المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

أمّا بعد : فانّي مورد لك في هذا المختصر خلاصة المذهب المعتبر ، بألفاظ محبّرة ، وعبارات محرّرة ، تظفرك بنخبه ، وتوصلك إلى شعبه ، مقتصرا على ما بان لي سبيله ، ووضح لي دليله.

______________________________________________________

وقال (عليه السلام) : «الفقهاء أمناء الرسل» (١).

وقال (عليه السلام) : «رحم الله خلفائي بعدي. قيل يا رسول الله : ومن خلفاؤك بعدك؟ قال : الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنّتي» (٢).

وقال (عليه السلام) : «من أكرم فقيها مسلما ، لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض.

ومن أهان فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان» (٣).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده محمد : «تفقّه في الدين ، فان الفقهاء ورثة الأنبياء» (٤).

وقال (عليه السلام) : «العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم» (٥) وقال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) : «لو علم الناس ما في العلم ، لطلبوه ولو بسفك المهج» (٦).

__________________

(١) أصول الكافي : ج ١ ، ص ٤٦ ، كتاب فضل العلم باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، قطعة من ح ٥ ، وتمام الحديث (ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول الله : وما دخولهم في الدنيا؟ قال : اتباع السلطان ، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم) ورواه السيوطي في الجامع الصغير ، حرف الفاء.

(٢) الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٠٢ ، باب النوادر ، وهو أخر أبواب الكتاب ، حديث ٩٥ ، وفيه : «اللهم ارحم خلفائي».

(٣) البحار : ج ٢ ، ص ٤٤ ، كتاب العلم ، باب ١٠ ، ح ١٣ ، والحديث عن الصادق عليه السلام.

(٤) البحار : ج ١ ، ص ٢١٦ ، كتاب العلم ، باب ٦ ، حديث ٣٢.

(٥) البحار : ج ١ ، ص ١٧٧ ، كتاب العلم ، باب ١ ، حديث ٥٢.

(٦) أصول الكافي : ج ١ ، ص ٣٥ ، كتاب فضل العلم ، باب ثواب العالم والمتعلم ، قطعة من حديث ٥. والحديث عن علي بن الحسين عليهما السلام.

٦١

فإن أحللت فطنتك في مغانيه ، وأجلت رؤيتك في معانيه ، كنت حقيقا أن تفوز بالطلب ، وتعدّ في حاملي المذهب.

______________________________________________________

وقال (عليه السلام) : «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين ، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء» (١).

فازدحم لذلك الطالبون ، وشمّر المجتهدون ، فجمعوا ، وألّفوا ، وأكثروا فيما صنّفوا. وأعانهم على ذلك صفو زمانهم المريع ، المخصوص بالنعت ، كزمان الربيع ، حتّى قال بعض المهاجرين (٢) في وقت الاغتراب لما آن له من الحلّة دنوّ الاقتراب : فقرأت عند وصولها (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (٣)

وكان همّ ملوكهم تربية العلماء وتصدير الفقهاء. يعلم ذلك من مصنّفات علمائهم ومنشورات رؤسائهم. فالآن عفت الديار (٤) وشط (٥) المراد (المزار) وخبت (٦) من العلم ناره ، وقلّت أنصاره وأظلم منارة واستوعر مسلكه ومزاره وعزّ مناله وقلّت رجاله.

__________________

(١) البحار : ج ٢ ، ص ١٤ ، كتاب العلم ، باب ٨ ، حديث ٢٦.

(٢) كتب في هامش بعض النسخ (صاحب كشف الرموز) وهو الشيخ عز الدين الحسن بن ابي طالب اليوسفي الآبي ، ويعبر عنه في الكتب الفقهية بـ (الآبي) وابن الزينب ، وتلميذ المحقق ، وشارح النافع ، وهو أول من شرح النافع ، فرغ منه في شعبان ٦٧٢ ه‍ (الذريعة : ج ١٨).

(٣) سورة سبأ : ١٥

(٤) وعفت الدار ، غطاها التراب فاندرست ، مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٣٠٠ ، وهو من عفا الشي‌ء ، إذا درس ولم يبق له اثر يقال : عفت الدار عفاء ، النهاية : ج ٣ ، ص ٢٦٦.

(٥) الشطة بالكسر : بعد المسافة ، من شطّت الدار ، إذا بعدت ، النهاية : ج ٢ ، ص ٤٧٥.

(٦) خبت ذكره : إذا خفي. لسان العرب : ج ٢ ، ص ٢٧.

