شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

زائد على ذلك مطلوب بقاؤه ؛ إذ لا يمتاز أحد النوعين على الآخر إلّا به. والاستقبال لازم للأمرية. فلو انتفى بتبدله انتفت الأمرية ؛ بخلاف الخبرية المستفادة من الماضي والمضارع ؛ فإنها لا تنتفي بتبدل المضي باستقبال ولا الاستقبال بمضي» انتهى وهو كلام جيد.

قال الشيخ (١) بعد نقله هذا الكلام : «قد وجدنا الفعل الدالّ على الخبر خرج عن الخبرية إلى غيرها كما قيل في قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(٢) ، (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ)(٣) : إنه أمر في المعنى. فكذلك كان يكون الأمر يخرج عن الأمرية إلى معنى الخبرية. وقد خرج على ذلك قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٤) أي فيمد. وقال الشاعر :

١١ ـ وكوني بالمكارم ذكّريني

[ودلّي دلّ ماجدة صناع](٥)

أي تذكريني.

ومقتضى تعليل المصنف : أن كلّا من الأمر والخبر لا يخرج [١ / ٣٤] عن بابه وقد بيّنّا خلاف ذلك. والرجوع في هذا إلى وضع العرب واستعمالها ، فلو استعملت صيغة الأمر في الخبر الذي صيغته ليست مستقبلة تدل على ذلك ، لساغ لها كما استعملت صيغة الخبر الماضي في غير الخبر ، وغير زمانه. وذلك في الدعاء ، نحو : غفر الله لي ؛ فإنه خرج عن الخبر وعن الزمان الماضي بقرينة استعماله في الدعاء. فكذلك كان يسوغ استعمال صيغة الأمر في غير الخبر وفي غير زمانه وهو الاستقبال بقرينة تدلّ عليه»(٦) انتهى.

__________________

(١) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٨٠).

(٢) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٤) سورة مريم : ٧٥.

(٥) البيت : من بحر الوافر قائله كما في معجم الشواهد بعض بني نهشل.

اللغة : دلي : بفتح الدال من باب ضرب وتعب ، يقال : دلت المرأة دلّا ودلالا وتدللت إذا أظهرت المخالفة وليس بها خلاف. الصناع : بزنة كلام ، يقال : امرأة صناع إذا كانت رقيقة اليدين. ومعنى البيت واضح.

ويستشهد به النحاة على وقوع الجملة الطلبية خبرا لكان شذوذا. وسيأتي البيت في باب كان.

واستشهد به أبو حيان هنا على أن الأمر قد يخرج عن الأمرية إلى معنى الخبرية ، فمعنى ذكريني. أي :

تذكرينني وروي البيت برواية أخرى هكذا :

دعي ما ذا علمت سأتقيه

وكوني بالمكارم ذكّريني

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٨٠) وفي معجم الشواهد (ص ٢٣٢).

(٦) انظر : التذييل والتكميل (١ / ٨٠) ولم يتصرف الشارح في النقل إلا قليلا لتوضيح أو بيان.

١٨١

______________________________________________________

وأقول : إن الذي ذكره المصنف لم يبطله الشيخ وإن الذي ذكره الشيخ لم يمنعه المصنف ، وذلك أن الذي قاله المصنف :

«إنّ الاستقبال لازم للأمريّة ؛ فما دامت موجودة فالاستقبال واجب ، وإنّ الاستقبال غير لازم للخبريّة ، وكذا المضي ؛ بل يجوز تبدّل كلّ منهما بالآخر».

وهذا حق لا يمكن إبطاله بوجه.

والذي ذكره الشيخ : أن كلّا من صيغتي الخبر والأمر يجوز أن يخرج عن موضوعه الأصلي إلى غير موضوعه وهو صحيح ، والمصنف لم يمنعه ؛ بل لم يتعرض في هذا الباب إلى ذلك أصلا.

والحاصل : أنهما قسمان ، كما قررناه في الكلام المتقدم ، وقد أدخل الأمر على الشيخ ، فخلط أحد القسمين بالآخر ، وظن أن كلام المصنف غير متجه ، وقد بان لك أن الذي قرره المصنف لا شبهة فيه (١).

غير أنه يتجه على المصنف مؤاخذة. وهي كونه ذكر في هذا الفصل أن الماضي ينصرف إلى الحالي بالإنشاء ، كبعت ، وإلى الاستقبال بالطلب ، كغفر الله لزيد (٢) ؛ لأن مقتضى تقريره المتقدم (٣) لا يورد هنا إلا ما كان فيه معنى الخبر باقيا ، وإنما تغير زمانه فقط. أما ما نقل عن موضوعه الأصلي إلى غيره ، فلا.

ولا شك أن الإنشاء والطلب المدلول عليهما بالماضي ، صارفان لصيغته عن ما وضعت له ؛ لأنه موضوع للخبر ، وهما قسيماه ، فلا يناسب ذكرهما مع القرائن الصارفة للزمان دون معنى الخبر.

وأما قوله في المضارع (٤) : إنه يتخلص للاستقبال باقتضائه طلبا ، فهو وإن كان الاستقبال ـ

__________________

(١) كل من الإمامين نظر إلى الموضوع من ناحية ، فاختلفت وجهة النظر عندهما :

فابن مالك : نظر إلى أن زمن الاستقبال مستفاد من الأمر حتما ، ومن المضارع جوازا ، وزمن الماضي مستفاد من الماضي.

وأبو حيان : نظر إلى الخبر والطلب المستفادين من الأفعال كلها ، إما لفظا ومعنى وإما معنى فقط.

(٢) انظر (ص ٥) من تسهيل الفوائد ، وانظر الصفحات القادمة في هذا الموضوع.

(٣) وهو أن الاستقبال لازم للأمرية ويزول بزوالها ، والخبرية لازمة للماضي والمضارع. ولا تزول بتبديل هذا مكان ذاك.

(٤) انظر (ص ٥) من تسهيل الفوائد ، والصفحات القادمة أيضا في هذا الموضوع.

١٨٢

[زمن الفعل المضارع]

قال ابن مالك : (والمضارع صالح له وللحال ولو نفي بلا ؛ خلافا لمن خصّها بالمستقبل).

______________________________________________________

أحد موضوعيه ويتخلص له بقرائن ؛ لكن ذكره غير مناسب أيضا ؛ لأن الصيغة عند اقتضاء الطلب بها ، خرجت عن موضوعها الأصلي وهو الخبر إلى معنى آخر وهو الطلب.

قال ناظر الجيش : لما ذكر أن الأمر مستقبل وأنه لازم له الاستقبال ، قال : والمضارع صالح له وللحال. أي للاستقبال وللحال ، فبين أنه يجوز أن يراد به كل واحد من الزمانين. وهو رد على من خصه بالاستقبال ، وعلى من خصه بالحال. واعلم أن المذاهب في المضارع ، بالنسبة إلى كونه مستقبلا أو حالا أو مشتركا بين الزمانين ، أو حقيقة في أحدهما ، مجازا في الآخر ـ خمسة.

فمنهم من ذهب إلى أنه مستقبل ، وأنكر أن يكون للحال وهو مذهب الزجاج (١).

واستدل بأمرين :

أحدهما : أن زمن الحال لقصره لا يتسع للنطق بالفعل ؛ لأنك بقدر ما تنطق بحرف منه ، صار الزمان ماضيا.

