شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

______________________________________________________

قلت : إذا كان لجبات وربعات إنما هما جمعان لمتحرك العين فكان الأولى أن يقول المصنف : واستغني في لجبات وربعات بجمع المتحرك العين عن جمع الساكنها ؛ فإن عبارته في المتن تقتضي أنهما جمعان للساكن العين. وإن العلة فيه تحريك عينهما في لغة أخرى وليس الأمر كذلك.

واختار قطرب فعلات في فعلة صفة كضخمة وضخمات قياسا على ما ليس صفة. ويعضد قوله ما روى أبو حاتم (١) من قول بعض العرب كهلة وكهلات بالفتح ، والسكون أشهر وأعرف (٢).

[١ / ١١٥] وأجاز أبو العباس المبرد أن يقال في جمع لجبة لجبات بالسكون (٣).

والتزم غير هذيل في نحو جوزة وبيضة سكون العين فسووا في ذلك بين الأسماء والصفات ؛ وأما هذيل فسلكوا بهذا النوع سبيل ما صحت عينه ، فقالوا : جوزات وبيضات ، كما قال جميع العرب : ثمرات وجفنات ، وقالوا في الصفات : جونات وعبلات بالسكون ، كما قال الجميع : ضخمات وصعبات.

وأما عيرات في جمع عير ، وهي الإبل التي عليها الأحمال ، فجائز عند جميع العرب ، مع شذوذه عن القياس ؛ لأنه مؤنث مكسور الفاء ، فلم يكن في تحريك يائه بفتحة بعد الكسرة ما في بيضات بتحريك الياء ؛ لأن تحريك الياء بعد فتحة يوجب إبدالها ألفا ؛ فتحريكها إذا كان أصلها السكون بعد فتحة تعريض لها إلى الإبدال ـ

__________________

ـ الضرب من الصفة. قال الفراء : إنّما حركوا ربعات ؛ لأنه جاء نعتا للمؤنث والمذكّر فكأنه اسم نعت به».

(١) هو سهل بن محمد ، أبو حاتم السجستاني البصري ، كان إماما في غريب القرآن واللغة والشعر ، أخذ عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي وأبي عبيدة وقرأ كتاب سيبويه مرتين على الأخفش ، وأخذ عنه المبرد وابن دريد وغيرهما. توفي سنة (٢٥٥ ه‍).

مصنفاته : إعراب القرآن ، كتاب في القراءات ، ما تلحن فيه العامة ، وغير ذلك.

انظر ترجمته في : معجم الأدباء (١١ / ٢٦٣).

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٥٤). وشرح الأشموني (٤ / ١١٧).

وإنما حركوا في الاسم دون الصفة ؛ لأن الاسم أخف من الصفة فاحتمل الثقل والصفة ثقيلة ، فوجب لها الخفة بالسكون ، وبذلك يتعادلان.

(٣) في المقتضب (٢ / ١٩١) قال المبرد : «وأما قولهم شاة لجبة وشاء لجبات فزعم سيبويه أنّهم يقولون لجبة ولجبة وإنما قالوا لجبات على قولهم لجبة. وقال قوم : بل حرّك ؛ لأنه لا يلتبس بالمذكر ؛ لأنه لا يكون إلّا في الإناث. ولو أسكنه مسكّن على أنّه صفة كان مصيبا».

٤٠١

[تثنية محذوف اللام وحكمه]

قال ابن مالك : (فصل : يتمّ في التّثنية من المحذوف اللّام ما يتمّ في الإضافة لا غير ، وربّما قيل : أبان وأخان ويديان ودميان ودموان وفميان وفموان. وقالوا في ذات : ذاتا على اللّفظ وذواتا على الأصل).

______________________________________________________

أو إلغاء سبب الإعلال.

إلا أن هذيلا لم تكترث بذلك لعروضه ، ومنه قول بعضهم :

١٥١ ـ أخو بيضات رائح متأوّب

رفيق بمسح المنكبين سبوح (١)

قال ناظر الجيش : المحذوف اللام يتناول المنقوص العرفي المنون إذا كان مرفوعا أو مجرورا (٢) والأسماء الستة ، واسما ، واستا ، ويدا ، ودما ، وفما ، وحرا ، وغدا ، وظبة ، وشية ، ونحو ذلك.

وأحال المصنف الحكم في رد المحذوف في تثنية هذه الأسماء وعدمه على الحكم حال إضافة هذه الأسماء ؛ فما رد في الإضافة رد في التثنية ، وما لا فلا.

والذي يتم منها في الإضافة أي يرد محذوفه المنقوص العرفي. وكذا أب وأخ وحم في أكثر الكلام ، وهن في لغة بعض العرب ؛ فيرد ذلك في التثنية أيضا. وبقية الأسماء لا يرد محذوفها في الإضافة ، فلا يرد في التثنية ؛ فيقال : اسمان واستان وحران وغدان وظبتان وشيتان.

وقد تقدم أن في الأب والأخ والحم لغة النقص حال الإضافة ؛ فعلى تلك اللغة ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، وقد نسب لأحد الهذليين كما في مراجعه. وقد بحثت عنه في ديوانهم الكبير فلم أجده ، وكذلك لم يجده صاحب معجم الشواهد.

والبيت في وصف ذكر النعام.

اللغة : أخو بيضات : أي له بيض أو أفراخ وذلك ادعي لشدة سرعته. رائح : الذي يسير ليلا. المتأوب : الذي يسير نهارا. رفيق بمسح المنكبين : أي يتحرك يمينا وشمالا. سبوح : حسن الجري.

وشاهده واضح من الشرح.

وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٨٤) وفي شرح التسهيل (١ / ١٠٤) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٥٨).

واللسان (بيض). وقال ابن جني فيه كلاما كثيرا في المحتسب (١ / ٥٨).

(٢) إنما حده بذلك لأنه في حالة النصب ترد لامه مطلقا أضيف أم لم يضف ؛ لخفة الفتحة عليها فيقال : رأيت قاضيا وداعيا.

٤٠٢

______________________________________________________

لا يرد المحذوف في التثنية ، فيقال : أبان وأخان وحمان.

ومنه قول رجل من طيئ :

١٥٢ ـ إذا كنت تهوى الحمد والمجد مولعا

بأفعال ذي غيّ فلست براشد

ولست وإن أعيا أباك مجادة

إذا لم ترم ما أسلفاه بماجد (١)

أي أبان لك (٢).

وتقدم أيضا أن في يد ودم وحم لغة القصر ؛ فعلى هذا تقلب الألف في التثنية ؛ لكنها في يدا أصلها الياء ، فيرد إليها ، وفي دما وفما يحتمل أن يكون من ياء ، وأن يكون من واو [١ / ١١٦] فلهذا يقال في تثنيتها : يديان ودميان ودموان وفميان وفموان (٣).

والمشهور في تثنية ذات ذواتا بالرد إلى الأصل (٤) ، قال الله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ)(٥) ، (ذَواتَيْ أُكُلٍ)(٦) ؛ فالألف التي قبل التاء هي لام الكلمة المنقلبة عن الياء ، وقد ثني على لفظه بالنقص ، فقيل ذايا ؛ يعني أنه لم يرد المحذوف الذي هو لام الكلمة ، والألف الموجودة منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة وهي التي ـ

__________________

(١) البيتان من بحر الطويل ونسبا لرجل من طيّئ ـ كما في الشرح ـ وتلك أقصى نسبة لهما.

