السابعة
في الأذان والإقامة
والنظر في المؤذّن ، وما يؤذّن له ، وكيفيّة الأذان والإقامة ولواحقهما.
أمّا المؤذّن ، فيعتبر فيه العقل والإسلام ، ولا يعتبر فيه البلوغ. والصبي يؤذّن ، والعبد يؤذّن ، وتؤذّن المرأة للنساء خاصة.
ويستحب أن يكون عادلا ، صيّتا ، بصيرا بالأوقات ، متطّهرا ، قائما على مرتفع ، مستقبل القبلة ، رافعا صوته ، وتسرّ به المرأة. ويكره الالتفات به يمينا وشمالا.
ولو أخلّ بالأذان والإقامة ناسيا وصلّى ، تداركهما ما لم يركع ، واستقبل صلاته ، ولو تعمّد لم يرجع.
وأمّا ما يؤذّن له : فالصلوات الخمس لا غير ، أداء وقضاء. استحبابا للرجال والنساء ، والمنفرد والجامع. وقيل : يجبان في الجماعة.
______________________________________________________
قال طاب ثراه : وقيل يجبان في صلاة الجماعة.
أقول : البحث هنا يقع في فصلين.
الأوّل الأذان
وفيه ثلاثة أقوال.
(ألف) : الوجوب في الصبح والمغرب سفرا وحضرا على الرجال ، وفي الجماعة على الجميع ، وهو مذهب السيد في الجمل (١).
__________________
(١) جمل العلم والعمل : فصل في حكم الأذان والإقامة ، ص ٥٧ ، قال : «الأذان والإقامة يجبان على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر» الى آخره.
ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه وآكده الغداة والمغرب.
وقاضي الفرائض الخمس ، يؤذّن لأوّل ورده ، ثمَّ يقيم لكلّ صلاة واحدة. ولو جمع بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل.
______________________________________________________
وأوجب الحسن إعادة الصبح والمغرب إذا خلتا عن الأذان (١).
(ب) : الوجوب في الجماعة خاصّة ، وهو مذهب الشيخين (٢) ، والقاضي (٣) ، وابن حمزة (٤) ، والتقي (٥).
(ج) : الاستحباب مطلقا. وهو مذهب الشيخ في الخلاف (٦) ، واختاره ابن إدريس (٧) ، والمصنّف (٨).
__________________
(١) المختلف : في الأذان والإقامة ، ص ٨٧ ، س ٢٥.
(٢) اي المفيد في المقنعة : باب الأذان والإقامة ، ص ١٥ ، س ١ ، قال : «وإذا كانت صلاة جماعة كان الأذان والإقامة لها واجبين». والشيخ الطوسي في النهاية ، كتاب الصلاة : باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ، ص ٦٤ ، س ١٩ ، قال : «ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معا في صلاة الجماعة».
(٣) المهذب : باب الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٨٨ ، س ٨ ، قال : «فالواجب هو ما يتعلق منهما بصلاة الجماعة على الرجال».
(٤) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الخامس في الأذان والإقامة ، ص ٨٧ ، س ١٦ ، قال : واختاره (اي الوجوب في صلاة الجماعة» ابن حمزة.
(٥) الكافي في الفقه : ص ١٤٣ ، فصل في صلاة الجماعة ، س ١٣ ، قال : «لم ينعقد إلا بإمام الى ان قال : س ١٤ ، «وأذان واقامة يتولّاهما من يوثق بدينه».
(٦) السرائر : كتاب الصلاة ، باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولهما ص ٤٣ ، س ٣ ، قال : «فقال قوم : ان الأذان والإقامة من السنن المؤكدة في جميع الصلوات الخمس». الى ان قال : س ٤ ، «وهذا الذي اختاره واعتمد عليه».
(٧) الخلاف : ج ١ ، ص ٥٨ ، مبحث الأذان ، مسألة ٢٨ ، قال : الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في صلاة الجماعة.
(٨) المعتبر : كتاب الصلاة المقدمة السابعة في الأذان والإقامة ، ص ١٥٩ ، س ٢٧ ، قال : «وهو من وكيد السنن اتفاقا».
ويجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد وإقامتين.
______________________________________________________
والعلّامة (١).
الثاني الإقامة
وفيها ثلاثة أقوال : (ألف) : وجوبها على الرجال في كلّ فريضة ، وهو اختيار المرتضى في الجمل (٢) ، وأبو علي (٣).
(ب) : وجوبها في الجماعة خاصّة. وهو مذهب الشيخين (٤) ، والقاضي (٥) ، وابن حمزة (٦).
(ج) : الاستحباب مطلقا : وهو اختيار الشيخ في الخلاف (٧) ، واختاره ابن إدريس (٨) ، والمصنّف (٩) ، والعلّامة (١٠)
تنبيه
المراد بالوجوب في الجماعة ، الشرطيّة في فضيلة الجماعة ، لا في صحّة الصلاة.
قال الشيخ في المبسوط : لو صلّى جماعة بغير أذان ولا إقامة ، لم تحصل فضيلة الجماعة ، والصلاة ماضية (١١) ، وجعلهما أبو الصلاح شرطا (١٢) ، ولم يفسّره.