٦٢

وأنا أسأل الله لي ولك الأمداد بالإسعاد ، والإرشاد إلى المراد ، والتوفيق للسداد ، والعصمة من الخلل في الإيراد ، إنه أعظم من أفاد ، وأكرم من سئل فجاد.

______________________________________________________

كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر (١)

خصوصا علم الشرع الذي به نظام النوع.

وكان من أفصح مختصراته وأنقح مصنّفاته كتاب النافع ، أعني مختصر الشرائع : تصنيف المولى الأكرم والفقيه الأعظم ، عين الأعيان ونادرة الزمان ، قدوة المحقّقين وأعظم الفقهاء المتبحّرين ، نجم الملّة والحقّ والدين ، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي ، «قدّس الله نفسه الزكيّة» وأفاض على تربته المراحم الربانيّة.

قد احتوى على مباحث دقيقة وإنظار عميقة ، وأشار فيه إلى الخلاف في الأقوال والروايات ، مع شدّة اختصاره وبعد أغواره واحتجبت أسراره وراء أستار لا يكشفها إلّا الفقيه الكاسر ، والبارع الماهر ، إذ كان طويل المطالعة كثير المباحثة ، محيطا بأقوال الفقهاء مطّلعا على مئاخذ الفتاوى ، مع شدّة احتياج الناس إليه ، وإكباب الطالبين عليه.

فسألني جماعة من المشتغلين وطائفة من المتردّدين ، أن أشرحه في دستور (٢) يكون موضّحا لما كمن من أسراره ، ومؤدّيا إلى ما بعد من أغواره ، وافيا بحلّ رموزاته ومبيّنا لخلافاته ، مع ذكر حجّة كل متمسّك بما أعتمد عليه ، وإحصاء ما يرد

__________________

(١) هو من أبيات لعمرو بن حرث الخزاعي ، يتأسف بها على نفسه وقومه بعد ما تفرقوا عن مكة ، وكانوا خدّام الحرم قبل قريش ، الحجون : بالحاء المهملة والجيم والواو والنون كصبور ، جبل بأسفل مكة ، والصفا حجر بها أيضا ، والأنيس فعيل من الانس خلاف الوحشة ، ويسمر بفتح المضارعة وضم الميم كينصر ، من السمر : وهو بالسين والراء المهملتين كفرس حديث الليل ، ومنه السامر بصيغة الفاعل ، جامع الشواهد : ص ٢٢٥.

(٢) دستور : اي كتاب.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من الجواب عليه ، فوقفت عند ذلك وأحجمت (١) ، واستقلت فما أقلت. لعلمي بأنّ دون هذا المراد خرط القتاد (٢) ، واعتياد (واعتياض) السهاد عن الرقاد (٣) وكلّما ازددت مطلا وتماديا ، ازدادوا حثّا وتقاضيا. فلمّا طال الإلحاف ولم أجد بدا من الاسعاف ، وكلّته إلى نذر علّقته على شرط ، كالمعتصم إلى الاعتذار بحجّة والمتفصّي عن اقتحام اللّجّة. فحصل الشرط والموانع حاجزة والأسباب عاجزة ، فسوفت طلبا لخلوّ الخاطر وزوال المانع الحاضر ، فلم تزدد الموانع إلّا تضاعفا ، والأسباب إلّا ضعفا ، واستمرّت التشويشات والأعذار ، والزمان في التعاكس والادبار. وهزمت جيوش الشباب ، وعشش النسر في وكر الغراب (٤) وزاد علينا غريم مطالب بالقهر ، وهو لزوم الوفاء بالنذر.

فشرعت والقلب يتجرّع مرارات الفتن كالمجروح يجد (بجزّ) الشفار ، وأقدمت والفكر يتمضمض كاسات الاحن كالمقروح بذكاء النار (٥) ، والفهم تايه في شعاب الفيافي حين حرم ريّه من الورد الصافي ، مع تشويش الأراجيف المؤذنة (٦) لكلّ

__________________

(١) حجم عن الشي‌ء : كف عنه وتأخر ، ومنه فأحجمت عن الكلام مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ٣٢.

(٢) خرطت الورق ، من بابي ضرب وقتل ، حتّته من الأغصان. وهو أن تقبض على أعلاه ثمَّ تمرّ يدك عليه إلى أسفله ، ومنه المثل : دونه خرط القتاد ، مجمع البحرين : ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، وفي لسان العرب : ج ٣ ، ص ٣٤٢ ، القتاد شجر له شوك أمثال الابر ، الى ان قال : وفي المثل : من دون ذلك خرط القتاد.