اللغة : مجادة : المجد. ما أسلفاه : ما قدماه. بماجد : بفعل عظيم.

والمعنى : أن من يريد المجد والحمد يجب أن يسلك طريقهما بالعمل والجد.

الإعراب : مجادة : فاعل أعيا. أباك : مفعوله وأصله أبواك فثني على لغة النقص ؛ وهو موضع الشاهد.

بماجد : خبر ليس في أول البيت.

والبيتان في التذييل والتكميل (٢ / ٦١) وفي شرح التسهيل (١ / ١٠٤) وليسا في معجم الشواهد.

(٢) خرجه أبو حيان : (٢ / ٦٢) : فقال : «ويحتمل أن يكون أباك مفردا ويكون مقصورا ؛ إذ في الأب لغة القصر ، ويكون الضمير في أسلفاه عائدا على الأب والأم ، وتكون الأمّ معطوفا على الأب وحذف لدلالة المعنى عليه».

(٣) انظر في الفم عشر لغات في باب إعراب الصحيح الآخر من تحقيقنا. وانظر في اللسان (٢ / ١٤٢٩) الحديث عن دم حيث جاء فيه : «وتثنيته : دمان ودميان وأما الدموان فشاذ».

(٤) جاء في هذا التحقيق : «وأما ذات فقيل في جمعها ذوات كقناة وقنوات ؛ لأن تاء ذات وجب لها من الحذف ما وجب لتاء قناة فباشرت الألف المبدلة من العين ألف الجمع ؛ فاستحقت الفتح والرد إلى الأصل».

(٥) سورة الرحمن : ٤٨.

(٦) سورة سبأ : ١٦.

٤٠٣

[تثنية اسم الجمع وجمع التكسير]

قال ابن مالك : (ويثنّى اسم الجمع والمكسّر بغير زنة منتهاه).

______________________________________________________

قدر الإعراب فيها في ذو (١) وتحركت في تثنيته ، فقالوا : ذوا مال.

ومن مجيء ذاتا قول الراجز :

١٥٣ ـ يا دار سلمى بين ذاتي العوج (٢)

قال ناظر الجيش : قال المصنف : «مقتضى الدليل ألا يثنى ما دل على جمع ؛ لأن الجمع يتضمن التثنية ، إلا أن الحاجة داعية إلى عطف جمع على جمع ، كما كانت داعية إلى عطف واحد على واحد ؛ فإذا اتفق لفظا جمعين مقصود عطف أحدهما على الآخر ، استغني فيهما بالتثنية عن العطف ، كما استغني بها عن عطف الواحد على الواحد ما لم يمنع من ذلك عدم شبه الواحد ، كما منع في نحو مساجد ومصابيح.

وفي المثنى والمجموع على حده مانع آخر ، وهو استلزام تثنيتهما اجتماع إعرابين في كلمة واحدة ، ولأجل سلامة نحو مساجد ومصابيح من هذا المانع الآخر جاز أن يجمع جمع تصحيح ، كقولهم في أيامن أيامنون وفي صواحب صواحبات. وامتنع ذلك في المثنى والمجموع على حده. والمسوغ لتثنية الجمع مسوغ لتكسيره. والمانع من تثنيته مانع من تكسيره.

ولما كان شبه الواحد شرطا في صحة ذلك ، كان ما هو أشبه بالواحد أولى به ؛ فلهذا كان تثنية اسم الجمع أكثر من تثنية الجمع ، كقوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ)(٣) ، وكقوله تعالى : (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)(٤). ـ

__________________

(١) أي على مذهب سيبويه القائل بأن هذه الأسماء معربة بالحركات المقدرة على حروف العلة.

(٢) البيت من مشطور السريع أقصى نسبة له أنه لبعض بني سعدة (انظر اللسان : سهج).

وذاتي العوج : موضع. وشاهده واضح على هذه الرواية. وقد روي بإفراد ذات كما روي :

يا دار سلمى بين دارات العوج

وعليهما لا شاهد فيه. كما روى صاحب اللسان بعد البيت أبياتا أخرى.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٠٥) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٦٣).

(٣) سورة آل عمران : ١٣.

(٤) سورة آل عمران : ١٥٥.

٤٠٤

______________________________________________________

وكقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين» (١). انتهى (٢).

ولم يصرح المصنف بقياس في الحكم الذي ذكره. وصرح ابن عصفور بأنّ جمع التّكسير لا يثنّى إلّا في ضرورة أو نادر كلام (٣) وأنشد :

١٥٤ ـ لأصبح النّاس أوبادا ولم يجدوا

عند التّفرّق في الهيجا جمالين (٤)

وعلى هذا قال الشيخ : «ظاهر كلام المصنف قياس جواز تثنية اسم الجمع وجمع التكسير ما لم يكن لفظ الجمع الذي لا نظير له في الآحاد. وظاهر كلامه في الشرح أن هذا الجمع يجوز أن يجمع جمع تصحيح بالواو والنون فيمن يعقل من المذكر ، وبالألف والتاء في المؤنث ؛ وذلك مخالف لما عليه الناس من اقتياس ذلك. بل نصّوا على أن تثنية اسم الجمع وجمع التكسير مسموع لا مقيس ، وكذا جمع الجمع لا ينقاس سواء أجمع جمع تصحيح أم جمع تكسير لقلة أو كثرة» انتهى (٥) [١ / ١١٧]. ـ

__________________

(١) انظر الحديث في صحيح مسلم : (٨ / ١٢٥) من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ؛ ونصه : حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرّة وإلى هذه مرّة».

وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل : (٢ / ٨٢) ونصه أيضا : «مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين ؛ إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها ، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها». وهو بنص المخطوطة في مسند الإمام أيضا في : (٢ / ٨٨). والشاة العائرة : المترددة الحائرة لا تدري من تتبع. ومعنى تعير : تتردد وتذهب.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٠٥).

(٣) انظر المقرب في النحو لابن عصفور (ص ٤٣٨) وهو بنصه والمقرب ومعه مثل المقرب مطبوع (بيروت) بتحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض.

(٤) البيت من بحر البسيط قائله عمرو بن العداء الكلبي. وكان معاوية قد بعث إلى كلب ابن أخيه عمرو بن عقبة بن أبي سفيان ليجمع منهم الزكاة فجمعها عن آخرها ، واعتدى عليهم فقال عمرو بن العداء هذا الشعر وقبله :

سعى عقالا فلم يدرك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

اللغة : سعى عقالا وعقالين : عنى به صدقة عام وعامين. سبدا : شعرا ووبرا. أوباد : جمع وبد وهو شدة العيش وسوء الحال. الهيجا : الحرب. جمالين : تثنية جمال وهو موضع الشاهد ، وفيه جعل الجمال صنفين واحد لحمل الأثقال وآخر للركوب والحرب. والمعنى : تولى عمرو علينا سنة فظلمنا ونهب أموالنا ؛ فكيف حالنا لو تولى علينا سنتين لا شك أننا سنصير فقراء.

وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٤٠٢) وهو في التذييل والتكميل (١ / ٢٢٢).

(٥) انظر ذلك بنصه في : التذييل والتكميل (٢ / ٦٥).