__________________
(١) التحرير : كتاب الصلاة ، الفصل السادس في الأذان والإقامة ، ص ٣٤ ، س ٢٣ ، قال : «وهما من وكيد السنن».
(٢) تقدم آنفا.
(٣) المختلف : في الأذان والإقامة ، ص ٨٧ ، س ١٨ ، قال : «وقال ابن الجنيد : الأذان والإقامة واجب على الرجال» انتهى.
(٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠) تقدم أيضا اختيارهم قدس الله أسرارهم.
(١١) المبسوط : كتاب الصلاة ، فصل في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٩٥ ، س ٨.
(١٢) الكافي في الفقه : ص ١٤٣ ، س ١٣ ، قال : «لم ينعقد إلّا بإمام إلى أن قال : س ١٤ ، «وأذان وإقامة يتولاهما من يوثق بدينه».
ولو صلّى في مسجد جماعة ، ثمَّ جاء الآخرون ، لم يؤذّنوا ولم يقيموا ما دامت الصفوف باقية. ولو انفضّت أذّن الآخرون وأقاموا ، ولو أذّن بنيّة الانفراد ، ثمَّ أراد الاجتماع استحبّ له الاستيناف.
وأمّا كيفيّته : فلا يؤذّن لفريضة إلّا بعد دخول وقتها ، ويتقدّم في الصبح رخصة ، لكن يعيده بعد دخوله.
______________________________________________________
قال طاب ثراه : ولو صلّى في مسجد جماعة ، ثمَّ جاء (١) ، آخرون لم يؤذّنوا ما دامت الصفوف باقية. ولو انفضّت أذّن الآخرون وأقاموا.
أقول : أشار المصنّف إلى موارد السقوط. وهي قسمان.
فمنها : ما يسقط فيه الأذان والإقامة.
ومنها : ما يسقط فيه الأذان خاصّة.
فالأوّل. هذه الصورة ، أعني الجماعة الثانية ، إذا لم تتفرّق الاولى بعد الأذان. وانّما لم تؤذّن الثانية لأنّهم يدعون (مدعوّون) بالأذان الأوّل وقد أجابوا بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان ، فاذا جمعوا كذلك جمعوا بغير أذان ولا إقامة ، وصلّوا في ناحية المسجد ، ولا يبدر (يبدو) لهم امام ، ومع تفرّق الاولى يعيدون الأذان وتصير كالمستأنفة.
فهنا أحكام ثلاثة
(ألف) : أن تكون الصلاة واحدة ، فلو كان حضور الجماعة الثانية لصلاة غير الأولى ، أذّنوا وأقاموا ، وإن كانت الاولى لم تتفرّق ، بل وإن كانوا في الصلاة.
(ب) : أن يصلّوا في ناحية المسجد لا في محرابه.
(ج) : لا يبدر (يبدو) لهم إمام ، لئلّا تتكرّر الصلاة الواحدة. روى حريز ، عن
__________________
(١) هكذا في الأصل : ولكن في المتن ثمَّ جاء الآخرون» فراجع.
.................................................................................................
______________________________________________________
محمد بن مسلم قال : سألته عن رجل نسي الأذان حتّى أقام الصلاة؟ قال : لا يضرّه. ولا تقام الصلاة في المسجد الواحد مرّتين. فان كان في غير مسجد وأتى قوم قد صلّوا فأرادوا أن يجمعوا الصلاة فعلوا (١).
وعن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليه السّلام) قال : دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس ، فقال لهما علي (عليه السّلام) : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ، ولا يؤذّن ولا يقيم (٢).
والمراد بالتفريق ، تفرّق الجميع ، فلو بقي بعض في التعقيب ، لم يؤذّن الثانية ، لبقاء حكم الجماعة ببقاء واحد من المصلّين فيما لو انفضوا في أثناء الجمعة وبقي واحد. بشرط أن يكون الباقي مشتغلا بالصلاة وسننها كالتعقيب ، فلو بقيت الجماعة بكمالها في المسجد مشتغلين بالخياطة مثلا أو بغيرها ممّا ليس بدعاء ولا تسبيح فقد تفرّقوا ، ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد ، عن أبي علي قال : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السّلام) فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر ، وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن ، فمنعناه ودفعناه عن ذلك. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع. فقلت : فان دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم إمام (٣).
وهل يختصّ الحكم بالمسجد أو يشمل كلّ موضع يجمع فيه الصلاة؟ الأظهر
__________________
(١) لم نظفر عليه بالرغم من الفحص الشديد عنه.
(٢) وسائل الشيعة : ج ٤ ، ص ٦٥٤ ، حديث ٣ ، باب ٢٥ ، سقوط الأذان والإقامة عن من أدرك الجماعة بعد التسليم قبل أن يتفرقوا لا بعده.
(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ٥٥ ، باب ٣ ، أحكام الجماعة وأقل الجماعة وصفة الامام ومن يقتدى به ومن لا يقتدى به ، حديث ١٠٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
الأوّل ويؤيّده رواية محمد بن مسلم المتقدّمة. والمصنّف في النافع فرضها في المسجد (١) ، وفي الشرائع مطلقا (٢) ، وكذا العلّامة في التحرير فرضها في المسجد (٣) ، وفي القواعد مطلقا (٤) ، ويجوز حمل المطلق على المقيّد.