(٣) الرقاد : بالضم النوم ، يقال : رقد يرقد رقدا ، نام ، ليلا كان أو نهارا. مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٥٤ ، والسهاد بالفتح ، الارق ، يقال : سهد الرجل بالكسر يسهد سهدا ، والسهد بضم السين لقليل النوم ، مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٧٥.

(٤) في الحديث : نهى عن طروق الطير في وكرها. وكر الطير عشّه الذي يأوي اليه ، والجمع وكور وأوكار. مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٥١٣.

(٥) الذكاء بالفتح : شدة وهج النار واشتعالها. مجمع البحرين : ج ١ ، ص ١٥٩.

(٦) أي : المعلّمة.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مخيف. ولما رأيت الزمان لا يزداد إقباله إلّا إدبارا ، وعساكر الرفاهيّة أبت إلّا انكسارا ، ورأيت الأجل في اقتراب ، والعمر في خراب. مع إبرام الإلحاح والتقاضي ، واشتغال الذمّة بالنذر الماضي ، في ثبت ما سمحت به القريحة الفاترة ، وإيراد ما وعته الفطنة القاصرة ، لتعذّر ما وراء ذلك من الإمعان ، ومراعاة التحسين والإتقان ، لما ذكرنا من تشويش (بؤس) الزمان ، ووصفنا من ترادف الأحزان ، قصدا للتخلّص من عهدة النذر اللازم ، وفرارا من مطالبة اللجوج (١) العازم ، وخوفا من لزوم العقاب دون التنويه (٢) بالكتاب. مستعينا بالله ومتوكّلا عليه ، فليس القوّة إلّا به ، ولا المرجع إلّا إليه.

فمن وقف فيه على تقصير في إشارة ، أو عيّ في عبارة ، أو خلل في إيراد ، أو نوع من فساد ، فأنا أسأله أولا التثبّت في مراجعة الفكر والاعتبار ، وتصفّح الكتب والأخبار ، قبل التسرّع بالرّد والاهذار ، والنظر بعين الإزراء والاحتقار ، فانّ ذلك من أخلاق اللئام وشعار الجهّال الطغام (٣).

فان وجد له شاهدا يعضده ، أو نظيرا يؤيّده وإلّا نزّله بذهنه السليم ، ولو على التأويل السقيم ، جاعلا سمعه تلقاء قوله تعالى : إذ أعلن في كتابه تنبيها وتبصيرا : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤).

وإن لم يجد له محملا قط وكان في غاية السقط وسّعه عذرا ، فإن أخا الفضائل يعذر.

__________________

(١) اللاج واللجوج : الشديد اللجاجة ، وفي بعض النسخ (اللحوح) ، بالحاء المهملة.

(٢) ناهت نفسي عن الشي‌ء تنوه وتناه نوها : انتهت ، لسان العرب : ج ١٣ ، ص ٥٥١ ، وفي المنجد : ص ١١٠٠ ، نوهت بالحديث أي : أنشدت به وأظهرته.

(٣) الطغام : أوغاد الناس ، للواحد والجمع. والعامة تقول أوباش. رذال الطير ـ المنجد ص ٦٦١

(٤) سورة النساء : ٨٢.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فالنقص في نفس الطبيعة كامن

فبنوا الطبيعة نقصهم لا ينكر

وقبل الشروع أقدّم مقدّمات تحتاج إليها.

الأولى

اعلم أنّ من السنّة ما هو متواتر : وهو ما بلغ رواته إلى حيث يحصل العلم بخبرهم ، كخبر الغدير ، وشجاعة علي (عليه السلام).

وآحاد : وهو بخلافه ومنها المشهور : وهو ما زادت رواته عن ثلاثة ويسمّى المستفيض ، وقد يطلق على ما اشتهر العمل به بين العلماء.

ويقابله الشاذ والنادر ، وقد يطلق على مروي الثقة إذا خالف المشهور.

والصحيح : ما اتصلت رواته الى المعصوم بعدل اماميّ ، وهو المتّصل ، والمعنعن وإن كانا أعمّ منه ، وقد يطلق الصحيح على سليم الطريق وإن اعتراه قطع أو إرسال.

والحسن : وهو ما رواه الممدوح من غير نصّ على عدالته.

والموثّق : ما رواه من نصّ على توثيقه مع فساد عقيدته ويسمّى القوي ، وقد يراد بالقوي مرويّ الإمامي غير الممدوح ولا المذموم ، ويقابله ، الضعيف ، وربّما قابل الضعيف الصحيح والحسن والموثق.