٤٠٥

[الأوجه الجائزة في المضاف إلى المثنى]

قال ابن مالك : (ويختار في المضافين لفظا أو معنى إلى متضمّنيهما لفظ الإفراد على لفظ التّثنية ولفظ الجمع على لفظ الإفراد ، فإن فرّق متضمّناهما اختير الإفراد ، وربّما جمع المنفصلان إن أمن اللّبس ، ويقاس عليه وفاقا للفرّاء. ومطابقة ما لهذا الجمع لمعناه أو لفظه جائزة).

______________________________________________________

وقد علمت أن المصنف لم يصرح بقياس ولا غيره ؛ بل قوله (١) : مقتضى الدّليل ألّا يثنّى ... مشعر بعدم القياس فيه (٢).

قال ناظر الجيش : المراد من هذا الكلام : أنه إذا أضيف جزآن إلى ما يتضمنهما من مثنى المعنى وإن لم يكن مثنى اللفظ ، فإنه يجوز في لفظ المضافين المذكورين ثلاثة أوجه : الجمع ، والإفراد ، والتثنية. وسواء كانت الإضافة صريحة أو غير صريحة.

فقوله : في المضافين لفظا إشارة إلى الصريحة ؛ ومثال ذلك قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(٣). وقوله : أو معنى إشارة إلى غير الصريحة ، كقول الشاعر :

١٥٥ رأيت ابني البكريّ في حومة الوغى

كفاغري الأفواه عند عرين (٤)

__________________

(١) أي في أول شرحه لهذا الأمر ونصه : مقتضى الدليل ألا يثنى ما دل على جمع ؛ لأن الجمع يتضمن التثنية ... إلخ. انظر الشرح في الصفحة السابقة من هذا التحقيق.

(٢) الحق هو ما قاله وما فهمه ناظر الجيش من كلام ابن مالك وملخصه : أن المثنى والمجموع على حده لا يثنيان ؛ وأما جمع التكسير (غير صيغتي مفاعل ومفاعيل) وأسماء الجمع والجنس فإنه يجوز تثنية هذه الثلاثة ندورا وفي ضرورة الكلام كما سمع في القرآن والحديث والشعر السابق.

قال ابن يعيش : شرح المفصل (٤ / ١٥٣).

«القياس يأبى تثنية الجمع ؛ وذلك أن الغرض من الجمع الدّلالة على الكثرة والتثنية تدل على القلة ؛ فهما معنيان متدافعان ، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة ؛ وقد جاء شيء من ذلك عنهم على تأويل الإفراد ، قالوا : إبلان وغنمان وجمالان ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد وضموا إليه مثله فثنّوه».

(٣) سورة التحريم : ٤.

(٤) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه ، وهو في المدح وهو غاية في التشبيه والوصف الحسن ، حيث يصف الشاعر ممدوحيه في الحرب كأنهما أسدان مفترسان يدافعان عن عرينهما.

اللغة : حومة الوغى : شدة الحرب. كفاغري الأفواه : يقال : فغر فوه انفتح وفغرته فتحته يتعدى ولا يتعدى (المصباح المنير : ٢ / ٧٣٤). عرين : عرين الأسد بيته. والشاهد فيه واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ٤٠٠). وفي شرح التسهيل (١ / ١٠٦). والتذييل والتكميل (٢ / ٦٦).

٤٠٦

______________________________________________________

فإن الأفواه غير مضافة في اللفظ وهي في المعنى مضافة ، والتقدير : كفاغرين أفواههما يعني أسدين فاتحين أفواههما عند عرينهما ذابين عن أشبالهما.

وقوله : إلى متضمنيهما إعلام بأن المضافين جزآن مما أضيفا إليه.

وبقي شرط آخر (١) لم يذكره المصنف وهو : ألا يكون لكل من المضاف إليهما من المضاف إلا شيء واحد ؛ إذ لو كان أكثر لالتبس حال الجمع ؛ فإنه لو قيل قطعت آذان الزيدين يريد أذنيهما لم يجز لأجل اللبس.

فأما قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) فقد أجيب عنه بأن المراد أيمانهما. قالوا : وكذلك قرأ ابن مسعود (٣) رضي‌الله‌عنه (٤). والظاهر أن المصنف لا يشترط ذلك ؛ فإنه قال : ولما استقر التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع عند وجود الشرط المذكور صارت إرادة الجمع به متوقفة على دليل من خارج. ولذلك انعقد الإجماع على أن لا يقطع في السرقة إلا يد من السارق ويد من السارقة. فلو قصد قاصد الإخبار عن يدي كل واحد من رجلين ، لم يكتف بلفظ الجمع ، بل يضم إليه قرينة تزيل توهم غير مقصوده ، كقوله : قطعت أيديهما الأربع (٥). ـ

__________________

(١) الشرط الأول هو ما ذكره من كون المضاف جزءا من المضاف إليه ، كما سيمثل برأس شاتين ، فإن لم يكن جزءا كالثوب والدرهم فإن له حكما آخر سيأتي قريبا.

(٢) سورة المائدة : ٣٨. ووجه الاعتراض بهذه الآية على أنه لا يجمع المضاف إلى المثنى مما تضمنه إلا بشرط هو : ألا يكون لكل من المضاف إليهما من المضاف إلا شيء واحد ، وهنا لكل من السارق والسارقة يدان فكيف جمع؟

وأجيب بأن المراد قطع اليمين من كل واحد كما فصلته الشريعة بعد ذلك بالقول والفعل. وقد أشار المصنف إلى ذلك ، كما سيأتي ، وقد بينه الشارح أيضا.

(٣) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن ، صحابيّ جليل ومن أكابر الصحابة فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو من أهل مكة ومن السابقين في الإسلام وأول من جهر بقراءة القرآن في مكة. كان خادم رسول الله الأمين وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله ، وروى عنه عددا كبيرا من الأحاديث بلغت ٨٤٨ حديثا. وتعد قراءته من الشواذ. تولى بعد وفاة الرسول بيت مال الكوفة ، له خطب ومختارات في البيان والتبيين للجاحظ ، توفي في خلافة عثمان سنة ٣٢ ه‍.

انظر ترجمته في : الأعلام للزركلي (٤ / ٢٨٠).

(٤) انظر القراءة المذكورة في : معاني القرآن للفراء (١ / ٣٠٦) وشرح المفصل (٤ / ١٥٥) والهمع (١ / ١٧٣).

(٥) انظر نص ذلك في شرح التسهيل لابن مالك : (١ / ١١٧).

٤٠٧

______________________________________________________

وأشار المصنف إلى أن لفظ الإفراد مختار على لفظ التثنية ، ولفظ الجمع مختار على لفظ الإفراد. فعلم منه أن لفظ الجمع مختار أولا ثم يليه لفظ الإفراد ، ثم يليه لفظ التثنية ؛ قال المصنف : وذلك أنهم استثقلوا تثنيتين في شيئين هما كشيء واحد لفظا ومعنى ؛ فعدلوا إلى غير لفظ التثنية ، فكان الجمع أولى ؛ لأنه شريكهما في الضم وفي مجاوزة الإفراد ، وكان الإفراد أولى من التثنية ؛ لأنه أخف منها والمراد به حاصل ؛ إذ لا يذهب وهم في نحو : أكلت رأس شاتين إلى أن معنى الإفراد مقصود ، ولكن لفظ الجمع جاء في الكتاب العزيز نحو : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(١) ، و (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢).