فرع
لو صلّت الجماعة الثانية في المسجد من غير تأذين ، فحضرت ثالثة. فان كان قبل تفرّق الاولى لم يؤذّنوا. وإن كان بعدها أذّنوا وأقاموا ، وإن كان قبل افتراق الثانية.
لأن الضابط أن يحضر جماعة على جماعة أذّنوا ، والثانية لم يؤذّن.
تنبيه
المنع من الجماعة والأذان في هذه الصورة هل هو على التحريم ، أو الكراهة؟
قال في التهذيب : لا يجوز أن يصلّي جماعة أخرى تلك الصلاة بأذان وإقامة (٥).
وفي الخلاف. إذا صلّى في مسجد جماعة وجاء قوم آخرون ينبغي أن يصلّوا فرادى (٦).
__________________
(١) النافع : السابعة في الأذان والإقامة ، ص ٢٧ ، س ٢٢ ، قال : «ولو صلّى في مسجد جماعة».
(٢) الشرائع : ج ١ ، ص ٧٤ ، المقدمة السابعة في الأذان والإقامة ، قال : «ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون».
(٣) التحرير : كتاب الصلاة الفصل السادس في الأذان والإقامة ، ص ٣٤ ، س ٣٣ ، قال : «(د) الجماعة الثانية في المسجد يجتزءون بأذان الأولى».
(٤) القواعد : كتاب الصلاة ، الفصل السادس في الأذان والإقامة ، ص ٣٠ ، س ٦ ، قال : «ويكره للجماعة الثانية الأذان والإقامة». انتهى
(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ٥٥ ، باب ٣ ، أحكام الجماعة وأقل الجماعة وصفة الامام ومن يقتدى به ومن لا يقتدى به ، ذيل الحديث ١٠١ ، نقلا بالمعنى.
(٦) الخلاف : ج ١ ، ص ١٩٠ ، كتاب الجماعة ، مسألة ٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
وصرّح في النهاية ، والمبسوط بالكراهة (١) ، وهو اختيار المصنّف (٢) ، والعلّامة (٣) ، وهو مذهب أبي علي (٤) ، وابن إدريس (٥).
واحتجّ الشيخ : على المنع : برواية أبي علي الجبائي ، قال : كنّا ، الحديث ، وقد تقدّم.
احتجّ الباقون : بالأصل وبأنّها جماعة ، فتكون مندوبة. والنهي الذي ذكره محمول على الأذان لا الجماعة ، ويدلّ عليه حديث زيد عن علي (عليه السّلام) قال : دخل رجلان المسجد ، الحديث ، وقد تقدّم أيضا.
الثاني : هو ما يسقط فيه الأذان خاصة ، فمواضع.
(ألف) : سقوطه عن القاضي المؤذّن في أوّل ورده ، ويقيم للبواقي من غير أذان ، ولو اقتصر على الإقامة في الجميع أجزأه ، ولو جمع بين الأذان والإقامة لكلّ صلاة كان أفضل ، فالسقوط رخصة ، ولو قلنا بوجوبه في الصبح والمغرب ، لم يجب هنا فيهما إذا لم يكونا ، أوّل الورد.
ويحتمل عدم الوجوب مطلقا ، ويكون مختصّا بالأداء دون القضاء ، روى زرارة
__________________
(١) النهاية : ص ١١٨ ، كتاب الصلاة ، باب الجماعة وأحكامها وحكم الامام والمأمومين ، س ٤ ، قال : «وإذا صلى في مسجد جماعة كره ان يصلي دفعة أخرى جماعة تلك الصلاة» انتهى. وفي المبسوط : ج ١ ، كتاب صلاة الجماعة ، ص ١٥٢ ، س ٨ ، قال : مثل عبارة النهاية.
(٢) الشرائع : ج ١ ، ص ٧٤ ، كتاب الصلاة ، في الأذان والإقامة ، قال : «ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية».
(٣) المختلف : ص ١٥٣ ، س ١٠ ، كتاب الصلاة ، الفصل الرابع في صلاة الجماعة ، قال : «والأقرب عندي قول الشيخ في النهاية».
(٤) المختلف : ص ١٥٣ ، س ٧ ، كتاب الصلاة ، في صلاة الجماعة ، قال : «وقال ابن الجنيد : ولا بأس بالجمع في المسجد الذي قد جمع فيه صاحبه» انتهى.
(٥) السرائر : ص ٦٣ ، س ١ ، كتاب الصلاة ، باب صلاة الجماعة وأحكامها ، قال : «وإذا صلى في مسجد جماعة كره أن تصلّى جماعة تلك الصلاة».
وفصولهما على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا. والأذان ثمانية عشر فصلا ، والإقامة سبعة عشر فصلا.
وكلّه مثنى عدا التكبير في أوّل الأذان فإنّه أربع ، والتهليل في آخر الإقامة فإنّه مرّة.
______________________________________________________
في الصحيح عن الباقر (عليه السّلام). انّ أقلّ ما يجزي من الأذان أو يفتتح الليل بأذان وإقامة ، والنهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان (١).