والمرسل : ما رواه عن المعصوم من لم يدركه ، بغير واسطة ، أو بواسطة أنساها أو تركها.

ويسمّى منقطعا ومقطوعا بإسقاط واحد ، ومفّصلا بإسقاط أكثر ، وربّما خصّوا المنقطع ، بما لا يصل سنده إلى المعصوم ، كقول الرّاوي : سألته عن كذا ولم يبيّن المسئول ، والمرسل ، بإسقاط بعض الرواة ، كقول الراوي : أخبرني فلان عمّن حدّثه ،

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أو عن بعض أصحابه.

والمتواتر : قطعي القبول لوجوب العمل بالعلم.

والواحد : مقبول بشروطه المشهورة ، أو اعتضد بقطعي كفحوى الكتاب ، أو دليل العقل ، وأنكره كثيره كالسيد ، وابن إدريس.

والمرسل : مقبول إذا كان مرسله معلوم التحرّز عن الرواية عن مجروح ، كمحمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن أبي نصر ، لأنهم لا يرسلون إلّا عن ثقة.

المقدّمة الثانية

اعلم إنّ كلّ حكم مستفاد من لفظ عام ، أو مطلق ، أو من استصحاب يسمّى بالأشبه لأن ما كان سبب الترجيح فيه التمسك بالظاهر. والأخذ بما يطابق ظاهر المنقول يكون أشبه بأصولنا. فكلّ موضع نقول فيه على الأشبه : يريد به هذا المعنى ، والأنسب مثله.

والمراد بالأظهر في فتاوي الأصحاب ، والأشهر من الروايات المختلفة ، والأصح : ما لا احتمال فيه عند المصنّف.

والتردّد : ما احتمل الأمرين ، والأولى ، هو ترجيح أحد قولين متكافئين في النقل لوجه ما.

والأحوط : ما يتفصّى به من الخلاف وهما على الندب (١) وإذا قال : «على قول» أراد : أنّه وجد قولا لبعض الفقهاء ، ولم يجد عليه دليلا.

__________________

(١) في نسخة (ج ـ د) وإذا قال على قول مشهور فالمراد به عنده ما وجد مشهورا بين الفقهاء ولم نجد عليه دليلا.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والتخريج : تعدية الحكم من منطوق به إلى مسكوت عنه ، إمّا لكون المسكوت عنه أولى بالحكم ، وهو التنبيه بالأدنى ـ على الأعلى ، كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف ، أو للنصّ على عليّة الحكم ، ويسمّى اتّحاد طريق المسألتين ، كقوله (عليه السلام) وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر : «أينقص إذا جفّ؟ قالوا : نعم ، قال : إذن لا يصلح» (١) سرى إلى تحريم بيع الزبيب بالعنب.

المقدّمة الثالثة

في بيان الإشارة إلى المشايخ المشار إليهم في هذا الكتاب

فالشيخ إشارة إلى أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٢).

والمراد بالشيخين : هو مع شيخه أبي عبد الله المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان البغدادي (٣).

وبالثلاثة : هما مع سيد المرتضى علم الهدى (٤).

وبالأربعة : هم مع أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (٥).

وبالخمسة : وهم مع أبيه علي بن بابويه (٦).

وبالصدوق : محمد بن بابويه.

__________________

(١) مستدرك وسائل الشيعة : ج ٢ ، ص ٤٨٠ ، باب ١٣ ، «عدم جواز بيع التمر بالرطب» مع اختلاف يسير في العبارة.

(٢) المتولد في شهر رمضان سنة ٣٨٥ هج ، والمتوفى في ٢٢ محرم سنة ٤٦٠ هج.

(٣) المتولد في ١١ ذي القعدة سنة ٣٣٦ هج والمتوفى في ٣ رمضان سنة ٤١٣ هج.

(٤) المتولد في ٣٥٥ هج والمتوفى في ٤٣٦ هج.

(٥) المتوفى سنة ٣٨١ هج.

(٦) المتوفى سنة ٣٢٩ هج.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالفقيه. أبوه. وقد أعبّر عنهما بالصدوقين والفقيهين وابني بابويه.

وإذا قيل : ابن بابويه مطلقا ، فالمراد به الصدوق ، وكذا إذا قيل : قال ابن بابويه في كتابه : فالمراد بالكتاب ، كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ذكر في خطته انّه لا يورد فيه من الأخبار الّا ما يعتمد عليه (١).

وأريد بالحسن : ابن أبي عقيل العماني (٢).

وبأبي علي : أحمد بن الجنيد الإسكافي (٣) ، وقد أعبّر عنهما بالقديمين.