الآخر : أن فعل الحال لو كان موجودا في كلامهم ، لكانت له بنية تخصه ؛ إذ لا يوجد شيء في كلامهم إلا وله لفظ يخصه. وقد يكون له مع ذلك لفظ يشترك فيه مع غيره ، نحو : جون ؛ فإنه يقع على الأبيض والأسود (٢) ويخص أحدهما لفظ الأبيض ، والآخر لفظ الأسود. ـ

__________________

(١) هو إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق ، كانت مهنته خرط الزجاج قبل النحو وبعده. ومن هنا لقب بالزجاج. تعلم على المبرد وكان يعطيه كل يوم أجرة تعليمه من كسبه فوق خدمته ، وظل كذلك حتى بلغ من العلم مبلغا كبيرا ، فاستقل بنفسه وأرسله المبرد إلى أولاد بعض الأمراء ليعلمهم. كان من أهل الدين والفضل والتقوى ، عاش نحوا من سبعين سنة حيث توفي سنة (٣١٠ ه‍). مؤلفاته : إعراب القرآن ، وهو مطبوع ببيروت منسوبا إليه ، وله أيضا : سر النحو وهو مخطوط صغير بدار الكتب المصرية ، وله : ما ينصرف وما لا ينصرف ، وهو مطبوع مشهور ، وفي معهد المخطوطات ميكروفيلم تحت عنوان : شرح شواهد الزجاج لابن هشام. وذكر السيوطي له مؤلفات أخرى غير ذلك. انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٤١١) ، وانظر رأيه هذا في التذييل والتكميل (١ / ٨١) والهمع (١ / ٧).

(٢) في نسخة (ب) : فإنه يقع للأسود والأبيض.

١٨٣

______________________________________________________

وردّ الأول : بأن زمان الحال عند النحويين ، ليس بالآن الفاصل بين الماضي والمستقبل وإنما هو الماضي غير المنقطع.

[١ / ٣٥] وقال المصنف : «كثير من الناس يعتقدون أن الحال هو المقارن وجود معناه لوجود لفظه. وليس كذلك ؛ بل مقصود النحويين أنّ الحال ما قارن وجود لفظه وجود جزء من معناه ، كقولنا : هذا زيد يكتب ، فيكتب هنا : حال ، ووجود لفظه مقارن لوجود بعض الكتابة لا جميعها. وعبر بالحال عن اللّفظ الدالّ على الجميع ؛ لاتصال أجزاء الكتابة بعضها ببعض» (١).

ورد الثاني (٢) بأنه قد وجد ذلك في كلامهم ، وهو رائحة ؛ فإنها تقع على جميع الروائح وليس لها اسم إلا ذلك اللفظ المشترك.

فإن قيل : إنها تخصص بالإضافة ، كرائحة المسك ورائحة العنبر.

قيل : وكذلك يفعل ، يتخصص بالسين وسوف وبالآن ، وما في معناها.

وفي هذا الرد الثاني نظر : فإن رائحة من قبيل اللفظ المتواطئ لا المشترك (٣). ثم إن المنكرين لفعل الحال ، منهم من أنكر زمانه أيضا محتجّا بأنه إن وقع ، فهو ماض وإن لم يقع فهو مستقبل ، ولا سبيل إلى ثالث.

والدليل على وجود زمن الحال : أن الموجود في محال وجوده لا بد له من زمان ، وهو منحصر في الماضي والمستقبل ، على ما زعمت ، وهما معدومان ولا يتصور وجود موجود في زمن معدوم ؛ فثبت زمن الحال. ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٨) ومن تعليله في ذلك أيضا قوله :

لأن مدة وجود اللفظ لا تتسع لوجود معنى الفعل ، وذكر أن المخبر بالفعل الماضي يتقدم شعوره بمضيه على التعبير عنه ، والمخبر بالمستقبل يتقدم شعوره باستقباله على التعبير عنه. فكذا المخبر بالحال ، لا بد من تقدم شعوره بحاليته على التعبير عنه. وذلك موجب لعدم المقارنة المتوهمة.

(٢) انظر التذييل والتكميل : (١ / ٨٢).

(٣) المشترك : هو اللفظ الواحد الذي يطلق على عدة معان إطلاقا وضعيّا حقيقيّا ، كإطلاق العين على الباصرة والبئر وغيرهما.

والمتواطئ : هو المتفق والألفاظ المتواطئة هي المتفقة في المعنى ، ثم تخصص بالإضافة أو بالوصف. ومن أمثلتها كما مثل الشارح : لفظ رائحة ، فإنها تطلق على كثير ، ثم تخصص بالإضافة ، فيقال : رائحة المسك ورائحة العنبر ، ومن ذلك أيضا : لفظ الفعل ؛ فإنه يطلق على أنواع ثم يتخصص بالزمان.

١٨٤

______________________________________________________

والدليل على وجود فعل الحال أمران :

أحدهما : أنهم يقولون : نفعل الآن ، في فصيح الكلام ، ولا يقولون :سنفعل الآن ، إلا قليلا على طريق المجاز ، وتقريب المستقبل من الحال ، نحو قول الشاعر :

١٢ ـ فإنّي غير خاذلكم ولكن

سأسعى الآن إذ بلغت إناها (١)

فلو كان نفعل للمستقبل ، لما صلح معه الآن ، كما لا يصلح ذلك مع سنفعل.

الآخر : قول الشاعر :

١٣ ـ وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عم (٢)

__________________

(١) البيت من بحر الوافر من مقطوعة صغيرة ، عدتها ثلاثة أبيات ، وجدتها في ديوان عنترة بن شداد (ص ٢٠٤).

اللغة : إناها : بكسر الهمزة منتهاها.

والاستشهاد بالبيت : على أن الشاعر جمع بين السين التي تجعل الفعل مستقبلا وبين لفظ الآن الذي للحال ، وذلك قليل من باب المجاز وتقريب المستقبل من الحال.

والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في التذييل والتكميل (١ / ٨٢) وهذا البيت من الأبيات التي اكتشفت قائلها.

ترجمة عنترة : هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي صاحب عبلة التي ألهبت حماسه في القتال ، ولسانه في الشعر ، كان ابن أمة سوداء ، وأنكره أبوه صغيرا ، ولما وجد شجاعته نسبه إليه وأعتقه ، كان عنترة أشجع أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده ، وقد شهد حرب داحس والغبراء ، وحمدت مشاهده فيها ، وله معلقة مشهورة سماها النقاد بالمذهبة وهي جيدة ، وانظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٢٥٦) ، خزانة الأدب (١ / ١٢٨).

(٢) البيت من بحر الطويل لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة التي تمتلئ بالحكم والمواعظ وتصور عادات العرب في الجاهلية وحروبهم والسّلام والصلح بينهم ، وهي في ديوان زهير (ص ٤).

والشاهد في البيت : أن الظروف المذكورة فيه ليست على حقيقتها ، وإنما هي كناية عن الأزمنة الثلاثة.

والبيت ليس في التذييل والتكميل ، وهو في معجم الشواهد (ص ٣٦١).

ترجمة زهير بن أبي سلمى : هو زهير بن ربيعة بن قرط المزني ، من الشعراء المتقدمين في الجاهلية ولم يدرك الإسلام ، وإنما أدركه ولداه كعب وبجير وأسلما. كان جيدا في شعره حتى كانت قصائده تسمى الحوليات لاعتنائه بها ، وأجود شعره ما قاله في هرم بن سنان ، أعجب عمر بن الخطاب بشعره ، قال لأنه : كان لا يتبع حوشي الكلام ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه. وأعجب عمر بشعره في هرم بن سنان ، فقال له أحد أولاده : إنا كنا نعطيه فنجزل ، فقال له عمر : ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.

انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (١ / ١٤٣).

١٨٥

______________________________________________________

ووجه الدليل منه : أن هذه الثلاثة ليست على حقائقها وإلا اختل معنى البيت ؛ لأنه لا يعلم من علم اليوم إلا ما هو فيه. ولا فائدة في الاقتصار على أمس وغد ؛ فإنه يعلم علم ما قبل الأمس ، ويجهل علم ما بعد غد ؛ فهي كنايات عن الأزمنة ، فاليوم عما هو فيه والأمس عما مضى والغد عما يستقبل ، والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمان ؛ فينبغي إذا أن تكون ثلاثة.

ومنهم من ذهب إلى أن يفعل لا يكون إلا للحال حيث وقع وهو ابن الطراوة (١).

واستدل على ذلك بأنه لا يخبر بالمستقبل نحو سيفعل ، عن المبتدأ إلا أن يكون عامّا أو مؤكدا بإن نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(٢) ونحو قول الشاعر :

١٤ ـ وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل (٣)

فإن عري منها لم يجز ؛ فيمتنع زيد سيفعل ، وإذا قلنا زيد يفعل كان جائزا ، فدل على أن يفعل حال.

فأما قولهم : زيد يفعل غدا فمعناه زيد ينوي الآن الفعل غدا. وشبهته في منع ذلك أنه مستقبل فلا يتصور الإخبار عنه ؛ لأنه غير متحقق الوجود.

وقد أبطل مذهبه بورود نحو زيد سيفعل ولا توكيد ولا عموم ، قال النّمر بن تولب (٤) : ـ

__________________

(١) هو أبو الحسين سليمان بن عبد الله المالقي المشهور بابن الطراوة. كان نحويّا وأديبا ، سمع كتاب سيبويه من الأعلم وروى عنه السهيلي والقاضي عياض ، له آراء في النحو خالف فيها جمهور النحاة منثورة في كتب النحو. ومن هنا عظمه بعضهم وعابه آخرون على هذه المخالفة.

لم نعثر له على مطبوع أو مخطوط إلا أن السيوطي ذكر له مؤلفات منها : الترشيح في النحو ، المقدمات على كتاب سيبويه ، عاش طويلا وتوفي سنة (٥٢٨ ه‍). انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٦٠٢) ، الأعلام (٢ / ١٩٦).

(٢) سورة مريم : ٩٦.

(٣) البيت من بحر الطويل للبيد بن ربيعة من قصيدة سبق الحديث عنها في الشاهد رقم (٥).

وشاهده هنا : الإخبار بالمستقبل عن المبتدأ لكونه عامّا.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٨٣) ، ومعجم الشواهد (ص ٢٨٣).

(٤) هو النمر بن تولب العكلي شاعر جواد يسمى الكيس لحسن شعره ، كان جاهليّا حتى أدرك الإسلام فأسلم ووفد على النبي عليه الصلاة والسّلام ؛ وقال له (من الرجز):

١٨٦

______________________________________________________

١٥ ـ فلمّا رأته آمنا هان وجدها

وقالت أبونا هكذا سوف يفعل (١)

وقال آخر :

١٦ ـ قضوا آجالهم فمضوا وكانوا

على وجه وأنت ستلحقينا (٢)

وبقول الله تعالى : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً)(٣) ؛ لأن النفس تدري ما تنوي كسبه ، إلا أنها لا تدري هل تكسبه أو لا.

[١ / ٣٦] ويرد عليه أيضا قول سيبويه (٤) :

«وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا : اذهب واقتل واضرب ، ومخبرا : يذهب ويقتل ويضرب» ، فهذا نص منه على أن يفعل للاستقبال.

ومذهب الجمهور : أن يفعل يكون للحال والاستقبال ، وهل هو حقيقة فيهما فيكون مشتركا ، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر ، ثلاثة مذاهب :

القول بالاشتراك مذهب الجمهور ، وهو الصحيح وهو ظاهر كلام سيبويه ؛ فإنه قال (٥) : «وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ، ـ

__________________

إنّا أتيناك وقد طال السّفر

نقود خيلا دمّرا فيها عسر

كان لسانه كريما فلم يمدح أحدا ولم يهج أحدا ، وشعره يشبه شعر حاتم الطائي. وهو القائل :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي

هاجر إلى الكوفة وعاش هناك حتى بلغ مائة سنة ، وخرف عقله في آخر حياته وألقي على لسانه ، انظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٣١٥).

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة للنمر بن تولب بدأها بالغزل ووصف حالته ونظرته إلى الحياة.

وانظر بيت الشاهد والقصيدة في ديوانه المحقق (ص ٢١٣).

والبيت : يرد مذهب ابن الطراوة وفيه يجوز الإخبار بالفعل المقترن بالسين أو سوف وإن لم يكن المبتدأ مؤكدا أو عامّا ، والبيت في التذييل والتكميل : (١ / ٨٣) ، وفي حاشية الشيخ يس : (١ / ١٦٠) ، وليس في معجم الشواهد.

(٢) البيت من بحر الوافر لم أعثر على قائله ، وشاهده كالبيت السابق.

وهو في التذييل والتكميل : (١ / ٨٤) وليس في معجم الشواهد أيضا.

(٣) سورة لقمان : ٣٤.

(٤) انظر الكتاب : (١ / ١٢). ووجه الدليل في كلام سيبويه : عطفه الأخبار على الأمر والأمر مستقبل ، فكذا يكون المضارع ، وانظر كيف جعل الشارح كلام سيبويه حجة ودليلا تاركا السماع والقياس.

(٥) انظر الكتاب : (١ / ١٢).

١٨٧

______________________________________________________

ولما يكون ولم يقع ، ولما هو كائن لم ينقطع».

وقال بعد ذلك (١) : «وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا : اذهب ، ومخبرا : يذهب» ثم قال : «وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت».

فكونه ذكر أنه مبني لهذا ولهذا دليل على الاشتراك.

ودليل مذهب الجمهور : أنه يقع على الحال تارة وعلى المستقبل تارة ، ولم يقم دليل على أنه أظهر في أحدهما فكان مشتركا.

وقال المصنف (٢) : «لما كان بعض مدلول المضارع المسمّى حالا مستأنف الوجود أشبه المستقبل المحض في استئناف الوجود فاشتركا في صيغة المضارع اشتراكا وضعيّا فحكم بالاشتراك».

وذهب الفارسي (٣) إلى أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال ، وصححه الأبذي. قالوا : ومستند الفارسي أن اللفظ إذا صلح للقريب والبعيد كان القريب أحق به ؛ بدليل أنك تقول : أنا وزيد قمنا ، وأنت وزيد قمتما ؛ فتغلب المتكلم والمخاطب لقربهما ، وزمن الحال أقرب من المستقبل فهو أحق» وفي هذا الاستدلال والتنظير أيضا نظر (٤).

وذهب ابن طاهر (٥) إلى أنه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال. واستدلاله ـ

__________________

(١) المرجع السابق (الجزء والصفحة).

(٢) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٨).