وفي قراءة ابن مسعود : (فاقطعوا أيمانهما) (٣) ، وفي الحديث : «إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه» (٤). وجاء لفظ الإفراد أيضا في الكلام الفصيح دون ضرورة ، ومنه الحديث في وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما» (٥).

ولم يجئ لفظ التثنية إلا في شعر ، كقوله :

١٥٦ ـ فتخالسا نفسيهما بنوافذ

كنوافذ العبط التي لا ترقع (٦)

__________________

(١) سورة التحريم : ٤.

(٢) سورة المائدة : ٣٨.

(٣) انظر تخريج القراءة المذكورة قريبا.

(٤) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٣ / ٥ ، ٦) وهو أيضا في الموطأ للإمام مالك بن أنس (ص ٥٧) (كتاب اللباس) وهو بنصه في سنن ابن ماجه : (٢ / ١١٨٣) وهو كذلك في كتاب : النهاية في غريب الحديث والأثر (١ / ٤٤) الإزرة : الحالة وهيئة الائتزار مثل الركبة والجلسة.

(٥) نص الحديث في سنن ابن ماجه في كتاب الطهارة : باب ما جاء في مسح الأذنين : (١ / ١٥١) وهو كذلك في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٦ / ٣٥٨).

(٦) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب الهذلي ، سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف شجاعين يتبارزان كل واحد منهما يريد أن يصرع الآخر.

اللغة : فتخالسا : أي كل واحد طلب اختلاس نفس صاحبه بطعنات نافذة.

العبط : جمع عبيط والعبط : شق الجلد الصحيح ، وقال : لا ترقع ؛ تعظيما لشأن الطعنة وأنه لا يرتجى شفاؤها.

والبيت وشرحه في ديوان الهذليين (ص ٢٠) والشاهد في البيت قوله : نفسيهما ، حيث ثنى المضاف إلى ما يتضمنه المثنى والأصل فيه الإفراد ثم الجمع.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٢٧) وهو في شرح التسهيل (١ / ١٠٧) وفي التذييل (٢ / ٦٩).

٤٠٨

______________________________________________________

[١ / ١١٨] أو في كلام (١) نادر كقول سيبويه (٢) : وزعم يونس أنهم يقولون ضربت رأسيهما وزعم أنه سمع ذلك من رؤبة. انتهى.

وجعل ابن الضائع وابن عصفور التثنية مقدمة على الإفراد ، وقالا :

إن الإفراد أيضا لم يأت إلا في ضرورة أو نادر كلام (٣) ، كقول الشاعر :

١٥٧ ـ كأنّه وجه تركيّين قد غضبا

مستهدف لطعان غير تذبيب (٤)

والظاهر ما اختاره المصنف من تقديم الإفراد على التثنية ، ومنه قراءة من قرأ (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما)(٥). ـ

__________________

(١) قوله : أو في كلام نادر ... إلخ ليس في شرح ابن مالك في النسخة المحققة التي بين أيدينا وإنما آخر الشرح هو بيت أبي ذؤيب. ولعل ناظر الجيش وأبا حيان نقلا من نسخة فيها بقية الكلام بدليل قولهم معا : انتهى. وانظر التذييل والتكميل.

(٢) انظر : الكتاب (٣ / ٦٢٢) قال : وزعم يونس أنهم يقولون ضربت رأسيهما ، وزعم أنه سمع ذلك من رؤبة ؛ أجروه على القياس ، قال هميان بن قحافة (من السريع) :

ظهراهما مثل ظهور التّرسين

وقال الفرزدق (من الطويل) :

هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النّابح العاوي أشدّ رجام

وقال أيضا (من الطويل) :

بما في فؤادينا من الشّوق والهوى

فيجبر منهاض الفؤاد المشعّف

(٣) انظر شرح الجمل لابن عصفور المحقق (١ / ٤١٢) ، (٣ / ٢٥) تحقيق الشغار ومراجعة إميل يعقوب ، والتذييل والتكميل (١ / ٣٥٨) وكذلك شرح الجمل لابن الضائع المخطوط ، يقول ابن الضائع في شرحه : «إنّ التعبير بالجمع عن التثنية أولى من المفرد لصحّة حقيقة الجمع في التّثنية فلذلك اطّرد ـ وكثر لفظ الجمع وقل لفظ المفرد فلم يأت إلا في ضرورة أو نادر كلام». وأنشد البيت المذكور : كأنه وجه تركيين ... إلخ.

(انظر شرح الجمل لابن الضائع مخطوط رقم ٢٠ نحو ج ٢ ورقة ٢٦٠ أ). وانظر هذا القول في التذييل والتكميل (٢ / ٦٩).

(٤) البيت من بحر البسيط وهو للفرزدق في هجاء أم جرير أو زوجته ، وهو من أفحش الهجاء. والبيت ليس في ديوان الفرزدق الطبعة الحديثة (بيروت) وهو في الطبعة المصرية القديمة (ص ٣٧١) من مقطوعة طويلة على قافية الراء. والمقطوعة في الهجاء الفاحش حيث يصف الفرزدق عضو التناسل في المرأة.

وقد روي الشطر الثاني في بيت الشاهد هكذا : مستهدف لطعان غير منحجر.

وشاهده : قوله : وجه تركيين ، حيث أفرد الشاعر المضاف إلى ما يتضمنه المثنى وهو نادر.

والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٣٥٨) وفي معجم الشواهد (ص ٦٣ ، ١٦٩).

(٥) هي قراءة الحسن البصري وهي بعض آية من سورة طه رقم : ١٢١ ، وأولها : (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ)

٤٠٩

______________________________________________________

وزعم بعض المتأخرين أنه لم يؤت بلفظ التثنية إلا مع الإضافة إلى ضميرها ، وسببه أن ضمير التثنية اسم مفرد في اللفظ ، فكأنه لم يضف إلى مثنى ؛ وهذا مما يقوي اختيار المصنف.

وإذا فرق المضاف إليه كان الإفراد مختارا وإليه أشار بقوله : فإن فرق متضمناهما وذلك كقوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(١) وفي حديث زيد بن ثابت (٢) رضي‌الله‌عنه : «حتّى شرح الله صدري لما شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما» (٣).

قال المصنف : «ولو جيء في مثل هذا بلفظ الجمع أو لفظ التثنية لم يمتنع» (٤).

وفي كلام الشيخ ما يقتضي أن التثنية في مثل هذا مقدمة على الإفراد وعلى الجمع ، وأنها هي القياس ، وأنه يقتصر في الجمع والإفراد على مورد السماع.

قال : «وأما قوله تعالى : (عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فيحتمل أن يراد باللسان هنا الرسالة أو الكلام لا الجارحة. فلا يكون جزءا من المضاف إليهما ، فلا يتم دليل المصنف» انتهى (٥).

ولا يخفى ما في هذا التخريج من التكلف مع البعد. ـ

__________________

(لَهُما سَوْآتُهُما) وانظر القراءة في : المحتسب لابن جني (١ / ٢٤٣) وإعراب القرآن للنحاس (١ / ١١٩) والبحر المحيط (٤ / ٢٧٩) والهمع (١ / ٥١) والتذييل والتكميل (٢ / ٦٩).