وبالقاضي : عبد العزيز بن البرّاج ، تولى قضاء طرابلس عشرين سنة (٤).

وبالتقي : تقي بن نجم الحلبيّ ، المكنّى بأبي الصلاح (٥).

وأشير بقولنا : المفيد وتلميذه ، إلى أبي يعلى سلّار بن عبد العزيز (٦). كما ان القاضي ، تلميذ الشيخ.

وبالعلّامة : إلى البحر الزاخر ، واحد الآفاق ونادرة الزمان على الإطلاق ، مستخرج الدقائق ومفيد الخلائق أبي منصور الحسن بن مطهّر (٧).

__________________

(١) قال قدّس سره ما هذا لفظه : «ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته» الى آخره.

(٢) من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، والعماني بضم العين وتخفيف الميم : نسبة الى عمان كغراب ، كورة غربية على ساحل بحر اليمن (الكنى : ج ١ ، ص ١٩١).

(٣) هكذا في النسخة التي عندي والظاهر انه محمد بن احمد بن الجنيد الإسكافي ، المتوفى في سنة ٣٨١ هج كما في الفهارس وكتب الرجال.

(٤) المتوفى ٩ شعبان في سنة ٤٨١ هج ، كما في الكنى : ج ١ ، ص ٢١٤.

(٥) كان معاصرا للشيخ الطوسي ومن تلامذته.

(٦) كان من تلامذة الشيخ المفيد والسيد المرتضى وتوفى في شهر رمضان سنة ٤٦٣ هج.

(٧) المتولد في ٢٩ من شهر رمضان سنة ٦٤٨ هج والمتوفى في ليلة السبت ١١ محرم سنة ٧٢٦ هج.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وبفخر المحقّقين : الامام المتبحّر والفاضل المحرّر ولده أبو طالب محمد بن الحسن (١).

وبالشهيد : أبي عبد الله محمد بن مكّي (٢) قدّس الله أرواحهم أجمعين وحشرنا وإيّاهم مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين.

وإذا قلنا : قال الشيخ في كتابي الأخبار : فالمراد بهما التهذيب والاستبصار ، والمراد بكتابية مطلقا ، أو كتابي الفروع ، أو كتابي الخلاف : المبسوط والخلاف. وبكتابي القاضي : المهذب والكامل.

المقدّمة الرابعة

اعلم : إني التزمت في هذا الكتاب ، بالإشارة ، إلى تبيين الخلاف الواقع في كل مسألة أشار المصنّف إلى الخلاف فيها ، واجتهدت في تحصيل المخالف وإبانته وإن كان نادرا أو متروكا بحسب جهدي. وربّما كان النظر أو التردّد في المسألة من المصنّف خاصة لدليل انقدح في خاطره ، فأشير إلى ذلك وأبيّنه في موضعه بعد استقرائي أقوال الأصحاب وفتاويهم ورواياتهم بحسب الإمكان. وأورد في كل مسألة ما قال فيها الأصحاب من الأقوال المتعدّدة ، وإن كان بعضها متروكا. فقد يقول المصنّف في المسألة : وفيها قولان : فأذكر فيها أكثر من ذلك. وإن ناسبها مسألة خلافيّة أردفتها بها ، وان لم يشر المصنّف إليها بالخلاف ، بل وإن لم يذكرها في الكتاب غالبا. وإن كان المقام مما يليق به التفريع ، أوردت عليه ما أمكن من التفريعات ووجوهها ، وأوردت لكل فريق حجّته من عموم إطلاق مسلّم ، أو

__________________

(١) ولد ليلة ٢٠ جمادى الأولى سنة ٦٨٢ هج وتوفي ليلة ٢٥ جمادى الثانية ٧٧١ هج.

(٢) ولد في سنة ٧٣٤ هج ، واستشهد في يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى سنة ٧٨٦ هج.

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تمسّك بأصل ، أو خصوص كتاب أو سنّة ، وما يرد عليه ، وربّما ذكرت جواب الإيراد. ولم أتقيّد بالمسائل التي أشار فيها إلى الخلاف ، بل إذا كانت المسألة غامضة وان لم تكن خلافيّة ، أو لم يشر إليها بالخلاف ، وهي مشكلة ، أو كانت قابلة للشعب المحتملة ذكرتها بما يظهر شعاعها ، ويكشف قناعها ، مستقربا لشعبها بحسب الإمكان ، بعبارات تسابق معانيها الأذهان ، وتعجب استماعها الأذان وأودعته من التفريعات ، والغرائب والنكات ، ما خلت عنه أكثر المطوّلات ولم يوجد في المختصرات سالكا طريق الإيجاز والاختصار ، متنكبا (١). عن الإطالة والإكثار.