(٣) هذا هو المذهب الرابع من الخمسة في كون المضارع مستقبلا أو حالا أو مشتركا ، والثاني من الثلاثة وهي : هل دلالة المضارع على الحال والاستقبال حقيقة أو مجازا.

وانظر في رأي الفارسي : التذييل والتكميل : (١ / ٨٥) والهمع : (١ / ٧).

(٤) أما النظر في الاستدلال فوجهه أن زمن الحال قصير ؛ لأن الحال ما قارن وجود لفظه لوجود جزء من معناه ، ثم يمتد المعنى بعد ذلك وهو الاستقبال الطويل ، وأما النظر في التنظير فوجهه أن هذه قاعدة في الإخبار عند اجتماع الضمير مع الاسم الظاهر ، فالواجب مراعاة أعرف الضمائر والأسماء ؛ فالمتكلم أولا ثم المخاطب وهكذا.

(٥) هذا هو المذهب الأخير من الخمسة والثلاثة ، وانظر فيه التذييل والتكميل : (١ / ٨١ ـ ٨٦) والهمع : (١ / ٧).

وابن طاهر : هو أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي المعروف بالخدبّ وهو الرجل الطويل ، نحوي مشهور أيضا موصوف بالحذق والنبل ، أستاذ لابن خروف وغيره ، درس كتاب سيبويه لتلاميذه.

مصنفاته : له تعليقاته على كتاب سيبويه ضمنها ابن خروف شرحه عليه ، قال السيوطي : وقفت على حواشيه على الكتاب بمكة المكرمة ، كما ذكر أن له تعليقا على الإيضاح. توفي سنة (٥٨٠ ه‍) ، انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٨).

١٨٨

______________________________________________________

ضعيف مردود [١ / ٣٧] فلا نطول بذكره (١).

وأشار المصنف بقوله : ولو نفي بلا خلافا لمن خصّها بالمستقبل إلى أن المضارع وإن اقترن بلا النافية باق على صلاحيته للحال والاستقبال ، ولا يتعين الحكم باستقباله وهذا مذهب الأخفش والمبرد (٢).

قال المصنف : وهو لازم لسيبويه وغيره من القدماء لإجماعهم على صحة قول القائل : قاموا لا يكون زيدا ، بمعنى إلا زيدا ، ومعلوم أن المستثني (٣) منشئ للاستثناء ، والإنشاء لا بد من مقارنة معناه للفظه ، ولا يكون هنا استثناء فمعناه مقارن للفظه ؛ فلو كان النفي بلا مخلصا لاستقبال المضارع لم تستعمل العرب لا يكون في الاستثناء لمباينته الاستقبال.

ومثل هذا الإجماع إجماعهم على إيقاع المضارع المنفي بلا في مواضع تنافي الاستقبال ، نحو : أتظنّ ذلك كائنا أم لا تظنّه ، وأتحبه أم لا تحبّه ، وما لك لا تقبل ، وأراك لا تبالي ، وما شأنك لا توافق ، ومثل ذلك في القرآن كثير ، كقوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ)(٤) ، (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)(٥) ، (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(٦) ، (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ)(٧) ، (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(٨) ، (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ)(٩). ـ

__________________

(١) أما دليله في أن الاستقبال حقيقة في المضارع ، فلأن أصل أحوال الفعل أن يكون منتظرا ثم حالا ثم ماضيا ، فالمستقبل أسبق فهو أحق بالمثال.

وأما رد الدليل فهو أنه لا يلزم من سبق المعنى سبق المثال. (التذييل والتكميل : ١ / ٨٦ ، الهمع : ١ / ٧).

(٢) انظر المقتضب : (١ / ٤٧ ، ٢ / ٣٣٥) بتحقيق الشيخ عضيمة (طبعة المجلس الأعلى).

والأخفش : هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن أوسط الأخافشة الثلاثة المشهورين ، قرأ النحو على سيبويه وانتصر لسيبويه من الكساء في المناظرة التي راح سيبويه ضحيتها. وهو إمام الطبقة الخامسة البصرية ، وعلم من أعلام النحو المشهورين ، توفي سنة (٢٢١ ه‍) على أصح الآراء.

مصنفاته : أشهر كتاب له هو معاني القرآن وهو مطبوع في مجلدين ، وكتبت في الأخفش وآرائه كتب منها رسالة في جامعة القاهرة وكتاب طبع في بغداد تحت عنوان «منهج الأخفش الأوسط في الدراسات النحوية».

انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٥٩٠) ، الأعلام (٣ / ١٥٥). وقد سبق ترجمة المبرد قبل ذلك.

(٣) المستثني : اسم فاعل من استثنى.

(٤) سورة المائدة : ٨٤.

(٥) سورة التوبة : ٩٢.

(٦) سورة النحل : ٧٨.

(٧) سورة نوح : ١٣.

(٨) سورة النمل : ٢٠.(٩) سورة يس : ٢٢.

١٨٩

______________________________________________________

وهو في غير القرآن ، ومنه قول الشاعر :

١٧ ـ يرى الحاضر الشّاهد المطمئنّ

من الأمر ما لا يرى الغائب (١)

وقول الآخر :

١٨ ـ إذا حاجة ولّتك لا تستطيعها

فخذ طرفا من غيرها حين تسبق (٢)

وقول الآخر :

١٩ ـ كأن لم يكن بين إذا كان بعده

تلاق ولكن لا إخال تلاقيا (٣)

قال الشيخ (٤) : «لا حجّة في شيء ممّا أورده المصنّف ؛ لأنّ كلّ مثال من الأمثلة الّتي ذكرها ، اقترنت به قرينة صرفته عن الاستقبال إلى الحال ، والمدّعي أنّ ما صلح لهما ولا مرجّح لأحدهما إذا نفي بلا يتخلص للاستقبال» ثم بين القرائن.

ويمكن المنازعة في بعضها بل في أكثرها عند التأمل (٥). ـ

__________________

(١) البيت من بحر المتقارب ، قالت مراجعه : إنه مجهول القائل. انظر شرح التسهيل (١ / ١٨) ـ التذييل والتكميل (١ / ٨٣) وقد وجدناه في الشعر والشعراء منسوبا لخويلد بن فطحل أحد شعراء هذيل المعدودين ، ويستشهد بهذا البيت وما بعده على أن المضارع لا يتخلص للمستقبل إن نفي بلا. بل هو باق على صلاحيته للحال والاستقبال ، يشير إلى ذلك معنى الأبيات وما قبل الفعل المنفي من كلام ، والبيت ليس في معجم الشواهد.

(٢) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأعشى يمدح فيها المحلق بن خثعم بن شداد بن ربيعة. وقد أكثر فيها من الألفاظ الغربية والفارسية. كما يخلط المدح بالغزل فيها (انظر الديوان ص ١١٦) وقد استوفى الشارح الحديث عن البيت.

ترجمة الأعشى : اسمه ميمون بن قيس ، جاهلي وأدرك الإسلام في آخر عمره ، ورحل إلى النبي عليه‌السلام ليسلم ، فقيل له إنه يحرم الخمر والزنا ، فقال : أتمتع بهما سنة ثم أسلم ، فمات في تلك السنة ، ولقب بالأعشى لضعف بصره مات سنة (٧ ه‍) ، سنة (٦٢٦ م). له ديوان شعر مطبوع.

انظر ترجمته في الشعر والشعراء : (١ / ٢٦٣) ، الأعلام (٨ / ٣٠٠).