(ب) : الجامع بين الصلاتين في وقت يؤذّن لصاحبة الوقت ، ثمَّ يقيم للأخرى. فإن كان الجمع في وقت الاولى كان الأذان لها ، ثمَّ يقيم للثانية. وإن كان في وقت الثانية كان الأذان لها ويقيم بعده للأولى ، ثمَّ يعيد بعد فراغه للثانية ولا يؤذّن لها ، لتقدّم أذانها.
(ج) : سقوطه في عشاء المزدلفة ، لأنّ الصادق (عليه السّلام) روى أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان واحد وإقامتين (٢).
(د) : عصر العرفة مع الجمع في وقت واحد ، سواء كانت الاولى ، وهو أفضل ، أو الثانية ، كما لو كان هناك عذر.
(ه) : عصر الجمعة للجمع بين صلاتيها ، وسقوط ما بينهما من النوافل.
(و) : سقوطه عن النساء دون الإقامة ، لأنّها استفتاح للصلاة ، فيستوي فيها الرجال والنّساء ، ولو أذّنت كان أفضل. ويجزيها التكبيرة والشهادتان رخصة. والأذان بتمامه أفضل.
قال طاب ثراه : وفصولهما على أشهر الروايات خمسة وثلاثون.
أقول : هذا هو المشهور عند الأصحاب والمشهور في كتب الفتاوى لا يختلف أقوالهم
__________________
(١) الفقيه : ج ١ ، ص ١٨٦ ، باب ٤٤ ، الأذان والإقامة وثواب المؤذنين ، حديث ٢٢ ، وفيه «بأذان وإقامة ويفتتح النهار».
(٢) التهذيب : ج ٥ ، ص ١٩٠ ، باب نزول المزدلفة ، حديث ٧.
والترتيب فيه شرط.
______________________________________________________
فيه ، إلّا ما يحكى عن أبي علي من تثنية تهليل الإقامة إذا لم يسبق بأذان.
وإنّما الخلاف في الروايات ، وهي على أنحاء.
(ألف) : إنّهما اثنان وأربعون ، بجعل التكبير في آخر الأذان كأوّله ، ومساواة الإقامة للأذان. وهو في رواية الحضرمي (١) ، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) حين حكى لهما الأذان (٢).
(ب) : أربع وثلاثون ، بجعل فصول كلّ منهما مثنى مثنى ، وهو في رواية صفوان بن مهران عنه (عليه السّلام) (٣).
(ج) : تسع وعشرون ، بجعل الإقامة مرّة مرّة إلّا التكبير فيها فإنّه مثنى مثنى ، وهو في رواية عبد الله بن سنان عنه (عليه السّلام) (٤).
(د) : خمس وعشرون ، بجعل الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة واحدة ، وهو في رواية معاوية بن وهب عنه (عليه السّلام) (٥).
وقال طاب ثراه : والترتيب فيه شرط.
أقول : معنى شرطيّة الترتيب في الأذان والإقامة ، الاعتداد بهما. لانّ الشرط هو ما يتوقّف عليه صحّة الماهيّة ، وفقدان الشرط يوجب انتفاء المشروط ، قضيّة للشرطيّة.
__________________
(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٦٠ ، باب ٧ ، عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما ، حديث ٤.
(٢) وذلك لأنه (عليه السّلام) لما حكى لهما الأذان ، قال في آخره : «والإقامة كذلك» أقول فيزاد تكبيرتان في آخر الأذان وتكبيرتان في أول الإقامة وتكبيرتان في آخر الإقامة ويزاد أيضا لا إله إلّا الله مرة فهذه سبعة ، فمع خمس وثلاثون فصول الأذان والإقامة يصير المجموع اثنان وأربعون. ولكن لم يظهر وجه قول الشارح : «يجعل التكبير في آخر الأذان كأوّله» فتأمّل.
(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٠٣ ، كتاب الصلاة ، باب بدء الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهما ، حديث ٤.
(٤) التهذيب : ج ٢ ، ص ٦١ ، باب ٧ ، عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما ، حديث ٨ ، نقلا بالمضمون.
(٥) التهذيب : ج ٢ ، ص ٦١ ، باب ٧ ، عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما ، حديث ٧.
والسنّة فيه الوقوف على فصوله ، متأنيّا في الأذان ، هادرا في الإقامة ، والفصل بينهما بركعتين ، أو جلسة ، أو سجدة ، أو خطوة. خلا المغرب ، فإنّه لا يفصل بين أذانيها إلّا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة.
ويكره الكلام في خلالهما. والترجيع إلّا للإشعار.
______________________________________________________
فكان وجود الماهيّة مع الإخلال بشرطها ، كلا وجودها وتظهر فائدته في مسائل.
(ألف) : الاعتداد به في فضيلة الصلاة.
(ب) : اعتباره في الجماعة وجوبا أو استحبابا.
(ج) : استحباب حكايته للسامع إذا كان قريبا ، وعدمه مع عدمه ، لانّه ليس بأذان ، وإنّما يستحبّ حكاية الأذان.
(د) : لو نذر الأذان لم يبرئ بغير المرتّب ، ويجب الكفارة مع تحقّق المخالفة.
(ه) : لو نذر الصلاة بسننها لم يبرئ بإيقاعها مع عدم الترتيب في أذانها.