وسميّته بـ (المهذّب البارع) في شرح مختصر الشرائع. وان شئت فسمّه (جامع الدقائق وكاشف الحقائق) لأنه لا يمرّ بمسئلة مشكلة ، إلّا جلّاها غاية الجلاء ، ولا لمعضلة إلّا وشفى من بحثها غاية الشفاء ، ورتّبت في أول كلّ كتاب ، مقدمة أو مقدّمات ، أذكر فيها تعريفه وسند مشروعيّته من الكتاب والسنّة والإجماع وما يليق به من التمهيد. فكان كالدستور يرجع إليه في المشكلات ، ويعتمد عليه في المعضلات ، ويتفكّه منه بالتفريعات (بالتعريفات) والله أسأل أن يقبله بكرمه وفضله ، وينفع به الطّالبين بمنّه وطوله ، إنّه على كلّ شي‌ء قدير وبالإجابة جدير ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

__________________

(١) متنكبا : اى متجنّبا.

٧١
٧٢

كتاب الطهارة

٧٣
٧٤

وأركانه أربعة

الركن الأوّل

في المياه

والنظر في المطلق ، والمضاف ، والأسآر

أمّا المطلق : فهو في الأصل طاهر ومطهّر ، يرفع الحدث ويزيل الخبث ، وكلّه ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه ، ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة ، ولا الكثير من الراكد ،

______________________________________________________

كتاب الطهارة

(مقدّمة)

الطهارة لغة : النظافة والنزاهة عن الأدناس ، قال الله تعالى (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (١) أي : يتنزّهون ، وشرعا اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ، وهذا تعريف الشيخ في النهاية (٢) وردّه ابن إدريس : لانتقاضه طردا بإزالة النجاسة لاستباحة الصلاة به ، وليس بطهارة ، وعكسا بوضوء الحائض ، فإنّه طهارة وليس بمبيح (٣)

__________________

(١) سورة الأعراف : ٨٢. وسورة النمل : ٥٦.

(٢) النهاية : ص ١ ، كتاب الطهارة ، باب ماهية الطهارة وكيفية ترتيبها.

(٣) السرائر : ص ٦ ، كتاب الطهارة ، فقال ما لفظه : «وبعضهم يحدها بأنها في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة. وهذا ينتقض بإزالة النجاسة عن ثوب المصلى وبدنه» إلخ.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجيب عن الأوّل : بأنه إزالة مانع. وعن الثاني : بالمنع من كونه طهارة ، لما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت : الحائض تتطهّر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ قال أمّا الطهر فلا ، ولكن تتوضّأ وقت كلّ صلاة ، ثمَّ تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى (١) فنفى عنه اسم الطهارة.

احتجّ بأنّه وضوء ، وكلّ وضوء طهارة. وردّ بأنه مجاز من حيث المشابهة في الصورة ، كما يقال للفرس المنقوش على الجدار : هذا فرس.

ورسمها المصنّف في المعتبر بأنّها اسم لما يرفع حكم الحدث ، ليخرج منه وضوء الحائض ، ويدخل فيه وضوء دائم الحدث ، ثمَّ أورد عليه النقض بالمجدّد ، وبمن اجتمع عليه غسل ووضوء ، لصدق الطّهارة على كلّ واحد منهما ، ولا يرفع حكم الحدث بانفراده ، ثمَّ قال : فالأقرب أن يقال : هو اسم للوضوء أو الغسل أو التيمّم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة (٢) وهو رسمه في الشرائع (٣).

فقوله : (اسم) لينبّه على أنّ التعريف لفظيّ. وجعلها متعلّقة بالثلاثة ، ليخرج

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، ص ٥٨٨ ، ح ٤ ، كتاب الطهارة ، باب (٤٠) من أبواب الحيض ، مع اختلاف يسير في العبارة.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٧. قال ما لفظه : «وفي الشرع اسم لما يرفع حكم الحدث. وخطر لبعضهم النقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها ، وهو غلط ، فانا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة ، ونطالبه بدليل تسميته. على انه قد روي ما يدل على انه لا يسمى طهارة ، ثمَّ أورد رواية محمد بن مسلم المذكورة في المتن ، الى ان قال : نعم يرده النقض بالوضوء المجدّد من غير حدث وبمن اجتمع عليه غسل ووضوء كالمستحاضة إذا سال دمها ، فان كل واحد منهما يسمى طهارة ولا يرفع حكم الحدث بانفراده.

