المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

١
٢

كتاب الوديعة والعارية

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الوديعة والعارية

أمّا الوديعة : فهي استنابة في الاحتفاظ ، وتفتقر الى القبول قولا كان أو فعلا ، ويشترط فيهما الاختيار. وتحفظ كلّ وديعة بما جرت به العادة. ولو عيّن المالك حرزا اقتصر عليه ، ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إلّا مع الخوف. وهي جائزة من الطرفين ، وتبطل بموت كل واحد منهما. ولو كانت دابّة وجب علفها وسقيها ، ويرجع به على المالك. والوديعة أمانة لا يضمنها المستودع إلّا مع التفريط أو العدوان. ولو تصرف فيها باكتساب ضمن وكان الربح للمالك. ولا يبرأ بردّها الى الحرز. وكذا لو تلفت في يده بتعدّ أو تفريط فردّ مثلها إلى الحرز ، بل لا يبرأ إلّا بالتسليم

______________________________________________________

كتاب الوديعة والعارية

مقدّمة

الوديعة مشتقة من ودع يدع ، إذا استقرّ وسكن ، تقول : أودعته أودعه ، اى أقررته ، وأسكنه ، وقيل : إنه مشتق من ودع يقال : ودع الشي‌ء يودع إذا كان في خفض وسكون ، وهو قريب من الأول ، وكأنّ المالك سكن الى المستودع واطمأنّ اليه وثوقا بأمانته وأنّه يقوم مقامه في حفظها ، فهو في خفض ودعة من تكلّف

٥

إلى المالك أو من يقوم مقامه ، ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم ، لكن إن أمكنه الدفع وجب ، ولو أحلفه أنها ليست عنده حلف مورّيا. وتجب إعادتها إلى المالك مع المطالبة.

ولو كانت غصبا منعه وتوصّل في وصولها الى المستحق. ولو جهله عرّفها كاللّقطة حولا ، فإن وجده ، وإلّا تصدّق بها عن المالك إن شاء ، ويضمن ان لم يرض. ولو كانت مختلطة بمال المودع ردّها عليه إن لم يتميّز. وإذا ادّعى المالك التفريط ، فالقول قول المستودع مع يمينه.

______________________________________________________

إحفاظها ، وقرار من تجشم مراعاتها.

والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» (١) وقوله تعالى «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» (٢).

وأمّا السنّة : فروى أنس بن مالك وأبي بن كعب وأبو هريرة كلّ واحد على الانفراد عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : أدّ الأمانة الى من ائتمنتك ، ولا تخن من خانك (٣) وكان عنده صلّى الله عليه وآله ودائع بمكة فلما أراد أن يهاجر أودعها أمّ أيمن ، وأمر عليا عليه السّلام بردّها على أصحابها (٤) وروى سمرة (٥) عنه

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) البقرة : ٢٨٣.

(٣) عوالي اللئالى : ج ٣ باب الوديعة ص ٢٥٠ الحديث ١ ولا حظ ما علق عليه.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب الوديعة ص ٢٥٠ الحديث ٢ ورواه في المستدرك : ج ٢ كتاب الوديعة ، الباب ١ الحديث ١٢. نقلا عن عوالي اللئالى ، ونقله في التذكرة : ج ٢ كتاب الأمانات ، ص ١٩٦.

(٥) بفتح السين المهملة وضم الميم وفتح الراء المهملة والهاء في الأصل سمّي به جماعة من الصحابة (تنقيح المقال : ج ٢ ص ٦٨ باب سمرة).

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام انه قال : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي (١).

ومن طريق الخاصة عن زين العابدين عليه السّلام : لو أنّ قاتل الحسين عليه السّلام ائتمنني على السيف الذي قتل به الحسين عليه السّلام لرددته اليه (٢).

وأمّا الإجماع : فمن الأمّة لا يختلفون فيه.

تنبيه

الوديعة والعارية من الأمانات الخاصة.