(و) : عدم سقوط التكليف بإيقاع غير المرتّب ، لو قلنا بوجوبه على أهل المصر ، على القول به.
(ز) : لا يدخل غير المرتّب في المؤذّنين ، لو نذر أو وقف أو أوصى للمؤذّنين.
(ح) : عدم استحقاقه الجعل ممّن قال : من أذّن في داري فله درهم.
واعلم : انّ المصنّف رحمه الله عبّر عن الترتيب بالشرطيّة (١) ، والشيخ بالوجوب ، فقال : والواجب فيهما قسم واحد ، وهو الترتيب (٢).
والظاهر أنّ مراده الشرطيّة أيضا ، كما قال : وهما واجبان في صلاة الجماعة ، وفسّره في المبسوط فقال : ولو صلّى جماعة بغير أذان ولا إقامة ، لم تحصل فضيلة الجماعة
__________________
(١) المعتبر : كتاب الصلاة ، في الأذان والإقامة ، ص ١٦٥ ، س ٦ ، قال : «مسألة. والترتيب شرط».
(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها ، ص ٦٧ ، س ٢ ، قال : «والترتيب واجب في الأذان والإقامة».
وقول : الصلاة خير من النوم.
وأمّا اللواحق : فمن السنّة حكايته عند سماعه. وقول ما يخلّ به المؤذّن ، والكفّ عن الكلام بعد قوله (قد قامت الصلاة) إلّا بما يتعلّق بالصلاة.
______________________________________________________
مسائل ثلاث
الأولى : إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به في الجماعة ، ولو كان المؤذّن منفردا.
الثانية : من أحدث في الصلاة أعادها ، ولا يعيد الإقامة إلّا مع الكلام.
الثالثة : من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام. ولو خشي فوات الصلاة ، اقتصر من فصوله على تكبيرتين وقد قامت الصلاة.
والصلاة ماضية (١).
والتحقيق : انّ غير المرتّب إذا اعتقد مشروعيّته كذلك ، وانّه أذان صحيح ، فعل حراما ، لانّه تغيير للحكم الشرعي.
قال طاب ثراه : وقول : الصلاة خير من النوم.
أقول : المشهور تحريم التثويب ، وهو قول : الصلاة خير من النوم. ومحلّه أذان الصبح وعشاء الآخرة.
__________________
(١) المبسوط : ج ١ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٩٥ ، س ٨ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الكتاب.
.................................................................................................
______________________________________________________
وذهب بعضهم إلى كراهيّته. والأوّل مذهب ابن حمزة (١) ، وابن إدريس (٢) ، وظاهر النهاية (٣) ، وهو اختيار العلّامة (٤) ، والثاني مذهب الشيخ في المبسوط (٥) ، والمرتضى في الانتصار (٦) ، واختاره المصنّف (٧).
__________________
(١) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الخامس في الأذان والإقامة ، ص ٨٩ ، س ٢٣ ، قال : «فقول الشيخ في النهاية يشعر بالتحريم فيهما وهو اختيار ابن إدريس وابن حمزة».
(٢) السرائر : كتاب الصلاة ، باب الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٤٣ ، س ٣٧ ، قال : «ولا يجوز التثويب في الأذان».
(٣) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٦٧ ، س ٤ ، قال قدس سره : «ولا يجوز التثويب في الأذان» ثمَّ قال س ٦ : «ولا يجوز قول (الصلاة خير من النوم) في الأذان».
(٤) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الخامس ، في الأذان والإقامة ، ص ٨٩ ، س ٢٦ ، قال : «والمشهور التحريم».
(٥) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر الأذان والإقامة وأحكامهما ، ص ٩٥ ، س ١٧ ، قال : «والتثويب مكروه في الأذان وهو قول : «الصلاة خير من النوم».
(٦) الانتصار : كتاب الصلاة ، قال : مسألة : ومما أظن انفراد الإمامية به كراهة التثويب في الأذان ، ومعناه.» الى آخره.
(٧) المعتبر : كتاب الصلاة ، في الأذان والإقامة ، ص ١٦٥ ، س ٣٥ ، قال : «ويكره في أذان الغداة وغيرها ، الصلاة خير من النوم».
واما المقاصد فثلاثة
الأوّل
في أفعال الصلاة
وهي : واجبة ومندوبة
فالواجبات ثمانية
الأوّل : في النيّة : وهي ركن ، وان كانت بالشرط أشبه ، فإنّها تقع مقارنة ، ولا بدّ من نيّة القربة والتعيين والوجوب أو الندب ، والأداء أو القضاء ، ولا يشترط نيّة القصر ولا الإتمام ، ولو كان مخيّرا.
ويتعيّن استحضارها عند أول جزء من التكبير واستدامتها حكما.
______________________________________________________
وأمّا المقاصد فثلاثة
الأوّل : في أفعال الصلاة.
قال طاب ثراه : الأوّل النيّة ، وهي ركن ، وان كانت بالشرط أشبه ، فإنّها تقع مقارنة.
أقول : البحث هنا مسبوق بمعرفة الشرط والجزء.
فنقول : الصلاة ماهيّة مركّبة من قيام وقعود وركوع وسجود. فجزئها ما يتوقّف عليه تمامها ، وشرطها ما يتوقّف عليه صحّتها.
