لم يجعلا مع ما هما فيه شيئا واحدا لم يعاملا المعاملة المذكورة.

البحث الخامس :

قال الشيخ : «إنّما احتاج المصنّف للاحتراز عن بعض اسم وبعض فعل ؛ لأنّه أخذ الجنس البعيد وهو اللّفظ ولو أخذ القريب وهو القول لم يحتج إلى التّحرز ـ

__________________

(١) أي مما يزاد في الكلمة لمعنى ، كتاء مسلمة وألف ضارب وياء رجيل.

١٣٣

______________________________________________________

بمستقلّ ؛ لأنّ بعض اسم وبعض فعل لا يقال له قول» (١) انتهى.

وليس كما ذكره ؛ لأنه إذا صدق عليه أنه لفظ دال بالوضع كما يراه المصنف صدق عليه أنه قول جزما ، فلو ذكر القول عوض اللفظ لم يستغن عن مستقل أيضا.

وقال الشيخ أيضا : «قول المصنّف إنّه احترز بقوله : دالّ بالوضع عن المهمل ليس بجيّد ؛ لأنّه قبل هذا الفصل فصل الاستقلال واللّفظ المهمل لا يدخل تحت قوله : مستقلّ ؛ فيحتاج أن يحترز عنه بما ذكر» (٢) انتهى.

وهذا عجب من الشيخ : فإن الفصل الذي هو مستقل مقدم لفظا ، والنية به التأخير. وقد تقدم أن المصنف حكم على ياء النسب وأخواتها بأن كل واحد منها لفظ دال بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقل فبيّن أن مراده ما قلناه (٣).

وإذا كان كذلك لا يتوجه ما ذكره الشيخ.

فإن قيل : إذا كان المراد ما ذكرت ، فلأي شيء قدم لفظ مستقل؟

أجيب عنه : بأنه لو لم يقدمه لوليه تحقيقا أو تقديرا ، فيوهم ذلك أنهما راجعان إليه وهما قسمان للدال لا للمستقل.

وقد كان يمكنه أن يقول : لفظ دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا مستقل ؛ لكن يلزم تأخير أحد فصلي الحد عن تقسيم الفصل الآخر وهو غير مناسب.

البحث السادس :

قيل : الحد المذكور غير مطرد لدخول الكلام فيه ؛ إذ يصدق عليه أنه لفظ دال بالوضع مستقل.

وغير منعكس (٤) ؛ لخروج بعض أفراد الكلمة عنه ، وهو الكلمة المجازية والمنقولة نحو : أسد ، المراد به الشجاع والأعلام المنقولة (٥) لأنهما اذ ذاك غير دالين بالوضع.

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل : (١ / ١٨).

(٢) انظر المرجع السابق (الجزء والصفحة).

(٣) وهو أن الدال بالوضع غير المستقل ـ كياء النسب ـ ليس بكلمة. وحتى يكون كلمة فلا بد من استقلاله.

(٤) المراد بكون الحد غير مطرد أي : غير مانع من دخول غير المحدود فيه كما مثله ، والمراد بكونه غير منعكس أي : غير جامع لأفراد المحدود ، ويشترط في الحدود أن تكون مانعة جامعة.

(٥) مثل : صابر المنقول من اسم الفاعل ، ومثله : مسعود وحسن وفضل. وهي أسماء منقولة من اسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر (انظر حديث النقل والارتجال في باب العلم من هذا التحقيق).

١٣٤

______________________________________________________

وأجيب عن عدم الاطراد بأن الكلام خرج بقوله [١ / ١٤] : بالوضع إذ الكلام ليست دلالته وضعية على الأصح. وعن عدم الانعكاس بأن الحد إنما هو للكلمة الحقيقية الباقية على موضوعها من غير نقل ؛ فليست المجازية والمنقولة بمقصودين بل هما خارجان عن الحد (١). ويقال فيهما : كلمة مجازية وكلمة منقولة بالتقييد.

أو يقال : إن الكلمة لا تخرج بالتجوز فيها والنقل عن الوضع ؛ لأن الواضع تجوز وأجاز التجوز بشرطه ، ونقل وأجاز النقل أيضا ، والوضع حاصل في المجاز والمنقول ، وهو استعمال الكلمة استعمالا استعملته العرب ومكنت لاستعماله أيضا.