(١) سورة المائدة : ٧٨.

(٢) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي أبو خارجة ، من أكابر الصحابة ، كان كاتب الوحي ، ولد بالمدينة سنة (١١ ه‍) ونشأ بمكة وقتل أبوه وهو ابن ست سنين ، وهاجر مع النبي عليه‌السلام.

كان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض ، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنصار ، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر ثم لعثمان حين جهز المصاحف إلى الأمصار.

ولما توفي قال فيه أبو هريرة : اليوم مات حبر هذه الأمة ، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس خلفا له.

روى ٩٢ حديثا وتوفي سنة (٤٥ ه‍) (الأعلام : ٣ / ٩٥).

(٣) الحديث في صحيح البخاري : (٦ / ٢٢٥) في باب جمع القرآن وفي : (٩ / ٧٤) في كتاب الأحكام. والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل : (٥ / ١٨٨).

(٤) انظر نصه في : شرح التسهيل (١ / ١٠٧).

(٥) انظر نصه في : التذييل والتكميل (٢ / ٧٥).

٤١٠

______________________________________________________

وإن لم يكن المضافان جزأي المضاف إليه (١) لم يعدل عن لفظ التثنية ، نحو : قبضت درهميكما ؛ لأن العدول في مثل هذا عن لفظ التثنية إلى لفظ الجمع يوقع في اللبس ؛ فإن أمن اللبس جاز العدول إلى الجمع سماعا عند غير الفراء وقياسا عنده (٢).

قال المصنف : «ورأيه في هذا أصح لكونه مأمون اللبس مع كثرة وروده في الكلام الفصيح كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما : «ما أخرجكما من بيوتكما» (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعليّ وفاطمة رضي‌الله‌عنهما : «إذا أويتما إلى مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين ..» الحديث (٤) وفي حديث آخر : «فلانة وفلانة تسألانك عن إنفاقهما على أزواجهما : ألهما فيه أجر؟» (٥).

وفي حديث علي وحمزة رضي‌الله‌عنهما : «فضرباه بأسيافهما» (٦) وأمثال ذلك كثيرة (٧).

ومثال مطابقة ما لهذا الجمع لمعناه دون لفظه (٨) قول الشاعر :

١٥٨ ـ قلوبكما يغشاهما الأمن عادة

إذا منكما الأبطال يغشاهما الذّعر (٩)

__________________

(١) هو نظير ما ذكره أول كلامه من كون المضافين جزأي المضاف إليه.

(٢) انظر في تحقيق رأي الفراء : التذييل والتكميل (٢ / ٧٦) وشرح التسهيل (١ / ١٠٧).

(٣) الحديث في صحيح مسلم : (٦ / ١١٧) في كتاب الأشربة في باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك واستحباب الاجتماع على الطعام.

(٤) الحديث في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار من صحيح مسلم : (٨ / ٨٤) باب التسبيح أول النهار وعند النوم ، ونصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل : (١ / ٩٦ ، ١٠٧ ، ١٣٦ ، ١٤٦).

(٥) الحديث في صحيح مسلم : (٣ / ٨٠) في كتاب الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين.

(٦) الحديث في صحيح مسلم (٥ / ١٤٩) في كتاب الجهاد باب استحقاق القاتل سلب القتيل ؛ وأصله بعد مقدمة طويلة ... فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتّى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه فقال : أيكما قتله؟ فقال كلّ واحد منهما : أنا قتلت ، فقال : هل مسحتما سيفيكما؟ قالا : لا فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله.

(٧) انظر : شرح التسهيل.

(٨) معناه : إذا عاد ضمير من كلام تال على هذا الاسم المضاف المجموع والمقصود به المثنى أو أخبر عنه أو وصف ، هل يراعى اللفظ فيعود الضمير جمعا أو يراعى المعنى فيعود مثنى. ثم ذكر أنه يجوز مراعاة هذا وذاك.

(٩) البيت من بحر الطويل لم يذكر صاحب معجم الشواهد (ص ١٥٢) مرجعا له إلا حاشية التصريح (٢ / ١٢٢) وهو أيضا في شرح التسهيل وفي التذييل والتكميل والبيت في المدح بالشجاعة والجرأة ولم ينسب فيما ذكر من مراجع.

٤١١

______________________________________________________

وقول الآخر :

١٥٩ ـ وساقان كعباهما أصمعان

أعاليهما لكّتا بالدّيم (١)

وقول الآخر :

١٦٠ ـ رأوا جبلا هد الجبال إذا التقت

رءوس كبيريهنّ ينتطحان (٢)

ومثال مطابقة ما لهذا الجمع للفظه دون معناه قول الشاعر :

١٦١ ـ خليليّ لا تهلك نفوسكما أسى

فإنّ لها فيما به دهيت أسا (٣)

__________________

(١) البيت من بحر المتقارب وهو بهذه الرواية غير منسوب لشاعر في شروح التسهيل إلا أن الشطرة الأولى وجدتها في ديوان امرئ القيس من قصيدة يصف فيها ناقته والبيت كله هكذا :

وساقان كعباهما أصمعا

ن لحم حماتيهما منبتر

وعلى ذلك فلا شاهد فيه.

اللغة : أصمعان : ضامران صغيران. لكتا بالديم : اكتنزتا باللحم ، والحماة في بيت امرئ القيس عضلة الساق ومعنى منبتر أي ممتلئ.

والشاهد فيه كما في البيت السابق حيث أعاد الضمير مثنى إلى المضاف وهو جمع ، ورد الاستشهاد به أبو حيان قائلا : ليس فيه دليل لاحتمال أن يكون أعاليهما مرفوعا بأصمعان وثني على لغة أكلوني البراغيث ويكون الضمير في لكتا عائد على ساقان أو على كعباهما لا على أعاليهما.

والبيت في شرح التسهيل ، وفي التذييل والتكميل.

(٢) البيت من بحر الطويل ولم ينسب في معجم الشواهد (ص ٣٩٩) وقد وجدته في ديوان الفرزدق من قصيدة طويلة كلها في الفخر إلا عشرة أبيات في وصف ذئب لقيه فصاحبه. وانظر القصيدة في الديوان : (٢ / ٣٣١). وبيت الشاهد من أبيات الفخر وهو فيه يتحدث عن جد من أجداده.

وسيأتي منها شاهد آخر في باب الموصول. والشاهد فيه كالذي قبله. ورده أبو حيان وقال : يجوز أن يكون ينتطحان حالا من كبيريهنّ لا من رؤوس. والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٠٩) ، والتذييل والتكميل (٢ / ٧٨).

(٣) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع ، والشاعر فيه يأمر صاحبيه بالصبر على مكايد الزمان ؛ فإن الناس كلها تصاب بهذه المكايد.

اللغة : أسى : حزنا. دهيت : أصيبت. أسا : بضم الهمزة وكسرها جمع أسوة بضم الهمزة وكسرها أيضا وهو ما يأتسي به الحزين. القاموس : (أسى). وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت فى شرح التسهيل : (١ / ١٠٨) وفي التذييل والتكميل : (٢ / ٧٩). وهو في معجم الشواهد (ص ١٩٥).