إذا عرفت هذا : فهل النيّة شرط في صحّة الصلاة ، أو جزء منها؟
الثاني : التكبير : وهو ركن في الصلاة ، وصورته : الله أكبر ، مرتّبا ، ولا ينعقد بمعناه ، ولا مع الإخلال ولو بحرف ومع التعذّر تكفي الترجمة ، ويجب التعلّم ما أمكن.
والأخرس ينطق بالممكن ، ويعقد قلبه بها مع الإشارة.
ويشترط فيها القيام ، ولا يجزئ قاعدا مع القدرة. وللمصلّي الخيرة في تعيينها من السبع.
وسننها : النطق بها على وزن «أفعل» من غير مدّ ، وإسماع الإمام ، من خلفه ، وأن يرفع بها المصلّي يديه محاذيا وجهه.
الثالث : القيام : وهو ركن مع القدرة ، ولو تعذّر الاستقلال اعتمد ، ولو عجز عن البعض أتى بالممكن ، ولو عجز أصلا صلّى قاعدا.
______________________________________________________
يحتمل الأوّل ، لقوله (عليه السّلام) (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) (١) ، فجعل أوّل الصلاة ومبدأها التحريم وآخرها التسليم ، والنيّة سابقة على التكبير أو مقارنة له ، فلا يكون جزء.
وأيضا فإنّها من أفعال القلوب فمع فقدها نحكم بتمام الصلاة ، لا بصحّتها ، فكانت شرطا. ولأنّها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة ، إذ لو كانت من الصلاة لتعلّقت
__________________
(١) رواه الصدوق في الفقيه : ج ١ ، كتاب الطهارة ، باب افتتاح الصلاة ، وتحريمها وتحليلها ، ص ٢٣ ، حديث ١ ، ولفظ الحديث «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) : افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم». ورواه أصحاب الصحاح والسنن ، لاحظ سنن أبي داود : ج ١ ، ص ١٦ ، باب فرض الوضوء ، حديث ٦١ ، وفيه «مفتاح الصلاة» وسنن الترمذي : ج ١ ، ص ٨ ، أبواب الطهارة ، باب ٣ ، ما جاء أنّ مفتاح الصلاة الطهور ، حديث ٣ ، وفيه «مفتاح الصلاة» : وسنن ابن ماجه : ص ١٠١ ، كتاب الطهارة ، وسننها ، باب ٣ ، مفتاح الصلاة الطهور ، حديث ٢٧٥ ، وفيه «مفتاح الصلاة». وسنن الدارمي : ج ١ ، ص ١٧٥ ، باب مفتاح الصلاة الطهور ، وفيه «مفتاح الصلاة». ومسند أحمد بن حنبل : ج ١ ، ص ١٢٣ و ١٢٩.
وفي حدّ ذلك قولان : أصحّهما مراعاة التمكّن ، ولو وجد القاعد خفّة نهض قائما حتما ، ولو عجز عن القعود صلّى مضطجعا موميا ، وكذا لو عجز صلّى مستلقيا.
ويستحبّ أن يتربّع القاعد قارئا ، ويثنّي رجليه راكعا.
______________________________________________________
بنفسها. هذا دور.
ويحتمل : كونها جزء ، لأنّها مشروطة بالقيام والمقارنة ، فليست على حدّ باقي الشروط ، كالستر والطهارة. ولأنّها تعدّ في الواجبات ، فلو لم يكن جزء لما عدّت ، كما لا تعدّ الطهارة والاستقبال.
وتظهر فائدة الخلاف فيمن نذر أن لا تخلّ بشرط أو جزء ، ويلحقه حكم ما يقوّيه المجتهد.
قال طاب ثراه : وفي حدّ ذلك قولان : أصحّهما مراعاة التمكّن.
أقول : إنّما أخّر المصنّف القيام عن النيّة والتحريم. لانّه لا يصير جزء إلّا بهما ، وعلّة الشيء سابقة عليه. وبعض الفقهاء تقدّمه عليها. لأنّه في حقّ المختار متقدّم عليهما ، ولا يجوز أن يقع واحد منهما قبله ، فهو شرط في صحتهما ، والشرط متقدّم على المشروط.
وما اختاره المصنّف هو المشهور ، ومستنده رواية جميل قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟ قال : إنّ الرجل ليوعك ويحرج ولكنّه أعلم بنفسه ، إذا قوي فليقم (١).
__________________
(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٦٩ ، باب ٩ ، تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز حديث ١٣١ ، وفيه : «فقال :. ولكن إذا قوي» وقريب منه ما في التهذيب : ج ٣ ، ص ١٧٤ ، باب ١٤ ، صلاة الغريق والمتوحل والمضطر بغير ذلك ، حديث ١٣.
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي رواية عن الباقر (عليه السّلام) قال (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١) ذاك إليه ، هو أعلم بنفسه (٢).
وقال في المبسوط : وقد روى أصحابنا إذا لم يقدر على القراءة (٣) في جميع الصلاة قرأ جالسا (٤).
وروى سليمان بن حفص المروزي قال الفقيه : المريض إنّما يصلّى قاعدا إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما (٥).
قوله : وهو ركن (٦).