البحث السابع :

قد يتوهم أن من حد الكلمة بأنها لفظ دال بالوضع واقتصر عليه يكون حده غير منعكس ؛ لخروج الأسماء التي لا يلفظ بها ؛ كفاعل أفعل منه ، وحينئذ تتعين الزيادة التي زادها المصنف وهي قوله : أو منوي.

وليس كما يتوهم ؛ فإن المقتصرين على ذلك أرادوا اللفظ إما حقيقة وإما حكما ؛ ليدخل فيه ما أشير إليه من الأسماء الواجبة الاستتار ؛ فإنها في حكم الملفوظ بها.

ويؤيد هذا تسميتهم أنت في نحو : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)(٢) توكيدا لفظيّا لذلك المستكن ، والتوكيد اللفظي إعادة اللفظ ؛ فلو لم يجعلوا المقدر في حكم الملفوظ لما ساغت التسمية المذكورة.

البحث الثامن :

قال الشيخ : «ادّعاء التّركيب في نحو أفعل (٣) مشكل وكذا ادّعاء الإفراد فيه».

أما الأول : فلأن التركيب من عوارض الألفاظ ، ويستدعي تقدم وجود ولا وجود (٤).

__________________

(١) في نسخة (ب) ، (ج) : خارجان عن الحد دون : هما.

(٢) بعض آية من سورة البقرة : ٣٥ وأولها : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.)

(٣) وزن لفعل مضارع مع فاعله الضمير المستتر وجوبا ، مضموم العين كأقتل ، أو مكسورها كأضرب ، أو مفتوحها كأسعى.

(٤) بمعنى أن كل مركب أقله كلمتان وهنا كلمة واحدة. قال أبو حيان في بقية الاعتراض : «فلو كان وجد ثمّ عرض له حذف لم يشكل».

وانظر في الاعتراض كله : التذييل والتكميل (١ / ٢١).

١٣٥

[تقسيم الكلمة]

قال ابن مالك : (وهي اسم وفعل وحرف).

______________________________________________________

وأما الثاني : فلأن أفعل يفيد إفادة المركب الذي هو الكلام فلا يمكن دعوى الإفراد فيه. انتهى.

والجواب : أنه مركب ولا إشكال ؛ فإن غير الملفوظ به في حكم ما لفظ به كما تقدم ؛ فيحكم له بحكم اللفظ.

قال ناظر الجيش : الكلمة جنس تحته ثلاثة أنواع ، وهي المذكورة ، والكلمة منحصرة فيها.

وللحصر أدلة ، منها : الاستقراء (١).

ومنها : أن الكلمة إما أن تدل على معنى في نفسها أو لا. والثاني الحرف ، والأول إما أن يدل على الاقتران (٢) بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا. والثاني الاسم.

ومنها : ما ذكره المصنف. وهو أن الكلمة إن لم تكن ركنا للإسناد فهي الحرف وإن كانت ركنا له (٣) فإن قبلت الإسناد بطرفيه فهي الاسم وإلا فهي الفعل (٤).

ويتعلق بهذا الموضع الكلام على معنى قولهم : الاسم يدل على معنى في نفسه ، والحرف يدل على معنى في غيره ، والمراد به أن الاسم مستقل بالمفهومية ، وأن الحرف غير مستقل بها.

ومعنى ذلك : أن نحو من وإلى مشروط في وضعها دالة على معناها الإفرادي ذكر متعلقها ، ونحو الابتداء والانتهاء غير مشروط فيها ذلك (٥). ـ

__________________

(١) ومعناه : أن أئمة النحو واللغة تتبعوا ألفاظ العرب وكلامهم ، فلم يجدوا غير هذه الثلاثة.

(٢) في النسخة (ج) : الإقران.

(٣) في الأصل : وإن كانت ركنا للإسناد. وما أثبتناه من نسخة (ب) وشرح التسهيل وهو أولى حتى لا يتكرر الظاهر الواضح.

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٥).

وزاد أبو حيان دليلا رابعا وهو أن المعاني ثلاثة : ذات ، وحدث ، ورابطة بين الحدث والذات : فالأول الاسم والثاني الفعل والثالث الحرف (التذييل والتكميل : ١ / ٢٢).

(٥) معناه : أن لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة.

ومعنى من : مضمون لفظ آخر. فيضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي.

ولهذا جاز الإخبار عن لفظ الابتداء ، نحو : الابتداء خير ولم يجز الإخبار عن معنى من (انظر : شرح الرضي على الكافية : ١ / ١٠).