والأمانة مطلقا ينقسم الى قسمين :

أمانة خاصة كالوديعة ، والعارية ، والشركة ، والمضاربة ، والعين المرهونة ، والمستأجرة ، وما في يد الوكيل ، والوصيّ ، وضابطها كلّ عين حصلت في يد غير مالكها بغير اذنه أو بإذنه ، ثمَّ اعلم ولم يطالبها ، أو أقرّه الشارع على إمساكها ليدخل فيه الوديعة بعد موت المودع المشغول بحجة الإسلام ، مع علم المستودع عدم تقييد الوارث ، فإن الشارع جعل له ولاية الاستيجار للحج فهي في يده الى وقت الاستيجار غير مضمونة. ويدخل فيه أيضا اللقطة ، فإنها لا بإذن المالك ، بل الشارع أقرّ يده عليه للاحتفاظ.

وأمانة عامة : وهي كل عين حصلت في يد غير المالك مع عدم علمه بذلك على غير التعدي كالثوب تطيره الريح الى دار إنسان ، وكالوديعة إذا مات مالكها ولم يعلم الوارث ، وكالمأمور بدفع عين الى غيره ، والمال الموصى بتفريقه أو بدفعه الى من يعلم به. ولو كان الموصى له معينا وعلم به كان أمانة خاصة ، وحكم أمانة الخاصة

__________________

(١) سنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الصدقات (٥) باب العارية ، الحديث ٢٤٠٠ والترمذي : ج ٣ كتاب البيوع (٣٩) باب ما جاء ان العارية مؤداة الحديث ١٢٦٦.

(٢) الأمالي للشيخ الطوسي : المجلس الثالث والأربعون ، ص ١٠٣.

٧

ولو اختلفا في مال هل هو وديعة أو دين ، فالقول قول المالك مع يمينه أنه لم يودع ، إذا تعذّر الردّ ، أو تلفت العين ، ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : القول قول المستودع ، وهو أشبه ، ولو اختلفا في الردّ فالقول قول المستودع. ولو مات المودع وكان الوارث جماعة دفعها إليهم ، أو الى من يرتضونه ، ولو دفعها الى البعض ضمن حصص الباقين.

وأمّا العارية : فهي الإذن في الانتفاع بالعين تبرّعا وليست لازمة لأحد المتعاقدين. ويشترط في المعير كمال العقل وجواز التصرّف. وللمستعير الانتفاع بما جرت به العادة. ولا يضمن التلف ولا النقصان لو اتفق بالانتفاع ، بل لا يضمن إلّا مع تفريط أو عدوان أو اشتراط ، الّا ان تكون العين ذهبا أو فضة فالضمان يلزم وإن لم يشترط. ولو استعار من الغاصب مع العلم ضمن ، وكذا لو كان جاهلا لكن يرجع على المعير بما يغترم. وكلّ ما يصح الانتفاع به مع بقائه تصح إعارته ، ويقتصر المستعير على ما يؤذن له. ولو اختلفا في التفريط فالقول قول المستعير مع يمينه

______________________________________________________

انها لا يجب دفعها إلّا مع الطلب من المالك أو وكيله ، ولو أتلفت قبله لم يضمن ، وحكم العامة وجوب الدفع على الفور ويضمن مع التأخير ، ويشتركان في الضمان مع التفريط أو التعدي.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في مال هل هو وديعة أو دين؟ فالقول قول المالك :

أنّه لم يودّع ، إذا تعذّر الردّ أو تلفت العين. ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : القول قول المستودع ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

(أ) إذا اختلفا في مال ، فقال القابض : هو وديعة عندي ، وقال مالكه : بل هو

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

دين عليك ، أي مثله دين ، لأنّ الملك المعين لإنسان لا يكون دينا على غيره ، لأنّ الدين كلّي ثابت في الذمة غير مشخص ، إلّا أن نقول : القرض لا يملك بمجرّد القبض ، بل بالتصرّف ، وهذا النزاع إنما يحصل ويتصوّر له ثمرة مع تلف العين أو تعذّر ردّها ، كما لو أخذها ظالم فادّعى القابض أنها وديعة عنده وتلفها من مالكها ، وادّعى المالك أنّها دين عليه ، وقال : حقي ثابت في ذمّتك وإنّما لي عليك مثلها أو قيمتها ، فالقول قول المالك لأنّ الأصل في اليد ضمانها مال الغير ، لقوله عليه السّلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدّى (١) ولما رواه إسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل استودع رجلا ألف درهم ، فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : انما كانت عليك قرضا ، قال : المال لازم له ، إلّا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة (٢).