اعلم : انّ الفقهاء استقرءوا أفعال الصلاة ، فوجدوا منها أفعالا يبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا ، وبزيادتها كذلك ، فسمّوها بالركن ، وركن الشيء جانبه الأقوى ، ومنه ركن البيت والحائط ، لأنّه يحيط بزاويته ويشتمل على حائطين ، وقال تعالى حاكيا عن لوط (عليه السّلام) (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٧).
قال الطبرسي : الركن معتمد البناء بعد الأساس (٨).
__________________
(١) سورة القيامة : ١٤.
(٢) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٧٧ ، باب ١٤ ، صلاة الغريق والمتوحل والمضطر بغير ذلك ، حديث ١٢.
(٣) هكذا في الأصل ، ولكن في المبسوط «إذا لم يقدر على القيام» وهو الصحيح.
(٤) المبسوط : ج ١ ، ص ١٠٠ ، س ١٧ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القيام وبيان أحكامه.
(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٧٨ ، حديث ١٥ ، باب ١٤ ، صلاة الغريق والمتوحّل والمضطر بغير ذلك وفيه : «لا يقدر فيها أن يمشي».
(٦) هكذا في جميع النسخ التي عندنا ، من تقديم شرح قول المصنّف (وفي حد ذلك قولان (انتهى). على شرح قوله : (وهو ركن) : ثمَّ إسقاط قوله (أقول) عند الشرح.
(٧) سورة هود : ٨٠.
(٨) مجمع البيان : ج ٥ ـ ٦ ، ص ١٨٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
وما لا يكون كذلك فسمّوه بالفعل (١).
والمشهور : أنّ الأركان خمسة : النيّة ، والتحريمة ، والقيام ، والركوع ، والسجدتان معا ، وعليه المحقّقون. وهنا للأصحاب ثلاثة أقوال أخر.
(ألف) : قسّم الحسن بن أبي عقيل أفعال الصلاة إلى فرض ، وهو ما إذا أخلّ به عمدا وسهوا بطلت صلاته ، وإلى سنّة ، وهو ما إذا أخلّ به عمدا بطلت ، لا سهوا ، وإلى فضيلة ، وهو ما لا تبطل بتركه مطلقا ، وجعل الأوّل ، وهو الذي سمّيناه ركنا الصلاة بعد دخول الوقت واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود (٢).
ولعلّه نظر إلى كون الاستقبال شرطا ، فكان الركن عنده خمسة ، وأهمل القيام والنيّة. وهو ضعيف ، لاشتماله على خروج النيّة والقيام عن الركنيّة. ولأنّ الاستقبال شرط اختياري ، وقد يصحّ صلاة من ترك الاستقبال وصلّى إلى يمين القبلة أو يسارها ظانّا وقد خرج الوقت ، أو مستدبرا على قول السيد.
(ب) : قال ابن حمزة : الأركان ستة (٣) ، وأضاف إلى المشهور استقبال القبلة ، قال العلّامة : ولا بأس به ، لبطلان الصلاة بترك الاستقبال ناسيا (٤).
والجواب : أنّ البحث عن أفعال الصلاة وتقسيمها إلى الركن وغيره ، وإنّما يطلق على ما يقارنها ويكون داخلا فيها من التحريم إلى التسليم ، لا عن مطلق الواجبات وإن كانت شرطا ، وإلّا لزم أن تعدّ الطهارة ركنا ، فإنّها أقوى في الشرطيّة من الاستقبال والوقت ، فإنّ أحدا لم يقل بصحّة صلاة غير المتطهّر وإن كان ناسيا ، و
__________________
(١) اي ما لا يكون ركنا سمّوه بأفعال الصلاة.
(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، الباب الثاني في أفعال الصلاة ، ص ٩١ ، س ٦ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الكتاب.
(٣) المختلف : كتاب الصلاة ، الباب الثاني في أفعال الصلاة ، ص ٩١ ، س ٥.
(٤) المختلف : كتاب الصلاة ، الباب الثاني في أفعال الصلاة ، ص ٩١ ، س ٩.
.................................................................................................
______________________________________________________
قالوا بصحّة صلاة من دخل عليه الوقت في الصلاة. ومن صلّى إلى غير القبلة للجهل أو النسيان. وكان يلزمهم أن يعدّوا الطهارة والستر وما ناسب ذلك من الأركان.
(ج) : قال في المبسوط : وفي أصحابنا من جعل القراءة ركنا (١) ، ولعلّ تمسّك هذا القائل بقوله (عليه السّلام) : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢).
وبما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن الباقر (عليه السّلام) قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته؟ قال : لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات (٣).
والجواب : انّ السؤال كما يحتمل الناسي يحتمل العامد ، وليس حمله على الناسي أولى من العكس ، ويؤيّده ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال : إنّ الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنّة فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شيء عليه (٤).
وعن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام) : إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها؟ فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى قال : قد تمّت صلاتك (٥).
تنبيه
أجمع القائلون بركنيّة القيام على عدم البطلان بزيادته فيمن رجع لتدارك تشهّد
__________________
(١) المبسوط : ج ١ ، ص ١٠٥ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القراءة وأحكامها ، س ١٢.
(٢) عوالي اللئالي : ج ٢ ، ص ٢١٨ ، باب الصلاة ، حديث ١٣.