(٣) البيت من بحر الطويل وليس في معجم الشواهد وهو في ديوان الحماسة (٣ / ١٣٤٦) ، ولم ينسب ونسبه محقق شرح التسهيل (١ / ١٩) إلى ابن الدمينة وليس في ديوانه بشرح محمد الهاشمي.

وكان في البيت تامة ، وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ومفعول إخال الثاني محذوف أي لا إخال تلاقيا بعده ، ويستشهد به لما في البيت قبله. والبيت في التذييل والتكميل : (١ / ٨٩).

(٤) انظر التذييل والتكميل : (١ / ٨٩).

(٥) أما قرينته في مقال الاستثناء فقد قال : إنه لا يكون فعل جرى مجرى إلا ، ولم يكن قبل دخول لا صالحا للحال والاستقبال. وحجة ابن مالك فيه أقوى من تلك.

١٩٠

______________________________________________________

ثم قال : «وأمّا قول الشّاعر : إذا حاجة ... البيت فحمله على الحال وهم فاحش ؛ لأنّ إذا ظرف لما يستقبل ، فولّتك مستقبل وإن كان لفظه ماضيا.

فلا تستطيعها جملة في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها ولّتك المستقبل ، فلا تستطيعها جملة مستقبلة». انتهى. وفيه حذف.

والظاهر أن الذي قاله المصنف عار عن الوهم ، وذلك أن استطاعته للحاجة وعدم استطاعته إنما هو بالنسبة إلى وقت توليها ، فالتولي وإن كان مستقبلا فلا تستطيعها حال ، وجعلها جملة مستقبلة إنما هو بالنظر إلى وقت التلفظ بهذا الكلام.

وليس المراد إذا حاجة ولتك وأنت لا تستطيعها في المستقبل ؛ بل المراد إذا ولتك حاجة وأنت لا تستطيعها حين توليها ، وهذا ظاهر من البيت.

ثم قال المصنف : «والذي غرّ الزمخشريّ (١) وغيره من المتأخّرين قول سيبويه في نفي الفعل (٢) :

وإذا قال هو يفعل أي : هو في حال فعله ، فإنّ نفيه ما يفعل ، وإذا قال هو [١ / ٣٨] يفعل ولم يكن الفعل واقعا ، فإنّ نفيه لا يفعل ، فاستعمل ما في نفي الحال ولا في نفي المستقبل ، وهذا لا خلاف في جوازه ، وليس في عبارته ما يمنع من إيقاع غير ما موقع ما ، ولا من إيقاع غير لا موقع لا» انتهى (٣). ـ

__________________

وأما حجته في الأمثلة التي بعده فقد قال : إن الحال فيه جاءت من خارج عن لا ، وهو الاستفهام المراد به الحال ، ثم انسحب الحال فيه إلى الفعل المنفي ، ويمكن رده بأن المثال ـ أو الآية ـ يجب النظر إليه وفهمه مرة واحدة.

(١) أي دفعه بأن يقول : إن لا لنفي المستقبل (انظر المفصل ١ / ٣٠٦) ، يقول فيه : فصل : «ولا لنفي المستقبل في قولك : لا يفعل ، قال سيبويه : وأمّا لا فتكون نفيا لقول القائل : هو يفعل ولم يقع الفعل».

والزمخشري : هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد جار الله الزمخشري ، ولد سنة (٤٦٧ ه‍).

كان واسع العلم كثير الفضل متفننا في كل علم معتزليّا في مذهبه مجاهرا به حنفيّا ، وله آراء كثيرة مشهورة في كتب النحو وتصانيفه مشهورة أيضا ، منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو ، وله الفائق في غريب الحديث. وله المستقصي في الأمثال وله أساس البلاغة في اللغة والأنموذج في النحو وكتب أخرى ، توفي سنة (٥٣٨ ه‍). انظر ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ٢٧٩).

(٢) انظر : الكتاب (٣ / ١١٧) ، وهو باب طريف في معنى الفعل فارجع إليه.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٠).

١٩١

[ترجح زمن الحال في المضارع]

قال ابن مالك : (ويترجّح الحال مع التّجريد).

______________________________________________________

وظاهر كلام سيبويه المنع ، وإلا فلا فائدة في التخصيص (١).

قال ناظر الجيش : للفعل المضارع قرائن تخلصه للحال ، وقرائن تخلصه للاستقبال ، وقرائن تصرفه إلى المضي.

فشرع المصنف في ذكر ذلك وقدم على ما ذكره مسألة وهي :

«أنّ الفعل إذا تجرّد عن القرائن الحاليّة والقرائن الاستقباليّة وغير ذلك ، رجح كونه للحال».

وعلل المصنف ذلك بأنه : «لمّا كان للماضي في الوضع صيغة تخصّه كفعل ، وللمستقبل صيغة تخصّه كافعل (٢) ولم يكن للحال صيغة تخصّه ؛ بل اشترك مع المستقبل في المضارع جعلت دلالته على الحال راجحة عند تجريده من القرائن ؛ ليكون ذلك جابرا لما فاته من الاختصاص بصيغة» (٣).

وأقول : إن في كلام المصنف اضطرابا في المتن والشرح ، وذلك أنه قال :

والمضارع صالح له وللحال أي للاستقبال وللحال ؛ فحكم بالصلاحية لهما وأطلق ، فدل على التساوي في الدلالة عليهما ، فيكون مشتركا ، ثم قال : ويترجّح الحال مع التّجريد. وهذا ينفي الاشتراك ، ولا يقال إن الصلاحية لهما لا يلزم منها الاشتراك (٤) ؛ إذ لا تمتنع الصلاحية مع كونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر ، لأنّا نقول إيراده ذلك بعد قوله : والأمر مستقبل أبدا. وسياق كلامه يقتضي أنه إنما ـ

__________________

(١) ليس تخصيصا ، وإنما هو توضيح فقط وبيان أولوية.

والواجب في نفي أي أسلوب مراعاة معنى حرف النفي نفسه :

فلن : للاستقبال ثم للتأبيد على رأي. ولم : يجوز فيها لم يكن ثم كان. ولمّا : لا يجوز فيها ذلك.

وما : لنفي الماضي كثيرا ، ولا : الغالب في نفيها المستقبل. وهكذا.

(٢) الأول وزن للماضي الثلاثي ، والثاني وزن للأمر منه.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢١) ، وقد أخذ هذه العلة صاحب الهمع (١ / ٨) ولكنه هضم ابن مالك حقه. ويضاف إلى ذلك ما ذكره الفارسي قريبا ، وهي : أن اللفظ إذا صلح للقريب والبعيد ، كان القريب أحق به.

(٤) في نسخة (ب) : يلزم منها الاشتراك ، وصحته لا يلزم كما في الأصل.

١٩٢

[تعيين زمن الحال للمضارع]

قال ابن مالك : (ويتعيّن عند الأكثر بمصاحبة الآن أو ما في معناه وبلام الابتداء ونفيه بليس وما وإن).

______________________________________________________

يذكر ما هو بالوضع للفعل ، فلا يناسب أن يذكر المدلول عليه بالمجاز مع المدلول عليه بالحقيقة.

وأما اضطراب كلامه في الشرح ؛ فإنه قال أولا (١) :

«ولمّا كان بعض مدلول المضارع المسمّى حالا مستأنف الوجود أشبه المستقبل المحض في استئناف الوجود فاشتركا في صيغة المضارع اشتراكا وضعيّا».