(ب) إذا ثبت تفريط الودعي بإقراره أو البينة ، لزمه ضمان العين مثلا أو قيمة ، فإن اختلفا في القيمة ، فهل القول قول المالك؟ قال الشيخان : نعم (٣) لأنّ الودعي صار بالتفريط خائنا ، ولا يكون قوله مسموعا ، وقال التقى : يقبل قوله لأنّه غارم والأصل براءة ذمته من الزائد (٤) وبه قال ابن حمزة (٥) وابن

__________________

(١) تقدم آنفا.

(٢) الفروع : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب ضمان العارية والوديعة ، ص ٢٣٩ الحديث ٨.

(٣) المقنعة : باب الوديعة ص ٩٧ س ١٦ قال : وإذا اختلف المودّع والمودع في قيمة الوديعة كان القول قول صاحبها إلخ وفي النهاية : باب الوديعة والعارية ص ٤٣٧ س ١٥ قال : وإذا اختلف المودع والمودع في قيمة الوديعة كان القول قول صاحبها إلخ.

(٤) الكافي : فصل في الوديعة ص ٢٣١ س ١٢ قال : فان اختلفا في القيمة أخذ منه ما أقربه وطولب المودع بالبينة إلخ.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان الوديعة ص ٢٧٥ س ١٣ قال : فان اختلفا في القيمة ولم يكن هناك بينة كان القول قول المودع إلخ.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إدريس (١) واختاره المصنف (٢) والعلامة (٣).

ذكر العارية

قال في الصحاح : العاريّة بالتشديد ، كأنّها منسوب إلى العار ، لأنّ طلبها عار (٤). وقيل : منسوب الى العارة ، وهو اسم ، من قولك : أعرت المتاع إعارة وعارة ، والإعارة المصدر. وقيل : اشتقاقها من عار يعير إذا ذهب وجاء ، فسمّيت عارة لتحويلها من يد إلى يد. وذكر الخطابي أنّ اللغة الغالبة التشديد ، وقد يخفف.

وفي الشرع : هي عبارة عن إباحة الانتفاع بالعين ، ثمَّ استردادها ، ويسمّى مالك المنفعة المعير والمستبيح والمستعير ، والعين المنتفع بها المستعار.

والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» (٥) والعارية إباحة الانتفاع لمن هو محتاج ، فكان إعانة. وقوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» (٦) قال ابن عباس : الماعون العواري (٧) وعن ابن مسعود : الماعون العواري من الدلو والقدر والميزان (٨).

__________________

(١) السرائر : باب الوديعة ص ٢٦٣ س ٢٩ قال : وإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة الوديعة ولا بينة فالقول قول المودع إلخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف : في الوديعة ص ١٦٦ س ٢١ قال : مسألة لو اختلفا في القيمة بعد ثبوت التفريط فالقول قول الودعي إلخ.

(٤) الصحاح : مادة عور.

(٥) المائدة : ٢.

(٦) الماعون : ٧.

(٧) الدر المنثور : ج ٨ في تفسير سورة الماعون ص ٦٤٤ عن ابن عباس قال : عارية متاع البيت ، وفيه أيضا قال : ومنهم من قال : يمنعون العارية.

(٨) الدر المنثور : ج ٨ ص ٦٤٣ وفيه روايات آخر عنه ، ورواه في مجمع البيان في تفسيره لسورة الماعون

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا السنة : فروى جابر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ما من صاحب الإبل لا يفعل فيها حقها إلّا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت بقاع قرقر (١) يشدّ عليه بقوائمها وأخفافها ، قال رجل : يا رسول الله ما حق الإبل؟ قال : حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها (٢) وروى أبو أمامة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال في خطبة الوداع : العارية مؤداة والمنحة مردودة ، والدين مقضيّ ، والزعيم غارم (٣) وروى أنس أنّ النبي صلّى الله عليه وآله استعار من أبي طلحة فرسا فركبه (٤) واستعار من صفوان بن أمية يوم حنين درعا ، فقال : أغصبا يا محمّد؟ فقال : بل عارية مضمونة مؤداة (٥).