٤١٢

[الأوجه الجائزة في مثل : عيناه حسنتان]

قال ابن مالك : (ويعاقب الإفراد التّثنية في كلّ اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. وربّما تعاقبا مطلقا ، وقد يقع افعلا ونحوه موقع افعل ونحوه).

______________________________________________________

[١ / ١١٩] فقال : لها ودهيت فراعى اللفظ ؛ ولو راعى المعنى لقال : لهما ودهيتا.

قال ناظر الجيش : المراد بالمعاقبة : وقوع المفرد موقع المثنى وعكس ذلك. والمراد بالاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر : كل اثنين لا بد لأحدهما من الآخر سواء كانا جزأين لشيء أم لم يكونا ـ ثم المعاقبة قد تكون في المسند إليه ، وقد تكون في المسند وقد تكون فيهما.

قال المصنف (١) : «المراد بكل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر : العينان والأذنان والخفّان والجوربان ونحو ذلك ، فيقال : عيناه حسنتان وعيناه حسنة ، وعينه حسنة وعينه حسنتان.

فالأول كثير ؛ لأنه الأصل ، ومنه قول الشاعر :

١٦٢ ـ وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (٢)

ومن الثاني (٣) قول امرئ القيس :

١٦٣ ـ لمن زحلوقة زلّ

بها العينان تنهلّ (٤)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٠٩) وهو بنصه.

(٢) البيت من بحر الطويل من رائية طويلة لذي الرمة أكثرها في الغزل ومطلعها :

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

وما زال منهلّا بجرعائك القطر

وسيأتي هذا المطلع شاهدا آخر في باب كان. وقبل بيت الشاهد قوله :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رقيق الحواشي لا هراء ولا نزر

وانظر القصيدة في ديوان ذي الرمة (ص ٢١٣). اللغة : لا هراء ولا نزر : أي كلامها لا كثير ولا قليل.

كونا : أي كونا حسنتين. الألباب : العقول. ما تفعل الخمر : أي من السحر والسكر.

وشاهده واضح ؛ حيث أخبر عن العينين بالمثنى وهو الكثير. والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٧١) وفي شرح التسهيل (١ / ١٠٩). والتذييل والتكميل (٢ / ٨٥).

(٣) أي المسند إليه مثنى والمسند مفرد.

(٤) البيت من بحر الهزج وهو لامرئ القيس في ملحق بالشعر المنسوب إليه. قال المحقق : مما لم يرد في أصول الديوان المخطوطة ، وانظر الشاهد في ديوان امرئ القيس (ص ٤٧١).

٤١٣

______________________________________________________

وقول الآخر :

١٦٤ ـ وكأنّ في العينين حبّ قرنفل

أو سنبلا كحلت به فانهلّت (١)

ومن الثالث (٢) قول الشاعر :

١٦٥ ـ ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط

عليك بجاري دمعها لجمود (٣)

__________________

وبعد بيت الشاهد قوله :

ينادي الآخر الألّ

ألا حلّوا ألا حلّوا

اللغة : الزحلوقة : أرجوحة الصبيان. زل : أي ينزل بها من وقف على حافتها. الألّ : الأول. ألا حلوا : أي انزلوا.

المعنى : بيتان قالهما امرؤ القيس عند ما رأى ـ وهو مريض ـ قبرا يحفر له. فهو يشبه قبره الذي سيتدلى به بالزحلوقة التي يتدلى عليها الصبيان ؛ وليس ذلك فقط ، بل إن السابقين يدعون من بعدهم.

وشاهده قوله : بها العينان تنهل ، حيث أخبر عن الاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر بالمفرد ، والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٩٨) وفي شرح التسهيل (١ / ١٠٩) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٠).

(١) البيت من بحر الكامل من قصيدة لعمرو بن أرقم في الأصمعيات (ص ١٦١) وهي لسلمى بن ربيعة في شرح ديوان الحماسة : (٢ / ٥٤٦) والشاعر يعاتب امرأته ؛ لأنها فارقته استهانة به ، فهو يقول : إنه ألف البكاء لتباعدها.

والقرنفل والسنبل : نباتات طيبة الرائحة. انهلت : سالت. وشاهده كالذي قبله. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص ٧٥) وهو في شرح التسهيل (١ / ١٠٩) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٠).

وسلمى بن ربيعة شاعر جاهلي له شعر في ديوان الحماسة لأبي تمام ، كما أن من سلالته من تولى مناصب عالية في الإسلام. (انظر ترجمته في الأعلام : ٣ / ١٧٥).

(٢) أي المسند إليه والمسند مفردان.

(٣) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي عطاء السندي يرثي فيها يزيد بن عمر بن هبيرة ، وقد قتله المعتصم سنة ١٣٢ ه‍ وبعد بيت الشاهد قوله :

عشيّة قام النّائحات وشقّقت

جيوب بأيدي مأتم وخدود

انظر شرح ديوان الحماسة : (٢ / ٧٩٩). وشاهده واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص ١٠٣).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١١٠) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٢).

ترجمة أبي عطاء : هو أفلح بن يسار ، شاعر فحل قوي البديهة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، ولد بالكوفة لرجل من السند. كان يجمع بين اللثغة واللكنة فكان لا يفهم كلامه ؛ ولذلك أمر له سليمان ابن سليم بوصيف بربري فصيح فسماه عطاء وتكنى به ورواه شعره. شهد حرب بني أمية والعباسيين ، وهو القائل في مدح العباسيين وهجاء الأمويين :

إنّ الخيار من البرية هاشم

وبني أميّة أرذل الأشرار

توفي عقب أيام المنصور سنة (١٥٨ ه‍).

٤١٤

______________________________________________________

وقول الآخر :

١٦٦ ـ أظنّ انهمال الدّمع ليس بمنته

عن العين حتّى يضمحلّ سوادها (١)

ومن الرابع (٢) قول الشاعر :

١٦٧ ـ إذا ذكرت عيني الزّمان الّذي مضى

بصحراء فلج ظلّتا تكفان (٣)»

انتهى (٤).

وتقول : لبست نعلي وخفّي تريد نعليّ وخفّيّ.

قال الشيخ (٥) : «كلام المصنف يدل على أنّ هذا الذي ذكره من المعاقبة بين ـ

__________________

ترجمته في الشعر والشعراء (٢ / ٦٥٢) ، الأعلام (٣ / ٣٤٢) ، بروكلمان (١ / ٢٤٥).

(١) البيت من بحر الطويل ، قاله جرير من قصيدة يرثي بها قيس بن ضرار. انظر ديوان جرير (ص ٩١).

اللغة : انهمال العين : بكاؤها. يضمحل سوادها : يذهب ويتساقط ، وشاهده كالذي قبله.

والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١١٠).

ترجمة جرير : هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي من بني كليب بن يربوع من تميم ، أشعر أهل عصره ، ولد باليمامة سنة (٢٨ ه‍) وكان له ثمانية من الذكور فيهم الشعراء.

كان جرير من فحول شعراء الإسلام ، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم ، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. والعجيب أنه لما مات الفرزدق حزن جرير عليه ورثاه :

فجعنا بحمّال الدّيات ابن غالب

وحامي تميم عرضها والبراجم

فسئل في ذلك فقال : «والله ما كان اثنان مثلنا أو مصطحبان أو زوجان إلا كان أمد ما بينهما قريبا».