وقال ثانيا (٢) : «إنّ دلالته على الحال راجحة» وهذا ينافي القول بالاشتراك ، والحق أنه لا يحكم بترجح الحال عند التجريد من القرائن ؛ لما تبين من أن أصح المذاهب أنه مشترك بين الحال والاستقبال ؛ فلا يتعين لأحدهما إلا بقرينة كسائر المشتركات.

قال ناظر الجيش : هذا شروع في ذكر القرائن المخلصة لكل من الزمانين ، وذكر أن القرائن التي تخلصه للحال خمس.

ونازع المصنف في كل منها ؛ فالظاهر أنه ليس عنده قرينة تخلصه للحال.

فمن القرائن المذكورة : الآن وما في معناه وهو الحين والساعة وآنفا.

قال المصنف (٣) : «وبعض العلماء يجيز بقاء المقرون بالآن مستقبلا ؛ لأنّ الآن قد يصحب فعل الأمر مع أنّ استقباله لازم. قال الله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ)(٤). فعبّر عن المدّة التي رفع فيها الحرج عن المباشرين نساءهم ليالي الصّوم وعن مدة بلوغ ذلك إلى المخاطبين ، وعن المدة التي تقع فيها المباشرة ؛ لأن الآن ليس عبارة عن المدة المقارنة لنطق الناطق فحسب [١ / ٣٩] بل الآن عبارة عن مدة ما حضر كونه. فلو أن الكائن لا يتم إلا في شهر فصاعدا ، جاز أن يقال فيه الآن وهو كائن ، ومنه قوله تعالى : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(٥). ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٨).

(٢) المرجع السابق : (ص ٢١).

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢١).

(٤) سورة البقرة : ١٨٧.

(٥) سورة الجن : ٩ ، قال في شرح التسهيل : ومنه أيضا قول علي رضي‌الله‌عنه في الخضاب : «كان ذلك والإسلام قلّ ؛ فأمّا الآن فقد اتسع نطاق الإسلام ، فامرؤ وما اختار».

١٩٣

______________________________________________________

وإذا ثبت هذا فقد يقال : الآن يكون كذا وكذا بقصد التعبير بالآن عن المدة التي يقع الكون في بعضها أو بقصد المبالغة في القرب إلا أنّ هذا خلاف الظاهر» (١) انتهى.

والجواب : أن الآن حقيقة في الزمان الحاضر ؛ فإذا صحب الفعل المستقبل كان ذلك قرينة صارفة له عن إرادة الحال ويكون استعماله في المستقبل مجازا بالقرينة ؛ فالتجوز حينئذ في الظرف. وإذا لم يكن الفعل مستقبلا ولا ماضيا كان على حقيقته ؛ إذ لا قرينة تصرفه فيتعين أن يكون الفعل معه للحال كما ذهب إليه الأكثر.

ويؤيد هذا قول الأبذي :

«ويعني بالآن المستعملة على حقيقتها ؛ لأنّها إن تجوّز فيها واستعملت تقريبا صلحت مع الماضي والمستقبل ، نحو قوله تعالى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ)(٢) ، (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ)(٣) ، ونحو قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ،)(٤)(فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ)(٥).

لأن فعل الشرط مستقبل. وقال الشاعر :

٢٠ ـ فإنّي غير خاذلكم ولكن

سأسعى الآن إذ بلغت إناها (٦)

وقول المصنف : «إلا أنّ هذا خلاف الظّاهر» يحتمل أن يرجع إلى قوله : «أو بقصد المبالغة في القرب» وهو الأقرب. ويحتمل أن يرجع إلى ما ذكره بأثره فيكون مختارا لقول الأكثر في هذه الصورة.

ومن القرائن : لام الابتداء : نحو إني لأحبك.

قال المصنف : «هي مخلصة للحال عند أكثرهم وليس كما ظنّوا ؛ بل جائز أن يراد الاستقبال بالمقرون بها ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٧) ، ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٢) مع حذف يسير.

(٢) سورة البقرة : ٧١.

(٣) سورة يوسف : ٥١.

(٤) سورة البقرة : ١٨٧.

(٥) سورة الجن : ٩.

(٦) البيت من بحر الوافر لعنترة بن شداد ، سبق الحديث عنه في الشاهد رقم (١٢) ، وقد استشهد به هنا مرة أخرى على أن لفظ الآن لم يقصد به الحال ؛ وإنما تجوز فيه واستعمل في المستقبل.

(٧) سورة النحل : ١٢٤.

١٩٤

______________________________________________________

و (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ)(١) ؛ فيحزنني مقرون بلام الابتداء وهو مستقبل ؛ لأنّ فاعله الذهاب وهو عند نطق يعقوب عليه الصلاة (٢) والسّلام بيحزنني غير موجود. فلو أريد بيحزنني (٣) الحال لزم سبق معنى الفعل لمعنى الفاعل في الوجود وهو محال» ، انتهى (٤).

وشرط الأبذي وغيره في تخليص اللام الفعل للحال : ألا تقترن بالفعل قرينة تشهد للاستقبال ؛ فعلى هذا لا ينهض استدلال المصنف على ما ادعاه (٥) بقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٦) ؛ لأن عمله في الظرف المستقبل الذي هو يوم القيامة قرينة تخلصه للاستقبال كما سيأتي ، وكذا الآية الثانية أيضا لوجود القرينة الصارفة له إلى الاستقبال ، وهو كون المسند إليه متوقعا كما سيأتي (٧).

وقال ابن الحاجب (٨) : «إنّ كون اللّام مخلّصة للحال هو مذهب الكوفيّين» ، واعتذر عن الزمخشري في كونه جعله هنا بما يوقف عليه من كلامه.

ثم قال : «وقد صرّح بذلك يعني الزّمخشري في قوله في الحرف : ويجوز عندنا : إن زيدا لسوف يقوم ، ولا يجيزه الكوفيّون» (٩). ـ

__________________

(١) سورة يوسف : ١٣.

(٢) كلمة الصلاة ناقصة من الأصل.

(٣) في نسخة (ب) ، (ج) : فلو أريد بيحزن.

(٤) انظر شرح التسهيل : (١ / ٢٢).

(٥) في نسخة (ب) ، (ج) : على مدعاه.

(٦) سورة النحل : ١٢٤.

(٧) انظر ذلك قريبا (بعد عدة صفحات).

(٨) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (ج ٢ ص ٦) تحقيق الدكتور موسى بناي العليلي (العراق).

(٩) معناه أن ابن الحاجب جعل من كلام الزمخشري مذهبا ثالثا مخالفا الكوفيين والبصريين ، وذلك أن الزمخشري عند ما قال : «ويجوز عندنا : إن زيدا لسوف يقوم ولا يجيزه الكوفيون» (المفصل ص ٣٢٨) ، شرحه ابن الحاجب فقال : «وإنما جاز عند البصريين لأن اللام عندهم ليست للحال ، وإنما هي لام الابتداء أخرت ؛ فجاز أن تجامع ما معناه الحال والاستقبال ؛ إذ لا مناقضة بينهما وبينها.

وعند الكوفيين أنّها للحال فإذا جامعت سوف تناقض المعنى ؛ لأنه يصير حالا باللام مستقبلا بسوف ، وهو متناقض فكان يلزمه ألا يجيزه أيضا ؛ لأنه قد تقدم من قوله أنها للحال ، فقد وافق الكوفيين في كونها للحال ؛ وخالفهم في مجامعتها لسوف». ثم قال : والذي يدل على ما ذكره البصريون قوله تعالى : (لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [مريم : ٦٦] ؛ فقد دخلت اللام مع وجود سوف (انظر الإيضاح في شرح المفصل ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ قسم التحقيق).