فالأقرب ان يقال : هي اسم للوضوء والغسل والتيمّم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

(٣) قال في شرائع الإسلام : الطهارة : اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة. ج ١ ، ص ١١.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إزالة النجاسة. وقوله : له (تأثير) ليخرج وضوء الحائض ، ويدخل طهارة دائم الحدث.

وفيه نظر : لانّه يخرج منه وضوء المجدّد ، إذ التأثير للسابق ، لا له ، فلهذا قيّده العلّامة في القواعد بماله صلاحيّة التأثير (١) لأنّه قد يصلح أن يكون مؤثرا ، فيمن تيقّن خللا في إحدى طهارتيه على مذهب الشيخ.

وهي : واجبة بالكتاب والسنّة والإجماع ، أما الكتاب : فقوله تعالى (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (٢). (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٣) (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (٤) (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٥) (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٦).

واما السنّة : فقول النبي (صلّى الله عليه وآله) : «مفتاحها الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (٧).

__________________

(١) قال في القواعد في الفصل الأول من كتاب الطهارة ص ٢ : الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلّق بالبدن على وجه له صلاحيّة التأثير في العبادة.

(٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) سورة المائدة : ٦.

(٤) سورة التوبة : ١٠٨.

(٥) سورة المدثر : ٤.

(٦) سورة الأنفال : ١١.

(٧) عوالي اللئالى : ج ٣ ، ص ٨ ، ومسند احمد بن حنبل : ج ١ ، ص ١٢٣ ، وسنن ابن ماجه : ج ١ ، كتاب الطهارة باب ٣ مفتاح الصلاة الطهور ، ص ١٠١ ، حديث ٢٧٥ و ٢٧٦ ، وسنن الترمذي : ج ١ ، باب ما جاء ان مفتاح الصلاة الطهور ، حديث ٣ ، ولفظ الحديث في جميع هذه المصادر هكذا : «مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» ويؤيده ما ورد في الفقيه : ج ١ ، ص ٣٣ ، باب ٥ ، افتتاح الصلاة وتحريمها وتحليلها ، حديث ١ ، ولفظ الحديث «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : افتتاح الصلاة

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على وجوب الطهارة بعينها ، يطول بإيرادها الكتاب.

واما الإجماع : فمن سائر المسلمين على وجوب الطهارة من الحدث والخبث ، وان اختلفوا في آحاد مسائلها.

وعقد الطهارة : على أربعة أركان.

وركن الشي‌ء : جانبه الأقوى الذي لا يتقوّم بدونه.

الأوّل : في المياه ، الثّاني : في الطهارة المائيّة ، الثّالث : في التيمّم ، الرّابع : في إزالة النجاسات.

ووجه الحصر أن نقول : البحث إمّا عن الطهارة أو عن تابعها ، فان كان الثاني ، فهو الرابع. وان كان الأوّل ، فلا يخلو إمّا ان يكون البحث عن حقيقة الطهارة أو عمّا تحصل به ، فان كان الثاني فهو الأول. وان كان الأوّل فلا يخلو إمّا أن تكون الطهارة اختياريّة أو اضطرارية ، فإن كان الأوّل ، فهو الثاني في الطهارة المائيّة ، وان كان الثاني فهو الركن الثالث في التيمّم.

ووجه تقديم الأوّل : انّه كالمادّة للطهارة ، وهي متقدّمة على الصورة ، وقدّم الثاني على الثالث ، لأنّها طهارة اختياريّة ، والثالث اضطراريّة ، والأصل هو حالة الاختيار ، والاضطرار عارض ، ولأنّ الثالث بدل عن الثاني لا يصار إليه إلّا عند تعذّره ، ولكونه أشرف. وقدم الثالث على الرابع ، لكونه طهارة شرعيّة مبيحة للعبادة ، والرابع تابع ، ورتبته التأخّر عن متبوعه ، ولأنّه طهارة لغويّة. وانّما لزم الفقيه البحث عنه ، لانّ

__________________

الوضوء» إلخ ، وقريب منه لفظا ما في المستدرك للحاكم : ج ١ ، ص ١٣٢.

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٣٣ ، باب وقت وجوب الطهور ، حديث ١ ، وعوالي اللئالى : ج ٢ ، ص ١٨٤ ، ح ٥٤ ، عن الباقر (عليه السلام) ويؤيده ما رواه في كنوز الحقائق للمناوي على هامش الجامع الصغير : ج ٢ ، ص ١٦٧ ، ولفظه : (لا صلاة لمن لا طهور له).