التقى جرير بالحجاج بن يوسف فمدحه وأوفده الحجاج إلى عبد الملك بن مروان ، فمدحه أيضا :

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

وشعره كله قوي جزل يستشهد به النحاة والنقاد وأصحاب البيان.

وقد طبع ديوانه مرارا ، عمر جرير أكثر من ثمانين عاما ، حيث توفي باليمامة سنة ١١٠ ه‍. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٤٧١) ، والأعلام (٢ / ١١١).

(٢) أي المسند إليه مفرد والمسند مثنى.

(٣) البيت من بحر الطويل ، وقد ورد في معجم الشواهد (ص ٤٠٠) ، ولم تذكر مراجعه نسبة له.

اللغة : فلج : بلد ، وقيل واد بطريق البصرة إلى مكة ينزل به الحجاج. تكفان : تمطران وتبكيان.

والشاعر يتحسر على زمن حلو مضى.

وشاهده واضح وهو في شرح التسهيل (١ / ١١٠) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٠).

(٤) انظر شرح التسهيل : (١ / ١٢١) وهو بنصه.

(٥) انظر التذييل والتكميل : (٢ / ٨٢) وقد اختصر ناظر الجيش كلام أبي حيان اختصارا مفيدا.

٤١٥

______________________________________________________

الإفراد والتثنية ينقاس. وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ هذا إنما جاء في الشّعر. وأورد أشياء من غير هذا الباب وقع فيها المفرد موقع المثنى ، كقول الشاعر :

١٦٨ ـ ولكن هما ابن الأربعين تتابعت

[أناييبه مردى حروب على ثغر](١)

يريد ابنا الأربعين.

وموقع الجمع كقول الآخر :

١٦٩ ـ [بها جيف الحسرى] فأمّا عظامها

فبيض وأمّا جلدها فصليب (٢)

وكقول الآخر :

١٧٠ ـ [لا تنكروا القتل وقد سبينا]

في حلقكم عظم وقد شجينا (٣)

__________________

(١) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق من مقطوعة عدتها ثلاثة أبيات يصف فيها لقاء كان بينه وبين ابني جحير من بني عدي وهي في الديوان : (١ / ٣٠٠).

اللغة : الأنابيب : جمع أنياب والأخير جمع ناب فهو جمع الجمع. ويستشهد به على وقوع المفرد موقع المثنى.

والبيت في التذييل والتكميل (٢ / ٨٣) ، وليس في معجم الشواهد.

(٢) البيت من بحر الطويل من قصيدة لعلقمة بن عبدة يمدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني وهي طويلة ومطلعها (انظر ديوانه ص ١٤) :

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشّباب عصر حان مشيب

اللغة : جيف : جمع جيفة وهي جثة الميت إذا نتنت. الحسرى : جمع حسير ، وهي الدابة التي ماتت إعياء من حسر بفتح وكسر. (المصباح المنير : ٢ / ٩) صليب : يابس لم يدبغ.

والشاعر يصف ناقته بالإعياء من طول الطريق إلى الممدوح.

والشاهد فيه : وقوع المفرد (جلدها) موقع الجمع (جلود).

والبيت في التذييل والتكميل (٢ / ٨٣). وليس في معجم الشواهد.

ترجمة علقمة : هو علقمة بن عبدة التميمي الملقب بالفحل ، قيل : للتمييز بينه وبين رجل من قبيلته يقال له علقمة الخصي ، وقيل : لأنه تزوج بامرأة امرئ القيس أم جندب بعد أن فضلت علقمة على زوجها في مطارحات بالشعر. وهو شاعر بدوي أصيل اشتهر بوصف النعام ، وقد نادم أبا قابوس اللخمي والحارث الغساني وقد مدح الأخير بقصيدة مشهورة منها الشاهد السابق وهو القائل : فإن تسألوني بالنساء ... إلخ.

انظر ترجمة علقمة في : الشعر والشعراء (١ / ٢٢٥). بروكلمان (١ / ٩٦).

(٣) البيتان من الرجز المشطور منسوبان في مراجعهما للمسيب بن زيد مناه ، إلا أن ابن جني ذكر الثاني ونسبه لطفيل (المحتسب : ٢ / ٨٧).

٤١٦

______________________________________________________

ثم قال : «ولم يقس النحويّون على هذا وهو عند سيبويه (١) من أقبح الضرورات وحكى الأخفش عن العرب : ديناركم مختلفة ، يريد دنانيركم وحملوه على الشّذوذ» انتهى (٢).

وهذا عجب من الشيخ ؛ فإن كلامه يقتضي أن المصنف أجاز وقوع المفرد موقع المثنى مطلقا [١ / ١٢٠] وكذا وقوع المثنى موقع المفرد. والمصنف إنما أجاز ذلك في شيء خاص وهو كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر.

ثم إنه قول المصنف بالقياس ، ولم يتعرض المصنف ؛ لأن ذلك مقيس أو غير مقيس ؛ غاية ما يشعر به كلامه : أن معاقبة الإفراد التثنية فيما ذكره مستعمل وارد كثيرا ، أما أنه ينقاس أو لا ينقاس فليس في كلامه إشعار به (٣).

وأشار المصنف بقوله : وربما تعاقبا مطلقا إلى أنه قد تحصل المعاقبة بين الإفراد والتثنية في غير ما تقدم الكلام عليه : فمن وقوع المفرد موقع المثنى قوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤) ، وقوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)(٥). ـ

__________________

اللغة : سبينا : مبني للمجهول من السبي وهو الأسر. شجينا : يقال : شجي بالعظم يشجى من باب علم ، أي اعترض العظم في حلقه.

المعنى : يقول الشاعر لقوم : لا تنكروا قتلنا لكم ، فقد سبيتم منا ؛ فإن كان في حلوقكم عظم من القتل ، فقد غصصنا بالسبي.

وشاهده : وضع الحلق موضع الحلوق ، وهو جائز لوضوحه.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٤٨) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٣) وطفيل : هو طفيل بن عوف الغنوي ، جاهلي أقدم من النابغة ، وهو من الوصافين للخيل. ترجمته في بروكلمان (١ / ١٩٩).

(١) انظر الكتاب : (١ / ٢٠٩) ولم يقل سيبويه إن وضع المفرد موضع الجمع من أقبح الضرورات كما قال أبو حيان عنه ؛ وإنما نص كلامه هكذا : وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع ؛ حتى قال بعضهم : في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام. ثم مثل ببيتي علقمة وطفيل.

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٨٤).

(٣) أخذ أبو حيان القياسية في كلام ابن مالك من الإخبار وسرد الكلام دون تعليق ، وذلك عند ما قال في المتن : ويعاقب الإفراد التثنية في كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. ثم قال بعد ذلك : وربما تعاقبا مطلقا.

قال أبو حيان معلقا : هذا يدل على أن الحكم الذي أورده قبل ذلك مقيس عنده ـ لقوله في هذا وربما.

وهي تدل على التقليل. (التذييل والتكميل : ٢ / ٨٥).

(٤) سورة الشعراء : ١٦.

(٥) سورة ق : ١٧.