١٩٥

______________________________________________________

ومن القرائن : نفيه بليس وما وإن :

فمثال نفيه بما في قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)(١).

ومثاله بإن في قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ)(٢).

ومثاله بليس قول الشاعر :

٢١ ـ فلست وبيت الله أرضى بمثلها

ولكنّ من يمشي سيرضى بما ركب (٣)

[١ / ٤٠] قال المصنف (٤) : «والأكثرون أيضا على أن النفي بهذه الثلاثة قرينة مخلصة للحال مانعة من إرادة الاستقبال. وليس ذلك بلازم ، بل الأكثر كون النفي بها حالا ، ولا يمتنع كونه مستقبلا ، كما قال حسّان (٥) في وصف الزبير :

٢٢ ـ وما مثله فيهم ولا كان قبله

وليس يكون الدّهر ما دام يذبل (٦)

أي ما مثله في هذا العصر ، ولا كان فيما مضى ولا يكون فيما يستقبل. وهذا جليّ غير خفي.

ومثله قول الآخر :

٢٣ ـ والمرء ساع لأمر ليس يدركه

والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (٧)

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٩.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٩.

(٣) البيت من بحر الطويل لعبد الله بن العباس ، ذكر ذلك صاحب معجم الشواهد وهو من الحكم ومعناه :

إنّ من لم يجد إلّا القليل رضي به. ويستشهد به على أن المضارع يتخلص للحال بدخول ليس عليه.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢١) ، والتذييل والتكميل (١ / ٩٣) ومعجم الشواهد (ص ٢٦).

(٤) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٢ ، ٢٣).

(٥) هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري وكنيته أبو الوليد ، جاهلي إسلامي وفد على ملوك الغساسنة قبل إسلامه ومدحهم وأجزلوا له العطاء. ثم أسلم ولكنه لم يشهد مع النبي عليه‌السلام غزوة ؛ إلا أنه دافع عن الإسلام بشعره وهو القائل في لسانه : ما يسرني به مقول أحد من العرب والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه. عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام ، ومات في خلافة معاوية. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٣١١).

(٦) البيت من بحر الطويل من مقطوعة لحسان بن ثابت يمدح بها الزبير بن العوام.

والشاهد في البيت : قوله : وليس يكون وفيه أن المضارع المنفي بليس لا يتخلص للحال بل يكون للاستقبال أيضا.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٢) والتذييل والتكميل (١ / ٩٤) ومعجم الشواهد (ص ٢٧٩).

(٧) البيت من بحر البسيط قائله عبدة بن الطبيب وهو يزيد بن عمرو بن وعلة ، شاعر مخضرم أدرك الإسلام فأسلم وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز (انظر ترجمته في الشعر والشعراء : ١ / ٧٠٥). والاستشهاد به على ما في البيت قبله ، وسيأتي هذا

١٩٦

______________________________________________________

وقال تعالى في استقبال النفي بما وإن : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ)(١).

وقال أبو ذؤيب (٢) :

٢٤ ـ أودى بنيّ وأودعوني حسرة

عند الرّقاد وعبرة ما تقلع (٣)

وقال النابغة (٤) الجعدي يمدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

٢٥ ـ له نافلات ما يغبّ نوالها

وليس عطاء اليوم مانعه غدا (٥)

__________________

الشاهد مرة أخرى في باب : تعدد الخبر. ـ ـ والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٢) وفي التذييل والتكميل (١ / ٩٤) وهو فيهما بلا نسبة في الشرح والتحقيق ، وهو مما اكتشفت قائله ، وليس في معجم الشواهد.

(١) سورة يونس : ١٥.

(٢) هو خويلد بن خالد الهذلي ، وكنيته أبو ذؤيب : شاعر مجيد مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم وحسن إسلامه. أشهر قصائد أبي ذويب قصيدته التي يرثي فيها أولاده والتي منها الشاهد ، وشعره كله على نمط من الجودة وحسن السبك ، توفي بمصر وهو عائد مع عبد الله بن الزبير من غزوة في إفريقية وكانوا يحملون بشرى الفتح إلى عثمان بن عفان. انظر ترجمته في معجم الأدباء لياقوت (١١ / ٨٣). والشعر والشعراء (٢ / ٦٥٧).

(٣) البيت من بحر الطويل لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدته التي اشتهر بها في رثاء أولاده الخمسة الذين ماتوا في عام واحد نتيجة للطاعون الذي أصابهم في مصر ، وهي في ديوان الهذليين منسوبة لأبي ذؤيب ، (ص ٢). ويستشهد بالبيت على أن النفي بما لا يجعل المضارع للحال فقط ، بل يراد به الاستقبال كما هنا. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٣) والتذييل والتكميل (١ / ٩٤) ومعجم الشواهد (ص ٢٢٧).

(٤) هو عبد الله بن قيس بن جعدة ، وكنيته أبو ليلى وسمي النابغة لنبوغه في الشعر بعد انقطاعه عنه. جاهلي ثم أسلم ووفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنشده قصيدة طويلة في مدحه وكان النبي يدعو له كل عدة أبيات منها. ولما قال النابغة :

بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال له الرسول : «إلى أين يا أبا ليلى» فقال : إلى الجنة يا رسول الله ، قال له الرسول : «نعم إن شاء الله».

عمر طويلا جدّا ولقي عمر بن الخطاب وخرج مع علي بن أبي طالب إلى صفين ولقى معاوية وأنشده معاتبا. ثم دخل على ابن الزبير المسجد الحرام ومدحه ثم دخل بيته ولزمه حتى مات وعمر طويلا.

وغالب شعره في الوصف والفخر والهجاء ، انظر ترجمته في الشعر والشعراء : (١ / ٢٩٥).

(٥) البيت من بحر الطويل ، نسبته بعض مراجعه إلى الأعشى (معجم الشواهد : ص ٩٣) ، وهو كذلك في ديوان الأعشى (ص ٤٦). وفي سيرة النبي لابن هشام (١ / ٤١٢) أنه من قصيدة للأعشى يمدح بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أنه لم ينشدها أمامه.

اللغة : النافلات : العطايا ويروى نائلات وصدقات وكل بمعنى واحد. ما يغب نوالها : ما يتأخر. والشاهد فيه : كما في البيت السابق ، واستشهد به ابن هشام (المغني ١ / ٢٩٣) على أن ليس تدل على نفي الحال ، وتنفي غيره بالقرينة كما في هذا البيت. وانظر البيت في شرح التسهيل (١ / ٢٣) وفي

١٩٧

______________________________________________________

وقال رجل من طيئ :

٢٦ ـ فإنك إن يعروك من أنت محسب

ليزداد إلّا كان أظفر بالنّجح (١)

أي ما ينزل بك من أحسبته بالعطاء أي أعطيته عطاء كافيا ليزداد على الكفاية إلّا كان أظفر بالنجح ؛ فالمنفي هنا بأن مستقبل لا شكّ في استقباله. انتهى (٢).

وذكر الأبذي وغيره : أن هذه القرائن إنما تكون مخلصة للحال إن لم تكن ثمّ قرينة تخلّص للاستقبال. فعلى هذا لا ينهض استدلال المصنف (٣).