وأمّا الإجماع : فمن سائر الأمة.

تنبيه

العارية من الأمانات الخاصة ، والأصل فيها عدم الضمان عند الفرقة المحقة ، إلّا أن يعرض ما يوجب ضمانها ، وهو أمور :

(أ) التفريط ، وهو ترك سبب من أسباب الحفظ الواجبة.

(ب) التعدّي ، وهو فعل ما لا يجوز شرعا.

__________________

(١) القرقر ، القاع الأملس ، وقيل : المستوي الأملس الذي لا شي‌ء فيه ، وفي حديث الزكاة بطح له بقاع قرقر ، هو المكان المستوي ـ لسان العرب ج ٥ لغة ـ قرر.

(٢) مسند احمد بن حنبل : ج ٣ ص ٣٢١ قطعة من حديث جابر.

(٣) مسند احمد بن حنبل : ج ٥ ص ٢٦٧ عن أبي أمامة الباهلي ، وفي ٢٩٣ عن سعيد بن أبي سعيد.

(٤) مسند احمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٨٠ ولفظ الحديث «عن أنس قال : كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه الحديث».

(٥) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب ضمان العارية والوديعة : ص ٢٤٠ الحديث ١٠.

١١

ولو اختلفا في الردّ ، فالقول قول المعير. ولو اختلفا في القيمة ، فقولان : أشبههما قول الغارم مع يمينه. ولو استعار ورهن من غير اذن المالك ، انتزع المالك العين ويرجع المرتهن بماله على الراهن.

______________________________________________________

(ج) أن يستعير ذهبا أو فضة الّا ان يشترط سقوط الضمان ، ولا فرق بين المستودع وغيره.

(د) أن يستعير من غاصب أو ممّن ليس بكامل.

(ه) أن يشترط على المستعير ضمانها ، فيضمن العين مع تلفها ، ولا يضمن ما ينقص بالاستعمال.

(و) أن يستعير للرهن ، فيكون مضمونة على المستعير دون المرتهن. وذهب بعض العامة إلى كونها مضمونة في الأصل ، لقوله عليه السّلام «بل عارية مضمونة» والجواب أنّ ضمانها باشتراطه عليه السّلام على نفسه الضمان ، لا أنّه من لوازمها.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في القيمة فقولان : أشبههما قول الغارم.

أقول : مختار المصنف مذهب العلامة (١) وبه قال القاضي (٢) (٣) وسلار (٤)

__________________

(١) المختلف : كتاب الأمانات ، في العارية ، ص ١٦٨ س ٣٨ قال بعد نقل قول ابن إدريس : وهو الوجه عندي.

(٢) ظاهر الأمر على خلاف ما أثبته المصنف رحمه الله لأن بعضهم في الاختلاف يقول : القول قول المعير وبعضهم يقول : القول قول المستعير ، وإليك ما أثبتوه في كتبهم أو نقل عنهم.

(٣) المختلف : كتاب الأمانات ، في العارية ص ١٦٨ س ٣٥ قال : وإذا اختلفا في القيمة بعد التفريط قال الشيخان : القول قول المالك مع يمينه الى قوله وبه قال ابن البراج.

(٤) المراسم : ذكر أحكام العارية ص ١٩٤ س ١٠ قال : فاذا اختلفا في شي‌ء من ذلك فالقول قول المعير إلخ.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن حمزة (١) وابن إدريس (٢) وقال الشيخان يقدم قول المالك (٣) ومنشأ الخلاف قد تقدّم.

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان العارية ص ٢٧٦ س ٦ قال : وان اختلفا في القيمة كان القول قول المعير إلخ.

(٢) السرائر : باب العارية ، ص ٢٦٢ س ١١ قال : والذي يقتضيه الأدلة وأصول المذهب أنّ القول قول المدعى عليه إلخ.