٤١٧

______________________________________________________

وشبيه به قول حسان (١) رضي‌الله‌عنه :

١٧١ ـ إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأس

ود ما لم يعاص كان جنونا (٢)

ومن وقوع المثنى موقع المفرد قول الشاعر :

١٧٢ ـ إذا ما الغلام الأحمق الأمّ سافني

بأطراف أنفيه استمرّ فأسرعا (٣)

قال الشيخ : ويمكن تأويل جميع هذا.

أما الآية الأولى : فقد ذكروا أن رسولا يكون مصدرا بمعنى الرسالة ؛ فعلى هذا يكون من باب : الزيدان خصيم.

وأما الآية الثانية : فتحتمل وجهين :

أحدهما : الحذف ، أي عن اليمين قعيد وعن الشّمال قعيد.

والثاني : أن يكون قعيد مما يخبر به عن المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد نحو صديق.

وأما إنّ شرخ الشّباب ... فأكثر النحويين خرجه على الحذف ، أي إن شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا.

وأما سامني بأطراف أنفيه ، فإنه عبر عن الأنف بقوله : أنفيه على سبيل المجاز ولم يرد الإفراد ، ولذلك جمع بأطراف لإضافته إلى ما هو مثنى. انتهى (٤). ـ

__________________

(١) سبقت ترجمة حسان.

(٢) البيت من بحر الخفيف لحسان بن ثابت من مقطوعة عدتها أربعة أبيات (ديوانه ص ٢٨٢) ، وهي في الوعظ والدعوة إلى الصلاح ، وعدم اتباع الهوى.

والشاهد فيه : وقوع المفرد (ما لم يعاص) موقع المثنى (ما لم يعاصيا) ورده أبو حيان وخرجه تخريجا آخر غير ذلك وهو في الشرح.

وانظر البيت في معجم الشواهد (ص ٣٩٠) وشرح التسهيل (١ / ١١٠) والتذييل والتكميل (٢ / ٨٦).

(٣) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع.

اللغة : سافني : يقال ساف الشيء يسوفه ويسافه سوفا إذا شمه. ويروى سامني ومعناه أذلني.

ويستشهد بالبيت على أن الشاعر وضع المثنى (أنفيه) موضع المفرد (أنفه).

وخرج بأن المقصود بالأنف ثقباها.

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك ، وللمرادي (١ / ١٠٣) ولأبي حيان (٢ / ٨٦). وليس في معجم الشواهد.

(٤) انظر نص ذلك في : التذييل والتكميل (٢ / ٨٧).

٤١٨

______________________________________________________

وهذا التخريج لا يدفع تخريج المصنف (١) ؛ غايته أن الشواهد المذكورة محتملة لما ذكر.

وأشار بقوله : وقد تقع افعلا إلى آخره ... أنه قد يقع الفعل المسند إلى ضمير واحد مخاطب بلفظ المسند إلى ضمير مخاطبين إذا كان أمرا أو مضارعا ، والقصد بذلك التوكيد أو الإشعار بإرادة التكرار.

ومن ذلك ما روي من قول الحجاج : يا حرسي اضربا عنقه.

ومنه قول الشاعر :

١٧٣ ـ فإن تزجراني يابن عفّان أزدجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (٢)

وجعل بعض العلماء من ذلك قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)(٣) هذا كلام المصنف (٤).

قال الشيخ (٥) : «هذا الّذي ذهب إليه قاله ابن جنّي في قول امرئ القيس :

١٧٤ ـ قفا نبك [من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدّخول فحومل](٦)

__________________

(١) وهو وقوع المفرد موقع المثنى ووقوع المثنى موقع المفرد.

(٢) البيت من بحر الطويل قائله سويد بن كراع العكلي ، وهو شاعر جاهلي إسلامي هجا قومه فاستعدوا عليه عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه فأوعده وأخذ عليه ألّا يعود للهجاء. والشاهد في البيت واضح حيث خاطب المفرد بخطاب المثنى. وانظر ترجمة سويد وأبيات من القصيدة في الشعر والشعراء (٢ / ٦٣٩) ، الأغاني (١٨ / ١٣١) طبعة بيروت.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ١١١) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٨٨). وفي معجم الشواهد (ص ٢١٠).

(٣) سورة ق : ٢٤.

(٤) أي في شرح التسهيل (١ / ١١١).

(٥) أي في التذييل والتكميل (٢ / ٨٨).

(٦) البيت من بحر الطويل مطلع معلقة امرئ القيس المشهورة التي كثرت الشواهد منها في النحو والبلاغة ، وموضوعها في الغزل والوصف (انظرها في الديوان ص ٨ ـ ٢٦) ولامرئ القيس قصيدة أخرى مطلعها : قفا نبك أيضا (الديوان ص ٨٩). ولكن المشهور في هذا المطلع أن ينصرف إلى المعلقة.

والشاهد فيه : تثنية ضمير الفاعل ونيابة ذلك عن تكرير الفعل.

والبيت مراجعه كثيرة في معجم الشواهد (ص ٣٠٢) وهو في التذييل والتكميل (١ / ٣٧٤).

٤١٩

قال ابن مالك : (وقد تقدّر تسمية جزء باسم كلّ ، فيقع الجمع موقع واحده أو مثنّاه).

______________________________________________________

ثنّى ضمير الفاعل وناب ذلك عن تكرير الفعل ، وقال أبو عثمان نحوا مما قال ابن جني. وذهب البغداديون إلى نحو مما ذهب إليه المصنف ، ثم قال :

وما استشهد به محتمل للتأويل : أما ما روي عن الحجاج فإنه يحتمل أنه وقف على النون الخفيفة ، فأبدلها ألفا ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ؛ وقد حمل قول امرئ القيس على هذا على تقدير ألا يكون خطابا لاثنين (١) [١ / ١٢١].

فأما قوله : فإن تزجراني يابن عفّان ... فيجوز أن ينادى واحد ويخاطب اثنان ، كما يجوز : إن تضربوني يا زيد أغضب» انتهى (٢).

ولا يخفى أن ما ذكره المصنف في الشواهد المذكورة أقوى مما ذكره الشيخ وأولى.

قال ناظر الجيش : مثال وقوع الجمع موقع واحده على تقدير تسمية كل جزء باسم الجمع ـ قول الشاعر :

١٧٥ ـ قال العواذل ما لجهلك بعد ما

شاب المفارق واكتسين قتيرا (٣)

ومثال وقوع الجمع موقع مثناه قول الشاعر : ـ

__________________

(١) وفي هذا التخريج يقول ابن مالك في ألفيته :

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا كما تقول في قفن قفا

(٢) انظر : التذييل والتكميل (٢ / ٩١).

(٣) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لجرير يهجو فيها الأخطل (ديوان جرير ص ٢٢٢).

وقبل بيت الشاهد قوله يخاطب حبيبته :

هلّا عجبت من الزمان وريبه

والدّهر يحدث في الأمور أمورا

اللغة : العواذل : جمع عاذلة وهي اللائمة في الحب. المفارق : جمع مفرق بكسر الراء وفتحها ، وهو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. قتيرا : القتير الشّيب أو أوله.

المعنى : يقول جرير : إن اللوائم يلمنه على حبه وعشقه بعد أن كبر وعلاه الشيب.

وشاهده : قوله : شاب المفارق حيث عبر بالجمع وأراد المفرد ؛ لأن المرء له مفرق واحد.

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٤٥) وفي شرح التسهيل (١ / ١٢٢) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٩١).

٤٢٠