١٣٦

[تعريف الكلام]

قال ابن مالك : (والكلام ما تضمّن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته).

______________________________________________________

واعلم أن الضمير في قولهم : ما دلّ على معنى في نفسه ، يرجع إلى معنى أي : ما دل على معنى كائن في نفسه أي : باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه لا باعتبار أمر خارج.

وكذا الضمير في غيره في حد الحرف أي : ما دل على معنى كائن في غيره أي [١ / ١٥] باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه.

وقيل : الضمير في : نفسه يرجع إلى ما دل لا إلى معنى أي : اللفظ الدال على معنى بنفسه من غير ضميمة يحتاج إليها في دلالته الإفرادية ؛ بخلاف الحرف ؛ فإنه يحتاج إلى ضميمة في دلالته على معنى الإفرادية.

وردّ هذا القول بأمرين :

أحدهما : أن في لا تستعمل بهذا المعنى (١).

الثاني : أن المقابل وهو الحرف لا يجري فيه النقيض ؛ إذ يصير المعنى :

الحرف : ما دل على معنى بغيره ، أي : بلفظ آخر معه ، وإذا جعل في غيره صفة لمعنى ، كان المعنى : ما دل على معنى حاصل في غيره ، أي : باعتبار متعلقه فيتطابق الحدان في مقصود التقابل (٢).

قال ناظر الجيش : اشتمل كلام المصنف في المتن والشرح على خمسة ألفاظ ، وهي : اللفظ ، والقول ، والكلمة ، والكلم ، والكلام. فلنذكرها أولا ثم نعود إلى تفسير الحد.

أما اللفظ : فهو مصدر في الأصل. وقد تقدم أنه الصوت الذي يعتمد على مقاطع الحروف. وهو أعم الخمسة لصدقه على المستعمل والمهمل. ـ

__________________

(١) وهو الإلصاق ، وإنما معناها الظرفية.

(٢) معناه : أن الاسم والفعل مستقلان بالمفهومية غير محتاجين لشيء آخر مطلقا ؛ بخلاف الحرف ؛ فلا يدل على معنى في نفسه بمفرده أو معه كلمة أخرى ، وإنما معناه في غيره دائما ، سواء كان ذلك الغير مفردا ، كلام التعريف في الرجل ، أو جملة كالنفي والاستفهام في قولك : ما قام زيد. وهل قام زيد؟

١٣٧

______________________________________________________

أما القول : فهو اللفظ الدال على معنى ؛ فهو أخص من اللفظ ؛ لصدقه على المستعمل فقط. لكنه أعم من الثلاثة الباقية ؛ لصدقه على الكلمة ، والكلم ، والكلام.

وقد يطلق على ما يفهم من حال الشيء ، وعلى الإشارة ، وعلى الرأي والاعتقاد. وكل ذلك على سبيل المجاز.

وأما الكلمة : فقد علمت أنها تطلق لغة على أمرين (١).

وإنما خصت في الاصطلاح بأحدهما. وقد تقدم حدها. وهي أخص من القول ؛ لإطلاقها على المفرد خاصة ؛ فأخصيتها باعتبار الإطلاق ؛ لأنه كلما أطلقت الكلمة أطلق القول ، وليس كلما أطلق أطلقت الكلمة.

وأما الكلم : فقد يستعمل في اللغة مرادا به الكلام. قال الله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(٢) ، وقال تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(٣).

وأما في الاصطلاح : فهو عبارة عن ثلاث كلمات ، سواء أحصلت فائدة أم لا. واختلف النحاة فيه : هل هو جمع للكلمة أو اسم جنس لها (٤)؟

فذهب جماعة منهم الجرجاني (٥) : إلى أنه جمع وكذا يقولون في كل ما الفرق بينه وبين واحده التاء كنبق وتمر. ـ

__________________

(١) أحدهما في اللغة : وهو إطلاقها على الكلام المفيد. والثاني في الاصطلاح : وهو أحد مفردات الكلام ...

الاسم أو الفعل أو الحرف. وحدّها : لفظ مستقل دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا أو منوي معه كذلك.

(٢) سورة فاطر : ١٠.

(٣) سورة المائدة : ١٣.