(٣) المقنعة : باب العارية ص ٩٧ س ٢٧ قال : وان لم تكن له بينة فالقول قول صاحب العارية إلخ وفي النهاية : باب الوديعة والعارية ص ٤٣٨ س ١٣ قال : وإذا اختلف المعير والمستعير في قيمة العارية كان القول قول صاحبها مع يمينه إلخ.

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

١٣
١٤

كتاب الإجارة

١٥
١٦

كتاب الإجارة

وهي تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم. ويلزم من الطرفين

______________________________________________________

كتاب الإجارة

مقدمة

الإجارة في اللغة كدّ الأجير ، واشتقاقه من الأجر وهو الثواب ، يقال : آجر داره يؤجرها إيجارا فهو موجر. والأجير فعيل بمعنى الفاعل كالعليم بمعنى العالم.

وفي الشريعة تمليك المنفعة مدة معيّنة بعوض مالي.

فالتمليك جنس ، والمنفعة فصل يخرج به تمليك الأعيان كالبيع والهبة. ويخرج باشتراط العوض العارية ، وباقي القيود شروطه.

والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (١) وقال «لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» (٢) وقال «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ» (٣) فأخبر بوقوع الإجارة.

وأمّا السنّة : فروى أبو هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : أعط الأجير أجرته

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٢) الكهف : ٧٧.

(٣) القصص : ٢٧.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قبل أن يجفّ عرقه (١) وروى أبو سعيد الخدري وأبو هريرة عنه عليه السّلام : من استأجر أجيرا فليعلمه أجره (٢) وروى ابن عمر ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، رجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره ، ورجل أعطاني صفقته ثمَّ غدر (٣).

وفعله الصحابة ، فعليّ عليه السّلام آجر نفسه من يهودي ليستقي الماء كلّ دلو بتمرة وجمع التمرات وحمله إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله (٤).

وروى محمّد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الإجارة؟ قال : صالح لا بأس بها إذا نصح قدر طاقته ، وقد آجر نفسه موسى بن عمران واشترط فقال : ان شئت ثمانيا وإن عشرا ، فانزل الله الآية (٥).

والتعرض للتكسب بالتجارة أفضل منها ، روى محمّد بن عمرو بن أبي المقدام عن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يتجر وإن هو آجر نفسه أعطي أكثر ممّا يصيب في تجارته ، قال : لا يؤاجر نفسه ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتجر ، فان من آجر نفسه فقد حظّر على نفسه الرزق (٦).

__________________

(١) سنن الكبرى للبيهقي : ج ٦ باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة وتكون الأجرة معلومة ص ١٢٠ س ٢٢.

(٢) سنن الكبرى للبيهقي : ج ٦ باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة وتكون الأجرة معلومة ص ١٢٠ س ٩ فعن أبي هريرة كما في المتن ولفظ ما عن أبي سعيد الخدري هكذا : نهى عن استئجار الأجير ، يعني حتى يبين له أجره.

(٣) صحيح البخاري : ج ٣ باب في الإجارة : باب ٤١ من منع أجر الأجير. وسنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الرهون (٤) باب أجر الاجراء الحديث ٢٤٤٢.

(٤) سنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الرهون (٦) باب الرجل يستقى كل دلو بتمرة ويشترط جلدة الحديث ٢٤٤٦.

(٥) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب كراهية إجارة الرجل نفسه ص ٩٠ الحديث ٢.

(٦) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب كراهية إجارة الرجل نفسه ص ٩٠ الحديث ٣.

١٨

وتنفسح بالتقابل ، ولا تبطل بالبيع ولا بالعتق. وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان : نعم ، وقال المرتضى : لا تبطل ، وهو أشبه.

______________________________________________________

وأمّا الإجماع : فمن عامة المسلمين.

قال طاب ثراه : وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان : نعم ، وقال المرتضى : لا يبطل ، وهو أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(أ) البطلان بالموت من أيّهما اتفق قاله الشيخان (١) وسلار (٢) والقاضي (٣) وابن حمزة (٤).

(ب) عدم البطلان من أيّهما كان قاله السيد (٥) وابن إدريس (٦) والتقى (٧) وهو ظاهر أبي علي (٨) واختاره المصنف التهذيب (٩) والعلامة (١٠).