إلا أن لقائل أن يقول : قد وجدت قرينتان : إحداهما تخلص للحال والأخرى للاستقبال ؛ فلأي شيء رجحت قرينة الاستقبال وجعلت غالبة للقرينة الأخرى (٤).

وزاد الأبذي في القرائن المخلصة للحال : أن يعطف على الحال أو يعطف الحال عليه ، نحو : يقوم زيد الآن ويخرج ، ويقوم زيد ويخرج الآن.

والمصنف استغنى عن ذكر ذلك ؛ لأنه يشترط في عطف الفعل على الفعل اتفاقهما في الزمان فالمعطوف والمعطوف عليه متفقان (٥).

وزاد أيضا (٦) : أن يقع في موضع نصب على الحال ، نحو : جاء زيد يضحك ، وهو واضح ؛ فلهذا لم يتعرض إليه المصنف. ـ

__________________

التذييل والتكميل (١ / ٩٤) وفي معجم الشواهد (ص ٩٣).

(١) البيت من بحر الطويل. لم تذكر المراجع التي اطلعت عليها قائلا له. ومعناه واضح من الشرح.

ويستشهد به على أن نفي المضارع بإن لا يوجب تخليصه للحال ؛ بل يجوز أن يكون مستقبلا.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٣) والتذييل والتكميل (١ / ٩٤) وليس في معجم الشواهد.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٣).

(٣) أي بالآيات القرآنية وأبيات الشعر السابقة التي يستدل بالجميع على أن النفي بليس وما وإن تخلص المضارع للاستقبال.

(٤) يقال في مثل هذا : إذا تعارضت القرينتان سقطتا ؛ فإذا اقترن المضارع بما يخلصه للحال ثم عمل في ظرف مستقبل وجب أن يرجع إلى ما يدل عليه حقيقة وهو الحال والاستقبال معا.

(٥) قال ابن مالك في باب المعطوف عطف النسق ، من شرحه على التسهيل :

«ويجوز عطف الفعل الماضي على المضارع والمضارع على الماضي إذا كان زمانهما واحدا ، نحو : (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان : ١٠] ، و (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤]. انظر شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٣٨٣) (باب المعطوف عطف النسق).

(٦) فاعل زاد ضمير الأبذي.

١٩٨

[الأمور التي تخلص المضارع للاستقبال]

قال ابن مالك : (ويتخلّص للاستقبال بظرف مستقبل وبإسناد إلى متوقّع ، وباقتضائه طلبا أو وعدا ، وبمصاحبة ناصب أو أداة ترجّ أو إشفاق أو مجازاة أو لو المصدريّة أو نون التّوكيد (١) أو حرف تنفيس وهو السّين أو سوف أو سف أو سو أو سي).

______________________________________________________

[١ / ٤١] قال الشيخ : «أهمل المصنف ما يعين المضارع للحال وهو الإنشاء نحو : أقسم لأضربنّ عمرا» انتهى (٢). وهذا ليس بشيء لأنه قد علمت مما تقدم أنه لا يجوز إيراد ذلك في هذا الباب ؛ إذ ليس الكلام هنا في نقل صيغ الفعل من معنى إلى معنى ؛ إنما الكلام في تغيير الزمان مع بقاء معنى الصيغة. وإذا أريد بالفعل الموضوع للخبر معنى الإنشاء فقد نقلت الصيغة عن معناها إلى معنى آخر.

قال ناظر الجيش : لما أنهى الكلام عن القرائن التي تعينه للحال شرع في ذكر القرائن التي تخلصه للاستقبال ، وهي أمور منها :

الظرف المستقبل : وإطلاق هذه العبارة تشمل صورتين :

إحداهما : أن يكون الفعل عاملا في الظرف المذكور نحو : أقوم إذا قام زيد.

الثانية : أن يكون الظرف مضافا إلى الفعل نحو : القتال إذا يجيء العدو ، ومثل المصنف (٣) بما يشمل الصورتين وهو : أزورك إذا تزورني.

فأزورك : عامل في ظرف مستقبل مضاف إلى تزورني وتخلصا به للاستقبال.

ومنها : إسناده إلى متوقع :

كقول الشاعر :

٢٧ ـ يهولك أن تموت وأنت ملغ

لما فيه النّجاة من العذاب (٤)

__________________

(١) في نسخة التسهيل المحققة : أو نون توكيد.

(٢) انظر التذييل والتكميل (١ / ٩٥).

(٣) انظر شرح التسهيل (١ / ٢٤).

(٤) البيت من بحر الوافر لقائل مجهول. والاستشهاد بالبيت على أن إسناد المضارع إلى متوقع (يهولك أن تموت) من القرائن التي تخلصه للاستقبال.

وانظر البيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٤) ، والتذييل والتكميل (١ / ٩٦) ، ومعجم الشواهد (ص ٩٣).

١٩٩

______________________________________________________

ومنها : اقتضاؤه طلبا : نحو : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ)(١).

هكذا قال المصنف. وقد علمت أن صيغة الفعل في مثل هذا خرجت عن معناها الموضوعة هي له وهو الخبر إلى معنى آخر وهو الطلب ، وإذا كان كذلك فليس هذا موضع إيراد هذا الحكم.

ومنها : اقتضاؤه وعدا : نحو قوله تعالى : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ)(٢).

ومنها : مصاحبة ناصب أو ما بعده من الأمور التي ذكرها : والناصب : أن ، ولن ، وإذن ، وكي ، وسواء كان الناصب ظاهرا نحو قوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٣) أم مقدرا نحو قوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ)(٤).

وأما أداة الترجي : فمثالها قوله تعالى : (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)(٥).

وقال الشاعر :

٢٨ ـ فقلت أعيروني القدوم لعلّني

أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد (٦)

وأما أداة الإشفاق فمثالها قول الشاعر :

٢٩ ـ فأمّا كيّس فنجا ولكن

عسى يغترّ بي حمق لئيم (٧)

ولا فرق بين الرجاء والإشفاق في اللفظ بل في المعنى ؛ لأن الرجاء محبوب ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٢) سورة العنكبوت : ٢١.

(٣) سورة البقرة : ١٨٤. وسقط من الأصل كلمة قوله تعالى.

(٤) سورة النساء : ٢٦ وأولها : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.)

(٥) سورة يوسف : ٤٦.

(٦) البيت من بحر الطويل ، ورد في مراجع كثيرة بلا نسبة. ويستشهد به على تخليص المضارع للاستقبال بدخول أداة الترجي عليه.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٤) والتذييل والتكميل (١ / ٩٧) ، ومعجم الشواهد (ص ١١٥).

(٧) البيت من بحر الوافر ، وهو من الخمسين المجهولة في كتاب سيبويه ، ونسبه محقق شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٥) إلى هدبة بن خشرم العذري ونسبه صاحب معجم الشواهد (ص ٣٥٣) إلى المرّار بن سعيد الأسدي وهو في التذييل والتكميل بلا نسبة (١ / ٩٧).

وقد اختلف الاستشهاد به : فسيبويه على إسقاط أن في خبر عسى (الكتاب ٣ / ١٥٩) وابن جني على أن حمق بمعنى الأحمق (المحتسب : ١ / ١١٩) وشراح التسهيل على أن المضارع يتخلص للاستقبال بعد أدوات الترجي والإشفاق.

٢٠٠