(٤) الفرق بينهما أن الجمع : ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين بزيادة خاصة في السالم أو بأوزان خاصة في المكسر. أما اسم الجنس : فهو ما دل على ما يدل عليه الجمع ؛ لكن يفرق بينه وبين واحده بالتاء ؛ فتكون في المفرد ، ثم تجرد من الجمع غالبا ، مثل : بلحة وبلح ، وليست له أوزان خاصة.

(٥) هو الإمام المشهور أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني والنحوي. واضع أصول البلاغة وكبير أئمة العربية والبيان.

وتصانيفه كثيرة وطويلة : منها في النحو : المغني في شرح الإيضاح ، لأبي علي الفارسي ، والمقتصد في شرحه أيضا. وهو مشهور ، وكتاب الجمل وشرحه ، والعوامل المائة ، ومنها في البلاغة : دلائل الإعجاز ، وأسرار البيان. وأكثر كتبه موجودة. توفي بجرجان التي لم يفارقها سنة (٤٧٠ ه‍).

انظر في ترجمته نزهة الألباء (ص ٣٦٣) ، بغية الوعاة (٢ / ١٠٦) ، الأعلام (٤ / ١٧٤).

وانظر في رأيه الذي نقله عنه الشارح كتابه المحقق في النحو والمسمى : المقتصد في شرح الإيضاح (١ / ٦٩) طبعة العراق. قال عبد القاهر : الكلم جمع كلمة ، والكلمة تقع على كلّ جزء حرفا كان أو اسما أو فعلا.

١٣٨

______________________________________________________

وظاهر كلام ابن جني (١) يقتضي أنه جمع ؛ لأنه قال (٢) :

«قال سيبويه (٣) : هذا باب علم ما الكلم من العربيّة ، ولم يقل : ما الكلام ؛ لأنّه أراد نفس ثلاثة أشياء : الاسم والفعل والحرف. فجاء بما لا يكون إلّا جمعا وترك ما لا يخصّ الجمع وهو الكلام».

وذهب الفارسي (٤) وغيره من المحققين : إلى أنه اسم جنس ، وكذلك كل ما شابهه كنبق وسدر (٥).

ويدل على ذلك تصغيرهم إياه على لفظه. ولو كان جمعا لكان للكثرة وجموع الكثرة لا تصغر على لفظها (٦). ـ

__________________

(١) هو أبو الفتح عثمان بن جني ، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف. وعلمه بالصرف أكثر ؛ لأن أبا علي الفارسي عيره بجهله مسألة في الصرف ، فلزمه أربعين سنة يتعلم منه ، ولما مات أبو علي تصدر مكانه ابن جني في بغداد. لقي المتنبي وكان المتنبي يجله وقد شرح ابن جني ديوانه شرحين.

ومصنفاته كثيرة وعظيمة : أهمها : الخصائص وهو في النحو والصرف واللغة ، سر صناعة الإعراب ، شرح تصريف المازني ، اللمع في النحو ، المحتسب في القراءات الشاذة وغير ذلك وكلها مطبوعة. ولد قبل سنة (٣٣٠ ه‍) وتوفي سنة (٣٩٢ ه‍). انظر ترجمته في نزهة الألباء : (ص ٣٤٢) ، بغية الوعاة : (٢ / ١٣٢) ، الأعلام (٤ / ٣٦٤).

(٢) انظر : الخصائص (١ / ٢٥) طبعة بيروت.

(٣) انظر : الكتاب (١ / ١٢) وهو عنوان أول باب من أبواب كتاب سيبويه.

(٤) هو أبو علي الحسين بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل ، ولد في فسا من أعمال فارس. ودخل بغداد سنة (٣٠٧ ه‍) وتجول في كثير من البلدان ، وأقام عند سيف الدولة في حلب مدة سنة (٣٤١ ه‍) ، ثم عاد إلى فارس ، وصحب عضد الدولة وعلمه النحو وصنف له كتبا.

مصنفاته : صنف لعضد الدولة كتاب الإيضاح في النحو الذي شرحه كثيرون. ولما استصغره عضد الدولة عمل له أبو علي التكملة ، كما صنف الحجة في القراءات وهو مطبوع في سوريا ومصر. كما صنف التذكرة وهي مفقودة ، وسئل في حلب وبغداد والبصرة وشيراز أسئلة كثيرة ، فصنف في أسئلة كل بلد كتابا سماه باسمها. وكلها بدور العلم في مصر ، توفي ببغداد سنة (٣٧٧ ه‍).