٧٨

وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.

وحكم ماء الحمّام حكمه إذا كان له مادّة. وكذا ماء الغيث حال نزوله.

______________________________________________________

النجاسة مانعة من الصلاة ، ولمّا بحث عن الطهارة الشرعيّة التي هي شرط الصلاة ، لزمه أن يبحث عن المانع منها ليتمكّن العبد من الخروج عن عهدة التكليف ، ولهذا سمّوه تابعا ، فلزوم البحث عنه في كتاب الطهارة بحسب الاستطراد وبالقصد الثاني.

قال طاب ثراه : وينجس القليل من الرّاكد بالملاقاة على الأصح.

أقول : أجمع أصحابنا على تنجيس الماء القليل بوقوع النجاسة فيه. وندر الحسن بن أبي عقيل حيث ذهب إلى طهارته.

احتجّ الأوّلون : بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههنّ تطأ العذرة ، ثمَّ تدخل في الماء ، أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال : لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ من ماء (١).

وما رواه الفضل أبو العباس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرّة ، إلى قوله : فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه؟ فقال : لا بأس به ، حتّى انتهيت إلى الكلب؟ فقال : رجس نجس لا تتوضّأ بفضله وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرة ثمَّ بالماء (٢).

ولأنّ القليل مظنّة الانفعال بالنجاسة غالبا ، وربّما لم يظهر للحس ، فوجب اجتنابه ، والحوالة في عدم الانفعال على ضابط ظاهر ، وهو الكر.

احتجّ الحسن : بما روي متواترا من قولهم (عليهم السلام) : الماء طهور لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه (٣).

__________________

(١) الوسائل : ج ١ ، ص ١١٥ ، كتاب الطهارة ، باب ٨ ، من أبواب الماء المطلق ، حديث ١٣ ، وفيه «أشباههما ، يتوضأ».

(٢) الوسائل : ج ١ ، ص ١٦٣ ، كتاب الطهارة ، باب ١ ، من أبواب الأسئار ، حديث ٤.

(٣) الوسائل : ج ١ ، ص ١٠١ ، كتاب الطهارة ، باب ، من أبواب الماء المطلق ، حديث ٩ ، وفيه

٧٩

وفي تقدير الكثرة روايات ، أشهرها ألف ومائتا رطل ، وفسّره الشيخان بالعراقي.

______________________________________________________

ولانّ القول بنجاسة الماء بمخالطة النجاسة ، ليس أولى من العكس.

والجواب عن الأحاديث : بأنّها مطلقة ، فيحمل على المقيّد ، ليحصل الجمع. وعن الثاني بوجود الأولويّة ، وهو الأحاديث الدالّة على تنجيس القليل بالملاقاة.

قال طاب ثراه : وفي تقدير الكثرة روايات أشهرها ألف ومائتا رطل. وفسّره الشيخان بالعراقي.

أقول : البحث هنا يقع في مقامين :

الأوّل : في تقدير الكثير ، وهو المسمّى بالكرّ. وللأصحاب في معرفته طريقان.

الطريق الأوّل : الوزن ، وفي كيفيّته ثلاثة أوجه :

(ألف) أنّه ستمائة رطل ، وهو في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : الكرّ ستمائة رطل (١).

قال الشيخ في التهذيب : ولم يعمل بهذه أحد من الأصحاب ، ولا يبعد أن يكون المراد به رطل مكّة ، لأنّه رطلان عراقيّة (٢).

__________________

«خلق الله الماء طهورا» ورواه ابن إدريس في أول السرائر ، ص ٨ ، ونقل انّه متفق على روايته.

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٤١٤ ، باب ٢١ ، المياه وأحكامها ، حديث ٢٧ ، ولفظ الحديث عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «قال : قلت له : الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال : إذا كان قدر كر لم ينجسه شي‌ء ، والكر ستمائة رطل».

(٢) قال الشيخ في التهذيب في ذيل حديث محمد بن أبي عمير ، ج ١ ، باب ٣ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ص ٤٣ ، ح ٥٨ ولفظ الحديث «محمد بن أبي عمير قال : روي لي عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام. ان الكر ستمائة رطل ما لفظه : «فأول ما فيه انه مرسل غير مسند ، ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها ، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا ويحتمل ان يكون الذي سأل عن الكر ، كان من البلد الذي عادة أرطالهم ما يوازن رطلين بالبغدادي ، فأفتاه على ما علم من عادته ، ويكون مشتملا على القدر الذي قدمناه في الكر.

٨٠