(٣) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٤٦ ، باب ٩ ، تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز ، حديث ٣١ ، وفيه : «يقرأ بفاتحة».
(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٤٧ ، كتاب الصلاة ، باب السهو في القراءة ، حديث ١.
(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٤٨ ، كتاب الصلاة ، باب السهو في القراءة ، حديث ٣ ، وفيه : «قد تمّت».
.................................................................................................
______________________________________________________
أو ركوع أو سجود ، وهما متنافيان؟ فقيل : المراد بالقيام الذي هو ركن انّما هو القيام الحاصل في النيّة والتحريمة ، فهذا القدر فاذا فات مطلقا بطلت الصلاة ، بخلاف ما في جزئيّاته.
وقيل : المراد به القيام الحاصل في مجموع الصلاة ، فلو فرض ترك القيام في مجموع الصلاة مع إتيانه بتمام القراءة والركوع والسجود ، كانت صلاته باطلة ، فمعنى قولهم : «ترك الركن مبطل» يريدون به جنس الركن الشامل لمجموع جزئيّات القيام.
فالإخلال ببعضه لا يكون مبطلا ، كما لو ترك واحدة من السجدتين أو ترك بعض الركوع كتسبيحة أو طمأنينة مثلا ، بل إنّما يبطل بالسجدتين معا ، أو بالركوع جملة ، فكذا القيام لا يبطل الصلاة بتركه أو بزيادته في بعض موارده.
وقيل : المراد بالركن منه ما كان في ركن ، كقيام الركوع والتحريمة والنيّة.
والتحقيق هنا : أنّ ركنيّة القيام بالنسبة إلى النقيصة على حدّ باقي الأركان ، سواء كان محلّ ركن كقيام النيّة أو لا كقيام القراءة ، وأما بالنسبة إلى الزيادة فليس على حدّ باقي الأركان ، للنص عليه والإجماع فيمن ترك سجودا أو تشهّدا وذكر قبل ركوعه ، فإنّه يتدارك ولا يضرّ الزيادة. وأما النقيصة فيبطل مطلقا.
وكذا أطلقوا القول بالصحّة في سبق المأموم إلى ركوع أو سجود ، فإنّه يرجع ، ولا يبطل زيادة الركن هنا ، وهو خروج عن القاعدة.
والجواب : أنّ صلاة المأموم لمّا كانت مرتبطة بصلاة الإمام ، كان ركنها المعتبر هو الركن المقيّد بمتابعة الإمام ، أو ما قصد به الانفراد. أمّا مع نيّة الانفراد ، أو مع التعمّد ، فإنّه بتعمّده قطع العلاقة بين صلاته وصلاة الإمام.
وحينئذ يجب عليه مع السبق أن يستمرّ على حاله حتّى يلحقه الإمام إن كان ركوعه بعد فراغ الإمام من واجب القراءة ، وإلّا بطلت. لأنّ الإمام نائب عنه في القراءة ، فيكون قد ركع قبل تمام قراءته عامدا وذلك مبطل. وأمّا في الرفع
وقيل : يتورّك متشهّدا.
الرابع : القراءة : وهي متعيّنة بـ (الحمد) والسورة في كلّ ثنائيّة ، وفي الأوّليّين من كلّ رباعيّة وثلاثيّة. ولا تصحّ الصلاة مع الإخلال بها عمدا ولو بحرف ، وكذا الإعراب ، وترتيب آياتها في (الحمد) والسورة ، وكذا البسملة في (الحمد) والسورة ، ولا تجزئ الترجمة ، ولو ضاق الوقت قرأ ما يحسن بها ، ويجب التعلّم ما أمكن. ولو عجز قرأ من غيرها ما تيسّر ، وإلّا سبّح الله وكبّره وهلّله بقدر القراءة.
ويحرّك الأخرس لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه.
______________________________________________________
من الركوع فيعتبر في صحة صلاته فراغه من تمام ذكره الواجب عليه. وكذا في السجود. وإن لم يفرغ الإمام من ذكره المعتبر ، وإن رفع قبل ذلك بطلت صلاته ، وإن فرغ الإمام من ذكره الواجب ، لعدم التحمّل فيه.
والتحقيق : أنّ لفظ القيام في الصلاة يقال بالاشتراك على معان.
(ألف) : ما هو شرط قطعا ، وهو قيام النيّة.
(ب) : القيام في النيّة ، وهو تابع لها في الشرطيّة والركنيّة.
(ج) : ما هو ركن مطلقا ، وهو قيام الركوع.
(د) : ما هو واجب وليس بركن قطعا ، وهو قيام القراءة ، ومثله القيام عن الركوع مع الطمأنينة.
(ه) : ما هو سنّة ، وهو قيام القنوت (١).
قال طاب ثراه : وقيل : يتورّك متشهّدا.
أقول : إذا صلّى الإنسان قاعدا ، إمّا في الفرض لعذر ، أو في النفل مطلقا ، قعد كيف شاء. والأفضل مراعاة ما نقل في ثلاث حالات ، القيام والركوع والتشهّد ،
__________________
(١) من قوله : (والتحقيق ان لفظ القيام) الى هنا موجود في نسخة (ج) فقط.