انظر في ترجمته : نزهة الألباء (ص ٣١٥) ، بغية الوعاة (١ / ٤٩٧) ، الأعلام (٢ / ١٩٤).

(٥) النبق : فيه الأوزان الثلاثة التي في : كتف. وهو ثمر شجر معروف. الواحدة نبقة وفي معناه السدر أيضا.

(٦) انظر كتاب التكملة لأبي علي (ص ١٥٥) رسالة ماجستير بجامعة القاهرة. قال أبو علي : «باب في دخول التاء الاسم فرقا بين الجمع والواحد منه :

وذلك نحو : تمر وتمرة وشعير وشعيرة وجراد وجرادة ؛ فالتاء إذا لحقت في هذا الباب دلّت على المفرد ، فإذا حذفت دلت على الجنس والكثرة. ثم قال : فإذا حذفت التاء ذكر الاسم وأنث ، وجاء في القرآن الأمران جميعا. وبعد تمثيله قال : ومؤنث هذا الباب لا يكون له مذكر من لفظه لما كان يؤدي إليه من التباس المذكر الواحد بالجمع. فإذا أرادوا المذكر قالوا : هذا حمامة ذكر ، وهذا بطة ذكر».

١٣٩

______________________________________________________

ثم القائلون بأنه اسم جنس اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب :

أحدها : وهو قول الأكثرين أنه لا يقع إلا على ما فوق العشرة. وإذا قصد به ما دون ذلك جمع بألف وتاء لأنه جمع قلة (١).

الثاني : أنه يقع على القليل والكثير. قال بعضهم : «وهذا مقتضى كونه اسم جنس كعسل» [١ / ١٦].

وأما الثالث : أنه لا يقع على أقل من ثلاث. وهو رأي ابن جني إن كان لا يقول بجمعيته ، ورأي المصنف أيضا فإنه قال :

«الكلم اسم جنس جمعيّ ؛ كالنّبق واللّبن وأقلّ ما يتناول ثلاث كلمات» (٢).

وكأنه احترز بجمعي من اسم الجنس الذي ليس بجمعي ؛ كعسل وماء فإنه يقال على القليل والكثير. فالجمعي : هو الذي له أفراد تعد ، وغير الجمعي بخلافه.

ومن هنا يظن فساد تعليق المذهب الثاني في إطلاق الكلم على القليل والكثير كعسل ؛ لظهور الفرق (٣).

والمصنف يوافق الكثيرين في أن اسم الجنس لا يطلق إلا على ما فوق العشرة ؛ فإنه قال في باب جمع التكسير من هذا الكتاب (٤) :

«تكسير الواحد الممتاز بالتّاء محفوظ استغناء بتجريده في الكثرة وبتصحيحه في القلّة». وهذا صريح في الموافقة ، وليس في قوله هنا : وأقلّ ما يتناول ثلاث كلمات ، مناقضة ؛ فإن القائلين بهذه المقالة معترفون بأن الكلام يطلق مرادا به ـ

__________________

(١) أي : لأن المجموع بالألف والتاء أو الجمع السالم كله جمع قلة.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٧). وانظر فيما يطلق عليه لفظ الكلم : الهمع (١ / ١٢) فقد لخص ما قاله شارحنا هنا.

يقول السيوطي : «وفي شرح التّسهيل لناظر الجيش : اختلف النّحاة في الكلم : فذهب جماعة منهم الجرجاني إلى أنه جمع للكلمة وذهب الفارسيّ وغيره من المحققين إلى أنه اسم جنس لها. ثم اختلفوا على مذاهب : أحدها وعليه الأكثر : أنّه لا يقع إلّا على ما فوق العشرة. وإذا قصد به ما دونها جمع بألف وتاء والثّاني : أنّه يقع على القليل والكثير والثّالث : أنه لا يقع على أقلّ من ثلاث وعليه ابن مالك».

(٣) وهو أن الكلم له أفراد تعد. وهي الاسم والفعل والحرف ؛ فلا يطلق عليه اسم جنس جمعي ذلك الذي يصدق على القليل والكثير بلفظ واحد كعسل وإنما يطلق عليه اسم جنس إفرادي.

(٤) انظر : تسهيل الفوائد (ص ٢٦٨) تحقيق : محمد كامل بركات. وزارة الثقافة (١٩٦٧ م).

١٤٠