__________________

(١) المقنعة ، باب الإجارات ، ص ٩٨ س ٢٠ قال : والموت يبطل الإجارة. وفي النهاية ، باب المزارعة والمساقاة ص ٤٤١ س ١٩ قال : ومتى مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة وفي باب الإجارة ص ٤٤٤ س ٤ قال : والموت يبطل الإجارة على ما بيّناه.

(٢) المراسم ، ذكر أحكام الإجارات ص ١٩٦ س ٦ قال : ولا يبطل الإجارة إلّا الموت.

(٣) المهذب : ج ١ كتاب الإجارة ، ص ٥٠١ س ١٩ قال : والموت يفسخ الإجارة.

(٤) الوسيلة ، باب في بيان الإجارة ص ٢٦٧ س ١٠ قال : وتبطل الإجارة بموت كليهما وبموت أحدهما.

(٥) المختلف : كتاب الإجارة ص ٢ س ٣٠ قال : وقال أبو الصلاح لا يبطل الإجارة بالموت الى أن قال : وبه قال ابن إدريس ونقله عن السيد المرتضى الى أن قال : والوجه ما قال أبو الصلاح.

(٦) السرائر : باب المزارعة ، ص ٢٦٧ س ١١ قال : وقال الأكثرون المحصّلون : لا يبطل الإجارة بموت الموجر ولا بموت المستأجر وهو الذي يقوى في نفسي وافتي به.

(٧) الكافي : الإجارة ، ص ٣٤٨ س ١٨ قال : ولا تبطل الإجارة بالموت إلخ.

(٨) المختلف : كتاب الإجارة ص ٢ س ٣٠ قال : وقال ابن الجنيد : ولو مات المستأجر قام ورثته إلخ.

(٩) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٠) تقدم نقله آنفا.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) بطلانها بموت المستأجر دون الموجر ، نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب (١) وفي المبسوط قال : وهو أظهر عندهم (٢) أي عند أصحابنا ، وقال القاضي : وعمل الأكثر من أصحابنا على أنّ موت المستأجر هو الذي يفسخها ، لا موت الموجر (٣).

احتجّ الأوّلون بتعذّر استيفاء المنفعة بالموت ، لأنه استحق استيفائها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين ، فانتقلت إلى ورثته ، فالمنافع تحدث على ملك الوارث ، فلا يستحق المستأجر استيفائها ، لعدم العقد على ملك الوارث. وكذا في طرف المستأجر على تقدير موته لا يمكن إيجاب الإجارة (الأجرة) من تركته ، لانتقالها بالموت إلى ورثته ، ولأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر ، لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين ، وقد تعذر ذلك بالموت.

وأجيب بأن المستأجر قد ملك المنافع بالعقد ، وملكت عليه الأجرة كاملة ، فالمنتقل إلى ورثة المؤجر بالموت ليس الّا العين مسلوبة المنافع مدة الإجارة ، والى ورثة المستأجر ما عدا مال الإجارة ، لوجوبه في حياته للغير بعقد شرعي.

احتج العلامة ومن تابعه بوجوه :

(أ) إن الإجارة حق مالي ومنفعته موجودة يصح المعاوضة عليها ، وانتقالها بالميراث وشبهه ، فلا يبطل بموت صاحبها كغيرها من الحقوق (٤)

__________________

(١) الخلاف : كتاب الإجارة مسألة ٧ قال : وفي أصحابنا من قال : موت المستأجر يبطلها إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٣ كتاب الإجارات ، ص ٢٢٤ س ١٨ قال : والأظهر عندهم انّ موت المستأجر يبطلها إلخ.

(٣) المهذب : ج ١ كتاب الإجارة ص ٥٠١ س ٢٠ قال : وعمل الأكثر من أصحابنا على أنّ موت المستأجر هو الذي يفسخها.

(٤) المختلف : كتاب الإجارة ص ٣ س ١ قال : لنا انه حق مالي ومنفعة مقصودة يصح المعاوضة عليها إلخ

٢٠